مجلة مغرب القانونأطروحات جامعيةمنعم بن صالح: رجل السلطة بين الهاجس الأمني والبعد التنموي(تقرير اطروحة)

منعم بن صالح: رجل السلطة بين الهاجس الأمني والبعد التنموي(تقرير اطروحة)

منعم بن صالح دكتور في الحقوق


تقرير اطروحة دكتوراه في القانون العام للباحث “منعم بن صالح”، تمت مناقشتها بتاريخ  08 نونبر 2022، برحاب كلية العلوم  القانونية والاقتصادية والاجتماعية- طنجة.


بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

انه لمن أسباب سعادتي الغامرة، ان أمثل اليوم امام لجنتكم الموقرة، في هذا المحفل الأكاديمي لأحظى بشرف مناقشتكم للأطروحة التي حضرتها بعنوان:

رجل السلطة بين الهاجس الأمني والبعد التنموي“.

اسمحوا لي السادة الأساتذة، أعضاء اللجنة العلمية الموقرة، أن أستهل هذا التقرير بكلمة أوجهها لأستاذي الفاضل الدكتور علي الحنودي لتفضله بالإشراف على هاته الأطروحة وإخراجها إلى حيز الوجود، من خلال توجيهاته العلمية الرصينة وملاحظاته السديدة، فله مني بالغ الوفاء وعالي الإحترام وفقه الله وجزاه عني خير الجزاء.

والشكر موصول لأساتذتي الأجلاء أعضاء اللجنة العلمية الموقرة، الدكتور نور الدين اشحشاح، والدكتور عبد الحفيظ ادمينو  و الدكتورة أسماء اشطيبي، والدكتور محمد الحسناوي التقال. الذين أتشرف بقبولهم مناقشة هذه الأطروحة، من أجل إبداء ملاحظاتهم بشأنها وإغنائها وتقويمها.

كما أهدي ثمرة هذا العمل المتواضع، إلى والدتي تغمدها الله بواسع رحمته، واسكنها فسيح جناته في زمرة الصديقين والشهداء والصالحين، ووالدي متعه الله بالصحة والعافية وإلى زوجتي الغالية، وولدي العزيزين، وإخواني وأخواتي الأعزاء وجميع الأهل والأحباب، كما أقدم الشكر للحضور الكريم كل باسمه وصفته الذين شرفوني بحضورهم ومؤازرتي خلال هذه المناقشة.

السيد الرئيس، السادة أعضاء اللجنة الموقرة، لقد جاء موضوع الأطروحة، في إطار سياق التطور الذي عرفته بنية ووظيفة الإدارة المغربية، لاسيما على مستوى الإدارة الترابية لمواكبة حركية المجتمع وتطوره، مما فرض تجاوز المفهوم التقليدي للإدارة المحكوم عادة بالهاجس الأمني الضبطي إلى تبني المفهوم الجديد للسلطة، القائم على الحكامة المجالية، عبر انتهاج سياسة القرب والانفتاح على تطلعات الساكنة والانكباب الإجرائي على معالجة الإشكالات التنموية على الصعيد المحلي والجهوي.

بيد أن الإنتقال من إدارة التعليمات والتوجيهات، إلى إدارة ترابية قادرة على أن تكون رافعة أساسية للمشاريع التنموية المحلية والجهوية، يستوجب بالضرورة القطع مع الأساليب البيروقراطية، والمبالغة في التراتبية الإدارية، التي غالبا ما تكون سببا مباشرا في عرقلة المشاريع التنموية،التي أصبحت من التحديات الكبرى للبلاد.

ومن تم فحتمية تكريس مقاربات التنمية الترابية، يعد أحد المداخل الأساسية لتجسيد المفهوم الجديد للسلطة، ليصبح خيارا وتوجها استراتيجيا لا محيد عنه، إذا أردنا أن نؤسس لنهضة تنموية محلية، تستحضر الخصوصية المحلية لبلورة نماذج تنموية قادرة على تحقيق الطفرة التنموية،عبر بلورة القرار التنموي المحلي، وهو المعطى الذي يستلزم إقامة قنوات لتصريف الشأن العام، على صعيد مختلف مستويات الإدارة الترابية، وفق المقاربة التدبيرية الجديدة.

وتعتبر مؤسسة رجل السلطة أهم تجسيد لهذا التصريف، خاصة إذا استحضرنا الوظائف البارزة، والدور المحوري لهذه المؤسسة الإستراتيجية في النظام الإداري المغربي، باعتبارها أداة إجرائية لتفعيل السياسة الحكومية على المستوى الإقليمي والجهوي، فمحورية مؤسسة الوالي والعامل باعتبارها ممثلة للسلطة المركزية في تنسيق مختلف العمليات الإدارية جهويا وإقليميا، اكسب هذه المؤسسة بعدا خاصا ورمزية اعتبارية في المجتمع المغربي.

ويمكن اعتبار هذه المؤسسة، بنية إدارية تضطلع بالوظيفة التقليدية للدولةالمتمثلة أساسا في الحفاظ على الأمن والنظام العام كوظيفة ثابتة في الزمان والمكان فضلا عن امتداد وظيفة رجل السلطة الى تحقيق البعد التنموي، نظرا للتحول الذي حصل على مستوى الاختلالات المجالية، وعلى مستوى تحديد الأولويات التي أصبحت تواجهها الدولة، التي جعلت من المسالة التنموية رهانا حقيقيا.إذ عرفت سلطات واختصاصات الوالي والعامل اتساعا ملحوظا، حيث امتدت لتشمل كل الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. تحول جعل من هذه المؤسسة –التي أصبحت لها سلطة التدخل العام-بنية أمنية وتنموية في نفس الوقت، التي طبعت عمل هذه المؤسسة لعدة عقود.

لقد أدت العديد من العوامل المتمثلة في التحديات الوطنية والدولية إلى ضرورة البحث عن سبل جديدة للمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما يجعل  من هذه المؤسسة، معنية بدرجة كبيرة بالانخراط في التنمية، توجه عكسه الخطاب الملكي السامي ل 12 أكتوبر 1999 حول المفهوم الجديد للسلطة، الذي اعتبر في جوهره دعوة صريحة إلى تحديث وعصرنة الإدارة الترابية، في أفق دمقرطتها وتفعيل دورها التنموي.

إن تقسيم السلطة بين الدولة والهيئات اللامركزية، كان الهدف منه تفويض مجموعة من الصلاحيات بهدف تكريس التنمية الترابية، عبر جعل القرار التنموي المحلي والجهوي في يد الفاعلين الترابيين، ينطلق من الحاجيات الحقيقية للساكنة، عبر إشراكهم والإنصات إلى تطلعاتهم، في أفق تنمية مستدامة تراعي الخصوصيات المحلية، وتجعل من المواطن رافعة أساسية لهذه التنمية، تنطلق منه وتعود إليه، وذلك كمحصلة طبيعية للمجهودات المقدمة من طرف الساكنة، والفاعلين المحليين، عبر تقاسم ثمار المجهود التنموي المحلي بما يحقق العدالة الاجتماعية، ويكرس مفهوم المواطنة والاقتصاد التضامني.

مقال قد يهمك :   اجتهاد قضائي:مادام الاموال كافية للدين فإنه لا موجب بإجراء حجوز اخرى على أموال المدين

ولأن الأمن والتنمية أمران متلازمان في عمل وتفكير رجل السلطة،  لا يمكن فصل أي منهما عن الآخر، لدرجة أن بعضهما يكمل الآخر في حالات، وفي أخرى نجدهما يتعايشان بشكل خفي أو جلي، حسب طبيعة العمل والمهمة المسندة، وطريقة التدبير ونوعية الفرقاء والشركاء.

ولا شك أن دراسة ومناقشة موضوع رجل السلطة بين الهاجس الأمني والبعد التنموي تستلزم منا التوقف على عدة عناصر مهمة للإحاطة بالموضوع واستيعابه وهي:

1-بخصوص الموضوع زمكانيا

تم التركيز في هذه الدراسة على مسار مؤسسة رجل السلطة منذ الاستقلال وكيفية تأطيرها إن على المستوى الدستوري أو القانوني، وتحليل تدخلاتها على المستوى الترابي.

وتم تحديد الموضوع زمانيا في الفترة الممتدة ما بين سنة 1956 إلى سنة 2020 إذ تم تسليط الضوء فيها على التطور القانوني الذي لحق هذه المؤسسة ولاسيما تحديد مجال تدخلات الولاة والعمال دستوريا .

وتعد المستجدات والتطورات على الساحة السياسية المغربية مهمة وجديرة بالانكباب عليها بالتحليل. مستجدات من شانها تغيير البنية الإدارية للتنظيم الترابي المغربي، من خلال تنزيل الجهوية المتقدمة وورش اللاتمركز الإداري وإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار باعتبار هذه المستويات المجال الرئيسي لعمل الولاة والعمال، حيث اتضحت مكانة مؤسسة رجل السلطة (الوالي والعامل)، خاصة ما يتعلق منها بمهمة التنسيق بين المصالح اللاممركزة ودوره في تحفيز الاستثمار وتدبير الأوراش التنموية.

2-أهمية الموضوع

تتجلى أهمية الموضوع في كونه يسعى إلى محاولة تأطير وضبط تدخل رجل السلطة على مستوى الممارسة الميدانية، وهي عملية ليست سهلة بالنظر إلى تعقد وتداخل المهام التي يزاولها، فطبيعة التفاعلات التييثيرها عمله، من خلال الاختصاصات والمهام الموكولة إليه تتأرجح بين متطلبات الحفاظ على الأمن العام وتحقيق التنمية، وتختلف تمظهراته حسب الظرفية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فتارة  يمارس مهمة تحقيق التوازنات على المستوى الترابي، من خلال السهر على تطبيق القانون، وفرض احترامه وإرجاع الأمور إلى طبيعتها في حالة وقوع انفلاتات (المقاربة الأمنية والاجتماعية)، وتارة أخرى يمارس مهمة تحقيق البعد التنموي، وتعزيز الاستثمار (مقاربة تنموية)، فكلا الآليتين في يد واحدة، رجل في خدمة الصالح العام وتحقيق التنمية وضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

كما تتضح أهمية البحث، في بنيات ووظائف مؤسسة رجل السلطة، لاسيما في السنوات الأخيرة، لمعرفة مدى وطبيعة وآثار تدخلاته على المستوى الترابي، إن في الحالات العادية أو الاستثنائية، لاسيما وأن دوره مرتبط بالمصالح اليومية للمواطنين، وذلك انطلاقا من الصلاحيات والاختصاصات التي لها علاقة مباشرة خاصة، ويجسد مثالا حيال تقريب الإدارة من المواطنين، سواء فيما يتعلق بالجانب الاجتماعي والاقتصادي لتحقيق التنمية، أو بالجانب الأمني حفاظا على أمنهم وسلامتهم، وهو ما تميز به رجل السلطة أثناء حضوره القوي لتدبير حالة الطوارئ الصحية في ظل أزمة كورونا (كوفيد-19) على سبيل المثال لا الحصر.

3-أسباب اختيار الموضوع

تنقسم أسباب اختيار الموضوع بين ما هو موضوعي وما هو ذاتي:

تتجلى الدوافع الموضوعية في تزايد الاهتمام الوطني بمسألة تدخلات رجال السلطة (الوالي والعامل)، إذ يعد موضوع رجل السلطة بين الهاجس الأمني والبعد التنموي، مجالا خصبا لدراسة طبيعة هذه المؤسسة التي ما فتئت تتمخض عنها عدة إشكاليات قانونية وواقعية تستوجب خوض نقاش عمومي بخصوصها، لاسيما دورها في بلورة وتنزيل السياسات العمومية الترابية، وعلاقتها بباقي الفاعلين، وهو الأمر الذي يدفع بالباحث إلى محاولة تحليل و دراسة بنية ووظيفة مؤسسة رجل السلطة.

أما من الدوافع الذاتية، تتجلى في اهتمامي الخاص كباحث في قضايا الإدارة الترابية والشأن المحلي، مما حذا بي  لمحاولة الإحاطة بموضوع لم يفقد أهميته، رغم حضوره الدائم في النقاش القانوني والعمومي بالمغرب. ويأتي التعاطي الخاص مع الموضوع أيضا من رغبة ذاتية تتمثل في قناعة أن رجل السلطة يشكل الحجر الأساس على المستوى الترابي وان دوره ليس هدفا في حد ذاته، وإنما وسيلة لتحقيق الأمن والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.

4- صعوبات البحث

في خضم الإعداد لهذا البحث يمكننا الإقرار بوجود مجموعة من الصعوبات والتي يمكن إيجازها فيما يلي:

  • الطابع المعقد للإشكالية ومرده ارتباطها بعدة مجالات علمية: العلوم القانونية العلوم السياسية، العلوم الاقتصادية، علوم التاريخ، علم الاجتماع …. الخ.
  • عمومية الأطروحات العلمية، حيث يلاحظ أن الأبحاث المتعلقة بالإشكالية تتسم باقتصارها على الجانب القانوني عوض الالتفاف إلى الأبعاد الأخرى للإشكالية.
  • طغيان موضوع اللامركزية في الكتابات والأبحاث المتعلقة بالسلطة المحلية.
  • صعوبة إجراء بحث ميداني ترابي لأسباب ذاتية نتيجة العامل الزمني وموضوعية نتيجة انعدام حصيلة بحثية ومراجع ميدانية حول الإشكالية لدرجة انه لا توجد أيدراسة ميدانية متكاملة حول السلطة المحلية نظرا لحساسية الموضوع والتحفظ على سرية المعلومات.
  • صعوبة إجراء دراسة كاملة حول ما يزيد عن 83 عمالة وإقليم بمختلف خصائصها ومميزاتها بهدف تفادي التعميم واعتماد التخصيص.
مقال قد يهمك :   ملائمة الغرامة اليومية للقانون المغربي-دراسة مقارنة-

لكن يبقى في الاخير، الهدف الاساسي من البحث هو اضاءة جوانب اساسية من خلفيات اختيار وانتقاء رجل الادارة الترابية من خلال القانون المؤطر له، والادوار التي يقوم بها على مستوى مخلتف الميادين.

5- إشكالية الموضوع:

إذا كانت مؤسسة رجال السلطة، مبنية على المقاربات الأمنية لضبط المجال خلال العقود الماضية، وهو الدور الذي طبع تدبير رجال السلطة للإدارة الترابية، فإن المقاربة الحالية تعتمد على تدبير الأوراش التنموية، والمشاركة والفعالية لتحقيق التنمية المندمجة.ونظرا للأهمية التي يكتسيها دور رجل السلطة في الوقت الراهن، فإن الإشكالية الرئيسية التي تنبني عليها هذه الدراسة، تكمن في مدى قدرة رجل السلطة على التوفيق بين الوظيفة الأمنية وتكريس البعد التنموي الترابي.

من خلال هذه الإشكالية الرئيسية للبحث يمكن طرح مجموعة من التساؤلات التي من شأنها أن تؤطر مسار هذه الأطروحة، وهي :

  • ما هو الإطار القانوني والهيكلي لمؤسسة رجل السلطة؟
  • أي تكوين يخضع له رجل السلطة؟
  • أي دور لرجل السلطة في المجال الأمني للحفاظ على استقرار المجتمع؟ وما هي التحديات الأمنية، والسبل الكفيلة لمواجهتها؟
  • ما هي الوظائف التنموية لرجل السلطة؟
  • ما هي الرهانات الجديدة لمؤسسة رجل السلطة في مجال التنمية؟
  • إلى أي حد ساهمت مؤسسة رجل السلطة في خلق التنافسية ضمن باقي المؤسسات الأخرى؟
  • أي دور لرجل السلطة في أفق بلورة النموذج التنموي الجديد؟

فرضيات البحث

كل التساؤلات السابقة تذهب في اتجاه الإجابة عن الإشكالية الرئيسية للموضوع وتنطلق من عدة فرضيات تحاول الإجابة عنها مؤقتا وهي:

  • إن التحديات الأمنية التي تعرفها البلاد عموما تحتم على رجل السلطة التدخل والتحرك في نطاق حفظ النظام العام وبالتالي تعزيز دوره في المجال الأمني للحفاظ على استقرار المجتمع.
  • إن دور رجل السلطة لا يقتصر على الهاجس الأمني فقط، وإنما تجاوز ذلك إلى القيام بوظائف تنموية انطلاقا من الإختصاصات والصلاحيات المسندة إليه بمقتضى الدستور والقوانين ذات الصلة.
  • إن البعد التنموي لتدخلات رجال السلطة، أفضى إلى بروز رهانات جديدة لتكريس مقومات التنمية الترابية بكل مستوياتها
  • تعد مؤسسة الوالي والعامل مؤسسة مواطنة تحرص على ضمان التقائية السياسات الترابية ومختلف التدخلات العمومية، وبالتالي خلق التنافسية بين مختلف المؤسسات  في إطار عملية التنسيق والتتبع والمواكبة.

6-المناهج المعتمدة في البحث

تشكل هيئة رجال السلطة، مؤسسة محورية داخل البنية الإدارية للنظام السياسي المغربي، الذي يوليها أهمية كبيرة بالمقارنة مع باقي المؤسسات الإدارية، فهي تمثل التعبير المادي للسلطة السياسية في المجال الترابي المحلي، ونظرا لخصوصية الموضوع فان دراسته تحتم اعتماد مقاربات منهجية مختلفة لتحليله، حيث تتداخل وتترابط عدة عناصر في معالجة إشكاليته، مما يبرز حضور تعدد المنهج، حيث اقتضت الدراسة الاعتماد على المناهج التحليلية التالية:

  • المنهج التاريخي: يعتبر المنهج التاريخي، ضروريا لمواكبة التطور الذي لحق مؤسسة رجل السلطة، والتغيرات التي عرفتها الإدارة الترابية بالمغرب، حيث إن المنهج التاريخي هو منهج بحث علمي من شأنه أن يقود إلى الكشف عن الحقائق التاريخية، من خلال تحليل وتركيب الأحداث والوقائع الماضية المسجلة في الوثائق والأدلة التاريخية، وإعطاء تفسيرات وتنبؤات علمية عامة في صورة نظريات وقوانين عامة وثابتة نسبيا.
  • المنهج الوصفي التحليلي: الإرتكاز على هذا المنهج، يدفع بالباحث إلى الحصول على معلومات وافية ودقيقة تصور الواقع وتسهم في تحليل ظواهره ويعتبر عنصرا أساسيا وديناميكيا في وصف الظواهر التي عرفتها مؤسسة رجل السلطة، وذلك عبر تحليل النصوص والوثائق والخطابات وتفكيك مضمونها وإدراك دلالاتها ورموزها.
  • المنهج النسقي: إن تبرير اعتماد هذا المنهج مرده إلى كون مؤسسة رجل السلطة تشتغل في نطاق مشترك عموديا وأفقيا، ينتج عن تدخلاته وجود تفاعلات داخل المجال الترابي الذي يعتبر وعاء لمختلف الأنساق داخل المنظومة الاجتماعية الكلية التي تؤدي مجموعة من الوظائف الحيوية، المعلنة منها والخفية، وتتفاعل مع محيطها الخارجي عبر استقبال المطالب الاجتماعية وإفراز مخرجات ذات طبيعة ضبطية اجتماعية وتنموية. كما أن دور مؤسسة الوالي والعامل لاسيما في مجال التنسيق بين مختلف المؤسسات والوحدات الترابية يفرض وجود تدخلات مشتركة داخل نسق واحد، وهو الأمر الذي يمكن تحليله عبر المنهج النسقي.

7-خطة البحث:

بناء على ما سبق، المعالجة الإجرائية لموضوع هذه الأطروحة تم من خلال قسمين أساسين:

القسم الأول: تم فيه تشخيص واقع حال الإدارة الترابية بالمغرب ودورها في تحقيق الأمن المجتمعي، من خلال تحديد التطور القانوني والهيكلي لمؤسسة رجل السلطة، وإبراز المكانة الدستورية والقانونية للولاة والعمال، لاسيما عبر إبراز البنية الإدارية والمهنية لهم، ثم تسليط الضوء على البناء الوظيفي للولاة والعمال من خلال ضبط أدوارهم وصلاحياتهم في الحفاظ على الأمن العام بالمغرب كدور كلاسيكي لهذه المؤسسة، وإبراز أهم التحديات التي يواجهها رجل السلطة.

مقال قد يهمك :   رأي حول استثناء الخلف الخاص من قاعدة التطهير في ظهير التحفيظ العقاري

أما القسم الثاني: فقد تم التطرق فيهللوظائف التنموية لرجال السلطة والرهانات الجديدة في مجال التنمية، لإبراز تدخلاتهم في تنزيل السياسات العمومية الترابية وضمان آلتقائيتها خاصة فيما يتعلق بتدبير الأوراش التنموية الكبرى من قبيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والمراكز الجهوية للاستثمار، أضفإلى ذلك الإشراف على عمليات التنسيق والتتبع ومواكبة أشغال التأهيل الحضري للمدن، من اجل تقوية بنياتها التحتية وتوفير الظروف الملائمة للعيش والاستقرار.

وهذا ما أكد عليه التقرير العام للنموذج التنموي، بنقل حقيقي للسلطة لتعزيز دور الولاة فيما يتعلق بالتنسيق بين مصالح الدولة الخارجية لتغدو شريكا حقيقيا لممثلي الجهات، وذلك طبقا لروح المفهوم الجديد للسلطة كما حدده خطاب 12 اكتوبر 1999، واحكام الدستور الذي اسند للولاة مهمة تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة والسهر على حسن سيرها،لأجل بلورة وتفعيل برامج السياسات العمومية في أفق التنزيل الفعلي للنموذج التنموي.

خلاصات وآستنتاجات:

             وأخيراـ لقد أسفر تحليل موضوع هذه الأطروحة إلى الكشف عن عدة نتائج تؤكد

 مدى صحة الفرضيات التي آنبنت عليها هذه الدراسة وأهمها:

  • تفعيل المقتضى الدستوريبربط المسؤولية بالمحاسبة
  • أنسنة مؤسسة رجل السلطة وتخليقها، باتصافها بالشفافية والنزاهة واللباقة في تعاملها مع المواطنين والمستثمرين، تماشيا مع خطاب المفهوم الجديد للسلطة باعتباره مرجعا في تدبيرالإدارة الترابية’
  • إشاعة ثقافة جديدة تعتمد على التشارك والتعاون بين رجال السلطة والمواطنين’
  • الحرص على صيانة حقوق وحريات المواطنين وصيانتها
  • تطبيق سياسة حقيقية لعدم التمركز بتفويض سلطات مهمة إلى رؤساء المصالح اللاممركزة إلى جانب الولاة والعمال’
  • تحقيق الثقة المتبادلة بين رجال السلطة والمواطنين، وتكريس مفهوم جديد للسلطة حقيقي كما تصوره الملك محمد السادس’
  • إعطاء نظرة استباقية واستشرافية لإحداث الوحدات الترابية الجديدة وفق معايير مضبوطة دون ربطها بالاحتجاجات والمظاهرات’
  • مراجعة منظومة التكوين بالمعهد الملكي للإدارة الترابية، تماشيا مع تطورات العصر الحديث وثقافة حقوق الانسان’
  • اعادة النظر في منظومة العمل، كما هو منصوص عليها دوليا ووطنيا، عكس العمل بتوقيت 24/24 ساعة، لان كثرة العمل والضغط يؤديان في بعض الأحيان إلى السخط ونقص في المردودية’
  • ارساء مواطنة حقيقية، ومجتمع مدني فاعل للمساهمة في عملية الانتقال إلى مفهوم منفتح للسلطة يعتمد على تحقيق الديمقراطية والتنمية كهدف اسمى’
  • خلق مناخ ملائم للاستثمارات، وذلك بتدبير الملفات الاستثمارية بالشفافية والسرعة اللازمة، وبالعمل على تجاوز جميع الاكراهات، حتى يتكمن الولاة والعمال من المساهمة في تحقيق التنمية وانعاش الاستثمارات’
  • تكثيف التدقيق والمحاسبة في مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية’
  • الحرص على احترام نزاهة وشفافية الانتخابات، لإعطاء تمثيلية حقيقية تعكس طموحات وانشغالات المواطنين، تساهم بجدية في تدبير الشأن المحلي وفق مقاربة تشاركية’
  • ترسيخ مبدا سيادة القانون وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين’
  • ارساء مفهوم الأمن الشامل الذي يدمج الأمني بالتنموي’
  • ينبغي أن يشكل التقرير العام المتعلق بالنموذج التنموي، منطلقا حقيقيا لممارسة السلطة في بعدها الأمني والاقتصادي والاجتماعي، في اطار احترام دولة الحق والقانون، وبما يعود بالنفع على جميعالمواطنين على قدم المساواة.

تلكم هي الخطوط العريضة لمضمون الاطروحة محل المناقشة، وشكرا.

وفي الختام اجدد شكري وامتناني لأستاذي الفاضل الدكتور “علي الحنودي” الذي عرفت فيه صرامة علمية، ودقة منهجية لا يفرط فيهما تحت أي ظرف، كما عرفت فيه الإنسان الذي يأخذه الحدب على طلابه فلا يدخر جهدا في سبيل إرشادهم وتقويم ما اعوج من بحوثهم.

كما اجدد شكري وامتناني للسادة الأساتذة الكرام أعضاء اللجنة العلمية الموقرة، على ملاحظاتهم القيمة التي من شانها تجويد هذا العمل وتجاوز كل ما يشوبه من نواقص وهفوات سأعمل جاهدا إن شاء الله،على الأخذ بعين الإعتبار جميع هذه الملاحظات وإدراجها في النسخة المنقحة قبل إيداعها في خزانة الكلية، ولا يسعني القول إلا ما قال الشاعر لكل شيء إذا ما تم نقصانه أن هذا العمل ما هو إلا بداية لمسار البحث العلمي في المجال القانوني.

دمتم أمناء على رسالة العلم … والله ولي التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]