مجلة مغرب القانوناجتهادات مختارةاجتهاد قضائي حول الجد في طلب حوز الصدقة (تعليق على قرار )

اجتهاد قضائي حول الجد في طلب حوز الصدقة (تعليق على قرار )

المجلس الأعلى

القرار عدد 427

الصادر بتاريخ 23  غشت 2011

في الملف الشرعي عدد 184/2/1/2010

الصدقة- صحتها – الجد في طلب الحيازة.

الجد في طلب حيازة الصدقة يعتبر بمثابة حوز لها.

سعي المتصدق عليه إلى تسجيل الصدقة في مطلب التحفيظ وفي حياة المتصدق يعتبر بمثابة الجد في الحيازة.

                                                                نقض وإحالة

باسم جلالة الملك:

حيث يؤخذ من وثائق الملف، ومن القرار المطعون فيه عدد 59 الصادر بتاريخ 2/3/2009 في الملفين المضمومين رقم 75/2008/10 و76/2008/10 عن محكمة الاستئناف بالرباط، أنه بتاريخ 16/4/2007 تقدم المطلوبون بمقال لدى المحكمة الابتدائية بالرماني التمسوا بمقتضاه الحكم ببطلان عقدي الصدقة المرفقين المحررين في 24/2/2004، والذي بمقتضاهما تصدق موروثهم على المدعى عليه مبارك (ك) بالعقار موضوع الرسم العقاري عدد 18118 وعلى الطاعنة بالعقار موضوع المطلب عدد 3064/29 لعدم معاينة العدلين للحوز، ولأن المتصدق ظل حائزا للمتصدق به إلى أن توفي وأرفق المقال بنسخة من عقدي الصدقة المؤرخين في 24/2/2004، ونسخة من إراثة المرحوم احماد (ك) عدد 479، وأجاب المدعى عليه امبارك (ك) بأن المطلوبين لم يفرقوا بين العقار الخاضع لأحكام الشريعة الإسلامية والعقار الخاضع لأحكام ظهير 1333، وأنه سجل الصدقة في الرسم العقاري، وأن التسجيل هو المعتبر في الحيازة وأرفق جوابه بشهادة مستخرجة من الرسم العقاري عدد 18118 وأنهت المحكمة الابتدائية الإجراءات بإصدارها حكما بتاريخ 24/1/2008 في الملف رقم 11/2007/17 قضى: “بالحكم ببطلان رسم الصدقة المؤرخ في 24/2/2004 المتعلق بالمدعى عليها زهرة (ش) موضوع مطلب التحفيظ عدد 3064/29، وبرفض الطلب فيما يتعلق برسم الصدقة المؤرخ في 24/2/2004 المتعلق بالمدعى عليه مبارك (ك) موضوع الرسم العقاري عدد 18118/ر”، واستأنفته الطاعنة مثيرة بأن تسجيل رسم الصدقة بالمطلب العقاري دليل على حيازتها للمتصدق به وأنه كان على الطاعنين أن يسلكوا مسطرة التعرض على المطلب للمطالبة بما يدعونه، وأن رسم الصدقة نص على أنها حازت المتصدق به وقبلته وهو ما يفيد حيازتها وأرفقت مقالها بمحضر معاينة في 8/4/2008، كما استأنفه المطلوبون في الشق الثاني مجددين دفوعاتهم، وبعد استنفاد أوجه الدفع والدفاع قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف وهو القرار المطعون فيه بالنقض بمقال تضمن سببين بلغت نسخة منه للمطلوبين والتمسوا رفض الطلب.

في السبب الثاني:

حيث تعيب الطاعنة القرار بخرق الاجتهاد القضائي المتواثر، ذلك أنها أكدت في جميع مراحل الدعوى بأن الإجراءات المسطرية جارية أمام المحافظة العقارية، وأنه يتعين على المطلوبين في النقض تسجيل تعرضهم على مطلب التحفيظ في انتظار إحالة الملف على المحكمة، لكن دون جدوى، كما أكدت بأنها تستغل العقار موضوع الصدقة منذ تاريخ إبرام عقد الصدقة وأدلت بمحضر معاينة ظل هو الآخر بدون جدوى، لعدم جواب المحكمة على وسائل دفعها مما يعرض القرار للنقض.

حيث صح ما عابته الطاعنة في الوسيلة، ذلك أنه من المقرر فقها أن الجد في طلب الحيازة بمثابة حوز شرعي للهبة، والطاعنة جدت في طلب حيازتها للمتصدق به بتسجيل عقد الصدقة بالمطلب العقاري عدد 3064/29 المنصب عليه في حياة المتصدق والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه بعدم مراعاتها ذلك تكون قد خالفت نصا فقهيا جرى به العمل وهو بمثابة نص قانوني مما يعرض القرار للنقض.

لـهـذه الأسـبـاب:

قضى المجلس الأعلى بنقض القرار المطعون فيه.

الرئيس: السيد إبراهيم بحماني – المقرر: السيدحسن منصف – المحامي العام: السيد عمر الدهراوي.

مقال قد يهمك :   مرسوم اللاتمركز الإداري يستثني قطاعات الأمن و الأوقاف و العدل و الدفاع


تــــعليق:

الجد في طلب حوز الصدقة

عمر الأبيض

دكتور في الحقوق

رئيس غرفة بمحكمة النقض

حوز الهبة أو الصدقة من المواضيع التي اختلفت بشأنها وجهات النظر اختلافا حادا، سواء على مستوى الفقه أو القضاء، ويبدو أن هذا الوضع لازال مستمرا في انتظار ما سيسفر عنه تطبيق مقتضيات المادة 274 من مدونة الحقوق العينية[1] من طرف القضاء فيما أوردته من قواعد تحكم حوز الهبة والصدقة، والتي أقرت أن التقييد بالسجلات العقارية يغني عن الحيازة الفعلية للملك الموهوب وعن إخلائه من طرف الواهب، إذا كان محفظا أو في طور التحفيظ.

وضمن هذا السياق أساهم بالتعليق على قرار حديث لمحكمة النقض صدر بتاريخ 23 غشت 2011 في الملف الشرعي عدد 184/2/1/2010 تناول موضوع حوز الصدقة في جانب لم يسبق أن صدر عن محكمة النقض قرار مثله، ويتعلق الأمر بالجدّ في طلب العطية، الذي إذا ما أثبته المعطى له، فإنه يحُول واعتبار العطية باطلة، إذا ما حصل مانع من الحوز من موت أو جنون أو فلس، بعد أن كان المعطى له جادا في طلب العطية.

سأتناول هذا التعليق منطلقا من تأصيل مختصر لما يمكن تسميته بمؤسسة “الجد في طلب العطية” في منظور المذهب المالكي، حتى تتوفر الأرضية الواضحة لمناقشة التوجه الذي أخذ به القرار موضوع التعليق، وعلى الأخص اعتبار تسجيل عقد الصدقة بمطلب التحفيظ بمثابة حوز شرعي لها.

سأتناول هذا بمشيئة الله بعد عرض موجز لوقائع القضية، دون أن أتعرض لشق منها، لم يرفع بشأنه الطعن بالنقض، ذلك أن الأمر يتعلق بعقد صدقة آخر انصب على عقار محفظ. فلا ضرورة لسرد ما يتعلق به من وقائع سواء أمام المحكمة الابتدائية أو الاستئنافية، ما دام أن البت في الطعن بالنقض لم يكن يتوقف على ذلك.

وتتلخص هذه الوقائع في أن المطلوبين في النقض تقدموا بمقال أمام المحكمة الابتدائية من أجل الحكم ببطلان عقد تَصدَّق بموجبه مورثهم على طالبة النقض بالعقار موضوع مطلب تحفيظ، وذلك لعدم معاينة العدلين لحوز محل الصدقة، ولكون المتصدق ظل حائزا لذلك، إلى أن توفي. فأصدرت المحكمة الابتدائية حكمها ببطلان الصدقة، الذي استأنفته المتصدق عليها، مبينة في أسباب استئنافها أن تسجيل رسم الصدقة بمطلب التحفيظ دليل على حيازتها لمحل الصدقة، وأنه كان على المطلوبين سلوك مسطرة التعرض على مطلب التحفيظ للمطالبة بما يدعونه، وأن رسم الصدقة نص على أنها حازت المتصدق به وقبلته، فقضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف بمقتضى القرار المطعون فيه بالنقض من طرف المتصدق عليها.

لقد استندت الطاعنة في السبب الثاني للنقض إلى أنها أكدت أن مسطرة التحفيظ جارية أمام المحافظة العقارية، فكان يتعين على المطلوبين في النقض تسجيل تعرضهم على مطلب التحفيظ ليحال على المحكمة للبت فيه. كما أكدت أنها تستغل العقار موضوع الصدقة منذ إبرام عقدها. وأنها أدلت بمحضر معاينة. إلا أن المحكمة لم تجب عما أثارته.

فاستجاب القرار موضوع هذا التعليق لطلب النقض بعلة “أنه من المقرر فقها أن الجد في طلب الحيازة بمثابة حوز شرعي لها، والطاعنة جدت في طلب حيازتها للمتصدق به بتسجيل عقد الصدقة بالمطلب العقاري المنصب عليه في حياة المتصدق والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه بعدم مراعاتها ذلك تكون قد خالفت نصا فقهيا جرى به العمل وهو بمثابة نص قانوني مما يعرض القرار للنقض”.

فمن المعلوم أن عقد الهبة أو الصدقة لا يتم إلا بحوز محلها، قبل حصول المانع للمتبرع عليه، وإلا بطلت. إلا أن هذه القاعدة العامة التي تقرر بطلان التبرع إذا لم يتم الحوز قبل حصول المانع لها استثناءات، تتمثل في الحالة التي يكون المتبرع عليه جادا في  طلب العطية قبل حصول المانع، وكذلك في هبة الثواب[2] والنحلة[3].

مقال قد يهمك :   منشور العثماني لتفعيل القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات

فعقد التبرع صدقة أو هبة يصح ويلزم، ولو قبل الحوز، باعتبار أن هذا الأخير مجرد شرط في النفاذ والتمام[4]. لذا يكون من حق المتبرع عليه مطالبة المتبرع بتنفيذ التزامه وذلك بتمكين المتبرع عليه من قبض العطية. فقيام هذا الأخير بمطالبة المتبرع وجدّه في ذلك بغية حوز العطية إذا بدأت الخطوات الأولى لهذه المطالبة قبل حصول المانع، فإن ذلك يحول وترتيب المانع لأثره المتمثل في البطلان.

وينطبق الحكم السابق بالدرجة الأولى بالنسبة لمانع الموت، ذلك أنه إذا مات المتصدق وكان المتصدق عليه قبل حصول الموت جادا في طلب الصدقة غير تارك لها بسعيه لإنجاز البينة، فإن ذلك حوز عند ابن القاسم[5]. وكذا الأمر إذا كان الموهوب له يسعى في تزكية شهود الهبة. فيعتبر ذلك حوزا وتصح الهبة به[6]، إذ أنه في هذه الحالة ينزل الجد في الحيازة بمنزلة هذه الأخيرة[7].

وقد أشار لهذه الحالة الشيخ خليل في مختصره حينما قال “…أو جَدَّ فيه أو في تزكية شاهد”. وفي شرح ذلك يقول الخرشي[8] “فاعل (جد) هو الموهوب له والضمير المجرور بالحرف يرجع للقبض والضمير في (شاهده)، يرجع للشيء الموهوب أو للشخص الموهوب له. والمعنى أن الموهوب له إذا جد في قبض الهبة والواهب يمنعه من ذلك حتى مات الواهب فإن الهبة ماضية وذلك حوز على المشهور، وكذلك لا تبطل الهبة إذا أنكرها الواهب وأقام الموهوب له بذلك بينة واحتاجت إلى التزكية فجد الموهوب له في تزكيتها فمات الواهب قبل التزكية فإن الهبة ماضية وذلك حوز وظاهره ولو طال زمن التزكية، فقوله (أو جد) عطف على (قبض ليتروى) والمراد بالشاهد الجنس”.

وبطبيعة الحال، فإن جد المتصدق عليه سواء فيما يخص السعي في تزكية الشاهد، أو مخاصمة المتصدق أمام القضاء ينبغي أن يكون في صحة المتصدق[9] وليس أثناء مرضه، باعتبار أن هذا الأخير من أسباب الموت. وبذلك فإن مطالبة المتصدق عليه المتصدق والجد في الحصول على العطية رغم امتناع المتصدق إلى أن يموت، تجعل الصدقة في هذه الحالة لا تبطل[10]، وأرى أن هذا يتطلب إثبات الجد في طلب العطية حتى يمكن الاعتداد به. وإثبات ذلك يكون بكافة وسائل الإثبات لأن الأمر يتعلق بواقعة مادية. ولا شك أن المطالبة القضائية في هذه الحالة تعتبر وسيلة إيجابية في مجال إثبات ذلك، سواء عن طريق إنذار قضائي أو دعوى ترمي إلى التمكين من حوز العطية.

لم تكن تثير هذه الأحكام الفقهية إشكالا في تطبيقها بالنسبة للعقار غير محفظ. وحتى بالنسبة للعقار في طور التحفيظ أو المحفظ، إلا بعد أن أصبحت تثار مسألة اعتبار تسجيل التبرع بالرسم العقاري يغني عن الحيازة الفعلية والمادية لمحل العطية. فتبنى بعض القضاء هذا التوجه الذي أخذ به القرار رقم 555 الصادر بجميع غرف محكمة النقض[11]، ليستقر موقف هذه الأخيرة على اعتبار التسجيل بالرسم العقار للعطية قبل حصول المانع حيازة لها.

من هنا يتعين وضع القرار موضوع هذا التعليق في سياق الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض، وما استقر عليه هذا الاجتهاد بالنسبة للبُعد الذي أعطاه لإجراء تسجيل العطية قبل حصول المانع بالرسم العقاري، ليبدو واضحا أنه تم اعتبار ذلك التسجيل حيازة في حد ذاته. ومعنى هذا أن الاجتهاد المذكور تجاوز مجرد اعتبار التسجيل جدا في طلب العطية. وحسب علمي، لم يصدر عن محكمة النقض قرار اعتبر التسجيل بالسجلات العقارية جدا في طلب العطية، وبالتالي بمثابة حوز لها.

مقال قد يهمك :   محكمة النقض توضح معنى الحوز الفعلي لعقار في عقد الصدقة

قد يقول قائل إن النازلة الحالية تتعلق بتسجيل الصدقة بمطلب التحفيظ، وليس بالرسم العقاري. أرى أنه لا فرق بين هذا وذاك، فإجراء التسجيل في حد ذاته تحكمه غاية أساسية في منظور نظام التحفيظ العقاري، وهي حفظ الحق العيني المترتب على العقار حتى يمكن الاعتداد به في مواجهة الغير. ومن المفروض أن تترتب عن هذه الغاية نفس الآثار سواء بالنسبة للعقار المحفظ أو في طور التحفيظ. وهذا هو الموقف الذي كرسته المادة 274 من مدونة الحقوق العينية حينما لم تميز بين العقار المحفظ والعقار في طور التحفيظ، واعتبرت بالنسبة لهما معا أن التقييد بالسجلات العقارية يغني عن الحيازة الفعلية للملك الموهوب.

فإذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار تتفق مع ما استقرت عليه محكمة النقض باعتدادها بالتسجيل في حد ذاته قبل حصول المانع، فإن القرار يختلف في البعد الذي أعطاه للتسجيل حين اعتبره جدا في طلب العطية، مما يحق معه التساؤل عما إذا ينطوي الأمر عن تغيير في الموقف بالنسبة للبُعد الذي كانت تعطيه المحكمة للتسجيل، أم مجرد إضافة تكييف آخر له بغاية إضفاء مزيد من التساهل في إثبات حوز العطية كلما تعلق الأمر بنزاع يخضع لنظام التحفيظ العقاري./.


الهوامش:

[1]- ظهير شريف رقم 78.11.1 صادر في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نوفنبر 2011) بتنفيذ القانون رقم 39.80 المتعلق بمدونة الحقوق العينية. وقد نصت المادة 334 منه على أنه “يسري العمل بهذا القانون بعد ستة أشهر من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية” وقد نشر بالجريمة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27 ذو الحجة 1432 (24 نوفنبر 2011).

[2]- هبة الثواب إحدى أنواع العطايا. وتتمثل في مكافأة الموهوب له للواهب، فيكون الموهوب له مخيرا بين قبولها وردها. فإن قبلها، وجب عليه أن يكافئ الواهب بقيمة الشيء الموهوب دون زيادة عليه، كما أن الواهب لا يلزم بقبول ما دون تلك القيمة، وبهذا الوصف تكون كعقد معاوضة بعوض مجهول أو معلوم.

[3]- النحلة هي ما يعطيه والد الزوج في عقد نكاحه، أو والد الزوجة في عقد نكاحها، أو ما يعطي غيرهما فينعقد النكاح على ذلك، فنزلها الفقهاء منزلة البيع وتعطى حكمه لا حكم الهبة.

[4]- عبد الوهاب البغدادي، المعونة، ج 3 ص 1607.

[5]- شهاب الدين أحمد بن ادريس القرافي، الدخيرة، ج 6 ص 232.

[6]- جمال الدين بن عمر ابن الحاجب، جامع الأمهات، ص 455.

[7]- أبو عبد الله الشيخ محمد عليش، فتح العلى المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك، بدون تاريخ الطبع، ج 2 ص 241 و 242.

[8]- حاشية الخرشي، ج 7 ص 416.

[9]- الحطاب، مواهب الجليل، ج 8 ص 16.

[10]- حاشية العدوي شرح الطالب ج 2 ص 333.

[11]- قرار رقم 555 صادر بتاريخ 28/12/2003 في الملف العقاري عدد 596/2/2/95، منشور بمجلة القضاء والقانون العدد 149 سنة 31

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]