قراءة في النظام القانوني لقضاة المحاكم المالية، أية خصوصية ؟
فيصل الخضر باحث في صف الدكتوراه
قبل الحديث عن خصوصية النظام القانوني لقضاة المالية لا بد من الإشارة إلى أن قضاة المالية يخضعون لمقتضيات النظام الأساسي لقضاة المحاكم المالية المنظم بموجب الكتاب الثالث من القانون 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية[1]، و هو ما يشكل استثناءا من مقتضيات النظام الأساسي للقضاة[2] الخاص بقضاة باقي الجهات القضائية.
هكذا فإن بحث خصوصية النظام القانوني لقضاة المالية، تقتضي بالضرورة دراسته بالموازاة مع النظام القانوني المنظم لباقي الجهات القضائية بالمملكة، بمقارنتهما ببعض على مستوى كل من شروط الترشح لمباراة – القضاء العادي أو المالي على السواء- و كيفية التعيين فيهما(المطلب الأول)، فضلا عن تحديد الحقوق و الواجبات الأساسية للقضاة بموجب كل منها (المطلب الثاني).
المطلب الأول: شروط الترشيح و طريقة التعيين في القضاء المالي،أية خصوصية ؟
إن المحاكم المالية و اعتبارا لمكانتها داخل البنية المؤسساتية الدستورية، تقتضي ضرورة توفرها على عنصر بشري-قضاة- ذي كفاءة عالية يضمن سيرها بالشكل المطلوب، و به سنحاول تبعا لذلك الحديث عن خصوصية الترشح لمباراة القضاء المالي(الفقرة الأولى)، لنبين فيما بعد خصوصية التعيين فيها(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: خصوصية الترشح لمباراة القضاء المالي
و طبقا للمادة 7 من القانون التنظيمي 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة ” يشترط في المترشح لولوج السلك القضائي :
- أن يكون من جنسية مغربية؛
- أن يكون متمتعا بحقوقه المدنية وذا مروءة وسلوك حسن؛
- ألا يكون مدانا قضائيا أو تأديبيا بسبب ارتكابه أفعالا منافية للشرف والمروءة أو حسن السلوك ولو رد اعتباره ؛
- أن يكون متوفرا على شروط القدرة الصحية اللازمة للقيام بالمهام القضائية.
علاوة على الشروط العامة المنصوص عليها في المادة السابقة، يشترط في المترشح لاجتياز مباراة الملحقين القضائيين بموجب المادة 8 من نفس القانون : “
- ألا تتجاوز سنه خمسا وأربعين (45) سنة في فاتح يناير من سنة إجراء المباراة؛
- أن يكون حاصلا على شهادة جامعية يحدد القانون نوعها والمدة اللازمة للحصول عليها.
و يعين قضاة في السلك القضائي الملحقون القضائيون الناجحون في امتحان نهاية التكوين بمؤسسة تكوين القضاة، طبقا للمقتضيات التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
تحدد بقانون مهام مؤسسة تكوين القضاة، وقواعد تنظيمها وكيفيات تسييرها”، و هي ما يسمى في يومنا هذا بالمعهد العالي للقضاء.
كما و ” يمكن أن يعين قضاة في السلك القضائي، وبعد اجتياز مباراة، المترشحون المنتمون إلى بعض فئات المهنيين والموظفين الذين لا تتجاوز سنهم، عند تقديم الطلب، خمسا وخمسين (55) سنة والذين مارسوا مهنتهم أو مهامهم بصفة فعلية لمدة لا تقل عن عشر (10) سنوات.
يحدد القانون فئات المهنيين والموظفين المخول لهم اجتياز المباراة وكذا نوع الشهادات الجامعية المطلوبة”[3].
هذا و “يعفى من المباراة المترشحون الحاصلون على شهادة دكتوراه الدولة في القانون أو الشريعة، أو شهادة الدكتوراه في القانون أو الشريعة، أو ما يعادلهما طبقا للمقتضيات التنظيمية الجاري بها العمل، الذين لا تتجاوز سنهم، عند تقديم الطلب، خمسا وخمسين (55) سنة، والمنتمون إلى بعض فئات المهنيين والموظفين التالي بيانهم:
– الأساتذة الباحثون الذين مارسوا مهنة التدريس الجامعي في فرع من فروع القانون لمدة لا تقل عن عشر(10) سنوات؛
– المحامون الذين مارسوا مهنة المحاماة بصفة فعلية لمدة لا تقل عن عشر(10) سنوات؛
– موظفو هيئة كتابة الضبط المنتمون إلى درجة مرتبة في سلم الأجور رقم 11 على الأقل والذين زاولوا مهام كتابة الضبط بصفة فعلية لمدة لا تقل عن عشر(10) سنوات؛
– موظفو الإدارات المنتمون إلى درجة مرتبة في سلم الأجور رقم 11 على الأقل والذين قضوا مدة لا تقل عن عشر (10) سنوات من الخدمة العمومية الفعلية في مجال الشؤون القانونية”[4].
هذا و توجه طلبات الترشيح لولوج السلك القضائي بالنسبة للفئات المذكورة في المادتين 9 و10 أعلاه، إلى الرئيس المنتدب للمجلس، و يقضون تكوينا بمؤسسة تكوين القضاة يحدد القانون مدته[5].
و على غرار ذلك فإنه ” لا يمكن تعيين أي كان ملحقا قضائيا أو قاضيا بالمحاكم المالية:
- إن لم تكن جنسيته مغربية، مع مراعاة قيود الأهلية المنصوص عليها في قانون الجنسية المغربية؛
- إن لم يكن متمتعا بحقوقه الوطنية وذا مروءة وسلوك حسن؛
- إن لم تتوفر لديه شروط القدرة البدنية المطلوبة لمزاولة الوظيفة ؛
- إن لم يكن بالغا من العمر ثلاثة وعشرون سنة كاملة على الأقل وخمسة وثلاثون سنة على الأكثر في فاتـح يناير من السنة الجارية، ويمكن تمديد هذا الحد الأقصى للسن لفترة مساوية للخدمات السابقة الصحـيحة أو الممكن تصحيحها لأجـل التقاعد؛
- إن لم يكن فـي وضعية قانونية بالنسـبة لقانون الخدمة العسكرية”[6].
و طبقا لمقتضيات المادة 169 من م.م.م يحدد الرئيس الأول بأمر عدد المناصب المراد شغلها وتاريخ إيداع الترشيحات.
بحيث توجه الترشيحات تحـت إشراف السلطة التابع لها المعنيون بالأمر إلى الرئيس الأول، الذي يعرضها على لجنة انتقاء يحدد تأليفها بأمر من الرئيس الأول، بعد موافقة مجلس قضاء المحاكم المالية. وتقوم هذه اللجنة بفحص الترشيحات المقدمة ومقابلة المترشحين بهـدف تقييم قدرتهم على مزاولة مهام القاضي. وتحدد هذه اللجنة قائمة المترشحين المؤهلين لمزاولة مهام قضاة المحـاكم المالية المرتبين حسب الاستحقاق.
غير أنه يمكن طبقا لنفس المادة سالفة الذكر تعيين الموظفين التالي بيانهم مباشرة في حدود خمس (5/1) المناصب المالية الشاغرة بناء على اقتراح مجلس قضاء المحاكم المالية في الدرجتين التاليتين:
في الدرجة الاستثنائية:
الموظفون المنتمون إلى إحدى الدرجـات التي يساوي أو يفوق رقمها الاستدلالي في الرتبة الأولى 870، والمتوفرون على إحدى الشهادات التي تسمح بولوج سلم الأجور رقم 10 والمثبتون قضاء خمسة عشر (15) سنة على الأقل في الخدمة العمومية الفعلية.
في الدرجة الأولى :
الموظفون المنتمون إلى درجة متصرف ممتاز أو درجة معتبرة في حكمها والمتوفرون على إحدى الشهادات التي تسمح بولوج سلم الأجور رقم 10 والمثبتون قضاء عشر (10) سنوات على الأقل في الخدمة العمومية الفعلية.
و عموما يوظف الملحقون القضائيون :
- بعد النجاح في مباراة يشارك فيها حملة إحدى الشهادات التي يتم تحديدها بواسطة أمر للرئيس الأول من بين الشهادات التي تسمح ولوج درجة مرتبة في سلم الأجـور رقم 11 أو درجة معتبرة في حكمها وذلك طبقا للنصوص التنظيمية الجاري بها العمل.
وتؤشر على هذا الأمر السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية.
- بناء على المؤهلات من بين المترشحين الحاصلين على دبلوم المعهد العالي للإدارة والمختارين حسب الاستحـقاق من بين الخريجين المتفوقين لهذه المؤسسة وذلك في حدود ربع (4/1) المناصب المالية الشاغرة المتباري بشأنها.
و تحدد كيفية تنظيم المباراة المشار إليها في المادة 172 أعلاه بأمر للرئيس الأول تؤشر عليه السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية[7].
هكذا، فإنه و على ضوء المعطيات السالف ذكرها يمكن رصد مجموعة من الفروقات الأساسية في شأن شروط و كيفية الترشيح لمباراة القضاء سواء العادي أو المالي. فإذا كان النظام الساسي للقضاة العاديين يحدد شرط السن الأقصى للمترشح في 45 سنة، فإن النظام الساسي لقضاة المحاكم المالية حددها عكس ذلك في فترة أقل تقدر ب 35 مع إتاحة إمكانية تمديدها.
فضلا عن ذلك نجد بأن الترشح لمباراتي قضاة المالية و قضاة باقي الجهات القضائية يتم على مستويين، إما اجتياز المباراة و هو الأصل، و إما الإعفاء منها، بحيث يرجع بذلك الأساس لعدة اعتبارات أبرزها التكوين المسبق للبعض، هذا الأخير الذي يجعل من وضعهم استثنائيا. كما و يلاحظ اختلاف نوعية و درجة الشواهد المطلوبة للترشح لكل من المبارتين، فإذا كان النظام الأساسي للقضاء العادي يستثني تخصص القانون العام، فإن ذلك الإستثناء لا وجود له في القضاء المالي، بل أكثر من ذلك يفتح باب الترشيح لمباراة قضاة المالية في وجه بعد التخصصات غير الممكنة في مباراة القضاء العادي و نخص بالذكر بعض فئات الحاصلين على دبلوم المعهد العالي للإدارة، و لعل ذلك يجد تبريره في حاجة المحاكم المالية لنوعية التكوين الذي يتلقونه في المعهد.
و هذه مناسبة لطرح تساؤل جوهري لطالما تردد بأذهاننا، أية اعتبارات تقف خلف إرادة المشرع لإقصاء الحاصلين على شهادة الإجازة في القانون العام من الترشح لمباراة القضاء العادي، و الحال أن الحاجة لهذا التخصص قد تظهر بشكل ملح على الأقل عندما يتعلق الأمر بالمادة الإدارية ؟
كما و يلاحظ بأن قضاة المالية و القضاة العاديين و إن يقضون مددا متساوية في التكوين –سنتين-، فإن ذلك لا يغني عن الاختلاف في طريقته، فلئن كان الرئيس الأول بالمجلس الأعلى للحسابات يحدد كيفية التكوين بواسطة أمر تؤشر عليه السلطات الحكومية، فإنه و بموجب النظام الساسي للقضاة العاديين تحدد بقانون مؤسسة لتكوين القضاة و هي ما يعرف حاليا بالمعهد العالي للقضاء.
الفقرة الثانية: خصوصية التعيين في مباراة القضاء المالي
و تحدد الوضعية الإدارية للرئيس الأول والوكيل العام للملك في ظهيري تعيينهما من لدن جلالة الملك.
أما باقي قضاة المحاكم المالية فيعينون بناء على اقتراح من الرئيس الأول بعد موافقة مجلس قضاء المحـاكم المالية في الوظائف التالية مع مراعاة مقتضيات المادة 238 بعده:
– الكاتب العام الذي يختار من بين المستشارين المشرفين، وتحدد وضعيته الإدارية بمرسوم؛
– رؤساء الغرف ورؤساء المجالس الجهوية ويختارون من بين المستشارين المشرفين ؛
– رؤساء فروع الغرف بالمجلس والكتاب العامون للمجالس الجهوية ويختارون من بين المستشارين من الدرجة الأولى ؛
– رؤساء فروع المجـالس الجهوية ويختارون من بين المستشارين من الدرجة الثانية.
و يعين قضاة المحاكم المالية المكلفون بوظيفة المحامي العام لدى المجلس أو وكيل الملك لدى المجلس الجهوي بالتتابع من بين المستشارين من الدرجتين الأولى والثانية، وذلك بموجب أمر يتخذه الرئيس الأول بناء على اقتراح للوكيل العام للملك وبعد موافقة مجلس قضاء المحاكم المالية.
على أن تعاقب رؤساء الغرف والفروع بالمجلس ورؤساء الفروع بالمجالس الجهوية وتعيين القضاة في غرف المجلس وفي المجـالس الجهوية يتخذ بناء على أمر يصدره الرئيس الأول بعد موافقة مجلس قضاء المحاكم المالية[8].
و طبقا لنص المادة 168 من م.م.م يحمل قضاة المالية خلال مدة مزاولة مهامهم وثيقة تعريف موقعة من طرف الرئيس الأول، يقدمونها عند الحـاجة لأجل القيام بمهامهم.
ويرتدون خلال الجلسات الرسمية وخلال جلسات الحكم في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بذلة نظامية يحدد شكلها بمقرر للرئيس الأول.
هذا و يعين قضاة المحاكم المالية من بين الملحقين القضائيين وفق الشروط المنصوص عليها في م.م.م ،غير أنه يمكن تعيين الموظفين التالي بيانهم مباشرة في حدود خمس (5/1) المناصب المالية الشاغرة بناء على اقتراح مجلس قضاء المحاكم المالية في الدرجتين التاليتين:
في الدرجة الاستثنائية:
الموظفون المنتمون إلى إحدى الدرجـات التي يساوي أو يفوق رقمها الاستدلالي في الرتبة الأولى 870، والمتوفرون على إحدى الشهادات التي تسمح بولوج سلم الأجور رقم 10 والمثبتون قضاء خمسة عشر (15) سنة على الأقل في الخدمة العمومية الفعلية.
في الدرجة الأولى :
الموظفون المنتمون إلى درجة متصرف ممتاز أو درجة معتبرة في حكمها والمتوفرون على إحدى الشهادات التي تسمح بولوج سلم الأجور رقم 10 والمثبتون قضاء عشر (10) سنوات على الأقل في الخدمة العمومية الفعلية.
و يحدد الرئيس الأول بأمر عدد المناصب المراد شغلها وتاريخ إيداع الترشيحات، كما وتوجه هذه الأخيرة تحـت إشراف السلطة التابع لها المعنيون بالأمر إلى الرئيس الأول، الذي يعرضها على لجنة انتقاء يحدد تأليفها بأمر من الرئيس الأول، بعد موافقة مجلس قضاء المحاكم المالية.
وتقوم هذه اللجنة بفحص الترشيحات المقدمة ومقابلة المترشحين بهـدف تقييم قدرتهم على مزاولة مهام القاضي. وتحدد كذلك قائمة المترشحين المؤهلين لمزاولة مهام قضاة المحـاكم المالية المرتبين حسب الاستحقاق[9].
هذا و إن المترشحين المقبولين تطبيقا لمقتضيات المادة 169 أعلاه، يمكن وفقا لمقتضيات الفصول 30 من الدستور، إدراجهم بناء على اقتراح من مجلس قضاء المحاكم المالية، قضاة في درجاتهم المطابقة، ويدرجون في الرتبة التي يساوي رقمها الاستدلالي أو يفوق مباشرة الرقم الاستدلالي الذي كان لهم في درجتهم السابقة، وإذا تم إدراجهـم في رقم استدلالي معادل احتفظوا في حدود سنتين بالأقدمية المكتسية في رتبتهم القديمة[10].
و على العموم يعين المترشحون المقبولون طبقا لمقتضيات المادة 172 بموجب أمر للرئيس الأول بصفتهم ملحقين قضائيين ويقضون بهذه الصفة تدريبا مدته سنتان تحـدد كيفية تنظيمه بواسطة أمر للرئيس الأول تؤشر عليه السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية.
غير أن مدة التدريب تحـدد في سنة واحدة بالنسبة للملحقين القضائيين الذين تم تعيينهم من بين الحـاصلين على دبلوم المعهد العالي للإدارة.
و يمكن للملحقين القضائيين المساهمة تحت إشراف ومسؤولية القضاة في أنشطة المحاكم المالية، ويجوز لهم على الخصوص :
– مساعدة القضاة المكلفين بتدقيق الحسابات؛
– مساعدة قضاة النيابة العامة على مستوى المجلس والمجـالس الجـهـوية ؛
– الحضور في الجلسات بعد موافقة رئيس الهيئة المعنية، بصفة ملاحظين.
و يؤدي الملحـقون القضائيون عند انتهاء التدريب امتحـانا للأهلية المهنية، طبق الشروط المحددة في أمر يصدره الرئيس الأول وتؤشر عليه السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية.
يتقاضى الملحقون القضائيون أجرة تحدد بمرسوم.
يرسم الملحقون القضائيون الناجـحون في الامتحان المذكور ويعينون باقتراح من مجلس قضاء المحاكم المالية، قضاة من الدرجـة الثانية.
أما الملحقون غير الناجحين في امتحان الأهلية المهنية، فيمكن إما قبولهم للتمديد التدريب لسنة جـديدة وأخيرة وإما إرجـاعهم إلى أسلاكهم الأصلية أو إعفاؤهم. وفي حالة تمديد التدريب لا تعتبر السنة الثالثة في الترقية[11].
أما عن قضاة المحاكم العادية فإن المترشح الناجح في مباراة الملحقين االقضائيين يعين ملحقا قضائيا بقرار لوزير العدل، و يتقاضى مرتبا يحدد بمرسوم و تعويضا تمثيليا عن بذلة الجلسة، و يقضي الملحق القضائي بصفته هاته تدريبا لمدة سنتين موزعة على الشكل التالي:
- سنة بالمعهد العالي للقضاء مخصصة للدراسات و الأشغال التطبيقية المؤهلة للملحقين القضائيين مهنيا.
- سنة بمحاكم الإستئناف و المحاكم و الإدارات المركزية و المصالح الخارجية و الجماعات الترابية و المؤسسات العامة و الخاصة.
و يساعد الملحقون القضائيون القضاة في القيام بإجراءات التحقيق و يحضرون الجلسات المدنية و الجنائية و الإدارية زيادة على النصاب القانوني، كما يشاركون في المداولات دون تمتعهم بحق التصويت.
و إثر انتهاء التدريب، يجتاز الملحقون القضائيون امتحان التخرج أو نهاية التدريب، و بعد النجاح و التفوق فيه يعينون قضاة بظهير شريف بإقتراح من المجلس الأعلى للقضاء، على أنه يجب أن يلتزمو قبل إجراء امتحان نهاية التدريب بقضاء ثمان سنوات على الأقل في سلك القضاء[12].
و عموما، يمكن تعيين القضاة، خلال مسارهم المهني، إما قضاة أحكام أو قضاة للنيابة العامة[13].
على أنه يعين قضاة محاكم أول درجة ونواب وكيل الملك لديها من بين القضاة المرتبين في الدرجة الثالثة، غير أنه يمكن تعيينهم من بين القضاة المرتبين في درجات أعلى.
كما و يعين المستشارون بمختلف محاكم الاستئناف ونواب الوكيل العام للملك لديها، من بين القضاة المرتبين في الدرجة الثانية على الأقل.
و يعين المستشارون بمحكمة النقض والمحامون العامون لديها من بين القضاة المرتبين في الدرجة الأولى على الأقل، الذين مارسوا أو يمارسون مهامهم بمحاكم الاستئناف.
و يعين رؤساء محاكم أول درجة ووكلاء الملك لديها، من بين القضاة المرتبين في الدرجة الثانية على الأقل.
و يعين الرؤساء الأولون لمختلف محاكم الاستئناف والوكلاء العامون للملك لديها، من بين القضاة المرتبين في الدرجة الأولى على الأقل[14].
فضلا عن ذلك يعين المجلس الأعلى للقضاء طبقا لنص المادة 21 من القانون التنظيمي المحدث بموجبه النظام الأساسي للقضاة، و باقتراح من المسؤول القضائي بالمحكمة المعنية، كلا من:
– نائب رئيس محكمة أول درجة، والنائب الأول لوكيل الملك لديها؛
– نائب الرئيس الأول لمحكمة استئناف، والنائب الأول للوكيل العام للملك لديها.
و تحدد بقرار للمجلس المحاكم التي يعين بها النواب المشار إليهم مع تحديد عددهم بالنسبة لكل محكمة.
أما عن الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك لديها فيعينهما الملك بموجب المادة 22 ق.ت لمدة خمس (5) سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، غير أنه يمكن وضع حد لهذا التعيين قبل انتهاء المدة المذكورة، يرتب كل من الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك لديها خارج الدرجة، ويحتفظان بهذا الترتيب بعد انتهاء مهامهما.
هذا و يعين المجلس، باقتراح من الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك لديها، كل فيما يخصه، نائبا للرئيس الأول لمحكمة النقض ومحاميا عاما أول لديها، من بين القضاة المرتبين في الدرجة الاستثنائية[15].
وكمستجد في إطار رئاسة النيابة العامة التي كانت موكولة فيما سبق لوزير العدل، فإنه و في سبيل ضمان استقلالية السلطة القضائية تم سحب هذه الصلاحيات الموكولة لوزير العدل و منحها للوكيل العام لمحكمة النقض كأعلى سلطة رئاسية تسلسلية للنيابة العامة.
اجمالا فإن دراسة خصوصية تعيين قضاة المالية و باقي قضاة الجهات القضائية العادية تجعلنا نسجل مجموعة من الملاحظات، حيث أن لكل منهما هيئة تشرف على تكوينهم، إذ يشرف على قضاة المالية مجلس قضاء المحاكم المالية، بينما القضاة العاديين يخضعون لإشراف المعهد العالي للقضاء. كما نجد تشابها من حيث مدة التدريب و التي تمتد في كلا الأحوال لمدة سنتين مع مراعاة بعض الحالات الإستثنائية التي تتقلص عندها مدة التدريب و ذلك لإعتبارات جد مهمة يمكن إجمالها في التكوين المسبق لبعض المترشحين.
فضلا عن ذلك فإن هناك ازدواجية على مستوى التعيين، إذ في كل منهما نجد بعض الهياكل القضائية التي تعين مباشرة من لدن الملك و البعض الأخر الذي يعين بناءا على اقتراح بعض الهيئات القضائية، ناهيك على أنه يمكن في بعض الحالات الإستثنائية تعيين القضاة – سواء العاديين أو قضاة المالية- دونما الحاجة للمباراة على أن الاختلاف بينهما يظهر في الحالات الإستثنائية في كل منهما.
كذلك نلاحظ بأن النظام الأساسي لكل من القضاة العاديين و قضاة المالية يتحدثون عن بذلة نظامية للقضاة، غير أنها تختلف عن بعضها شكلا و مضمونا، إذ كل منهما تخضع لضوابط قانونية خاصة.
و تجدر الإشارة أيضا لكون الاختلاف الجلي بين النظام الأساسي لكل من قضاة المالية و باقي القضاة، يظهر على مستوى تراتبية القوانين، فإذا كان النظام السي لقضاة المالية منظم بموجب قانون عادي-مدونة المحاكم المالية-، فإن النظام الأساسي للقضاة العاديين يكتسي درجة أعلى منه بحيث أنه منبثق عن قانوني تنظيمي يلي في مرتبة الدستور كأعلى قانون في البلاد.
على أن ما يلفت الإنتباه بغض النظر عما أسلفنا بيانه، هو مركز النيابة العامة في كل من النظامين القضائيين، فإذا كان المجلس الأعلى للحسابات أعلى جهاز للرقابة على المال العام فإنه يتصور في هذا الصدد خضوع جميع المؤسسات الإدارية و القضائية كذلك لرقابته و تفتيشه، و لما كانت النيابة العامة الجهة الأساسية في تركيبة القضاء المالي فإنه يفترض وجوبا وجود أعلى سلطة رئاسية تسلسلية للنيابة العامة بالمجلس الأعلى للحسابات ضمانا لإستقلاليته، فكيف يمكن الحديث عن استقلالية السلطة القضائية في ظل تواجد أعلى سلطة رئاسية تسلسلية للنيابة العامة بمحكمة النقض-الوكيل العام للملك-، و الحال أن هذه الأخيرة هي الأخرى يلزم أن تخضع لتفتيشه و رقابته المالية ؟
المطلب الثاني: حقوق و واجبات قضاة المالية، أية خصوصية ؟
كما هو معلوم فإن الموظف العمومي تكون له مجموعة من الحقوق و عليه مجموعة من الواجبات، و قضاة المالية هم الأخرين بإعتبارهم موظفين عموميين يتمتعون بمجموعة من الحقوق بموجب نظامهم الأساسي(الفقرة الأولى)، كما تقع على عاتقهم مجموعة من الإلتزامات التي يتوجب عليهم التقيد بها تحت طائلة المساءلة و التأديب(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: حقوق القضاة على ضوء مقتضيات الدستور المغربي لسنة 2011 و كل من المحاكم المالية و العادية
عموما فإن دستور المملكة المغربية لسنة 2011 و في إطار استقلالية السلطة القضائية جاء بمجموعة من الضوابط من قبيل، عدم التدخل في القضايا المعروضة على القضاء سواء بالمال أو السلطة، و ذلك تحت طائلة المساءلة الزجرية عن ذلك، ناهيك عن إتاحة الإمكانية للقضاة متى تهددت استقلاليتهم لإحالة الأمر للمجلس الأعلى للسلطة القضائية[16].
كما و يضمن الدستور للقضاة بموجب الفصل 111 الحق في حرية التعبير بما يتلاءم و الأخلاقيات القضائية، فضلا عن إمكانيتي الإنخراط في جمعيات المهنية أو إنشائها دونما إخلال بواجب التجرد و الإستقلال[17].
كما و قد تضمنت مدونة المحاكم المالية مجموعة من المقتضيات الحمائية لقضاة المالية، و نخص بالذكر ما جاء في نص المادة 189 من م.م.م بأنه: “تحمي الدولة القضاة مما قد يتعرضون إليه من التهديدات والتهجمات والسب والقذف ضمن مقتضيات القانون الجـنائي والقوانين الجاري بها العمل.
تضمن الدولة لقضاة المحاكم المالية، طبقا لمقتضيات النصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها، التعويض عن الأضرار التي قد تلحقهم خلال مزاولة مهامهم أو بمناسبة مزاولتها، والتي لا يشملهـا التشريـع الخاص بالمعاشات والرصيد عن الوفاة، وتحـل الدولة فـي هذه الحالة محل المصاب في حقوقه ودعاويه ضد المتسبب في الضرر.
يستفيد قضاة المحاكم المالية الذين يمارسون مهام الكاتب العام للمجلس ورؤساء الغرف ورؤساء المجالس الجهوية من الامتياز القضائـي المنصوص عليه في الفصل 267 من قانون المسطرة الجنائية.
ويستفيد باقي قضاة المحاكم المالية من الامتياز القضائـي المنصوص عليه في الفصل 268 من قانون المسطرة الجنائية”. و هي ذات المكتسبات الحقوقية التي تكرسها المادة 39 من النظام الأساسي للقضاة.
كما و يستفيد قضاة المالية من حقي الترقية و الأجر و كذا بعض التعويضات الخاصة التي تحدد ضوابطها وفق مقتضيات م.م.م.
الفقرة الثانية: واجبات القضاة على ضوء مقتضيات كل من مدونة المحاكم المالية و النظام السي للقضاة
و تجدر الإشارة إلى أن كلا من قضاة المالية و القضاة العاديين يؤدون اليمين و إن تختلف صياغتها بحيث تؤدى بموجب المادة 40 من النظام الأساسي للقضاة كالتالي:” أقسم بالله العظيم أن أمارس مهامي بحياد وتجرد وإخلاص وتفان، وأن أحافظ على صفات الوقار والكرامة، وعلى سر المداولات، بما يصون هيبة القضاء واستقلاله، وأن ألتزم بالتطبيق العادل للقانون، وأن أسلك في ذلك مسلك القاضي النزيه”. بينما تؤدى بموجب المادة 186 من م.م.م كالتالي:” “أقسم بالله العظيم أن أقوم بمهامي بوفاء وإخلاص وأن أحافظ كل المحافظة على سر المداولات وأسلك فـي ذلك مسلك القاضي النزيه المخلص”.
و به فإن كل ما يرد بذلك القسم من عبارات تكون ملزمة للقضاة مهنيا تحت طائلة مساءلتهم تأديبيا أو جنائيا حسب ما يقتضيه الأمر.
حيث جاء في نص المادة 180 من م.م.م أنه: ” يلزم قضاة المحاكم المالية في جميع الظروف بواجب التحفظ والحفاظ على صفات الوقار والنزاهة والكرامة التي تقتضيها طبيعة مهامهم.
ويمنع عليهم القيام بجميع الأعمال أو اتخاذ جميع المواقف التي من شأنها أن توقف أو تعرقل سير المحاكم المالية”.
فضلا عن ذلك فإن قضاة المالية ملزمون بموجب المادة 184 من م.م.م بالتصريح بممتلكاتهم داخل أجل ثلاثة أشهر الموالية لتعيينهم منقولة كانت أم غير منقولة و ذلك وفق ضوابط تحددها مقتضيات المدونة ذاتها.
ناهيك عن عدم إمكانية القضاة عموما مزاولة أنشطة تجارية حرة لإعتبارات حالة التنافي التي يمكن أن يقعوا فيها جراء ذلك.
أكثر من ذلك فقد نصت مدونة المحاكم المالية بموجب المادة 183 على أنه:” يمنع على كل قاض ينتمي إلى المحـاكم المالية أن تكون له شخصيا أو بواسطة الغير تحت أي اسم كان، مصالح في جهاز تجري عليه رقابة المحاكم المالية”. و لعل الغاية من ذلك ضمان الاستقلالية القضائية الأمثل في إطار القيام بالإختصاصات الرقابية.
و إذا كانت الأنظمة الأساسية لكل من قضاة المالية و القضاة العاديين قد ألقت مجموعة من الواجبات على عاتق القضاة، فإن الدستور الآخر لم يغفل هذا الجانب، بأن نص في الفصل 117 على أنه:” يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون”. فضلا عن ذلك فقد جاء في الفقرة الأخيرة من الفصل 111 أنه يمنع على القضاة الإنخراط في الإحزاب السياسية و المنظمات النقابية، و بذلك يظهر بأن مجموعة من المقتضيات الدستورية تم إعادة تكريسها ضمن المقتضيات القانونية الخاصة بالأنظمة الأساسية سواء لقضاة المالية أو القضاة العاديين.
الهوامش:
[1] – ظهير شريف رقم 1.02.124 صادر في فاتح ربيع الآخر 1423 (13 يونيو 2002) بتنفيذ القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5030 بتاريخ 6 جمادى الآخرة 1423 (15 أغسطس 2002) ص 2294.
[2] – ظهير شريف رقم 1.16.41 صادر في 14 من جمادى الآخرة 1437 (24 مارس 2016) تنفيذ القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6456 بتاريخ 6 رجب 1437 (14 أبريل 2016)، ص 3160.
[3] – المادة 9 من القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة.
[4] – المادة 10 من القانون التنظيمي 106.03.
[5] – راجع في ذلك أحكام المادتين من القانون التنظيمي 106.13.
[6] – راجع في ذلك أحكام المادة 171 من القانون التنظيمي 106.13.
[7] – راجع في ذلك أحكام المادتين 172 و 173 من القانون 62.99 م.م.م.
[8] – راجع في ذلك أحكام المادتين 166 و 167 من مدونة المحاكم المالية.
[9] – راجع في ذلك أحكام المادة 169 من مدونة المحاكم المالية.
[10] – طبقا لنص المادة 170 من مدونة المحاكم المالية.
[11] – راجع في ذلك أحكام المواد 174 و 175 و 176 من مدونة المحاكم المالية.
[12] – عبد الكريم الطالب، التنظيم القضائي المغربي- دراسة عملية-، الطبعة الخامسة، سنة 2018، مكتبة المعارف، مراكش، ص: 152.
[13] – راجع في ذلك المادة 24 من القانون التنظيمي 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة.
[14] – راجع في ذلك المواد 16 و 17 و 18 و 19 و 20 من النظام الأسي للقضاة.
[15] – راجع في ذلك مقتضيات المادتين 22 و 23 من النظام الأساسي للقضاة.
[16] – راجع في ذلك أحكام الفصل 109 من الدستور المغربي لسنة 2011.
[17] – و هي ذات الحقوق التي تكرسها المادة 38 من النظام الأسي للقضاة التي جاء فيها أنه: “…يمكن للقضاة …الانخراط في جمعيات مؤسسة بصفة قانونية وتسعى لتحقيق أهداف مشروعة، أو إنشاء جمعيات مهنية، وفي كلتا الحالتين يتعين مراعاة واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية، واحترام واجب التجرد واستقلال القضاء، والحفاظ على صفات الوقار صونا لحرمة القضاء وأعرافه.
غير أنه يمنع على القاضي تأسيس جمعية غير مهنية أو تسييرها بأي شكل من الأشكال”.
غير أن الملاحظ في هذا الصدد أنه و إن كان الحق في الإنخراط في جمعيات مهنية أو إنشاءها حقا يكفله كل من الدستور المغربي و النظام الأساسي للقضاة على السواء فإن مدون المحاكم المالية خالفت هذا التوجه بمنعها بموجب المادة 181 من م.م.م لقضاة المالية من تأسيس نقابات مهنية أو الانتماء إليها كيفما كانت وضعيتهم في هيئة قضاة المحاكم المالية، كما يمنع عليهم كل نشاط سياسي وكذا كل موقف يكتسي صبغة سياسية، و هو توجه و لئن كان له ما يبرره اللهم إلا إذا اقتصر على ما يدخل في الجانب السياسي، و به فإنه مجانب للصواب لتعارضه مع المكتسبات الدستورية للقضاة عامة، و بالتالي إمكانية القول بعدم دستوريته.