مجلة مغرب القانونالقانون العامموقف القضاء من نفاذ الاستقالة في الطعون الانتخابية للجماعات

موقف القضاء من نفاذ الاستقالة في الطعون الانتخابية للجماعات

شكيب الخياري باحث في القانون

يحدث أن يقدم بعض الراغبين في الترشيح للانتخابات على تقديم استقالتهم إلى الحزب الذي ينتمون إليه من أجل الترشيح بتزكية من حزب آخر، وهي ظاهرة سلبية تطبع المشهد السياسي المغربي بما تعكسه في جل الحالات من عدم احترام للالتزام الذي يقتضيه الانتماء الحزبي وفي أحيان أخرى بما تعبر عنه من انتهازية وصولية.

وقد منع المشرع الانتماء إلى أكثر من حزب في آن واحد بمقتضى القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية (المادة 21)، ونص على غرامة من 20.000 إلى 100.000 درهم بسبب ارتكاب هذا الفعل كل من طرف الراغب في الترشيح وكذا الحزب الذي منحه التزكية مع علمه بتلك الوضعية (المادة 66)، كما رتب عن ذلك آثارا قانونية تتعلق بممارسة الطعون الانتخابية.

وفي هذا الإطار، أصدرت مجموعة من المحاكم الإدارية أحكاما متباينة من حيث الموقف من نفاذ الاستقالة؛ ومن آخرها حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 3512 بتاريخ 20 شتنبر 2021 الذي اعتبر أن نفاذ الاستقالة يتم بمجرد إخبار الحزب بها، وثلاثة أحكام للمحكمة الإدارية بوجدة بتاريخ 23 شتنبر 2021 (أرقامها: 2298 و2306 و2305) اعتبرت أن نفاذها يستلزم خضوعها للمسطرة التي نص عليها النظام الأساسي للحزب وبما يفيد قبولها.

وفي هذا المقال مقاربة لموضوع نفاذ الاستقالة من الحزب وآثاره في علاقته بالأحكام القضائية المشار إليها؛ وذلك من خلال تحديد الطبيعة القانونية للانخراط في الحزب في ضوء حكم إدارية الرباط (1)، ثم آثار عدم نفاذ الاستقالة على نتائج الانتخابات في ضوء أحكام إدارية وجدة (2).

1. الطبيعة القانونية للانخراط في الحزب

جاء في تعليل الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بشأن الطبيعة القانونية للانخراط في الحزب ما يلي: “وحيث يتعين من جهة أولى بعد استحضار الدور الدستوري المنوط بالأحزاب السياسية بيان طبيعة علاقة المنخرط بها، فعلاقة المنخرط بالحزب ليست نظامية أو تعاقدية كتلك التي تربط الموظف أو المستخدم بالإدارة أو الجهة المشغلة فتكون سلطة رفض الاستقالة إزاءهما مبررة بمراعاة مصالح معتبرة قانونا، بخلاف وضع العضو المنخرط المحكوم بمبدأ حرية الانتماء السياسي، وهو ما يفسر كون المشرع في قانون الأحزاب السياسية عبر عن رغبة المنخرط في التخلي عن انتمائه السياسي بالانسحاب”.

وعلى العكس من ذلك، فإن الرابطة التي تربط العضو بالحزب هي علاقة تعاقدية لكونه يتأسس بمقتضى اتفاق بين أشخاص ذاتيين؛ وهو ما يؤكده تعريفه الوارد في المادة الثانية من القانون التنظيمي رقم 29.11 يتعلق بالأحزاب السياسية التي تنص على أن “الحزب السياسي هو تنظيم سياسي دائم، يتمتع بالشخصية الاعتبارية، يؤسس، طبقا للقانون، بمقتضى اتفاق بين أشخاص ذاتيين، يتمتعون بحقوقهم المدنية والسياسية، يتقاسمون نفس المبادئ، ويسعون إلى تحقيق نفس الأهداف”. ومن ثم، فهو يخضع للمادة 230 من قانون الالتزامات والعقود التي تنص على أن “الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون”.

وكذلك هو الأمر في التشريع الفرنسي الذي يخضع الأحزاب للقانون المؤرخ في فاتح يوليوز 1901 المتعلق بعقد الجمعية (contrat d’association) الذي ينص في المادة الأولى على أن “الجمعية هي اتفاق، بمقتضاه يضع شخصان أو أكثر، وبشكل دائم، معلوماتهم أو نشاطهم لهدف غير توزيع الأرباح. وتخضع لصحتها للقواعد العامة القانونية المطبقة على العقود والالتزامات”، وهو التعريف ذاته الذي وضعه المشرع المغربي للجمعية في ظهير شريف رقم 1.58.376 يضبط بموجبه حق تأسيس الجمعيات والذي يخضع له الحزب السياسي.

مقال قد يهمك :   جمال الطاهري: المرجوع إليه في تعديل قانون الالتزامات والعقود

ومن ثم، فإن الاستقالة من الحزب هي طلب لفسخ الرابطة التعاقدية اتفاقيا، حيث يمكن للحزب أن يقبل هذا الطلب؛ وهو ما يضع حدا للعضوية. كما يمكن له في المقابل من ذلك أن يتماطل في الرد أو أن يرفض الطلب، حينئذ لن يكون أمام العضو سوى الحصول على الاستقالة قضائيا لأن استمراره في هذا الوضع قد يتسبب له في أضرار تتمثل، على سبيل المثال، في إلزامه بتكاليف مالية ناجمة عن الانخراط بعد انسحابه بإرادته المنفردة إلى جانب تحميله أعباء معنوية تتعلق بالانتماء الحزبي يمكن أن تمس بمصالحه الشخصية، كما يمكن أن تفوت عليه فرصة الالتحاق بحزب سياسي قدم له عرضا يخوله امتيازات سياسية.

ومن جهة أخرى، اعتبر الحكم أن إخضاع طلب الاستقالة للقبول من طرف الحزب يجعل الانخراط في الحزب لا إراديا، حيث جاء فيه: “إن ثبوت تقديم الاستقالة من الحزب – بصرف النظر عن دوافعه – والذي يعلن فيه الشخص صراحة انسحابه منه، ثم انخراطه في حزب آخر وتقديمه لترشحه باسمه فقط، لا يجعله في وضعية انخراط إرادي في حزبين طالما أن قراره بالانسحاب تم تبليغه رسميا للحزب الذي كان ينتمي إليه، وبانتمائه لحزب آخر يكون قراره بالانسحاب منه نهائيا فتنقطع صلته القانونية بالحزب السابق بصفته منتميا له، وبالتالي تنتفي حالة الانخراط الإرادي في حزبين فلا يكون في وضع مخالف لمقتضيات المادة 21 من القانون سالف الذكر”.

وأضاف الحكم ذاته في تعليله ما يلي: “وحيث إنه من جهة ثانية فإن تقييد نفاذ مفعول الاستقالة بقرار الحزب بقبولها، يجعل المنتمي للحزب المعبر عن رغبته في الانسحاب منه والذي رفض طلبه بالاستقالة، في وضع المكره على البقاء في تنظيم سياسي عبر صراحة عن رفضه استمراره في الانتماء إليه، وهو ما من شأنه الإخلال بمبدأ حرية الانتماء السياسي المقرر دستوريا والمكرس قانونا”.

إن ما يثير الانتباه في هذا الصدد هو عدم تطرق الحكم للمادة 19 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية التي تؤكد على حرية الانخراط في الأحزاب كمبدأ أساسي؛ لكن في إطار ما تنص عليه الأنظمة الأساسية والداخلية للأحزاب، حيث جاء فيها أنه: “يمكن للمواطنات والمواطنين البالغين سن 18 سنة شمسية كاملة الانخراط بكل حرية في أي حزب سياسي مؤسس بصفة قانونية. وتعمل الأحزاب السياسية على اتخاذ جميع التدابير الكفيلة بتيسير وتشجيع الانخراط في صفوفها وفق ما تنص عليه أنظمتها الأساسية والداخلية وعلى أساس احترام الدستور وأحكام القانون”.

وهناك تقييد صريح في قانون تأسيس الجمعيات يربط الانسحاب من الجمعية بأداء التزامات محددة حيث جاء في المادة 4 أنه “يسوغ لكل عضو جمعية لم تؤسس لمدة معينة أن ينسحب منها في كل وقت، بعد أدائه ما حل أجله من واجبات انخراطه وواجبات السنة الجارية، وذلك بصرف النظر عن كل شرط ينافي ما ذكر”؛ وهي المادة ذاتها المنصوص عليها في القانون الفرنسي لفاتح يوليوز 1901 المتعلق بعقد الجمعية والتي تنطبق على الأحزاب السياسية. وفي هذا الصدد، سبق لمحكمة النقض الفرنسية أن أصدرت قرارا في 7 أبريل 1987 (1 ère civ. 7 avr. 1987, Bull. n° 119) يؤكد التوجه التشريعي ذاته، حيث اعتبر أن “عقد الجمعية هو عقد في إطار القانون الخاص يخضع لمبدأ الحرية التعاقدية ، ما لم يقيده القانون أو تحدده القوانين نفسها”.

مقال قد يهمك :   المدن الذكية: الواقع والآفاق

ولأن لكل شخص الحرية في الانخراط في الحزب بعد اطلاعه على مضمون الأنظمة الأساسية والداخلية وموافقته عليها وهو متمتع بكامل أهليته وإرادته خالية من كل عيوب الرضا، فإن انخراطه لا يكون تحت الإكراه وعدم قبول استقالته حين لا يوفي بالتزاماته التعاقدية لا يمكن اعتباره انخراطا بالإكراه لأنه جزء من الاتفاق ثم لأنه قابل للتخلص منه.

وقد استقر قضاء محكمة النقض على اعتبار أن الاستقالة التي تسبق الترشح بتزكية من حزب آخر لا تكون نافذة إلا بعد موافقة الأجهزة الموكول إليها النظر في ذلك داخل الحزب ووفق الإجراءات التي سطرها النظام الأساسي والداخلي، حيث لا يعتد بمجرد الإخبار بها تماشيا مع ما ينص عليه القانون التنظيمي للأحزاب السياسية (قرار عدد: 1480/1 بتاريخ 20 أكتوبر 2015 ملف إداري رقم: 3122/4/1/2016؛ قرار عدد: 8 بتاريخ 5 يناير 2017 ملف إداري عدد: 3777/4/1/2016).

وهذا التوجه مخالف لما استقر عليه القضاء الدستوري الذي اعتبر أن الاستقالة يكفي لنفاذها الإخبار بها (قرار67/18 بتاريخ 24 يناير 2018؛ قرار 2017/1034 بتاريخ 16 مارس 2017). وقد اعتبر البعض أن اتباع هذا التوجه إلزامي يفرضه الفصل 134 من الدستور الذي نص على أنه “لا تقبل قرارات المحكمة الدستورية أي طريق من طرق الطعن، وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية”، وهو طرح غير سليم على اعتبار أن القرارات الملزمة هي فقط تلك التي تتعلق بعدم دستورية نص قانوني، وهو ما ذهب إليه حكم المحكمة الإدارية بالرباط الذي اعتبر أن المحكمة غير ملزمة سوى بالتطبيق العادل للقانون ولا يلزمها قضاء المجلس الدستوري (حاليا المحكمة الدستورية) المذكور.

2. آثار عدم نفاذ الاستقالة على نتائج الانتخابات

ذهبت أحكام المحكمة الإدارية بوجدة إلى إلغاء نتائج انتخاب أعضاء جماعة الناظور الذين اختل في ملف ترشيحهم شرط نفاذ الاستقالة من الحزب، فيما كان من اللازم إلغاء نتائج اللائحة كاملة؛ فالمادة 8 من القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية تنص على أن اللائحة هي المعنية بإلغاء النتائج والتي جاء فيها أنه: “لا تقبل لوائح الترشيح التي تتضمن أسماء أشخاص ينتمون لأكثر من حزب سياسي واحد أو تتضمن في نفس الآن ترشيحات مقدمة بتزكية من حزب سياسي وترشيحات لأشخاص بدون انتماء سياسي”، ولكون الترشيح قد تم بشكل مخالف للإجراءات المتطلبة قانونا فإن المحكمة تكون ملزمة بالحكم ببطلان نتائج الانتخابات جزئيا (المادة 32 من ذات القانون).

مقال قد يهمك :   مرسوم جديد يحدد تركيبة المجلس الأعلى للماء والمناخ بالمغرب

وفي هذا الصدد، أكد قرار لمحكمة النقض أن البطلان يطال اللائحة كاملة؛ وهو القرار رقم: 578/1 بتاريخ 7 أبريل 2016 ملف إداري رقم : 4628/4/1/2015 الذي جاء فيه ما يلي: “حيث إن محكمة الاستئناف الإدارية عدلت الحكم المستأنف القاضي بإلغاء انتخاب اللائحة موضوع الطعن، وذلك بجعل إلغاء انتخاب هذه اللائحة محصورا في انتخاب السيد (عبد المولى. ح)، استنادا إلى أن المادة 8 من القانون التنظيمي رقم 11-59 التي تتحدث عن تقديم لوائح ترشيح تشمل أسماء أشخاص ذات انتماءات سياسية متباينة، وليس أن يكون لذات الشخص العضو في لائحة معينة انتماء لأكثر من حزب سياسي… وبالتالي، فإن النزاع ينضبط لمقتضيات المادتين 21 و22 من القانون التنظيمي رقم 29-11 المتعلق بالأحزاب السياسية؛ في حين أن صياغة الفقرة الثالثة من المادة الثامنة المذكورة تفيد بكون بطلان الانتخابات – الذي تنص عليه – يسري على اللائحة بأكملها، وأن المشرع لم يقصد من عبارة “تتضمن أسماء أشخاص” أو “تتضمن في نفس الآن ترشيحات” توفر الجمع في الأسماء، وإنما يكفي أن تتضمن اللائحة اسم شخص أو أكثر للقول بالبطلان، (والقول بخلاف ذلك يؤدى إلى ترتيب آثار متباينة وغير منسجمة مع باقي مقتضيات نفس القانون التنظيمي، فكيف يمكن القول بأن بطلان الانتخابات يكون جزئيا إذا تضمنت اللائحة اسم شخص أو شخصين وكليا إذا تضمنت اسم أكثر من شخصين)، مما يكون معه القرار بما ذهب إليه غير مرتكز على أساس وعرضة للنقض”.

وإلى أن يصبح حكم إدارية وجدة نهائيا سيمارس الأعضاء المنتخبون صلاحياتهم كاملة (المادة 31 من القانون التنظيمي رقم 59.11)، وحين صيرورة الحكم قابلا للتنفيذ سيتم تنظيم انتخابات جزئية بالدائرة الانتخابية لجماعة الناظور؛ وذلك في ظرف الثلاثة أشهر الموالية لتبليغ الحكم البات في دعوى الطعن نهائيا. ولا يمكن إذن لكل عضو في مجلس الجماعة تخلى عن انتدابه الانتخابي، عن طريق الاستقالة، أن يترشح لعضوية المجلس نفسه طيلة الفترة المتبقية من الانتداب الانتخابي نفسه (المادة 153 من ذات القانون).

على سبيل الختم

يعتبر الطعن في نتائج الانتخابات بسبب عدم نفاذ الاستقالة من أكثر الطعون التي تشهدها نتائج اقتراع 8 شتنبر 2021 المتعلقة بالجماعات المحلية؛ وهو ما يبدو جليا من خلال الأحكام التي تصدر مؤخرا عن مختلف المحاكم الإدارية إلى جانب الأخبار التي يتم تداولها إعلاميا. ويبدو دور القضاء محوريا في الحد من ظاهرة الترحال السياسي المبني على نوايا انتهازية أو التي تمس بمصداقية النشاط الحزبي. وفي هذا الصدد، فإن ما استقر عليه اجتهاد محكمة النقض يساير هذا التوجه المؤسس قانونا في حين يبدو أن على المحكمة الدستورية مراجعة موقفها.


هسبريس

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]