مدى أحقية موظفي الجمارك في المشاركة الانتخابية
خالد شهيم باحث في العلوم القانونية
تنص المادة الخامسة من قانون 97.9 المتعلق بمدونة الإنتخابات بخصوص فقدان الأهلية الانتخابية على أنه: « لا يمكن أن يقيد في اللوائح الانتخابية : 1 – العسكريون العاملون من جميع الرتب ومأمورو القوة العمومية (الدرك والشرطة والقوات المساعدة) وسائر الأشخاص المشار إليهم في الفصل 4 من المرسوم رقم 1465-57-2 الصادر في 15 من رجب 1377 (5 فبراير 1958) بشأن ممارسة الموظفين الحق النقابي ، حسبما وقع تغييره بالمرسوم الملكي رقم 66-010 المؤرخ في 27 من جمادى الآخرة 1386 (12 أكتوبر 1966) ؛…»
فالمنع يسري على هؤلاء سواء كانوا ناخبين أو منتخبين بدليل ما نصت عليه المادة 41 من المدونة التي تقول: «يشترط فيمن يترشح للانتخابات أن يكون ناخبا وبالغا من العمر ثلاثا وعشرين سنة شمسية كاملة على الأقل في التاريخ المحدد للاقتراع.»
ورغبة في معرفة بقية الأشخاص الممنوعة من المشاركة الانتخابية، فإن الفصل الرابع من المرسوم المذكور أعلاه، قد أكد على أنه: « لا تطبق المقتضيات السابقة على جميع الأشخاص الذين أنيط بعهدتهم وظيفة أو انتداب ولو كان هذا الانتداب مؤقتا وكيفما كان تعيينهم، وأية ما كانت حدود مسؤولياتهم، وسواء كان عملهم تؤدى عنه أجرة أو كان بدون مقابل، و الذين يساهمون بهذه الصفة في خدمة الدولة أو الإدارات العمومية أو البلديات أو المؤسسات العمومية، أو مصلحة ذات فائدة عمومية، وخول لهم الحق في حمل سلاح خلال مزاولتهم لمهامهم.»
وحيث إن قصد المشرع إنما ينصرف إلى رهن الأشخاص الممنوعة من المشاركة في العملية الانتخابية، بالمنع من ممارسة الحق النقابي مثلما يظهر عند مقولته أعلاه “وسائر الأشخاص المشار إليهم في الفصل 4 من المرسوم رقم … بشأن ممارسة الموظفين الحق النقابي”، فيكون المانع بالأساس من حق المشاركة في العملية الانتخابية هو فعل المنع النقابي وليس حمل السلاح أثناء مزاولة المهام.
على هذا تكون المطالبة المكتوبة الموجهة من طرف إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة إلى السيد وزير الداخلية والتي تشعره فيه بعدم أحقية هيئة موظفي هذه الإدارة في المشاركة الإنتخابية بمثابة قرار إداري كاشف لما جاء في النظام الأساسي لهذه الهيئة وإن كانت تعتريه بعض العيوب نختصرها تباعا في النقاط التالية:
* عيب عدم الاختصاص: ومفاده هو عدم قدرة الهيئة الإدارية المعنية على إتيان عمل معين قد جعله المشرع من اختصاص هيئة إدارية أخرى. ويتفرع عن هذا العيب ثلاثة أوجه:
– عيب عدم الإختصاص المكاني ومثاله إقامة حاجز جمركي في نقطة كيلومترية غير التي أمر بها المسؤول؛
– عيب عدم الإختصاص الزمني، كأن يستمر مدير مركزي في معالجة ملفات القيمة الجمركية رغم حتمية تقاعده، حيث يصير العمل بهذه الكيفية باطلا.
– عيب عدم الاختصاص الموضوعي، كأن يتجاوز مدير الموارد البشرية بالجمارك اختصاصاته فيصدر قرارا بإجبار الموظفين على الاقتطاع من مبلغ علاواتهم مقابل الاستفادة من خدمة النقل الطرقي رغم أن القانون قد جعل هذا الأمر من اختصاص رئيس الجمعية الجمركية. أو مثل قيام مدير الموارد البشرية بحث المدير الجهوي للجمارك على الانتقاص من تنقيط موظف سبق أن طعن بالإلغاء ضد قراره التعسفي في التنقيل أمام المحكمة، وذلك تنكيلا له على ما ساقه من حجج فضحت سوء التسيير من قبيل الاحتجاج على تقديم خريطة المملكة منتقصة من أقاليمها الصحراوية والتي يعد مسؤولا عنها، أو من قبيل إلحاح هذا الموظف مثلا على ضرورة أداء اليمين القانونية من خلال مراسلته الإدارية التي لم تتم الاستجابة لها بالشكل المطلوب.
من هذا المنطلق تكون المطالبة الموجة إلى السيد وزير الداخلية، لم تراع جانب الاختصاص الوظيفي، من حيث كون الاختصاص ينعقد في مثل هذه الأحوال للسيد وزير المالية والاقتصاد بصفته السلطة الرئاسية التي تخضع لها كافة الإدارات التابعة للوزارة كإدارة الضرائب والخزينة العامة للمملكة إلى غير ذلك. وبالتالي يكون وزير المالية مؤهلا لمراسلة وزير الداخلية، ولا يمكن التحجج بوجود نظام أساسي، مادام هذا الأخير يعترف بسلطة الوزير في عدد من الأمور من ذلك ما فضى به الفصل السابع حين قال: «لوزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة الحق في مباشرة انتقالات موظفي إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة ، مع مراعاة الحالة العائلية للمعنيين بالأمر ضمن الحدود الملائمة لمصالح الإدارة…»
أو كما جاء ضمن الفصل الثامن من أنه: « يمكن ، بقرار لوزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة ، تغيير الإطار الذي ينتمي إليه الموظفون المنتمون لهيئة موظفي إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بإحدى الأطر المنصوص عليها في المادة 9 بعده ، وذلك في الحالات التالية :…»
وكذلك الأمر بموجب الفصل 46 الذي يقول: «يسند تنفيذ هذا المرسوم، الذي ينشر في الجريدة الرسمية ، إلى وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة.»
* عيب مخالفة القانون: ويطلق عليه كذلك عيب المحل أي موضوع القرار الذي يأتي بالمخالفة لإحدى القواعد القانونية الموجودة، وهو من العيوب الداخلية التي تصيب القرار، فيكون مثاله في حالتنا هاته، ما أسفرت عنه المطالبة المذكورة من مخالفة للنظام الأساسي الخاص بهيئة موظفي إدارة الجمارك في فصله 45 الذي يقول: «… يتم إدماج الموظفين المشار إليهم في الفقرة الأولى من هذه المادة ، بطلب منهم ، داخل أجل سنة من تاريخ دخول هذا المرسوم حيز التنفيذ.» ولما كان تاريخ تنفيذ هذا النظام الأساسي هو تاريخ نشره بالجريدة الرسمية عدد 6948 مكرر أي 31 دجنبر 2020 فإن المطالبة بالإقصاء من المشاركة الإنتخابية يكون قد خالف القانون عندما لم يعر أدنى اهتمام للمهلة التي أقرها المرسوم والتي حددها في انقضاء سنة كاملة يكون متمها 31 دجنبر 2021
كما أنه من جهة أخرى يخالف التشريع الأسمى من خلال ما يقضي به الفصل 30 من الدستور الذي يقول: «لكل مواطنة و مواطن، الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات، شرط بلوغ سن الرشد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية. وينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية.
التصويت حق شخصي وواجب وطني.»
* عيب الغاية: أو ما يطلق عليه عيب انحراف السلطة، ويكون فيما لو قصد مصدر المطالبة هدفا آخر غير الذي توخاه، كإضفاء الشرعية على الحركة الانتقالية لموظفي هيئة الجمارك التي لاقت إنتقادات كبيرة عجزت معها الإدارة عن تبرير الغاية منها، مثلما يشهد على ذلك قرارات هذه الإدارة بالعدول عن نقل بعض الموظفين بعد أن استفحل الأمر، من خلال حالات الطلاق المسجلة نتيجة تفكيك الأسر، أو من خلال بعض الحوادث المصاحبة للتنقل، أو من خلال أعراض الاكتئاب وآلام المرض النفسي، وهو ما يعطي شرعية لكل من تضرر من قرارات النقل السابقة و الحالية بأن يطالب بحقه في استصدار قرار إرجاعه إلى موطنه، أكان ذلك بطريق التظلم الإداري، أم بطريق القضاء عن طريق دعوى الإلغاء قبل مرور شهرين من تاريخ صدور قرار النقل.
* تضارب في التعليل
إذا كانت إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة قد أسست مطالبتها في إقصاء موظفيها من المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، على ما تضمنه الفصل 4 من النظام الأساسي لهيئة موظفي الجمارك، الذي منع عليهم تأسيس أو الانخراط في منظمة نقابية أو حزب سياسي، فإن قرار المجلس الدستوري المستدل به لم يوافق في تبريره التأسيس الذي أوردته الإدارة في مراسلتها للسيد وزير الداخلية، حيث يتعلق الأمر بالقرار رقم 2012/896 في الملفات عدد 11/1282 و11/1294 و11/1341 و11/1342 و11/1343 والذي جاء فيه: «فيما يخص الطعن المقدم من طرف السيد ع.ب في الملف عدد 11/1282: في شأن طلب إلغاء حكم المحكمة الابتدائية ونتيجة الاقتراع: حيث إن هذا الطلب يقوم على المآخذ التالية: -1 إن الطاعن قدم بتاريخ 8 نوفمبر 2011 تصريحا بترشيحه كوكيل لائحة لانتخابات أعضاء مجلس النواب المقرر إجراؤها في 25 نوفمبر 2011 بالدائرة الانتخابية المحلية لزاكورة، وتسلم بنفس التاريخ وصلا مؤقتا من قبل السلطة المختصة، إلا أنه في 9 نوفمبر 2011 توصل بقرار من السيد عامل إقليم زاكورة يقضي برفض ترشيحه بعلة عدم أهليته لكونه يشغل مهنة مفتش بالجمارك، مما يسمح له قانونا بحق حمل السلاح خلال مزاولته لمهامه بناء على مقتضيات المادة 34 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة؛ …
وحيث إنه، لئن كان المرسوم الصادر بتطبيق مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة ينص في مادته السادسة على “إن قباض الإدارة والضباط وضباط الصف وأعوان الزمر وكذا مأموري الأبحاث الجمركية يسلحون، تبعا للكيفيات المحددة في قرار للوزير المكلف بالمالية، من طرف الإدارة لأجل ممارسة مهامهم”، فإن التسليح التلقائي لبعض أعوان الجمارك، بحكم انتمائهم إلى هذه الفئات، لا يعني عدم إمكان تسليح الأعوان الآخرين، في كل وقت وآن، بقرار لإدارتهم العامة كلما تطلب ذلك قيام هذه الإدارة بالمهام الأمنية المنوطة بها؛ …
لهذه الأسباب
أولا- ….
ثانيا- يقضي برفض الطلب الذي تقدم به كل من السيد ع. ب في الملف عدد 11/1282، والسيد عبد الغفور عنابا في الملف عدد 11/1294 الرامي إلى إلغاء نتيجة الاقتراع الذي أجري في 25 نوفمبر2011 بالدائرة الانتخابية المحلية “زاكورة” (إقليم زاكورة)، وأعلن على إثره انتخاب السادة ميمون عميري وسعيد الناصري وحماد أيت باها أعضاء بمجلس النواب؛
ثالثا- يأمر بتبليغ نسخة من قراره هذا إلى السيد رئيس مجلس النواب وإلى الأطراف، وبنشره في الجريدة الرسمية.
وصدر بمقر المجلس الدستوري بالرباط في يوم الأربعاء فاتح ذي الحجة 1433 17أكتوبر2012 ».
على هذا يكون تعليل المجلس الدستوري قد جانب الصواب بارتكانه إلى علة حمل السلاح بدل الارتكاز على المنع النقابي للممارسة الانتخابية، وهو ما يحيلنا مع ذلك إلى وهن التعليل، مادام أن حمل السلاح لا يمنع من حق الممارسة النقابية مثلما هو جلي بالنسبة للنقابة الوطنية للمياه والغابات التي تمارس حقوقها الدستورية رغم ما تنص عليه المادة الثامنة من المرسوم رقم 2-93-844 الصادر في6 محرم 1415 – 16يونيو1994 – في شأن النظام الأساسي الخاص بالموظفين التقنيين والعلميين العاملين بالمياه والغابات حيث تقول: «يلزم الموظفون التقنيون العاملون بالمياه والغابات بحمل السلاح أثناء مزاولة مهامهم وفقا للنصوص التنظيمية الجاري بها العمل».
كما أن التشريعات المقارنة لم تنكر على الإدارات الجمركية الحق النقابي مثل التشريع الفرنسي الذي يعترف بالنقابة الوطنية لأعوان الجمارك والتي تلعب دورا مهما في الدفاع عن الحقوق والمكتسبات الجمركية.
وبالتالي، فمتى تبين عدم دستورية الفصل الرابع من النظام الأساسي لهيئة موظفي الجمارك القاضي بالمنع من ممارسة الحق النقابي، فإن إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة في شخص مدرائها تكون قد خالفت الظهير الشريف رقم 1-57-119 بتاريخ 18 ذي الحجة 1377 – 24يوليوز1957 -بشأن النقابات المهنية خاصة في الفقرة الثانية من الفصل الثاني مكرر التي تقول: «يمنع على كل شخص طبيعي أو معنوي أن يعرقل ممارسة الحق النقابي.» وذلك لما في هذا الحق من ردع للفساد ومجابهة للتصرفات اللامسؤولة مثل غض الطرف عن التظلمات، تصديقا لقول ربنا من سورة هود في الآية116: فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ. صدق الله العظيم.