مجلة مغرب القانونالمنبر القانونيقراءة في المرسوم المتعلق بمدونة أخلاقيات مهنة الطب

قراءة في المرسوم المتعلق بمدونة أخلاقيات مهنة الطب

درويش مصطفى  أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي باحث في العلوم القانونية 

صدر بالجريدة الرسمية عدد 7002  بتاريخ 8 يوليوز 2021  المرسوم رقم2 .21 . 225   ، يتعلق بمدونة أخلاقيات مهنة الطب  ، تحتوي هذه المدونة  – بالإضافة إلى تقديم من مادتين – على  ثلاثة وثمانون مادة مقسمة على خمسة أقسام ، جاءت بمجموعة من المستجدات التشريعية  والأخلاقيات التي يجب أن يتحلى بها أصحاب الوزرة البيضاء والتي تدخل في صميم عملهم وأداء قسمهم ، حيث نصت المادة الثانية من هذا المرسوم على أن هذه المدونة تتضمن مجموع المبادئ والقواعد الأخلاقية والمهنية التي يجب على كل طبيب التقيد بها واستحضارها أثناء مزاولة مهنته بصفة فردية وداخل المجتمع على حد سواء .

وعليه فقراءتنا لهذا المرسوم ستكون على الشكل الآتي :

القسم الأول : الواجبات المفروضة على الطبيب 

يقوم الطبيب بأعمال إنسانية تجاه الفرد والصحة العامة للمجتمع ، وعلى هذا الأساس يزاول مهنته في احترام تام لحياة الإنسان وصحته وكرامته ، متشبعا بمبادئ المروءة ونكران الذات وأي إخلال بواجبه يعد خرقا للقانون وتصدر في حقه عقوبات تأديبية كما نصت على ذلك المادة الرابعة من هذه المدونة .

لعل أبرز المقتضيات التي تضمنتهم هذه المدونة هي تقديم الطبيب العلاج لجميع المرضى بنفس القدر من العناية والمسؤولية والضمير المهني ،  كما يجب عليه ، أن  يقدم المساعدة لهم مهما كان تخصصه والقطاع الذي يشتغل فيه ، مع الحفاظ على كتمان السر المهني ولا يسقط بوفاة المريض . وإذا اقتضت مصلحة الدولة المشاركة في حماية الصحة العامة فيجب أن يكون أول المساهمين في ذلك . وليس هذا فحسب ، بل عليه أن يقوم بتقديم العلاج في المنازل إذا إقتضت مصلحة المريض علاجه داخل منزله …

ومن أجل المشاركة في توعية الجمهور والتواصل معهم فقد نصت المادة 21 من المدونة ، على أنه يجب على الطبيب أثناء التواصل سمعيا أو بصريا أو عبر شبكات التواصل الإجتماعي التقيد بمجموعة من القواعد لعل أبرزها الإمتناع عن الإشادة بخبراته ومنجزاته ( فعلت ودرست وقمت بكذا…) ، وعدم خلق آمالا غير مجدية أو من شأنها إصدار حكم مغلوط ، ولا يجب أن تشكل الفضاءات والمواقع وسيلة للإشهارات أو لاستمالة المرضى خاصة ما يتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي كما نصت على ذلك المادة 26 من هذه المدونة .

مقال قد يهمك :   الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة في إطار الفصل 101 من الدستور

فالواقع العملي يبين أن هناك من يتخذ من الطب وسيلة للإسترزاق والإغتناء ، فليس العيب أن يأخذ أجرا مناسبا نظير عمله وتعبه ، لكن العيب أن يتواطأ الأطباء فيما بينهم لذلك كان المشرع ذكيا عندما منع كل تواطؤ من شأنه أن يحقق منافع من قبيل تقاسم المستحقات بين الأطباء وبين المرضى كقبول الهدايا عنينية أكانت أو نقدية أو تصرفات قانونية من وصية أو أي منفعة أخرى

القسم الثاني : في علاقة الطبيب بالمرضى

من المعلوم أن الطبيب ملتزم ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة فالشافي هو الله سبحانه وتعالى ، ولما كان الأمر كذلك ، فإن الإلتزام الطبي تجاه المريض أثناء تقديمه للعلاج تحكمه ضوابط تشريعية وقبلها ضوابط أخلاقية ذات طابع إنساني ،  لذلك على الطبيب أن يقدم العلاج بشكل صحيح وبإخلاص للمريض وأن يتضمن علاجا مسؤولا وعناية يرتكزان على المعطيات العلمية الدقيقة وأن يقوم بتشخيصه قبل إعطائه للمريض ، ناهيك عن كتابته بشكل واضح وخط مقروء وهذا ما نصت المادة 39 من هذه المدونة على أنه :” يجب على الطبيب أن يصف العلاج بالقدر الكافي من الوضوح وأن يحرره بخط مقروء وأن يحرص على أن يفهمه المريض ومحيطه وأن يتحرى تطبيقه بشكل جيد “

وهذا المستجد يعتبر بمثابة ثورة حقيقية في مجال الطب فكم من الأدوية سلمت خطئا للمرضى نظرا للخط غير المفهوم والمقروء خاصة أن هناك تشابه بين الأدوية  ويكون الفرق حرف أو حرفان يغير نوعية الدواء ، وبالتالي يشكل ضررا آخر ينضاف لآلام المريض . لذلك فالإخبار والموافقة القبلية وسيلتان أسياسيتان من أجل الفهم والإستيعاب خاصة أن المصطلحات الطبية تقتضي التبسيط والشرح باللغة التي يفهمها المريض ، كما عليه تشخيصه بالفحوصات الواجب إجراؤها والمخاطر المحدقة به  . وفي حالة رفض المريض رغبته في عدم معرفته لنتائج التشخيص وجب احترام رغبته ، شريطة أن لا يلحق ذلك ضررا بالمريض نفسه أو بالأغيار…

مقال قد يهمك :   تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي: النظام الضريبي دعامة للنموذج التنموي الجديد

ومما لا شك  فيه أن الطبيب يكون أدرى بالمرض الذي نخر جسم المريض ، فإذا كان المريض في آخر أيام حياته ،  وجب على الطبيب أن يخفف من معاناته باستعمال وسائل مناسبة ومساعدته معنويا ، أما إذا كان المريض محروم ويعاني من هشاشة فيجب على الطبيب أن يعتني به جسديا وعقليا وأن يقدم له أفضل وأجود العلاجات المتاحة لباقي أفراد المجتمع ، ثم يدون ذلك في ملف طبي خاص بالمريض أو إعداد بطاقة شخصية تساعده على تتبع حالة المريض ، وتظل هذه البطاقة سرية ولا يمكن تسليمها لا للمريض ولا للأغيار .

تخول مزاولة مهنة الطب صلاحية تحرير الشهادات والتقارير التي تنص عليها القوانين والأنظمة الجاري بها العمل والتي يطلبها المريض أو ممثله القانوني أو ذوو حقوقه عند وفاته . ويجب أن تحرر بحذر وروية وبطريقة صحيحة ومقروءة طبقا لما ورد في المادة 51 من هذه المدونة .

وتجدر الإشارة أن الطبيب ملزم بتحديد مستحقاته بكل تبصر وحكمة ودون مغالاة ، فإذا ساهم مجموعة من الأطباء في علاج المريض فيجب عليهم تحديد مستحقات كل واحد منهم بصفة فردية ومستقلة حسب مستجدات المدونة وخاصة المادة 54 منها .

القسم الثالث : في علاقة الطبيب مع الهيئة وأجهزتها

بمجرد تقييد الطبيب  في الهيئة الوطنية للطبيبات والأطباء والتي بدورها تتكون من مجلس وطني ومجالس جهوية   فإنه يحرص على أن تكون وضعيته تجاه الهيئة وأجهزتها سليمة ومنتظمة في احترام تام لضوابطها والتقيد بواجب التحفظ المهني ، مع الإلتزام التام بواجب الإشتراك السنوي لدى المجلس الجهوي للهيئة والمساهمة في أنشطتها ، وفي حال الإخلال بواجب السر المهني للهيئة فإن الأجهزة التأديبية لها تصدر في حقه متابعات إذا ثبت أنه أدلى بتصاريح كاذية أو مغلوطة .

القسم الرابع : العلاقة بين الأطباء فيما بينهم وبين الأطباء وباقي مهنيي الصحة 

مقال قد يهمك :   الحجز التنفيذي العقاري في التشريع المغربي.

من المعرف أن الطب مهنة نبيلة ذات أهداف إنسانية وأخوية تربط الجسم الطبي ككتلة واحدة يشد بعضها بعضا ، لذا أقرت المدونة مجموعة من الواجبات والإلتزامات التي يجب أن يتحلى بها الأطباء منها الحفاظ على روابط الزمالة المتميزة في إطار احترام مصالح المريض ، ويمنع الإفتراء على زميل آخر في المهنة نفسها ، ويجب عليهم مساعدة بعضهم البعض والدفاع عن زميلهم في حال تعرضه لهجوم حسب منطوق المادة 61  من المدونة .

وليس العلم الطبي حكرا على طبيب دون آخر ، وإنما هو إمتداد مصاحب للطبيب الجديد الوافد ، لذا يتيعن على الطبيب الأقدم أن يتقاسم تجاربه مع الطلبة والأطباء الداخليين ويقدم لهم دعمه في إطار الإحترام المتبادل.كما يجب على الطبيب أن يستشير طبيبا آخر كلما دعت الضرورة لذلك  بغية مواصلة العلاج للمريض .

وفي ظل إحترام مبدأ التخصصات الطبية فإنه يمنع منعا كليا أن يفتح طبيب عيادة في بناية يزاول فيها الطبيب التخصص ذاته سواء تعلق الأمر بطب عام أو بتخصص طبي معين إلا بموافقة مكتوبة من هذا الأخير .

القسم الخامس : مقتضيات مختلفة وختامية 

تحرص المقاولات والأوساط المهنية  على توفير الأمن والسلامة للأجراء العاملين بها ، لذلك فالطبيب المتخصص يمارس عملا وقائيا داخل الأوساط المهنية ناصحا الأجراء بالحفاظ على النظافة والسلامة اللازمتين حماية لصحتهم بأماكن العمل .

لذلك يتيعن على طبيب الشغل أن يحافظ على استقلاليته المهنية تجاه المشغل ، وبواجب كتمان السر المهني ، ويجب عليه أن لا يتدخل في العلاج لأن دوره وقائي فقط ، وفي حالة اكتشافه لمرض معين أثناء معاينة المريض عليه أن يوجه المريض للطبيب المعالج طبقا لمستجدات المادة 79 من هذه المدونة  .

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]