أيوب بنجبيلي: مدى استقلالية القضاء الاسباني في قضية استقبال إبراهيم غالي؟
الدكتور أيوب بنجبيلي باحث في القانون العام
لقد أثار وجود زعيم “البوليساريو” في إسبانيا للعلاج بعد إصابته بفيروس كورونا المستجد وباستعمال وثائق سفر جزائرية مزورة من أجل الافلات من متابعات القضاء الاسباني لأنه موضوع شكايات عديدة.منسوبة إليه، بموجب ادعاءات ضده رفعتها جماعات صحراوية منشقة عن الجبهة الانفصالية التي يتزعمها،حيث طالبت من أجل تفعيل إجراءات توقيفه على خلفية التحقيقات التي كانت قد أجرتها المحكمة الوطنية الإسبانية معه خلال عام 2008، ثم مرة أخرى عام 2016وذلك في ما يتعلق بتهم “إبادة جماعية وجرائم أخرى”، مما يعتبر اختبارا وامتحانا قاسيا لاستقلالية القضاء الإسباني وحياده وتجرده، وعدم التحكم فيه والتدخل في قراراته لتحقيق عدالة فعالة ونزيهةقوامها احترام أخلاقيات وأعراف وتقاليد مهنة القضاء ومراعاة مبادئ العدل والانصاف نحو ما يخدم تشجيع الاستثمار والدفع بمبادرات التنمية وتوفير الأمن والاستقرار وحماية الأشخاص والحقوق والحريات والممتلكات.
حيث، أنه وفي إطار مبدأ فصل السلط وطبقا لمقتضيات الباب السادس من خلال المادة 117 في فقرتها الأولى من دستور المملكة الاسبانية الصادر بتاريخ 1978 والمعدل سنة 2011، يمنع القانون الإسباني تدخل الحكومة أو أي هيئة أخرى في مهام القضاء مما يجعلنا ننتظر القرار النهائي في حق شخص متابع في قضايا إجرامية، كالقتل والإبادة والاختطاف، حيث يقتضي عقاب هذه الجرائم الحكم بالسجن المؤبدوفق القانون الإسباني وتفعيلا لاتفاقية التوأمة والتعاون الموقعة سنة 1999 بين محكمة النقض بالمملكة المغربية والمحكمة العليا والمجلس العام للسلطة القضائية بالمملكة الإسبانية التي كرستمتانة العلاقات بين المؤسستين وتقاسمهما تاريخا قضائيا مشتركا، باعتبار المملكة أرضا للحوار وملتقا للثقافات، كما أكد على ذلك صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في العديد من المناسبات.
فهل تضحي إسبانيا بجار تجمعها معه علاقات استراتيجية وشريكٍ متقدم للاتحاد الأوروبي، لإرضاء فار من العدالة؟
إذ يعد هذا التساؤل مشروع طرحته وزارة الشؤون الخارجية على الجارة الشمالية في انتظار “ردا مرضيا ومقنعا” من طرف الحكومة الإسبانية بشأن قرارها الترخيص لإبراهيم غالي المتابع من طرف العدالة الإسبانية على خلفية جرائم إبادة والإرهاب، بالدخول إلى ترابهافكيف سيتحرك القضاء الاسباني في هذه القضية ؟ وإلى أي مدى؟.
إن التنظيم القضائي الاسباني، من خلال قانونه المتعلق بالمسطرة والاجراءات الجنائية الساري النفاذ حاليا يعطي لقضاة التحقيق في مختلف محاكمها وحدهم أهلية حق احتكار الاختصاص للتحقيق في القضايا الجنائيةواعتبارا لكون تواجد ابراهيم غالي فوق التراب الاسباني لم يعد سرا ولا يحوم أدنى شك حوله بل هو في حكم اليقين الجازم حسب ما أكدته وزيرة الخارجية الإسبانية “أرانشا غونزاليس لايا”، التي أعلنت دخول زعيم جبهة “البوليساريو” إلى إسبانيا لتلقي العلاج مشيرة في مؤتمر صحفي أن “ذلك لا يمنع أو يربك العلاقات الممتازة التي تربط إسبانيا بالمغرب”، فانه يخضع للقانون الجنائي الاسباني تبعا لحلوله فوق هذا المجال الترابي طبقا لقاعدة اقليمية القانون الجنائي، حيث تعتبر اسبانيا من الدول التي تأخذ بالاختصاص العالمي رغم ارتكاب الأفعال خارج اقليمها وبغض النظر عن جنسية الفاعل و في جرائم معينة وعلى درجة كبيرة من الخطورة، على غرار الأفعال المشتكى بها ضد ابراهيم غالي الذي كان مطلوبا للتحقيق منذ سنوات من طرف قاضي التحقيق المركزي بنفس المحكمة الوطنية الأوروبية التي مقرها بمدريد على إثر شكايات مقدمة من طرف الجمعية الصحراوية لحقوق الانسان، ومن طرف اسبان يقطنون جزر الكناري،ومن قبل خديجتو ولد محمود من أجل الإبادة الجماعية التي تنظمها المادة607 والمحدد عقوبتها في المؤبد، والضرب والجرح العمدين المنظمان بمقتضى المادة 147 وعقوبتها من 3 أشهر الى 3 سنوات، والقتل طبقا للمادة 138 عقوبتها من 10 الى 15 سنة، والارهاب التي تنظمه المادة 571 وما يليه عقوبتها من 8 الى 15 سنة، والاختطاف والاحتجاز التعسفي المادة 163 عقوبتها من 4 الى 6 سنوات والتعذيب والاغتصاب المواد 178 و 179 عقوبتها من 6 الى 12 سنة.
والجدير بالذكر لقد سبق لقاضي التحقيق المركزي بالمحكمة الوطنية الاسبانية بمدريد أن وجه استدعاء للمطلوب ابراهيم غالي من أجل الحضور والمثول أمامه بتاريخ 19/11/2016 على الساعة الحادية عشر وثلاثون دقيقة صباحا لاستنطاقه و لتقديم أقواله وتصريحاته على اثر الشكايات المقدمة ضده دون حضور هذا الأخير أنداك، بالرغم من تمتع قضاة التحقيق المركزيين بالمحكمة الوطنية الاسبانية بصلاحيات واسعة و بنفوذ يمتد إلى كل الاقاليم الاسبانية في جميع الجهات المستقلة باسبانيا وتبعا لتواجد المطلوب حاليا ابراهيم غالي الآن فوق الاقليم الاسباني، ومعرفة الجميع من صحافة و رأي عام اسباني ومؤسسات بما فيها القضائية و الأمنية بمكان تواجده، فان كل المتتبعين لهذا الملف ينتظرون تحرك القضاء الاسباني لوضع حد للشكوك واثبات استقلالية القضاء الاسبانيفهل سيتم اعتقال ابراهيم غالي؟.
للإجابة على هذا التساؤل وخلافاً لما وقع في مرات عدة حينما حفظت الشكاوى التي قدمت لعدم قدرة القضاء الإسباني على الوصول إلى غالي، فإن وجوده اليوم على الأراضي الإسبانية لتلقي العلاج بأحد المستشفيات الخاصة، ومعرفة عنوانه ومكان وجوده، يسقطان حجة عدم الاستماع إليه وإحضاره أمام قاضي التحقيق طبقا للمادة 503 من قانون الاجراءات الجنائية الاسباني الذي يقنن شروط اصدار قضاة التحقيق للأمر بالاعتقال المؤقت، وهي:
- أن يكون الفعل معاقبا عليه بعقوبة حبس تفوق سنتين.
- وجود أسباب وحجج وقرائن تكون الاعتقاد أن الفاعل موضوع التحقيق هو المسؤول جنائيا عن الجرائم موضوع شكاية التحقيق.
- أن يكون اللجوء إلى الاعتقال المؤقت ضروري لضمان حضور المشتبه فيه أمام القضاة وأمام المحكمة، أو لتفادي إتلاف الأدلة، أو تجنب احداث المطلوب لضرر بالحقوق القانونية للضحايا.
وبالتالي فإن تبث استدعاء زعيم ميليشيات “البوليساريو” الانفصالية، المتهم بارتكاب جرائم حرب خطيرة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسانسابقا و بشكل صحيح من أجل المثول والحضور أمام قاضي التحقيق بتاريخ 19/11/2016 ولم يحضر، فان هذا يعتبر سببا كافيا لقاضي التحقيق المركزي المكلف من لدن المحكمة الوطنية الاسبانيةلإصدار قرار بإلقاء القبض عليه وايداعه في السجن على سبيل الاعتقال المؤقت، وطبقا للمادة 100 من قانون الاجراءات الجنائية الاسباني فإن المملكة المغربيةتملك حق تتبع القضية كطرف مدني مع إثبات تضررها من جرائم ابراهيم غالي، وبما ان اسبانيا بعد قبولها له، ووجوده فوق ترابها وتحت اشراف النيابة العامة، فان المتهم في انتظار رأي القضاء الاسباني فيما ينسب اليه من تهم، وينتظران يفصل القضاء الاسباني بين المواقف السياسية والأمنية الاسبانية واختصاص البت في الشكايات المعروضة عليه وحل عقدة التواجد الاسباني في النزاع خاصةعبر منحه ضمانات الحصانة لأسباب إنسانية لشخص متابع قضائيا مدعوم من قبل دولة أجنبية سيقوض لا محالة العلاقات الاستراتيجية مع الجارة الشمالية التي تؤكد وباستمرار موقفها التقليدي إسوة بدول الاتحاد الأوروبي، أي البحث عن حل للنزاع تحت إشراف الأمم المتحدة، وهو موقف لا يعجب المملكة المغربية الذي صرح على لسان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أن على الدول الأوروبية أن تخرج من ‘”منطقة الراحة” والانخراط في “دعم الدينامية الإيجابية” في ملف الصحراء، بعد الاعتراف الأمريكي في ولاية ترامب بسيادة المغرب على صحرائه”..