عفيف البقالي: قراءة في دورية السيد رئيس النيابة العامة المتعلقة ببرقيات ومذكرات البحث
ذ عفيف البقالي القاضي رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالعيون
ان قراءة الدورية المتعلقة ببرقيات ومذكرات البحث لا ينبغي ان تقتصر على قشور القانون و سطح النصوص وانما المذكرة خطاب وسياق وبنية و امتداد لمسار سابق في دعم الحقوق والحريات وتنزيل حقيقي لثقافة حقوق الانسان .
كان بالامكان ان نناقش المذكرة في شقها القانوني الصرف لو انها نزلت نصا او كررت مقتضيات قانونية دون اعمال لاجتهاد واستنباط وعقل ودون ان تشكل خطوة جديدة في نفس المسار .
ان الدورية تسلط الضوء على الجانب المظلم في قانون المسطرة الجنائية فتتدخل لملء الفراغ واستنطاق الصمت التشريعي وتفسيره في ضوء باقي النصوص باعتبار قانون المسطرة الجنائية منظومة متكاملة يقرا فيها الصمت في ضوء باقي النصوص ويعتبر فيها السكوت تارة اباحة وتارة اخرى منعا حسب الاحوال وتبعا للصورة المتكاملة التي تجمع من شتات النصوص القانونية لاستجلاء ارادة المشرع .
لهذا تجدر الاشارة الى ان الصمت في برقيات البحث وتنظيمها ليس الصمت التشريعي الوحيد في قانون المسطرة الجنائية وانما توجد اجراءات اخرى لا تقل اهمية مثل تفتيش الهواتف و الحواسيب و اعادة التكييف و اضافة المتابعة و اصلاحها بالاضافة الى غياب نظرية واضحة في الجزاء الاجرائي تحتاج الى تدخل تشريعي واضح وصريح في قانون المسطرة الجناىية لوضع مقتضيات تتلاءم مع حقوق الدفاع وتتماشى مع الاجتهادات القضائية و القانون المقارن و قانون الاجراءات الجناىية النموذجي الذي تم صياغته من خبراء من دول مختلفة .
وهكذا فاذا كانت الدورية تعتمد في منهجها على القياس ؛ بحيث تقيس اجراء مذكرات البحث باعتباره اجراءا ماسا بالحرية على النصوص التي تنظم الاجراءات الماسة بالحرية وتفرض وجود جنحة او جناية معاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية ؛ فان القضاء تدخل في مناسبات اخرى معتمدا على مبدا حقوق الدفاع عندما تطلب اشعار المتهم بالتهمة الجديدة في اعادة التكييف وان لم ينص القانون المغربي على هذا الاجراء ؛ لكن في المقابل نجد التشريع المصري قد نص عليه صراحة في المادة 308 من قانون الاجراءات الجنائية المصري .
لهذا فالاشكال حسب وجهة نظري هو تحديد المنهج في التعامل مع الصمت التشريعي في ظل اتساع نطاق ” الاجراءات غير المسماة ” في المادة الجنائية .
فهل يمكن ان نلجا دائما الى القياس باعتباره الالية المنطقية المفضلة لدى العقل العربي – حسب محمد عابد الجابري – ام يتعين البحث عن اليات اخرى للتعامل مع الصمت ؟ علما ان القياس قد لا يسعف في كثير من الاحيان لغياب النصوص التي يمكن ان نقيس عليها ؟
صحيح ان التعامل مع الصمت التشريعي قد لا يتطلب في كثير من الاحيان سوى استحضار للمبادىء الكبرى مثل مبدا التقاضي على درجتين في اضافة المتابعة او اصلاحها ؛ وحقوق الدفاع في اعادة التكييف لكنه في بعض الاحيان يفرض استحضار معطيات تقنية كما هو الشان في تفتيش الحواسيب وحجزها . والتي خضع تنظيمها في قانون الاجراءات النموذجي لمقتضيات دقيقة .
بل ان محاولة سد الفراغ في بعض الاجراءات قد يصطدم بتساؤلات اخلاقية تخرج عن نطاق العلم فتدخل في مجال الفلسفة مثل استعمال التنويم المغناطيسي لاستخراج الدليل والحصول على الاعتراف .
وهكذا فان دورية رئيس النياية العامة وان ناقشت موضوع برقيات البحث فانها تسلط الضوء الى ما هو اعمق وتفتح نقاش الصمت التشريعي ؛ والمطلوب هنا ليس سد الفراغ في اجراء معين وانما البحث عن منهج واضح في التعامل مع صمت المشرع .