مدى دستورية معيار اشتراط الإقامة من أجل الانتماء إلى الجماعة السلالية
العربي محمد مياد دكتور في الحقوق
تتبعت ككل متخصص في الشأن العقاري بالمغرب، تداعيات معيار الإقامة الذي أتى به المرسوم رقم 2.19.973 بتاريخ 9 يناير 2020 بتطبيق أحكام القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها ولاسيما في المادة الأولى منه. هذا المعيار _ الشرط الذي جاء في الفرع الأول من الباب الأول المتعلق بأعضاء الجماعة السلالية ونوابها. وبذلك يعتبر الإقامة بالجماعة السلالية معيارا محوريا في الانتساب للجماعة السلالية وركنا أساسيا من أجل التقييد بلوائح أعضاء الجماعة السلالية، ومن تم الحاصل أنه لا يتمتع من لا يقيم بالجماعة السلالية حسب التصور الحكومي ويحرم من جملة من الحقوق التي كرسها القانون من ضمنها على الخصوص:
- المنفعة بأملاك الجماعة التي ينتمي إليها؛
- الترشيح أو التعيين كنائب للجماعة السلالية؛
- الاستفادة من تمليك أرض الجماعة السلالية المتواجدة خارج دوائر الري؛
- الحصول على النصيب المالي الناجم عن توزيع الموارد المالية المتأتية من استغلال أملاك الجماعة السلالية التي ينتمي إليها؛
- التقييد بلائحة ذوي الحقوق طبقا للقانون رقم 64.17 القاضي بتغيير وتتميم الظهير الشريف بتاريخ 25 يوليوز 1969 المتعلق بالأراضي الجماعية الواقعة في دوائر الري؛
- الحرمان من حق الاستفادة من تمليك أراضي الجماعات السلالية الواقعة في دوائر الري.
يحدث هذا ، والحال أن معيار الإقامة عار من أي تقعير قانوني سليم للأسباب التالية :
1 – انتهاك اختصاصات السلطة التشريعية
ينص الفصل 6 من الدستور على أن ” القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له. “
ونظرا لأن القانون تعبير عن إرادة الشعب ، فإنه لا يحق للمرسوم وهو تعبير عن إرادة الحكومة فقط أن يخالف إرادة الأمة ، خاصة وأن القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها الصادر بتنفيذه الظهير الشريف بتاريخ 9 غشت 2019 لم يعلق تنفيذ مقتضيات الباب الثاني منه الخاص بتنظيم الجماعات السلالية على صدور نص تنظيمي لكيفية تطبيق الأحكام الواردة فيه ، كما هو الشأن بالنسبة للباب الثالث والرابع والخامس، ومن تم لم يرخص المشرع للحكومة لكي تفصل أو تقلص من الحقوق الواردة في الباب القاني المذكور.
وقد نص الفصل 71 من الوثيقة الدستورية على أن الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في التصدير وفي فصول أخرى من هذا الدستور تدخل في مجال القانون، ولعل أسمى هذه الحقوق الحق في الملكية والحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة. بينما نص الفصل 72 من الدستور بأنه يختص المجال التنظيمي بالمواد التي لا يشملها اختصاص القانون.
ولا غرو أن إقرار شرط الإقامة سيحرم السلالي أو السلالية من الحقوق الدستورية والكونية المتعلقة بحق الملكية .
2 -خلق بوادر المشاحنة والبغضاء داخل الجماعة السلالية
إذا كان المشرع في المادة 6 من القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها السالف الذكر، نص على أنه ” يتمتع أعضاء الجماعات السلالية ذكورا وإناثا بالانتفاع (يعني المنفعة) بأملاك الجماعة التي ينتمون إليها …” فهنا استعمل المشرع مصطلح الانتماء وليس الإقامة بالجماعة وإلا حصر المنفعة في ” المقيمين فيها ” وعلى هذا الأساس لا يجوز لمرسوم وهو في جميع الأحوال مجرد قرار إداري قابل للطعن أمام محكمة النقض، أن يحد أو يمنع أو يقيد حق من الحقوق الأساسية للإنسان لم يقيده المشرع صراحة.
وقد فات التصور الحكومي أن مجرد التفكير في اقصاء عضو من أعضاء الجماعة السلالية، وهو من المفروض من أبناء القبيلة أو العشيرة أو حتى العائلة الصغيرة سيؤدي إلى عداوة مبطنة وحتى معلنة قد تترتب عليها عواقب اجتماعية ونفسانية وخيمة . ونعلم بأن بعض أعضاء الجماعة السلالية يربطهم بالفقر صداقة دائمة غير مفضلة، وقد يضحي أحد أفرادها بنفسه ويهاجر خارج الجماعة السلالية من أجل العمل ويبعث إليها بما يذخره من مال من أجل استغلال نصيب عائلته في أرض الجماعة السلالية، إلى أن يصطدم بأن هناك مرسوما خلع عليه صفة عضو الجماعة السلالية، وبالتالي أصبح في عداد الغرباء عن دياره وبين أترابه وجيرانه ومعارفه وأحبابه بل وحتى عائلته.
3_ المادة الأولى من المرسوم التطبيقي صاحبة شرط الإقامة تطاولت على اختصاص مجلس الوصاية الإقليمي ، الذي منحته المادة 33 من القانون 62.17 المشار إليه أعلاه اختصاص المصادقة على لائحة أعضاء كل جماعة سلالية على حدة والمعدة من طرف جماعة النواب ، خاصة وأن لهذا المجلس اختصاصات شبه قضائية، وبذلك يكون انتهى الكلام ولا صلاحية لمجلس الوصاية الإقليمي التدخل في هذا الشأن ما لم يتعلق الأمر بطعن ، وحتى إذا حدث هناك أي طعن يكون مصيره عدم القبول لأنه مخالف للمرسوم .
4 _ المس بحقوق النساء السلاليات التي كرسها المشرع
لا يخفى على التصور الحكومي أن من النساء السلاليات من تتزوجن خارج الجماعة السلالية ، وقد أخذت مجموعة من النساء السلاليات وغير السلاليات محطات نضالية واسعة تناغمت معها مصالح وزارة الداخلية سابقا، بإصدارها الدوريتين 17 و 60 حول تمتيع العنصر النسوي من حق الانتفاع بأراضي الجماعات السلالية وثمارها الذي صفق له الكل ، غير أنه بالتنصيص على شرط الإقامة كشرط أساسي للانتماء للجماعة السلالية وجني غلاتها بالمرسوم ، سيقوض كل تلك الجهود المجمع على حسناتها والتي توجت بصدور كل من القانون رقمي 62 و 64 / 17 الجديدين.
5_ التراجع عن أدبيات الأحزاب المكونة للحكومة
المطلع على المقترح قانون الذي تقدم به فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب قبل صدور القانون رقم 62.17 والقوانين الموازية سنة 2019، سيجد أنه هناك تراجعا عن مواقفه السياسية السابقة. وأذكر هنا المادة 37 من المقترح قانون الذي تقدم به بداية العشرية الثانية من القرن الحالي الذي نص على أن ” عضو الجماعة الذي ليس له مقر دائم حقيقي بتراب الجماعة والذي لا يشغل الأرض بصفة منتظمة لمدة ثلاث سنوات متوالية يفقد حق الاستفادة من الحصة المخصصة له ويشطب عليه من لائحة ذوي الحقوق بمقتضى قرار من مجلس الأراضي السلالية بناء على طلب مندوبي جماعة النواب.”
وهذا يعني أن عضو الجماعة السلالية من منظور الحزب الذي يقود الحكومة لا يفقد عضويته بسبب الإقامة وإنما متى توفرت بعض الشروط، والفقدان يتعلق بالمنفعة وليس العضوية بالجماعة السلالية. غير أنه عند تقديم مشروع المرسوم التطبيقي من طرف وزارة الداخلية تغاضى عن موقفه السابق المعلن .
هذه العوامل وغيرها جعلت مجموعة من السلاليين والسلاليات يقدمون عريضة إلى رئيس الحكومة في موضوع مراجعة المرسوم التطبيقي رقم 2.19.973 بتاريخ 9 يناير 2020 ولاسيما الشق المتعلق بمعيار الإقامة بالجماعة السلالية لاكتساب صفة العضوية بالجماعة السلالية. وقد برر الموقعون على هذه العريضة طلبهم بأن شرط الاقامة غير واضح ولا يحيل على شكل محدد لهذا المفهوم ، كما أن الحصول على رخص لإنشاء سكن داخل الجماعة السلالية مرهون في بعض الجماعات بالتوفر على مساحة قانونية محددة ، كما أن معيار الإقامة بالجماعة سيساهم في تكريس التمييز بين أفراد وعائلات نفس السلالة .وبالتالي يطالبون بإلغاء شرط الإقامة كمعيار للانتساب للجماعة السلالية .
وخلاصة القول، فإن معيار الإقامة لا أساس له من الناحية القانونية وعار من كل المبررات الاجتماعية والنفسية بل وحتى السياسية ، ذلك أنه قد يحدث أن يقطن عضو من أعضاء الجماعة السلالية نفس الجماعة الترابية التي تضم الجماعة السلالية ويتسوق من نفس السوق الأسبوعي ويخضع لنفس السلطة الإدارية الترابية ، ولا يحق له الاستفادة من ثمار جماعته السلالية بدعوى عدم الإقامة داخلها ، وكأن للجماعة السلالية حدودا ترابية ومساحة مضبوطة معترف بها من طرف السلطات العمومية ، في الوقت الذي من الناحية الواقعية لا تكون الجماعة السلالية وحدة ترابية وإنما وحدة عرقية واجتماعية .
ونحن نعتقد أنه كان من المفروض على الدولة أن تصدر قانونا ينظم الإطار العام للجماعات السلالية اسوة بقانون الجمعيات مثلا ، وما على كل جماعة سلالية إلا وأن تضع قانونها الداخلي مستلهما من الواقع الاجتماعي والاقتصادي المحلي ، بعيدا عن التخمينات التي قد يتصوره الموظف في العاصمة مهما ارتقى منصبه الإداري . فالعادات لدى المجتمعات الأمازيغية مثلا بعيدة كل البعد عن العادات والأعراف في مناطق أخرى. كما أن مهمة المراسيم في الدستور المغربي هو المجال التنفيذي ليس إلا ، ولا يجوز اعتماده كوسيلة من أجل الحد من الحريات الأساسية للمواطنين، وبناء عليه يكون المرسوم رقم 2.19.973 بتاريخ 9 يناير2020 بتطبيق أحكام القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها قد تجاوز اختصاصاته . ناهيك عن أن سلطات الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية ليست مالكة للجماعات السلالية ولا ممتلكاتها كما أنه ليس لها سلطة رئاسية عليها سواء من الناحية القانونية أو الدستورية.
صحيح أن المادة 30 من القانون أعلاه تنص على أنه ” يمارس وزير الداخلية أو من يفوض إليه الوصاية الإدارية للدولة على الجماعات السلالية …” والوصاية حسب مضمون نفس المادة ” تهدف إلى السهر على احترام الجماعات السلالية وجماعات النواب للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل ، وكذا إلى ضمان المحافظة على أملاك الجماعات السلالية ومواردها المالية وتثمينها . لذا فوض المشرع صلاحية الوصاية الإدارية هاته لوزير عضو في الحكومة يعمل تحت رئاسة رئيس الحكومة ومسؤوليته سياسية بالأولوية.
لكن ، طبقا للمرسوم رقم 2.19.1086 صادر في 4 جمادى الآخرة 1441 (30 يناير 2020) بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة الداخلية ولا سيما المادة 31 منه ، تناط بمديرية الشؤون القروية مهمة ممارسة الوصاية باسم وزير الداخلية على الجماعات السلالية وفقا للقوانين والتنظيمات الجاري بها العمل ، وكذا إدارة ممتلكاتها والمحافظة عليها والدفاع عن مصالحها وإعادة هيكلة الأراضي الجماعية. وبذلك انتقل التفويض من رجل سياسة عضو في الحكومة، إلى مديرية تابعة لوزارة الداخلية، وبالتالي قد تتفرق مهام الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية بين كل العاملين بهاته المديرية سواء بدرجة مدير أو إطار أوعون إداري.
وهذا ما يدفعني إلى التساؤل هل يجوز تفويض صلاحية الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وممتلكاتها إلى مديرية ليس لها شخصية معنوية؟ تساؤل أطرحه على المختصين في العلوم الإدارية للنقاش والدراسة.
وفي انتظار تفاعل المختصين والحقوقيين، نرى أن استجابة رئيس الحكومة للعريضة المذكورة ضرورة ملحة تتطلبها المصلحة العامة.