ليلى الهريم: تدبير الإدارات العمومية لمنازعاتها القضائية
ذة. ليلى الهريم باحثة في العلوم القانونية
مقدمة:
تعتبر الإدارة العمومية جهازا منظما يعمل على تنفيذ السياسة العمومية للدولة في إطار مخطط استراتيجي لتحقيق الأهداف المسطرة، والسهر على سير دواليب الدولة ليجعلها قادرة على صنع القرارات وممارسة الرقابة على التصرفات الناشئة عن الالتزامات والتدبير الجيد لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية الخاضعة لمبادئ القيم والديمقراطية التي أقرها الدستور.
وقد تنشأ عن هذه الالتزامات والقرارات منازعات بين الإدارة والشركاء والمرتفقين وحتى الأفراد، تكون غالبا موضوع دعاوى معروضة على القضاء الإداري وحتى العادي و تكون فيها الإدارة العمومية طرفافي النزاع.
القسم الأول : أنواع المنازعات القضائية للإدارات العمومية
I– المنازعات المعروضة على القضاء الإداري:
وتخصالدعاوىالمتعلقة بالعقود الإدارية ومن أهمها الصفقات العموميةو الدعاوى المتعلقة بالمسؤولية الإدارية مثل الاعتداء المادي الذي تباشره الإدارة عندما تقوم بحيازة عقار في ملك الغير دون سلوك المسطرة القانونية ودعاوى المسؤولية عن الخطأ القضائي طبقا لما جاء في الفصل 122 من الدستور ونزع الملكية للمنفعة العامة، ثم المسؤولية عن القرارات الإدارية الغير مشروعة والتي تم إلغاؤها بمقتضى حكم قضائي،اضافة الى المنازعات الضريبية ثم الطعون المتعلقة بإلغاء المقررات الإدارية.
وهناك ايضا الدعاوى الاستعجالية خاصة المقدمة في إطار المادة 149من قانون المسطرة المدنية، أو في إطار الأوامر بناء على طلب المنصوص عليها في المادة 148 من قانون المسطرة المدنية، وتبرزأهمية هذه الدعاوى في سرعة البث وصدورأحكام مشمولة بالنفاذ المعجل مثل طلب المعاينة أو استصدار أمر بالغرامة التهديدية أو الحجز على الاموال العمومية وكل هذه الدعاوى ليست على سبيل الحصر .
ولن ننسى الدعاوى المتعلقة بالوضعية الفردية والمعاشات، وغالبا ما تكون موضوع طلب التعويض في إطار أنظمة الترقي، أو عن بعض المهام الإدارية.
II– أنواع المنازعات المعروضة على القضاء العادي:
- دعوى الرجوع:والتي يقدمها الوكيل القضائي نيابة عن الدولة المغربية في شخص السيد رئيس الحكومة من أجل استرجاع الصوائر المستحقة للدولة والمنصوص عليها في الفصلين 28 و 32 من قانوني المعاشات المدنية والعسكرية، وذلك في مواجهة المسؤولين عن حوادث السير التي يكون أحد ضحاياها موظف مدني أو عسكري
- القضايا التجارية: وغالبا ما تكون بين الشركات التجارية والإدارات العمومية.
- القضايا الجنائية: وتتعلق باسترجاع الأموال العمومية المختلسة أو المبددة، أو جرائم التزوير والغش، إضافة إلى التي تتم فيها مؤازرة موظف عمومي تم الاعتداء عليه أثناء ممارسته لعمله طبقا للفصل 19 من قانون الوظيفة العمومية.
- القضايا العقارية: منها النزاع حول ملك غابوياوملك عمومي… وغالبا ما يكون موضوع الدعوى, تعرض الإدارة العمومية على مطلب التحفيظ الذي يتقدم به أحد الخواص .
وتعرف هذه الأنواع من المنازعات ارتفاعا متواترا، فحسب التقرير السنوي للوكالة القضائية للمملكة برسم سنة 2018 بلغ عدد القضايا الواردة عليها 17.528 قضية جديدة وعدد الاحكام التي توصلت بها 9673 حكم وقد حصر الغلاف المالي المحكوم به على الدولة في 4.176.490.14 درهم‘ ومقارنة مع سنة 2017 فقد سجلت 17.220 قضية جديدة وتوصلت الوكالة ب 6553 حكم وحددت المبالغ المحكوم بها ضد الدولة في 2.774.583.499درهم .
ولا بد من الإشارة إلى أن هذه الإحصائيات تخص فقط المنازعات التي وردت على الوكالة القضائية للمملكة، علما بأن هناك هيئات وإدارات أخرى معنية بالمنازعات لم تكن موضوع هذه الإحصائيات.
القسم الثاني: تمثيل الإدارت العمومية أمام القضاء
طبقا للمادة 1 من قانون المسطرة المدنية لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة، وبالتالي فهي شرط أساسي لإقامة الدعوى يمكن للقاضي أن يثيره بصفة تلقائية باعتباره من النظام العام، فينذرالطرف المعني بتصحيح المسطرة في أجل محدود وإلا أصدر حكمه بعدم قبول الدعوى.
وتعتبر الصفة في تمثيل أشخاص القانون العام أمام القضاء شرطا أساسيا لإقامة الدعوى ضد الإدارات العمومية، مما يستوجب تحديد الممثل القانوني للإدارة المدعى عليها، تجنبا لصدور أحكام قضائية ضد غير ذي صفة، مما يجعل تنفيذها غير ممكن لصدورها ضد جهة غير معنية بالنزاع.
وفي هذا الباب سأتطرق لبعض من لهم الصفة لتمثيل الإدارات العمومية أمام القضاء، طبقا للقوانين الجاري بها العمل.
أ- المبدأ العام لتمثيل الدولة أمام القضاء:
لا بد من الإشارة إلى أن الإدارة تعتبر جهازا منظما يعمل على تنفيذ السياسة العمومية للدولة، وبالتالي كلما كانت طرفا في النزاع وجب توجيه الدعوى ضد الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة طبقا للمادة 515 من قانون المسطرة المدنية والتي جاء فيها ما يلي:
”ترفع الدعوى ضـــد:
1- الدولة في شخص ممثلها رئيس الحكومة وله أن يكلف بتمثيله الوزير المختص عند الاقتضاء“
ب-الاستثناءات التي ترد على مبدأ تمثيل الدولة أمام القضاء:
المبدأ العام لتمثيل الدولة أمام القضاء هو رئيس الحكومة، إلا أن هناك استثناءات لهذا المبدأ لوجود عدد من الحالات الخاصة والاستثنائية بشأن التمثيل، نص عليها المشرع المغربي في الفصل 515 السالف الذكر تخص بعض الإدارات العمومية والذي جاء فيه ما يلي:
ترفع الدعـــــوى ضـــــــد:
1- …
2- الخزينة العامة للمملكة في شخص الخازن العام للمملكة
3- ….
4- ….
5-مديرية الضرائب في شخص مدير الضرائب، فيما يخص النزاعات المتعلقة بالقضايا الجبائية التي تدخل ضمن اختصاصها
6- مديرية أملاك الدولة في شخص مدير أملاك الدولة فيما يخص النزاعات التي تهم الملك الخاص للدولة.
ومن ضمن الحالات الاستثنائية التي خصها المشرع بالتمثيل أمام القضاء:
1- الملك الغابوي: ويمثله أمام القضاء وزير الفلاحة طبقا لمقتضيات ظهير 10/10/1917 المتعلق بمحافظة واستغلال الغابات.
2-الأملاك العامة للدولة: يمثلها الوزير المكلف بالتجهيز باعتباره ممثلا للدولة فيما يخص الأملاك العامة للدولة.
3-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية:وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية له صلاحية التقاضي باسم ملك الأوقاف.
ولا بد من التذكير بأن عدم توجيه الدعوى ضد من له صفة التمثيل القانوني يترتب عنه عدم قبول الطلب إذا أثار هذا الدفع أحد أطراف الدعوى، أو القاضي بصفة تلقائية كما سبق الإشارة إلى ذلك.
القسم الثالث: مهمة الدفاع عن الإدارات العمومية
ترك المشرع للإدارات العمومية المعنية بالنزاع اختيار من يدافع عنها أمام القضاء من بين من أوكل لهم القيام بهذه المهمة، وهم كالتالي:
- موظف منتدب من طرف الإدارة طبقا للفصل 34 من قانون المسطرة المدنية.
- محامي بإحدى الهيئات تماشيا مع مقتضيات الفصل 31 من القانون المنظم لمهنة المحاماة والذي نص على أنه: ”لا يسوغ أن يمثل الأشخاص الذاتيون المعنويون والمؤسسات العمومية وشبه العمومية والشركات، أو يؤازروا أمام القضاء إلا بواسطة محام، ما عدا إذا تعلق الأمر بالدولة والإدارات العمومية تكون نيابة المحامي اختياريا“.
- الوكيل القضائي للمملكة كما نص على ذلك الفصل الأول من ظهير 2 مارس 1953 المنظم لوظيفة الوكيل القضائي للمملكة، والذي أجاز لهذا الأخير الدفاع عن الإدارات العمومية وصلاحية إقامة الدعوى باسم الدولة وإدارتها العمومية والجواب على دفوعات الأطراف نيابة عنهم.
القسم الرابع: إجراءات تدبير النزاع من طرف الإدارة المعنية بالنزاع
سأنتقل الآن إلى دور الادارات العمومية في تدبير المنازعات الإدارية الموكول أساسا للمسؤولين عن المنازعات القضائية للإدارة التي ينتمون إليها، خاصة في الجانب المتعلق بمواكبة المحامي المكلف بالدفاع أو من لهم هذه المهمة في تدبير المساطر القضائية أو الإجراءات القانونية، لأن تكليف المحامي للدفاع عن الإدارة المدعى عليها غير كاف لضمان الدفاع، لذا يجب على هؤلاء المسؤولين مواكبة الدفاع سواء أكان محاميا أو غيره في سير المسطرة القضائية، لتزويده بالمعلومات الضرورية المتعلقة بالنزاع أو بوقائع النازلة أو الوثائق والمستندات التي تعزز موقف الإدارة من مواجهة الخصم والحرص على التواصل المستمر مع المحامي، وفي هذا الصدد سأبسط التقنيات الواجب توفرها في المسؤولين عن المنازعات لتدبير الملف وذلك لتمتين الدفاع وتجويده حسب الترتيب الذي تتطلبه المسطرة.
- التحلي باليقظة والتدقيق:
عندما تتوصل الإدارة المدعى عليها بأول وثيقة من المحكمة وتكون عادة الأمر بتبليغ المقال الافتتاحي للدعوى الذي تقدم به الخصم مع استدعاء الأطراف للجلسة يتسلمها موظف بمكتب الضبط يكون متمرسا على الحيطة والحذر في تفحص الوثائق، حيث يقوم بالتأكد من إرفاق المقال بالاستدعاء ومراقبة مدى تطابق أسماء الأطراف مع ما هو وارد في الاستدعاء والمقال، درءا لكل إشكال أو خطأ يؤثر على سير الدفاع، وما إذا كان المقال غير مقروء أو غير مكتمل الصفحات، دون إغفال مراقبة المراجع الواردة في شهادة التسليم ومطابقتها لرقم الملف بالمحكمة، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن كل هذه الملاحظات يجب أخذها بعين الاعتبار في جميع الاستدعاءات والتبليغات التي تتوصل بها الإدارة المدعى عليها.
وعندما تتوصل الإدارة المدعى عليها، بأمر يوجه، فإن الأمر يتعلق إما بإنذار الإدارة بالجواب على مذكرة الخصم، أو دعوتها للإطلاع على الوثائق أو الإدلاء بوثائق، أو الاطلاع على تقرير الخبير أو إضافة نسخ من المذكرات الكافية لعدد الأطراف أو لحضور جلسة بحث أو معاينة أو تبليغ الحكم التمهيدي أو الحكم النهائي، وكل هذه الانذارات تكون محددة بأجل معين، لذا فإن عدم ضبطها يمكن أن يكون سببا في تفويت الآجال وما يمكن أن يترتب عن ذلك من انعكاسات سلبية على مهمة الدفاع وسير المسطرة ونتيجة الحكم، لذا يجب على المسؤولين عن تدبير النزاع الحرص على ضبط هذه الأمور والتواصل المستمر مع المحامي للتنسيق معه تجنبا لكل احتمال سلبي.
- ضبط الملفات والمستندات:
ومن جملة الخطوات التي يجب على المسؤول الإداري المكلف بتدبير النزاع مباشرتها بعد توصله بأول وثيقة من المحكمة، هي ضبط الوثائق وتنظيمها وترتيبها والاحتفاظ بها داخل الملف بعناية كاملة وتسجيل المراجع التي تيسر إخراج الملف بسرعة وسهولة خاصة عندما يكون الأمر مرتبط بأجل معين، وتصنيف القضايا حسب طبيعة النزاع ونوعه والمحكمة المختصة والمدينة المتواجدة بها مع وضع جدول لهذه التصنيفات.
- تتبع مآل المسطرة وضبط الآجال والحرص على الحضور:
على المسؤولين عن تدبير المنازعات الإدارية أن يولوا الاهتمام بضبط الآجالات المحددة من طرف المحكمة، وذلك بوضع سجلات لهذه الغاية أو برمجتها عن طريق الحاسوب للتذكير بها في وقت معقول وإخبار المحامي بذلك للاستعداد للحضور وتهيئ الدفاع حسب المرحلة.
- تدوين الأفكار والملاحظات التي تفيد النازلة:
إن المسؤولين عن تدبير نزاع الإدارة العمومية مطالبون خلال الحضور في كل الجلسات باختلاف طبيعتها، الحرص على تدوين كل النقط التي تم تداولها في النقاش، ونفس الشيء بالنسبة للاجتماعات، وتسجيل تطورات الملف وما تم إغفاله وما يجب القيام به ووضعها داخل الملف حرصا على استغلالها في الدفاع وضمان استمرارية معالجة الموضوع في الحاضر والمستقبل، خاصة إذا حصل تغيير المسؤول داخل الإدارة بآخر الذي سيجد سهولة في تتبع الملف.
- كيفية التعامل مع المقال الافتتاحي للدعوى:
نرجع ثانية لأول وثيقة توصلت بها الإدارة المعنية بالنزاع، وهي المقال الافتتاحي للدعوى الي تقدم به المدعي، وهو وثيقة مهمة لموضوع النزاع، يجب تفحصه بعناية بعد التأكد من المراجع التي تحملها، وقراءة مضمونها بدقة لمعرفة أسباب النزاع وموضوعه للتواصل مع الجهة الإدارية (الطرف المباشر في النزاع) للحصول على الايضاحات الكافية والوثائق الضرورية لتعزيز الدفاع، والتركيز على ضبط الوقائع لمعرفة مدى صحتها بالحقيقة، واستدعاء المحامي أو التنقل عنده لمناقشة الموضوع وإفادته بالمعطيات التي تفيد النازلة، وتفسير محتوى الوثائق التي تتوفر عليها الإدارة وإمداده بها لاستغلالها في الدفاع لدحض ادعاءات الخصم والجواب على كافة الوسائل والدفوعات المثارة من جانبه مع عقد اجتماع لتوضيح الغموض وتفسير الوقائع وترتيب الوثائق من حيث الاهمية، خاصة وأن الإدارة المعنية بالنزاع تكون على إلمام أكثر بالأحداث والوقائع والتي تكون غائبة عن المحامي، كما يجب مراقبة الشكليات القانونية الواجب إثارتها خاصة فيما يتعلق بصفة الجهة المدعى عليها ومدى صحة الوثائق المدلى بها.
- ضبط الانذارات الموجهة للإدارة:
قد تتوصل الإدارة المدعى عليها بإنذار بالجواب، ويكون ذلك بسبب عدم تقديم المحامي الجواب داخل الأجل المحدد في الاستدعاء، ففي هذه الحالة سيكون المسؤول عن تدبير النزاع ملزما بالاتصال بالمحامي من أجل إثارة انتباهه إلى ذلك لتهيئ الجواب على ادعاءات الخصم داخل الأجل المحدد لتدارك الأمر تفاديا للانعكاسات السلبية المترتبة عن عدم القيام بذلك، علما بأن عدم الجواب يعتبر إقرارا بإدعاءات الخصم.
وقد يتوصل المسؤول عن تدبير النزاع بإنذار للاطلاع على الوثائق من أجل دراستها من طرف الإدارة والتأكد من صحتها والجهة التي أصدرتها وقوتها الإثباتية وعندما يقوم بذلك عليه تنبيه المحامي لكل هذه الملاحظات من أجل استغلالها في الدفاع.
- الجلسات والمذكرات الدفاعية وكيفية التعامل معها:
غالبا ما تتضمن المذكرة الجوابية للخصم الوسائل المثارة من طرفه والإدعاءات التي اعتمدها في الدفاع عن طلبه، فيكون المسؤول عن تدبير النزاع ملزما بالإطلاع عليها، ومراقبة مدى انسجامها مع مضمون المقال الافتتاحي للدعوى ومطابقتها للواقع حسب المعلومات التي افادته بها الإدارة المعنية بالنزاع لإثارة انتباه المحامي إلى ذلك، أما الجانب القانوني والأسس التشريعية فتبقى من اختصاص هذا الأخير.
- الاستدعاء لحضور جلسة البحث:
عادة في هذه الجلسة يتم استدعاء أطراف النزاع (المدعي والإدارة المدعى عليها) حيث يقوم القاضي بمناقشة مضمون النزاع بطرح الأسئلة على الأطراف، وفي هذه الحالة يجب على ممثل الإدارة أن يكون على استعداد للجواب على الأسئلة وملما بمعطيات النزاع ومدركا لمضمون الوثائق التي أدلت بها الإدارة، كما يجب الحرص على أن يكون كل المعنيين بالاستدعاء حاضرين في الوقت المحدد، وأن يلتزموا عند طرح السؤال من طرف القاضي باحترام قواعد اللياقة في الجواب وعدم الانصياع للاستفزازات التي يمكن أن تصدر عن الخصم واختيار الكلمات اللائقة والمفيدة للجواب وعدم الخروج عن ذلك إلا بطلب من القاضي، وأن يكون التعقيب على أجوبة الخصم بأسلوب رزين بعيد عن المناوشات، مع حسن استعمال واستغلال الوثائق في الوقت المناسب حتى يكون القاضي مستوعبا للتوضيح الذي سيجعله مدركا للحقيقة، ويمكن للإدارة أن تطلب مهلة للجواب على بعض الأسئلة في حالة عدم تمكنها من بعض المعطيات لعرضها بعد ذلك على شكل مستنتجات بعد البحث، خاصة عندما يطرح القاضي سؤالا لم تكن تتوقعه الإدارة.
ولا بد من الإشارة إلى أنه إذا تعذر على بعض الاطراف الحضور فلهم أن يبرروا غيابهم بسبب معقول، وعلى الأطراف الحاضرين أن يكونوا يقظين فيما يدون من طرف كاتب الضبط المرافق للقاضي لإبداء الملاحظة وطلب استدراك ما تم إغفاله، خاصة إذا كان ذلك في صالح الإدارة، والعمل على الحصول على صورة من المحضر حتى يتمكن المسؤول الإداري من إعداد المستنتجات بعد الجلسة بتنسيق مع المحامي الذي سيقوم باستغلالها في الدفاع.
- الاستدعاء لحضور عملية الخبرة:
في كثير من الأحيان ما يأمر القاضي بإجراء خبرة إذا استدعى الأمر لتوضيح بعض الجوانب التقنية، يعهد بها لخبير مختص في تقييم حالة ووضع معين، وهنا لا بد من الإصرار على حضور الإدارة والالتزام بذلك، مع التركيز على أخذ فكرة عن الخبير الذي عينته المحكمة، خاصة في علاقته مع الخصم، والتحري لمعرفة هل هناك ما يستدعي تجريحه وإثارة انتباه المحامي للقيام بالتجريح داخل الأجل القانوني (5 أيام)، كما يمكن طلب تأجيل الخبرة وإخبار الخبير بذلك للتنسيق مع باقي الأطراف، وأثناء الحضور للخبرة يجب على ممثل الإدارة أن يعقب على تصريحات الخصم خاصة وأن الخبير غالبا ما يعتمد على الأقوال ويدونها في المحضر ويبني تقييمه عليها، كما يجب الحرص على طلب اثبات صفة ممثل الخصم الحاضر في عملية الخبرة.
وعندما يضع الخبير تقريره في الموضوع يجب الحرص على التعقيب عليه لإثارة العيوب التي تشوبه والاشكاليات التي تكتنفه وتمكين المحامي من كل الملاحظات ليتأتى له الاعتماد عليها في الدفاع (وكل هذا يقتضي عقد اجتماع مع المحامي لمناقشة فحوى التقرير).
- عندما تصدر المحكمة أمرا بالتخلي:
تعرف المسطرة عند انطلاقها تبادل المذكرات بين الخصوم في شكل مذكرات جوابية أو مذكرات تعقيبية للرد على الوسائل والدفوعات في كل جلسة من الجلسات التي تحددها المحكمة، وعندما يرى القاضي أن هذه الدفوعات قد استنفذت بين الأطراف، يعتبر القضية جاهزة للبت، ويقوم بإقفال النقاش، وحينها يصدر أمره بالتخلي ويعمل على حجز الملف للمداولة للنطق بالحكم.
- حجز الملف للمداولة:
يعمل القاضي على حجز الملف من أجل النطق بالحكم، وفي حالة ما إذا كانت للإدارة معطيات جديدة تريد الإدلاء بها، على المسؤول الإداري إخبار المحامي بذلك من أجل تقديم طلب لإخراج الملف من المداولة ليتأتى للمحكمة النظر في هذه المعطيات.
- بعد صدور الحكم:
لابد من إثارة الانتباه إلى أنه بعد صدور الحكم يجب أن يقوم المسؤول الإداري بحث المحامي للحصول على نسخة منه من أجل الإطلاع على منطوقه، فإذا كان في صالح الإدارة يجب العمل على تبليغه للخصم حتى يتمكن من حصر الأجل للطعن فيه، تفاديا لترك الباب مفتوحا للخصم للطعن فيه في أي وقت يناسبه ولأمد طويل وهو أمر لن يكون في صالح الإدارة لما له من انعكاسات سلبية على مصالحها، أما إذا كان الحكم في غير صالحها فتكون الإدارة بين خيارين إما الطعن فيه إذا كانت هناك أسباب معقولة أو تنفيذ مقتضياته.
القسم الخامس: دور الإدارة في التقليص من المنازعات والوقاية منها
ما يثير القلق هو ارتفاع عدد القضايا المعروضة على المحاكم والتي تكون فيها الإدارة العمومية طرفا في النزاع، وبدون شك هذا راجع إلى عدم احترام بعض الإدارات للإجراءات المسطرية أو الشكليات القانونية لإصدار القرارات الإدارية أو التهاون في ضبط العقود الإدارية أو عدم الحرص على تجنب ما يحمل الدولة المسؤولية او تجاوز الاختصاص او لعدم وفاء الادارة بالتزاماتها … مما تنجم عنه انعكاسات سلبية على ميزانية الدولة ، أو عدم تنفيذ بعض الاحكام الصادرة ضدها واللائحة طويلة، لن يسعفنا الوقت لسردها كاملة أو الدخول في تفاصيلها.
وأمام هذا الوضع فإن الإدارة ملزمة بوضع استراتيجية محكمة للتقليص من المنازعات والوقاية منها تعتمد على ترشيد العمل الإداري والحرص على احترام المساطر القانونية والإدارية والقضائية والشكليات المطلوبة وعدم تجاوز الاختصاص المنوط بها، والتقيد بالضوابط القانونية عند إبرام العقود الخاصة بالصفقات العمومية وتجنب المنازعات الناجمة عن الاعتداء المادي ونزع الملكية من خلال توفير الوعاء العقاري لتنفيذ المشاريع التنموية للحد من الآثار السلبية على ميزانية الدولة.
ولن يكون ذلك إلا من خلال التكوين والتكوين المستمر لدعم الأطر والمسؤولين للرفع من قدراتهم في التدبير سواء على مستوى تطبيق القانون تطبيقا سليما، اواحترام المساطر القانونية، والالتزام بحدود الاختصاص وتفادي الأخطار المرفقية التي تنجم عنها مسؤولية الدولة، والدقة في إصدار القرارات الإدارية في احترام تام للشكليات المطلوب تطبيقها والتي غالبا ما يكون عدم احترامها سببا في إلغائها من طرف القضاء، وما يترتب عن ذلك من انعكاسات مالية، دون إغفال تفعيل الوسائل البديلة لفض المنازعات، كالوساطة والصلح تكريسا لمبادئ العدالة ودعما لدولة الحق والقانون.