قراءة في النظام الأساسي لهيئة موظفي إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة
خالد شهيم إطار باحث
صدر مؤخرا بالجريدة الرسمية عدد 6948 مكرر بتاريخ 31 ديسمبر 2020 المرسوم رقم 2.19.453 صادر في جمادى الأولى 1442 (22 ديسمبر 2020) بمثابة نظام أساسي بشأن هيئة موظفي إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة، حيث تمت الإشارة من طرف وزير المالية والاقتصاد و إصلاح الإدارة إلى الطابع الأمني كمبرر لاعتماد هذا النظام بعد عقود من الممارسة، و إلى طبيعة المهام الخاصة لهيئة الجمارك و الضرائب غير المباشرة، الأمر الذي استدعى من جانبنا تخصيص هذا النظام بالدراسة و التحليل في محاولة لتقييم مضامينه ، و للتمعن في مدى الجدوى من إقراره.
أولا: في المرجعية القانونية
تم إقرار النظام الأساسي لهيئة موظفي إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة بمقتضى مرسوم حكومي رغم أن هذه الهيئة تضم بين أعضائها فئة تسمى بأعوان المصلحة العامة بإدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة ممن يحق لهم حمل السلاح الوظيفي، حيث يجدر تأطير حملة السلاح بمقتضى ظهير شريف بدل مجرد مرسوم لا يرقى حتى إلى القانون الذي يصدر عن البرلمان في قوته التشريعية.
و في هذا السياق نلاحظ على سبيل المقارنة أن موظفي الوقاية المدنية و الأطباء، العاملين بالمديرية العامة للوقاية المدنية و المصالح الخارجية التابعة لها، قد تم تحديد نظامهم الخاص بمقتضى الظهير الشريف رقم 70.17.1 الصادر في 10 ذي القعدة 1439 الموافق ل 24 يوليو 2018 ، بناء على نظام الانضباط العام في حظيرة القوات المسلحة الملكية، رغم عدم استعمالهم للسلاح، حيث أن مهامهم لا تختلف كثيرا عن مهام موظفي الجمارك، مثلما ينص على ذلك هذا الظهير في مادته السادسة التي تقول: «مع مراعاة الاختصاصات و الصلاحيات المسندة إلى إدارات أو مؤسسات أو هيئات أخرى، تناط بموظفي الوقاية المدنية في إطار المهام المسندة إلى المديرية العامة للوقاية المدنية، على الخصوص المهام التالية: – العمل على حماية السكان و الممتلكات من الأخطار الطبيعية و التكنولوجية و العمرانية و كذا من الأخطار المرتبطة بالأنشطة الترفيهية؛ – السهر على مكافحة الحوادث و الكوارث و التخفيف من آثارها على السكان و الممتلكات و البيئة. كما يساهمون، في نطاق المهام السالفة الذكر، في عمليات حفظ النظام العام.»
و جدير بالذكر أن مرجعية مهام هيئة موظفي الجمارك تعود إلى مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة كما تمت المصادقة عليها بموجب الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.77.339 بتاريخ 25 شوال 1397 (9 أكتوبر 1977)، التي حددت في معظم فصولها مهام و واجبات المراقبة الجمركية مثل الفصل 38 الذي يقول: «- 1- لأجل تطبيق هذه المدونة ورغبة في البحث عن الغش، يجوز لأعوان الإدارة أن يقوموا بمعاينة البضائع ووسائل النقل وتفتيش الأشخاص.
2- يجب على سائق كل وسيلة من وسائل النقل الامتثال لأوامر أعوان الجمارك.»
أو مثل الفصل 23 الذي يستفاد من فقرته الأولى مهام موظفي الجمارك في المحفاظة على الأمن و الصحة العامة عندما يقول: «- 1 – لتطبيق هذه المدونة، تعتبر محظورة جميع البضائع التي يكون استيرادها أو تصديرها :
أ ) ممنوعا بأي وجه من الوجوه؛
ب ) أو خاضعا لقيود أو لضوابط الجودة أو التكييف أو لإجراءات خاصة.»
لكن من حيث أن مدونة الجمارك تعد في حد ذاتها مصدرا تشريعيا قويا بما اشتملت عليه من أحكام في المراقبة لكل ما يدخل إلى المملكة أو يخرج منها، و بعد أن جاءت بتنظيم مهام موظفي الجمارك و ما أملت عليهم من واجبات و حقوق، فقد كان يكفي إغناء المدونة في هذا الجانب ببعض المقتضيات لا غير، خاصة تلك التي لازالت تقُضُّ مضجع القائمين على الشأن الجمركي مثل المنع من ممارسة الحق النقابي أو المنع من الانخراط في الأحزاب السياسية.
و تملك إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة سلطة مطلقة في تعديل بنود المدونة الجمركية بحكم معرفتها بالشأن الجمركي من جهة و بالنظر إلى طبيعة القانون الجمركي المتميز بطابعه المتجدد كل سنة بفعل مستجدات قوانين مالية السنة و المتجدد خلال السنة نفسها أيضاً بفعل المستجدات ذات الطابع الحمائي.
كما أن مدونة الجمارك تشمل في الآن ذاته كلا من القانون الجمركي الذي ينص على الجرائم الجمركية و عقوباتها، و كذا قانون المسطرة الجمركية الذي ينظم إجراءات التقاضي الجمركي من قبيل شكلية المحاضر، و يشتمل أيضاً على التنظيم الجمركي مثل مقتضيات تسطير حدود دائرة و مكاتب الجمارك و بعضاً من مقتضيات النظام الأساسي للموظفين التي تنص على واجبات و حقوق أعوان و مفتشي الجمارك، بحيث يمكن تشبيه هذه المدونة الجمركية بمدونة المحاكم المالية كما تم إحداثها بمقتضى القانون رقم 99-62 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 124-02-1 الصادر في فاتح ربيع الآخر 1423 (13 يونيو 2002) والتي تضم كتاباً أولاً في المجلس الأعلى للحسابات من ناحية الاختصاصات و التنظيم، و كتاباً ثانياً في المجالس الجهوية للحسابات من ناحية الاختصاصات و التنظيم، و كتاباً ثالثاً في النظام الأساسي لقضاة المحاكم المالية.
ثانيا: في الحقوق و الواجبات
تم بموجب المادة الرابعة من النظام الأساسي لهيئة موظفي الجمارك و الضرائب غير المباشرة النص على أنه «…لا يجوز للموظفين المنتمين لهيئة موظفي إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة أن يؤسسوا أو ينخرطوا في منظمة نقابية أو حزب سياسي أو ممارسة أي نشاط من أنشطتهما، لا سيما القيام بأي شكل من أشكال التظاهر أو الاحتجاج الجماعي.»
أما المادة السادسة فقد أشارت في فقرتها الأولى إلى ما يلي: «يدعى موظفو إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة لممارسة مهامهم، بالإضافة إلى الأوقات العادية، بالليل و النهار و خلال أيام العطل، إذا اقتضت ضرورة المصلحة ذلك.»
و هي نفس الصياغة تقريبا التي تم اعتمادها في الفصل 62 من القانون الأساسي لموظفي الوقاية المدنية و التي جاء فيها: «يمكن أن يدعى كل موظف من موظفي الوقاية المدنية لمزاولة مهامه، سواء بالنهار أو بالليل، و لو خارج أوقات العمل، و تعوض فترات العمل المنجزة خارج أوقات العمل العادية بفترات للراحة.»
و يمكن القول أن مثل هذا المقتضى لا يضر لو تم إقحامه ضمن الفصل 31 من مدونة الجمارك الذي سبق له أن تطرق للعمل خارج التوقيت الإداري عندما أكد بالقول:« 1- تحدد في قرارات للوزير المكلف بالمالية ساعات فتح و إغلاق مكاتب الجمرك.
2- يمكن بطلب من المعنيين بالأمر وبعد موافقة الإدارة، أن تتم الإجراءات الجمركية إما خارج مكاتب الجمرك وإما خارج ساعات فتح وإغلاق المكاتب المذكورة. وفي هذه الحالة تستوفي الإدارة أجرا يحدد مقداره وتخصيصه بمقرر لمدير الإدارة.
3- تحدد بمقرر لمدير الإدارة شروط تطبيق 2 أعلاه.»
كما يلاحظ من جهة أخرى أن الفقرة الثانية من المادة السادسة من النظام الأساسي لموظفي هيئة الجمارك قد جاءت صياغتها معيبة عندما قالت: «يتم، وفق ما تسمح به ضرورة المصلحة، تعويض فترات العمل المنجزة خارج أوقات العمل العادية بفترات للراحة لا تحتسب ضمن أيام الإجازة السنوية.» بحيث تفيد قراءة هذه الفقرة أن فترات العمل خارج التوقيت الإداري، لا يمكن تعويضها إلا إذا سمحت به ضرورة المصلحة، و هذا مما يتنافى مع أبسط الحقوق المقررة في نطاق الوظيفة سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص.
أما الفقرة الثالثة من المادة السادسة المذكورة أعلاه، فقد ألزمت “موظفي إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة بالانضباط و التقيد باحترام السلطة التسلسلية و بالامتثال لقواعد الانضباط التي يقتضيها حق حمل السلاح و ارتداء البذلة الرسمية.”
و هو ما يفيد أيضا كون الانضباط و التقيد باحترام السلطة التسلسلية أمر موجه إلى أعوان المصلحة العامة من حاملي السلاح و العاملين بالزي النظامي دون غيرهم.
كما شددت الفقرة الرابعة و الأخيرة من المادة السادسة على ضرورة “التقيد بمدونة السلوك المهني لموظفي إدارة الجمارك التي تعدها إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة و يصادق عليها بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالمالية.”
و إذ لا يخفى على أحد ما في مقتضيات هذه الفقرة من عيوب، فإن الدفع بعدم دستوريتها يظل قائما، حيث تتنافى مع الفقرة الثالثة من الفصل السادس لدستور المملكة التي تقول: « تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها، ووجوب نشرها، مبادئ ملزمة».
فإذا كان القصد من وجوب نشر القاعدة القانونية هو الإلمام مُسبقاً بما تتضمنه قبل التقيد بها تحت طائلة العقوبات التأديبية على من يخالفها، فإن التقيد بمدونةٍ للسلوك لم تخرج بعدُ إلى حيز الوجود ليس من أبجديات القانون و لا من تعاليمه حيث لم نسمع بقانون أو مرسوم يفرض على مُخاطِبيه الالتزام ببنودٍ قانونية مُعَلَّقة، ناهيك عن محتواها الذي قد يصدر بالمخالفة للدستور أو للتشريعات التي تعلوها مرتبة.
من جهتها تضمنت المادة السابعة من النظام الأساسي لموظفي هيئة الجمارك تناقضا بين فقرتيها، حيث أعطت الفقرة الأولى منه إلى وزير الاقتصاد و المالية و إصلاح الإدارة الحق في مباشرة انتقالات موظفي إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة، مع مراعاة الحالة العائلية للمعنيين بالأمر ضمن الحدود الملائمة لمصالح الإدارة، بينما أعطت الفقرة الثانية لإدارة الجمارك الحق في أن “تجري للموظفين الخاضعين لهذا النظام الأساسي حركية جغرافية و وظيفية، إما بطلب من الموظف، أو بمبادرة من الإدارة، كلما دعت ضرورة المصلحة إلى ذلك، من أجل تحقيق التوازن في توزيع إعادة انتشار الموظفين.”
و قد كان على واضع النص في سعيه لتكريس استقلالية الإدارة الجمركية أن يخص مدير إدارة الجمارك وحده بحق التعيين و حق الإشراف على انتقالات موظفيه بدل تخويل هذه الحقوق إلى وزير المالية، و ذلك على غرار النظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني خاصة في الفقرة الأخيرة من مادته الثالثة التي تقول: «يمارس المدير العام للأمن الوطني سلطة تعيين و تسيير موظفي و مصالح الأمن الوطني، مع مراعاة أحكام الظهير الشريف رقم 1.99.205 الصادر في 18 من جمادى الآخرة 1420 (29 سبتمبر 1999) بتفويض سلطة التعيين.»
و لعل هذا المقتضى من شأنه أن يعصف بالغاية من إقرار نظام خصوصي ما دام لم يقم سوى بنقل مقتضيات المادة 64 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية التي تقول: « للوزير الحق في مباشرة انتقالات الموظفين الموجودين تحت سلطته. ويجب أن تراعى في تعيين الموظفين الطلبات التي يقدمها من يهمهم الأمر وكذا حالتهم العائلية ضمن الحدود الملائمة لمصالح الإدارة.»
على أن المتتبع للمسار الوظيفي بالمغرب لا بد أن يسترعي انتباهه عبارة النقل لدواعي المصلحة العامة، و التي لا ينبغي تصورها في مَعزلٍ عن النظام الأساسي الخاص الذي يؤطر شروطها و دواعيها حسب خصوصية الإدارة المعنية. ففي الوقت الذي كرست فيه بعض الأنظمة الخصوصية جانب الاستقرار باعتباره حقا طبيعيا مثل المادة 165 من مدونة المحاكم المالية في الباب الثالث المتعلق بالنظام الأساسي لقضاة المحاكم المالية و الذي يقول في بدايته:« يؤلف قضاة المحاكم المالية هيئة موحدة ويتمتعون بعدم قابلية العزل والنقل إلا بمقتضى القانون، ويسهر مجلس قضاء المحاكم المالية المنصوص عليه في المادة 235 بعده، على تطبيق هذا النظام الأساسي»، فإننا نجد أن إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة قد سلكت عملية تنقيل واسعة لموظفيها قبل صدور نظامها الأساسي الحالي، و هو ما يعني إصدار قرارات إدارية بغير سند من القانون ما دام المرجع في هاته الحالة هو قانون الوظيفة العمومية في فصله 64 الذي لم يسبق لأي إدارة تخضع لمقتضياته أن انتهجت حركية واسعة لموظفيها، لِمَا في ذلك من زعزعة للاستقرار الأسري الذي ينعكس لا محالة على مردودية العمل. كما أن التخوف من استفحال الرشوة في مناطق معينة لا يكفي أن يقوم سبباً لإدراج هذا الأمر في حظيرة المصلحة العامة بالشكل الذي يؤدي إلى تنقيل المئات من الموظفين من مدن مختلفة و استبدال بعضهم ببعض مع ما يستلزم ذلك من إهدار للمال العام عندما يتم الأمر بمبالغ مالية برسم التنقل الإجباري لكل موظف غير مقررة في القوانين أو النصوص التنظيمية من جهة، و لا تفي بالغرض من تقريرها من جهة ثانية، علما أن مرجعية التعويض في إطار الوظيفة العمومية،إنما تكون مقررة في حالة الإلحاق التلقائي من طرف الإدارة إلى إدارة أخرى و تكون في حدود ثلاثة أضعاف الأجرة الشهرية، و مع العلم أيضا بانتهاج الإدارة الجمركية للحركية الوظيفية داخل المجال الجهوي للتحكم في استفحال الفساد الذي قد يظهر من حين لآخر. و بالتالي فالقرار الإداري متى صدر بهذه الصورة مُخَلِّفاً آثاره السلبية على الجانب الاجتماعي أو مُفْقِراً لخزينة الدولة، إنما ينبغي التصدي له، بحيث تقع مسؤولية ذلك على عاتق القضاء الإداري الذي لا ينبغي له أن يكتفي فقط بإلغاء القرار المشوب بأحد عيوب المشروعية، و إنما سيكون مُطالباً في سعيه لبلوغ العدالة إلى ابتداع الحلول الكفيلة بردع المسؤول و مُصدِر القرار الذي يعتريه عيب جسيم كان سيؤاخذ الموظف البسيط على ارتكاب مثله بأشد العقوبات، حيث إن العدل الأمثل يقتضي القصاص ضد كل من يلحق الأذى بحقوق الوظيفة العمومية من اقتطاع بغير حق كمن يأكل أموال الناس بالباطل أو يستهتر بالأموال العمومية أو الجمعوية بدون سند من القانون، و لأن دستور المملكة هو أسمى قانون في البلاد، فقد وجب على الجميع التقيد بمضامينه و منها قوله في الفصل السادس: «القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. و الجميع، أشخاصاً ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، و ملزمون بالامتثال له، …» و السلطة العمومية كما هو معلوم تكون مجسدة في شخص المسؤول المتصرف باسمها، و من تم وجب إخضاعه للمساءلة و توقيع العقاب متى أضر المصلحةَ العامة بقراره و بعدم تَبَصُّرِه، حتى لا يصدق علينا قول رسول الله عليه الصلاة و السلام: «إنما أهلك الذين من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، و إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد».
ثالثاً: في حقوق لم يتم التطرق إليها
بناء على التبرير الذي تقدم به وزير المالية و الاقتصاد و إصلاح الإدارة في ديباجة التصديق على مرسوم النظام الأساسي الخاص بهيئة موظفي إدارة الجمارك، من أجل إقراره، و التي تمثلت في الطابع الأمني، اتضح أن هذا النظام لم يعر أي اهتمام لتوظيف أبناء الجمركيين ممن تعرضوا لآفات أو للموت في سبيل الدفاع عن حقوق الدولة و أمنها، حيث تنص مثلا المادة 18 من النظام الأساسي لموظفي الوقاية المدنية على أنه: «يمكن بطلب كتابي أن يتم إدماج أزواج و أبناء موظفي الوقاية المدنية المتوفين أثناء مزاولتهم لمهامهم، و ذلك في حدود خمسة في المائة من المناصب المالية المراد شغلها برسم كل سنة مالية مع مراعاة الشروط المتعلقة بولوج الرتب أو الدرجات و الأسلاك.» و هو نفس المقتضى الذي جاء في النظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني عندما أقر بموجب المادة التاسعة قائلا : «مع مراعاة الشروط الخاصة المقررة للتوظيف في كل درجة، يمكن أن يوظف في أسلاك موظفي الأمن الوطني، بصفة مباشرة و بناء على طلبهم، أزواج أو أبناء موظفي الأمن الوطني المتوفين أثناء ممارسة عملهم، و ذلك في حدود خمسة في المائة من المناصب المالية المراد شغلها برسم كل سنة مالية.»
و إن غياب مثل هذا المقتضى عن ذهن المشرع الجمركي، إنما ينم عن عدم اكتراته للجهود المبذولة من طرف الأعوان و المفتشين التي تفضي إلى هلاكهم، كما يشهد على ذلك ما تشنه إدارة الموارد البشرية من دعاوى إفراغ الأرامل ممن فقدوا أزواجهم الجمركيين، أو من المتقاعدين الذين أفنوا عمرهم دفاعا عن أمن و سلامة المملكة رغم ما يميز هذه المساكن من طابع جمعوي لا يمت للسكن الوظيفي بصفة تذكر، وجب التفكير في إيجاد حلول جذرية له عن طريق خلق عمل إجتماعي إداري بمقتضى القانون، مثلما تنص على ذلك المادة 26 من النظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني في بدايته الأولى التي تقول:«تحدث مؤسسة للأعمال الإجتماعية لموظفي الأمن الوطني تحمل اسم جنابنا الشريف. تهدف المؤسسة إلى النهوض بالأعمال الإجتماعية و تنميتها و تطويرها لفائدة موظفي الأمن الوطني و أفراد أسرهم… »
كذلك الأمر بالنسبة لمنحة السكن عن النقل الإجباري التي لم يشر إليها النظام الأساسي الجديد، رغم أن الإدارات التي تنهج الحركية لموظفيها تنص على ذلك بصريح العبارة مثل المادة 18 من النظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني التي تقول:«يخول مسؤولو و أطر و أعوان الأمن تعويضا مناسبا عن السكن أو سكنا وظيفيا في حالة توفره، و ذلك وفق شروط و كيفيات تحدد بموجب نص تنظيمي.» هذا مع العلم أن عدد موظفي الجمارك المحدود لا يقارن بأعداد موظفي الأمن الوطني.
بل حتى في الأنظمة العسكرية نجد النص على تعويضات النقل مقررة بموجب القانون، حيث تنص المادة 46 مثلا من النظام الأساسي للقوات المساعدة على أنه: «يعتبر في حالة تنقل لأجل المصلحة، كل فرد من أفراد القوات المساعدة يتنقل بأمر من رؤسائه التسلسليين خارج دائرة تعيينه، إما بصورة مؤقتة أو بمناسبة تغيير محل إقامته. و لهذه الغاية، يستفيد من تعويضات عن التنقل، تحدد مقاديرها و شروط منحها، سواء داخل أو خارج المملكة، بموجب النصوص التنظيمية الجاري بها العمل.»
أما فيما يخص واجبات الحماية، فلم يشر هذا النظام إليها، على اعتبار كونها مقررة بموجب الفصل 32 من مدونة الجمارك الذي يقول: « 1- يحمي القانون أعوان الإدارة ويمنع كل شخص أن يعترض مزاولة مهامهم بمجموع التراب الجمركي بما في ذلك الطرق السيارة. 2- يجب على السلطات المدنية والعسكرية وعلى أعوان القوة العمومية أن تقدم بمجرد ما يطلب منها ذلك يد المساعدة إلى أعوان الإدارة للقيام بمهامهم» الشيء الذي يؤكد عدم جدوى النظام الأساسي هذا في وجود مدونة جمركية شاملة. يبقى فقط على المشرع الجمركي أن يرتقي بهذا النص حتى يضمن لموظفي الجمارك حماية حقيقية من خلال حلول الإدارة محل الموظف المصاب في الدفاع عنه و تعويضه بالقدر اللازم الذي يغطي أضراره الجسدية مثلما تم النص عليه ضمن الفصل السابع من النظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني. ذلك أن التغاضي عن هذا الأمر. لاشك سيدحض تحجج الإدارة بالجانب الأمني الذي تضطلع به و إن كان هذا الأخير قد عرف تراجعا كبيرا بفعل التخلي عن سياسة وضع السدود الطرقية بلغ أدنى درجات الحضيض في البعض من الدوائر الجمركية المفترض فيها كونها حرما جمركيا لا تقربه أجهزة الأمن الأخرى، الأمر الذي يطرح من جهة أخرى الجدوى في ظل هذا الوضع من الشرط المتطلب لتوظيف حراس الجمارك ممن يتمتعون بقوة سمع تمكنهم من سماع الهمس على بعد خمسين سنتمتر، و على سمع صوت عال على بعد خمسة أمتار كما جاء ضمن المادة 25 من النظام الجديد.
يضاف إلى ما سبق غياب الحماية على المستوى الوظيفي، حيث لازالت الأجهزة الأمنية الأخرى تتدخل في الشأن الجمركي الذي تم تحديد نطاقه و صلاحياته بموجب مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة الصادر بتنفيذها ظهير شريف.
رابعاً: في تنظيم هيئة موظفي الجمارك
لم يقدم هذا النظام الأساسي لشريحة موظفي الجمارك أي جديد على مستوى جدول الأرقام الاستدلالية لسلاليم الأجور، حيث ظلت الأرقام هي نفسها المقررة بالنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، الشيء الذي يطرح التساؤل حول الجدوى من سن قانون خصوصي في الوقت الذي تسعى فيه حكمة المشرع إلى توحيد القوانين و تجميعها تفاديا للإطناب و ترغيبا في الدلالة و الوضوح.
و قد كان حريا بالمشرع الجمركي أن يعمل على إغناء مدونة الجمارك كما سبق القول بالمقتضيات التي تهم الوضعية الفردية للموظف و أن يُحيل على مرسوم في حالة ما إذا قرر منح امتيازات في سلم الأجور على غرار الفقرة الأخيرة من المادة 165 السابق ذكرها من مدونة المحاكم المالية التي تقول: «يحدد ترتيب مختلف الدرجات وتسلسل أرقامها الاستدلالية وكذا نظام تعويضات قضاة المحاكم المالية بموجب مرسوم.»
و نذكر على سبيل المقارنة فيما يخص الامتياز الذي قد تستفيد منه بعض القطاعات، ما هو منصوص عليه ضمن الفصل الثاني والثالث و الرابع من المرسوم رقم 807-93-2 الصادر في 6 محرم 1415 (16 يونيو 1994) في شأن النظام الأساسي الخاص بهيئة التفتيش العام للمالية، حيث أشارت هذه الفصول إلى أن الأرقام الاستدلالية تبتدئ من الرقم 336 إلى 940، علما أن هيئة التفتيش العام للمالية بحسب الفصل الأول من النظام، تشتمل على ثلاث درجات : درجة مفتش للمالية ودرجة مفتش للمالية رئيس بعثة ودرجة مفتش للمالية من الدرجة الممتازة وعلى المنصب السامي للمفتش العام للمالية، بينما تبتدئ الأرقام الاستدلالية لهيئة موظفي الجمارك بحسب النظام الأساسي الجديد من الرقم 153 لتنتهي في 870 كأعلى رقم، مع ما تم استحداثه من مسميات جديدة جعلت هيئة الموظفين تتكون من حراس الجمارك، ضباط الجمارك، الأعوان التقنيون للجمارك، مفتشو الجمارك، المهندسون و المهندسون المعماريون للجمارك، بالإضافة إلى منصبين ساميين لمراقب عام للجمارك و لمفتش عام للجمارك.
أما على مستوى التأديب، فقد انفرد هذا النظام الأساسي عن نظيره الخاص بموظفي الأمن الوطني بعقوبة النقل التأديبي على نفقة المعني بالأمر، مما يجعل هيئة موظفي الجمارك من وجهة نظر المسؤولين أكثر عرضة للفساد من غيرهم، كما أن هذه العقوبة من جهة أخرى تجعل من الحركية الجغرافية التي تتبناها الإدارة وسيلة للتأديب بدل ابتغاء المصلحة العامة التي تنادي بها.
و بالخلاصة لما سبق، فقد كان على المشرع الجمركي التشبت بمقتضيات مدونة الجمارك، و تحيين ما جاء فيها من حقوق و واجبات خاصة بهيئة موظفي الجمارك على غرار ما هو معمول به في مدونة المحاكم المالية المتعلقة بقضاة المجلس الأعلى للحسابات، حيث تعتبر مدونة الجمارك منة أنعم بها المشرع على الإدارة الجمركية بما اشتملت عليه من قوانين و نصوص تعنى بالشأن الجمركي في كل جوانبه بما فيها من نظام أساسي لا ينكره إلا جاحد، مصداقا لقول ربنا جل جلاله في الآية 83 من سورة النحل: “يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها و أكثرهم الكافرون” صدق الله العظيم.