قراءة في مرسوم ضابط البناء العام الجديد بخصوص رخصة تسوية البنايات غير القانونية
محمد مسعودي رئيس مصلحة التوجيه والتقنين بالوكالة الحضرية للناظور-الدريوش-جرسيف؛
باحث في صف الدكتوراه، مختبر العقار والتعمير ومتطلبات الحكامة الترابية.
يعتبر قطاع التعمير[1]، ولا سيما مشاريع البناء وإحداث التجزئات العقارية والمجموعات السكنية مجالا استثماريا بامتياز، بالنظر إلى الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية الملموسة من خلال المساهمة في توفير فرص الشغل والسكن وتهييئ أماكن الأنشطة المختلفة وترويج الثروات والأموال وكذا في در موارد جبائية هامة على الدولة والجماعات الترابية على حد سواء[2].
هذه الأهمية التي يحتلها قطاع التعمير، كانت حافزا للمشرع حتى يولي تنظيم وتأطير هذا القطاع الهام والحيوي، بترسانة قانونية من شأنها مسايرة ومواكبة الحركية التي يعرفها، من خلال إصدار مجموعة من القوانين المؤطرة، كالقانون 90-12 المتعلق بالتعمير[3] والقانون 90-25 المتعلق بإحداث التجزئات العقارية المجموعات السكنية وتقسيم العقارات[4]، وظهير 25 يونيو 1960 المتعلق بتنمية التكتلات العمرانية القروية[5].
ولتيسير عملية دراسة المشاريع في آجال معقولة، تدخلت الجهة الوصية على قطاع التعمير في مناسبات عديدة من خلال مجموعة من الدوريات لتحث على ضرورة تبسيط وتسريع المساطر ووضع حد لتلك التي أبانت عن عدم جدواها، وذلك في إطار من التنسيق والتعاون بين كل الأطراف المتدخلة في هذا الميدان[6]، ليتم حسم الأمر بإصدار المرسوم رقم 2.13.424 الصادر في 13 من رجب 1434 (24 ماي 2013) بالموافقة على ضابط البناء العام[7]، والذي بدوره غير وتمم بالمرسوم رقم 2.18.577 صادر بتاريخ 12 يونيو 2019 ، بالموافقة على ضابط البناء العام المحدد لشكل وشروط تسليم الرخص، والوثائق المقررة بموجب النصوص التشريعية المتعلقة بالتعمير والتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات والنصوص الصادرة لتطبيقها[8].
بعد التقديم لهذا الموضوع، يجدر بنا طرح الإشكالية التالية :
– هل استطاع المشرع المغربي من خلال التعديلات التي أدخلها على ضابط البناء العام، التوفيق بين الحاجة إلى تبسيط مساطر ومسالك دراسة مشاريع البناء وإحداث التجزئات العقارية والمجموعات السكنية، وتحقيق الجودة والفعالية اللازمتين بخصوص الآراء المبداة من طرف اللجن التقنية المختصة؟
ويتفرع عن هذه الإشكالية بعض التساؤلات الفرعية من قبيل مثلا :
– ما هي أهم المستجدات التي جاء بها المرسوم الجديد المغير والمتمم لضابط البناء العام ؟
– هل ستساهم التعديلات الجديدة في تبسيط مساطر ومسالك دراسة ومنح الرخص والأذون؟
– ما هي الصعوبات التي يمكن أن تعترض فلسفة المشرع من تعديله لضابط البناء العام ؟
هذه الإشكالية وما سيتفرع عنها من تساؤلات فرعية ستكون موضوع دراسة في ثلاث مباحث، سنتناول في الأول أهم المستجدات التي جاء بها ضابط البناء العام الجديد، وفي المبحث الثاني سنخصصه لقراءة في المرسوم سواء من ناحية الشكل أو المضمون، ونختم بالمبحث الثالث الذي خصصناه لبعض الإشكالات التي يمكن أن تثار بمناسبة تنزيل مقتضيات ضابط البناء وكذا اقتراح بعض الحلول العملية الممكنة.
المبحث الأول : أهم المستجدات التي جاء بها مرسوم ضابط البناء العام
من أهم المستجدات التي جاء بها المرسوم الجديد المتعلق بضابط البناء العام أنه أدرج شكل وشروط تسليم الرخص الجديدة المحدثة بموجب القانون 12-66 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.124 بتاريخ 21 من ذي القعدة 1437 (25 غشت2016)، ويتعلق الأمر برخص الإصلاح والهدم وتسوية البنايات غير القانونية[9]، مع تقوية أدوار المهنيين من خلال الاقتصار على شواهد مسلمة من طرفهم في حالة إدارتهم لأشغال المشروع، بحيث يتم التأكد من مطابقة المشاريع المرخصة للقواعد التقنية المنصوص عليها في النصوص القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل، بدل اللجوء لاستطلاع رأي بعض المصالح المتدخلة في دراسة طلبات الرخص والأذون[10]، ومراجعة بعض الإجراءات المعتمدة نظرا لمحدوديتها، بغرض تبسيط المساطر والمساعدة في احترام الآجال.
ويضاف إلى ذلك، مراجعة قائمتي المشاريع المدمجة بمسطرتي المشاريع الكبرى والصغرى[11]، بإضافة المشاريع التي تستوجب فقط رخصة الإصلاح التي يسلمها رئيس المجلس الجماعي دون استقطاب الآراء والاستشارات.
ويهدف المشرع من التعديلات الجديدة على ضابط البناء العام تيسير الولوج إلى المعلومة خاصة طلب الحصول على ورقة المعلومات التعميرية[12]، بهدف التعرف على التخصيص التعميري المنصوص عليه في وثائق التعمير، مع تمكين أي شخص من تقديم هذا الطلب عندما يكون العقار المطلوب المعلومات بشأنه، يتواجد داخل منطقة مغطاة بوثيقة تعميرية (تصميم تهيئة، تصميم التنطيق، تصميم النمو)، وكذا تتبع مسار ملفات طلبات الأذون والتراخيص وتحسين مستوى التنسيق بين مختلف المتدخلين، وإعمال مبادئ الحكامة الجيدة من خلال ضمان تمثيلية مناسبة لمختلف المتدخلين داخل حظيرة اللجان المعنية.
هذا، ومن أجل مسايرة الورش المتعلق بالإدارة الرقمية ، عمل المشرع على وضع الإطار القانوني المتعلق بالتدبير اللامادي[13] لمختلف المساطر المتعلقة برخص التعمير، مع العمل على وضع قواعد معطيات رقمية مشتركة، مع تخويل السادة عمال العمالات والأقاليم بمهام السهر على حسن سير الإجراءات المنصوص عليها بضابط البناء العام[14]، مع اتخاذ التدابير اللازمة في حالة وجود اختلالات، خاصة تفعيل مقتضيات المادة 76 من القانون التنظيمي رقم 14-113، المتعلق بالجماعات.
المبحث الثاني : قراءة في ضابط البناء العام شكلا وموضوعا
لا شك أن أي عمل تشريعي صادر عن جهات مختصة قصد تنظيم مجال معين سيحظى بالنقد والقراءة وإعادة القراءة من منطلق أن الأمر يتعلق بعمل بشري يشوبه النقص وعدم الكمال، لكون المشرع مهما كان حريصا على حسن صناعة التشريع، إلا أن عمله لا يخلو من زلات وهفوات يتصدى لها الفقه والقضاء وباقي المهتمين والدارسين بغاية التصويب والتحسين والتقويم لكي ينسجم والواقع المعاش الذي يفرضه تنزيل القانون على أرض الواقع.
وعليه، فإننا سنقوم بقراءة في ضابط البناء العام سواء من ناحية الشكل ( أولا)، أو المضمون ( ثانيا ).
أولا : على مستوى الشكل :
– كملاحظة عامة شكلية حاول المشرع من خلال ضابط البناء العام الجديد استعمال لغة قانونية واضحة وسلسة من أجل تقريب الفهم وتجنب التأويلات، بحيث حاول وضع بعض التعريفات لمجموعة من المفاهيم مثل توضيح المقصود ب “الرخصة” ، “المشروع” ، “صاحب الشأن”، “المشاريع الكبرى”، “المشاريع الصغرى”، و”مشاريع الإصلاح”.
– تقليص آجال دراسة ملفات مشاريع البناء واحداث التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، وكذا رخص السكن وشواهد المطابقة، دون تحديد بشكل واضح للجزاءات القانونية المترتبة عن عدم احترام هذه الآجال، اللهم ما تم التنصيص عليه في المادة 55 من ضابط البناء العام من أن ” يسهر عمال العمالات والأقاليم على أن تمارس الجماعات والإدارات والمؤسسات العمومية اختصاصاتها، في إطار احترام الآجال المحددة بموجب النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل من أجل تسليم الرخص”، مع ضرورة الإشارة إلى أن دور السادة العمال الذين وإن كان القانون قد أوجب عليهم القيام بالرقابة في حالة تقاعس الإدارات المعنية على احترام الآجال المحددة، فإن الجزاء اقتصر حسب ما يستشف من مقتضيات المادة 55 المشار إليها سابقا، على المجالس الجماعية فقط، بحيث أن هذه المادة أحالت فقط على مقتضيات المادة 76 من القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات[15]، دون الإشارة إلى تفعيل النصوص القانونية بخصوص الجهات الأخرى؟.
ثانيا : على مستوى الموضوع :
– عدم سريان ضابط البناء العام على طلبات الرخص المتعلقة بالمباني والمنشآت العسكرية[16]، اعتبارا لطبيعتها الأمنية والعسكرية، بحيث كان هذا النوع من الطلبات يطرح اشكالا قانونيا بخصوص مدى خضوعه أم لا ، لمنظومة الترخيص، بحيث بهذا المستجد تم وضع حد لأي نقاش بخصوص هذا الموضوع[17].
– الاقتصار في مذكرة المعلومات التعميرية على تقديم معلومات بخصوص وثيقتين من وثائق التعمير ( تصميم التهيئة ومخطط تنمية التكتلات العمرانية القروية حسب ما يستفاد من مقتضيات المادة 8 ( الفقرة الثانية )، من ضابط البناء العام ، وهو ما وضع حدا للنقاش الدائر حول مدى إمكانية طلب معلومات تعميرية بخصوص وثائق التعمير الأخرى خاصة تصميم التنطيق والمخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية من طرف الأغيار رغم الإشكالات التي يمكن أن تثار بخصوص هذا الموضوع؟[18].
– استثناء رخصة الإصلاح المتعلقة بالبنايات القائمة من الخضوع لدراسة اللجن التقنية سواء في إطار الشباك الوحيد أو اللجنة الإقليمية للتعمير، مع ملاحظة تسترعي الانتباه وهو أن أجل تسليم رخصة الإصلاح حدد داخل عشرة أيام مفتوحة، يحتسب ابتداء من تاريخ إيداع الطلب[19]، وهو أجل طويل على الأقل إذا ما قورن بأجل تسليم رخصة البناء[20] الذي يتطلب فقط 7 أيام[21].
– ربط تسوية وضعية البنايات القائمة على استقطاب الرأي الموافق للوكالة الحضرية، مع ربط هذه الموافقة بمجموعة من الشروط[22] التي يصعب توافرها في البنايات المذكورة، مما سيصعب من مهمة لجان الدراسة على مستوى دراسة الملفات، مع الإشارة إلى أنه تم إدخال مشاريع البنايات موضوع التسوية ضمن قائمة المشاريع الكبرى مهما كان نوعها التي أنجزت أشغالها دون الحصول مسبقا على رخصة بناء أو دون احترام المستندات التي سلمت على أساسها هذه الرخصة[23].
– الاقتصار على الأعضاء الدائمين في حظيرة اللجن التقنية، سواء في إطار الشباك الوحيد[24] أو اللجنة الإقليمية للتعمير[25]، عندما يتعلق الأمر بدراسة مشاريع متواجدة داخل التجزئات العقارية المرخصة والمسلمة أشغال التجهيز بها مؤقتا ، حيث لا تتم الاستعانة داخل تلك اللجان بالمؤسسات العمومية والأجهزة المكلفة بتسيير مختلف الشبكات[26]، لكون المشرع حاول تقليص عدد أعضاء لجنة الدراسة لكون الملاحظات التي ستبديها هذه المصالح يفترض أنه سبق الإدلاء بها بمناسبة دراسة مشروع التجزئة والتي كان من بين أعضاء لجنة الدراسة ممثلو تلك المؤسسات.
المبحث الثالث : بعض الإشكالات التي يمكن أن تثار بمناسبة تفعيل ضابط البناء العام والحلول المقترحة
لا شك وأن أي معالجة تشريعية لأي مجال من المجالات، يصطدم في بعض الأحيان ببعض الصعوبات في التطبيق مما يضع الجهات الساهرة على تنفيذ القوانين في مواجهة مجموعة من الإشكالات (أولا)، وهو ما يتطلب تقديم بعض الحلول لتفادي التأثير السلبي لهذه الإشكالات على التفعيل السليم للقوانين، والتي منها ضابط البناء العام موضوع هذه الورقة (ثانيا).
أولا : بعض الإشكالات التي يمكن أن تثار بمناسبة تفعيل ضابط البناء العام
لقد أفرزت الممارسة العملية بعض الإشكالات المتعلقة بتنزيل المرسوم المتعلق بضابط البناء العام، بخصوص طلبات تسوية البنايات غير القانونية، بحيث وقفنا على اشكالين مهمين :
أ : الإشكال المتعلق بكيفية التعامل مع الأحكام القضائية الصادرة بهدم البنايات التي كانت موضوع مخالفات تعميرية :
نصت المادة 7 من المرسوم المتعلق بتحديد إجراءات وكيفيات منح رخص الإصلاح والتسوية والهدم[27] على أنه “لا يقبل طلب الحصول على رخصة التسوية إذا كانت البناية المعنية قد تم تحرير محضر مخالفة بشأنها وفقا لأحكام المادة 66 من القانون رقم 90.12 المتعلق بالتعمير”، بحيث بمفهوم المخالفة لهذه المادة فإن البنايات التي يمكن أن تكون موضوع تسوية هي التي لم يتم تحرير محضر مخالفة بشأنها، وهو ما يجرنا للتساؤل حول كيفية التعامل مع المخالفات التي كانت موضوع متابعة قضائية والتي صدرت بشأنها أحكام نهائية مكتسبة لقوة الشيء المقضي به، خاصة وأن المنطق القانوني والتعميري لا يقبلان بداهة رفض تسوية بنايات قائمة بدعوى عدم التنصيص التشريعي على هذه الحالة؟
فلو افترضنا جدلا أن زيد قام ببناء بناية من سفلي وطابق في الوسط القروي، محترما بذلك المساحة والعلو المحددين قانونا، لكن دونما استصدار ترخيص بعملية البناء، أو استصدار الترخيص دون احترام التصميم المرخص، فإن تحرير مخالفة في حقه من طرف الجهة المختصة، وتحريك المتابعة من طرف النيابة العامة، وصدور الحكم القضائي، القاضي بالغرامة وهدم البناية المخالفة، لا يمكن أن يترتب عليه رفض تسوية هذه البناية بدعوى أن الحكم القضائي ينص على هدمها ، إذ أن هذا الأمر لا يستقيم لا قانونا ولا تعميريا، وإن كنا نعيب على المشرع عدم تنصيصه صراحة على تعطيل مقتضيات المادة 80-1 من القانون 12-90 المتعلق بالتعمير[28] مؤقتا، إلى غاية انتهاء المدة المحددة لتسوية البنايات غير القانونية وهي سنتان، تبتدأ من 08 يناير 2020 إلى غاية 07 يناير 2022، خاصة وأن مرسوم التسوية لا ينص على أن جميع المخالفات ستتم تسويتها كيفما كان نوعها ودرجتها، بل يمكن إدخال التغييرات التي تفرضها النظم المقررة في ميدان التعمير، وهذه التغييرات لا يمكن اجراؤها من الناحية الواقعية والعملية إلا بعمليات للهدم سواء بشكل كلي أو جزئي حسب الحالة.
ب : الإشكال المتعلق بالجهة المختصة قانونا بالتحقق من إنجاز صاحب طلب التسوية للتغييرات التي كانت موضوع دراسة من طرف اللجن التقنية :
نصت المادة 9 من المرسوم المتعلق بتسوية البنايات غير القانونية على أنه ” تسلم رخصة التسوية بعد التحقق من أن البناية تستوفي الشروط والضوابط التالية :
– احترام ضوابط السلامة الواجب مراعاتها في المباني؛
– احترام متطلبات الصحة و المرور و الجمالية و مقتضيات الراحة العامة؛
– التقيد بالمقتضيات المضمنة في وثائق التعمير و ضوابط البناء المتعلقة بالعلو المسموح به أو بالمواقع المأذون فيها أو بالمساحة المباح بناؤها أو بالغرض المخصص له البناء؛
– أن تكون المنطقة التي تقع فيها البناية موضوع الطلب معدة للبناء؛
وفي حالة عدم استيفاء البناية غير القانونية موضوع الطلب للشروط والضوابط القانونية الواردة في الفقرة الأولى أعلاه، يتعين على المعني بالأمر الحصول على رخصة البناء بهدف إدخال التغييرات الواجب القيام بها.
وعند قيام المعني بالأمر بذلك، والتحقق من إنجاز التغييرات المذكورة وفق البيانات المضمنة في رخصة البناء، تسلم له رخصة تسوية وضعية البناية، والتي تحل محل رخصة السكن أو شهادة المطابقة.
من خلال المادة 9 أعلاه، يتضح أن رخصة التسوية يمكن أن تسلم للمعني بالأمر مباشرة[29]، إذا تعلق الأمر ببناية تتوفر فيها جميع الشروط والضوابط المنصوص عليها في هذه المادة، وفي حالة عدم احترام الشروط أعلاه، فإن المعني بالأمر سيحصل فقط على رخصة البناء لإدخال التغييرات الضرورية، وبعد الانتهاء من ذلك، فإنه سيحصل على رخصة التسوية.
لكن الإشكال المطروح هنا، ما هي الجهة التي ستتحقق من ما مدى قيام صاحب المشروع من إدخال التغييرات على البناية القائمة موضوع طلب التسوية، هل الجهة المختصة بتسليم رخصة التسوية، أم عرض الملف مرة أخرى على لجنة الدراسة[30]، أم الاكتفاء بشهادة يسلمها المهندس المعماري يشهد فيها أن التغييرات التي تم القيام بها، مطابقة للتصميم التغييري المرخص، قياسا على الشهادة التي يسلمها نفس المهندس عندما يتعلق الأمر بطلب رخصة السكن أو شهادة المطابقة[31].
ثانيا : بعض الحلول العملية المقترحة
يظهر من خلال هذه الورقة، أن التنزيل السليم لضابط البناء العام، لا سيما تسوية وضعية البنايات غير القانونية، يتطلب بعض التعديلات التي من شأنها رفع اللبس حول بعض النصوص القانونية، لتفادي تعدد القراءات وكثرة التأويلات، بحيث من شأن ذلك الإخلال بفلسفة المشرع من تنصيصه على هذه المقتضيات.
ولتجاوز بعض الإشكالات التي سبق إثارتها أعلاه فإننا ارتأينا تقديم المقترحات التالية :
– الاكتفاء بالشهادة التي يسلمها المهندس المعماري، والتي يشهد فيها بمطابقة الأشغال للتصاميم التغييرية المرخصة، بمناسبة تقديم طلب رخصة تسوية بناية غير قانونية، في حالة مخالفة هذه البناية للضوابط التعميرية، لا سيما ضابطة التهيئة، بدل ارجاع الملف للجنة الدراسة للتأكد من مدى إدخال التغييرات الضرورية على البناية موضوع طلب التسوية؛
– القراءة المندمجة لمقتضيات المادة 7 من المرسوم المتعلق بتحديد إجراءات وكيفيات منح رخص الإصلاح والتسوية والهدم، والمادة 80-1 من القانون 12-90 المتعلق بالتعمير، بحيث إمكانية تسوية البنايات غير القانونية، التي صدرت بشأنها أحكام قضائية، دون تمسك الإدارة بكون الحكم القضائي ينص على عملية الهدم[32]؛
– التنصيص صراحة على استثناء المشاريع التي تم تحرير محاضر مخالفات بشأنها قبل دخول القانون 12-60 حيز التطبيق، من الخضوع لمقتضيات المادة 7 من المرسوم المتعلق بتحديد إجراءات وكيفيات منح رخص الإصلاح والتسوية والهدم.
– تفعيل الدورية المشتركة للسيد وزير الداخلية والسيدة وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير الإسكان وسياسة المدينة رقم 09-19 بشأن منح رخصة التسوية، لا سيما إعداد قاعدة بيانات مشتركة ومحينة بين مصالح العمالات والأقاليم والوكالات الحضرية والمفتشيات الجهوية للتعمير والجماعات، بخصوص مخالفات التعمير والبناء التي تمت معاينتها وتحرير محاضر بشأنها، وذلك حتى لا يتم تسليم رخص تسوية لبنايات موضوع مسطرة المراقبة.
وفي الختام، تبقى هذه القراءة لمرسوم ضابط البناء فيما يخص رخصة تسوية البنايات غير القانونية، مجرد قراءة أولية الهدف منها، فتح باب النقاش وتوسيعه وتطويره ، من قبل كل المهتمين بالشأن التعميري، من باحثين وممارسين وقضاة ومحاميين ومهنيين وغيرهم.
الهوامش:
[1] – يعتبر التعمير وإعداد التراب الوطني من الميادين ذات الأهمية في حياة المجتمعات، نظرا للأهمية التي ترجع بفضلهما على جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بحيث تحظى باهتمام الدول والحكومات، إذ لا يخلو أي برنامج حكومي من الإشارة إلى أهمية التعمير والسكنى كآليات للرفاه الإنساني، وإعداد التراب الوطني كفلسفة استباقية لتدبير المجال.
– البرنامج الحكومي للولاية التشريعية 2016/2021 (رجب 1438 أبريل 2017)، ص 68/69 ينص على مجموعة من التدابير التي تعتزم الحكومة اتخاذها من قبيل
– تخفيض العجز السكني، محاربة دور الصفيح، التأهيل الحضري للأحياء غير القانونية، معالجة البنايات الآيلة للسقوط، تشجيع إنتاج السكن الاجتماعي والسكن المنخفض التكلفة، إحداث منتوج موجه للفئات المعوزة، تطوير آليات جديدة لتمويل السكن وغيرها (…)، الموقع الإلكترونيwww.Maroc.ma تاريخ الولوج 15/07/2019.
[2] – دورية السيد وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة عدد 08079، صادرة بتاريخ 16 مايو 2013، بخصوص تبسيط مساطر ومسالك دراسة طلبات رخص البناء والتجزيئ وإحداث المجموعات السكنية وتقسيم العقارات، ص: 1.
[3] – ظهير شريف رقم 1.92.31 صادر في 15 من ذي الحجنة 1412 ( 17 يونيو 1992) بتنفيذ القانون رقم 90-12 المتعلق بالتعمير، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 4159، بتاريخ 14 محرم 1413 ( 15 يوليوز 1992)، ص 887-898، كما تم تغييره وتتميمه بالقانون 12-66 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6501 بتاريخ 19 شتنبر 2016.
[4] – ظهير شريف رقم 1.92.7 صادر في 15 من ذي الحجة 1412 ( 17 يونيو 1992) بتنفيذ القانون 90-25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4225، بتاريخ 4 جمادى الأولى 1414 ( 30 يوليوز 1993)، ص 2057-2061، كما تم تغييره وتتميمه بالقانون 12-66 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6501 بتاريخ 19 شتنبر 2016.
[5] – صدر الظهير الشريف رقم 1.60.063، بشأن تنمية الكتل العمرانية القروية بتاريخ 30 ذي الحجة 1379، موافق ل 25 يونيو 1960، منشور بالجريدة الرسمية عدد 1489 بتاريخ 08/07/1960).
[6] – دورية السيد وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة عدد 08079، مرجع سابق ص: 1.
[7] – مرسوم رقم 2.13.424، صادر في 13 من رجب 1434 ( 24 ماي 2013)، بالموافقة على ضابط البناء العام المحدد لشكل وشروط تسليم الرخص والوثائق المقررة بموجب النصوص التشريعية المتعلقة بالتعمير والتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات والنصوص الصادرة لتطبيقها، المغير والمتمم بالمرسوم رقم 2.18.577 صادر بتاريخ 12 يونيو 2019 بالموافقة على ضابط البناء العام.
[8] – عدد 6793 بتاريخ 5 ذو القعدة 1440، ( 8 يوليوز 2019).
[9] – مرسوم رقم 2.18.475 صادر في 8 شوال 1440 ( 12 يونيو 2019)، يتعلق بتحديد إجراءات وكيفيات منح رخص الإصلاح والتسوية والهدم، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6793- 5 ذو القعدة 1440، ( 8 يوليوز 2019)، والذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ 08/01/2020.
[10] – ما عدا المناطق التي لا تستوجب الاستعانة بالمهندس المعماري، ( باستثناء تشييد المباني العامة أو التي يستعملها العموم)، والمحددة خارج الجماعات الحضرية والمراكز المحددة والمناطق المحيطة بها والمناطق التي تكتسي صبغة خاصة، حسب مقتضيات المادة 51 من القانون 90-12 المتعلق بالتعمير المتمم والمغير بالقانون 12-66.
[11] – الهدف من مراجعة هذه القوائم هو تقليص آجال الدراسة وفق نوعية وحجم المشاريع، فعلى سبيل المثال مشروع بناء سفلي وثلاثة طوابق ( خارج تجزئة عقارية مرخصة ومسلمة أشغالها )، كان يعتبر من المشاريع الكبرى قبل التعديل، وأصبح بعده ( التعديل) ضمن قائمة المشاريع الصغرى، وهو ما من شأنه أن يقلص بشكل كبير من آجال الدراسة التي تختلف بين ما إذا تعلق الأمر بمشروع صغير الذي تتم دراسته في حينه من طرف اللجن التقنية المختصة، بخلاف المشاريع الكبرى التي تأخذ حيزا زمنيا أقصاه 15 يوما تحتسب من تاريخ إيداع الملف.
[12] – ورقة المعلومات التعميرية، هي وثيقة رسمية تسلمها الوكالة الحضرية المعنية، بناء على طلب يقدمه صاحب الشأن أو من ينوب عنه، بهدف الحصول على المعلومات التعميرية المتعلقة بوعاء عقاري معين، بعد تقديم الوثائق المتطلبة قانونا، ويمكن تقديم الطلب سواء مباشرة أو عبر البريد الالكتروني للوكالة الحضرية في إطار مسايرة التوجه الجديد للإدارة الرقمية.
[13] – بحيث يتم إعمال مساطر التدبير اللامادي المتعلقة بإيداع ودراسة وتسليم الرخص ورخص السكن وشواهد المطابقة بموجب قرار مشترك بين السلطات الحكومية المكلفة بالتعمير والداخلية والاقتصاد الرقمي ( المادة 53 من ضابط البناء العام)..
وقد حدد القرار المشترك المذكور كيفيات تفعيل مساطر التدبير اللامادي، وكذا التدابير اللازم اتخاذها من طرف الإدارات والهيئات المكلفة بتدبير مختلف الشبكات والمهنيين المعنيين لوضع قواعد المعطيات الرقمية التفاعلية المشتركة بغرض ضمان نجاعة تتبع ملفات طلبات الرخص ابتداء من تاريخ ايداعها إلى غاية الحصول على رخصة السكن وشواهد المطابقة ( المادة 54 من ضابط البناء العام)، إذ تم تعميم العمل بمنصة رقمية تفاعلية تحت تسمية ROKHAS.MA، بحيث تتم دراسة جميع مشاريع البناء وإحداث التجزئات العقارية والمجموعات السكنية، وكذا تسليم رخص الإصلاح والتسوية والهدم، بالمنصة المذكورة في إطار سياسة ” زيرو ورقة”، ZERO PAPIER.
[14] – المادة 55 من ضابط البناء العام.
[15] – ظهير شريف رقم 1.15.85 صادر في 20 من رمضان 1436، ( 7 يوليوز 2015)، بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6380، بتاريخ 6 شوال 1436 ( 23 يوليوز 2015).
[16] – بالإضافة إلى الأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي ، المنظمة بموجب المقتضيات المنصوص عليها في القانون رقم 04-29 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 56-07-1 بتاريخ 03 ربيع الأول 1428 ( 23 مارس 2007)، المغير والمتمم للظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 150-84-1 الصادر في 6 محرم 1405 ( 02 أكتوبر 1984)، المتعلق بالأماكن المخصصة لا قامة شعائر الدين الإسلامي فيها.
[17] – أغفل المشرع الإشارة في ضابط البناء العام، إلى استثناء المشاريع المتواجدة بمنطقة التصدير الحرة من الخضوع إلى هذا الضابط، بحيث تنص المادة 11 من القانون رقم 19.94 المتعلق بمناطق التصدير الحرة، أنه “يرفع المستثمر طلب الرخصة إلى هيئة إعداد وإدارة منطقة التصدير الحرة التي توجهه بعد بحثه إلى لجنة محلية لمناطق التصدير الحرة يرأسها والي أو عامل العمالة أو الإقليم المعني بالأمر وتضم، بالإضافة إلى ممثلي الإدارات المعنية، رئيس أو رؤساء مجالس الجماعات ورئيس غرفة التجارة والصناعة المعنية”.
ظهير شريف رقم 1.95.1 صادر في 24 من شعبان 1415 (26 يناير 1995)، منشور بالجريدة الرسمية عدد 4293 بتاريخ 08/02/1995 الصفحة 289.
[18] – خاصة وأن المشرع فتح إمكانية تسليم رخصة البناء من طرف رئيس مجلس الجماعة ، بعد استطلاع رأي الإدارة المكلفة بالتعمير، إذا كان المبنى المزمع اقامته يتلاءم مع احكام مخطط توجيه التهيئة العمرانية المقررة عملا بالبندين 2و3 من المادة 4 من القانون 90-12 المتعلق بالتعمير، وينطبق نفس الأمر بالنسبة لإمكانية تسليم الإذن باحداث تجزئة عقارية طبقا لمقتضيات المادة 9 من القانون 90-25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.
[19] – المادة 3 من المرسوم المتعلق بتحديد إجراءات وكيفيات منح رخص الإصلاح والتسوية والهدم، والمادة 46 ( الفقرة الثانية) من ضابط البناء العام السابق الإشارة إليهما.
[20] – المشاريع المندرجة ضمن قائمة المشاريع الصغرى، أما المشاريع الكبرى فتتطلب مدة زمنية تم تحديدها في 27 يوما تحتسب من تاريخ إيداع الطلب.
[21] – ثلاثة أيام لإحالة المشروع على لجنة الدراسة، ويومان لإحالة قرار اللجنة على السيد رئيس المجلس الجماعي قصد اتخاذ القرار، ويومان لإخبار المعني بالأمر بمآل الطلب، وإن كان هذا الأجل نادرا ما يتم احترامه نظرا لمجموعة من الأسباب يمكن إجمالها فيما يلي :
– التأخر في إحالة ملف رخصة البناء على أنظار لجنة الدراسة؛
– عدم تضمين الملف لوثائق أساسية ( شهادة الملكية، الرسم الطبوغرافي، عقدة المهندس…إلخ)، وهو ما يساهم في تأجيل البت في الملف إلى غاية الاستجابة لملاحظات اللجنة؛
– بعض مشاريع البناء تمر بمسطرة خاصة ( طلب الاستثناء بالوسط القروي)، يتطلب الأمر لانعقاد لجنة الدراسة تجميع الملفات، وهو ما يساهم في التأخر في البت في هذه الملفات، التي تحال بعد دراستها على اللجنة الإقليمية للتعمير قصد دراستها من الناحية التقنية والمعمارية.
[22] – هذه الشروط نصت عليها المادة 9 من المرسوم المتعلق بتحديد إجراءات وكيفيات منح رخص الإصلاح والتسوية والهدم، والتي سنتعرض إليها في حينه، بمناسبة الحديث عن رخصة تسوية البنايات غير القانونية.
وفي حالة عدم توافر هذه الشروط فإنه يتعين على المعني بالأمر الحصول على رخصة البناء بهدف إدخال التغييرات الواجب القيام بها.
[23] – البند 10 من الملحق رقم 2 من ضابط البناء العام.
[24] – يحدث الشباك الوحيد لدى الجماعات التي يتجاوز عدد ساكنتها 50.000 نسمة، ولدى المقاطعات المنصوص عليها في القسم السادس المتعلق بالمقتضيات الخاصة بالجماعات ذات نظام المقاطعات من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، ويعتمد لهذا الغرض، عدد الساكنة المثبت في آخر إحصاء عام رسمي، ( المادة 10 من ضابط البناء العام).
[25] – تحدث لجنة أو لجان على صعيد العمالة أو الإقليم لدراسة ملفات طلبات الرخص بالجماعات التي يقل عدد سكانها أو يساوي 50.000 نسمة، يوكل إليها القيام بجميع التدابير القبلية اللازمة لمنح الرخص من خلال أخذ الآراء والحصول على التأشيرات المقررة بموجب التشريعات والأنظمة الجاري بها العمل تسمى اللجنة الإقليمية للتعمير، ( المادة 15 من ضابط البناء العام).
[26] – خلافا لمقتضيات المادة 22 من ضابط البناء العام، التي تستوجب الاستعانة بهذه المؤسسات عندما يتعلق الأمر بالمشاريع الكبرى.
[27] – تفاديا للتكرار سنقتصر على تسمية المرسوم المتعلق بتحديد إجراءات وكيفيات منح رخص الإصلاح والتسوية والهدم ب ” المرسوم المتعلق بتسوية البنايات غير القانونية “.
[28] – تنص المادة 80-1 من القانون 12-90 المتعلق بالتعمير على أنه : “دون الاخلال بالعقوبات المنصوص عليها أعلاه، يجب على المحكمة، في حالة الإدانة أن تحكم، على نفقة المخالف، بهدم الأبنية، موضوع المخالفة وبإعادة الحالة إلى ما كانت عليه…”.
[29] – مع مراعاة مجموعة من الشروط الأخرى
[30] – وهو الجاري به العمل بالنسبة لمعظم طلبات رخص التسوية، من الناحية الممارسة العملية.
[31] – وهو التوجه الذي نتبناه من منطلق، أن المهندس المعماري باعتباره الجهة التي تسهر على تتبع مشروع البناء، وبالتالي تكفي شهادته التي يشهد فيه بمطابقة البناية موضوع طلب التسوية مع التصاميم التغييرية المصادق عليها من طرف لجن الدراسة، وكذا تفاديا لإرجاع الملف للجنة من أجل التحقق من إدخال التغييرات، وذلك انسجاما والفلسفة التي جاء بها المشرع في القانون 12-66، المتعلق بالمراقبة وزجر المخالفات في ميدان التعمير والبناء، وكذا ضابط البناء العام، وهي تبسيط المساطر وتقليص آجال دراسة الملفات.
[32] – وإن كنا نلاحظ من الناحية العملية، أن الأحكام القضائية لا تصدر دائما متضمنة لعبارة “الهدم”، بل أيضا عبارة “إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في السابق”، وأيضا لعبارة “احترام التصاميم المرخصة”، وهي عبارات تخفف من حدة مقتضيات المادة 80-1 من القانون 12-90 المتعلق بالتعمير.