مجلة مغرب القانونالقانون العامنظرة حول “اتفاقية حظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدميرها وموقف المغرب منها”  

نظرة حول “اتفاقية حظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدميرها وموقف المغرب منها”  

أنوار العمراوي باحث في مجال حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني

تعتبر الألغام من الأسلحة التقليدية الأكثر خطورة نظرا لكثرة استخدامها أثناء النزاعات المسلحة وما يرتبه ذلك من أضرار بشرية ومادية فظيعة, وهي أسلحة دفاعية على وجه الخصوص ترمي لوقف زحف العدو في البر والبحر, غير أن استمرارها بعد انتهاء العمليات العدائية وأثرها العشوائي وضررها المفرط خاصة الألغام المضادة للأفراد, دفع بالمجتمع الدولي إلى البحث عن أدوات قانونية لتقييد أو حظر هذا السلاح, ونظرا لفظاعة الآثار المترتبة عن الألغام فقد أولت لها الصكوك الدولية اهتماما كبيرا كما شغلت تفكير العديد من الفقهاء.

وقد أثمرت هذه الجهود الدولية إلى تبني اتفاقية حظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدميرها عام 1997 ( المعروفة باسم اتفاقية أوتاوا) كإطار قانوني يحظر استخدام كافة الألغام المضادة للأفراد.

وقد ورد تعريف مصطلح ” لغم مضاد للأفراد” ضمن القانون التعاهدي في وثيقتين اثنتين, فقد اعتبر البروتوكول 2 الملحق باتفاقية الأسلحة التقليدية لعام 1980 [1] اللغم الأرضي المضاد للأفراد بأنه :” لغم مصمم أساسا لبفجره وجود أو قرب أو مس شخص, فيعجز أو يقتل أو يصيب شخصا أو أكثر”, كما عرفت اتفاقية أوتاوا” اللغم المضاد للأفراد” في الفقرة الأولى من مادتها الثانية بأنه:” لغم مصمم للانفجار بفعل وجود شخص عنده أو قريبا منه أو عند مسه له, ويؤدي إلى شل قدراته أو جرح أو قتل شخص أو أكثر…”.

ونظرا لما تتسم به الألغام المضادة للأفراد من آثار تدميرية, وتشكل واحدة من أعقد المشكلات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والأمنية (إذ تحولت من مشكلة عسكرية إلى كارثة إنسانية محققة), والنزعة العالمية إلى حظر هذه الأسلحة من جهة, والالتزام الدستوري للمغرب بحماية منظومة القانون الدولي الإنساني بصفة عامة من جهة أخرى, ارتأيت المساهمة بهذه النظرة الموجزة حول “الالتزامات المفروضة بموجب اتفاقية أوتاوا وموقف المغرب منها “؛ وذلك بالإجابة على سؤالين محوريين :

– ماهي الالتزامات المفروضة بموجب اتفاقية أوتاوا؟

– وما موقف المملكة منها ؟

وللإجابة على هذه الأسئلة, سأعمد إلى تقسيم الموضوع لشقين, أخصص أوله للحديث عن اتفاقية أوتاوا والالتزامات المفروضة بموجبها, في حين أتناول في الشق الثاني موقف المغرب منها.

أولا :الالتزامات المفروضة بموجب اتفاقية أوتاوا لعام 1997

جاءت هذه الاتفاقية [2] كرد فعل دولي على المعاناة التي تسببها هذه الألغام على نطاق واسع, وتحديدا المخصصة للقتل أو الإصابة [3], خاصة بعد أن أثبتت اتفاقية الأسلحة التقليدية لعام 1980, وبروتوكولها الثاني المعدل الخاص بحظر أو تقييد استعمال الألغام والأشراك الخداعية عجزها تماما عن السيطرة على تأثير الألغام على المدنيين, الذي اكتفى بتنظيم استخدام الألغام البرية, ولم يفرض حظرا كاملا على استخدامها أو تصنيعها [4].

وتعتبر اتفاقية أوتاوا خطوة هامة في اتجاه تحريم استعمال الألغام البرية وفريدة من حيث طرحها لبرنامج عمل شامل للقضاء على الإصابات الناجمة عن هذه الألغام, عبر مزيج من أحكام القانون الدولي الإنساني والرقابة على الأسلحة. ذلك أن اتفاقية أوتاوا لا تقتصر على تحديد مواعيد إزالة الألغام المضادة للأفراد لتطهير المناطق الملوثة, وتدمير المخزون سواء المتواجد في المستودعات أو المبثوث في الأرض, وإنما تلزم الدول بمساعدة الضحايا وتوعية المجتمعات المنكوبة من مخاطر الألغام [5].

مقال قد يهمك :   سابقة قضائية: 70 مليون كتعويض لفتاة خضعت لعملية تجميل فاشلة

وبذلك, فإن اتفاقية أوتاوا تقتضي من كل الدول الأطراف التعهد بعدم استخدام الألغام المضادة للأفراد, وبعدم تطويرها أو إنتاجها أو حيازتها أو تخزينها أو الاحتفاظ بها أو نقلها أو مساعدة الغير على القيام بذلك [6], وكذلك بتدمير مخزونها الاحتياطي من الألغام المضادة للأفراد في غضون 4 سنوات, ابتداء من تاريخ دخولها طرفا في الاتفاقية [7]؛ كما ركزت الاتفاقية أيضا, على تدمير الألغام المضادة للأفراد في المناطق الملغمة, في فترة لا تتجاوز عشر سنوات من بدء تنفيذ الاتفاقية بالنسبة للدول الأطراف [8].

كما تلزم المادة 9 منها, كل دولة طرف باتخاذ الإجراءات الوطنية القانونية والإدارية وغيرها, بما في ذلك فرض عقوبات جنائية, لمنع الأفعال المحظورة المعاقب عليها.

وفيما يتعلق بكفالة تطبيق الاتفاقية تضمنت هذه الأخيرة, مجموعة من الإجراءات الرامية إلى تعزيز الثقة وتحقيق الشفافية [9], كما أوضحت الاتفاقية أن المواد التي تتضمنها غير خاضعة لأية تحفظات, لكنها أشارت بأن لكل دولة الحق بأن تحتفظ لنفسها بالانسحاب من المعاهدة بواسطة إخطار ترسله إلى الأمين العام, على أن لا يبدأ نفاذ الانسحاب إلا بعد مضي ستة أشهر من تاريخ إرساله [10].

ونظرا لأهمية هذه الاتفاقية, ووعي المجتمع الدولي بخطورة هذه الأسلحة،  فقد ارتفع عدد الدول الموقعة عليها إلى 162 دولة بحلول العام 2012 إي أن نسبة الدول الأعضاء في تلك المعاهدة، 80% من إجمالي دول العالم[11]، فيما لا يتعد عدد الدول غير الأعضاء في الاتفاقية 34 دولة أبرزها الولايات المتحدة، وروسيا، والصين وكذلك المغرب.

ثانيا: موقف المغرب من اتفاقية أوتاوا لعام 1997

رغم التطور الذي يشهده المغرب على مستوى اندماجه في منظومة القانون الدولي الإنساني, من خلال توقيعه ومصادقته وانضمامه إلى عدد من المواثيق الإنسانية, إلا أن مجموعة من المواثيق المهمة لازالت خارج الترسانة القانونية الوطنية [12], من أهمها الصكوك الدولية ذات الصلة بتقييد وحظر استخدام وسائل الحرب .

فإذا كان المغرب قد صادق المغرب على الاتفاقية ” الإطارية ” وأعلن قبوله بالبروتوكول الثاني والبروتوكول الثاني بصيغته المعدلة والبروتوكول الرابع دفعة واحدة بتاريخ 19 مارس2002 [13], وفقا لما تنص عليه الفقرة الثالثة من المادة 4 من الاتفاقية [14]؛ فإنه بالمقابل يلاحظ إحجامه عن الانضمام أو المصادقة على “اتفاقية أوتاوا” وليس طرفا فيها لاعتبارات سياسية [15].

وإذا كان المغرب لم ينضم أو يصادق على هذه الاتفاقية, فإنه أكد على دعمه لأهداف الاتفاقية, فمنذ 2006 أصبح المغرب يقوم بانتظام وبشكل اختياري بتقديم تقرير الشفافية [16], ومنذ عام 1987, توقف المغرب عن تخزين واستخدام الألغام المضادة للأفراد احتراما لمبادئ الاتفاقية وتضامنا مع الزخم العالمي بشأن القضاء على هذه الأسلحة, ويحتفظ المغرب فقط بألغام معطلة لأغراض تدريب الوحدات الهندسية والوحدات المنتشرة في إطار إرساء السلام تحت رعاية الأمم المتحدة؛ ولا يمتلك المغرب مخزونات من الألغام المضادة للأفراد, أما الألغام المضادة للأفراد المزروعة على طول الخطوط الدفاعية فهي تخضع للمراقبة وهي مسجلة وفقا لخرائط زرع الألغام [17].

مقال قد يهمك :   أطروحة: الحكامة الأمنية وحقوق الإنسان بالمغرب في ضوء دستور 2011 (تحميل)

كما صوت المغرب في 5 دجنبر 2007 لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة [18], والذي يدعو الدول غير الأطراف في اتفاقية أوتاوا إلى الانضمام إليها دون تأخير, وكذا إلى تقديم معلومات, بشكل طوعي, مما يضمن المزيد من الفعالية للجهود الدولية في مجال الإجراءات المتعلقة بالألغام [19].

ويعد المغرب من البلدان القليلة التي لم تنتج أو تصدر أو تنقل الألغام المضادة للأفراد, كما أنه لم يعد يستورد أو يستخدم الألغام حتى قبل أن يبدأ وضع الاتفاقية؛ ويقوم المغرب أيضا بتنفيذ وقف طوعي لاستخدام الألغام المضادة للأفراد, وقد دمر مخزوناته من هذه الألغام في عام 2008 في إطار الاتفاق الموقع مع بعثة الأمم المتحدة (مينورسو) عام 1999[20].

خاتمة :

إن موقف الإيجابي للمغرب من حظر الألغام المضادة للأفراد والتزامه بذلك, لا بد من تدعيمه بالمصادقة على اتفاقية أوتاوا لما تحظى به من أهمية في حماية الشخص الإنساني, وتجاوز الاعتبارات السياسية, إذ أن ربط المصادقة عليها بحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية يتناقض مع توجه المملكة لتكريس وحماية حقوق الإنسان والتزاماته الدولية في هذا المجال؛ فمنظومة القانون الدولي الإنساني لا تقبل التجزيء وجاءت لاعتبارات انسانية تتجاوز  كل الاعتبارات السياسية  .


الهوامش :

[1] – المتعلق بحظر أو تقييد استعمال الألغام والأشراك الخداعية والنبائط الأخرى, وقد جرى تعزيز قواعده باعتماد صيغة معدلة للبروتوكول الثاني بتاريخ 3 ماي 1996 .

[2] – فتح باب التوقيع عليها في أوتاوا بتاريخ 3 دجنبر 1997 ودخلت حيز التنفيذ في أول مارس 1999 .

[3] – نزهة المضمض, التنظيم القانوني للألغام البرية في القانون الدولي, دار الكتب العلمية, الطبعة الأولى, 2013, ص: 105.

[4] – نزهة المضمض, مرجع سابق, ص : 98 .

[5] – المرجع السابق, ص : 105 .

[6] – المادة الأولى من اتفاقية أوتاوا 1997 .

[7] – المادة 4 من الاتفاقية .

[8] – المادة 5 من الاتفاقية .

[9] – وذلك بتقديم تقارير سنوية إلى الأمين العام للأمم المتحدة, تحيطه علما بالإجراءات الوطنية التي تم اتخاذها, وأكدت على الدول الأطراف, توفير معلومات تقنية مفصلة بشأن الألغام التي أنتجتها في الماضي لتسهيل مهمة إزالتها. وفي حالة وجود شك حول التزام دولة ما بأحكام المعاهدة, يمكن مطالبتها بتوضيحات عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة, ويمكن عند الاقتضاء دعوة اجتماع خاص للدول الأطراف للنظر في ذلك, أو تشكيل بعثة لتقصي الحقائق لإيفادها إلى المناطق والمنشآت الخاضعة لسيطرة الدولة المقصودة, للمزيد من التفصيل راجع :

مقال قد يهمك :   أحمد أجعون : مبدأ استمرارية المرافق العمومية وفقا لاجتهادات القضاء الإداري المغربي

– نزهة المضمض, مرجع سابق, ص ص  : 107-108 .

[10] – لكن إذا كانت الدولة المنسحبة مشتركة في نزاع مسلح قبل انقضاء هذه المدة, فإن انسحابها لا ينفذ إلا بعد انتهاء ذلك النزاع المسلح, كما أن انسحاب دولة طرف من الاتفاقية لا يؤثر بأي حال على مواصلة التزامات الدولة وفقا لقواعد القانون الدولي ذات الصلة. انظر :

– نزهة المضمض, مرجع سابق, ص : 109

[11] – استنادًا على بيانات “الحملة الدولية لمنع الألغام”.

[12] – أنوار العمراوي, ملاءمة التشريع المغربي مع الالتزامات الد ولية في مجال القانون الدولي الإنساني, رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون العام , كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية, جامعة سيدي محمد بن عبد الله, فاس, السنة الجامعية: 2018-2019,  ص :63.

[13] – حيث دخلت الصكوك جميعها حيز التنفيذ وطنيا في 19 شتنبر 2002 .

[14] – التي نصت في فقرتها على أن :” – يكون الإفصاح عن الموافقة على الالتزام بأي من البروتوكولات الملحقة بهذه الاتفاقية اختياريا لكل دولة ، شريطة أن تعمد تلك الدولة ، لدى إيداعها وثيقة تصديقها أو قبولها أو إقرارها هذه الاتفاقية أو انضمامها إليها ، إلى إشعار الوديع بموافقتها على أن تكون ملزمة بأي اثنين أو أكثر من هذه البروتوكولات”.

[15] – ففي تصربح له بمناسبة انعقاد الاجتماع الثامن للدول الأطراف في البحر الميت عام 2007 بصفته مراقبا, أكد المغرب على دعمه لأهداف الاتفاقية وأكد على الخطوات التي اتخاذها للتوافق مع تلك الأهداف, لكنه صرح مجددا أن النزاع  المصطنع في الصحراء وقضايا الأمن في الجنوب يعرقلون انضمامه إلى الاتفاقية .

[16] – طبقا للمادة 7 من الاتفاقية .

[17] – اجتماع الدول الأطراف في اتفاقية حظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام,  الاجتماع السابع عشر, البند 9(و) من جدول الأعمال المؤقت ” النظر في الحالة العامة للاتفاقية وتنفيذها, جنيف, 3 دجنبر 2018,رقم الوثيقة :  APLC/MSP.17/2018/8 , ص : 11 .

[18] – قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 62/41, المتعلق ب” تنفيذ اتفاقية حظر استعمال وتكديس وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام”, 5 دجبر 2007, وثيقة رقم A/RES/62/41

[19] – عبد الحق عهداوي, ملاءمة التشريع المغربي مع الالتزامات الدولية في مجال القانون الدولي الإنساني, أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الحقوق, جامعة مولاي إسماعيل, كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية, مكناس,  السنة الجامعية 2015-2016, ص : 166.

[20] – اجتماع الدول الأطراف في اتفاقية حظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام,  مرجع سابق, ص :12 .

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]