قراءة في التعديلات الواردة على مقتضيات الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية على ضوء القانون 61.19 .( الجزء الأول)
ذ/ محمد الخــــير باحث في قانون الاسرة
خلال صيف السنة الجارية اثير نقاش حول مقتضيات الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية والمتعلق بمسطرة تذييل الاحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية بعد ان تقدم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب بمقترح قانون بتاريخ 30/5/2019 يرمي الى تتميم المقتضى المذكور،قبل ان يستوفي المسطرة التشريعية وينشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 26/8/2019 .
ولعل أهمية القانون 61.19 القاضي بتميم الفصل 430 من ق.م.م بشأن نظام تذييل الاحكام الأجنبية الصادرة بإنهاء العلاقة الزوجية طلاقا ، فسخا، خلعا او تطليقا بالصيغة التنفيذية يبرز من خلال إعادة النظر في الجهة القضائية للبت في الطلب ثم تحيد مجال اختصاصها النوعي والترابي إضافة الى إجراءات أخرى ترمي تسريع البت في الطلب وهو ما سنتناوله من الجزء الأول من هذه القراءة على ان نحيط ببعض الملاحظات التي اثارت الانتباه سواء على مستوى فلسفة القانون ، او التعديلات المبسوطة في قراءة نقدية للتعديل أخدا بعين الاعتبار جملة من الاعتبارات القانونية الجارية في جزئها الثاني لاحقا .
أولا : بشأن الاختصاص :
بموجب القانون 61.19 فان اختصاص البت في طلبات التذييل في الاحكام الأجنبية الصادرة في قضايا انهاء العلاقة الزوجية اسند الى رئيس المحكمة الابتدائية او من ينيبه بهذا الشأن ، ومعلوم ان الاختصاص في القانون المعدل (بفتح الدال)كان يعود الى قضاء الموضوع بالمحاكم الابتدائية والاستئناف، والذي استمر رغم تعديل قانون التنظيم القضائي في 4/2/2019 مع دخول مدونة الاسرة حيز التنفيذ حيث بات اختصاص البت في القضايا الاسرية بما فيها تذييل الاحكام والعقود الأجنبية يعود الى اقسام قضاء الاسرة في المحاكم الابتدائية كاختصاص حصري ، وهو الامر الذي يبدو ان المشرع تراجع عنه بموجب القانون الجديد.
كما انه على مستوى جهة الطعن فان استئناف الاحكام الصادرة في هذا الشأن يكون امام الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف وهو توجه يحسب للمشرع انسجاما أولا مع الفلسفة التي اطر بها التعديل من جهة ثم تفاديا للإشكاليات التي طرحتها بعض المقتضيات الأخرى بشأن اختلاف طبيعة جهة البت ابتدائيا عنها في مرحلة الطعن بالاستئناف.
ولعل من بين ابرز ما جاء به القانون 61.19 بشأن تحديد جهة الاختصاص محليا أن حددها في الجهة القضائية المختصة (رئيس المحكمة او من ينوب عنه) :
- لموطن او محل إقامة المدعى عليه .
- لمكان تنفيذ الحكم.
- لمحل ابرام عقد الزواج.
وواضح ان الغاية من تعدد الجهات القضائية المختصة ترابيا للبت في الطلب وتوسيعها مقارنة مع المقتضى السابق يروم تخفيف العبء عن المرتفقين وذلك بفسح المجال امامهم لاختيار الجهة الأنسب حسب ظروف اقامتهم داخل ارض الوطن بما يحقق الغايات التي يستهدفها التعديل الوارد في مدكرة تقديم القانون .
ثانيا :البت في الطلبات والطعون في غيبة المدعى عليه .
ظلت مسطرة التذييل بالصيغة التنفيذية في ظل القانون المعدل تسري عليها القواعد الإجرائية العادية سواء تعلق الامربشروط تقديم الدعوى او استدعاء الأطراف الى غاية صدور الحكم وتنفيذه ، انطلاقا من ان مسطرة التذييل هي دعوى قائمة بذاتها مستقلة عن الحكم الأجنبي ، الامر الذي كان له تأثير على الاحكام القضائية من خلال اختلاف طريق تدبيرها مسطريا مما أدى حتما الى تمديد اجل البت فيها بين المحاكم ، فانعكس بالضرورة على الامن القانوني والقضائي للمرتفق الذي يكاد يجد نفسه امام تعقيدات إجرائية مرهقة فضلا عن تلك التي صادفها امام القضاء الأجنبي ، ولعل من ابرز التوصيات التي سبق ان تم إقرارها في الندوات الوطنية المنظمة سابقا من طرف وزارة العدل بعد دخول مدونة الاسرة حيز التنفيذ ، هو عدم اللجوء التلقائي الى استدعاء المدعى عليه (ها) في طلبات التذييل الا على سبيل الاستثناء وفي حالات حصرية إضافة الى عدم المبالغة في الإجرائية في طلبات التذييل ، فكان ضروريا ان يجد النقاش المذكور أرضية تشريعية لإقرار خلاصاته .
وهكذا فانه بموجب المقتضى الجديد فان البت في طلبات التذييل يكون في غيبة المدعى عليه ودون حاجة الى استدعاءه الا عند الاقتضاء ، وهو ما سيحقق بالتأكيد السرعة المطلوبة للبت فيها ، أخدا بعين الاعتبار الاجل المحدد لذلك في أسبوع من تاريخ إيداع الطلب بالنسبة لرئيس المحكمة ، او عشرة أيام من تاريخ توصل كتابة الضبط بوثائق ملف الطعن بالنسبة للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ، وكذلك ترسيخا للعمل القضائي الذي سار العمل به مند مدة معتبرة في عدم استدعاء المدعى عليه الا على سبيل الاستثناء .
ثالثا :عدم قابلية الاحكام الصادرة بالتذييل للاستئناف.
انسجاما مع الاحكام الواردة في مدونة الاسرة بشأن حالات انهاء العلاقة الزوجية فان المشرع المغربي بموجب القانون 61.19 اعتبر ان الحكم القاضي بالتذييل بالصيغة التنفيذية يبقى غير قابل للطعن بالاستئناف في الشق المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية ، وبمفهوم المخالفة فان الاحكام التي لا تنتهي بالاستجابة للطلب رفضا او عدم قبول او غير ذلك تبقى قابلة للاستئناف من الاطراف او من النيابة العامة على حد سواء امام جهة الاستئناف ، وهو ما يسري أيضا على الالتزامات المادية والمعنوية التي قد يتضمنها الحكم الأجنبي ، في حين انه في حالة تذييل الحكم بالصيغة التنفيذية فان للنيابة العامة حصرا حق الطعن فيه استثناء من القاعدة الموسومة أعلاه ، وهو ما يجد مبرره في ضرورات الحفظ على النظام العام المغربي والتطبيق السليم للقانون خصوصا في ظل التعقيدات التي باتت تشوب الأنظمة القانونية المقارنة في المجال الاسري واختلافها الجوهري مع القانون الوطني .
غير ان الملاحظ بشأن طرق الطعن المبسوطة في القانون 61.19 انها حددت في الاستئناف بالنسبة للحكم الابتدائي ، في حين أشير فيه الى عدم قابلية القرار الصادر عن الرئيس الأول للتعرض ، دون الاشارة الى ممارسة حق الطعن بالنقض متى كانت مبرراته قائمة على الأقل للنيابة العامة او حتى للأطراف كما في حالة ما اذا جاء القرار الاستئنافي مؤيدا للحكم الابتدائي برفض التذييل او الطعون المقدمة في الشق المتعلق بنظام الحضانة او الزيارة ومستحقات الأطفال ونظام تقسيم الأموال .
ونعتقد ان حق الطعن بالنقض سواء للنيابة العامة او للأطراف وفق ما اشير اليه يبقى قائما في الحدود المشار اليها أعلاه ما دام ان النص القانوني لم يرد فيه ما يحول دون ذلك ، سيما وان دور محكمة النقض يكاد يكون حاسما في حل جملة من الإشكاليات التي تطرح في المنازعات ذات العنصر الأجنبي بل انها ثمة رصيد قضائي معتبر في مجال تذييل الاحكام الأجنبية تحقق بفضل اجتهاداتها.
و الاكيد أن هذه المستجدات ستطرح نقاشا اخر حول جملة من التفاصيل الدقيقة سواء في الابعاد الفلسفية للقانون او في علاقته بقواعد أخرى ومدى انسجام التشريع في حد ذاته مع التعديلات الجارية في مشاريع قوانين مماثلة وهو ما سنحاول رصده في الجزء الثاني من هذه القراءة .