إشكالية الخلط بين تحريك وممارسة الدعوى العمومية في ضوء قانون المسطرة الجنائية المغربي
أشرف بومسيس طالب باحث في ماستر العلوم القانونية كلية الحقوق أكدال الرباط
بعد صدور قانون المسطرة الجنائية لسنة 3 أكتوبر 2003 بمقتضى القانون رقم 22.01 الذي نسخ أحكام ظهير 10 فبراير 1959 ودخوله حيز التنفيذ،فإن غالبية الفقه الجنائي ذهب إلى إعتبار أن الإطار الحالي لقانون المسطرة الجنائية لازلت تشوبه وتعتريه العديد من النواقص والثغرات لاسواء من حيث الدقة في توظيف المفاهيم القانونية، أو من حيث المستجدات التي جاء بها ولا تزال بعد لم ترقى إلى مناص الموجة الإصلاحية التي أضحى يعرفها العالم في تعزيز الضمانات القانونية على مستوى القواعد الإجرائية وملائمتها مع المواثيق والإتفاقيات الدولية.
وبالرجوع إلى المادة الثانية من القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية نجده ينص”يترتب عن كل جريمة الحق في إقامة دعوى عمومية لتطبيق العقوبات والحق في إقامة دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي تسببت فيه الجريمة”.
وأول مايمكن أن يلاحظه القارئ بخصوص الصياغة القانونية لهذه المادة أن المشرع قد إستعمل مصطلح “العقوبات”بحيث كان بالأحرى عليه أن يوظف مصطلح الجزاء لأنه أكثر شمولية ودقة ويشتمل على كل من العقوبات والتدابير الوقائية،وما يؤكد هذا الطرح هو التوجه الجديد الذي سار فيه المشرع من خلال المشروع الجديد لقانون المسطرة الجنائية،حيث عوض مصطلح “العقوبات”بالعقوبات والتدابير الوقائية وتدابير الحماية والتهذيب المتخذة في حق الأحداث.
ويتضح كذلك من مضمون المادة السالفة الذكر أن الضرر الناتج عن الجريمة يفسح المجال أمام الجهات المتضررة من أجل طلب الحماية القضائية أمام المحاكم المختصة.
وفي الوقت الراهن إنتهى الأمر إلى أن الجريمة تلحق إما ضررا عاما بالمجتمع أو ضرر خاص بالضحية،ولذلك فإنه يحق لكل من من المجتمع والضحية أن يطالبا بمقضاة المسؤول عن الضرر،فإذا كانت المطالبة القضائية ترمي إلى توقيع الجزاء على الفعل بإسم المجتمع فإن الدعوى تسمى دعوى عموميةّ،أما إن كانت المطالبة القضائية تستهدف جبر الضرر أو المطالبة بالتعويض فإننا أنذاك نكون أمام دعوى مدنية.
ومايهمنا من هذا الأساس هو الشق المتعلق بالدعوى العمومية التي يمكن تعريفها على أنها التجسيد الفعلي لحق اللجوء إلى القضاء من الناحية الكونية والحقوقية،أما من حيث المدلول القانوني فهي الوسيلة التي خولها القانون للمجتمع من أجل طلب الحماية القضائية عن كل فعل جرمي يتم إرتكابه ومن شأنه أن يحدث إضطربا في المجتمع.
وبالرجوع إلى مقتضيات قانون المسطرة الجنائية فنجدها خولت للنيابة العامة صفة الطرف الأصلي في تحريك وممارسة الدعوى العموميةّ،وأعطت لبعض الجهات الأخرى عند الإقتضاء إمكانية تحريك الدعوى العمومية دون ممارستها،ولذلك أوجدنا بأن هذا الموضوع يطرح إشكالية مركزية مفادها:إلى أي حد توفق المشرع في إقامة تمييز دقيق بين مصطلحي تحريك وممارسة الدعوى العمومية من خلال مقتضيات قانون المسطرة الجنائيةّ؟
وتتناسل عن هذه الإشكالية بعض التساؤولات الفرعية التي يمكن إيجازها على الشكل الأتي:
- من هي الجهات التي أوكل لها المشرع صلاحية تحريك وممارسة الدعوى العمومية؟
- وهل هناك من إستثناءات ترد على ممارسة الدعوى العمومية من قبل النيابة العامة؟
- ماهو موقف المشروع الجديد من ممارسة الدعوى العموميةّ؟
بالرجوع إلى المادة الثالثة من قانون المسطرة الجنائية نجدها تنص على أن:
“تمارس الدعوى العمومية ضد الفاعل الأصلي للجريمة والمساهمين والمشاركين في إرتكابها
يقيم الدعوى العمومية ويمارسها قضاة النيابة العامة،كما يمكن أن يقيمها الموظفون المكلفون بذلك قانونا.
يمكن أن يقيمها الطرف المتضرر طبقا للشروط المحددة في هذا القانون”
وبالتدقيق والتمعين في محتوى الفصل القانوني أعلاه نستشف على أن المشرع قد أقام تمييزا بين مصطلحي “التحريك”و”الممارسة”.
فتحريك الدعوى العمومية هو إختصاص أصلي للنيابة العامة وهي التي تقوم بإحالة الخصومة الزجرية على المحكمة المختصة للبت في شكلها وجوهرها وذلك عن طريق مجموعة من الأليات التي لايسعفنا المقام للوقوف عندها.
وقد خول المشرع كذلك عند الإقتضاء لبعض الجهات صلاحية تحريك الدعوى العمومية كما هو الشأن بالنسبة للطرف المتضرر وبعض الإدرات بموجب بعض النصوص الخاصة نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
-ظهير 1917 المتعلق بالمياه والغابات
-ظهير 1977 المتعلق بمدونة الجمارك
والمقصود بمصطلح التحريك هو الإجراء الذي بمقتضاه أو بموجبه تنطلق الدعوى العمومية لتعرض على القضاء من أجل البت فيها.
وقد نصت المادة 384 من قانون المسطرة الجنائية على الطرق التي يتم بموجبها تحريك الدعوى العمومية وعرضها على القضاء،وقد أحسن المشرع صنعا بإيراده لعبارة “ترفع الدعوى إلى المحكمة”في مستهل هذه المادة،وذلك يعني أن الأليات الممكنة لتحريك الدعوى العمومية محصورة في هذه المادة كقاعدة عامةّ،فالمستفاد من منطوق المادة السالفة الذكر أنه قبل أي إحالة على الهيئة القضائية المختصة للنظر في الدعوى العمومية لا يجوز القول بوجود دعوى عمومية محركة،لأن وقائعها لم تعرض بعد على القضاء،لكن بمجرد تحقق إحدى الحالات الواردة في المادة 384 من ق م ج فالدعوى تحرك ولامجال للتراجع عنها كقاعدة عامة،وتتولى النيابة العامة بالموزاة مع هذا الإجراء ممارسة الدعوى العمومية،فلذلك فهذه المادة قد أقامت تمييزا وحدا فاصلاا بين مرحلة ماقبل التحريك ومرحلة مابعد تحريك الدعوى العمومية.
إلا أنه في بعض الحالات نجد هناك نوعا من الإرتباك التشريعي في ثنايا مقتضيات قانون المسطرة الجنائية الذي يحول دون إحترام الوضوح الوارد في المادة 384،ونأخد على سبيل المثال لا الحصر ما جاء في المادة السادسة من ق م ج حيث نصت على أنه “يقصد بإجراءات المتابعة في مفهوم هذه المادة كل إجراء يترتب عنه رفع الدعوى العمومية أمام هيئة الحكم أو هيئة التحقيق”
فالملاحظ أن المشرع قد إستعمل مصطلح رفع الدعوى أمام هيئة التحقيق وهو تنصيص مخالف في جوهره لما نصت عليه المادة 384 من ق م ج،فلا يمكن الحديث عن رفع دعوى عمومية أمام هيئة التحقيق والحال أن هذا الأخير وهو سلطة منحها المشرع صلاحية البحث في مدى توفر الأدلة والحجج عن قيام الجريمة والبحث عن الحقيقة،وبعد ذلك تتخد قرارا إما بالإحالة وهو الذي إعتبرته المادة 384 من ق م ج بمثابة ألية لرفع الدعوى العمومية إلى المحكمة أو أن تصدر قرار بعدم المتابعةّ.
فبعد تحريك الدعوى العمومية إذن تأتي المرحلة اللاحقة عن التحريك وهي ممارسة الدعوى العموميةّ،فممارسة الدعوى العمومية لم تحضى بالكثير من البحث من مختلف الفاعليين في المادة الجنائية،والمشرع لم يعمد كذلك إلى وضع تعريف للممارسة على إعتبار أن مهمة وضع التعاريف هي من إختصاص الفقه والقضاء.
فممارسة الدعوى العمومية تكون عن طريق تقديم الملتمسات والترافع أمام المحكمة وممارسة طرق الطعن،أي أن كل إجراء يتم من قبل النيابة العامة بعد تحريك الدعوى العمومية فهو ممارسة.
وبإستقراء مضمون المادة 3 والمادة 36 من ق م ج نستشف على أن المشرع قد أوكل بصفة حصرية للنيابة العامة الحق في ممارسة الدعوى العمومية دون غيرها.
إلا أنه أُثناء بحثنا في هذا الوضوع قمنا بملامسة بعض الحالات التي تقترب نوعيا لممارسة الدعوى العمومية من قبل بعض الجهات الأخرى،فبالرجوع إالى مقتضيات الفصل 73 من ظهير 1977 المتعلق بالمياه والغابات فإننا نجده قد خول لبعض موظفيها صلاحية الطعن بالإستئناف في الأحكام الإبتدائية الصادرة بشأن الدعوى العمومية،وكذلك بالرجوع إلى مضمون المادة 397 من ق م ج نجدها في فقرتها الأخيرة تخول لبعض الإدارات في حالة إن هي قامت بتحريك الدعوى العمومية العن بالإستئناف في الأحكام الصادرة في الجنح أي كان منطوقها.
أما فيما يتعلق بالنقطة الأخير من من هذا الوضوع ألا وهي موقف مشروع قانون المسطرة الجنائية من إشكالية ممارسة الدعوى العمومية فإنه قد أوجدنا أنه أضحى يخول للطرف المتضرر في الحالة التي يبادر فيها لتحريك الدعوى العمومية إمكانية الطعن في الدعوى العمومية وهو ما تنص عليه بصريح العبارة المادة 410 من المشروع الجديد.
فكل هذه التطبيقات السالفة الذكر تبقى محل نظرعلى إعتبار أنه لايوجد مايثبتها على مستوى العمل القضائي وكذلك لم تحظى بإهتمام كبير من لدن مختلف الفاعللين في المادة الجناىيةّ.
وفي الختام لا يسعني إلا أن أقول وبدون أن أجزم أن موضوع إشكالية الخلط بين ممارسة وتحريك الدعوى العمومية هو من الموضوعات الشيقة التي لاتزال تحتاج إلى المزيد من البحث والدراسة وذلك على إعتبار أن فئة كبيرة من المؤلفات الفقهية لازالت لاتقيم تمييزا بين تحريك وممارسة الدعوى العمومية وتعتبر المصطلحان سيان وهو الأمر الذي من شأنه أن يخلق نوعا من الإضطراب على مستوى الضبط المفاهيهي خصوصا وأن لغة المادة الجنائية لغة دقيقة ولامجال فيها للحشو أو الإطناب.