مجلة مغرب القانونالمنبر القانونيالتوافق أو الحل: خيارين لتجاوز أزمة مجلس جهة كلميم واد نون

التوافق أو الحل: خيارين لتجاوز أزمة مجلس جهة كلميم واد نون

مصطفى عبدي، دكتور في القانون العام، باحث في القانون الإداري والعلوم الإدارية

إصدار وزير الداخلية لقراريين متتاليين قضيا بتوقيف مجلس جهة كلميم واد نون عن ممارسة شؤونه بصفة مؤقتة لمدة سنة بدأت من يوم 21 ماي سنة 2018 (تاريخ نشر قرار التوقيف بالجريدة الرسمية) إلى غاية يوم 20 ماي سنة 2019 وتعيين لجنة خاصة خاصة يرأسها والي الجهة، وقد عللت وزارة الداخلية قراري التوقيف انطلاقاً من اختلال واضطراب السير العام للمرافق والمصالح التابعة للجهة، وتأخر المشاريع المبرمجة من طرف المجلس الناتجة عن رفض لمجلس التصويت بالإيجاب على جل النقط المدرجة بجدول أعمال الدورات العادية والاستثنائية التي عقدها المجلس خلال سنتي 2017 و2018، وبهذا التوقيف لطيل زمانياً، تكون جهة كلميم قد شكلت حالة فريدة في تجربة نظام الجهوية خلال بداية مرحلته التاسيسية بالرغم من تبني المبدأ الدستوري للتدبير في الفصل 136 من الدستور باعتباره من ركائز التنظيم الجهوي.

شكل توقيف مجلس جهة كلميم واد نون المتخذ بناء على الفقرة الأولى من المادة 77 من القانون التنظيمي 111.14 انتهاكاً صارخاً لمبدأ التدبير الحر الذي يخول بمقتضاه لكل جهة حسب المادة 4 من القانون نفسه،سلطة التداول بكيفية ديمقراطية وسلطة تنفيذ مداولاتها ومقرراتها، حيث تجسد هذا الانتهاك عندما نزعت حرية التدبير من مجلس منتخب بكيفية ديمقراطية مباشرة من طرف المواطنات والمواطنين، وتخويلها لوالي الجهة لتسيير شؤون مجلس الجهة دون سند قانوني واضح في القانون التنظيمي للجهات لمدة سنة كاملة.

بتفحص شرعية قراري توقيف مجلس جهة كلميم انطلاقاً من مقتضيات القانون التنظيمي 111.14، اتضح أن هذا الأخير لا يتضمن على أي نصوص تبين كيفية تطبيق مسطرة التوقيف، وبتعميق البحث في هذا الصدد، تبين بعد الاطلاع على مداولات لجنة الجماعات الترابية وسياسة المدينة بمجلس النواب التي أجريت برسم دورة أبريل سنة 2015 حول مسودة القانون التنظيمي 111.14، أنه تم الإجماع على حذف فقرة من مقتضيات المادة 76 من المسودة التي كانت تنص في المشروع على “أنه يمكن للسلطة المكلفة بالداخلية اللجوء إلى إجراء التوقيف لمدة 3 أشهر بقرار معلل ينشر بالجريدة الرسمية”، فيما تم الإبقاء في الصيغة النهائية للمشروع على إجراء حل المجلس فقط، والذي اشترط لتنفيذه صدور حكم عن المحكمة الإدارية.

مقال قد يهمك :   الفرسان الموازنية والقضاء الدستوري المغربي:أية حماية لمبدأ الوحدة الموضوعية لقانون المالية؟

لقد كان حل المجلس استناداً إلى مقتضيات المادة 75 من القانون التنظيمي 111.14 طريقاً فعالاً ومشروعاً أكثر من اللجوء إلى آلية التوقيف التي جاءت مبهمة في مقتضيات القانون التنظيمي للجهات، وحجتنا في ذلك تنبني على التجربة العملية لآلية الحل الذي أثبت فعاليته وجدواه في حالة المجلس الإقليمي لصفرو الذي رفض المصادقة على مجموعة من المقررات المتعلقة بالنقط المدرجة في جدول الأعمال الخاصة بالدورات التي عقدها خلال سنة 2017 وفي مستهل سنة 2018–حالة الشلل نفسها التي شهدتها تجربة مجلس جهة كلميم-، بحيث حكمت المحكمة الإدارية بفاس في الحكم عدد 265 في الملف رقم 34/110/2018 بتاريخ 4/4/2018 بحل المجلس الإقليمي لصفرو عملاً بمقتضيات المادة 73 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم–المادة 73 من القانون التنظيمي رقم 112.14 تقابل في مضمونها المادة 75 من القانون التنظيمي 111.14- ليعقب هذا الحكم القضائي قرار لوزير الداخلية بتعيين لجنة خاصة تطبيقاً لمقتضيات المادة 75 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم التي تقابل في مضمونها المادة 77 من القانون التنظيمي 111.14،وبعده صدر قرار آخر يقضي بتحديد تاريخ إجراء انتخابات جزئية لانتخاب أعضاء المجلس الإقليمي الجديد لصفرو، وبهذا تم وضع حد قانوني لحالة الشلل تجاوزها بتشكيل مجلس جديدفي مدة زمنية لم تتجاوز شهرين دون المساس بالمبدأ الدستوري للتدبير الحر، حيث بدأت مسطرة الحل فعلياً من 4 أبريل 2018 تاريخ صدور الحكم القضائي القاضي بحل المجلس، وانتهت يوم 29 ماي 2018تاريخ إجراء انتخاب أعضاء المجلس الإقليمي الجديد لصفرو.

طريقة التعامل مع حالة الشلل التي واجهت جهة كلميم واد نون ضربت مبدأ الشرعية في الصميم، وألغت دور القضاء الإدراي باعتباره ضمانة لتطبيق القانون وركيزة لحماية مبدأ التدبير الحر على مستوى الاستقلال المؤسسي والاستقلال الوظيفي.

وذلك عندما مارست وزراة الداخلية عبر ممثلها بالجهة سلطة الحلول المنصوص عليها بموجب المادة 79 من القانون التنظيمي 111.14، والتي لا يمكن أن تطبق إلا في حالة امتناع الرئيس عن القيام بالأعمال المنوطة به بمقتضى أحكام هذا القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، وأكدت أنها ما زالت تمارس الوصاية بدلاً من المراقبة الإدارية، كما تجاهلت بشكل واضح المبدأ الدستوري للتدبير الحر الذي خوله الدستور لمجالس الجهات والجماعات الترابية الأخرى.

مقال قد يهمك :   البنود الخاصة في عقود الشغل

بعد انقضاء سنة من حلول وزارة الداخلية في ممارسة الشؤون الخاصة لمجلس جهة كلميم واد نون، سيكون هناك خيارين أثنين لتجاوز أزمة تدبير شؤون مجلس جهة كلميم واد نون:

  • الخيار الأول هو تقديم تنازلات من طرف أقطاب الصراع في المجلس والتوصل إلى حل توافقي يسمح بتجاوز الصراع السياسي الطويل الذي عمر بينهم،مع ضرورة وجود ضمانات فعلية تضمن السير العادي لمرافق شؤون مجلس جهة كلميم لما تبقى من المدة الزمنية لولاية المجلس؛
  • الخيار الثاني يطرح في حالة بقاء الصراع السياسي قائماً، بحيث يبقى السيناريو المطروح بقوم هولجوء وزارة الداخلية إلى تطبيق مقتضيات المادة 75 من القانون التنظيمي للجهات التي تنص على أنه “إذا كانت مصالح الجهة مهددة لأسباب تمس بحسن سير مجلس الجهة، جاز للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية من أجل حل المجلس”، ومن ثم سيتم إصدار قرار لوزير الداخلية يقضيباستمرار اللجنة الخاصةالمشار إليها في المادة 77 من القانون التنظيمي 111.14 في مزاولة مهامها، وذلك إلى حين صدور قرار آخر لوزير الداخلية يقضي بتحديد تاريخ إجراء انتخابات جديدة لأعضاء مجلس جهة كلميم واد نون.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]