مجلة مغرب القانونفي الواجهةالسعدية مجيدي: وجهة نظر في موضوع تقادم العقوبات في المادة الجنائية

السعدية مجيدي: وجهة نظر في موضوع تقادم العقوبات في المادة الجنائية

  • الدكتورة السعدية مجيدي أستاذة القانون الجنائي بكلية الحقوق بمراكش.

ارتأيت كغيري من الباحثين في الحقل القانوني، أن أساهم في النقاش العلمي الذي شكلت نازلة القانون الجنائي المطروحة في مباراة المحاماة، فرصة لإثارته، وتعميق النقاش العلمي الرصين حوله.

وقد طالعت بتمعن واهتمام كبيرين، وجهة نظر “فريق التقادم الرباعي” والحيثيات القانونية المعتمدة في تقديم قراءته، وهي في اعتقادي لا تعدو أن تكون مجرد قراءات تأويلية لنصوص قانونية، قد أتفق مع من يقول بعدم وضوحها ودقتها (أي النصوص القانونية)، وهي مناسبة أغتنمها لدعوة المشرع إلى تغيير الصياغات الواردة في مشاريع القوانين الجنائية (ذات الصلة بموضوعنا) تفاديا لأي لبس أو خلاف قد يثار أو يستمر مستقبلا.

إن أي قراءة للمواد 648 إلى 653-1 من قانون المسطرة الجنائية والفصول 15-16-146-147 من مجموعة القانون الجنائي ستكون لا محالة قراءة قاصرة دون التمييز مسبقا بين نقطتين أساسيتين؛ وهما الوصفين القانوني والقضائي للجريمة. ولعل أهمية هذا التمييز تظهر في استحضار اختلاف الآثار المترتبة عن كليهما.

صحيح أن قراءة دلالية للمادة 649 من ق.م.ج تثير انتباهنا إلى أن المشرع قد استعمل عبارة العقوبات الجنائية: “تتقادم العقوبات الجنائية بمضي 15 سنة…”، ولكن، هل العبرة هنا، لتحديد أمد التقادم (جنحي أم جنائي)، بالوصف القانوني للعقوبة المحدد مسبقا (بخصوص النازلة موضوع النقاش) في إطار الفصل 510 من م.ق.ج (جناية السرقة الموصوفة)، أم أن العبرة بالوصف الذي يصبغه القاضي الزجري استثناء في إطار المقتضيات العامة المضمنة في الفصلين 146 و147 من م.ق.ج؟

نعلم جميعا، أن للمادة الزجرية خصوصيتها، ولعل من أبرز هذه الخصوصيات، أن سلطة القاضي الزجري هي سلطة تقريرية وليست سلطة إنشائية، فليس له أن ينشئ ما لم يمنحه القانون، خاصة إذا كنا نتحدث عن قانون المسطرة الجنائية الذي تتميز قواعدها بارتباطها القوي بالنظام العام. وتحديد طبيعة السلوك بالجريمة من عدمه، ووصفه بالجناية أو الجنحة أو المخالفة موكولان حصرا للقانون. والقاضي ليس له إلا أن يقرر بما يقضيه القانون وفي إطاره.

مقال قد يهمك :   عبد الكريم بالهدى: مظاهر التبعية في الوظيفة العمومية

وهكذا، عندما يحكم القاضي الزجري في جناية السرقة الموصوفة مثلا، بعقوبة جنحية إعمالا للفصلين 146 و147 من م.ق.ج، فإن الوصف الذي يؤطر الجريمة المرتكبة هو الوصف القانوني الوارد في الفصل 510، وهو الذي بموجبه وعلى أساسه يعقد الاختصاص النوعي لمحكمة الجنايات (غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف). فليس للقاضي الجنائي هنا مثلا أن يدفع، استنادا إلى الوصف القضائي، بعدم اختصاصه النوعي ويحيل الملف إلى القاضي الجنحي!! إذ إن نزوله عن الحد الأدني المقرر للعقوبة لا يعدو كونه سلطة منحها له القانون استثناء، ولا يمكن أن يترتب عنها أي أثر عدا تمتيع المتهم بظروف مخففة للعقوبة. وهو ما أكده المشرع صراحة في المادة 112 من م.ق.ج عندما أشار بأنه “لا يتغير نوع الجريمة إذا حكم بعقوبة متعلقة بنوع آخر من أنواع الجرائم لسبب تخفيف أو لحالة عود”.

ولا يخفى على أحد من المهتمين بالحقل القانوني، أن تقادم العقوبة حق أقره القانون لفائدة المحكوم عليه ضمن شروط محددة وضوحا في ق.م.ج، فلا يمكن للقاضي الجنائي أن يمنح مالم يمنحه القانون. كأن يغير من وصف العقوبة التي هي جنائية، ليرتب عليها آثر التقادم الجنحي. وطبعا، لا يكون ممكنا ان نرتب التقادم الجنحي في هذه الحالة إلا إذا غيرنا منطوق المادة 650 من ق.م.ج وإضافة عبارة (المحكوم بها) لتتحول عبارات النص من “تتقادم العقوبات الجنحية بمضي أربع سنوات…” إلى “تتقادم العقوبات الجنحية المحكوم بها بمضي أربع سنوات…”.

ومن جهة أخرى، كيف يمكن للمشرع أن يتشدد مع المتهم في جناية معينة برفعه أمد تقادم الدعوى العمومية إلى 15 سنة (مع ضرورة استحضار إجراءات وقف وقطع التقادم التي من شأنها إطالة أمد تقادم المتابعة عمليا)، والسماح لنفس هذا المتهم (الذي لا يتصور حسب النازلة المطروحة إلا في حالة فرار) وفي نفس القضية مثلا بالدفع بأمد تقادم العقوبة الجنحية الذي هو 4 سنوات إذا ما قررت المحكمة تمتيعه بظروف التخفيف القضائية؟؟؟ !!

مقال قد يهمك :   المعارضة البرلمانية بين الخلفية السياسية والمقاربة الدستورية

ولابد من التذكير بأنه لا يوجد ما يميز تقادم الدعوى العمومية في قانون المسطرة الجنائية عن تقادم العقوبات، اللهم إلا إذا كنا نتحدث عن إجراءات وقف التقادم أو قطعه أو تاريخ احتسابه.

وصفوة القول، أن المشرع الجنائي، حتى عندما يستعمل عبارة تقادم العقوبات الجنائية أو الجنحية، فإن العبرة في تحديدها تكون استنادا إلى معيار الوصف القانوني المرتبط أساسا بنوع الجريمة موضوع المحاكمة، وليس بالوصف القضائي الذي يقدر بحسب ظروف وملابسات القضية.

ولعل إطلالة بسيطة على التوجه الذي نحاه المشرع الجنائي الفرنسي، الذي كان ولا زال المصدر التاريخي لتشريعنا الجنائي، سيوضع بما يرفع اللبس بأن أساس تقادم العقوبة هو نوع الجريمة أيا كانت عقوبتها. وهو ما تضمنته المواد 133-2 و 133-3 و133-4 من القانون الجنائي الفرنسي، وحسبي أن أشير إلى المادة 133-2 التي نصت بصريح العبارة تفاديا لأي لبس، على أن العقوبات الصادرة بالنسبة للجنايات تتقادم بمضي 20 سنة تحتسب من تاريخ اكتساب القرار قوة الشيء المقضي به. وهذا نص المادة :

“Les peines prononcées pour un crime se prescrivent par vingt années révolues à compter de la date à laquelle la décision de condamnation est devenue définitive”…

وليلاحظ معي المتتبع الكريم أن المشرع الفرنسي يتحدث عن العقوبات، بغض النظر عن طبيعتها هل هي جنائية أم جنحيه، ما دام أنه يربطها بنوع الجريمة (الصادرة في الجنايات) كشرط أساسي لتحديد أمد التقادم. وهو نفس التوجه الذي سار فيه المشرع المصري (المادة 528 من قانون الإجراءات الجنائية المصري)، والمشرع الجزائري (المواد 612 إلى 617 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري).

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]