20 سنة من حكم الملك محمد السادس: مسار تنمية شاملة
ابتسام الغالي : دكتوراه في القانون العام و باحثة في التنمية البشرية
عقدان من ملكية القرب، التقدم و الحداثة، مكنت المغرب من تكريس مشروع مجتمعي ديمقراطي بتحقيق إنجازات ملموسة على المستوى السياسي، الاقتصادي و الاجتماعي.
دستور2011: مسلسل الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي
شكل خطاب الملك لشعبه 9 مارسʹʹالاستثناء المغربيʹʹ، غداة تحرك الشارع في 20 فبراير من نفس العام، وضمن الحراك الشعبي الذي هز المنطقة العربية. لقد كان إعلان جلالة الملك محمد السادس عن فتح ورش الإصلاح الدستوري، بمثابة نقطة تحول في مسار الانتقال الديمقراطي المغربي، بتوسـيع مجال الحريـات الفردية والجماعية، ضمـان ممارســتها، وكذا تعزيــز منظومــة حقــوق الإنسان بــكل أبعادهــا، السياســية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافيــة، والبيئيــة. عبر دسـترة هيئـات الحكامة الجيــدة، حقــوق الإنسان وحمايــة الحريات. ولا سـيما دسـترة التوصيـاتالوجيهـة لهيـأة الإنصاف والمصالحـة والالتزامات الدوليـة للمغـرب. لكن أهم ما ميز إعداد الوثيقة الدستورية، هو تبصر و حكمة جلالة الملك بإشراك كل فئات المجتمع المغربي في التحرير، المصادقة و التصويت عليها.
هذا الإشراك، نتج عنه تميز الدستور المغربي بخصائص أهمها، وثيقة الحقوق و الحريات، هندسة لتحقيق الفصل بين السلطة و توازنها، وتكريس لاستقلال القضاء. كما حضي المجتمع المدني بأدوار جديدة في ظل دستور 2011، باعتباره شريكا للدولة بالنسبة للمؤسسات الدستورية، شريكا على مستوى وضع الإستراتيجية التنموية و على مستوى الصياغة، ثم على مستوى تفعيل السياسات العمومية و تقييمها. مما يشكل هاجسا للمجتمع المدني بضرورة إعداد نخب مكونة، تكوينا يؤهلها للعب دورها الديمقراطي التشاركي.
مدونة الأسرة: الثوابت و المتغيرات
مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية سنة 1999، أثار جدلا كبيرا بين تيارين مجتمعيين، آنذاك، حيث لقي معارضة شديدة من قبل الإسلاميين، بتنظيم مسيرتين في الرباط و الدار البيضاء، الأولى قادتها التيارات الإسلامية، و الثانية قادتها أحزاب وهيئات مساندة للخطة، فجاء تدخل جلالة الملك محمد السادس بحسم الخلاف، حيث تم تشكيل لجنة لصياغة مشروع يحظى بالتوافق بين كل الأطراف، على إثرها، استطاع أعضاء اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة مدونة الأحوال الشخصية، تقديم تقرير نهائي و عرضه على جلالة الملك وتم المصادقة عليه تحت اسم “مدونة الأسرة” في فبراير 2004.
مدونة مزجت بين تكريس المرجعة الإسلامية وقواعدها الشرعية، انطلاقا من الانفتاح على مختلف المرجعيات والمذاهب الفقهية، من جهة، وهو ما يعتبر استجابة لمطالب الإسلاميين. ومن جهة أخرى، التنصيص على مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب والتزم ببنودها، استجابة لنداءات العديد من الحركات النسائية وفعاليات المجتمع المدني التي تنادي بحقوق المرأة.
فالانتقال من «مدونة الأحوال الشخصية ” إلى «مدونة الأسرة ”، في إطار السياسة الرشيدة لجلالة الملك، دليل على القيمة التي تحضى بها الأسرة داخل المجتمع الحداثي تسوده المساواة بين الجنسين.
الإنصاف و المصالحة: عهد جديد لحقوق الإنسان
تعد هيئة الإنصاف و المصالحة تجربة مغربية فريدة من نوعها، غير مسبوقة في العالم العربي، حيث شكلت نقلة نوعية في مجال حقوق الإنسان، بطي ملف “سنوات الرصاص”، بعد عقود من الصراع والاحتقان بين الدولة والمعارضة، ارتكبت خلالها انتهاكات جسمية لحقوق الإنسان.
ففي 7 يناير 2004، بادر جلالة الملك محمد السادس إلى تنصيب أعضاء هيئة الإنصاف والمصالحة، كهيئة غير قضائية تقوم على إرساء الحقيقة وجبر الضرر الفردي والجماعي، عبر كشف حالات الإختفاء القسري، وتعويض الضحايا، إعادة تأهيلهم ورد اعتبارهم، وإصدار توصيات لتفادي تكرار الانتهاكات، وذلك وفق النظام الأساسي للهيئة، وخلال الفترة الممتدة مابين من 1956 و 1999.
لكن أهم ما ميز هيئة الحقيقة، بث جلسات الاستماع للضحايا وأهاليهم ومسؤولين في أجهزة الدولة، مباشرة على شاشة التلفاز وأمواج الإذاعة الوطنية، كتحقيق لانفراج سياسي كبير في تاريخ المغرب، وقطيعة ايجابية مع بعض الممارسات التي ميزت العهود السابقة.
فتجربة المغرب في حقوق الإنسان، تبلورت من خلال تبني نهج جديد للدولة في مجال الحريات الأساسية، مع مواصلة الانخراط في منظومة حقوق الإنسان الدولية، تعزيز التعاون مع الآليات الأممية وخاصة مجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، واستقبال مقررين أميين.
الجهوية المتقدمة : مقاربة تنموية و مبادرة الحكم الذاتي
في هذا الإطار، عرف المغرب إصلاحات جوهرية على مستوى الجهوية، تهدف إلى إقرار تنظيم ترابي متكامل، يؤسس لمرحلة جديدة في مسار تقوية الديمقراطية المحلية، وترسيخ مكانة الجماعات الترابية كشريك أساسي، بجانب الدولة والقطاع الخاص، في تدبير قضايا التنمية.
اختيار الجهوية المتقدمة، جاء تجسيدا فعليا لإرادة ملكية قوية على تجديد بنيات الدولة وتحديثها، وجعلها مفتاح النجاح للتنمية المندمجة للمجالات الترابية. في إطار يميزه التماسك الوطني وتعزيز الولوج إلى الخدمات العمومية في كل المناطق.
وتقوم دينامية الجهوية المتقدمة، على الوحدة في ما يتعلق بالمرتكزات الأساسية للأمة، والتي تتمثل في الهوية المغربية والوحدة الترابية، مع ضمان توازن بين اختصاصات الهيئات المركزية والجهوية لتقوية تماسك السياسة العامة للمملكة، وأيضا بين مختلف الجهات نفسها.
كما تعتمد هذه الدينامية، على التضامن بين هذه الهيئات لإعادة توزيع الثروات، على نحو أمثل بين مختلف جهات المملكة. حيث أكد جلالة الملك في أغلب خطبه الرسمية، على أن تكون الأقاليم الصحراوية في صدارة الجهوية المتقدمة المنشودة ، بما يعزز تدبيرها الذاتي لشؤونها المحلية.
وفي هذا الصدد، تعد مقاربة الجهوية المتقدمة، التزاما بإنجاح المبادرة المغربية للتفاوض حول نظام حكم ذاتي في جهة الصحراء، مقاربة تستند على مبادرة تحظى بتأييد واسع من لدن المجتمع الدولي ، وتؤكد التزام المغرب بإنهاء هذا النزاع الذي عمر طويلا. وفي الوقت ذاته، تضمن لكافة الصحراويين مكانتهم اللائقة ودورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيدا عن أي تمييز أو إقصاء، ومن هذا المنطلق، سيتولى سكان الصحراء، وبشكل ديمقراطي، تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية، كما ستوفر لهم الموارد المالية الضرورية لتنمية الجهة في كافة المجالات، والإسهام الفعال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمملكة.
وفي نفس السياق، أكد الملك محمد السادس في خطابه الرسمي بمناسبة الذكرى 43 للمسيرة الخضراء على أن انخراط الأقاليم الجنوبية في إطار النموذج التنموي الجديد، سيعيد لها دورها التاريخي كصلة وصل رائدة بين المغرب وعمقه الجغرافي والتاريخي الإفريقي، حيث قال جلالته “نحن اليوم، نربط الماضي بالحاضر، ونواصل الدفاع عن وحدتنا الترابية، بنفس الوضوح والطموح، والمسؤولية والعمل الجاد، على الصعيدين الأممي والداخلي.”
المؤسسة الإفريقية: انتماء و انخراط في الدينامية التنموية
فعودة المغرب إلى المؤسسة الإفريقية هو نابع من الاعتزاز و الانتماء إلى القارة الإفريقية،والالتزام بالانخراط في الدينامية التنموية التي تعرفها، وكذا المساهمة في الرفع من مختلف التحديات التي تواجهها، على مختلف المستويات، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية. حيث أكد المغرب على مر عقدين، التزامه بتقاسم تجربته في مجالات عديدة مع البلدان الإفريقية، سواء بالاعتماد على الاستثمار المنتج، النقل الجوي والبحري والخدمات المالية والمصرفية، بالإضافة لتصدير التجربة والمعرفة والخبرة والتقنية. أو في إطار تنفيذ الاتفاقيات الثنائية مع شركائه.
فقرار جلالة الملك محمد السادس بعودة المغرب إلى أسرته المؤسساتية، لم يكن قرارا عفويا، بل ثمرة تفكير عميق وواقعي تحكمه رؤية إستراتيجية اندماجية بعيدة المدى، وفق مقاربة تدريجية تقوم على التوافق.
تعززت بتبني مقاربة دبلوماسية تتوخى نوعا من الاستقلالية والجرأة في البحث عن شركاء جدد في إفريقيا، الى جانب روسيا والصين واليابان، لقد تميزت هذه المقاربة المتكاملة بوضوح في المنهج وبالعمل وفق دبلوماسية معاصرة، أهمها الدفاع عن المصالح الوطنية من خلال تقوية الجانب الاتفاقي مع الدول الإفريقية وترجمة ذلك إلى التزامات دولية، والحرص على جانب المصداقية والمشروعية والشفافية، وسرعة التواصل، والتمسك بالمبادرات الفاعلة القابلة للتحقيق، والاستمرار في فتح قنوات الحوار مع الدول المحسوبة على محور الجزائر-جنوب إفريقيا.
المبادرة الوطنية للتنمية البشرية: تحديات و آفاق
مما لاشك فيه، أن المغرب يشكل فضاء لكل التحولات الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، المؤسساتية و الديمقراطية.
في هذا السياق، تمثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مرحلة جديدة من سياسة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب، والتي تعد جزءًا من استراتيجية التنمية البشرية التي ينهجها المغرب، بهدف كسب المعركة ضد الإقصاء والتغلب على الفقر.
لقد أطلق جلالة الملك محمد السادس خطوة جديدة في مسار التنمية، ”المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” في 18 ماي 2005، مشروع تنموي من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للسكان، خاصة الفئات الهشة وساكنة المناطق النائية، للتصدي للعجز الاجتماعي بالأحياء الحضرية الفقيرة والجماعات القروية الأشد خصاصا، وتشجيع الأنشطة المدرة للدخل القار والموفرة لفرص الشغل، مع العمل على الاستجابة للحاجيات الضرورية للأشخاص في وضعية صعبة.
فالتزام المغرب بالحد من الفقر في النمو، يتجلى من خلال مبادرات سابقة متنوعة، كمحاولة لتصحيح النموذج التنموي السائد، آنذاك، حيث اعتمد على اختيار تدبير القطاعات الإستراتيجية الكبرى للتنمية، وذلك بإعطاء أولوية المشاريع الكبرى المهيكلة للاقتصاد الوطني وهذا بدوره حقق بعض الأهداف المهمة في دعم البنية التحتية. لعل أبرزها مخطط التنمية لـ (2000 ـ 2004)، كتعديل لمسار التطور وآليات التنمية الاقتصادية الاجتماعية، بوضع المغرب على السكة الصحيحة للتنمية، التي يستطيع من خلالها استغلال كل مكوناته وطاقته المادية والبشرية استغلالا عقلانيا، حيث سلط الاهتمام بالعالم القروي وتقليص الهوة بين البادية والمدينة وتأهيل الإنتاج والبنى التحتية الصناعية، واجتماعيا هدف إلى تقليص الفوارق الاجتماعية والاهتمام بالفئات المهمشة والفقيرة وكذا الاهتمام بالتعليم ومحو الأمية ومحاربة السكن الغير اللائق، إلى جانب وضع آليات تسهر على تخليق الحياة العامة وإصلاح الإدارة.
فجاء تقريرʹ الخمسينيةʹ و تقرير ʹالمغرب الممكنʹ بخلاصتي 2005 و 2006 كصورة معبرة على الاستمرار في نموذج لسياسات عمومية تنتج الفوارق وأسباب التوتر الاجتماعي والاحتجاجات وانعدام الثقة في المؤسسات. بالإضافة إلى أحداث 16 مايو 2013، بالدار البيضاء، فإلى جانب تحليلها بشكل رئيسي في اتصال وثيق مع المجال الديني، إلا أن الأسباب الرئيسية لهذه الهجمات كانت الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي ميز البلاد. الذي أبان على الفوارق الاجتماعية، و ضرورة لتعزيز فرص جديدة لخلق الثروة وتحقيق التنمية الفردية والجماعية. الأمر يتعلق أكثر بإعطاء الفئات الهشة و المعوزة الوسائل اللازمة لتنميتهم بمفردهم، بدلاً من أن يقتصروا على المساعدة الاجتماعية ذات الأشكال التقليدية.
فإطلاق ورش المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، شكل ركيزة أساسية لتكريس مجتمع التضامن الديمقراطي والحداثي. بوضعه للعنصر البشري في قلب جهود التنمية، التي تهدف إلى تعزيز التماسك الاجتماعي والتضامن الوطني. حيث حظيت التجربة المغربية بإشادة على المستوى الدولي بتوفير خدمات ذات جودة، وكذا الاستفادة من الدعم لفائدة مشاريع مدرة للدخل، زيادة عن تحسين ظروف عيش الأشخاص القاطنين بالمناطق المعزولة، والحد من الفوارق في الولوج إلى البنيات التحتية الأساسية، والتجهيزات، وخدمات القرب.
13 سنة مضت، بتنفيذ عدد من المشاريع في إطار برامج مختلفة، لا سيما برنامج محاربة الفقر في الوسط القروي :403 جماعة قروية تزيد نسبة الفقر فيها عن 30٪، برنامج محاربة الإقصاء الاجتماعي بالوسط الحضري: 264 من الأحياء في المدن الكبرى ’أكثر من 100000 نسمة’ ومحاربة الهشاشة: 8 فئات اجتماعية في وضعية صعبة، بما في ذلك، أطفال الشوارع ، المسنين…….
وفيما يتعلق بالأنشطة المدرة للدخل، تم إنجاز أكثر من 44000 مشروع، و 17000 نشاط، بما فيها 9400 نشاط مدر للدخل باستثمار إجمالي قدره 42.8 مليار درهم ، لفائدة 10.5 مليون مستفيد.
فرغم هذه الأرقام و الاحصائيات التي توجز حصيلة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لمنجزات المرحلتين الأولى و الثانية من هذا الورش التنموي. ظل المغرب يحتل المرتبة 123 من أصل 189 دولة، وفقًا لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في عام 2018.
فهذا الوضع، يتطلب مجهودا متزايدا لمواجهة عدد من التحديات. وهوما أكده جلالة الملك محمد السادس في مناسبات رسمية عدة، و بأن النموذج التنموي المغربي أصبح متجاوزا ويجب التفكير في إطلاق نموذج يتماشى والتحولات السريعة التي يعيشها المغرب في ظل التطور السريع للتكنولوجيات.
وهو ما جاء في خطاب العرش 29 يوليوز 2018، على أن البرامج التنموية الاجتماعية تعاني من التداخل، ومن ضعف التناسق فيما بينها، وعدم قدرتها على استهداف الفئات التي تستحقه، فكيف لهذه البرامج، في ظل هذا الوضع، أن تستجيب بفعالية، لحاجيات المواطنين وأن يلمسوا أثرها ؟ ولا داعي للتذكير هنا، بأننا لا نقوم بالنقد من أجل النقد، وإنما نعتبر أن النقد الذاتي فضيلة وظاهرة صحية، كلما اقترن القول بالفعل وبالإصلاح.
فقد شكل الخطاب الملكي، رسالة قوية، دعى من خلالها الملك لإعادة النظر في جميع السياسات العمومية الموجهة للقطاع الإجتماعي والعمل على انصهارها في بوثقة واحدة.
وأهمها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، حيث أعطيت انطلاقة المرحلة الثالثة: 2019-2023، بما تحمله من مستجدات نوعية على جميع الأصعدة، عمدت الى الحفاظ على المكتسبات ومعالجة الإختلالات في استحضار تام للتوجيهات الملكية،مع إعادة تركيز برامجها على تنمية رأس المال البشري، وتعزيز الأجيال الصاعدة ودعم الفئات في حالة الهشاشة، من خلال اعتماد نهج عالمي قائم على أربعة برامج متماسكة ومتكاملة تضمن مشاركة جميع الفئات الاجتماعية ’برنامج تدارك الخصاص على مستوى البنيات التحتية والخدمات الأساسية بالمجالات الترابية الأقل تجهيزا- مواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة- تحسين الدخل والإدماج الإقتصادي للشباب- الدفع بالتنمية البشرية للأجيال الصاعدة.
في هذاالصدد،السؤال المطروح كيف يمكن خلق التوازن بين المرحلتين السابقتين و المرحلة الثالثة، لتفعيل التدابير المكونة للبرامج الأربعة، أولا، من حيث النوعية والكمية،فيما يتعلق بالحد من معدلات الفقر،الهشاشة وتحسين المؤشرات الاجتماعية، وكذلك الإحصاءات المتعلقة بالفئات المستهدفة والمشروعات المنفذة والميزانيات المخصصة لهم، وثانياً، برفع التحديات التي تواجه تحسين إنجاز هذه البرامج، وتحقيق الأهداف المتوقعة على النحو الأمثل.
ولعل الخطاب الملكي لافتتاح الدورة الأولى من السنةالتشريعیة الثالثة من الفصل العاشر، يشكل إجابة و دعوة لجمیعا لفاعلین للعمل،وفق مقاربة تشاركیة وتضامنیة لمواجھة التحديات.
فالإشارات الملكیة كانت واضحة نحو إعادة النظر في النموذج التنموي المغربي، حیث يتعین على جميع الفاعلين السياسيين، الاقتصاديين، و الاجتماعيين، التقاط ھذه الرسائل والتفاعل معها إيجابیا، لبلورتھا في إطار خارطة طريق تحدد فیھا الخطوط العريضة لنموذج تنموي مغربي، يستجیب لحاجیات المواطنین، قادر على الحد من الفوارق والتفاوتات، وعلى تحقیق العدالة الاجتماعیة والمجالیة ومواكبة التطورات الوطنیة والعالمیة.
ويتضح مما سبق، أن الأمر لا يتعلق فقط بإتباع سياسات فعالة ذات نهج اجتماعي ومتكامل، بل أيضاً تعبئة الموارد، وتوحيدها.
فالمغرب يزخر بكثير من الموارد الطبيعية، البشرية الغير المستغلة، مما يتطلب توجيهها في تحقيق التوازن و التنمية، عبر توفير الفرص للمواطنين واستفادة جميع المغاربة على قدم المساواة بخيرات وثروات البلاد، مع تجديد روح التعبئة الوطنية لدى جميع الفئات؛ الحكومة، البرلمان، النقابات، الأحزاب والمقاولات، إلى جانب المجتمع المدني، اعتبارا للعلاقة الجوهرية القائمة بينه وبين الساكنة، فالمؤسسة الجمعوية مطالبة أيضا بالتحول الفعلي إلى فاعل تنموي حقيقي يقوم ببذر المشاريع التنموية ورعايتها و تسليم حصادها إلى الساكنة و الفئات المستهدفة المعنية، باعتماد المقاربة التشاركية و الالتقائية بين مختلف الفاعلين المؤسستين، الاقتصاديين و النخب السياسية. و العمل على ترسيخ ثقافة تنموية تضامنية و اجتماعية حقيقية لدعم الرأسمال البشري ركيزة أساسية لأي تنمية. فهو ليس وسيلة بل غاية، وينبغي أن تكون رفاهيته الهدف الرئيسي لأي سياسة تنموية. وبعبارة أخرى، فنجاح هذه الثقافة لن يتأتى إلا من خلال ممارسة علمية لصياغة، تنفيذ و متابعة المشاريع التنموية.
لكن يبقى على الجميع تحمل المسؤولية، مسؤولية الانخراط و العمل في صیاغة السیاسات العامة، والمساھمة في بناء النموذج التنموي المغربي.