يوسف الغدواني: إشكالية الاعتداء المادي على الأملاك الوقفية العامة وسؤال الحماية في ضوء مدونة الأوقاف والعمل القضائي المغربي
يوسف الغدواني خريج ماستر الوسائل البديلة لتسوية النزاعات بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، إطار لدى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
مقدمة :
إن الأموال كافة من منقول وغير منقول إنما خُلقت للانتفاع بها، كما أشار إليه قوله تعالى في محكم تنزيله: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا}[1]. والمعلوم أن الشرائع والقوانين حصرت بطريق الاستقراء كل أسباب انتقال الأموال من يد إلى يد بطرقٍ عادلةٍ لا جور فيها، ما دام أن هاته الأموال بطبيعتها قابلةً لورود الملكيات عليها، فليس شيء منها في الأصل محبوساً عن التداول، فإذا بدا لأحد أن يحبس بعض أمواله عن التداول فلا يتملكها أحد بل تبقى محجورةً عن ذلك، فلا يمسها أي سبب من الأسباب الناقلة للملكية وإنما ينتفع بها فقط في وجوه معينة،[2] فهذه حالةٌ استثنائيةُ في المال سميت حبساً أو وقفاً[3].
ولا شك أن الأملاك الوقفية العامة تعود ملكيتها للأوقاف العامة[4]، حيث تسهر نظارات الأوقاف نيابةً عن السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف على تسيير واستغلال ومراقبة هاته الأملاك من أي اعتداءٍ قد تتعرض له، خصوصا أن هاته الأملاك ليس بمنأى عن الاعتداء، إذ تلجأ بعض الإدارات العمومية لإقامة المشاريع عليها دون وجه حق وحياداً عن مسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة.
ولما كانت الإدارات العمومية تحتاج إلى وعاءٍ عقاري من أجل أدائها لمهامها تحقيقاً للمنفعــــة العامة، فإن هاته العقارات قد تكون أملاكاً وقفيةً، ومن ثم فالأصل أن تلجأ الإدارة لطلب اقتناء هذا الملك من إدارة الأوقاف بالمراضاة وفق مسطرة المعاوضة أو الاتفاق المباشر، وحق لها استثناءً اللجوء في حالة المنفعة العامة القصوى لمسطرة نزع الملكية وذلك وفق مقتضيات القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت مع مراعاة طبيعة وخصوصية هاته الأملاك والمحددة في مدونة الأوقاف[5]. إلا أنه رغم وجود قانون يؤطر مسطرة نزع الملكية، وكذا رغم بساطة مسطرة الاتفاق المباشر لحصول الإدارة على الملك الوقفي[6] لتسخيره في المنفعة العامة، فإن بعض الإدارات تلجأ لإقامة مشاريعها على الأملاك الوقفية دون سلوكها مسطرة الاقتناء بالمراضاة أو مسطرة نزع الملكية، الأمر الذي يجعل فعلها هذا يشكل اعتداءً مادياً على هاته الأملاك حتى ولو كان هدفه – أي فعل الإدارة – تحقيق المنفعة العامة، الأمر الذي يمنح للجهة المعتدى على أملاكها – الأوقاف العامة – سلوك طريق القضاء للمطالبة بالحماية القانونية والقضائية لأملاكها.
ولقد عرف بعض الفقه القانوني الاعتداء المادي[7] بأنه: «تصرف يصدر عن الإدارة أثناء قيامها بنشاط مادي تنفيذي يتسم بعدم المشروعية الجسيم والظاهر لاعتدائه على حق الملكية الخاصة أو مساسه بحرية من الحريات المصونة دستوريا، فهو كل عمل لا صلة له مطلقا بتطبيق نص قانوني أو تنظيمي، أو حتى بإحدى الصلاحيات المسندة للإدارة، والذي لا يمكن اعتباره عملا ذي طبيعة إدارية يمكن إدراجه ضمن ممارسات السلطات الإدارية»[8]، أو كما يقول الدكتور مصطفى كيرة بأن الاعتداء المادي هو «الاعتداء على القانون» .[9]
وفي غياب التعريف التشريعي للاعتداء المادي فقد عرفه القضاء المغربي بأنه:” كل عملٍ منقطع الصلة بالمشروعية”[10]. وفي مقرر آخر عرف بكونه:”كل عمل يستعصي إدخاله ضمن ممارسة السلطة العامة يتمثل في نشاط مادي تنفيذي عديم الصلة بأي نص قانوني تشريعي أو تنظيمي”[11]. كما عُرفته إدارية وجدة بأنه:” القرار النافذ المعدوم أو الفعل المادي الذي تقوم به الإدارة والذي يتضمن اعتداءً مادياً صارخاً وجسيماً في مخالفته للمشروعية ويقع على الملكية الخاصة أو على الحرية الفردية[12].
وتعد نظرية الاعتداء المادي من أدق وأصعب النظريات الفقهية في القانون، وقد نشأت في فرنسا لظروف تاريخية قصد توفير مزيد من الحماية العامة والملكية الفردية في فترة لم يكن القضاء الإداري يوفر نفس الضمانات التي كان يوفرها القضاء العادي،[13] فقد ابتدع القضاء الفرنسي هذه النظرية للإلتفاف على المنع القانوني القاضي بعدم جواز عرقلة عمل الإدارة من طرف القضاء. ومفهوم هاته النظرية أن الإدارة كلما أتت عملاً مادياً عديم الصلة بالقانون إلا ونزعت عن نفسها الصبغة الإدارية، مما يجب معه معاملتها والخواص سواء سواء[14].
وعلى هذا الأساس حق لنا طرح إشكالية جوهرية مفادها إلى أي حد وُفق المشرع ومعه القضاء في تكريس حمايةٍ ناجعةٍ للأملاك الوقفية العامة من أي اعتداءٍ مادي عليها مـن طرف الإدارات العمومية؟
إجابةً عن هذه الإشكالية ارتأينا أن نعالج الموضوع وفق التصميم التالي:
- المبحث الأول : أحكام الاعتداء المادي على الأملاك الوقفية العامة
- المطلب الأول : عناصر قيام الاعتداء المادي
- المطلب الثاني : الجهة المختصة بالنظر في دعاوى رفع الاعتداء المادي
- المبحث الثاني : آثار الاعتداء المادي على الأملاك الوفقية العامة
- المطلب الأول : التعويض عن الاعتداء المادي لفائدة الأوقاف العامة
- المطلب الثاني : نقل الملكية كآثرٍ مترتب عن الاعتداء المادي
المبحث الأول : أحكام الاعتداء المادي على الأملاك الوقفية العامة
إن قيام الإدارة بمهامها ذات المنفعة العامة يجب أن يكون داخلاً في إطار المشروعية، مادام أننا في دولة الحق والقانون، لأن شرعنة العمل غير المشروع الذي تقوم به الإدارة على أساس المنفعة العامة من شأنه أن يهدر حقوق الأشخاص، ومن ثم ضياع المصلحة الخاصة على صالح المصلحة العامة، وذلك على اعتبار أن مبدأ الخضوع للشرعية يفرض على الجميع أفرادا وإدارات الانضباط والتقيد بالقانون بمفهومه الواسع. فاللجوء إلى الاعتداء المادي ما هو إلا نقطة ضعف في التصرفات التي تقدم عليها الإدارة كما عبرت على ذلك مؤسسة وسيط المملكة[15].
ولما كان للإدارة إطارا قانونيا يسمح لها بنزع ملكية العقارات دون رغبة أصحابها بغية أدائها لمهامها ذات المنفعة العامة، فإن بعض الإدارات تسرع في الشروع في إجاز مشاريعها حيادا عن ضوابط هذا القانون، رغم أن هذا القانون يمنح ضمانات للإدارة نازعة الملكية تحرم نفسها من الاستفادة منها وتلجأ إلى الاعتداء المادي[16] لأنه في نظرها أسرع لتحقيق المبتغى.
وعلى هذا الأساس ارتأينا أن نقسم المبحث إلى مطلبين، نعالج في الأول عناصر قيام الاعتداء المادي على الملك الوقفي، على أن ننتقل لمطلبٍ ثانٍ لنتاول فيه الجهة المختصة بالنظر في دعاوى رفع الاعتداء المادي.
المطلب الأول : عناصر قيام الاعتداء المادي
إن الحديث عن عناصر قيام الاعتداء المادي أمر ضروري نظراً لتعدد الأفعال التي تشكله. ومن ثم فلقيام واقعة الاعتداء المادي وجب توفر عدة عناصر يقوم الاعتداء المادي بوجودها وينعدم بانعدامها، ويمكن إجمالها عمليا في مايلي:
أولا : قيام الإدارة بوضع يدها على العقار الوقفي دون وجه حق
إن واقعة الاعتداء المادي على الأملاك الوقفية العامة تتحقق في حالة لجوء الإدارة لأدائها لمهامها ذات المنفعة العامة وتشرع فيها بوضع يدها على الملك الوقفي المملوك للأوقاف. وبمفهوم المخالفة أن الإدارة لا تكون معتدية إذا لم تضع يدها على هاته الأملاك ولم تشرع في القيام بمهامها ولو كانت مبدئيا فوق أراضي الأحباس، لأن ما يبرر تحقق الاعتداء هو الشروع في إعداد المشروع فعلياً دون احترام القانون.
والشروع في إعداد المشروع قصد تحقيق المنفعة العامة معناه البدء الفعلي فيه على أرض الواقع كالبناء مثلا أو البدء في بناء خزان مائي أو البدء في إعداد طريق على أراضي الأحباس دون نزع ملكيتها وفق القانون، إذ أن الإدارة تتواجد في العقار الوقفي تواجدا دائما، أما إذا كان تواجدها مؤقتا فالقانون يستبعد بعض الأعمال التي تقوم بها لإعداد المشروع من الأفعال المكونة للاعتداء المادي واعتبرها حالات للاحتلال المؤقت وليس الدائم، حيث إن الدراسات والأعمال التحضيرية للأشغال العامة والإيداع المؤقت للآلات والمواد والقيام بالأوراش والطرق الضرورية لإنجاز المشروع أو استخدام بعض المواد وذلك طبقا للفصل 50 من القانون المتعلق بنزع الملكية فهي لا تشكل اعتداءً مادياً، لكن بمجرد تواجد الإدارة المعتدية في الملك الوقفي تواجداً دائماً من خلال بدئها فعليا في المشروع دون سلوك المساطر القانونية آنداك تتحقق واقعة الاعتداء المادي.
فقد جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش ما يلي:” إن وضع الإدارة يدها على العقار دون اتفاق بالمراضاة أو سلوك مسطرة نزع الملكية يعد غصباً واعتداءً مادياً على ملك الغير”[17].
ثانيا : أن تحيد الإدارة عن مسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت
إن الاعتداء المادي هو عمل منقطع الصلة بالمشروعية تقوم به بعض الإدارات بغية تحقيق أهدفها، وعمل الإدارة يشكل اعتداءً مادياً متى كان خارجاً عن ضوابط قانون نزع الملكية والاحتلال المؤقت، وبمفهوم المخالفة إذا كان فعل الإدارة تم وفق القانون من خلال سلوك مسطرة نزع الملكية والإحتلال المؤقت، فإن عملها هذا لا يشكل اعتداءً مادياً.
ومن ثم يكون عمل الإدارة مشروعاً متى تم وفق مقتضيات قانون نزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت، إلا أنه ما يجب التنبيه إليه أن شروع الإدارة في مشروعها بمجرد صدور مرسوم نزع الملكية دون استكمالها باقي إجراءات الإذن بالحيازة ونقل الملكية لا يضفي المشروعية على عملها، وإنما يعد اعتداء ماديا مادام أنها لم تستكمل المسطرة القانونية قبل الشروع فعليا في المشروع. فقط جاء في قرار لمحكمة النقض مايلي :“لكن حيث إن مجرد صدور مرسوم نزع الملكية وقبل استكمال باقي إجراءات الإذن بالحيازة ونقل الملكية يجعل وضع الإدارة يدها على العقار اعتداء ماديا. والمحكمة لما ردت الدفع المثار بهذا الخصوص بما جاءت به من أن “الثابت من وثائق الملف أن الإدارة المستأنفة قد وضعت يدها على العقار المتنازع بشأنه دون وقوع اتفاق بالمراضاة مع مالكه ودون سلوك مسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة الأمر الذي يعد غصبا واعتداء ماديا على العقار المذكور، وأن احتجاج الإدارة بشروعها في المسطرة الإدارية لنزع الملكية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينزع عن تصرفها هذا صبغة الغصب ولا يصحح ما قامت به من عمل غير مشروع…” تكون قد بنت تعليلها المنتقد على أسس سليمة، مادام أن المشرع قد نظم مسطرة نزع الملكية ولم يقصرها على المسطرة الإدارية منها وإنما كذلك على وجوب التعاقد مع المالك بالمراضاة إن أمكن، وإلا الحصول على الإذن بالحيازة ونقل الملكية عن طريق المسطرة القضائية، وهو الشيء غير المتحقق في النازلة، ومن ثم الفرع من الوسيلة غير جدير بالاعتبار”[18].
وبدورنا نؤيد هذا الموقف القضائي على اعتبار أن قانون نزع الملكية له ضوابط وجب أن تحترم تحت طائلة اعتبار عمل الإدارة عملاً يدخل في زمرة الأفعال التي تُكون واقعة الاعتداء المادي، وأن هناك قاعدةٌ فقهيةٌ تقول:” أن من استعجــل بالشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه”. ومن ثم فاستعجال الإدارة في تنفيذ المشروع دون استكمال الإجراءات القانونية يقابله اعتبارها معتدية على الملك الوقفي، وفي هذا الصدد جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى سابقا (محكمة النقض حاليا) مايلي:” إن نقل ملكية عقار في إطار نزع الملكية الجبري لا يتم إلا في إطار المسطرة القانونية المنصوص عليها في القانون رقم 7.81 استنادا إلى أحكام الدستور التي تقضي بأن حق الملكية مضمون وأن القانون وحده هو الذي يحد من مداه، وأن الإدارة حينما تقوم بالاستلاء على ملك الغير خارج الإطار القانوني المشروع، فإن عملها هذا يشكل اعتداء ماديا لا يمكن للقضاء أن يكرسه ويضفي المشروعية عليه”[19].
ويتبين من خلال مجموعة من الأحكام القضائية أن مجرد تخصيص عقار للمنفعة العامة في تصميم التهيئة لا يعفي الإدارة من اتباع إجراءات نزع الملكية واستصدار الإذن بالحيازة أو الاتفاق على نقل الملكية بالتراضي، وإلا كانت في حالة اعتداء مادي تستوجب المساءلة والتعويض، وهذا ما جاء في حيثيات قرار صادر عن محكمة النقض:“لكن حيث إنه لا يكفي لإضفاء المشروعية على وضع الإدارة يدها على عقار الغير مجرد كونه مخصصا في إطار تصميم التهيئة كمرفق عمومي وكونها شرعت في سلوك المسطرة الإدارية لنزع ملكيته باستصدار أمر قضائي بحيازته وتقديم طلب من أجل الحكم بنقل ملكيته لها، وأن كل تصرف من الإدارة خارج هذا الإطار يشكل اعتداء ماديا يخول مالك العقار الحق في المطالبة بالتعويض عن الضرر الناتج عنه، والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما ثبت لديها وضع الإدارة يدها على عقار المطلوبين في النقض قبل استصدار أمر بحيازته ورتبت على ذلك اعتبار الإدارة في وضعية الاعتداء المادي تكون قد سايرت مجمل ما ذكر وعللت قرارها بهذا الخصوص تعليلا سليما“[20].
كما أن الاعتداء المادي ليس دائما يكون في صورة فعل مادي، إذ يمكن تصور تحقق واقعة الاعتداء المادي من خلال فعل سلبي أي امتناع الإدارة عن القيام بفعل، كما هو الحال بالنسبة لامتناع الإدارة عن تفعيل آثار تصميم التهيئة رغم مرور مدة 10 سنوات المحددة قانونا طبقا للمادة 28 من القانون رقم 12-90 المتعلق بالتعمير، فقد جاء في حيثيات حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط مايلي:”وحيث تبين لنا نحن قاضي المستعجلات من خلال ظاهر الوثائق والمعطيات المتوفرة أن المطلوب ضدها التي سبق لها أن استفادت من تخصيص هذا العقار لمصلحتها بمقتضى تصميم التهيئة المشار إلى مراجعه أعلاه والذي انتهى مفعوله حقا منذ 2010/01/18 تاريخ انصرام أجل 10 سنوات المقرر بمقتضى الفصل 28 من قانون التعمير ودون أن تبادر الجهة المذكورة إلى سلوك المسطرة القانونية لنزع الملكية من أجل المنفعة العامة، فإنه بمجرد حلول التاريخ المذكور تكون قد أضحت في حكم المعتدي ماديا على العقار المملوك للطالبة لعدم استناد إصرارها على الاستمرار في وضع يدها على ذلك العقار إلى أي مقتضى قانوني أو تنظيمي ولمساس هذا التصرف بحق الملكية المضمون بمقتضى الدستور، لذلك ارتأينا الأمر استعجاليا برفع هذا الاعتداء المادي استجابة للطلب سيما وأن عنصر الاستعجال متوفر في نازلة الحال“[21].
ثالثا : أن يكون الملك المعتدى عليه ملكاً عائداً للأوقاف العامة
من الطبيعي لتحقق الاعتداء المادي على الأملاك الوقفية العامة أن يكون هذا الملك ملكاً عائداً للأوقاف العامة، ولا يشترط فيه أن يكون محفظاً لتحقق الاعتداء المادي. وإعمالا للقاعدة القائلة بأن: لا تعجيز في الحبس أي لا تعجيز ولا تضييق في إثباته، فإنه بمجرد إثبات[22] الصفة الوقفية للملك ولو بشهادة السماع[23] تكون إدارة الأوقاف محقة في طلب التعويض عن الاعتداء المادي ورفعه.
فإذا قامت الإدارة باحتلال ملك إدعت إدارة الاوقاف بأنه ملك عائد الأوقاف العامة، فالتساؤل الذي يطرح مفاده : هل إدارة الأوقاف تتقدم بداية بدعوى ثبوت الوقف أمام القضاء المدني لتثبت أن الملك هو ملك حبسي أولا وبعد ذلك تتقدم بدعوى الاعتداء المادي على ملكها؟ أم أنها تتقدم مباشرة بدعوى الاعتداء المادي أمام القضاء الاداري طالبة الحماية القانونية، خصوصا حينما يكون العقار غير محفظ لكنه مسجل في السجل الأملاك الوقفية لدى النظارة؟
جوابا عن هذا التساؤل يمكن القول أن إدارة الأوقاف تتقدم مباشرة بدعوى رفع الاعتداء المادي، وليست ملزمة بتقديم دعوى ثبوت الصفة الوقفية للملك أمام القضاء العادي، ما دام أنها تعزز طلبها الرامي إلى رفع الاعتداء المادي بالوثائق التي تثبت ملكية الأوقاف كرسم التحبيس مثلا أو اللفيف العدلي أو رسم التصفح…إلخ. فالقضاء الإداري إذا ما ثبت له صحة ما تدعيه الأوقاف وصحة وثائقها التي تثبت الملكية وأن الإدارة التي احتلت الملك لا سند لها ولا حجة لها تبرر دخولها للملك يحكم لصالح الأوقاف، ويقرر أن الإدارة فعلا قد اعتدت على الملك الوقفي.
رابعا: ألا تكون الإدارة قد قامت باقتناء الملك الوقفي بالمراضاة
إن ما يبرر دخول الإدارة إلى أملاك الأحباس هو القانون، فحينما يتم الإعلان على أن المنفعة العامة تقتضي الحصول على أملاكٍ من بينها أملاك الأحباس العامة لإنجاز المشروع، فعلى الإدارة المكلفة بإنجاز المشروع طلب اقتناء هاته الأملاك بالمراضاة مبدئيا، ولا تلجأ لنزع الملكية إلا في حالة الضرورة القصوى، ما دام أن نزع الملكية هي مسطرة استثنائية لا يتم اللجوء إليها إلا في حالة تعذر اقتناء الملك بالمراضاة أو في حالة رفض الجهة المالكة للعقار طلب الإدارة الملكفة بالمشروع لسبب من الأسباب، وغالبا ما يكون هذا السبب هو ضآلة التعويض التي تحدده اللجة الإدارية للتقويم عند تقدير قيمة العقار.
ولا شك أن الاقتناء بالمراضاة للملك الوقفي ليس بيعاً عادياً، لعلة أن الأملاك الوقفية العامة لا تقبل التفويت، ولكن لاقتنائها يتم اللجوء لمسطرة المعاوضة أو الاتفاق المباشر طبقا للضوابط المحددة في مدونة الأوقاف، فالإدارة إذا ما اقتنت الملك الوقفي عن طريق مسطرة المعاوضة أو الاتفاق المباشر وتمت المسطرة وفق ما هو محدد في مدونة الأوقاف فلا تكون معتدية إذا ما دخلت للأرض الوقفية التي قامت باقتنائها، في أفق أن تنقل لها ملكية القطعة محل المعاوضة أو الاتفاق المباشر بظهير شريف يصدره جلالة الملك نصره الله أو وفق ما نصت عليه المادة 64 من مدونة الأوقاف.
فقد جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش ما يلي:” إن وضع الإدارة يدها على العقار دون اتفاق بالمراضاة أو سلوك مسطرة نزع الملكية يعد غصباً واعتداءً مادياً على ملك الغير”[24].
المطلب الثاني : الجهة المختصة بالنظر في دعاوى الاعتداء المادي
إن الأوقاف العامة حينما تتعرض أملاكها لأي اعتداءٍ مادي من طرف إدارة عمومية تلجأ إلى القضاء طالبةً الحماية القانونية والقضائية لأملاكها من العمل غير المشروع التي قامت به الإدارة. ومن ثم فتدخل القضاء الإداري باعتباره الجهة القضائية المختصة في دعاوى الاعتداء المادي يكون إما تدخلاً استعجالياً أما تدخلاً كقضاء الموضوع.
الفقرة الأولى: التدخل الاستعجالي للقضاء الإداري
إن رئيس المحكمة الإدراية الابتدائية أو رئيس القسم الإداري بالمحكمة الابتدائية[25] يختص كقاضٍ للأمور المستعجلة حينما يقدم له طلب من طرف الأوقاف العامة في شخص ممثلها قصد إيقاف الأشغال التي تنجز فوق أرضها، والتي يكون أساسها الاعتداء المادي لا القانون، ما دام أن الطلب هو طلبٌ يتضمن عنصر الاستعجال وهو الخطر المحدق الذي تتعرض له أراضي الأوقاف جراء الاعتداء عليها، كما أنه -أي الطلب – يتميز بالجدية إذ أن البناء أو إقامة أي مشروع فوق أراضي الأوقاف العامة دون سلوك المساطر القانونية يلحق بها حتما ضرراً بليغاً. ومن ثم توفر عنصر الاستعجال وجدية الطلب يجعلان رئيس المحكمة الإدراية الابتدائية أو رئيس القسم الإدراي بالمحكمة الابتدائية هو المختص بالنظر في هاته الطلبات بصفته الاستعجالية. خاصة أن رئيس المحكمة لا يبت في الجوهر وإنما يقضي بإجراءات وقتية تحفظية حفاظا على الوعاء العقاري الوقفي إلى حين البت في الموضوع، وهو جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط تحت عدد 1بتاريخ 8/1/2007 في الملف 20/06/2 ورد فيه مايلي:” »إن الخطر المحدق بصاحبة العقار يتمثل في قيام (وزارة ..) بالبناء فوق العقار المذكور دون سلوك المسطرة القانونية، مما يجعل الإجراء الوقتي المطلوب المتمثل في إيقاف الأشغال يتوفر فيه عنصر الاستعجال، لأن التمادي فيالبناء قد يزيد من الضرر الالحق بصاحب الملك (المستأنف عليها)، كما أن الإجراء المطلوب لا مساس له بجوهر الحق، فيكون الاختصاص بالتالي منعقدا لقاضيالمستعجالت للأمر بإيقاف أشغال البناء الجارية على أرض المسأنف عليها وله مايبرره واقعا وقانونا، خصوصا و أن الظاهر من وثائق الملف أن الأشغال ما زالت جارية ولم تشرف على نهايتها«.[26]
وتجدر الإشارة أن رئيس المحكمة الإدارية أو القسم المتخصص يستمد اختصاصه هذا من اختصاص قضاء الموضوع، فمادام أن قضاء الموضوع (القضاء الإدراي) هو المختص في رفع الاعتداء المادي، فإن رئيس المحكمة الإدراية أو رئيس القسم المتخصص هو المختص بالمآل في النظر في هاته الطلبات. فقد جاء في أمرٍ صادرٍ عن رئيس المحكمة الإدراية بوجدة مايلي :”وحيث إنه بالرجوع إلى وثائق الملف يتضح أن الدفع المستمد من عدم اختصاص قاضي المستعجلات للبت في طلب إيقاف الأشغال يبقى مردوداً على اعتبار أن الإجتهاد القضائي استقر على أن القضاء الإداري هو الجهة المختصة للبت في قضايا الاعتداء المادي، وأن قاضي المستعجلات الإداري يستمد اختصاصه النوعي من محكمة الموضوع، وبذلك يبقى هو المختص بالبت في طلب إيقاف الأشغال كلما تبين أن الأمر يتعلق باعتداءٍ مادي بينٍ لا يمكن تدارك نتائجه في المستقبل في حالة استمراره”[27].
ولما كانت بعض الإدارات العمومية تلجأ للطعن بالاستئناف في الأوامر القاضية بإيقاف الأشغال بغية تمديد المسطرة إلى حين انتهاء البناء أو المشروع الذي تقوم به، وبالتالي يستحيل إرجاع الحال إلى ما كانت عليه، خصوصا أن المشاريع التي تقوم بها الإدارات العمومية والتي تهدف الى تحقيق المصلحة العامة تكون كبيرة وذات ميزانية كبيرة، وأن هناك من يذهب وينتقد هذا الموقف ويعتقد أنه وجب التنصيص على عدم إمكانية السماح بالطعن بالاستئناف في هاته الأوامر حتى نتجنب الآثر الموقف للاستئناف – أي الآثر الموقف للتنفيذ – وبالتالي عدم التنفيذ إلى حين البت في الاستئناف وصدور القرار الاستئنافي. لكنه بالتمعن في المادة الإجرائية المدنية نجد أن الطعن بالاستئناف لا يوقف تنفيذ الأوامر القاضية بإيقاف الأشغال، اعتبارا لكون أنها أوامر استعجالية، والحال أن هاته الأوامر تكون مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون[28]، وأن الطعن فيها بالاستئناف لا يعطل تنفيذها، فحينما نكون أمام أحكام مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون فإن الآثر الموقف لطعن بالتعرض والاستئناف لا يبقى له مفعول، كما أنه لا حاجة لذكر هذا النفاذ في منطوق هاته الأوامر ليكون له آثره، لأنه نفاذ بقوة القانون على خلاف النفاذ المعجل القضائي بنوعيه.
وبالتالي كلما تم إستصدار أوامر تقضي بإيقاف الأشغال فإن إدارة الأوقاف عليها أن تطلب تنفيذها فورا رغم الطعن فيها بالاستئناف. زيادة على ذلك فإن ما نعيبه هو عدم جعل هاته الأوامر – أغلبها – مشفوعةً بغرامةٍ تهديديةٍ في حالة الامتناع عن التنفيذ، الشيء الذي يجعل الإدارة المعتدية تمتنع عن التنفيذ وتستمر في مشروعها إلى حين البت في دعوى الاعتداء المادي موضوعا أمام قضاء الموضوع، وكأن هاته الأوامر ليست لها حرمتها وحجيتها. لذا نرى ضرورة إشفاع هاته الأوامر بغرامةٍ تهديديةٍ في حالة الامتناع عن التنفيذ أو في حالة التأخير، وذلك حماية للأملاك الوقفية العامة من جهة، واحتراما لحرمة وحجية تلك الأوامر من جهة آخرى.
وربَّ قائلٍ يقول أن تدخل محكمة الرئيس لإيقاف الأشغال من شأنه أن يتعارض مع مبدأ معروف في الميدان الإداري هو مبدأ عدم جواز إيقاف سير المرفق العام، وإن كنا نتفق مع فلسفة المبدأ على اعتبار أن المرفق العام يقدم خدمةً عامةً فمن غير الصواب أن يتم إيقاف أشغاله، فإننا نختلف حينما يكون أساس الأشغال ذات المنفعة العامة أساس غير مشروع، أي حينما تكون الإدارة معتديةً على الملك الوقفي العام، فمن العيب أن نضفي المشروعية على عمل الإدارة غير المشروع بـحجة الخدمة العامة، وحجتنا في ذلك أن مداخيل الأملاك الوقفية العامة لا تُصرف في مصلحةٍ خاصة، وإنما تصرف أيضا في صلب الشأن العام، على اعتبار أن مداخيل الأوقاف العامة تصرف من جديد على تحسين وضعية المساجد والبنيات الدينية التابعة للأوقاف، التي تعتبر وقفاً عاماً على عامة المسلمين وتحقق منفعة عامة. فالأوقاف العامة لا تروم ربحاً ولا تبتغي غنماً من الأملاك الوقفية ولا تسعى نحو تحقيق منفعةٍ خاصة.
ووجب التنبيه إلى أنه في حالة صدور أمر يقضي بإيقاف الأشغال وتم تنفيذه من طرف الإدارة المعتدية على الملك الوقفي بإيقاف الأشغال، وبعدها استأنفت أشغالها من جديد، فليس عيباً إجرائياً أن يقدم طلب جديد مجددا لإستصدار أمر استعجالي آخر يقضي بإيقاف الأشغال، ولا مجال للتمسك بسبقية البت في الطلب، فقد جاء في أمر قضائي مايلي :” وحيث إنه في ما يخص الدفع بسبقية البت في النازلة، فإنه لئن كان قاضي المستعجلات قد بت في الطلب بتاريخ 14/3/2007 القاضي بإيقاف الأشغال الجارية فوق أرض المدعية فإنه بعد اطلاعنا على ظاهر الوثائق ودراستنا لملابسات القضية فقد تبين لنا بأن الإدارة المطلوبة بعد تنفيذها للحكم الاستعجالي المذكور وإيقافها الأشغال كما هو ثابت من محضر التنفيذ، إلا أنها عمدت مجددا إلى استئناف الأشغال دون سند قانوني وخارج إطار المشروعية، مما يشكل اعتداء ماديا جديدا على نفس عقار المدعية يستدعي تدخل قاضي المستعجلات لوضع حد له، إضافة إلى إن الأحكام الاستعجالية تبقى ذات طبيعة وقتية، مما يكون معه هذا الدفع غير مبني على أساس ويتعين استبعاده كذلك[29].
الفقرة الثانية : تدخل القضاء الإداري كقضاء موضوع في دعاوى رفع الاعتداء المادي
إن اختصاص البت في دعاوى رفع الاعتداء المادي كان يعهد قبل صدور القانون 41.90 المتعلق بإحداث المحاكم الإدارية للمحاكم الابتدائية باعتبارها صاحبة الولاية العامة، دون طرح أي إشكال بخصوص مسألة المحكمة المختصة نوعيا، كما أن الأحكام التي تصدر عن المحكمة الابتدائية كانت تستأنف أمام الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) كجهة استئنافية لا كجهة للنقض، لأنه لم يكن هناك ما يعرف بمحاكم الاستئناف الإدراية، لكن مع صدور القانون المتعلق بإحداث المحاكم الإدارية طرحت مسألة من المحكمة المختصة نوعيا بالنظر في دعاوى الاعتداء المادي، هل يعود الاختصاص النوعي للمحكمة الابتدائية باعتبارها صاحبة الولاية العامة أم يعود للمحكمة الإدارية على اعتبار أن المعتدية إدارة عمومية وأن عملها فيه شبهة العمل الإداري؟ ومن ثم طفت إلى السطح مسألة تنازع الاختصاص بين القضائي العادي والقضاء المتخصص الإداري؟
فكان هناك اختلاف في المواقف بين من يعتبر المحكمة الابتدائية هي المختصة بحجة أن الاعتداء المادي لا يعد عملا إداريا حتى تختص المحاكم الإدارية، كما أن المادة 8 من قانون إحداث المحاكم الإدارية جاءت على سبيل الحصر في تحديد الاختصاص النوعي لا على سبيل المثال، وليس من بينها قضايا الاعتداء المادي. وبين من كان يعتبر أن المحكمة الإدارية هي المختصة نوعيا مدعما موقفه بأن قانون إحداث المحاكم الإدراية قد نقل الاختصاص من القضاء العادي إلى القضاء الإدري، كما أن المادة 8 أعلاه تستوعب في تفسيرها اختصاص المحاكم الإدراية في البت في طلبات رفع الاعتداء المادي[30]، إضافة إلى ذلك ليس هناك نص قانوني يمنع المحاكم الإدارية من البت في هاته الطلبات التي تعتبر في الأصل نزاعات إدارية بالطبيعة[31]. إضافة إلى ذلك أن هناك من ذهب إلى القول أنه وجب تعديل المادة 8 من قانون احداث المحاكم الإدارية وذلك بالتنصيص الصريح على اختصاص المحاكم الإدارية بالبت في قضايا الاعتداء المادي تلافيا للمواقف المتناقضة[32].
لكن وفي ظل هذا الاختلاف في المحكمة المختصة نوعيا، فإن القضاء المغربي قال كلمته وأسند الاختصاص للبت في طلبات الاعتداء المادي للمحاكم الإدارية وهو المستقر عليه حاليا، فقد جاء في قرار للمجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) مايلي :”حيث إن المشرع المغربي حين نقل اختصاص النظر في دعاوى التعويض عن الأضرار الناتجة عن الاعتداء المادي الممارس من طرف الإدارة إلى المحاكم الإدارية يكون بذلك قد نقل إلى هذه المحاكم وإلى رؤسائها اختصاص النظر في رفع الاعتداء المادي الممارس من طرف الإدارة”[33].
وتجاوزا لإختلاف المواقف في المحكمة المختصة نوعيا بالنظر في قضايا الاعتداء المادي فقد تدخل المشرع ونص صراحة في مقتضيات المادة 38 من مشروع قانون رقم 23-02 المتعلق بالمسطرة المدنية على اختصاص المحاكم الإدارية الابتدائية والقسم المتخصص بالنظر في قضايا الاعتداء المادي، وبالتالي يكون قد تجاوز الاراء المتضاربة في هذه النقطة.
ومن ثم فطلبات رفع الاعتداء المادي والتعويض عليه ترفع للمحكمة الإدارية المختصة نوعيا ومكانيا أي التابع لها الملك الوقفي المعتدى عليه، وذلك وفق المسطرة المحددة في قانون إحداث المحاكم الإدارية، بمعنى أن المسطرة تكون كتابية لا شفوية، وتعفى هاته الدعوى من أداء الرسوم القضائية، وهو ما جاء في المادة 151 من مدونة الأوقاف:”تعفى الأوقاف العامة، فيما يخص جميع تصرفاتها أو أعمالها أو عملياتها وكذا الدخول المرتبطة بها من كل ضريبة أو رسم أو أي اقتطاع ضريبي آخر يكون له طابع وطني أو محلي”.
وتجدر الإشارة أن القضاء الإداري هو المختص بالنظر في طلبات الاعتداء المادي، وأنه لا مبرر يقوم لاستبعاده من البت في هاته الطلبات على أساس أنها طلبات تعرقل عمل الإدارة، وأنه يمنع على القضاء ولو بصفةٍ تبعيةٍ النظر في طلبات من شأنها أن تعرقل عمل الإدارة كما جاء في الفص 25 من ق م م ، إلا أن المنع المذكور في هاته المادة يقتصر على عمل الإدارة المشروع، أما العمل غير المشروع مثل الاعتداء المادي يبت فيه القضاء الإداري ولا مجال للاحتجاج بمخالفة مقتضيات الفصل 25 أعلاه، فقد جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط مايلي:” وحيث إن من جهة ثانية فالفصل 25 من ق م م يخاطب أعمال الإدارة المشروعة المنجزة في إطار القواعد القانونية، أما إذا خرجت بتصرفها عن هذا المقتضى الذي يحكم هذا التصرف، فللقاضي التصدي لحماية حقوق الأطراف الذي مسهم ذلك، مما يبقى معه السبب المعتمد في هذا الصدد غير جدير بالاعتبار”[34].
المبحث الثاني : آثار الاعتداء المادي على الأملاك الوقفية العامة من طرف بعض الإدارات العمومية
إن تمتيع الإدارة بامتياز السلطة العامة ليس تشريفا لها وإنما يعد تكليفا ومسؤولية، حيث إن الإدارة عليها أن تتقيد بمبدأ الشرعية والمشروعية، فهذا الآخير يفرض عليها أن تتقيد بالقانون في نشاطها المادي أو عند اتخاذها أي قرار إداري. فالإدارة عندما يكون دخولها لملك الأوقاف غير معلوم ودون موجب حق مبررت ذلك بتمتعها باميتاز السلطة العامة وبالمصلحة العامة يكون عملها يشوبه العيب وعدم المشروعية، يبرر اعتبارها معتدية على الملك الوقفي ولو كان هدفها فعلا هو تحقيق المنفعة العامة.
فواقعة الاعتداء المادي ما هي إلا صورة للعمل غير المشروع الذي تقوم به بعض الإدارات العمومية، وذلك لعلة إعداد المهام المنوطة بها في وقت سريع دون انتظار سلوك المساطر القانونية. ومن ثم فمسؤولية الإدارة تكون مكتملةَ الأركان والشروط.
فحينما تعمد الإدارة إلى احتلال الملك الوقفي، وتلجأ إدارة الأوقاف لرفع دعوى الاعتداء المادي، فإن هناك أثرين مترتبان عن هذا الاعتداء دأب القضاء الإداري على ترتيبهما، ويتعلق الأمر بالحكم بالتعويض لفائدة الأوقاف العامة على إثر الاعتداء على ملكها (المطلب الأول)، وأيضا الحكم بنقل ملكية الملك الوقفي لفائدة الإدارة المعتدية مقابل التعويض (المطلب الثاني).
المطلب الأول : التعويض عن الاعتداء المادي لفائدة الأوقاف العامة
إن الإنسان مسؤولٌ عن أفعاله وأخطائه التي تلحق بالغير ضرراً مادياً كان أم معنوياً، ولجبر هذا الضرر الذي لحق الغير اعترف له الشارع والمقنن باستحقاق تعويضٍ شافٍ يجبر ضرره[35].
فالإدارة حينما تحتل الأملاك الوقفية العامة دون وجه حق وحياداً عن قانون نزع الملكية، فإنها تلحق بالأوقاف العامة ضرراً بليغاً، على اعتبار أن هاته الأملاك يعتمد على مداخيلها من أجل تحسين وضعية المساجد والمباني الدينية والثقافية التابعة للأوقاف، ومن ثم تكون الأوقاف العامة محقةً في طلب التعويض عن الاعتداء المادي يجبر الضرر الذي لحقها من جراء فقدانها لأملاكها المعتدى عليها.
فالقضاء الإداري باعتباره الجهة القضائية المختصة بالنظر في قضايا الاعتداء المادي استقر على أن الأوقاف العامة تكون محقةً في تعويض جراء اعتداء الإدارة على ملكها، لكن ما يطرح الإشكال هو هذا التعويض نفسه، فهل هو تعويضٌ عن الخطأ المرفقي للإدارة والمتمثل في واقعة الاعتداء المادي، وبالتالي قيام مسؤوليتها الإدارية عن خطئها المرفقي التي تتحمله الدولة[36]، أم أنه تعويض عن قيمة العقار الوقفي المعتدى عليه في السوق العقاري؟
جواباً عن هذا التساؤل يمكن القول من خلال الإطلاع على عدة مقرارات قضائية – التي تمكنا من الإطلاع عليها – أن التعويض المحكوم به لفائدة الأوقاف ضد الإدارة المعتدية هو تعويضٌ عن قيمة العقار الوقفي المعتدى عليه في السوق العقاري الذي فقدته الأوقاف، إذ لا يعتبر تعويضاً عن الضرر الذي لحق الأوقاف العامة جراء خطأ الإدراة والمتمثل في واقعة الاعتداء، وحجتنا في ذلك هي ملكية الملك الوقفي محل الاعتداء إذ لا تبقى للأوقاف العامة عند تعويضها، وإنما تُنقل للإدارة المعتدية، فإذا كان تعويضاً عن الضرر الذي لحق الأوقاف العامة إعمالا لقواعد المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ المرفقي فلم تنتزع منها ملكيتها لفائدة الإدارة المعتدية؟
ومن ثم نكون أمام عقد بيع خاص للملك الوقفي إن صح هذا التعبير دون إرادة إدارة الأوقاف، ومغلف – أي عقد البيع – بواقعة الاعتداء، إذ أن الأوقاف العامة تبقى طرفاً ضعيفاً في هذه النازلة، فلا هي مستحقةٌ لتعويضٍ شافٍ للضرر الذي لحقها من خطأ الإدارة أي إعمال قواعد المسؤولية الإدارية، ولا هي تبقى مالكةً لملكها الوقفي إذ تنقل ملكيته للإدارة المعتدية، وإن كان نقل الملكية في حد ذاته يطرح عدة إشكالات سنفصل فيها عند الوصول إليها. ومن ثم تكون الإدارة المعتدية هي المستفيدة في نازلة الحال إذ أنها تستفيد من العقار الوقفي العام عن طريق احتلاله وإقامة مشروعها عليه في وقتٍ وجيزٍ دون انتظارها سلوك المساطر القانونية، واستفادتها أيضا من نقل ملكيته إليها مقابل تعويض عن قيمة العقار الوقفي لفائدة الأوقاف العامة الذي قد يكون ضئيلاً وهزيلاً عن التعويض المحكوم به في إطار نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، الشيء الذي يدفعنا إلى التساؤل حول ما الغاية من وجود قانون يؤطر نزع الملكية (القانون رقم 7.81 ) إذا كانت الإدارة تستفيد من ملكية أراضي الغير دون سلوك ضوابط هذا القانون؟
وعلى أساس ما ذكر نقول في اعتقادنا أنه وجب تكريس حماية للأملاك الوقفية العامة من الخطأ المصلحي أو المرفقي الإدارة والمتمثل في واقعة الاعتداء دون وجه حق على الملك الوقفي، والذي تسبب لها – أي الأوقاف العامة – في ضررٍ متمثل في فقدانها لملكية الملك الوقفي وحرمانها من استغلاله، وذلك عن طريق تعويضها في إطار قواعد المسؤولية الإدارية دون حرمانها من ملكيتها، إذ أنه لا ضرر ولا ضرار والضرر يزال.
وربَّ قائلٍ يقول أن احتلال الإدارة للملك الوقفي هو عمل له غايةٌ نبيلةٌ وهي تحقيق المصلحة العامة، وأن الإدارة لا استفادة شخصية لها من هذا العمل، ومن ثم وجب التقليص في التعويض المحكوم به للأوقاف في إطار دعاوى الاعتداء المادي إسهاماً منها في تحقيق المنفعة العامة، إلا أن هذا القول يبقى مردوداً على اعتبار أن المنفعة العامة كما مرَّ معنا لا تضفي المشروعية على أعمال الإدارة غير المشروعة، لذا وجب الحكم بتعويضٍ كاملٍ للأوقاف يجبر ضررها من جراء فقدانها لعقارها وحرمانها من استغلاله، وهذا ما جاء في قرار لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط مايلي :”حيث إن عنصر المصلحة العامة لا تأثير له في تحديد التعويض طلما أن المستأنف لم يسلك مسطرة نزع الملكية”[37].
وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن التعويض عن الاعتداء المادي يحكم به من تاريخ تقديم المقال لا من تاريخ وقوع الاعتداء، وأن عدم تحديد تاريخ وقوع الاعتداء لا تأثير له في استحقاق التعويض من عدمه، إذ جاء في قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط السابق مايلي :”لكن حيث إنه من المستقر عليه فقهاً وقضاءً أن التعويض في إطار دعاوى الاعتداء المادي يحكم به من تاريخ تقديم المقال، ومن ثم فإن تحديد تاريخ الاعتداء لا تأثير له في تحديد التعويض، ويبقى هذا الشق من الاستئناف غير وجيه ويتعين استبعاده”[38].
وهو ما جاء في قرار لمحكمة النقض أيضا ورد فيه مايلي :”…فالتعويض يتم احتسابه وتقديره بحسب قيمة العقار من تاريخ رفع الدعوى للمحكمة وليس من تاريخ إنشاء المرفق العام، والمحكمة لما اعتبرت أن تاريخ الاعتداء المادي وعنصر المصلحة العامة لا تأثير لهما في تحديد التعويض في غياب سلوك الطالب لمسطرة نزع الملكية تكون قد راعت مجمل ما ذكر، مما يكون معه قرارها معللاً تعليلاً كافياً ومرتكزاً على أساس سليم، وما أثير بالوسائل دون أساس”[39].
والجدير بالذكر أن تحديد التعويض المستحق للأوقاف يحدد انطلاقاً من السلطة التقديرية للمحكمة بناء على خبرةٍ قضائيةٍ عقاريةٍ في الموضوع، حيث يعهد لخبير عقاري تقدير قيمة العقار انطلاقا من مجموعة من عناصر المقارنة كعقود البيع التي أبرمت حول عقارات توجد في نفس مكان العقار محل الاعتداء، كما أن محكمة النقض لا رقابة لها على هذه السلطة التقديرية، حيث ورد في قرار لمحكمة النقض مايلي:” لكن حيث إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه وفي إطار سلطتها التقديرية في تقييم نتيجة الخبرة والتي لا رقابة عليها في ذلك من طرف محكمة النقض”[40]. ولا يعني هذا أن قضاء الموضوع له سلطة مطلقة في تقدير التعويض دون أية رقابة، إذ عليه أن يعلل موقفه في تقدير التعويض، ويخضع لرقابة محكمة النقض في مدى تطبيقه للقانون من عدمه في تعليل تقدير هذا التعويض، جاء في قرار لمحكمة النقض مايلي: “وبخصوص التعويض فإن تحديده يبقى من صميم السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ولا رقابة عليها في ذلك من طرف محكمة النقض إلا بخصوص التعليل وهي في سبيل ذلك تستأنس بالأراء الفنية للخبراء فتأخذ منها ما تطمئن إليه في تكوين قناعتها وتطرح ما سواه…”[41].
ولا جرم أن نقول في هذا السياق أن التعويض المحكوم به في إطار دعاوى الاعتداء المادي هو تعويض ضئيل وغير ملائم لقيمة العقار الوقفي لا واقعيا ولا قانونيا، إذ نصادف عمليا أحكاما تحكم بدراهم معدودات للمتر المربع الواحد عند تقدير قيمة الملك الوقفي. ومن ثم فالقضاء غالبا ما يحكم بتعويض غير كافٍ وقد يكون غير متساوٍ مع التعويض المحكوم به في إطار مسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وهو ما يحدث إشكالية كبيرة على أرض الواقع والمتمثلة في عدم كفاية التعويض المحكوم به لفائدة الأوقاف العامة في اقتناء أرض أخرى حفاظاً على أصل الوقف واستمراريته، لأن من خصوصية الأملاك الوقفية أنها لا تفوت مثل باقي أملاك الخواص، فهي لا تفوت إلا بالمعاوضة نقدا أو بالمناقلة عينا أو التصرف فيها من خلال الشراكة مع القطاع العام أو الخاص لاستثمارها[42]، فكلما فقدت الأوقاف العامة ملكا لها في إطار الاعتداء المادي فهي ملزمة مبدئيا باقتناء أرض أخرى بالتعويض المحكوم به حفاظا على استمرارية الوقف. وشتانا بين قيمة التعويض المحكوم به في إطار دعاوى الاعتداء المادي وبين قيمة العقار الذي تريد الأوقاف اقتناءه.
ولا مناص من القول أن أغلب الأحكام الصادرة في دعاوى رفع الاعتداء المادي لا تقضي بمنح الفوائد القانونية لفائدة إدارة الأوقاف في حالة تأخر الإدارة المعتدية عن تنفيذ التعويض المحكوم عليها بأدائه لفائدة إدارة الأوقاف، معللة موقفها بأن الفوائد القانونية تمنح في حالة تأخير الإدارة في أداء مستحقات تكون عادة ناتجة عن التزام تعاقدي بين الطرفين وغير منازع في استحقاقها، فقد جاء في قرار لمحكمة النقض مايلي :” وحيث صح ما عابه المستأنف على الحكم المستأنف لما قرن الحكم بالتعويض بالفوائد القانونية، على الرغم من أن هذه الآخيرة تمنح عن تأخير من قبل الإدارة في أداء مستحقات تكون عادة ناتجة عن التزام تعاقدي بين الطرفين وغير منازع في استحقاقها”[43]، وهو ما جاء أيضا في قرار حديث لمحكمة النقض[44]. وإن كنا نآمل أن تشفع مثل هاته الأحكام بالفوائد القانونية في حالة تأخير الإدارة عن تنفيذ الحكم بالتعويض، لأن في أغلب الحالات تتأخر الإدارة عن التنفيذ دون سبب مشروع، وفي حالات آخرى مماثلة تمتنع الإدارة عن تنفيذ التعويض المحكوم به في غياب وسائل إجبار الإدارة على التنفيذ. والقول بأن الفوائد القانونية تمنح عن تأخير الإدارة عن أداء مستحقات تعاقدية غير منازع فيها ينطبق أيضا على التعويض المحكوم به للأوقاف العامة، لأن الحكم بتعويض الأوقاف يقابله إلزام للإدارة بأدائه ولو جبرا ويصبح التزاما عليها، كما أن التعويض المحكوم به يكون مستحقا للأوقاف وغير متنازع فيه ما دام أن الحكم القاضي به أصبح نهائيا وغير قابل للطعن، فقد أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 23/1/2014 حكما في الملف عدد 43/12/2013 قضى على المجلس البلدي برفع الاعتداء المادي الواقع على عقار المدعي مع أدائه تعويضا عن الأضرار المترتبة عن هذا الاعتداء قدره 300.000.00 درهم والفوائد القانونية من تاريخ الحكم”.[45]
ولا بد من الإشارة أنه بالإضافة إلى التعويض الذي يحكم به لفائدة الأوقاف جراء فقدها لرقبة ملكها المعتدي عليه، فإنه قد يحكم لها أيضا بتعويض عيني إن صح هذا التعبير متمثل في رفع الإعتداء المادي وإرجاع الحال إلى ما كانت عليه قبل الاعتداء. فقد جاء في حكم قضائي مايلي:” إن الاعتداء المادي المذكور يشكل خطأ مرفقيا تسبب بصفة مباشرة فيحدوث ضرر للمدعي، تمثل في فقد رقبة ملكه الذي انتزع منه، مما يوجب تعويضه عن الضرر الذي لحقه في هذا الشأن… مع الأمر برفع الاعتداء المادي على العقارين كتعويض عيني بإرجاع الأمور إلى الوضع الطبيعي الذي تقتضيه حماية حق الملكية باعتباره حقا دستوريا، وذلك ضمانا للتوازن بين حماية المال العام وحماية حقالملكية”[46].
واستنادا إلى ما سبق ذكره فإنه في حالة تحقق الاعتداء على الأملاك الوقفية فالمنطق القانوني يقول بالحكم لإدارة الأوقاف بتعويض عن حرمانها من استغلال ملكها المعتدى عليه، ويتم احتساب هذا التعويض من تاريخ وقوع الاحتلال إلى تاريخ إنشاء المرفق العام، وهو ما جاء في قرار لقضاء محكمة النقض ورد فيه مايلي :” حيث لئن كان يحق للمالك بأن يطلب تعويضا عن حرمانه من استغلال ملكه المعتدى عليه اعتداء ماديا وإزالة هذا الاعتداء، فإن ذلك مقيد بعدم إتمام المرفق العمومي عليه، حيث لا يمكنه حينئذ إلا المطالبة بالتعويض عن رقبة ما انتزع منه بصفة غير مباشرة حماية للمال العام مع تعويض عن الحرمان من استغلال عقاره منذ الاعتداء المادي إلى إتمام إحداث المرفق العام عليه”[47].
ويرى الأستاذ إبراهيم زعيم الماسي أن أنسب طريقة لتقييم التعويض عن الحرمان من الاستغلال هو معيار القيمةالكرائية،أي مجموع المبالغ الكرائية المتوقع الحصول عليها طوال فترة احتلال العقار فيما لو عرض هذا العقار للكراء[48].
المطلب الثاني : نقل الملكية كآثرٍ مترتبٍ عن الاعتداء المادي
إن ثان أثرٍ مترتبٍ عن دعوى الاعتداء المادي هو نقل ملكية العقار الوقفي لفائدة الإدارة المعتدية كما سبق الذكر، وإن كنا نستغرب من هذه المسألة، لأننا نعرف معرفة اليقين أن الملكية لا تنتقل إلا وفق القانون وبحكم القضاء[49]، وأن عمل الإدارة هنا يشكل اعتداءً مادياً خارجاً عن ضوابط القانون، ومن ثم لن يكون منطقياً ولا عدالةً أساساً لنقل الملكية[50]. وتجنبا لتكرار ما سبق ذكره عن نقل الملكية عند حديثنا عن التعويض عن الاعتداء المادي نتساءل حول الأساس الذي يعتمده القضاء الإداري في نقل ملكية الملك الوقفي لفائدة الإدارة مقابل تعويض الأوقاف؟
وباطلاعنا على عدة قرارات صادرة عن محكمة النقض باعتبارها أعلى هيئة قضائية بالمملكة، إذ تعمل على توحيد الاجتهاد القضائي بخصوص الأساس الذي تعتمده في نقل ملكية الملك الوقفي للإدارة المعتدية نجده يتعلق بقواعد الإثراء بلا سبب كمبدأ، إذ أنه حينما يحكم للأوقاف بتعويض عن الاعتداء المادي دون نقل الملكية لفائدة الإدارة في نظر هذا التوجه القضائي تكون قد أثرت دون سبب مقابل افتقار الإدارة. فقد جاء في قرار لمحكمة النقض مايلي:”حيث صح ما عابه الطالب على القرار المطعون فيه، ذلك أن المحكمة قضت بتعويض لفائدة المطلوبة في النقض عن احتلال ملكها مع احتفاظ هذه الآخيرة بعقارها ودون نقل الملكية إليه خلافاً لأحكام الإثراء بلا سبب، والتي تتمثل في النازلة في إثراء مالكة العقار لما قضى لفائدتها بتعويض عن الاحتلال مع الاحتفاظ بالملكية، ويقابله افتقار الطالب بحرمانه من انتقال الملكية إليه، وتقوم بينهما علاقة سببية مباشرة، ومن هنا فالقرار المطلوب نقضه لما قضى بالتعويض عن الاحتلال دون إشفاع ذلك بنقل الملكية لم يجعل أساسا لما قضى به ويتعين نقضه جزئيا”[51].
وتعليقا على هذا القرار في رأينا المتواضع، فإنه لا يمكن أن نؤسس نقل ملكية الملك الوقفي للإدارة المعتدية على العقار الوقفي على أساس قواعد الإثراء بلا سبب، وحجتنا في ذلك من جهة، أن نقل الملكية لا يتم إلا وفق القانون وبحكم القضاء وذلك إعمالا لقواعد قانون نزع الملكية وأحكام الدستور، وأن عمل الإدارة هنا يشكل عملاً خارجاً عن ضوابط القانون. ومن جهة آخرى، فإن إعمال قواعد الإثراء بلا سبب كأساس لنقل الملكية لا يكون صائباً في نازلة الاعتداء المادي، لأن من يثري إعمالاً للنصوص التي نظمت الإثراء بلا سبب في ق ل ع يجب أن يكون إثراؤه بغير سببٍ مشروع يبرر إثراؤه، وإنما يكون نتيجة تدخل المفتقر قصداً أو دون قصد، والحال أن إدارة الأوقاف أثرت بسبب مشروعٍ وموجودٍ فعلا وهو الضرر الذي لحقها جراء اعتداء الإدارة على ملكها، فلولا الاعتداء ما تحدثنا عن أي تعويض، خصوصا أن من شروط انتفاء الإثراء بلا سبب أن يكون الإثراء بفعل ضار وغير مشروع[52]، واعتداء الإدارة على الملك الوقفي لا يختلف فيه إثنان بـأنه فعل ضار وغير مشروع. من ثم فالعمل غير المشروع يكون سببا قانونيا يمنع الرجوع بدعوى الإثراء[53]. زيادة على ذلك أن من شروط تحقق الإثراء بلا سبب انتفاء خطأ المفتقر في نظر أغلب الفقه القانوني[54]، في حين أن الإدارة المعتدية تكون مخطئةً باعتدائها على الملك الوقفي دون احترام ضوابط القانون، وبالتالي كان افتقارها نتيجة خطأ قامت به، ومن ثم تكون مسؤوليتها عن الاعتداء المادي مكتملة الأركان. وعلى هذا الأساس حبذا لو جعل التعويض المحكوم به لفائدة الأوقاف تعويضاً لجبر ضررها جراء الاعتداء على ملكها وتغيير حالته، إذ من غير السليم في اعتقادنا أن نعتبر إدارة الأوقاف أثرت دون سببٍ حينما حكم لها بتعويض، لأنها لم تكون مهملةً ولا مخطئةً حينما اعتدت الإدارة على ملكها، وإنما تصدت لها، لكن بقي ذلك دون اعتبار.
وعليه يبقى الأساس الذي يعتمد عليه القضاء في نقل الملكية للإدارة المعتدية محل إعادة النظر في رأينا المتواضع، لأن الإثراء بلا سبب لا يعد سبباً من أسباب نقل الملكية من جهة، كما أن نقل الملكية على أساس قواعد الإثراء بلا سبب وإن سلمنا به فيجب أن يكون أساساً يُعتمد عليه في غياب خطأ المفتقر (الإدارة المعتدية)، والحال أن الإدارة حينما تحتل ملكاً حبسياً عاماً عمداً تكون أخطأت في عدم احترامها ضوابط القانون وكذا عدم احترامها حرمة وحجية المقرارات القضائية التي تقضي بإيقاف أشغالها، فاحتلالها لملك الأوقاف دون احترام القانون يجعلها متجاوزة في استعمال السلطة إلى أبعد تقدير.
وفي تجاهٍ آخر ذهبت محكمة النقض واعتبرت أن الحكم بتعويض للأوقاف العامة جراء الاعتداء المادي وحصولها عليه يفيد تنازلها الضمني عن ملكية الملك الوقفي، وأنها بمجرد حصولها عليه تكون قد رضيت بنقل الملكية للإدارة ضمناً، فقد جاء في حيثيات القرار مايلي :” في حين أن المطلوبة لما قدمت مقالها الرامي إلى الحكم لها بالتعويض عن قيمة العقار تكون قد رضيت ضمناً بانتقال ملكيته إلى الموجهة ضده دعوى المطالبة بالتعويض، أما القول بعدم نقل الملكية رغم الحصول على قيمة العقار ففيه مصادقة للمنطق القانوني واهدار لمجموعة من المبادئ العامة للعدالة من قبل ” لا ضرر ولا ضرار “و “أن الضرر لا يزال بمثله” و”أن الميسور لا يسقط بالمعسور”، وهي أمور لم يراعها القرار الذي جاء فاسد التعليل الموازي لانعدامه عرضة للنقض جزئيا بهذا الخصوص”[55].
فهذا الموقف الذي يأسس نقل الملكية على الرضا الضمني عند حصول إدارة الأوقاف على التعويض نختلف معه في اعتقادنا، لأن الرضا بالشيء هو القَبول به بإرادةٍ صريحةٍ لا يشوبها عيب من عيوب الإرادة، وأن السكوت لن يكون تعبيرا عن الرضا إلا في حالات حددها المشرع على سبيل الحصر، وليس من بينها أن حصول إدارة الأوقاف على تعويض يعني قبولها الضمني بنقل الملكية. فضلا عن ذلك أن إدارة الأوقاف تعبر مرارا وتكرارا في مذكراتها في إطار دعاوى رفع الاعتداء المادي عن تمسكها بعدم نقل الملكية حفاظا على وعائها العقاري وحفاظا على استمراريته. ومن ثم فالحكم بالتعويض لفائدة الأوقاف العامة جراء الاعتداء لا يعني قانوناً قبولها الضمني بنقل الملكية لأن لا أساس قانوني يبرر ذلك، فالأوقاف العامة تطالب بالتعويض على ضرر الذي لحقها على أساس قواعد المسؤولية الإدارية عن خطأ الإدارة والمتمثل في الاعتداء المادي على ملكها.
وتجدر الإشارة أن طلب نقل الملكية هو طلب من المعروف أن يقدم كأصل أمام المحكمة الابتدائية حتى يكون صائبا مناقشته استئنافا في شق الموضوع ونقضا في شق القانون، لكن ما الحال إذا ما أغفلت الإدارة المعتدية طلبه أمام المحكمة الابتدائية كطلب مضاد، فهل يحق لها طلبه لأول مرة أمام محكمة ثاني درجة؟
إن الجواب عن هذا التساؤل يكون واضحاً في ظل وجود الفصل 134 من ق م م الذي يؤكد أنه لا يجوز تقديم أي طلب جديد أمام محكمة الثاني درجة عند الطعن بالاستئناف، وأيضا الفصل 3 من ق م م الذي يؤكد أن القاضي ملزم بالبت في حدود طلبات الأطراف. وإذا اعتبرنا أن طلب نقل الملكية التي تغفل الإدارة طلبه ابتدائيا طلبا جديدا، فلا يمكن قانونا تقديمه أمام محكمة الثاني درجة، ولا حق للقاضي المستشار الاستئنافي مناقشته في المرحلة الاستئنافية إذا لم يناقش في المرحلة الابتدائية، لأنه مقيد بالبت في حدود طلبات الأطراف ولو كان الطعن بالاستئناف ينشر القضية من جديد أمام محكمة الثاني درجة، كما على القاضي المستشار الاستئنافي أن يحكم بعدم قبول الطلب كلما تبين له أن الطلب هو طلب جديد لتعلق ذلك بالنظام العام[56]. فقد جاء في قرار صادر عن محكمة النقض ما يلي :” وحيث من جهة ثانية فإن المحكمة لما قضت بتعويض عن فقد المطلوب ملكية عقاره المعتدى عليه ماديا من طرف الطاعن بعلة أنه لا يجوز البت إلا في حدود ما طلب طبقا للفصل 3 من قانون المسطرة المدنية، ولما لم يتقدم المستأنف خلال المرحلة الابتدائية بطلب نقل الملكية ولما كان من غير المسموح التقدم بطلبات جديدة خلال المرحلة الاستئنافية، فإن ما تمسك به المستأنف بهذا الخصوص مردود، تكون قد بنت قضاءها بهذا الخصوص على أساس القانون وما بالوسيلة على غير أساس“[57].
ويبدو أن قضاء محكمة النقض قد نهج نهجا آخر واعتبر أن طلب نقل الملكية طلباً مترتباً عن الطلب الأصلي وليس طلبا جديدا يمنع تقديمه أما محكمة ثاني درجة، فقد جاء في حيثيات القرار مايلي :” لكن حيث إن الطلبات المترتبة عن الطلب الأصلي لا تعتبر طلباً جديداً أمام محكمة الاستئناف، فما دامت المحكمة قد قضت للمدعي بالتعويض الذي اعتبرته قيمة العقار، فإنها ملزمة بالمقابل بالإستجابة لطلب نقل ملكية هذا العقار حتى ولو قدم الطلب بشأن ذلك لأول مرة أمام محكمة الاستئناف ولا يعتبر ما قضت به بهذا الخصوص استجابة لطلب جديد حتى ولو تعلق الأمر بعقار حبسي ما دامت الدولة هي التي تملكت العقار والأوقاف العامة ليست إلا فرعاً وإدارةً من إدارات الدولة”[58].
وعليه يمكن القول في رأينا المتواضع أنه لا يمكن أن نعتبر طلب نقل الملكية طلباً مترتباً عن الطلب الأصلي الذي هو طلب رفع الاعتداء المادي والتعويض عنه، فالواضح جليا أنه طلب جديد لا صلة له بالطلب الأصلي، والعلة في ذلك أن طلب نقل الملكية هو طلب من شأنه أن يحور موضوع النزاع على الحالة التي كانت عليه ابتدائيا[59]. وما تأسيس القضاء هذا إلا تكريسا لفلسفة تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، علماً أن الأملاك الوقفية العامة تهم الشأن العام أيضا لا الشأن الخاص، وأن الإدارة المعتدية وإدارة الأوقاف متساويتان مبدئيا في تحقيق المنفعة العامة إن صح هذا التعبير.
ورب قائل يقول أن تعويض الأوقاف العامة جراء الاعتداء على ملكها دون نقل الملكية للإدارة المعتدية سيؤدي حتما إلى خلق وضيعة غير قانونية، إذ أن الإدارة حينما تؤدي قيمة العقار المعتدى عليه تنتقل لها الملكية بالمآل، وأن المالك الأصلي (الأوقاف العامة) يفقد الملكية من خلال الحكم النهائي الصادر في دعوى الاعتداء المادي والقاضي بالتعويض، وبالتالي عدم الإقرار بملكية رقبته للإدارة المعتدية سيخلق وضعية غير قانونية. زيادة على ذلك أن نقل الملكية لا يكون على على أساس الواقعة غير المشروعية (الاعتداء المادي)، وإنما على أساس الحكم القضائي النهائي القاضي بتعويض الأوقاف العامة.
فردا على هذا القول حسب وجهة نظرنا، فالمعلوم أن أي حكم قضائي يكون أساسه القانون، إذ أن القاضي يطبق القانون متى كان صريحاً، ويخضع لرقابة محكمة النقض في مدى تطبيقه من عدمه، ولا حق له في الإجتهاد مع وجود نص يحدد مسألة لا غبار عليها. فالقول بنقل الملكية للإدرة المعتدية على أساس الحكم القاضي بالتعويض عن الاعتداء هو مجازفة في حد ذاته، لأن آثار الحكم بالتعويض لفائدة الأوقاف العامة جراء الاعتداء لا يعني بالمآل نقل الملكية حكماً وصيغةً ومنطوقاً، فالتعويض كان أساسه الضرر الذي لحق الأوقاف العامة، كما أن القول بتعويض الأوقاف دون نقل الملكية للإدارة المعتدية سيؤدي إلى خلق وضعية غير قانونية للعقار لا نتفق معه، لأن الإعتراف بأفعال غير مشروعة وشرعنتها هو في حد ذاته وضعية غير قانونية، لأنه لا يختلف إثنان في كون أن الاعتداء المادي هو عمل منقطع الصلة بالمشروعية، فالوضعية غير القانونية حقا هي اعتبار عمل الإدارة عملا يكون أساسا لنقل الملكية، والحال أن أحكام الدستور ومقتضيات قانون نزع الملكية وكذا القوانين ذات الصلة يؤكدان على أن حق الملكية حق مضمون ولا ينتقل إلا وقف الإجراءات القانونية.
ويذهب أحد الممارسين إلى القول أن من أجل محاربة هاته الظاهرة المشينة فأهم إجراء يمكن للقضاء الإعتماد عليه هو إثارة المسؤولية الشخصية للمسؤول الإداري أو الموظف الذي كان وراء عملية الاعتداء، إذ بذلك سيجرد هذا المسؤول من الإحتماء وراء حصن المسؤولية الإدارية، ولا شك أن إعطاء العبرة سيخخف حتما من حدة هذه الظاهرة، وسيفرض سيادة القانون والمشروعية[60].
وارتباطا مع ما سبق فإنه وجب التنبيه إلى مسألةٍ من أهمية بمكان وهي أن الأملاك الوقفية لها خصوصية عند نقل ملكيتها، إذ أن نقل ملكية هاته الأملاك يتم إما بظهير شريف أو بموافقة المجلس الأعلى لمالية الأوقاف أو بقرار السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف وذلك بالنظر إلى قيمة المعاوضة[61]، الشيء الذي يجعلنا نتساءل: هل القضاء له الصفة للحكم بنقل ملكية هاته الأملاك في إطار دعاوى الاعتداء المادي على أساس الأحكام التي يصدرها في هذا الشأن؟ ألا يشكل هذا تعارضاً صريحاً مع مقتضيات المادة 64 من مدونة الأوقاف؟ التي تحدد الجهة التي توافق على نقل ملكية الأملاك الوقفية، وإن كانت محصورة في مسطرة المعاوضة، إلا أنها تفيد دلالة مسطرة نقل ملكية الأملاك الوقفية عامة، لأن ليس هناك في مدونة الأوقاف ما يثبت العكس.
وتجدر الإشارة آخيرا أن المقررات القضائية جلها مبدئيا لا تحكم بإرجاع الحال إلى ما كانت عليه قبل الاعتداء حتى ولو كان طلباً لإدارة الأوقاف، وعلتها في ذلك هي المنفعة من إعداد المشروع وهي المصلحة العامة والمصاريف التي أُنفقت في إعداد المشروع، إذ أن القضاء يرجح المصلحة العامة عن مصلحة الأوقاف، فيبقى دائما طلب إدارة الأوقاف هذا طلباً مردوداً، فقد جاء في حكم صادر عن المحكمة الإدارية بوجدة مايلي:” وحيث إنه فيما يخص طلب إرجاع الحال إلى ما كانت عليه وهدم البناء تحت طائلة غرامة تهديدية، فإن المحكمة قد أمرت بإجراء خبرة ميدانية يتبين من خلالها أن البناء يتعلق بإحداث مدرسة تعليمية، وأن المؤسسة أصبحت جاهزة لإستقبال التلاميذ، واعتبارا لكون هذا المرفق هو مرفق عمومي أصبح يؤدي مهمته التعليمية لفائدة التلاميذ في إطار تحقيق المصلحة العامة، واعتبارا للأموال العامة التي صُرفت من أجل إنجاز المشروع، وفي إطار ما للقضاء الاداري من سلطة الموازنة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، يكون الطلب غير مؤسس ويتعين عدم الإستجابة إليه”[62].
ومن خلال حيثيات هذا الحكم يتضح جليا أن المصلحة العامة أصبحت طريقاً لإعداد المشاريع على أملاك الغير دون وجه حق ودون احترام القانون، فإعداد المشروع بصفة نهائية أو شبه نهائية والذي يكون هدفه تحقيق المصلحة العامة يعني بالمآل تخلي المالك عن ملكه دون إرادته وتمتع المعتدية على الملك بالملكية. فيجب إعادة النظر في هاته المسألة مهما كانت مبرارات الاعتداء، خصوصا حينما يتعلق الأمر بوجود أوامر استعجالية تقضي بإيقاف الأشغال في بدايتها وتهملها الإدارة المعتدية بعدم تنفيذها. أما إذا كانت الأشغال لا زالت في بدايتها وتم رفع دعوى برفع الاعتداء المادي وإرجاع الوضع على ما كان عليه، فالمنطق القانوني يقول بالاستجابة لطلب رفع الاعتداء وإرجاع الحال إلى ما كانت عليه قبل بدء الأشغال، لأن دخول الإدارة إلى العقار كان مخالفاً للشرعية والمشروعية.
خاتمة :
وصفوة القول أن الاعتداء المادي على الأملاك الوقفية العامة أصبح آفةً يهدد الوقف ويؤدي إلى اندثار أصله، وذلك في غياب الحماية القانونية الناجعة التي تحمي الأوقاف العامة من هذا الاعتداء. كما أن القضاء المغربي لازال متشبعاً بمبدأ تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وإن كانت مصلحة الأوقاف تهم الشأن العام أيضا.
ومن ثم فالحماية التشريعية لهاته الأملاك من اعتداء الإدارات العمومية لا زالت تعرف قصوراً، على اعتبار أن مدونة الأوقاف وإن كانت قد أفردت للأملاك الوقفية العامة خصوصيةً لا سواء من حيث التصرف فيها، وكذا في مدى إمكانية حيازتها، وفي نزع ملكيتها، ولا في طبيعة هاته الأملاك نفسها، فإنها لم تتناول بالتدقيق آليات حماية هاته الأملاك من الاعتداء المادي، وبالتالي يسري على هاته الأملاك ما يسري على أملاك الخواص التي يعتدى عليها من حيث الحماية، علما أن طبيعة الأملاك الوقفية تختلف عن أملاك الخواص باعتبارها أملاكاً لا تفوت إلا بشروط، وأيضا باعتبارها أملاكا تفترض فيها الاستمرارية والدوام دون أن تنقل ملكيتها خارج القانون لأية جهة كانت، حتى ولو كانت إدارات عمومية، مادام أن هاته الأملاك كما يقول الفقهاء :”يجتمع فيها حق الله وحق الغائب”.
فضلا عن ذلك أن الأحكام التي تصدر في إطار دعاوى الاعتداء المادي التي تقضي بتعويض الأوقاف جراء الاعتداء تصطدم في تنفيذها على أرض الواقع بامتناع الإدارة عن التنفيذ، وهو إشكال آخر تعاني منه الأوقاف، فلا هي تبقى مالكةً لملكها الوقفي ولا هي تحصل على تعويضها عن طريق التنفيذ.
ونأمل أن يكون هناك تدخل لمعالجة كل الإشكالات التي تطرقنا لها في الموضوع أو بالأحرى مناقشتها بغية الوصول إلى حلٍ يحمي الملك الوقفي العام ويحافظ عليه ويشجع استثماره وينمي مداخيله، وما هذا إلا تحقيقا لأهداف خارطة الطريق لسنة 2030 في أفق إصلاح الشأن الوقفي عامة.
الهوامش:
[1] سورة البقرة الآية: 29
[2] مصطفى أحمد الزرقا:” أحكام الأوقاف”، مطبعة دار عمان، دون ذكر الطبعة، ص 9
[3] الوقف في اللغة هو الحبس، وفي الاصطلاح الفقهي عرفه بعض المالكية بقولهم :” هو جعل منفعة مملوك ولو بأجرة أو غلته لمستحق بصيغة مدة ما يراه المحبس”، أورده بن عزوز وعبد القادر:”مدى مشروعية الوقف على الحيوان في الفقه الإسلامي”، الناشر الأمانة العامة للأوقاف، إدارة الدراسات والعلاقات الخارجية، المجلد العدد: س 9، ع 16، بتاريخ 2009، ص 54
أما الوقف تشريعياً فقد عرفه المشرع المغربي في المادة الأولى من مدونة الأوقاف بأنه:” كل مالٍ حبس أصله بصفةٍ مؤبدةٍ أو مؤقتةٍ، وخصصت منفعته لجهة بر وإحسان عامة أو خاصة، ويتم إنشاؤه بعقدٍ أو بوصيةٍ أو بقوة القانون”.
أما الوقف العام كما جاء في المادة 50 من مدونة الأوقاف:”هو كل وقف خصصت منفعته ابتداء أو مآلا لوجوه البر والإحسان وتحقيق منفعة عامة.
تعتبر وقفا عاما بقوة القانون على عامة المسلمين جميع المساجد والزوايا والأضرحة والمقابر الإسلامية، ومضافاتها والأملاك الموقوفة عليها”.
[4] إن الدستور المغربي لسنة 2011 قدس حق الملكية وصانه من أي اعتداءٍ قد يتعرض له دون وجه حق، وهذا إن دل على شيء فأنه يدل على مكانة حق الملكية عند الأفراد وعلى قدسيته، إذ جاء في الفصل 15 منه مايلي :” يضمن القانون حق الملكية ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون إذا دعت إلى ذلك ضرورة النمو الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. وهو نفس الأمر الذي كرسته المادة 23 من م ح ع التي تنص على أنه :”لا يحرم أحد من ملكه إلا في الأحوال التي يقررها القانون . لا تنزع ملكية أحد إلا لأجل المنفعة العامة ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون، ومقابل تعويض مناسب”.
ولا يمكن نزع الملكية إلا في الأحوال وحسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون”.
[5] إن بعض الأملاك الوقفية العامة ونظرا لخصوصيتها الدينية تعامل معها المشرع بتعاملٍ خاص، إذ أكد أنه لا يسوغ نزع ملكيتها لأجل المنفعة العامة، فقد جاء في المادة 4 من القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت مايلي:”لا يجوز نزع ملكية المباني ذات الصبغة الدينية المعدة لإقامة مختلف الشعائر وكذا المقابر….”. كما ذهب المشرع في نص خاص وهو مدونة الأوقاف واعتبر في المادة 59 بأن الأملاك الوقفية العامة لا تنتزع ملكيتها إلا بعد الحصول على إذن من وزارة الأوقاف تحت طائلة البطلان، إذ جاء في المادة المذكورة مايلي:”لا يجوز نزع ملكية العقارات الموقوفة وقفاً عاماً من أجل المنفعة العامة إلا بموافقةٍ صريحةٍ من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف تحت طائلة البطلان”. وإن كان هذا النص الآخير لا يؤخذ له اعتبار على أرض الواقع إذ أنه يحكم بنقل ملكية الأملاك الوقفية العامة لفائدة الإدارة المعتدية رغم عدم سلوكها مسطرة نزع الملكية ورغم عدم حصولها على إذن مسبق من السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف. لتوسع أكثر أنظر محمد أزيان:” نزع ملكية الأملاك الوقفية بالمغرب: الضوابط والإشكالات”، مقال منشور بالأمانة العامة للأوقاف – إدارة الدراسات والعلاقات الخارجية – عدد 39، نوفمبر 2020.
[6] إن للوقف أنواع حددتها مدونة الأوقاف من خلال المادة الأولى منها: فالوقف إما أن يكون وقفاً عاماً، أو وقفاً معقباً أو خاصاً كما يسميه البعض، أو وقفاً مشتركاً.
[7] la notion de voie de fait a été instituée par la jurisprudence du Tribunal des conflits dans son arrêt « Action Française » du 8 avril 1935.
«La voie de fait s’entendait d’une mesure prise par l’Administration qui portait une atteinte grave au droit de propriété ou à une liberté fondamentale».
Dans un arrêt « Bergoend » du 17 juin 2013, le Tribunal des conflits est venu apporter quelques modifications à la définition de la voie de fait. L’évolution de la notion réside dans la portée de l’atteinte en elle-même puisque désormais, la voie de fait est un acte portant atteinte à une liberté individuelle ou aboutissant à l’extinction d’un droit de propriété.Virgile duflo;”Voie de fait en droit administrative”. Publié dans: https://jurislogic.fr/voie-de-fait-droit-administratif
[8] حسناء الزو:”دور القضاء الإداري في دعوى الاعتداء المادي على الملكية العقارية”، مقال منشور بمجلة الأمن القانوني والقضائي في المجال العقاري، ص 142
[9] فائزة بلعسري:”الاجتهاد القضائي في مجال الاعتداء المادي الناتج عن تفعيل وثائق التعمير”، مقال منشور بمجلة مؤسسة وسيط المملكة المغربية، عدد الثاني غشت 2014، ص 30.
[10] حكم صادر عن المحكمة الإدراية بوجدة عدد 1397 بتاريخ 08/11/2022، ملف رقم 41/7112/20220 (غير منشور)
[11] الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء تحت عدد 1806 بتاريخ 04/11/2009 في الملف عدد 138/13/2008، أورده العقاوي سعيد:”إشكالية الاعتداء المادي على الملكية العقارية”، مقال منشور بمجلة الوكالية القضائية للمملكة، العدد الثالث، دجنبر 2019، ص 278
[12] إبراهيم محمد علي:” نظرية الاعتداء المادي دراسة مقارنة”، ص 25
[13] لمياء الدياز:” إشكالية الاختصاص في إطار دعوى الاعتداء المادي على الملكية العقارية الخاصة”، مقال منشور في مجلة القانون المدني، العدد الرابع 2017، ص 228/244
[14] زهير العمراني:” نظرية الاعتداء المادي في التشريع المغربي”، مقال منشور بمجلة منازعات الأعمال، عدد 15 يوليوز 2016، ص 111- 112
[15] العربي محمد مياد:”الاعتداء المادي على الملكية العقارية في ضوء العمل القضائي وتوصيات مؤسسة وسيط المملكة”، مقال منشور في المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 151 و150، أبريل 2020، ص 145
[16] والاعتداء المادي كمفهومٍ لصيق بعدة مفاهيم آخرى كالاستلاء والغصب والعمل الإداري المنعدم. فإذا كانت هاته المفاهيم تتحد فيما بينها برابطة عدم المشروعية، فإن الاعتداء المادي يختلف عنها في كونه قد يرد على منقول أو عقار، في حين أن الاستلاء والغصب يردان فقط على العقار فقط.
[17] قرار صادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش عدد 209 بتاريخ 14/02/2013 (غير منشور)
[18] قرار محكمة النقض تحت عدد 1032/2 الصادر بتاريخ 30/10/2014 في الملف عدد 1508/4/2/2013، أورده العقاوي سعيد:”إشكالية الاعتداء المادي على الملكية العقارية”، مقال منشور بمجلة الوكالية القضائية للمملكة، العدد الثالث، دجنبر 2019، ص 296-270.
[19] قرار صادر عن المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) عدد 698 بتاريخ 2/12/2005 (غير منشور)
[20] القرار عدد 48/2 بتاريخ 22 يناير 2015 في الملف الإداري (الثاني) عدد 1473/4/2/2013 ، أورده العقاوي سعيد، م س، ص 273
[21] أمر صادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالرباط عدد 7233 بتاريخ 2014/10/22 في الملف عدد 7272/7101/2014، أورده سعيد العقاوي: م س، ص 279
[22] والجدير بالذكر أن إثبات الصفة الوقفية للملك الوقفي تتم بكل وسائل الإثبات عاملاً بمقتضيات المادة 48 من مدونة الأوقاف التي تنص على أنه :” يمكن إثبات الوقف بجميع وسائل الإثبات.
وتعتبر الحوالات الوقفية حجة على أن الأملاك المضمنة بها موقوفة إلى أن يثبت العكس؛
لا ينتج الإقرار على الوقف أي أثر في مواجهته”. لتوسع أكثر أنظر رضوان الطريبق:” تأثير الفقه والقضاء على التشريع المدني المعاصر التشريع الوقفي نموذجا”، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة”، السنة الجامعية 2020/2021، ص197
[23] جاء في قرار صادر عن محكمة النقض عدد 585/1 بتاريخ 05/09/2017، ملف مدني عدد 7400/1/1/2016 (غير منشور) مايلي:” في حين إذا كان الحائز هو الذي يدعي الحبس جوابا لمن ادعى الملك كما في نازلة الحال، فإنه لا يحتاج إلى إثبات التحبيس وتملك المحبس لما حبسه إلى أن حبسه وثبوت الحوز، وإنما تكفيه شهادة ولو بالسماع بأن الملك يحاز بما تحاز به الاحباس، ويحترم بحرمة الأحباس، ولا يضره اختلال رسم التحبيس لأنه الحائز، والقرار المطعون فيه لما علل على النحو المذكور ولم يراعي هذه القاعدة يكون ناقص التعليل الموازي لإنعدامه مما يعرضه للنقض والإبطال”.
[24] قرار صادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش، سبق الإشارة إليه
[25] لقد تم إحداث بموجب القانون رقم 38.15 المتعلق التنظيم القضائي الجديد قسم متخصص في المادة الإدارية بالمحكمة الابتدائية ينظر فيما تنظر فيه المحاكم الإدارية، وله رئيس يختص كقاضٍ للأمور المستعجلة في نطاق الاختصاص المخول لرئيس المحكمة الإدارية.
[26] أورته فائزة بلعسري: م س، ص 33
[27] أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الإدارية بوجدة عدد 74 بتاريخ 2007.09.05 في الملف عدد 07.29 (غير منشور)
[28] الفصل 156 من ق م م
[29] أمر صادر عن رئيس المحكمة الإدارية بوجدة عدد 74 بتاريخ 05/09/2007 ملف عدد 29/07 (غير منشور)
[30] عبد العتاق فكير:”الاعتداء المادي على الملكية العقارية – الإشكالات والحلول – مقال منشور في مجلة الملف عدد 16، بتاريخ 2010 ،ص20
[31] لتوسع أكثر أنظر لمياء الدياز:”إشكالية الاختصاص في إطار دعوى الاعتداء المادي على الملكية العقارية الخاصة”، مقال منشور في مجلة القانون المدني، العدد الرابع 2017، ص 241
[32] العربي محمد مياد:”الاعتداء المادي على الملكية العقارية في ضوء العمل القضائي وتوصيات مؤسسة وسيط المملكة”، م س، ص 133
[33] قرار الغرفة الإدارية بتاريخ 20/06/1998، أورده عبد العتاق فكير: م س، ص20
[34] قرار صادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 2084 بتاريخ 13/12/2010، ملف عدد 114/20/2 (غير منشور)
[35] جاء في الفصل 77 من ق ل ع ما يلي :” كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار، ومن غير أن يسمح له به القانون، فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر”.
كما ورد في الفصل 78 من نفس القانون ما يلي:” كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه، لا بفعله فقط ولكن بخطئه أيضا، وذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضر.
وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر.
والخطأ هو ترك ما كان يجب فعله، أو فعل ما كان يجب الامساك عنه، وذلك من غير قصد إحداث الضرر
[36] جاء في الفصل 79 من ق ل ع ما يلي:” الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها”.
[37] قرار صادر عن محكمة الاستئناف الادراية بالرباط عدد 1942 بتاريخ 2013/05/14 في الملف رقم 6/12/661 (غير منشور)
[38] قرار صادر عن محكمة الاستئناف الادراية بالرباط عدد 1942 بتاريخ 2013/05/14 في الملف رقم 6/12/661 (غير منشور)
[39] قرار صادر عن محكمة النقض عدد 173/2 بتاريخ 2015/02/26 في الملف عدد 2014/2/4/1198 (غير منشور)
[40] قرار صادر عن محكمة النقض عدد 74/2 بتاريخ 2015/01/29 في الملف عدد 2013/2/4/2638 (غير منشور)
[41] قرار صادر عن محكمة النقض عدد 708/3 بتاريخ 08/06/2017 ملف عدد 1362/4/3/2017 (غير منشور)
[42] مقرر وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية رقم 3455.19 صادر بتاريخ 03/03/2022 في شأن تحديد إجراءات إبرام إدارة الأوقاف باسم الأوقاف العامة لعقود واتفاقيات الشراكة مع القطاع العام او القطاع الخاص.
[43] قرار صادر عن محكمة النقض عدد 3788 بتاريخ 12/11/2013، ملف 6/12/546 (غير منشور)
[44] قرار صادر عن محكمة النقض عدد 3/708 المشار إليه سابقا.
[45] أوردته فائزة بلعسري: م س، ص 39
[46] المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 23/1/2014 ، الملف عدد 43/12/2013، أوردته فائزة بلعسري: م س، ص 39
[47] قرار صادر عن الغرفة الإدارية عدد 445 بتاريخ 15/04/2002، أوردته فائزة بلعسري: م س، ص 46
[48] فائزة بلعسري: م س، ص 45
[49] أكد قضاء محكمة النقض في قرار له :”أن نقل ملكية عقار في إطار نزع الملكية الجبري لا يتم إلا في إطار المسطرة القانونية المنصوص عليها في القانون رقم 7.81 استنادا إلى أحكام الدستور التي تقضي بأن حق الملكية مضمون وأن القانون وحده هو الذي يحد من مداه، وأن الإدارة حينما تقوم بالاستلاء على ملك الغير خارج الإطار القانوني المشروع، فإن عملها هذا يشكل اعتداء ماديا لا يمكن للقضاء أن يكرسه ويضفي المشروعية عليه”. قرار سبق الإشارة إليه، انظر الهامش 19
[50] وهو ما أكدته توصيات الندوة الوطنية العلمية المنظمة من طرف وزارة العدل بشراكة مع جمعية هيئات المحامين بمراكش يومي 6 و7 يناير 2017 حول موضوع: “القاضي الإداري بين حماية الحقوق والحريات وتحقيق االمصلحة العامة “. حيث جاء في التوصية الثانية مايلي:” التأكيد على أن حق الملكية مضون بموجب الدستور ولا يجوز المساس به إلا في حدود القانون، وأن قيام الإدارات العمومية بالاعتداء المادي على العقارات دون سلوك المساطر القانونية الواجبة يعتبر عملا غير مشروع، يمس بالدستور الدولة وهيبتها، ويرفع تكلفة التقاضي، ويهدر المال العام”، أنظرعبد الرزاق اصبيحي :”مظاهر الإخلال بالعدالة العقارية فـي الاعتداء المادي على العقارات الوقفية”، مقال منشور بمجلة الحقوق – سلسلة المعارف القانونية والقضائية، العدد 72 بتاريخ 2019، ص 12
[51] قرار صادر عن محكمة النقض عدد 173/2 بتاريخ 2015/02/26 في الملف 2014/2/4/1198 (غير منشور)
[52] أنظر بشأن هذا مؤلف الدكتور إدريس العلوي العبدلاوي رحمه الله:”شرح القانون المدني النظرية العامة للالتزامات”، الجزء الثاني، دون ذكر المطبعة والطبعة، ص69.
[53] أنظر عبد الرزاق السنهوري:”الوسيط في شرح القانون المدني”، مصادر الالتزام، الجزء الأول، دون ذكر الطبعة والمطبعة، ص 967
[54] أنظر بشأن هذا مؤلف الدكتور مأمون الكزبري رحمه الله :”نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي”، الجزء الأول، الطبعة الأولى، ص 339
[55] قرار صادر عن محكمة النقض عدد عدد 2.691 بتاريخ 21/11/2013 ملف عدد 2012/2/4/1123 (غير منشور)
[56] مامون الكزبري وادريس العلاوي العبدلاوي:” شرح قانون المسطرة المدنية في ضوء القانون المغربي”، دون ذكر الطبعة والمطبعة، ص 340
[57] قرار محكمة النقض عدد 02/3 بتاريخ 08 يناير 2015 في الملف الإداري عدد 369/4/2/2013، أورده العقاوي سعيد، م س، ص 303
[58] قرار محكمة النقض عدد 708/3، سبق الإشارة إليه.
[59] مامون الكزبري وادريس العلاوي العبدلاوي:” شرح قانون المسطرة المدنية في ضوء القانون المغربي”، م س، ص 343
[60] عبد العتاق فكير: م س، ص23
[61] المادة 64 من مدونة الأوقاف
[62] حكم صادر عن ادارية وجدة عدد 660 بتاريخ 02/10/2012، ملف عدد 122/11/6 (غير منشور)