ياسين الصبار : الالتزامات الوقائية للمؤسسات البنكية في مكافحة غسل الأموال
- من إعداد : ياسين الصبار طالب باحث بماستر قانون الأعمال بكلية الحقوق عبد المالك السعدي بتطوان.
نظرا لما أصبح يعانيه العالم ككل من تبعات جرائم غسل الأموال فإن أغلب الدول جنحت نحو إقرار عدة وسائل و آليات من شأنها الحد ما أمكن من ظاهرة غسل الأموال و بالتالي حماية الاقتصاد الوطني و رؤوس الأموال و مصلحة الدولة السياسية ككل .
و من بين الوسائل و الآليات التي تم اعتمادها ، نجد إشراك المؤسسات و المهن الحرة و غيرهم من الفاعلين في عملية مكافحة غسل الأموال ، و من هذا المنطلق تم إقرار مسؤولية و التزام المؤسسات التمويلية و البنكية بمكافحة ظاهرة غسل الأموال ، على اعتبار أن البنوك أصبحت في الوقت الحالي من الجهات الرئيسية التي تمرر فيها عمليات غسل الأموال .
لكل هذا فإن التشريع المغربي و كغيره من التشريعات المقارنة اعتمد على آليتين رئيسيتين لجعل البنوك مساهمة في مكافحة ظاهرة غسل الأموال و هي :
- الالتزام بتوخي الحيطة و الحذر (مبدأ اليقظة) ¬ الفقرة الأولى
- الالتزام بالتصريح بالاشتباه ¬ الفقرة الثانية
الفقرة الأولى : الالتزام بتوخي الحيطة و الحذر (مبدأ اليقظة)
بما أن البنوك أصبحت بشكل أو بآخر مساهمة في عمليات غسل الأموال ، فإنه كان من اللزوم إقرار تدابير تجعل المؤسسات البنكية في موقف مسؤول حول السيولة و الأموال التي تودع به و بهذا تم إقرار مبدأ الحيطة و الحذر كآلية مهمة تجعل البنك يقوم بالبحث و التفحص و المراقبة كلما تعلق الأمر بفتح الحسابات[1] ، و كذلك في عمليات تحويل الأموال ما بين الأرصدة البنكية ، و يتشدد هذا المبدأ كلما كان الزبون ذو سمعة مشكوك فيها .
و بالتالي فإن هذا الالتزام يمكن أن يتفرع إلى عدة التزامات فرعية تتمثل في :
- أولا : الالتزام بتوخي اليقظة في مواجهة الزبناء
أثناء تعامل البنك مع زبنائه فإن التزامه بتوخي الحيطة و الحذر يبدأ بالتحقق من هويتهم و مراقبة حالتهم المالية و الاجتماعية و الشخصية ، و يتحقق ذلك بالنسبة للأشخاص الطبيعين بالتأكد من الوثائق المثبتة لهويتهم (بطاقة التعريف الوطنية ، جواز سفر …) ، أما بالنسبة للأشخاص المعنوية فإن التأكد من الهوية يكون بتفحص و التحقق من الوثائق المدعمة للمركز القانوني للشخص المعنوي كالسجل التجاري و النظام الأساسي … [2]
كل هذا يهدف أساسا للحيلولة دون جعل البنوك وسيلة سهلة لعمليات غسل الأموال من طرف الزبناء .
و رغم فعالية و نجاعة هذه الإجراءات إلا أن البنوك تتعامل مع هذه الالتزامات بكثير من الليونة على اعتبار أن الزبناء هم في مركز أقوى ، و يمكنهم في أي لحظة تغيير وجهتهم نحو بنك آخر إذا ما أحسوا بمضايقة أو تشكيك في مصدر أموالهم ، لهذا فإن الالتزام بالتحقق من الهوية و مراقبتها بالنسبة للزبناء يتم بطريقة سلسة من طرف البنوك خوفا من تضييع السيولة المالية .
- ثانيا : الالتزام بتوخي اليقظة تجاه المعاملات المالية
يتحمل البنك بالتزام أساسي بمكافحة غسل الأموال ، و هو الالتزام بتوخي الحيطة و الحذر المشددين تجاه المعاملات المالية التي تتم عبر البنك و بالتالي يمكن القول أن هذا الالتزام يأتي بعد فترة من فتح الحساب بالنسبة للزبون .
و بما أن العمليات البنكية تطورت و تخللتها التقنية و المكننة فإن الالتزام بتوخي الحذر فيما يخص العمليات البنكية أصبح أمرا صعبا و معقدا ، و مع ذلك فإن المشرع المغربي و كذلك بعض التشريعات المقارنة ألزمت المؤسسات البنكية باتباع اليقظة المشددة فيما يخص التحويلات الالكترونية للأموال (أ) .
و يمدد هذا الالتزام حتى إزاء الزبناء المشكوك في أمرهم بحيث تكون عملياتهم البنكية محط مراقبة و تتبع من طرف البنك (ب).
أ : اتخاذ الحيطة و الحذر بخصوص التحويلات الالكترونية للأموال [3]
أصبحت المؤسسات البنكية منذ سنوات طويلة تعتمد على أنظمة حديثة و متطورة فيما يخص إيداع و سحب و تحويل الأموال ، بحيث أصبح في إمكان الزبون القيام بتحويل الأموال من حسابه لحساب شخص آخر بسرعة و دقة ، و لما كانت هذه الوسيلة طريقة تقليدية لغسل الأموال فإن المشرع المغربي ألزم المؤسسات البنكية باتخاذ الحيطة و الحذر فيما يخص التحويلات البنكية المشبوهة ، و رغم ما تتسم به هذه العملية – نقل الأموال – من تعقيد إلا أن البنك يكون مطالبا بمراقبة التحويلات التي تتم بين الحسابات البنكية خصوصا إذا كانت غير اعتيادية أو كان موضوعها مبلغا ماليا ضخما .
ب : تطبيق مبدأ اليقظة المشددة اتجاه طائفة من الزبناء [4]
تختلف حالة و وضعية الزبناء باختلاف مراكزهم المالية و الاجتماعية ، و بالتالي فإن المؤسسات البنكية تكون مطالبة باتخاذ الحيطة و الحذر إزاء بعض الفئات من الزبناء أكثر من غيرهم ، نذكر كمثال :
- السياسيون
- رجال و نساء القضاء
- رؤساء الدول و الحكومات
- كبار الأطر العاملين في شركات تابعة للدولة (شركات شبه عمومية)
- مسؤولوا الأحزاب السياسية
إذن فكل هذه الفئات و غيرها من الزبناء ينبغي أن يتم التعامل معهم بمبدأ اليقظة التامة ، لا من حيث فتح حساباتهم أو مراقبة عملياتهم البنكية .
الفقرة الثانية : التزام المؤسسات البنكية بضرورة التصريح بالاشتباه
زيادة على الالتزام الأول المتعلق بأخذ الحيطة و الحذر ، فإن المؤسسات البنكية تتحمل بالتزام ثان و هو الالتزام بالتصريح بالاشتباه ، فما المقصود بهذا الالتزام و ما هو نطاقه و إجراءاته ؟
- أولا : تعريف التصريح بالاشتباه
إن تعريف التصريح بالاشتباه مر بعدة تطورات و تغييرات ، سواء في التعاريف الفقهية أو التعاريف المعتمدة من طرف الهيآت الدولية ، و بهذا فقد تطرقت المواثيق الدولية لتعريف هذا الإجراء ، و هنا نجد تعريف مجموعة العمل المالي الدولي المعروفة اختصارا ب GAF بأنه :
” الإبلاغ عن العملية المشبوهة ، و يتمثل ذلك في قيام البنك بالتصريح بكل عملية مالية يشتبه فيها أو يتوفر على أدلة منطقية تؤكد هذا الإشتباه إلى الجهة المكلفة بتلقي هذه التصاريح “ .
أما بالرجوع للمشرع المغربي فإننا نجد أنه اكتفى بتحديد نطاق الالتزام بالتصريح بالاشتباه شكلا و موضوعا ، دون أن يتطرق للتعريف ، و حسن فعل المشرع لأن الأصل التعاريف هي من اختصاص الفقه و القضاء .
- ثانيا : نطاق التصريح بالاشتباه و إجراءاته
يمكن القول أن الالتزام الذي تتحمله المؤسسات البنكية بخصوص التصريح بالاشتباه يتحدد في نطاق معين (أ) ، كما يمر بإجراءات متعددة و متسلسلة (ب) .
أ : نطاق التصريح بالاشتباه
يجب على المؤسسات البنكية القيام بالتصريح بالاشتباه كلما تعلق الأمر بأحد الأمور التالية[5] :
- جميع المبالغ و العمليات المشتبه في ارتباطها بغسل الأموال
- كل عملية تكون هوية الذي أصدر الأمر بشأنها أو المستفيد منها مشكوكا فيها
إذن مما سبق ، يتبين أن البنك يتحمل التزاما أساسيا بالتصريح بالعمليات المشبوهة التي يقوم بها الزبناء ، و ذلك بمجرد الشك في أنها عمليات لها علاقة بغسل الأموال ، أو إذا كان هناك شك كذلك في هوية أطراف العملية البنكية.
ب : الإجراءات الشكلية و الموضوعية للتصريح بالاشتباه
يمر التصريح بالاشتباه بعدة إجراءات منها الشكلي و منها الموضوعي :
- الاجراءات الشكلية : اشترط المشرع المغربي في قانون مكافحة غسل الأموال أن يكون التصريح في شكل مكتوب و يوجه لوحدة مكافحة جرائم غسل الأموال ، و قد اشترط المشرع المغربي الكتابة لتكون دليلا على قيام البنك بالتصريح و بالتالي خروج البنك من دائرة الاشتباه أو المتابعة بخصوص الجرائم المكونة لغسل الأموال ، لكن يرد استثناء وحيد على هذه القاعدة ، و هو في حالة الاستعجال القصوى حيث يمكن أن يتخذ هنا التصريح شكلا شفويا ، مع ضرورة تعزيز هذا التصريح بالوثائق المكتوبة فيما بعد .
- الإجراءات الموضوعية : بالنسبة للإجراءات الموضوعية فإن المؤسسة البنكية تقوم بتوجيه تصريح بالاشتباه إزاء عمليات بنكية معينة كلما تم الشك في أمرها دون أي تمييز ، و تتم هذه العملية إما بطريقة تقليدية (شكاية – وشاية) أو بطريقة الكترونية عبر موقع الكتروني مرصود لهذه الخدمة تستعمله البنوك .
كل هذا مع مراعاة أن وحدة مكافحة جرائم غسل الأموال كانت قد حددت المبلغ الواجب مراقبته في 50 ألف درهم كحد أدنى .
الهوامش :
[1]– رشيد المساوي ، ، رشيد المساوي ” مقالات و أبحاث حول جرائم غسل الأموال في القانون المقارن “، الطبعة الاولى 2013، مكتبة دار السلام الرباط ، ص 25
[2]– يونس الشوح ، يونس الشوح ، خصوصية المواجهة البنكية لجرائم غسل الأموال ، أطروحة لنيل الدكتوراه ، نوقشت بجامعة عبد المالك السعدي ، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية طنجة ، 2017 – 2018 .ص 214 و ما يليها .
[3] – يونس الشوح ، م.س ، ص 227
[4] – يونس الشوح ، م.س ، ص 230 و ما يليها
[5] – رشيد المساوي ، م.س ، ص 26