مجلة مغرب القانونفي الواجهةوردي: أجراس العودة

وردي: أجراس العودة

حكيم وردي عضو نادي قضاة المغرب

حسنا فعل السيد وزير العدل حين سارع إلى إشهار انحيازه للمطالب العادلة للقضاة وتفهمه لمشروعيتها القانونية والتعبير عن انشغاله حول كيفية تلبيتها في ظل ظرفية اقتصادية موسومة بتدبير الندرة.

ولا شك أن الرجل بحنكته السياسية وتجربته المؤسساتية في استشراف الأزمات التقط الإشارات القوية التي أرسلها قضاة المملكة الشريفة من قلب العاصمة الرباط بعدما حجوا إليها زرافات من مختلف ربوع الوطن تلبية لدعوة المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب.

حقيقة أن هناك عدم استيعاب تأجيل السيد الوزير للمرة الثالثة لقاءه بأجهزة النادي لدراسة الممكن من المستحيل في الملف المطلبي الجماعي لأعضاء السلطة القضائية، إلا أن حسن الظن بالسيد الوزير وما عرف عنه من إيمان صادق في خدمة العدالة، وعدم إحساسه بأي مركب نقص اتجاه استقلاليتها، يجعلنا نتفاءل خيرا بالبشارة التي حملها تصريحه بالأمس في انتظار التسريع بالكشف عنها عساها تخفف نسبيا من حدة القلق والاحتقان الذي زفرت به مداخلات القضاة على منصة الاعتراف بالمعهد العالي بالأمس.

فقد جرى الكلام عن قضاة ماتوا صرعى السرطان والأمراض بعدما عجزوا عن تحمل كلفة توفير الدواء.

وعن أولئك الذين تلتهم أقساط المنزل والسيارة والمدرسة ثلاث أرباع أجرتهم في أول الشهر ويسدون بالربع الناجي بعضا من حاجياتهم الحيوية للطعام وفواتير الماء والكهرباء والهاتف والبنزين، وعن تلك القاضية التي ماتت مرضا ولولا زملاؤها لما وجد أهلها ما يطعمون به المعزون …كلام مؤلم محزن للقلب ومؤذ للكرامة ولكنه عكس الحقيقة العارية من أية مساحيق التي كان نادي قضاة المغرب موفقا في تعرية وجهها البشع، رغم ما قد تتحمله أجهزته المسيرة من مخاطر معاكسة مرويات ” العام زين” التي ما فتيء يرددها بعض المؤلفة قلوبهم.

مقال قد يهمك :   الشرطة القضائية وسؤال مشروعية مساءلتها من قبل الإدارة؟!

لقد جاء لقاء 29 يوليوز ليكشف عن كون نادي قضاة المغرب فكرة نبيلة ضاربة بجدورها في وجدان المغرب القضائي العميق المنفلت عن حسابات قضاة مدن المركز المكبلين بقيود القرب، وأنه كجمعية مهنية حقيقية حريص على استقلالية قراره الداخلي، وإشراك أغلب القضاة في صناعته بشكل ديمقراطي حداثي يجعل القضاة هم من يسير الجمعية وليست الجمعية من تسيرهم، أو بمعنى آخر الجمعية في خدمة القاضي وليس العكس.

وعلى هذا الأساس ينبغي الاعتراف أنه ولاعتبارات بيولوجية صرفة وتشبيب قاعدة الهرم الديمغرافي القضائي بات من الصعوبة ضبط المشهد بالاعتماد فقط على الشرعية التاريخية أو التموقع في المفاصل الرئيسية للمؤسسات الرسمية، أو حتى التلويح بعصا التأديب وخطابات التهذيب لأن الشرعية الحاسمة والمقنعة هي شرعية الإنجاز الفعلي الملموس على الأرض. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

إن حجم وشمولية الملف الاجتماعي والاقتصادي لشعب القضاة أكبر من أن تحتكر الدفاع عنه جمعية أو جهة حكومية، ولعل حديث التقارير الرسمية عن شح الموارد المالية الموضوعة رهن إشارة السلطة القضائية و تجميد مشاريع مراسيم التعويضات لحوالي ثلاث سنوات أكبر دلالة على الصعوبات التي تعترض الملف من طرف تكنوقراطي وزارة المالية، وتخوفات السلطة التنفيذية من احتجاجات أطر أخرى عند منح القضاة تعويضاتهم المستحقة. وكأن ممارسة القضاء مهمة بسيطة ليسهل مقارنتها بباقي المهن والوظائف.
وإذا فدورنا جميعا اليوم هو إبداع الحلول المقنعة وتقديم الأجوبة الواقعية على كل ما يثار بخصوص هذا الملف والترافع عنه داخل المؤسسات الرسمية ومع عموم المواطنين لإبراز أهمية وحيوية الدور الذي يقوم به القضاة في تحقيق السلم الاجتماعي والفصل في ملايين الملفات سنويا، والاشتغال لأكثر من عشر ساعات يوميا، و الحكم بالملايير من الدراهم لخزينة الدولة. وعندما يمرضون يموتون بالحسرة قبل توفير ثمن الدواء.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]