وجهة نظر قانونية: هل يجوز تسيير الجمعيات المهنية من غير القضاة الممارسين ؟
عبد الله بنكيران عضو نادي قضاة المغرب
هل يجوز تسيير الجمعيات المهنية من طرف قضاة غير ممارسين؟ سؤال طرح على الساحة القضائية في الآونة الاخيرة، و اختلفت حوله الآراء الى فريقين، فريق يرى انه مادامت الأنظمة الاساسية للجمعيات المهنية لم تمنع ذلك و لم تنظمه، فالأصل في الاشياء الاباحة، وما دامت الصفة القضائية الشرفية تبقى لصيقة بالسادة القضاة حتى بعد تقاعدهم، فلا ضير فيذلك وليس هناك ما يمنع تسيير الجمعيات المهنية من طرف قضاة غير ممارسين، كالقضاة المتقاعدين مثلا.
في حين يستند طرح الفريق الاخر على النظام الاساسي للقضاة، الذي منح الحق للقضاة المعينين فقط للانخراط في الجمعيات المهنية و انشائها.فالمادة 38 من هذا القانون تنص على انه “تطبيقا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 12 والفقرة الثانية من الفصل 111 من الدستور، يمكن للقضاة المعينين طبقا لمقتضيات المادة 68 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الانخراط في جمعيات مؤسسة بصفة قانونية وتسعى لتحقيق أهداف مشروعة، أو إنشاء جمعيات مهنية، وفي كلتا الحالتين يتعين مراعاة واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية، واحترام واجب التجرد واستقلال القضاء، والحفاظ على صفات الوقار صونا لحرمةالقضاء وأعرافه.”
وكما لا يخفى على الجميع ، فان القضاة المعينين و حسب الفصل 68 من القانون التنظيمي، هم القضاة الذين يوافق الجناب الشريف على تعيينهم في السلك القضائي بظهير .
و يعزز هؤلاء طرحهم، بكون قرار المحكمة الدستورية باعتباره جاء لمطابقة احكام القانون مع الدستور، اشار في حيثياته الى ما يلي:
“وحيث إنه، لئن كان الدستور يضمن لعموم المواطنات والمواطنين بموجب فصله 29 حق تأسيس الجمعيات، فإنه، فيما يخص القضاة، ميز بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل 111 المذكور بين الجمعيات المهنية وغيرها من الجمعيات، إذ أباح للقضاة إنشاء جمعيات مهنية بما يتضمنه ذلك، بداهة، من تسيير هذه الجمعيات التي تقتصر العضوية فيها على القضاة دون سواهم، في حين لم يخول لهم، فيما يخص سائر الجمعيات الأخرى، سوى حق الانخراط”.
فقرار المحكمة الدستورية ميز بين الانخراط في الجمعيات المهنية وغير المهنية ومنح القضاة فقط حق العضوية في هذه الجمعيات المهنية دون سواهم ، فلا يمكن حسب قرار المحكمة الدستورية لغير القضاة الانخراط في الجمعيات المهنية .
وقد يقول قائل، ان قرار المحكمة الدستورية لم يشر صراحة الى منع تسيير الجمعيات المهنية من طرف القضاة المتقاعدينالا ان هذا القول يبقى مردودا عليهم على اعتبار ان القرار أكد على عدم جواز العضوية في الجمعيات المهنية لغير القضاة، فالانخراط في جمعية مهنية حسب القرار مقتصر على القضاة فقط فكيف يستقيم تصور اسناد أمر تسيير هذه الجمعيات المهنية لغير القضاة ؟
سؤال قد يثير حفيظة مجموعة من القضاة الذين قد يعتبرون أن الأمر فيه اساءة للقاضي و مساس بوضعيته الاعتبارية ، فالقاضي يمنح حياته للمهنة وبالتالي القول بسلبه الصفة القضائية بعد تقاعده هو مساس بشخص القاضي و نكران للجميل في نهاية حياته. الا ان الجواب نجده في النظام الاساسي نفسه، الذي منع غير القضاة المعينين بظهير في الانخراط في الجمعيات المهنية و تأسيسها ، وهو الذي نظم أسباب فقد الصفة القضائية،وجعل من التقاعد أحد هذه الاسباب .
فالقسم الخامس من النظام الاساسي حينما نظم الانقطاع النهائي عن العمل، نص في المادة 103 منه على أن القضاة المتقاعدون يفقدون الصفة القضائية بقوة القانون باستثناء القضاة الذين يمنحهم المجلس الصفة الشرفية طبقا للفصل 105،و الذين لم يخولهم القانون استعمال الصفة القضائية الا مقترنة بالشرفية الممنوحة لهم.
فالنص صريح على ان القاضي يفقد صفته القضائية بسبب تقاعده،وأنه لا يمكن أن يستعمل صفة القاضي بعد تقاعده،والدليل على ذلك، ان القانون منع القضاة الشرفين الذين قرر المجلس منحهم هذه الصفة بقرار من استعمال الصفة القضائية مجردة،واشترط ان تقرن بالشرفية ، و قياسا عليه، لا يمكن للقاضي المتقاعد استعمال الصفة القضائية الا مقترنة بقاض سابق.
وفي اعتقادي، ان المشرع حينما حصر المنخرطين في الجمعيات المهنية على القضاة المعينين كان حكيما فالمادة 38 في فقرتها الاخيرة اشترطت لممارسة الحق في انشاء جمعية مهنية مراعاة واجب التحفظ و اخلاقيات المهنية و الحفاظ على صفات الوقار وصون حرمة القضاء واعرافه، طبعا تحت طائلة المساءلة، و التي لايمكن تحققها في حالة اسناد تسيير الجمعية المهنية الى غير القاضي الممارس ، فالقاضي المتقاعد يقع خارج دائرة المسائلة التأديبية بفعل فقده الصفة القضائية.
وبالتالي لا رقابة للمجلس الاعلى للسلطة القضائية على عمله وهو يسير الجمعية المهنية، و في حال ارتكابه لخطا مهني، ماس بحرمة القضاء و بواجب التحفظ يبقى في منأى عن العقوبة التأديبية .
كما ان في اعتقادي ان انشاء الجمعيات المهنية غايته الدفاع عن حقوق القضاة الممارسين، و الذي قد يتعرضون اثناء مزاولتهم لمهامهم الى تهديدات او هجومات اواهانات تتطلب حمايتهم، فكان من حقهم الاصطفاف في جمعيات هدفها الدفاع عنهم، وانه لا يمكن ان نتصور مثلا “جمعية” للقضاة المتقاعدين،وحتى ان وجدت فلا يمكن وصفها بالمهنية، لأن الغايات ستختلف وكذلك الاهداف، و لأن الاساس الذي شرع من أجله حق القضاة في تأسيس الجمعية المهنية سينعدم.
بل انه قد يعطي انطباعا عن عدم قدرة القضاة الممارسين في تسيير جمعياتهم المهنية و الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم، أو تملصهم من مسؤولية التسيير وما قد يترتب عنها .
لذلك تجدني مع الراي القائل بأنه مع وجود النص لا مجال للاجتهاد،ويبقى على الجمعيات المهنية العمل على تعديل وتحيين أنظمتها الأساسية ومطابقتها مع القوانين المنظمة .