وجهة نظر: قاضي التحقيق ” المداوم “

أشرف منصور جدوي محام لدى هيئة المحامين بالدار البيضاء

كما هو معلوم قانونا فإن قاضي التحقيق يضع يده على ملف التحقيق إما بناء على شكاية مباشرة مصحوبة بالانتصاب طرفا مدنيا، أو بناء على قرار من الغرفة الجنحية يقضي بسحب القضية من قاض للتحقيق وإحالتها على آخر ضمانا لحسن سير العدالة،  أو بناء على مطالبة بإجراء تحقيق من قبل النيابة العامة حيث تتقدم النيابة العامة بكتاب وهو المطالبة بإجراء تحقيق محيلة إياه على قاضي التحقيق – باسمه –  ملتمسة منه التحقيق مع شخص أو عدة أشخاص والذين يكون مركزهم القانوني مطلوبون في التحقيق رغم أن المشرع يسميهم خطأ متهمين إذ لا يقوم الاتهام إلا بعد أن يصدر قاضي التحقيق أمرا بالمتابعة والإحالة على المحكمة بناء على توافر أدلة كافية للاتهام.

وبناء على قانون المسطرة الجنائية فإنه إذا تعدد قضاة التحقيق بالمحكمة فإن النيابة العامة هي من أناط بها المشرع سلطة تعيين قاضي التحقيق الذي سيحقق في كل قضية على حدة – مع كامل التحفظ بشأن هذه السلطة – وذلك بصريح م 90 من قانون المسطرة الجنائية والتي جاء فيها: ” إذا تعدد قضاة التحقيق في محكمة واحدة، فإن للنيابة العامة أن تعين من يحقق في كل قضية على حدة”

وبالتالي يبقى سند وضع قاضي التحقيق يده على قضية ما هو تعيين النيابة العامة بناء على المطالبة بإجراء تحقيق والتي تعين فيه قاضيا للتحقيق بصفته وشخصه.

أي أن القضية لا تدخل في حوزة قاضي التحقيق إلا متى تم تعيينه من قبل النيابة العامة.

لكن قد تكون بعض الممارسات العملية والتي قدر لنا أن نراها رأي العين مشوبة بالعوار القانوني المبين حيث لا تستند على أي أساس قانوني متين.

مقال قد يهمك :   عبد الحليم نوري : ظاهرة الإستيلاء على عقارات الغير-الأسباب و الحلول-

اذ قد تعمد النيابة العامة إلى تعيين السيد قاضي التحقيق فلان الفلاني إلا أن ذلك التعيين لا يصادف تواجد القاضي المعني بالمحكمة و يحال الملف على قاض آخر من قضاة التحقيق والذي يتولى استنطاق المطلوبين في التحقيق استنطاقا ابتدائيا ثم يتولى بعده القاضي المعين – بشكل قانوني –  فيما بعد ممارسة جميع الصلاحيات المخولة إليه، و يتم التحجج بعبارة لا أساس قانوني لها بأن قاضي التحقيق فلان – الذي أجرى الاستنطاق الابتدائي و لربما اتخذ أمرا بالإيداع في السجن – هو قاضي التحقيق المداوم.

وهو ما يحق معه لنا أن نتساءل عن السند القانوني لهاته الممارسات محاولين تبيان  مكامن الخلل ومواطن الزلل بشأن تلك الممارسات.

بداية يتعين الجزم وقطع دابر الشك باليقين بألا وجود لمؤسسة قانونية بين دفتي قانون المسطرة الجنائية يمكن أن يصطلح عليها ” قاضي التحقيق المداوم ” ذلك أنه يحتج بأن القاضي الفلاني هو فقط في مداومة بينما القاضي المعني بالملف هو القاضي الذي عينته النيابة العامة وبناء على هذا الأساس يتم استنطاق المطلوبين في التحقيق ابتدائيا من قبل الأول.

لكن وكما سبقت الإشارة فالمادة 90 من قانون المسطرة الجنائية لا تسعف في القيام بمثل هذا الإجراء و يبقى ممارسة القاضي غير المعين من قبل النيابة العامة لأي إجراء صادرا عن شخص غير ذي صفة لأنه لم يعين من قبل النيابة العامة، فضلا على أنه بالنسبة لقضاة التحقيق فهم على خلاف قضاة النيابة العامة إذ لا وجود لمبدإ وحدة قضاة التحقيق و اختصاصات قضاة التحقيق – باستثناء حالة الإنابة القضائية – غير قابلة لا للتفويض و لا للنيابة  ولا نيابة بدون نص ولا نيابة خارج النص ولا يمكن لقاضي التحقيق النيابة عن زميله قاضي التحقيق  وبالتالي فإن القاضي غير المعين من قبل النيابة العامة تبقى طريقة وضع يده على ملف التحقيق طريقة معدومة الأساس القانوني، و الأدهى و الأمر أنه وبعد استنطاق المطلوبين في التحقيق ابتدائيا قد يصدر قاضي التحقيق غير المعين  أمرا بالإيداع في السجن وهو الأمر الذي أعتقد أنه يبقى أمرا مشوبا بالبطلان و ذلك لصدوره عن غير ذي صفة وبالتالي يبقى الإيداع في السجن باطلا، ذلك أنه وكما هو معلوم فقواعد قانون المسطرة الجنائية هي من النظام العام ولا يمكن مخالفتها.

مقال قد يهمك :       فرض جواز التلقيح، أي مشروعية؟

وإذا ثبت ما سبق فإنه علاوة على المسؤولية القانونية  التي قد تقوم في حق قاضي التحقيق غير المعين والذي أصدر أمرا بالإيداع في السجن فإنه طبقا للمادة 249 من قانون المسطرة الجنائية قد تثار حتى مسؤولية رئيس الغرفة الجنحية ذلك أن م المذكورة أناطت به واجب التحقق من حالة المتهمين الموجودين في حالة اعتقال احتياطي.

علاوة على أنه قد تثار مسؤولية كل من وكيل الملك و قاضي تطبيق بناء على م 616 من قانون المسطرة الجنائية إذ أن القانون أناط بهما زيارة المؤسسات السجنية مرة كل شهر على الأقل من أجل التأكد من صحة الاعتقال.

واعتمادا على المادة 91 من قانون المسطرة الجنائية فإنه إذا ما تم تعيين قاضي للتحقيق فإنه لا يمكن أن يسحب الملف من بين يديه و من تحت ناظريه إلا  بناء على طلب من النيابة العامة أو الطرف المدني أو المتهم بعد تقديم ملتمس معلل إلى الغرفة الجنحية يرمي إلى سحب القضية من قاض للتحقيق و إحالتها على آخر ضمانا لحسن سير العدالة.

وعليه واعتبارا لما سبق وفي ظل وجود تعيين قاضي التحقيق من قبل النيابة العامة و أمام عدم وجود نص قانوني يتيح لقاض غير معين من قبل النيابة العامة أن يضع يده على ملف التحقيق ويمارس ممارسة جزئية لصلاحيات قاضي التحقيق المعين فإن أي ممارسة تبقى مشوبة بعيب عدم الاختصاص، ويرجى الانتباه خاصة أن الأمر يتعلق بحريات الأفراد و التي ينبغي ألا تسلب إلا بناء على أساس سليم من القانون ولعل جوهر الأساس السليم أن يصدر أمر بالإيداع في السجن من جهة مختصة قانونا.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)