مجلة مغرب القانونوجهة نظروجهة نظر: حماية من يحمي الوطن

وجهة نظر: حماية من يحمي الوطن

 أمين الخراف محامي متمرن بهيئة الدار البيضاء                        

في الوقت الذي يفترض فيه أن يُقابل رجال الأمن بالتقدير والاحترام، لما يقدّمونه من تضحيات في سبيل حماية المواطن وممتلكاته، هذا ما أكده صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، في خطابه السامي بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لتربع جلالته على عرش المملكة المغربية الشريفة.

“رجال الأمن يقدمون تضحيات كبيرة، ويعملون ليلًا ونهارًا، وفي ظروف صعبة، من أجل القيام بواجبهم في حماية أمن الوطن واستقراره، داخليًا وخارجيًا، والسهر على راحة وطمأنينة المواطنين وسلامتهم. ومن حق المغاربة، بل من واجبهم، أن يفتخروا بأمنهم، وهنا أقولها بدون تردد أو مركب نقص: إذا كان بعض العدميين لا يريدون الاعتراف بذلك، أو يرفضون قول الحقيقة، فهذا مشكل يخصهم وحدهم.”

غير ان حالات الاعتداء على رجال السلطة أثناء أداء واجبهم المهني تتزايد بشكل مقلق، سواء في الشارع العام، أو أثناء التدخلات الميدانية، أو حتى في الفضاء الرقمي، حيث أضحى التشهير بهم وسيلة للنيل من كرامتهم، ومن هيبة الدولة التي يمثلونها.

صارت للأسف مشاهد السب، الشتم، والعنف الجسدي، مشاهد يومية متداولة على منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما يؤثر على صورة المؤسسة الأمنية.

ردًا على هذا التصعيد، أصدرت رئاسة النيابة العامة، في شخص رئيسها هشام البلاوي، دورية مؤرخة بتاريخ 19 يونيو 2025 (انقر هنا للتحميل: الدورية) ، دعت فيها إلى تعزيز حماية الموظفين العموميين، وخصوصًا رجال ونساء الأمن، أثناء قيامهم بمهامهم.

و حيث إن أهمية هذه الدورية تتجسد في كونها تمثل خطوة مهمة نحو ضمان وتوفير جو آمن للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، مثل القضاة ورجال الأمن. ولم تقف الدورية عند هذا الحد، بل قدّمت إحصاءات دقيقة تُظهر حجم الظاهرة، حيث ارتفعت القضايا المتعلقة بالاعتداء على موظفين عموميين من 3549 قضية سنة 2018 إلى 6888 سنة 2024، مما أدى إلى متابعة 8201 شخص أمام القضاء.

مقال قد يهمك :   إشكالية الاستشارة القانونية بين حرية المبادرة ومتطلبات الأمن القانوني

إن القانون الجنائي يتوفر على ترسانة قانونية كفيلة بردع المعتدين ،حيث كان المشرع المغربي واضحاً في الفصلين 263 و 267 , غير أنهما بحاجة لتفعيل أكثر صرامة،إذ ينص الفصل 263 على:

“يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة، وغرامة من 250 إلى 5000 درهم، من أهان موظفًا عموميًا أثناء مزاولته لوظيفته، أو بسبب مزاولتها، بقصد المساس بشرفه أو شعوره أو الاحترام الواجب لسلطته.”

فيما يذهب الفصل 267 إلى مزيد من الحزم، حيث ينص على:

“يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، من ارتكب عنفًا أو إيذاءً ضد أحد الموظفين العموميين أثناء قيامه بوظيفته.”

غير أن كثيرين يرون أن تطبيق هذه الفصول في الواقع ما زال يفتقر إلى الصرامة، وأن بعض المعتدين يفلتون من العقاب، أو يُحاكمون بعقوبات مخففة لا تعكس خطورة ما ارتكبوه.

إن حماية رجل الأمن ليست حصانة بالنسبة له، بل هي ضرورة لضمان هيبة القانون. لكن هذه الحماية يجب أن تكون مقترنة باحترام القواعد القانونية وحقوق الإنسان. فالمعادلة السليمة تقوم على الحزم في مواجهة الاعتداء الذي يتعرض له أثناء قيامه بمهامه، مقابل الالتزام بالسلوك المهني المسؤول.

لذا، فإن رهان المرحلة لا يقتصر على ردع المعتدين، بل أيضًا على تكوين رجال الأمن في آليات التواصل وضبط النفس، وتوفير تجهيزات لوجيستية متطورة لتوثيق تدخلاتهم، حتى يكون التدخل الأمني شفافًا ومحميًا من التأويل.

لذلك، من الضروري التفكير في:

  • تحديث التشريعات لتوفير حماية فعالة لرجال الأمن.
  • تنظيم حملات توعية حول أهمية احترام رجل الأمن كجزء من احترام القانون.

وفي هذا الصدد، وبهذه المناسبة، نستحضر مقولة الراحل الحسن الثاني، طيب الله ثراه، والتي تمت الإشارة إليها في كتاب الحسن البوعيسي “عمل الضابطة القضائية بالمغرب”:

“إن أي عنصر من عناصر الأمن الوطني أو الدرك الملكي أو القوات المساعدة بزيه النظامي، فهو يمثل سيادة الدولة، وأن أي اعتداء عليه، لهو اعتداء على سيادة الدولة المغربية.”

في الختام، لا بد أن نعي أن رجل الأمن ليس خصمًا، بل شريك في حماية الوطن. ومتى ما تمكّنا من بناء علاقة ثقة متبادلة بين المواطن والأمن، سنكون قد قطعنا شوطًا كبيرًا نحو مجتمع يسوده القانون، والاحترام، والكرامة للجميع.

مقال قد يهمك :   قراءة في مدنية الدولة من خلال وصول إيداع الجمعيات

لا يمكن لأي دولة أن تبني أمنًا مستقرًا ما لم تُحمِ أولئك الذين يحمونها. ومتى شعر رجل الأمن أنه عرضة للإهانة والتشهير دون حماية، سيتراجع أداؤه، وتخسر الدولة ركنًا من أركان سيادتها.

لذلك، فإن تطبيق القانون بصرامة، وتفعيل دور النيابة العامة، ورفع وعي المجتمع، هي أعمدة أساسية لحماية من يحموننا.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]