مجلة مغرب القانونأطروحات جامعيةهشام المومني: الوضعية القانونية للعقار خلال مساطر المعالجة من صعوبات المقاولة (أطروحة)

هشام المومني: الوضعية القانونية للعقار خلال مساطر المعالجة من صعوبات المقاولة (أطروحة)

هشام المومني دكتور في القانون الخاص

ملخص الأطروحة

“الوضعية القانونية للعقار خلال مساطر المعالجة من صعوبات المقاولة.”

  إن البحث الذي أنجز، والإشكالية العامة المؤطرة والموجهة له، يندرجان ضمن المجهود المبذول من أجل فهم وتفسير الظاهرة القانونية في علاقتها بالواقع الاقتصادي بالمغرب.

 فموضوع العقار وأنظمته والمؤسسات القانونية المرتبطة به، يعتبر من أحصن المجالات القانونية، باعتباره الأساس المادي والواقعي للمشروعات الاقتصادية، وذلك لما أحيط بتنظيمه من قواعد وآليات قانونية غاية في الصرامة والضبط، إلى درجة وصل فيها الأمر إلى ترسيخ مبادئ قانونية عقارية صارمة سمتها الجمود، هذا النظام القانوني الذي يشكل صرحا شديد التحصين   لتثبيت الملكية العقارية ضمن إطار القانوني يوفر أرضية صلبة تمكن الجميع من أمن عقاري وتعاقدي رصين.

 فمعالجة الموضوع بهذا البعد اقتضى تحليل انتكاس القواعد العامة المنظمة للمعاملات التعاقدية العقارية خلال الوضعية العادية للمقاولة، بما تعرفه من مفاهيم، كالتوازن العقدي وحماية حقوق أطراف العقد وباقي المفاهيم العامة، سواء المنصوص عليها ضمن ق.ل.ع باعتباره الشرعة العامة كقاعدة العقد شريعة المتعاقدين والقوة الملزمة للعقد، أم تلك المنصوص عليها ضمن م.ح.ع  والمتعلقة بقواعد حسن النية وكذا قواعد ترتيب الأولوية بالنسبة للدائنين أصحاب الضمانات العينية، أم حتى القواعد الإجرائية المتعلقة بالتنفيذ العقاري كما هي مسطرة في ق.م.م.

و في مفارقة غريبة تكاد لا تُستوعب، وقفت على أن العقار الذي يعتبر من الركائز الأساسية للنشاط الاقتصادي، باعتباره الضلع الثالث المكون للعملية الاستثمارية بالإضافة لضلعي التمويل والجباية، قد ابتعد أو بالأحرى أُبعد تاريخيا عن اهتمامات قوانين التجارة والأعمال في استيهام لوجود تنافر في طبيعة وخصوصيات كل منهما، والحال أن النظام العقاري بقواعده ومساطره ومؤسساته يسهم بشكل كبير في تكوين الأرصدة العقارية للمقاولة وفي توفير تقنيات تعاقدية تسمح بالنشأة والاستمرار دون الحاجة لأصول عقارية تثقل ماليتها في مراحلها  الأولى، ثم في توفير إمكانيات مهمة للتمويل عبر ما توفره من تقنيات تعاقدية تحقق ضمان ائتمان المقاولة غير المختلة.

فإن كان للعقار هذه الأهمية في الحياة العادية المقاولة، فإنه وباختلال وضعية المقاولة تختل الأسس القانونية التي تنظم مختلف أوجه نشاطها، ولعل أبرز هذه الأسس   تلك المتعلقة بالمعاملات العقارية، فبالرغم من الدور الاستراتيجي المنوط بالقواعد التي تحكم العقار، إلا أنه في حالة  اعتراض المقاولة صعوبات، يجعل هذا الصرح القانوني يهتز بمختلف قواعده الصارمة أمام ضرورة وحتمية إنقاذ المقاولة، وأولوية حماية المصالح المرتبطة بها  والتي قد تكون بعيدة كل البعد عن المصالح التي تحميها القواعد العامة للعقار، هذا التباعد الذي قد يصل حد التلاشي تحقيقا للنظام العام الاقتصادي، الذي من أجله شُرعت مساطر الكتاب الخامس التي تهدف لحماية المقاولة بدل استئصالها.

من هذا المنطلق تأتي أهمية البحث في الوضعية القانونية للعقار خلال مساطر المعالجة من صعوبات المقاولة، وذلك حتى يتسنى للمتعاملين مع المقاولة أو خلالها أو ضمنها، الوقوف عند ما لهم من حقوق وما عليهم من التزامات بالنسبة لكل التصرفات والمعاملات التي قد تجمعهم بشأن عقارات المقاولات، خصوصا الدائنين المتحصنين بالقواعد المنظمة للعقار سواء الأحكام الخاصة بالتصرفات العقارية، أم المتعلقة بقواعد الضمان العقاري أو المرتبطة بالتنفيذ العقاري. هذه الأحكام والقواعد التي يتم تجريدها من كل آثارها القانونية في كنف قواعدها العامة، بمجرد خضوع المقاولة المدينة لمساطر الكتاب الخامس من مدونة التجارة، وذلك بشكل تدريجي، حيث إن هذا التجريد تختلف درجة حدته بحسب خطورة الصعوبات التي تعرفها المقاولة وما يقتضي ذلك من مسطرة للمعالجة.

وتبرز أهمية الموضوع أيضا، بالنسبة للباحثين و الدارسين لجزئية من جزئيات وإشكالات هذا الموضوع، بحيث سيكون هذا البحث بمثابة منصة بحثية وخارطة طريق  ببوصلة للباحث ضمن إشكالية الموضوع، قصد تسليط الضوء على الجوانب و نقاط الظل التي تم الوقوف عندها في ثنايا البحث،كما تتجلى أهمية الموضوع بمحاولة الإجابة عن العديد من النوازل التي قد تواجه المتعامل مع قضايا العقار خلال معالجة صعوبات المقاولة.

فوضعية العقار خلال مساطر الكتاب الخامس تطرح العديد من النوازل العملية التي لم يتطرق إليها المشرع بالتقنين ولا القضاء بالمعالجة، ما استدعى البحث فيها ومحاولة التأصيل لها واقتراح بعض الحلول بشأنها اعتمادا على القواعد العامة متوسلا منهجي القياس ثم الترجيح، كما هو الحال بالنسبة لآليات حماية الغير حسن النية من مقتضيات البطلان الوجوبي ، أو بالنسبة الإشكالية عدم تحيين الرسوم العقارية على إثر المقررات القضائية الصادرة في إطار مخطط الاستمرارية أو التفويت وكذلك أزمة عدم المواءمة التشريعية وغيرها من النقاط التي استوجبت البحث والتأصيل.

ويهدف هذا البحث كما يفهم من عنوانه : ” الوضعية القانونية للعقار خلال مساطر المعالجة من صعوبات المقاولة ” ، إلى استكشاف مجموعة من النقاط اهمها:

 _  تحديد أهمية وتدخلات العقار بالنسبة للمقاولة بشكل عام، سواء بخصوص تكوين الأرصدة العقارية وتوفير الحيز والمجال لممارسة النشاط وضمان استمراره، أو بخصوص توفير روافد للتمويل عبر الاستفادة من البعد الائتماني للعقار.

_ بسط القواعد العامة التي تنظم تعامل المقاولة في مادة العقار خلال وضعيتها العادية حتى يُفهم مكامن الانتكاس ودرجاته، التي ستعرفها هذه القواعد عند خضوع المقاولة لمساطر المعالجة من صعوباتها.

_توضيح مبررات وفلسفة المشرع في المس بقدسية قواعد العقار والتضحية بها عند خضوعها لمحك القواعد المنظمة لمساطر المعالجة من صعوبات المقاولة، وذلك بتشريح هذه القواعد قصد استنباط عوامل المفاضلة بين نظامين كلاهما حمائي، وبسط آليات ترجيح نظام المعالجة من صعوبات المقاولة على النظام العقاري.

_ الوقوف عند مختلف المقتضيات القانونية التي تنظم وضعية العقار خلال هذه المحطات من حياة المقاولة.

_  محاولة تحديد الإشكاليات القانونية والعملية، المترتبة عن قصور المشرع في احتواء الظاهرة الاقتصادية للعقار خلال العمل ضمن قواعد مساطر المعالجة، وذلك إما بسبب عدم الجرأة في الاستعانة بنظام التحفيظ العقاري الذي أشار إليه مشرع نظام صعوبات المقاولة لأول مرة بموجب القانون رقم 73.17 أو بسبب عدم المواءمة بين النصوص القانونية المنظمة للعقار ضمن تشريعاته العامة وبين النصوص المتضمنة لإشكاليات هذا الموضوع ضمن الكتاب الخامس. أو بسبب مقاربة الإحالة والقياس التي اعتمدها المشرع نفسه  معالجة للعديد من وضعيات العقار خلال هذه المساطر.

_ محاولة التأصيل لحدود ومكمن المفارقة والمقاربة بين القواعد العامة للعقار ومساطر المعالجة من صعوبات المقاولة، وذلك من خلال تحديد مجال التنافر الذي يصل حد القطيعة أحيانا، ثم تحديد نطاق التقارب الذي يبلغ حد التماهي في مواضع كثيرة، والذي يكون في الغالب لأجل تحقيق أهداف ومرامي هذه المساطر حيث يتم الاستعانة بقواعد هي عقارية في الأساس خدمة لمساطر المعالجة، وذلك انسياقا مع النهج البراغماتي الذي يسم و يواكب هذا النظام القانوني.

_ وفي الأخير محاولة تقييم التدخل التشريعي من خلال القانون رقم 73.17 الذي نسخ وعوض الكتاب الخامس القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة، خصوصا في تناوله للإشكاليات التي يطرحها التعامل في العقار خلال مساطر المعالجة من صعوبا المقاولة.

مقال قد يهمك :   عبد النباوي يدعو وكلاء الملك لترشيد حالات الاعتقال الاحتياطي

في ما يخص إشكالية البحث وتساؤلاته:

فإنه ولكون العقار رافعة أساسية للمصلحة الفردية والجماعية، ومحركا محوريا للنشاط الاقتصادي الذي تجسده المقاولة، فقد أحيط وحصن بمؤسسات وقواعد قانونية ديدنها الأساس حماية الأدوار الاقتصادية والمالية والائتمانية التي يمثلها بالنسبة للمقاولة في حالاتها العادية، هذه المؤسسات والقواعد القانونية التي تتميز بالصرامة والضبط الشديدين لموضوع العقار، من خلال ترسانة قانونية فعالة غايتها صيانة وحفظ حقوق المتعاملين به، وتحصين المراكز القانونية التي تنشأ من خلال هذه المؤسسات القانونية.

و اعتبارا لكون العقار يعد من ضمن أهم المرتكزات الائتمانية للمقاولة، في سياق القواعد العامة التي يُحتكم إليها خلال الحياة العادية للمقاولة، فيكون محكوما ـــ أي العقار ـــ بقواعد قانونية من كنهه ولأجل حماية التصرف فيه، وتحقيق الدور الائتماني الذي يمثله، فإن من شأن اعتراض المقاولة صعوبات قد تضعها في نطاق مساطر الكتاب الخامس، إسدال الستار عن هذه القواعد القانونية العامة المنظمة للعقار، ليُكشف الستار عن منظومة قانونية حمائية موازية للمنظومة الأولى غايتها حماية المقاولة وما تجسده من نشاط اقتصادي و أدوار مالية واجتماعية، ومن هذه الحماية حماية الأصول العقارية للمقاولة تحقيقا لغاية استمرار النشاط، لكن هذه الحماية ليست من منظور النظريات العامة وإنما من زاوية وفلسفة مساطر المعالجة التي تتعارض في الكثير من مقوماتها مع النظرية العامة للعقار.

الشيء الذي استتبع خضوع عقارات المقاولة بشتى أبعادها، لازدواجية في الأنظمة الحمائية تضع وضعية العقار خلال فتح مساطر المعالجة تحت مجهر البحث والتحليل، فالوضعية أصبحت بين نظامين متوازيين؛ نظام عقاري غايته تحصين العقار كثروة مادية ومعنوية أحيانا، واستقرار المعاملات العقارية وتشجيع الائتمان لتوفير السيولة المالية، ثم حماية المراكز القانونية من خلال مبادئ من قبيل التطهير وحماية الغير حسن النية، ثم نظام مساطر المعالجة من صعوبات المقاولة بأهدافه الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تجسدها أهدافه الثلاثة؛ ضمان استمرار النشاط الاقتصادي للمقاولة، استقرار عنصر التشغيل وأداء خصوم المقاولة.

هذه الازدواجية تقتضي الحسم التشريعي والقضائي وكذلك الفقهي في ترجيح أحد النظامين عبر المفاضلة والموازنة بين المصالح التي يستهدفها كل نظام على حدة، من هنا تنبع الإشكالية المركزية للبحث المرتكزة حول المبررات القانونية والفلسفية والواقعية التي جعلت كفة الترجيح تميل لفائدة نظام الكتاب الخامس ما يطرح التساؤل حول  معايير هذا الترجيح؟ وحول مدى توفيق المشرع  في هذا الترجيح؟

 ويتفرع عن هذه الإشكال الجوهري تساؤلات فرعية بشأن القضايا العملية والنوازل الواقعية التي يطرحها التعامل بالعقار خلال مساطر المعالجة التي لا تجد لها أجوبة وحلول ضمن نظام الكتاب الخامس؟ و هل الأمر يقتضي الرجوع للشرائع العامة التي تحكمها؟

وإذا كان الأمر كذلك، ألم يكون من الأجدى والأنجع اعتماد مقاربة التكامل للتوفيق بين النظامين؟ عوض مقاربة الإقصاء والتجميد المعتمدة بشأن القواعد العقارية العامة؟

 ثم إلى أي مدى تبرر الفلسفة البراغماتية لنظام الكتاب الخامس التوسل بالقواعد القانونية العقارية خدمة لهذه المساطر؟

ثم ألم يكن من الممكن الاستعانة أكثر بالنظام العقاري وأخص بالذكر نظام التحفيظ العقاري لترسيخ الصرح الحمائي الذي تجسده مساطر القانون رقم 73.17؟ وخصوصا بوجود مناطق تماس كثيرة بين النظامين كما يتبين من خلال تحليل عناصر البحث.

منهجية البحث:

للإجابة عن هذه الإشكال المركزي اعتمدت منهجية التحليل الوصفي للنصوص القانونية المنظمة أو المتعلقة بجزئية العقار خلال هذه المساطر في ظل القانون رقم 73.17، متوسلا بالمنهج النقدي لمختلف هذه النصوص، وذلك من أجل الوقوف على مدى النجاعة التشريعية في مقاربة حالات وتجليات العقار خلال مساطر الكتاب الخامس، أخذا بالحسبان فلسفة المشرع من وراء ذلك.

و لأن مجرد التحليل النظري المرتكز على النص القانوني فقط، يبقى قاصرا عن مقاربة الإشكالات والحالات العملية، فقد قمت بتدعيم المقاربة التشريعية بالقدر المتوفر من المقررات القضائية العاكسة للعمل القضائي في نوازل الموضوع، وذلك حتى يكون البحث أكثر واقعية وعاكسا لمعاش المقاولة.

 وفي سياق المنهج التحليلي النقدي دائما  توسلت قدر المستطاع بالاتجاهات الفقهية الكبرى التي تناولت إشكاليات صعوبات المقاولة، باعتبارها الأرضية الفلسفية التي أسست على ضوئها مختلف التشريعات قواعدها، واستنبطت من خلالها الاجتهادات القضائية توجهاتها الكبرى في نوازل الموضوع، وذلك في محاولة زرع لبذرة لما يمكن تصنيفه نظرية عامة للمعاملات العقارية خلال مساطر المعالجة من صعوبات المقاولة.

خطة البحث:

من خلال إشكالية البحث والتساؤلات التي يطرحها، تأتى حصر موضوع الدراسة حول فكرتين أساسيتين؛ ترتكز الفكرة الأولى  حول الأدوار الأساسية التي يضطلع بها العقار خلال نشأة واستمرار النشاط الاقتصادي الذي تمثله المقاولة، وتأثر هذه الأدوار بالإرهاصات الأولية لصعوبات السابقة على التوقف المقاولة عن دفع ديونها.

 فيما تتمحور الفكرة الثانية حول جوانب انتكاسة القواعد العامة المنظمة لعقار المقاولة متى توقفت عن دفع ديونها، ثم مدى التأثير والتأثر السلبي والإيجابي أحيانا لهذه العقارات أمام إكراه ضمان استمرار النشاط، وما يستلزم هذا الإكراه من تجميد أو تحييد للمقتضيات العامة المرتبطة بالتصرفات العقارية أو لأحكام الضمان بل حتى لما يتعلق بإجراءات التنفيذ، هذه القواعد التي تشكل شرعة عامة لأحكام التفويت الجزئي أو الكلي لعقارات المقاولة المدينة، وكذا لقواعد تصفية أصول المقاولة عند تصفيتها، اعتمادا على منهج الإحالة المعتمد تشريعيا، فمن هذا المنطلق و حتى يتسنى تمحيص كل جزئية وتحليلها بشكل مستفيض، تم البحث في هذه النقاط من خلال قسمين.

خصصت القسم الأول للحديث عن مركزية العقار بالنسبة للمقاولة، عبر بسط القواعد العامة التي تحكم هذه المركزية، والتي ستكون محل انتكاس ستبرز إرهاصاته الأولية حتى خلال مساطر المعالجة السابقة عن التوقف عن الدفع المتمثلة في مسطرتي الوكيل الخاص والمصالحة ثم مسطرة الإنقاذ شبه القضائية المحدثة بموجب القانون رقم 73.17.

وفي القسم الثاني قمت تحديد تجليات انتكاس القواعد العامة المنظمة للعقار خلال مساطر المعالجة اللاحقة للتوقف عن الدفع، سواء تعلق الأمر بالقواعد القانونية الواردة في ق.ل.ع.م أم المبادئ التي تشكل أساس نظام التحفيظ العقاري أم المؤسسات القانونية المنظمة من خلال مدونة الحقوق العينية، ثم إجراءات ق.م.م مع ما تقتضيه الفلسفة البراغماتية للكتاب الخامس من مدونة التجارة من إهمال أو إعمال لكل هذه القواعد.

من خلال دراسة الوضعيات القانونية للعقار خلال مساطر المعالجة من صعوبات المقاولة، خلصت إلى أنه وإن كانت المقتضيات الجديدة التي أتى بها الكتاب الخامس من مدونة التجارة سواء القديم المنسوخ أم الجديد المعوض له بموجب القانون رقم 73.17 قد شكل طفرة حقيقية، في تجاوز إيجابي  لسلبيات نظام الإفلاس العقابي البائد، والذي لم يعد مواكبا للمقاربة القانونية الاقتصادية التي باتت تحكم الظاهرة المقاولاتية بمختلف تجلياتها والتي من ضمنها معالجة وضعياتها المختلة.

مقال قد يهمك :   القيمة القانونية للوثيقة المشهود بمطابقتها للأصل وانتهاء صلاحيتها بمرور الزمان

فقد اتضح بالملموس التعقيد الذي يميز نظام صعوبات المقولة بأهدافه المتمثلة في ضمان استمرارية النشاط الاقتصادي الذي تمثله وتحصين وظيفة التشغيل التي تضطلع به ثم أداء الخصوم التي في ذمتها تجاه الدائنين، وذلك عبر تقييم علمي وعملي لوضعياتها الاقتصادية والمالية والاجتماعية والقانونية، إما من أجل تقويمها وإنقاذها أو لتحقيق استمرار نشاطها أو لتفويتها أو حتى من أجل تصفيتها، أخذا بعين الاعتبار جميع المصالح المتعلقة بها لكن بدرجة أولى مصالحها هي نفسها لاندراجها ضمن مفهوم المصلحة العامة الاقتصادية.

وقد تبين أيضا أن هذه المصلحة العامة الاقتصادية التي حصنت المقاولة وحمتها ضمن محيطها التنافسي في مواجهة مختلف المصالح الاقتصادية الأخرى المرتبطة بها، شكلت بالمقابل جبهة لانتكاس مؤسسات قانونية أخرى تهدف بدورها لحماية نظام عام اقتصادي من نوع آخر هو النظام العام العقاري، والذي يرتكز بدوره على مجموعة من المبادئ والقواعد العامة سبق الإشارة إليها.

هذه الانتكاسة التي بُررَّت تشريعا وقضاءً وفقها باعتبار معيار الأولوية وأهداف المصلحة العامة الأولى بالحماية، بعلة أن القواعد العامة العقارية وإن كنت تندرج في سياق المصلحة العامة، فإن غاياتها إنما حماية مصالح فردية تمثلها إما رغبات المقاولة نفسها المجسدة في رئيسها، أو مصالح الدائنين بما هو متاح لهم من حقوق وامتيازات وفق الأنظمة الخاصة بالضمان التي يتمسك بها كل دائن على حدا، والتي تتيح له تحصيل ديونه بأريحية وسلاسة أنظمة الضمان العيني العقاري الخاصة بالشكل الذي تم تبيانه في الباب الأول من القسم الأول من  هذا البحث.

فنظام المعالجة من صعوبات المقاولة وفي سياق الفلسفة القانونية التي باتت تتخذ من الفعلية الواقعية والفاعلية الاقتصادية للنص القانوني ديدنها، قد أعطت الأولوية كل الأولوية للغايات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تهدف إليها هذه المساطر، وذلك من خلال مجموعة من القواعد والمؤسسات القانونية التي تحكم مختلف أوجه نشاط المقاولة خلال فتح هذه المساطر ولعل أبرز هذه الأوجه ما يمثله العقار بالنسبة للمقاولة.

فالعقار بهذا المعنى أصبح وكما هو الحال بالنسبة لمختلف العناصر المادية أو المعنوية المكونة للمقاولة، مسخرا قانونيا وواقعيا لتحقيق أهداف مساطر الكتاب الخامس، وفق استراتيجيات التي يتبناها القضاء للخروج بالمقاولة من أزماتها، هذا التسخير الذي يظهر من خلال الأدوار التي أنيطت بالعقار، إما تفعيلا أو تعطيلا، في سبيل إنجاح مختلف مراحل وإجراءات مساطر المعالجة  وعلى اختلاف تأثير هذه المساطر وحدة الصعوبات التي تواجهها المقاولة.

و في هذا السياق توقفت في الباب الثاني من القسم الأول من البحث عند دور العقار وتمثله خلال مساطر المعالجة السابقة  للتوقف عن الدفع، خصوصا بالنسبة لمسطرة الإنقاذ الجديدة حيث اتضح ما للعقار من أهمية سواء من خلال المقتضيات التشريعية، أم من خلال العمل القضائي الذي أبان في مجمله أن مختلف مخططات الإنقاذ التي تم اعتمادها ارتكزت بشكل كبير على البعد الاقتصادي والمالي والاجتماعي للعقار سواء من ناحية ضمان الاستمرارية أم من جهة توفير قنوات التمويل و ذلك في الفصل الثاني من الباب الثاني.

في حين خصصت الفصل الأول من الباب الثاني للحديث عن الإمكانيات التي تتيحها عقارات المقاولة في تثمين مسطرتي الوكيل الخاص والمصالحة اللتان تم إعادة هيكلتهما من خلال قانون 73.17 الجديد، هذه المقاربة التشريعية الجديدة للوقاية الخارجية تسمح بالمراهنة على الأصول العقارية للمقاولة خصوصا المشتغلة في المجال العقاري، من أجل رد الاعتبار لمسطرتي الوكيل الخاص والمصالحة اللتان كانتا محض زينة تشريعية في ظل الكتاب الخامس المنسوخ.

وبالتطرق لوضعية العقار خلال المساطر اللاحقة للتوقف عن الدفع في القسم الثاني من البحث، اتضحت الصورة أكثر بخصوص تجليات انتكاس القواعد العقارية العامة في كنف مساطر المعالجة القضائية الكلاسيكية، ومن  أجل تحديد مظاهر الانتكاس وتتبع تجلياته وآثره القانونية على مختلف المراكز القانونية المتأثرة به، حاولت قدر الإمكان تتبع مختلف مراحل المعالجة القضائية ومختلف الوضعيات المختلة التي يمكن أن تساق فيها هذه المساطر، مع استنباط جميع المؤسسات القانونية والقواعد الإجرائية التي تعرف فيها أو خلالها القواعد العامة العقارية تأثرا أو حتى تأثيرا بهذه المؤسسات سواء بالسلب أم الإيجاب.

و قد تم من خلال الفصل الأول من الباب الأول من القسم الثاني تبيان أن بمجرد النطق بحكم فتح مسطرة المعالجة يتحدد تاريخ توقف المقاولة عن دفع ديونها، وبالتالي تحديد فترة الريبة وما يمكن أن تشكله هذه المؤسسة القانونية من آثار خطيرة على التصرفات العقارية تصل حد البطلان المطلق، مع إبراز  الآثار السلبية الخطيرة لهذه الأحكام وما تشكله من تهديد لقواعد تعتبر غاية في التحصين في ظل القواعد العقارية العامة، من قبيل قاعدة حماية الغير حسن النية المنصوص عليها م.ح.ع وقاعدتي التطهير فالأثر المنشئ للحق العيني المترتب عن الشهر العيني الواردتين في نظام التحفيظ العقاري، ثم على مبدأ استقرار المعاملات وحماية الائتمان وما يطرحه ذلك من إشكاليات عملية.

ثم بعد ذلك تناولت  أحكام التعامل مع العقار خلال فترة إعداد الحل الفاصلة بين تاريخ الحكم بفتح مسطرة المعالجة القضائية وتاريخ صدور الحكم باختيار مسطرة المعالجة المعتمدة، مع تبيان أهمية الأصول العقارية خلال هذه الفترة وما تلعبه من أدوار في اعتماد الحل الملائم لوضعية المقاولة والكفيل بإخراجها من أزمتها، وذلك من خلال تحليل وتقويم كتلة العقار بالنسبة لأصول المقاولة، وتقويم مدى أهمية العقود العقارية الجارية الضرورية لاستمرار نشاطها، هذه الأخيرة التي باتت محكومة بقاعدة الاستدامة بموجب المادة 588 من م.ت وخاضعة لسلطة السنديك في الترجيح بين مواصلتها أو فسخها.

في حين أحاط المشرع الأصول العقارية للمقاولة بمقتضيات حمائية وقيود استثنائية صارمة، مخضعا التصرف فيها أو بشأنها للموافقة القبلية للقاضي المنتدب، على أساس أن المبدأ في مساطر المعالجة من صعوبات المقاولة هو حماية الأصول المتواجدة وتجميع وإعادة تجميع ما اندثر منها لما تمثله هذه الأصول العقارية من أهمية بالنسبة لمخططات الاستمرارية أو التفويت أو حتى بالنسبة لمسطرة التصفية القضائية، فهي المرتكز الأساسي في تحقيق نظام المعالجة من صعوبات المقاولة لأهدافه الثلاثة إما كلا أو بعضا بحسب الأولويات.

ثم بعد و من خلال الفصل الثاني من هذا الباب قمت بتسليط الضوء على تأثر البعد الائتماني  لعقارات المقاولة و ما تمثله من ضمان، من خلال نشوء مؤسسة حق أولوية الدائنين اللاحقة ديونهم لحكم التوقف عن الدفع، تحديدا لنطاق تأثر القواعد العامة للضمان العقاري سواء من حيث الدائنين أم من حيث الديون المشمولة أم بالأحرى المنتكسة بقاعدة الأفضلية التي تقطع مع أي امتياز أو أولوية كان يتمتع بها الدائنون السابقون لحكم التوقف عن الدفع، وقد تم إبراز تجليات هذا الانتكاس المتمثل في خضوع هؤلاء لمسطرة التصريح بالديون وما تقتضيه هذه المسطرة من شروط يكون جزاء مخالفتها سقوط الدين مهما كان له من امتياز أو ضمان في ظل القواعد العامة التي نشأ في كنفها.

مقال قد يهمك :   مجلة الممارس للدراسات القانونية والقضائية: العدد السابع يوليوز 2020 (تحميل)

ومن خلال التدرج الذي تم عبره بحث وضعية العقار في حياة المقاولة انطلاقا من الوضعية العادية وصولا لمرحلة إعداد الحل، فقد تبين أن العقار ما فتئت أهميته تزداد ما تقدمت المرحلة والمسطرة التي يعالج في إطارها، وهذا ما يبدو جليا عند مرحلة اختيار الحل حيث يكون لطبيعة الحل المعتمد بالغ الأثر على وضعية الأصول العقارية للمقاولة، بل غالبا ما تشكل هذه العقارات جوهر هذه الحلول، وذلك ما أبرزته عند مناقشة وضعية العقار خلال مخططي الاستمرارية أو التفويت سواء في ما يخص الأصول العقارية أم بشأن العقود العقارية الجارية.

وفي الأخير تم تخصيص الباب الأخير من البحث للحديث عن جزئية تأثر القواعد العامة للتنفيذ العقاري بخضوع المقاولة لمساطر المعالجة من الصعوبات، إبرازا لجوانب المفارقة بين هذه القواعد وما تقتضيه هذه المساطر من إهمال لها خدمة لأهدافها المتسقة مع المصلحة العامة الاقتصادية في الفصل الأول، ثم ومن منطلق النظام العام الاقتصادي نفسه إبراز تجليات المقاربة للقواعد العامة للتنفيذ العقاري لأهداف مسطرة المعالجة عبر إعمال هذه القواعد إما تركيزا لمسطرة المعالجة أو تسريعها لها أو تحقيقا  للمردودية الاقتصادية والمالية من خلالها و ذلك في الفصل الثاني والأخير.

وبهذا تكون خلاصة البحث في موضوع وضعية العقار خلال مساطر المعالجة من صعوبات المقاولة، التأصيل لما يمكن اعتباره نظرية عامة للعقار خلال نظام المعالجة من صعوبات المقاولة، هذه النظرية التي تقارب مختلف أوجه تدخل العقار خلال نظام ومساطر الكتاب الخامس، وتحدد كل التأثيرات السلبية والإيجابية لهذا التدخل، كما تحاول ملامسة الجوانب الفلسفية والواقعية والاقتصادية والمالية التي جعلت الكل يتفق على ترجيح نظام المعالجة من صعوبات المقاولة بمختلف قواعده وأحكامه ومؤسساته على النظام العقاري بما يتميز به أيضا من حمائية وصرامة تمثلها مختلف القواعد والمبادئ التي تجسده.

لكن التساؤل الذي بقي مطروحا والذي لم تستطع هذه النظرية العامة إحاطته بالإجابة الشافية، هو مدى استيعاب هذه النظرية لكافة الإشكالات العملية والنوازل التطبيقية التي تعرضها مسألة وضعية العقار خلال مساطر المعالجة من صعوبات المقاولة؟ ثم إلى أي حد كان المشرع موفقا في مقاربة هذا الإشكال تشريعيا؟

الظاهر من خلال مختلف محطات البحث في هذه الوضعيات أن المشرع لم يكن موفقا في كثير من النقاط المتعلقة بوضعية العقار خلال مساطر المعالجة، ولعل مناط الإشكال هنا هو عدم المواءمة التشريعية بين النصوص القانونية التي تحكم النظامين، خصوصا بالنسبة لنقاط التماس والتقاطع حيث يحكم نفس النازلة العقارية قاعدتان كلاهما حمائي لا يوجد تنسيق ولا ترابط تشريعي بينهما، كما هو الحال بالنسبة لقاعدة البطلان الوجوبي التي تحكم التصرفات التبرعية خلال فترة الريبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 714 من م.ت، واحتمالية اصطدامها بقاعدة حماية الغير حسن النية المقيد في الرسم العقاري كما هي منظمة في الفصل 66 من ظ.ت.ع والمادة 2 من م.ح.ع.

هذا من جهة ومن جهة ثانية تبين أن المشرع المغربي قد أضاع فرصة تاريخية عند استعانته بالنظام العقاري عموما وبنظام الشهر العيني الذي يمثله نظام التحفيظ العقاري بشكل خاص عند نسخه للكتاب الخامس من مدونة التجارة، اللهم الإشارة المحتشمة لهذا النظام من خلال المادتين 584 و626 من م.ت حيث تنص الأولى على وجوب تضمين الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية والإنقاذ بسجلات المحافظة العقارية، فيما تقتضي الثانية ضرورة تقييد حكم عدم إمكانية تفويت الأموال المعتبرة ضرورية لاستمرارية المقاولة دون ترخيص من القضاء بسجلات المحافظة.

والحال أن محطة نسخ وتعويض الكتاب الخامس من مدونة التجارة من خلال القانون رقم 73.17 كانت مواتية جدا للاستعانة صراحة بالإمكانيات القانونية الحمائية التي تتيحها مؤسسات نظام التحفيظ العقاري من قبيل مسطرتي التعرضات والتقييدات الاحتياطية في تحقيق غايات مساطر المعالجة أولا، ثم في تجاوز عيوب عدم المواءمة التشريعية بين النظامين ثانيا.

 من خلال هذه الخلاصة الموضوعية  للبحث فقد أشرت إلى مجموعة من النقاط الجزئية التي لا زالت محل نظر، والتي اتضح ضعف المعالجة التشريعية بشأنها والخلاف القضائي والفقهي في التعامل معها خلال تفاصيل هذا البحث، والتي أترك بشأنها المجال للجنة لإبداء ملاحظاتها بشأنها قصد تصويبها.

لكن رغم كل هذه الملاحظات و الخلاصات يجب تثمين المبادرة التشريعية الجادة في الارتقاء بالمقاولة المغربية لمستوى التنافسية والفعل الاقتصادي والمالي والاجتماعي المرجو لها، باعتماد نظام المعالجة من صعوبات المقاولة كآلية تطعيم المقاولات العليلة لتقوية مناعتها التنافسية، ولأن القانون رقم 73.17 الناسخ والمعوض للكتاب الخامس لا زال في مرحلته الأولى من التنزيل فلا يمكن من الناحية الواقعية ولا العلمية ولا حتى الأخلاقية إصدار أحكام قاصية بشأنه، رغم أن تجربة المشرع الفرنسي قد أبانت جوانب قصور و تقصير عديدة جعلته يسابق الزمن لتعديلها وتداركها.

  ولأن التشريع يجب أن ينبعث من رحم الواقع والمجتمع وأن يحيط بخصوصياته وأوضاعه وبنياته والبيئة التي يراد تطبيقه عليه فلا يمكن التفاؤل كثيرا بخصوص نجاعة القانون رقم 73.17 في الخروج بالمقاولة المغربية من أزمة معالجة صعوباتها، لأن هذا القانون ليس وليد واقع المقاولة المغربية أولا ولأنه لا يولي أدنى اعتبار لغيره من الأنظمة القانونية الموازية التي تبتغي تحقيق المصلحة العامة لكن، من منظور مغربي قح كما هو الشأن بالنسبة لوضعية العقار خلال فتح مساطر المعالجة من صعوبات المقاولة.

 فالنظام العقاري المغربي وبنيته العقارية بعيدان كل البعد عن نظيره الفرنسي، والعقار لدى الوعي الجمعي والفردي المغربي له ما له من مكانة ومركزية، وإذا كان احترام البون الحضاري مع المصدر التاريخي لمساطر صعوبات المقاولة جعلنا نتبنى ما أصبح متجاوزا لديهم من أنظمة للمعالجة من صعوبات المقاولة كمسطرة الإنقاذ، فلما لا يجعلنا التميز والخصوصية الحضارية المغربيةبالمقابل نبدع قواعدنا ونظامنا القانوني الخاص للمعالجة من هذه الصعوبات ذات الخصوصية المغربية.

 نظام ينبع من واقعنا ويكرس الأوضاع الحقيقية للمقاولة المغربية؟ هذا دون إقصاء لاستلهام التجارب الإيجابيات الأخرى كما أوضحت بداية. خصوصا وأن الاعتبارات الموضوعية والتاريخية التي كانت تبرر هذه التبعية التشريعية لم تعد قائمة، وبالتالي فلا يوجد ما يبرر هذه الاستمرارية في النهل من ينبوع يلائم خصوصيات المجتمع الذي ظهر فيه وطبيعة مكوناته

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]