موقف العمل القضائي من إثبات المساهمة في تنمية الأموال المكتسبة بعد الزواج
- الدكتور حسن فتوخ : مستشار بمحكمة النقض و أستاذ بالمعهد العالي للقضاء.
بالرجوع إلى مقتضيات المادة 49 من مدونة الأسرة نجد أن الأصل في العلاقة الزوجية هو فصل الذمة المالية للزوجين، أي أن كل واحد منهما مستقل عن الآخر في التصرف في أمواله كيف يشاء، غير أن المفهوم الجديد للأسرة من منظور بعدها الحقوقي والاجتماعي والثقافي والتربوي، جعل المشرع يرقى بحق الرعاية المشتركة بين الزوجين إلى التفكير في مستقبل الأسرة عن طريق إمكانية الاتفاق اختياريا، في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء الزوجية على كيفية اسثتمارها وتوزيعها، باعتبار الرجل والمرأة شريكين وفاعلين في مجال يقتسمان مسؤولية تدبيره والحفاظ عليه.
بيد أنه في حالة عدم وجود اتفاق بين الزوجين فيرجع للقواعد العامة للإثبات، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة ولو تعلق الأمر بعمل المرأة المنزلي حسب البعض.
و قد اعتبرت محكمة النقض أنه يتعين على المحكمة إبراز العناصر التي استقت منها استحقاق الزوجة ثلث العقار المملوك للزوج، أو تجري التحقيق اللازم انطلاقا من الوثائق المستدل بها من الطرفين لتحديد ما تستحقه الزوجة مقابل ما بذلته من مجهود لتنمية ثروة الزوج وترتب على ذلك أثره.
فالتساؤل الذي يثار بشأن مقتضيات المادة 49 من مدونة الأسرة أعلاه يتعلق بزمان رفع دعوى اقتسام الأموال المكتسبة أثناء فترة الزواج، أي هل خلال سريان العلاقة الزوجية بين الطرفين أم بعد إنهاءها بالطلاق أو التطليق؟
من المسلم به قانونا أن الأصل في الأشياء الإباحة. ومادامت مقتضيات المادة 49 أعلاه، لم تحدد النطاق الزمني لرفع دعوى اقتسام الأموال المكتسبة أثناء فترة الزواج، فإن ذلك يعني إمكانية رفعها خلال قيام العلاقة الزوجية وبعد انفصامها.
أما فيما يتعلق بالإثبات المقصود في الفقرة الأخيرة من المادة 49، فهل ينصرف للاتفاق غير المكتوب، أم للجهد والمساهمة في تنمية الأموال؟
جاء في الدليل العملي لمدونة الأسرة أن الإثبات ينصرف إلى المساهمة في تنمية الأموال طبقا للقواعد العامة في ضوء ما قام به المدعي من أعمال ومجهودات وأعباء ساهمت في تنمية المال واستثماره، وأن التقدير من طرف المحكمة المعروض عليها النزاع لا يعني حتما التوزيع بالمناصفة، بل سوف يحدد بقدر المجهود الذي بذل من طرف كل واحد وأثره في تنمية الأموال المكتسبة أثناء الزوجية.
ونعتقد أنه إذا كانت الأموال المطلوب قسمتها من قبل الطرف المدعي عقارات محفظة، فإنه ليس هناك أي مسوغ قانوني لرفض التقييد الاحتياطي لمقال الدعوى من طرف المحافظ طالما أن المشرع قد اعتبر الدعوى الرامية إلى استحقاق حق عيني عقاري دعوى عينية تطبيقا لمقتضيات المادة 12 من مدونة الحقوق العينية، على أساس أن التقييد المذكور مجرد وسيلة للحفاظ مؤقتا على نصيب الطرف المدعي في العقار المدعى فيه وتقييد الدعوى بالرسم العقاري حتى يتأتى للمتعاملين بشأنه الإطلاع عليها وتحملهم التبعات القانونية التي يمكن أن تترتب عن ذلك.
لكن قد يطرح التساؤل حول مدى أحقية إحدى الزوجات – في حالة التعدد من طرف الزوج – في رفع الدعوى المشار إليها أعلاه ضد الزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة الجاري العقار موضوع النزاع بملكها؟
وجوابا عن ذلك، فإننا نشير إلى أنه ليس هناك أي مقتضى يبيح أو يمنع هذه الصلاحية، لكون الحق في الاستفادة من الأموال المكتسبة أثناء الزوجية مقصور على الزوجين عند عدم إبرامهما لأي اتفاق بشأن ذلك، الشيء الذي يجعلنا نعتقد أنه ليس من العدل في شيء، أن نحرم إحدى الزوجات من المطالبة بنصيبها في الأموال المكتسبة أثناء الزوجية بعلة أنها جارية بملك الزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، على اعتبار أن المعيار المعتمد أمام المحكمة هو إثبات المساهمة في اكتساب المال محل النزاع من قبل الطرف المدعي، بصرف النظر عما إذا كان جاريا بملك الزوج أم بملك إحدى الزوجات المتعدد بهن، وذلك درءا لما يمكن أن يقع من تحايل لبعض الأزواج عن طريق تقييد كافة الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية في اسم إحدى الزوجات، وحرمان الأخريات من نصيبهن فيها تبعا لقرينة الشراكة المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من المادة 49 أعلاه.