مجلة مغرب القانونالمنبر القانوني منازعات الأراضي السلالية والطعن بالإلغاء في قرارات مجلس الوصاية

 منازعات الأراضي السلالية والطعن بالإلغاء في قرارات مجلس الوصاية

  •  رشيد أقجي باحث  في الاجتهاد القضائي الإداري و القانون الدولي والعلاقات الدولية.

توطئة:

إذا كان المقصود بالأراضي الجماعية- أراضي الجموع- هي تلك الأراضي المملوكة على الشياع من طرف أفراد الجماعة السلالية الواحدة، والمتكونة من ثلاثة ضروب رئيسية: المتجلية  في مناطق التخييم و المرافق التابعة لها، والمخصصة للسكن لفائدة أفراد الجماعة؛ والأراضي الفلاحية أو القابلة للفلاحة؛ وأراضي الزراعة والرعي[i][1]– التي تشكل ثلث المساحة التي يتم استغلالها بصفة مشتركة، فهي تحتل مكانا مرموقا داخل البنية العقارية المغربية، فهي تساهم في تحقيق التطور الاقتصادي والاجتماعي،  فضلا عن  إطارها القانوني الذي عرف تنوعا على مستوى طبيعة النص المطلق، تجلى أساسا في مجموعة من الظهائر  والمراسيم والقرارات الوزارية، الضوابط، الدوريات، المذكرات، والرسائل  1 –  مكرر ، كما عرف  العمل القضائي الصادر بدوره في مجال منازعات الأراضي الجماعية تنوعا على مستوى القواعد المقررة التي تختلف من درجة إلى أخرى، وحسب ملابسات القضية، دون أن نغفل تعدد الجهات المختصة بالنظر فيها ، وذلك باختلاف طبيعة النزاع ذاته، و هو ما يعرقل عملية تنمية هذه العقارات و الرفع من مردوديتها، فكان لزاما على المشرع التدخل قصد وضع إطار قانوني يحكم هذه الأراضي، بشكل يتواءم مع التطور الذي شهده المغرب على مختلف الأصعدة، وحبذا لو تم ذلك في شكل مدونة لأراضي الجماعات السلالية، تضع مسطرة قانونية واضحة  و مبسطة لفصل النزاعات المرتبطة بها، حيث إن كثرة النصوص التشريعية و تشعبها وغموضها في بعض الأحيان قد يعيق عملية تدبير الأراضي تدبيرا سليما، و يعبث بكل الجهود المبذولة من أجل تحقيقها؛

ولعل النزاع المذكور، والمترتب عن سوء تدبير الأراضي الجماعية، هو ما استأثر باهتمام الباحثين و الأكاديميين،وفعاليات المجتمع المدني، والاجتهاد القضائي الإداري الذي أصل لمجموعة من القواعد القانونية إبان البت في النوازل المعروضة عليه، والتي تستوجب دربة وملكة استنباط ما وراء النصوص القانونية خاصة عندما تكون غير مواكبة لمستجدات الواقع المعاصر.

وهو ما ستتناوله هذه الدراسة، مبينة لما تواتر عليه العمل القضائي في المتساءل أو المختلف حوله في أفق العمل على توحيد الأحكام القضائية ذات الصلة، وذلك من خلال محورين أساسيين، حيث سنعالج في أولاهما إشكاليات تدبير الأراضي الجماعية، في حين سنعرج في ثانيهما على دور الاجتهاد القضائي الإداري في تقعيد أهم المرتكزات التي اعتمد عليها كأسس قانونية لتجاوز الصعوبات المثارة خاصة من حيث التضاربات على مستوى الطعن في مقررات مجلس الوصاية  بالإلغاء من عدمه؛

المحور الأول: إشكاليات تدبير الأراضي الجماعية

  لم يحدد المشرع المغربي بشكل دقيق المنازعات المندرجة ضمن اختصاص جماعة النواب أو الجماعة النيابية، وتلك المندرجة في الاختصاص النوعي لمجلس الوصاية وكذا تلك الخاضعة للمحاكم المختصة2، بل إن هناك غموضا في  الفصل الرابع من ظهير 27 أبريل 1919 بشأن تنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات وضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها. فرغم أن المشرع المغربي وضع عدة ظهائر لحمايتها وصيانتها، فقد بقيت عرضة للترامي والاستيلاء عليها من طرف الغير2 أو من طرف الجماعات المجاورة، وهو ما يستوجب العمل بالحفاظ عليها من خلال آلية تعيين حدودها وضبط وضعيتها القانونية، من خلال مباشرة إجراءات إدارية تتجلى في التحديد الإداري، والتحفيظ العقاري، على اعتبار أن تنازع الاختصاص بين المجالس النيابية ومجلس الوصاية كدرجة استئنافية وبين مختلف درجات المحاكم والمترتب عن المنازعات المثارة عند تطبيق مقتضيات الظهير المذكورة والنصوص المعدلة له2، والتي لا تخرج –أي النزاعات المذكورة- عن نزاعات الاستحقاق أو التحفيظ ونزاعات الطعن بالشطط في استعمال السلطة والنزاعات المالية، وبصفة أقل دعاوى الترامي3،

 ومن هذه الزاوية, وأما م  غموض الفصل الرابع من ظهير 27 أبريل 1919 المذكور، ورفعا لأي لبس ذي الصلة، تم صدور منشور وزاري مشترك بين وزارة الداخلية و وزارة العدل بتاريخ 12 مارس 1962 تحت عدد 8/62، القاضي بتحديد جهة الاختصاص للنظر في منازعات أملاك الجماعات السلالية، علاوة عن إنارة الطريق لكل من القضاة و القواد للتوصل إلى التفرقة بين اختصاص كل من المحاكم والمجالس النيابية ومجلس الوصاية في المنازعات المنشوبة، بمعنى أن المنشور ساهم بشكل أو بآخر في رسم الحدود الفاصلة بين المنازعات المندرجة ضمن اختصاص مجلس الجماعة   أو مجلس الوصاية،، ودون تناول طبيعة الدعاوى المثارة أمام المحاكم المدنية المختصة، والتي تتنوع بين دعوى استرداد حيازة عقار جماعي والدعاوى المتعلقة بجنحة انتزاع عقار من حيازة الغير شريطة إثبات أن العقار المذكور له صبغة جماعية، طبقا لقواعد الإثبات المقررة قانونا -4-  أو جريمة تفويت أملاك عقارية غير قابلة للتفويت وجنحة تحويل حدود الأراضي الجماعية أو إتلافها، وكلها تندرج ضمن اختصاص القضاء الزجري-5-، بقي أن نوضح في هذا السياق أن الحماية الزجرية للملك الجماعي بمقتضى الفصل 570 من القانون الجنائي قد تفرغ من محتواها فيما لم تراع المحكمة الزجرية الطبيعة الخاصة لهذه الأراضي، وذلك باعتبار حيازة الجماعة السلالية للأراضي الجماعية مفترضة، ولا تكلف بإثباتها، وكل ادعاء يصدر عن الغير بالحيازة، يجب ألا يكون مجردا عن السند القانوني، وهو ما يستشف –أي هذا التوجه- من القرار الصادر عن محكمة النقض، الذي جاء فيه كما يلي” وحيث إن كان القرار المطعون فيه لم يبرز صراحة عناصر الفصل 570 من القانون الجنائي، فإن تنصيصاته تفيد ذلك، باعتبار أن حيازة العقار بالنسبة للأراضي الجماعية ينظمها القانون وتسهر على تدبير شؤونها السلطة العامة، وهذه الصفة يشكل انتزاعها عنصر استعمال القوة ضد تدبير منظم بمقتضى ظهير 22 رجب 1337 الموافق ل 27 أبريل 1919 المعدل بظهير 13 رمضان 1382 الموافق ل 06 فبراير 1963 -6-؛

 إذن هذا التداخل على مستوى الجهة المختصة بالبت في النزاعات، يثار أيضا بين المجالس النيابية ومجلس الوصاية، من حيث الحسم في مسائل هي من اختصاص الأولى-أي المجالس النيابية- أو العكس، بل تقوم السلطة المحلية في بعض الأحيان بالنظر في بعض النزاعات رغم كونها لا حق لها في ذلك، حيث ينحصر دورها في إجراء البحث و تقديم تقرير إلى الجماعة النيابية أو إلى مجلس الوصاية 7- ، وقد سبق لمحكمة النقض أن أصدرت بعض قراراتها في هذا السياق، حيث جاء في إحداها” وحيث إنه ليس من اختصاص وزير الداخلية و لا السلطة المحلية البت في تلك النزاعات بين من يدعي انتسابهم للجماعة المالكة للأرض ما دام أن المشرع قد أناط هذا الاختصاص لغيرها، فإن المقرر المطعون فيه قد صدر عما لا يملك حق إصداره، وبالتالي قد لحقه عدم الاختصاص 8-، كما اعتبرت المحكمة الإدارية بأكادير، أن إقدام جماعة النواب بالبت في مقررين سبق لها أن أصدرتهما في ذات النزاع و بين نفس الأطراف، واتخاذها لقرار جديد بإلغاء هذين المقررين، تكون قد حلت محل مجلس الوصاية، ومارست اختصاصا من اختصاصاته، كما اعتبرت مصادقة مجلس الوصاية على ا لقرار المذكور المشوب بعيب عدم الاختصاص، ليس من شأنها تصحيحه، وقضت بإلغائه لمخالفة القانون 9-؛

مقال قد يهمك :   الغرامة في جرائم الأعمال بالمغرب

      ولعل ما يفرضه السياق من زاوية اخرى، هو تأرجح اتخاذ موقف حازم من طرف مجلس الوصاية، يتجلى في كون أن القضاء الإداري غير مختص بالبت في الطعن الموجه ضد مقرراته، طالما أن الأمر يتعلق بتوزيع الانتفاع، وتارة بانعقاد الاختصاص له في حالة الشطط في استعمال السلطة، وهو إشكال تنوعت الإجابة عنه- التأرجح- وتعددت حسب توجه الفقه والقضاء معا، وتباين الاستنتاجات ذات الصلة في ضوء الاجتهاد الذي تمليه النازلة، وهو ما يستوجب بقوة تعدد النوازل وعرضها على أنظار الهيئات القضائية المختصة، استحضار دور الاجتهاد القضائي الإداري في إبراز الإشكالات وإزالة اللبس في الموضوع وفق ما تقتضيه طبيعة كل نازلة على حدة في ضوء التنصيصات القانونية ذات الصلة إبان وجودها من عدمه واستنتاج التباينات، وهو ما سنلمسه من خلال تضارب الأحكام والقرارات الصادرة في وقائع الحال في المحور الثاني من هذه الدراسة المتواضعة؛

 المحور الثاني: تضارب القضاء الإداري حول مدى قابلية قررات مجلس الوصاية للطعن بالإلغاء من عدمه.

إن الإشكال المطروح على هذا المستوى يتجلى في تباين الفقه والقضاء الإداريين حول مدى قابلية مقررات مجلس الوصاية للطعن بالإلغاء من عدمه، مشكلا-أي الإشكال- دافعا لتحديد الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة عن مجلس الوصاية المومإ إليها أعلاه، موضوع الإيضاح في فقرة أولى، وبيان مدى قابليتها للطعن بالإلغاء محل الفقرة الثانية؛

الفقرة الأولى: الطبيعة القانونية لقرارات مجلس الوصاية.

    ذهب بعض الباحثين إلى أن مجلس الوصاية هو بمثابة محكمة إدارية خاصة 10 من حيث كونه يفصل بصفة نهائية لا تقبل الطعن أو التعقيب في المنازعات الجماعية التي تدخل في اختصاصه، وهو الاتجاه الذي تبنته محكم النقض في بعض قراراتها  الرامية إلى التحصين- أي قرارات مجلس الوصاية- من الطعن بالإلغاء من خلال نفي الصبغة الإدارية عنها  -11- بقولها” حيث صح ما عابته الوسيلة على القرار المطعون فيه، ذلك أن قرار مجلس الوصاية على الأراضي السلالية صدر وفق مقتضيات ظهير 27 أبريل 1919 وموقع عليه من طرف جميع أعضائه، وبت في حدود اختصاصه المتعلق بتوزيع استغلال الأراضي السلالية على أفراد الجماعة، فيكون غير مشوب بأي عيب، وهو ليس قرارا إداريا بمفهوم القانون رقم 03.01، لأنه يبت في نزاعات حددها الظهير المذكور، والمتعلقة بتوزيع الانتفاع بالأراضي السلالية، والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما اعتبرته قرارا إداريا تكون قد خرقت المقتضيات المذكورة، وعرضت قرارها للنقض،” إلا أن هذا التوجه الذي سعى إلى إخفاء الصبغة الإدارية على مقررات مجلس الوصاية، يصطدم مع مقتضيات قانون المسطرة المدنية الذي حدد من خلال الفصلين 50 و 245 طبيعة الأحكام والشروط النظامية اللازم توفرها فيها، في حين اتجه البعض الآخر وعن صواب إلى أن مقررات مجلس الوصاية ذات طبيعة إدارية بالنظر إلى تكوين هذه الهيئة   و رئاستها من طرف وزير الداخلية، وهو ما أكدته محكمة النقض في قرار لها جاء فيه” لكن وبصرف النظر عن أن قرارات مجلس الوصاية تعتبر قرارات إدارية بطبيعتها، فإنه حتى بمجاراة الحكم المستأنف واعتبار قرار مجلس الوصاية المطعون فيه تعبير عن إرادة جهة الإدارة بقصد ترتيب آثار قانونية في مسألة من مسائل القانون الخاص، فإنه يظل قرارا إداريا قابلا للانفصال، وبالتالي قابلا للطعن بالإلغاء”-12-

وهي النقطة التي سنفصلها في الفقرة الآتية ذكرها أدناه؛

الفقرة الثانية: الطعن بالإلغاء في القرارات الصادرة عن مجلس الوصاية وأهم التوجهات القضائية

 لقد انبرى جانب مهم من الفقه للدفاع عن هذا الموقف-أي قابلية مقررات مجلس الوصاية للطعن بالإلغاء- مستندا إلى مجموعة من المبررات نجملها وفق ما يلي:

*- أن القرارات الصادرة عن مجلس الوصاية، هي قرارات إدارية محضة، تقبل الطعن بالإلغاء أمام المحاكم الإدارية، باعتبار دعوى الإلغاء هي دعوى القانون العام، يمكن ممارستها ضد كل قرار استجمع كافة الشروط والمقومات ذات الصلة؛

*- أن ظهير 27 أبريل 1919، لم يمنع مراقبة الطعن في مقررات مجلس الوصاية بالإلغاء بسبب تجاوز استعمال السلطة التقديرية، وأن عبارة غير قابل للطعن الواردة في الفصل 12 من الظهير المذكور لا يقصد منها سوى الطعن الإداري دون القضائي، الذي يبقى وسيلة أساسية للرقابة على مشروعية القرار الإداري؛

*- أن صيغة العموم الواردة بالمادة 20 من القانون 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية، تجعل كل قرار تتوفر فيه مقومات القرار الإداري13- قابل للطعن بالإلغاء، سيما وأن قانون إحداث المحاكم الإدارية جاء لاحقا على ظهير 27 أبريل 1919، مما يكون معه قد نسخ ضمنا الفصل 12 المشار إليه أعلاه؛ 14-، وذلك في إطار القواعد العامة المتعارف عليها فقها و قضاء، مؤداها، أن القانون اللاحق يلغي القانون السابق؛، و هو ما كرسته المحكمة الإدارية بوجدة في حكمها-الصادر بتاريخ 30 يناير 2002، جاء ضمن إحدى حيثياته:

مقال قد يهمك :   قراءة في مستجدات القانون المدني الفرنسي المتعلقة بنظرية العقد

 “… وحيث لا يستساغ وفقا لروح القانون 90-41 المذكور حرمان مواطن من حقه في مراقبة أعمال الإدارة من طرف القضاء عن طريق دعوى الإلغاء أمام هيئة قضائية مستقلة عن الإدارة، وفقا لما هو منصوص عليه بمقتضى الدستور؛

 وحيث إنه تبقى بذلك جميع مقررات مجلس الوصاية قابلة للطعن كيفما كانت طبيعتها، علما أنه لا وجود لأي نص قانوني، سواء في ظهير 27 أبريل 1919 أو غيره، يشير صراحة إلى منع الاستفادة من الالتجاء إلى الطعن بسبب التجاوز في السلطة لمراقبة مشروعية قرار مجلس الوصاية المطعون ضده، وأن كلمة غير قابلة للطعن الواردة بالفصل 12 المشار إليه أعلاه، لا يقصد منها سوى الطعن الإداري دون القضائي، الذي يبقى حقا أصيلا للطاعن، لا يحد منه إلا القانون، وتبقى دعوى الإلغاء في إطاره أداة فعالة لحماية المشروعية وضمان سيادة القانون”

وهو نفس الاتجاه الذي كرسته كل من المحكمة الإدارية بالدار البيضاء- 15-، محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش-16-،

أما على مستوى محكم النقض- الغرفة الإدارية، فقد عرف تطورا نوعيا، حيث دعت في بداية الأمر إلى التمييز في عدد من قراراتها بين الطعون المنصبة على شكلية تشكيل مجلس الوصاية أو المنصبة على مخالفة القانون كالبت في شأن أراضي الجيش أو الاستحقاق مثلا حيث كان يقبل الطعن فيها، وبين تلك القرارات التي تقتصر على مجرد توزيع الانتفاع بين أفراد نفس الجماعة السلالية، حيث كان لا يقبل الطعن فيها-17-.

إذن أمام تعدد التوجهات القضائية ذات الصلة بالطعن بالإلغاء في مقررات مجلس الوصاية، سواء على صعيد درجات القضاء الإداري أو  من داخل الغرفة الإدارية بمحكمة النقض ذاتاه، فإنه في إطار توحيد الاجتهاد القضائي، وقطعا لدابر الخلاف في المسألة، أصدرت هذه الأخير القرار عدد 174/1 بتاريخ 29 يناير 2015 في الملف الإداري رقم 1051/4/1/2012 الصادر عن غرفتيها( الغرفة الإدارية القسم الأول، والغرفة المدنية القسم الثالث) -18-، واضعة مجموعة من المرتكزات القانونية و المتجلية فيما يلي:

*- المادة 118 من دستور 29 يوليوز 2011، الناصة على” حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه و عن مصالحه التي يحميها القانون، ولك قرار اتخذ في المجال الإداري، سواء كان تنظيميا أو فرديا، يمكن الطعن فين أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة” ، و هو ما يجسد أهم سبل تحقيق الأمن القضائي للأفراد والجماعات، المنصوص عليه في الفصل 117 من ذات الدستور، والذي يعتبر من صميم عمل جهاز القضاء.19-

*- دسترة حق اللجوء إلى القضاء تتلاءم مع المادة 8 من الإعلان ا لعالمي لحقوق الإنسان ، حيث لكل إنسان الحق للجوء إلى المحاكم الوطنية لإنصافه عن أعمال فيه اعتداء على الحقوق الأساسية الممنوحة له قانونا، هو إذن ارتقاء بقاعدة عدم تحصين القرارات الإدارية من الطعن القضائي إلى مستوى القاعدة الدستورية، يعكس إلى حد ما صحة التفسير الذي دأبت عليه ا لمحاكم الإدارية  بخصوص أن عبارة ” لا  يقبل أي طعن” لا تشمل الطعن بالإلغاء، وبالتالي ، فإن أي تفسير مخالف يجعلها غير دستورية  لمخالفتها  لمضمن الفصل 118 المشار إليه أعلاه؛

*- إلزامية تعليل القرارات الإدارية:

إذ ا كان الفصل 12 من ظهير 27 ابريل 1919،  ينص على أن قرارات مجلس الوصاية لا تكون مدعمة بأسباب، إلا أنه بعد صدور القانون رقم 03.01 ا لمتعلق بإلزامية تعليل القرارات الإدارية، أصبحت هي الأخرى ملزمة بالتعليل وفقا لتنصيصات المادة الأولى منه -20-

ما يمكن استنتاجه على سبيل الختم، في ضوء ما سلفت الإشارة إليه، هو أن الاجتهاد القضائي الإداري ، ساهم إلى حد كما هو دأبه في النوازل التي تستوجب استفراغ جهد فكري لإيجاد حل لها منطقيا مع تكييفها قانونا.

وهو ما تجلى في التأصيل  لقواعد قانونية،  أرتقت إلى مستوى قواعد دستورية، أزالت التضارب و اللبس حول إشكالية الطعن بالإلغاء في مقررات مجلس الوصاية من عدمه.

فيكون بذلك قد هز أركان مقتضيات ظهير 27 أبريل 1919 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات و ضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية و تفويتها كما وقع تعديله، لوهنه و عدم مواكبته للطفرة التشريعية التي عرفها المغرب، وهو ما حدا بالمشرع مؤخرا إلى مراجعة النصوص القانونية ذات الصلة،  من خلال المصادقة على ثلاثة مشاريع قوانين تهم الأراضي السلالية بالمغرب-21- و هي مراجعة تشريعية تنضاف إلى القاعدة  القانونية المذكورة، تحقيقا  للأمنيين القانوني و القضائي كما تمليهما المقتضيات الدستورية.


 الهوامش : 

1-محمد بلحاج الفحصي/ الطرق التشريعية في إدارة و تدبير الأراضي الجماعية وفق لآخر التعديلات المتعلقة بتمليك الأراضي الجماعية الواقعة بدوائر الري الصفحة 2 الطبعة السنة 2018؛ 1 مكرر: علما بأن الأراضي الجماعية لم تعط لها الأهمية من طرف الحماية بالنظر إلى تنوع المشاكل التي كانت تعاني منها بل زاد الأمر تعقيدا بإصدار قوانين ذات أبعاد استعمارية تخدم مصالح المعمرين، كقانون 1916 في المحمية الاسبانية، وظهير 27 أبريل 1919 في المحمية ا لفرنسية، وقانون 08 يناير 1931 في منطقة طنجة الدولية، ارجع إلى أملاك الدولة بين دواعي تدوين القواعد و الأحكام التشريعية إشكالات التمويل غير الجبائية /الأنظمة العقارية بالمغرب 2-أملاك الدولة العامة والخاصة والجماعات الترابية مساهمة في أشغال المناظرة الوطنية التي تنظمها  رئاسة الحكومة حول: السياسة العقارية للدولة و دروها في التنمية ال اقتصادية والاجتماعية سلسلة” المعارف القانونية و ا لقضائية”  من إعداد الأستاذ.حياة البيجدايني، الدكتور محمد الأعرج، الدكتور نجيب جيري الصفحة 88؛

2-المرجع السابق ذكره الصفحة عدد 145؛

3-د.محمد العربي مياد: قضاء محكمة النقض في منازعات أراضي الجماعات السلالية السنة 2017 الصفحة 21؛

4-وهو ما عبرت عنه محكمة النقض في إحدى قراراتها” أثبات أن الملك للجماعة عنصر أساسي في جريمة الاعتداء يجب إثباته طبقا لقواعد الإثبات المقبولة قانونا، فلا يكفي التقرير الذي أعطته السلطة المحلية في هذا الشأن، ويتعرض للنقض الحكم الذي رفض تكليف السلطة بإثبات أن الأرض جماعية بعلة أن المتابعة جرت بناء على تقرير السلطة المحلية التي أكدت أن الملك للجماعة’ انظر الأستاذ سعيد زياد: أراضي الجماعات السلالية، التدبير، المنازعات منشورات مجلة الحقوق السنة 2016 سلسلة” الدراسات و الأبحاث” الصفحة 85

مقال قد يهمك :   ضمانات استنطاق المتهم أمام قاضي التحقيق

5-مرجع سابق ذكره من الصفحة 155-162؛

6-القرار المؤرخ في 28 يوليوز 1999 تحت عدد 1809/6 في الملف الجنحي رقم 32422/94 مرجع سابق ذكره الصفحة 86؛

7-ذ. عبد المجيد أسويك: النظام القانوني لأراضي الجموع وآليات تدبير منازعاتها – قضايا عقارية و مدنية العدد 3 المجلة المغربية للدراسات و الاستشارات القانونية سلسلة الأعداد الخاصة السنة 2017 الصفحة 93؛

8-قرار صادر عن محكمة النقض تحت  عدد 558 بتاريخ 20 ماي 1966-  ؛

9-حكم مؤرخ في 20 يوليوز 1995 في الملف عدد 63/96؛

10-بل يعد مجلس الوصاية مرجعا استئنافيا، تقدم أمامه الطعون في مقررات جمعية المندوبين، وتبقى المقررات الصادرة عنه غير قابلة للطعن بمقتضى الفصل 12 من ظهير 27 أبريل 1919/ انظر سعيد زياد مرجع سابق ذكره صفحة 89؛

11-القرار عدد 1093/1 المؤرخ في 21 نونبر 2013 في الملف الإداري عدد 3608/4/1/2012 غير منشور ارجع إلى سعيد زياد مرجع سابق ذكره الصفحة عدد 89؛

12-قرار عدد 597 المؤرخ في 26 غشت 2010 في الملف الإداري عدد 734-4-1-2010 غير منشور؛

13-تجليات مقومات القرار الإداري في:أن يكون صادرا عن سلطة إدارية تملك حق إصداره دون أن يكون معقبا عليها في ذلك من سلطة إدارية أعلى، وأن يكون نهائيا قابلا للتنفيذ، وأن يكون مؤثرا في المراكز القانونية للأطراف- انظر دليل المحاكم الإدارية منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية و القضائية سلسلة الشروح و الدلائل العدد 3 السنة 2004 الطبعة الأولى فضالة الصفحة 35

14-سيعد زياد: مرجع سابق ذكره الصفحة 90؛

15-الحكم الصادر بتاريخ 02 دجنبر 2010 في الملف عدد 2009/4/275 منشور في سلسلة أملاك الدولة العدد الثاني الصادرة عن مجلة الحقوق دار الآفاق الدار ا لبيضاء 2012 الصفحة 228 ؛

16-القرار عدد 496 بتاريخ 12 نونبر 2008 في الملف عدد 158/5/08؛ مؤداه أن المقررات الصادرة عن مجلس الوصاية على أراضي الجموع، هي قرارات إدارية محضة تقبل الطعن بالإلغاء لكونها مستجمعة لجميع مقومات القرار الإداري، وذلك باعتبارها قرارات نهائية، ونافذة، وتؤثر في حد ذاتها في المراكز القانونية للمعنيين بالأمر، وليست مجرد اقتراحات، كذلك التي تصدر عن بعض اللجان و الهيئات التحكيمية التي لا يتأتى فحص شرعيتها إلا من خلا بسط رقابة القضاء على القرار الإداري الذي تبنى تلك الاقتراحات…..” معتبرة أيضا أن مقررات مجلس الوصاية تخضع لإلزامية التعليل عملا بمقتضيات المادة الأولى من القانون رقم 03.01 المتعلق بإلزامية تعليل القرارات الإدارية، كما أن ممارسة دعوى الإلغاء ضدها لا تتوقف على الحصول على الإذن بالترافع المنصوص عليه في المادة الرابعة من ظهير 27 أبريل 1919، على أساس أن هذا الأخير يكون ضروريا فقط في الدعاوى العقارية- قرار رقم 380 بتاريخ 20 مارس 2013 في الملف رق 431/1912/2012-

17-إرجع إلى أبرز القرارات الصادرة في الموضوع: الأستاذ عيد الرزاق شعيبة مفوض ملكي بالمحكمة-أكادير-: الطعن في قرارات مجلس الوصاية في ضوء مستجدات قرار محكمة النقض بغرفتين تحت عدد 1/174 بتاريخ 29 يناير 2015 –أراضي الجموع و سؤال الحكامة          و التنمية الترابية إعداد الدكتور حسن زرداني والأستاذ أحمد الساخي/  من الصفحة 279 إلى الصفحة 281 –  السنة  2018 إخراج و طبع : مطبعة المعارف الجديدة الرباط

18-انظر القرار المذكور بحيثياته مرجع سابق ذكره الصفحة 282؛

19-مرجع سابق ذكره الصفحة 283؛

20-” تلزم إدارات الدولة و الجماعات الترابية وهيئاتها والمؤسسات العمومية والمصالح التي عهد إليها بتسيير مرفق عام بتعليل قراراتها الإدارية الفردية والسلبية الصادر لغير فائدة المعني المشار إليه  في المدة الثانية  بعد تحت طائلة عدم الشرعية، وذلك بالإفصاح كتابة في صلب هذه القرارات عن الأسباب القانونية و الواقعية الداعية    إلى اتخاذها”

21-حيث يهدف النص الأول رقم 17-62 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية و تدبير أملاكها إلى إعادة صياغة الظهير الشريف ا لمؤرخ في 27 أبريل 1919 ، حيث تتلخص أركانه في تحيين و توحيد المفاهيم و المصطلحات المتعلقة بالجماعات السلالية وأملاكها، وتقييد ال لجوء إلى العادات و ا لتقاليد في تدبير شؤون الجماعات السلالية و استغلال أملاكها واعتمادها في الحدود التي لا تتعارض مع النصوص التشريعية و التنظيمية المعمول  بها في هذا الشأن، إضافة إلى تكريس المساواة بين المرأة والرجل أعضاء الجماعة السلالية في الحقوق و الواجبات طبقا لأحكام الدستور، علاوة عن إمكانية تفويت الأراضي السلالية للفاعلين الخواص إلى جانب الفاعلين ا لعموميين لإنجاز مشاريع الاستثمار، مما سيساهم في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية للبلاد.21،  بينما يروم النص الثاني من مشروع قانون رقم 63-17 ذي الارتباط بالتحديد الإداري لأراضي الجماعات ا لسلالية، إلى تقليص أجل تقديم التعرضات ضد مسطرة التحديد الإداري من ستة أشهر إلى ثلاثة أشهر على غرار الأجل  المحدد لتقديم النعرضات في الفصل 5 من الظهير الشريف الصادر في 03 يناير 1916 المتعلق بتحديد أملاك الدولة،  أما النص الثالث, فيرتبط بمشروع قانون 64-17 المتعلق بتغيير الظهير الشريف رقم 30.69.1 الصدر في 10 جمادى الأولى الموافق ل 25 يوليوز 1969 بشأن الأراضي الجماعية الواقعة في دائرة الري-  عن هيسبريس الجريدة اللالكترونية المؤرخ في 14  فبراير 2019؛

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]