مصطفى بن شريف: حالات الاستثناء والحصار والطوارئ، وأزمة فصل السلطات في النظام الدستوري المغربي
مصطفى بن شريف دكتور في الحقوق
محام لدى هيئة المحامين بوجدة
يـــناقش هذا المقال بالدرس والتحليل كل من حالات الاستثناء L’etat d’exception والحصار état de siège، و كذا حالة الطوارئ انطلاقا من الدستور والقوانين ذات الصلة (المطلب الأول)، لينتقل بعد ذلك للحديث عن أزمة فصل السلطات في النظام الدستوري المغربي ( المطلب الثاني).
المطلب الأول: الوجيز في فهم حالات، الاستثناء والحصار، والطوارئ
تعتبر الحالات الثلاث أنها غير عادية، تطبق في ظروف تقدر بأنها استثناءية، إما لأسباب سياسية أو اجتماعية أو صحية. بالنسبة لحالتي الاستثناء والحصار، منصوص عليهما في الدستور، كما هو ثابت من الفصل 59 منه الذي يتعلق بحالة الاستثناء، والفصل 74 منه ونطاقه حالة الحصار. في حين أن حالة الطوارئ فإنها غير مدسترة، وهو ما يعني بأن التشريع هو من سيتولى تنظيمها وتحديد شروطها.
اولا: في حالة الاستثناء L’etat d’exception
بموجب الفصل 59 من الدستور، يمكن للملك الاعلان عن حالة الاستثناء بمقتضى ظهير، إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الاحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية.
ويعتبر أمر تقرير حالة الاستثناء ،اختصاص حصري للملك يخضع لسلطته التقديرية ،و يستوجب قبل اتخاذه لها، استشارة كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، إضافة إلى توجيه خطاب للأمة.
وبتفويض من الدستور، يحق للملك اتخاذ ومباشرة كافة الاجراءات والتدابير اللازمة التي تستدعيها حالة الاستثناء ومن اهمها الدفاع عن الوحدة الترابية وعن السيادة الوطنية .
وحالة الاستثناء، هي حالة وقتية ومؤقتة، لا يحل البرلمان خلالها ،وتبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور مضمونة . أنه وبزوال الاسباب الناشرة لها، يقتضي الرجوع إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية، ورفع حالة الاستثناء.
وهكذا، يؤخذ من مقتضيات الفصل 59 من الدستور، بأن الإعلان عن حالة الاستثناء تقتضي قيام شرطين، الاول موضوعي،والثاني شكلي.
بالنسبة للشرط الموضوعي، فهو يتمثل في وجود تهديد لحوزة التراب الوطني وبأنها مهددة، أو قيام أحداث تعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية.
وبالنسبة للشرط الشكلي، فهو يستوجب على الملك استشارة رؤساء المؤسسات الدستورية المنصوص عليهم في الفصل 59 اعلاه، وتوجيه خطاب إلى الأمة.
واهم ما يميز حالة الاستثناء، أنه لا يترتب عنها، حل مجلسي البرلمان، وعدم جواز المساس بالحقوق والحريات كما هي منصوص عليها في الدستور.
ثانيا: حالة الحصار état de siège
سبق الحديث عن حالة الاستثناء، والتي تعتبر من الاختصاصات الدستورية للملك، اليه تعود سلطة الاعلان عنها تطبيقا للفصل 59 من الدستور.
وحالة الاستثناء في النظام الدستوري المغربي غير محكومة باجل، وهو ما يعني بأنها ترفع مع تحقق زوال او انتفاء الاسباب الناشرة لها أو التي دعت اليها.
وفي الدستور الفرنسي لسنة 1958، أي دستور الجمهورية الخامسة، نظم حالة الاستثناء بموجب المادة 16 ،بحيث نص بأن الإعلان عن حالة الاستثناء هو من صلاحيات رئيس الجمهورية، استنادا إلى الشروط الشكلية والموضوعية المنصوص عليها في الدستور.
ويؤخذ من المادة 16 من الدستور الفرنسي، انها حددت ضمنيا حالة الاستثناء في مدة شهر، وبعد انقضاءها، يمكن لأصحاب الصفة، اللجوء إلى المجلس الدستوري، من أجل فحص استمرار قيام الشروط التي كانت سببا في إعلان حالة الاستثناء من عدمها، والذي يتعين عليه البت في الطلب على وجه استعجالي بموجب رأي يوجه للعموم.
وعليه، يلاحظ وجود اختلاف واضح بين الشروط التي تنظم مسطرة الإعلان عن حالة الاستثناء في التشريعين الدستوريين المغربي والفرنسي، سواء تعلق الأمر بالشروط الشكلية أو الموضوعية.
وبالنسبة لحالة الحصار état de siège ، فقد نص عليها الدستور المغربي في الفصلين 49 و 74 ، بينما الدستور الفرنسي نظمها بمقتضى المادة 36.
وهكذا نص الفصل 74 من الدستور المغربي” يمكن الاعلان لمدة ثلاثين يوما عن حالة الحصار، بمقتضى ظهير يوقعه بالعطف رءيس الحكومة، ولا يمكن تمديد الأجل إلا بالقانون”.
وقبل الإعلان عن حالة الحصار تطبيقا للفصل 74 المذكور، يتم التداول فيه من طرف المجلس الوزاري كما هو منصوص عليه في في الفصل 49 من الدستور، علما أن الملك هو من يرأس المجلس الوزاري، الذي يتألف من رءيس الحكومة والوزراء، كما هو ثابت من الفصل 48 من الدستور.
وعطفا، على ما سبق، يتبين بأن حالة الحصار محددة في ثلاثين يوما ،بموجب الدستور،ولا يمكن تمديدها ،إلا اذا كانت توجد دواعي تستدعي ذلك، وفي هذه الحالة يتعين وجوبا صدور قانون عن البرلمان يقضي بتمديد حالة الحصار.
ويستخلص من أحكام الدستور المغربي.، أنه حدد مدة الحصار في ثلاثين يوما، في حين نجد أن الدستور الفرنسي حددها ضمنيا في اثنى عشر يوما بموجب المادة 36 من دستور الجمهورية الخامسة، تتخذ في إطار المجلس الوزاري ، ولا يمكن تمديدها إلا بترخيص من البرلمان.
إن اتخاذ حالة الحصار في النظام الدستوري المغربي، هو من اختصاص الملك بعد التداول فيه في المجلس الوزاري، و لا يجوز تمديدها إلا إذا كانت هناك أسباب تبرر ذلك، ويجب أن يكون التمديد بمقتضى قانون يصدر عن البرلمان. وتبعا لما ذكر، يتبين بأن تقرير حالة الحصار اختصاص مشترك بين الملك والبرلمان، فالمبادرة إلى اتخاذها هي من صلاحيات الملك، في حين أن البرلمان يتولى وظيفة تمديدها بموجب قانون يصدره في الموضوع.
وفي فرنسا، نجد بأن حالة الحصار هي من الاختصاصات المشتركة، بين الحكومة والبرلمان، فالإعلان عنها يعود إلى الحكومة، ضمن مدة محددة في اثنى عشر يوما، لا تمدد إلا بتفويض من البرلمان.
لكن فرنسا ،لم يسبق لها أن عرفت حالة الحصار، ومصدرها يعود إلى قانون صادر في 9 أبر يل 1849 ،الذي يستفاد منه، أنه خلال فترة الحصار، يتم تعليق بعض الحريات، ونقل مؤقت إلى الجيش صلاحيات الحفاظ على النظام العام.
وحالة الحصار، تختلف عن حالة الطوارئ état d’urgence ، هذه الاخيرة، تتميز بالحد من بعض الحريات، لكن أمر تدبيرها يبقى من صلاحيات السلطات المدنية بما فيها القيام بالاجراءات الضبطية الكفيلة بحماية أمن المجتمع، ومن بينه الأمن الصحي.
ثالثا: حــــــالة الطوارىء
لقد سبق للمغرب أن عرف حالة الاستثناء، وذلك بمقتضى الخطاب الملكي بتاريخ 7يونيو 1965، تطبيقا للفصل 35من دستور 1962، والتي استمرت إلى غاية يوليوز 1970، حيث تم الإعلان على وضع حد لحالة الاستثناء من طرف الملك الراحل الحسن الثاني، بموجب خطاب رسمي.
لكن، بالنسبة لحالة الطوارىء، يستفاد من جميع الدساتير التي عرفتها المملكة المغربية، أنها غير منصوص عليها، وهو ما يعني أن حالة الطوارىء لم ينظمها المشرع الدستوري المغربي، الأمر الذي يتطلب تدخل المشرع، من أجل تنزيل القانون المنظم لحالة الطوارىء، وهو ما حصل بالنسبة للمغرب أمام المخاطر التي يمثلها وباء كرونا على الأمن الصحي للمغرب.
وهكذا، صدر المرسوم بقانون رقم 292. 20. 2 المتعلق بحالة الطوارئ الصحية، الذي اسند مهمة تطبيقه وتنفيذه إلى وزارتي الصحة والداخلية، كل في مجاله، وكل مخالفة أو خرق لاحكامه، يترتب عنه جزاءات أو عقوبات، تتمثل في الحبس من شهر إلى ثلاثة اشهر، وبغرامة تتراوح بين 300 و 1300 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
طبقا للفصل 70 من الدستور، يمارس البرلمان السلطة التشريعية الاصلية، لكن الدستور أجاز للحكومة ممارسة الوظيفة التشريعية في ظل وجود البرلمان، وذلك بواسطة قانون الاذن أو التشريع بالتفويض، بحيث يفوض البرلمان صراحة للحكومة بأن تصدر هذا التشريع، وهو مبدأ منصوص عليه في الدستور، يأذن للحكومة إصدار مراسيم يجري العمل بها خلال فترة زمنية محدودة ومن أجل غاية محددة، ويجري العمل بتلك المراسيم بمجرد نشرها.
وهو الأمر الذي نص عليه الفصل 81 من الدستور المغربي، ( يقابله الفصل 38 من الدستور الفرنسي) الذي اسند للحكومة الحق بالتشريع بين الدورات العادية للبرلمان ، وذلك لضرورات تقتضيها سير المؤسسات الدستورية. علما أن هذا النوع من التشريع، يجب آن يعرض على البرلمان للمصادقة عليه خلال دورته العادية اللاحقة أو الموالية، بعد انتهاء الأجل الذي حدده قانون الاذن، وفي حال مثلا، حل مجلسي البرلمان أو احدهما، يترتب على ذلك بطلان قانون الاذن.
وتأسيسا، على ما ذكر، فالمشروع الدستوري أذن للحكومة بالتشريع في المجالات المقررة للبرلمان، لكنه قيد ذلك بسببين، هما:
– أن يكون في فترة زمنية محدودة،
– ومن أجل غاية معينة.
اذا كان الدستور المغربي، قد نظم حالتي الاستثناء والحصار، فإن عدم تنصيصه على حالة الطوارىء، لا يعني عدم جواز تنظيمها والاعلان عنها بمقتضى قانون، لكون الدستور يفوض للبرلمان أو الحكومة من إمكانية التشريع للضرورة وهو ما يعرف بتشريع الضرورة، كما هو الحال بالنسبة لقانون الطوارىء الصحية الذي يتوخى حماية الأمن الصحي للمغرب، الذي بات مهددا بوباء كورونا، وهو القانون الذي يوازن بين متطلبات الحقوق والحريات وحماية النظام العام.
رابعا: حالة الطوارئ الصحية واثرها على الحقوق والحريات
لقد عمد المغرب إلى العمل بنظام الطوارئ الصحية، امام المخاطر التي اصبحت تمثلها جاءحة كورونا على الأمن الصحي للمغرب، وهو ما يقتضي اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير بتاطير قانوني من المشرع، قد يكون البرلمان أو الحكومة وفقا للشكل المبين في الدستور، فالبرلمان هو السلطة التشريعية الاصلية، في حين أن الحكومة تشرع بصفة استثنائية أو بمقتضى السلطة التنظيمية.
وهكذا، فإن مرسوم القانون رقم 292. 20. 2 المتعلق بحالة الطوارئ الصحية، صدر في إطار مسطرة التفويض التشريعي أو قانون الاذن استنادا الى مقتضيات الفصل 81 من الدستور الذي يجيز للحكومة إصدار مراسيم قوانين خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وهو الوضع الذي يوجد عليه البرلمان المغربي، مما يحق معه للحكومة بالتشريع، خاصة وأن الأمر يتعلق بحالة الضرورة التي تقتضي حماية النظام العام الصحي .
وتأسيسا على قانون الطوارئ الصحية، نتساءل عن أثره على الحقوق والحريات؟
مبدئيا تعتبر حالة الطوارئ الصحية وضعية غير عادية، أي أنها ظرفيةو استثناءية، املتها مستجدات طارءة وغير متوقعة، تندرج ضمن ما يعرف في القانون ” بالقوة القاهرة”.
اذا كان الدستور المغربي قد نظم حالة الحصار( الفصل 74) إلى جانب حالة الاستثناء( الفصل59) ، لكن ذلك لا يعني استبعاد إمكانية المشرع من تقرير حالة الطوارئ،
توازن بين مقومات الحريات والحفاظ على النظام العام.
ونظام الطوارئ يقيد ويحد من الحريات الفردية( حق التنقل) والجماعية( حق التجمع) تستدعيها اسباب موضوعية تتمثل في وجود خطر جدي و داهم ( كوارث طبيعية، أو وباءية …الخ)، وهو ما يعني بأن الحجر الصحي فيه تقييد للحريات الفردية ولا يلغيها، ونفس المبدأ ينطبق على الحريات الجماعية( التجمعات) التي لا يمكن تنظيمها أو عقدها في ظل مخاطر انتقال الوباء.
فرنسا عرفت حالة الطوارىء في عدة مناسبات، ففي سنة 1960 تم الاعلان عنها في الجزائر ، بسبب تصاعد العمليات العسكرية للمقاومة الجزائرية ضد فرنسا، وتم تعميمها على جميع التراب الفرنسي في 22 أبريل 1961، كما طبقتها على كاليدونيا الجديدة بتاريخ 12 يناير 1985، اضافة الى العديد من المناسبات، آخرها هو قانون الطوارئ الصحية، الذي تتقاسمه مع المغرب، ومع العديد من الدول،بسبب تفشي وباء كرونا عالميا.
ومن وجهة نظرنا، نعتبر بأن حالة الطوارىء يجب مستقبلا، العمل على دسترتها، لكون الممارسة كشفت عن الاغفال الذي يطبع الدستور في هذا الباب، وهو ما يعرف في الفقه والقضاء بالاغفال الدستوري، يمكن تداركه عن طريق اضافة ” حالة الطوارئ ” ضمن أحكام الفصل 74 من الدستور، الذي ينظم حالة الحصار، مع إخضاعها لنفس القواعد المقررة لحالة الحصار.
المطلب الثاني: أزمة فصل السلطات في النظام الدستوري المغربي
إن مبدأ الفصل بين السلطات يقتضي استقلالا وتوازنا في عملية ممارسة الوظائف المقررة للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، للحيلولة دون تعدي سلطة على صلاحيات سلطة اخرى.
لكن بالرجوع الى النظام الدستوري المغربي، يستفاد منه،بأنه وإن كان قد قرر مبدأ فصل السلط تعاونها وتوازنها، الا انه عطى مكانة خاصة للملكية، وذلك لأسباب تاريخية ودينية، بموجبها يعتبر الملك ،هو الفاعل الأساسي كمؤسسة دستورية، إلى جانب السلطات الدستورية الأخرى في الدولة، بالنظر إلى كون الدستور يمنحه اختصاصات واسعة تستغرق جميع السلطات: التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وهكذا يلاحظ بأن النظام السياسي المغربي يستند في ممارسة الحكم على ثنائية ” التقليد والحداثة” ،والجمع بين مقومات ” الملك الديني” و ” الملك الدستوري” ، أي العمل بنظرية ” التغيير في ظل الاستمرارية” ، الامر الذي يفيد بأن الملكية في المغرب تستند إلى الشرعية الدينية والى الشرعية الدستورية.
وتاسيسا، على ما ذكر، يمكننا القول بأن الملكية والإسلام من العناصر والعوامل الاساسية والمؤثرة في تحديد وتنظيم نظام الحكم في المغرب، وهو الوضع الذي اعتبره قسم من الفقه الدستوري، بأنه تصير معه الملكية سلطة من نوع خاص، تحتل فيه مكانة فوق دستورية supra- constitutionnel ,تسمو وتعلو على جميع السلطات، وعلى جميع القوانين بما فيها الدستور، بالنظر إلى كون الملك يشكل قلب النظام السياسي وعماد الدولة القاءم على الشرعيات التاريخية والدينية والسياسية، يمارسها تاسيسا على مقتضيات الفصلين 41و 42 من دستور 2011 ، اللذان يقابلهما الفصل 19 من دستور 1996 وما قبله. ويفهم من ذلك، أن الدستور المغربي اخذ بمبدأ فصل السلطات، لكن ضمن نسق متحكم فيه من طرف الملكية ،بحيث أن الملك يشارك الحكومة بشكل غير مباشر في اقتراح القوانين في المجلس الوزاري في إطار أحكام الفصلين 48 و49 من الدستور.
ويتولى أيضا إصدار القوانين بشكل مستقل ومباشر في المجال الديني بصفته أمير المؤمنين طبقا للفصل 41 من الدستور، وهذا فإلى جانب الصلاحيات التشريعية المقررة للملك في فصول أخرى، فإنه يتحكم في رسم التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة من خلال مؤسسة المجلس الوزاري، ويمارس أيضا اختصاصات قضائية و تنفيذية وادارية بتفويض صريح من الفصل 42 من الدستور وبمقتضى فصول اخرى بصفته رءيسا للدولة.
وهو ما يعني بأن الملك واستنادا إلى الشرعية الدينية والى الشرعية الدستورية يمارس اختصاصات واسعة تشمل جميع السلطات الدستورية في الدولة اما توجيها أو تقريرا وذلك بصفته أميرا للمؤمنين ورئيسا للدولة، وهي الازدواجية التي وسمت جميع دساتير المملكة وكرسها دستور 2011 ، مما يصعب مع هذه الوضعية الدستورية التمييز بين سلطات الملك الدينية والدستورية، لأن مركز الملك الديني كامير للمؤمنين، قد يفسر بأنه اسمى واعلى من مكانته الدستورية والسياسية، وذلك بسبب قيام التداخل والتماهي بين الديني والدستوري على مستوى أمير المؤمنين- الملك- رءيس الدولة، وهو ما يمكن أن يندرج ضمن نظرية ازمة فصل السلط على مستوى الملك.
ومن المعلوم أن التشريع ينقسم إلى ثلاثة أنواع: تشريع اساسي وهو الدستور، وتشريع عادي وهو القانون يصدره البرلمان ( الفصل 71 من الدستور) ،وتشريع فرعي تتولاه الحكومة بناء على تفويض يمنحه لها البرلمان لممارسة الوظيفة التشريعية في مجال معين ولمدة محددة بموجب مراسيم لها قوة القانون، ويعتبر القانون رقم : 292. 20 .2، المتعلق بحالة الطوارئ الصحية من مشمولات التشريع الفرعي.
واستنادا إلى احكام الدستور، يتبين بأن السلطة التنظيمية، يتقاسمها كل من الملك ورئيس الحكومة، واستثناء الوزراء، شريطة ان يكون ذلك بناء على تفويض صادر عن رئيس الحكومة .
إن مسطرة التشريع في النظام الدستوري المغربي وخاصة في ظل العمل بدستور 1996، كانت تتقاسمها الحكومة ( مشاريع القوانين) واعضاء مجلسي البرلمان( مقترحات قوانين)، في حين أن الملك يعتبر مشرعا اصليا تطبيقا للفصل 19 من دستور 1996، الذي كان يمنح تفويضا شاملا للملك للتشريع في جميع المجالات ،وليس فقط في المجال الديني، كما أن الملك يشارك في المبادرة التشريعية بشكل غير مباشر من خلال ترأسه للمجلس الوزاري وبمناسبة عرض الحكومة لمشاريع القوانين التي يتم التداول فيها.
وفي ظل العمل بدستور 2011، تم توزيع اختصاصات الملك بموجب الفصلين 41 و 42 ، بحيث اسند الفصل 41 من الدستور إلى الملك سلطة وصلاحية إصدار القوانين بشكل مستقل ومباشر في المجال الديني بصفته أمير المؤمنين، ولكونه يمثل أحد المجالات المحفوظة للملك، وهو ما يدفعنا إلى القول بأن الملك الديني هو المشرع الفريد في الحقل الديني.
ومن جهة ثانية، يشكل الفصل 42 من الدستور سندا قويا للملك إلى جانب فصول أخرى لممارسة اختصاصات تنفيذية وتشريعية وقضاءية ، وهو ما يسمح له بأن يمارس وظيفة الرقابة السياسية على القوانين بواسطة إصدار الامر بتنفيذها، أو عن طريق طلب قراءة جديدة،أو اللجوء إلى مسطرة الاستفتاء بشأن مشروع أو مقترح قانون.
انه، وبالإضافة إلى الاختصاصات التشريعية الاصلية أو التوجيهية أو التشاركية، فإن الفصلين 48 و 49 من الدستور يمنحان للملك سلطات واسعة بواسطتهما يتحكم في رسم معالم التوجهات الاستراتيجية والمستقبلية لسياسة الدولة، وذلك من خلال ترأسه للمجلس الوزاري كمؤسسة دستورية ذات عمق استراتيجي وبنفس سياسي، يميز النظام الدستوري المغربي، وهذا ما يبعث على التساؤل بشأن أهمية وجدوى العمل بمبدأ “فصل السلطات في النظام الدستوري المغربي”؟
إن دسترة مبدأ فصل السلطات في الدستور المغربي، لا يمكن تفسيره إلا في إطار العقلنة السياسية، التي تتطلب أيضا العمل بمبداي توازن وتعاون السلطات الدستورية في الدولة، ومن بينها الملكية، وهو ما يعني أن فصل السلط لا يمكن أن يكون ميكانيكا وجامدا، بل أن سير مؤسسات الدولة يستدعي مرونة، وهو الأمر الذي نص عليه الفصل الأول من الدستور ،بتأكيده على جدلية فصل السلط وتعاونها توازنها.
بالرجوع إلى فصول الدستور المهيكلة و المنظمة لنظام الحكم في المغرب، يتبين بأن نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية و برلمانية و اجتماعية( الفقرة 1 من الفصل الاول)، وهو الأمر الذي ورد بتفصيل في الباب الثالث من الدستور، بعنوان “الملكية”.
ويؤخذ مما ذكر، أن الملكية في المغرب تجمع بين مقومات ومظاهر الملكية التنفيذية والملكية البرلمانية، المقيدة والمطوقة بالتقليدانية، تكبلها وتحول دون تطورها ونقلها إلى ملكية برلمانية صريحة، حتى و إن عبر الملك عن هذه الرغبة سياسيا، الا أن الدستور احجم عن ذلك .علما أن الملك يمثل المرجع والسلطة التاسيسة و الفرعية المكلف دينيا وسياسيا وتاريخيا بوضع وتعديل الدستور، مما يكون معه الطابع التنفيذي يهيمن على الطابع البرلماني للملكية ويجعلها تبعا لذلك ملكية حاكمة بنفس ديني و سند دستوري، دون أن تتوغل في الشمولية، و الحكم المطلق، خاصة بعد أن تم بموجب دستور 2011، نقل جزء من اختصاصات الملك إلى رئيس الحكومة والى البرلمان، وهو ما يشكل مؤشرا على التأسيس لنظام سياسي برلماني جديد ،قد يأخذ شكل الملكية البرلمانية مستقبلا عن طريق تعاقد سياسي جديد بين الملكية والشعب.
ومن المعلوم أن مبدأ الفصل بين السلطات، لقي حماسا كبيرا لدى زعماء وقيادات الثورة الفرنسية، بحث تم تبنيه كمبدأ دستوري إلى جانب إعلان حقوق الانسان والمواطن ،الصادر في 26 غشت 1789، بتنصيصه صراحة في المادة 168على أهمية فصل السلطات. وتم العمل بالمبدا في فرنسا بموجب أول دستور لها الصادر في 3 شتنبر 1791.
وبدورها، ستنجح الثورة الأمريكية بمناسبة وضع أول دستور للولايات المتحدة الأمريكية في سنة 1787، في دسترة مبدأ فصل السلط لكونه يمثل جوهر تنظيم السلطات في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي اعتبره قسم واسع من الفقه الدستوري بأنه من ثوابت التشريع الدستوري الامريكي، لكن ذلك، لا يلغي إمكانية التعاون بين السلط، وهو ما يعرف بالفصل المعقلن للسلطات، وذلك من أجل ضمان سير مرافق الدولة، وهو الاتجاه الذي يوصف بالمرونة، أخذ به المشرع الدستوري الفرنسي أكثر من المشرع الدستوري الامريكي.
وبالنسبة للمغرب نتساءل عن مكانة مبدأ الفصل بين السلطات في الدستور المغربي؟
لا أحد يجادل، في كون المغرب تأثر بالنظام الدستوري الفرنسي في تنظيم الدولة و سلطاتها، لكن مع تباين واضح على مستوى ممارسة الحكم وفصل السلطات، بحيث أن دستور 14 دجنبر 1962 ,كأول دستور للمملكة المغربية، عمل على دسترة طبيعة النظام السياسي المغربي، القاءم على الملكية التنفيذية وعلى تجميع السلط في يد الملك بصفته الدينية اولا، والدستورية ثانيا، استنادا إلى إمارة المؤمنين التي تضعه في مرتبة السلطة الاعلى، في كثير من الاحيان تسمو على سلطة الدستور، بالنظر إلى كون الملك هو مصدر الشرعية الذي يعتبر السلطة التأسيسية الاصلية والفرعية، أي أنه يعود اليه أمر وسلطة وضع الدستور وتعديله، وهذا بغض النظر عن المقتضيات الواردة في الدستور التي تنص على إمكانية المبادرة بتعديل الدستور إلى جهات معينة، لكنها تبقى مطوقة بالإرادة الملكية.
وهكذا يعتبر دستور 1962، اول وثيقة تتضمن مبادىء ومؤسسات، تماثل تلك المنصوص عليها في دساتير الدول الغربية، ويمثل ايضا بداية دسترة النظام السياسي المغربي، الغارق في التقليدانية الموروثة والمتجدرة في الدولة والمجتمع، بحيث تبنى العديد من المبادىء ذات القيمة الدستورية، ولو نظريا، كما حصل مع مبدأ الفصل بين السلطات ،الذي ظل وسيظل نسقا دستوريا متحكم فيه من طرف الملكية بتفويض من الدستور .
إن الملكية التنفيذية هي غير الملكية البرلمانية، في الحالة الأولى تمارس الحكم وتستغرق جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وفي الحالة الثانية تمارس الملكية البرلمانية اختصاصات جد محدودة ذات طبيعة رمزية.
لكن الاهم، هو أنه يجب القول بأن الدساتير هي من تحدد طبيعة النظام السياسي والمراكز الدستورية للسلطات والعلاقة فيما بينها، وهو ما يعني أن الاشكال لا يمكن تفسيره على مستوى الملكية ،بل يجد تبريره في الوثيقة الدستورية التي تعتبر القانون الاساسي للدولة، بحيث بعد إقراره يغدو ملزما لجميع السلطات والأفراد.
وتأسيسا على ذلك، يلاحظ من خلال الدساتير التي عرفها المغرب، أنها أكدت جميعها على مبدأ فصل السلط، لكن ضمن نسق متحكم فيه.
علما أن الحالة الكاشفة والمعبرة عن أزمة فصل السلطات، تتمثل في عدم تنصيص دساتير، 1962و 1970و 1972و 1992 و 1996 ، على أن القضاء سلطة إلى جانب السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وهو ما اعتبر بمثابة تبعية القضاء للسلطة التنفيذية، وهو الأمر الذي سيتداركه دستور 2011، في الفصل 107، مؤكدا ان ” السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية “، معلنا بذلك وبصفة رسمية على دسترة مبدأ الفصل بين السلطات، ليشمل جميع السلطات الدستورية، باستثناء الملك الذي له مكانة خاصة في النظام الدستوري والسياسي المغربي لاسباب تاريخية ودينية.