مرسوم الحق في الولوج إلى المعلومة.. إجراء أم إغراء؟
- عبد الجبار بهم : منتدب قضائي من الدرجة الأولى.
اكتسب الحق في الولوج إلى المعلومة شرعية دستورية بمقتضى الفصل 27، وأصبح المواطن يمتلك ناصية الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بالمرفق العام. ومن أجل تكريس هذا الحق إجرائيا وتحريره من عمومية النص، صادق مجلس النواب، مؤخرا، بالأغلبية على مشروع المرسوم رقم 13/31، الذي حدد طبيعة المعلومات المتاحة وحدودها ومصادرها.
وإذا كان هذا المرسوم يبعث على الارتياح من قبل الحقوقيين عامة، والمهتمين بالقانون الاجرائي خاصة، فإنه في الآن نفسه يبعث على التساؤل حول شروط نجاعته الإجرائية، لاسيما وأن الأمر يتصل برغبة المشرع في الرفع من مستوى وعي المواطن بقضايا الشأن العام، وتمكينه من الانخراط في انشغلاتها بروح الديمقراطية التشاركية.
اجتهد المرسوم الذي صادق عليه مجلس النواب بتاريخ 06/02/2018 في ضبط مفهوم المعلومة بتفكيك مضمونها الإجرائي، مراعيا في ذلك أحدث تمظهرات الصورة المعرفية في عالم إعلامي بامتياز، تحررت فيه المعارف من كل الحواجز والقيود، وبذلك اعتبر المرسوم أن :
المعلومات موضوع الحق في الولوج إليها هي المعطيات والإحصائيات المعبر عنها في شكل أرقام أو أحرف أو رسوم أو صور أو تسجيل سمعي/بصري أو أي شكل آخر؛ بحيث تكون ذات طابع عام ومضمنة في وثائق ومستندات وتقارير ودراسات وقرارات ودوريات ومناشير ومذكرات وقواعد بيانات، مهما كانت الدعامة الموجودة فيها، ورقية أو إلكترونية أو غيرها، شريطة أن تكون من منتجات المرفق العام، أو تتوصل بها المؤسسات والهيئات في إطار مهام المرفق العام.
وانطلاقا من هذا التحديد، فالمعلومات ذات البعد الخصوصي التي لا صلة لها بمهام المرفق العام، لا يمكن أن تكون موضوعا لممارسة حق الولوج إليها إلا بمقتضى القانون، بل إن المعلومات المتصلة بالمرفق العمومي نفسها تسيجها حدود تجعلها غير متاحة لممارسة هذا الحق، إذا كانت متصلة بعلاقة الدولة مع دول أجنبية أو منظمات حكومية، أو كانت متصلة بسياسة الدولة الاقتصادية والنقدية، أو متصلة بحقوق الملكية الصناعية، وحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، أو حقوق الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين عن جرائم الرشوة. ويبدو أن الهدف من هذا الاستثناء هو حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني والأمن الداخلي والخارجي، وحماية الحياة الخاصة للأفراد وحرياتهم وحقوقهم الأساسية طبقا للفصل 37 من الدستور.
من جهة أخرى، ركز المرسوم رقم 13/31 على بيان الجهات التي تشكل مصدرا رسميا للمعلومة، وحصرها في البرلمان بمجلسيه، والمؤسسات العمومية، والمحاكم، والجماعات الترابية، وأشخاص القانون العام، وكل مؤسسة أو هيئة أخرى عامة أو خاصة مكلفة بمهام المرفق العام، واعتبر هذه الجهات ملزمة -كل في حدود اختصاصها-بنشر الحد الأقصى من المعلومات التي بحوزتها عبر جميع وسائل النشر المتاحة، خاصة الإلكترونية منها، حتى يسهل على المواطن الحصول عليها وإبداء الرأي في شأنها بحرية ومسؤولية.
ويبدو أن الهاجس الذي عجل بترسيم حق الولوج إلى المعلومة، وإخراجه إلى الواقع الإجرائي، لا يتمثل فقط في الوفاء لطموحات دستور 2011، ومعها طموحات المواطن المغربي في دسترة العديد من أوجه النشاط العام، بل إن هذا الهاجس يتمثل أيضا في خلق مجال تداولي لنقاش تشاركي موضوعه الشأن العام، بين المواطن المغربي ومؤسساته التمثيلية، انطلاقا من وحدة المرجعية ووحدة المصدر ووحدة الهدف، خاصة وأن هذا المواطن يحاصره في الوقت الراهن تدفق هائل من المعلومات، بعضها سمين جاد ومعظمها لقيط أو غث أو ملغوم.
إن استحضار ظرفية المرسوم الذي جاء في سياق السعي إلى انضمام المغرب إلى مبادرة الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة، ينبغي أن لا ينسينا جانبا من جوانب النقاش الذي يصب في صميم أهمية المعلومة المتاحة كمنتج عمومي، ومنها هذا المرسوم نفسه، ومدى توافر هذا المنتج على عناصر الإثارة والجاذبية التي تؤهله للاستحواذ على اهتمام المواطن العادي، وتحمله على الانخراط الجدي في الجدل السياسي بروح الديمقراطية التشاركية، فالديمقراطية التشاركية ليست مجرد شعارات ذرائعية توظف لإحراز رضى الآخر واستحسانه، وإلا ستظل ادعاء وإغراء بدلا من أن تكون إشراكا وإجراء.
إن الترسانة التشريعية ببلادنا، بالرغم من جاذبيتها المتصلة بالقانون الإجرائي، تسير غالبا بوتيرة جد متقدمة تكاد تجعلها متجاوزة لواقعنا المعيش؛ فهي وإن كانت تنطوي على جانب كبير من الخدمات الجليلة لهذا الواقع، إلا أنها تبقى كثلج مرصع، لا يلمع إلا ليتلاشى ويندثر كما الظرفية التاريخية التي تفرزه؛
فسن القوانين بدواعي تلميع الصورة واستقطاب الرضى والاستحسان، من غير اكتراث بانتظارات المواطن العادي وتطلعاته، يبقى ضربا من الإمعان في تعميق الهوة بين المواطنين ومنظومة مشاريع إجرائية قد لا تمارس إلا في حدود ضيقة، وإلا كيف يتواصل المواطن مع معلومة ويتفاعل معها في غياب تدني مستوى بحثه الجاد عن المعلومة أصلا، وفي غياب تدهوره المعرفي الناجم عن انحدار جودة البرامج التعليمية، وفي غياب برامج حقيقية لتوعية إجرائية تعيد بناء الثقة بين مواطن عازف عن قضايا الشأن العام وبين مؤسساته العمومية؟
وهل يمكن الحديث عن مقترحات المجتمع المدني وملتمسات الجمهور وعرائضه الموجهة إلى البرلمان والإدارات العمومية، في ظل هيمنة عمل جمعوي تكسبي يعيش على تمنيات المواطنين وأحلامهم، وفي ظل عرائض إنما ترفع لأجل المصالح الشخصية والرغبات الخاصة، وفي ظل ممارسة المواطن العادي للشأن السياسي بكيفية تطبعها الانتهازية، نتيجة للاستغلال الذي مورس عليه من السياسة والسياسيين؟
إن ما يمكن الاستبشار به هو أن المرسوم في نهاية المطاف سيؤرخ للحظة من لحظات انتصار الديمقراطية وحقوق الانسان، وسيتيح للأكاديميين والباحثين مكنة الحصول على المعلومة من مصادرها الموثوقة، منشطا بذلك دواليب البحث العلمي في المادة الحقوقية والقانونية.