محمد بلعريبي: درس فيروس كورونا كوفيد 19 باعتباره واقعة مادية والدعوة الى إعادة النظر في بعض التصرفات القانونية
محمد بلعريبي محام بهيئة المحامين بأكادير
مقدمة:
يقول ارسطو “إن الإنسان بدون انتماء إما أنه كائن لم يصل بعد إلى مرتبة الانسان، أو كائن يسمو على الانسان… لذلك فالإنسان مدني الطبع” ويشرح ابن خلدون في مقدمته هذا القول بأنه “لا تمكّن حياة المنفرد من البشر، ولا يتم وجوده إلا مع أبناء جنسه، وذلك لما هو عليه من العجز عن استكمال وجوده و حياته، فهو محتاج إلى المعاونة في جميع حاجاته أبدا بطبعه، وتلك المعاونة لا بد فيها من المفاوضة أولا، ثم المشاركة وما بعدها، وربما تفضي المعاملة عند اتحاد الأغراض إلى المنازعة أو الموافقة، فتنشأ المُنافرة أو المُؤَالَفة، التي تؤول الى الصداقة والعداوة”. فهذا القول الحكيم لهؤلاء الفلاسفة إنما أردنا منه الوصول الى فكرة مفادها، أن حياة الفرد ومنذ ولادته الى ان يتم الاعلان عن وفاته، تمر بمجموعة من التصرفات سواء كانت مكتوبة أو شفوية وهذه التصرفات تحكمها مبادئ قانونية أو عرفية فبمخالفتها تقوم المسؤولية.
إلا أن تطور المفاهيم بفعل تغير الزمان وظهور تصرفات جديدة، الزمت على واضعي القانون في البحث عن مبادئ أخرى في ظل التحولات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية أو التخفيف من حدتها حتى تساير تلك التحولات، و ذلك بابتداع قواعد مستثناة من تلك المبادئ تلطيفا لجو المفاوضة بين المتعاقدين، لكن قد يطرأ أن لا يبادر المشرع بالتنصيص على بعض الحالات القانونية، إما لعدم وقوعها من حيث المكان أو تركها حتى يحل أجلها أو لغاية هو ارتضاها لنفسه، مما يرك فراغا تشريعيا قد يشكل تهديدا للأمن التعاقدي، وهو ما أبان عليه هذا الفيروس المسمى كورونا كوفيد 19 الذي اجتاح العالم و عجزت الدول الى التصدي اليه، الأمر الذي أجبرها على اتخاذ اجراءات احترازية للتقليل من خطورته.
ومن هذه الدول المملكة المغربية التي اعتمدت اجراءات صارمة للوقف من حدته، و ذلك باقرار الحجر الصحي و توقيف أغلب الأنشطة حفاظا على سلامة المواطنين، الشيء الذي خلف اضطرابا اقتصاديا و اجتماعيا على عدة مستويات، وبالنتيجة أثر على الامن القانوني. ودليلنا في ذلك اعتماد حلول وقتية من قبيل التعويض عن فقدان الشغل الذي يتيحه صندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في حين بقيت حالات أخرى دون حماية كطرد المكتري من العين المكتراة، اللهم ما أبانت عليه جرأة السلطات المحلية أو القضائية، لتبقى كما قلنا اجراءات مؤقتة سينتهي مفعولها بانتهاء الازمة أو ربما قبلها.
لذلك فإن هذه الجائحة التي لم يسلك منها المغرب، تعتبر درسا لما ستكون عليه الأنظمة القانونية المغربية مستقبلا، و دراستنا في هذا الشأن هي البحث عن حلول ناجعة، يمكن للمشرع المغربي أن يستأنس بها وهو يعيد التفكير في مراجعة القوانين التي طالها النقص، لذلك سنحاول تأصيل جائحة فيروس كورونا ونحدد الأمراض الأخرى التي يمكن أن تأخذ حكم هذا الفيروس، وعلى أساس هذا التأصيل سنعمل على تكييفه قانونا لنصل الى الوصف القانوني السليم الذي ينطبق عليه، ثم بناء على هذه المعطيات سنحاول دراسة بعض القوانين ومدى نجاعتها للتصدي لمثل هذه الظروف من جهة، و دور القضاء في إعادة التوازن التعاقدي حفاظا على المراكز القانونية من جهة أخرى، لأن أي واقعة مادية لا تظهر آثرها إلا بعد زوالها.
وعليه سنقوم بدراسة موضوعنا على ضوء مطلبين:
- المطلب الأول: التكييف القانوني لجائحة فيروس كورونا و الأمراض المعتبرة في حكمها
- الفقرة الأولى: ماهية جائحة فيروس كورونا والأمراض المعتبرة في حكمها
- الفقرة الثانيةّ: الطبيعة القانونية لجائحة فيروس كورونا والأمراض المعتبرة في حكمها
- المطلب الثاني: الحلول القانونية في حالة قيام جائحة كورونا وغيرها من الأمراض المعتبرة في حكمها
- الفقرة الأولى: الحلول القانونية المشتركة ودور سلطة المحكمة في إعادة التوازن العقدي
- الفقرة الثانية: الحلول القانونية الخاصة ببعض التصرفات القانونية
المطلب الأول: التكييف القانوني لجائحة فيروس كورونا و الأمراض المعتبرة في حكمها
قبل اتخاذ اجراءات الحجر الصحي كنا نسمع فقط بفيروس كورونا وأنه كباقي الفيروسات سيصبح في زمن كان، لكن و منذ أن تقرر الإعلان عن الحجر الصحي تغيرت المفاهيم و بدأنا نسمع بجائحة مقرونة بفيروس كورونا ومدى خطورته، الأمر الذي دعا بنا الى البحث عن ماهيته ودرجة خطورته وذلك قصد وضع تركيبة له لاختبار مدى تأثيره على الوضع القانوني بالمغرب من خلال تكييفه قانونا.
الفقرة الأولى: ماهية جائحة فيروس كورونا والأمراض المعتبرة في حكمها
لابد أولا لتأصيل أي موضوع قانوني أن ننطلق من مفهوم العنصر الذي على أساسه يدور النقاش حتى نتمكن من استخراج عناصره و تحديد خصائصه، وبعدها يتم تكييفه مع باقي الأمراض التي يمكن أن تظهر مستقبلا لا قدر الله، لأنه من بين خصائص القاعدة القانونية؛ الثابت وذلك حفاظا على استقرار المعاملات من جهة والعمومية أي قابلية القاعدة القانونية لأن تشمل مجموعة من الوضعيات، فالقانون لا يعالج كل وضعية على حدة وإنما يعالج الوضعيات التي تدخل في زمرة واحدة تحت احدى المسميات؛ فالمسؤولية التقصيرية مثلا وحدة قانونية تدخل في زمرتها مجموعة من الوضعيات، كمسؤولية الآباء عن الأفعال الناشئة عن أبنائهم، و مسؤولية المقاول، و مسؤولية الطبيب، ومسؤولية المحامي، و مسؤولية حارس الحيوان … وغيرها من الحالات .
وهكذا فإن جائحة كورونا ما هي إلا وباء كباقي الأوبئة، لكن ما أحدثه من تغيير على جميع المستويات، إنما راجع الى تعقيد تركيبته الجينية وسرعة انتشاره، مما أدى بالطب الى حد الساعة في البحث جاهدا داخل المختبرات لإيجاد دواء للقضاء على الفيروس، ذلك أن المضادات الحيوية تقتضي فقط على المكروبات وليس الفيروسات.
1-فما هو إذن فيروس كورونا كوفيد 19؟
حسب التعريف الذي قدمته منظمة الصحة العالمية، فإنه فيروس ينتمي الى فصيلة فيروس كورونا، الذي ينتمي بدوره الى نظام الفيروسات التي قد تسبب المرض للحيوان والإنسان. ومن المعروف أن عددا من فيروسات كورونا تسبب لدى البشر حالات عدوى الجهاز التنفسي التي تتراوح حدتها من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشد وخامة؛ مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرز)، والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (السارس)، و أخيرا كوفيد 19 [1].
هذا الأخير ظهر لأول مرة في بمنطقة «ووهان» بالصين تحت اسم مرض الفيروس التاجي 2019 أو ما يطلق عليه بـ (COVID-19) وهو اسم انجليزي متكون منCO وهما أول حرفين من كلمة كورونا (corona)، “VI” وهما أول حرفين من كلمة فيروس (virus)، “D” وهو أول حرف من كلمة مرض بالإنجليزية (disease) أما لدى المختصين فيُعرف باسم فيروس المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة كورونا 2 (سارز كوف 2) ، إذن و طالما أنه يتخذ نفس خصائص فيروس كورونا سارس فلماذا لم يتم توقيفه بواسطة الادوية التي وصفت لهذا الأخير؟
بالرجوع الى الأطباء الأخصائيين في علم الأوبئة و الفيروسات فإنهم متفقون على أن هناك تطابق في التسلسل الجينيّ لفيروس- SARS-CoV-2 مع فيروس سارس بنسبة %80، ويتشابه فيروس الكورونا مع فيروس كورونا BatCoV RaTG13 الموجود في الخفافيش بنسبة %96 وبالتالي فقد تكون الخفافيش هي التي نقلت الفيروس إلى الإنسان، ولكن توجد اختلافات كبيرة بين الفيروسين في المناطق المسؤولة عن نقل العدوى في الجينوم، مما يدل على أن فيروس الخفافيش هذا لم يصب البشر مباشرة، وإنما انتقل الى الانسان عن طريق مضيف وسيط، على حد قول هؤلاء الباحثين، الامر الذي عقد من تركيبته الجينية وبالتالي استعصى على الخبراء في ايجاد دواء للحد من انتشاره، ذلك أن الفيروس يقوم بالدخول الى جسم الانسان عن طريق الأنف، الفم أو العينين، ثم يرتبط -بمساعدة بروتين الSpike (بروتينS)- بخلايا جهاز التنفس التي تنتج بروتينا يدعى ACE2 [2].
ففي الأسابيع الأخيرة قام علماء أمريكيون لأول مرة بتحليل مبنى البروتين S على المستوى الذري حيث يتكون بروتين الSpike من مركبين S1 الذي يحوي منطقة تحدد مستقبلات ال- ACE2 الموجودة على سطح الخلية المصابة، ثم تلتصق بها، و S2 الذي يحوي منطقة تساعد الفيروس على دخول الخلية عن طريق دمج الغشاء المحيط به مع غشاء الخلية المصابة بعد أن يقوم S1 بعمله ويرتبط بالمستقبِل ACE2، ثم ينقطع بروتين الـ Spike، وبالتالي تنكشف منطقة S2 التي تعمل على اندماج غشاء الفيروس مع غشاء الخلية المصابة . فمجرد دخول الفيروس إلى الخلية، يطلق جزءا من مادته الوراثية على شكل RNA ثم يستغل موارد الخلية كمصنع لاستنساخ ومضاعفة ال- RNA الفيروسي، ثم يقوم بإطلاق نسخ جديدة من الفيروس التي تم إنتاجها في الخلية المضيفة و يمكن لكل خلية مصابة إطلاق ملايين النسخ من الفيروسات قبل أن تتحلل بعضها وفي النهاية تموت ، بينما تطلق أخرى عن طريق غشاء الخلية دون القضاء المباشر عليها حيث يخرج بعضها من الخلية المصابة، ليصيب الخلايا المجاورة وتبدأ دورة استنساخه مجددا، كما يمكن أن يخرج – من خلال السعال والعطس من بلعوم مصحوب بفيروسات من الجهاز التنفسي – ليصيب الأشخاص ويقع على المسطحات القريبة، ليبقى معديا هناك لساعات معدودة حتى أيام[3].
هذا التركيب المعقد لفيروس كورونا كوفيد 19 أدى بالخبراء الى البحث بصفة مستمرة في تفكيك خوارزمياته للوصول الى دواء ناجع يوقفه، لكن و في خضم هذا البحث فإن هذا الفيروس يتميز بسرعة انتشاره لكونه ينتقل عن طريق اللمس و الرداد كما أسلفنا الذكر، الأمر الذي حدا بالدول الى اعتماد مجموعة من المقاربات و الآليات الوقائية قصد الحد من هذا الانتشار نظرا لحدة نتائجه التي أبانت عن وفاة مجموعة كبيرة من المصابين وصلت لحدود الساعة الى أكثر من 100 ألف وفاة.
إذن ومن خلال تحليلنا لخصائص هذا الفيروس نستنتج أن منظمة الصحة العالمية صنفته في خانة الجائحة.
2-فما هو مفهوم الجائحة ؟
تعرف الجائحة[4] على أنها وباء ينتشر بين البشر في مساحة كبيرة مثل قارة مثلا ، أو قد تتسع لتضم كافة أرجاء العالم. وقد ميز قي هذا الصدد محمد الدسوقي، استشاري الأمراض الصدرية بين الوباء Epidémique و الجائحة Pandémique ؛ ذلك أن الوباء هو ظهور حالات أمراض معدية في دولة أو مجموعة دول صغيرة متجاورة، وينتشر بصورة سريعة بين الناس ومن أمثلة الأوبئة التي تفشت في العقد الأخیر، تفشي فیروس زیكا الذي حدث بین عامي 2016 – 2017، و تفشي مرض إیبولا الذي حدث ما بین عامي 2014 – 2016 في غرب أفریقیا، أما الجائحة فهو ظهور حالات لأمراض معدية في أكثر دول العالم بأسره، ويصعب السيطرة على الحالات المرضية على مستوى العالم، مما يهدد صحة الناس ويتطلب إجراء تدابير طبية سريعة، وخطط عاجلة لإنقاذ البشر[5].
ويضيف أندریس رومیرو المختص في علم الأمراض المعدیة في مركز سانت جون الصحي في سانتا مونبك بكالیفورنیا أن الجائحة تؤثر على عدد أكبر بكثیر من الأفراد، وعادة ما تكون بسبب فیروس جدید، أو فیروس غیر مألوف بالنسبة للأجسام المضیفة، بسبب عدم تعرضھا له لفترة طویلة، ومما یزید من خطورة الوضع، ھو بأن الجوائح عادة ما تكون سببا لحدوث المشاكل المجتمعیة والأمنیة، بالإضافة للخسائر الاقتصادیة، والتسبب بالكثیر من الوفیات.
3-فمتى يعتبر إذن الفيروس على أنه جائحة؟ بمفهوم آخر ما هي الخصائص المميزة للجائحة؟
بحسب علم الأوبئة باعتباره هو أحد فروع الطب الذي يدرس مدى انتشار مرض ما، والمساحة الجغرافية التي يتفشى فيها المرض، وطرق السيطرة عليه. فإنه ينطلق من عاملان مهمان وهما:
1- نمط وسرعة انتقال المرض، المعروف باسم “معدل التكاثر”.
2- عدد السكان المعرضين لخطر الإصابة.
فبعد دراسة المرض بشكل جيد وتحديد العاملين المذكورين سلفا يقوم الأطباء بتصنيفه إما على أنه مرض متقطع، أو عنقودي، أو متوطن، أو مفرط التوطن، أو وباء أو تفشٍ أو جائحة.
- المرض المتقطع: يشير هذا المصطلح إلى مرض نادر الحدوث، أو يحدث عادة، لكن بشكل غير منتظم. من الممكن أن تكون البكتريا أو العصيات المعوية مثل السالمونيلا، أو الإشركية القولونية من مسببات الأمراض التي توصف عادة بالأمراض الـ”متقطعة”.
- عنقودي: يشير هذا المصطلح إلى الأمراض التي تحدث عادة بأعداد أكبر من الأمراض المتقطعة، وعادة ما تكون أسباب هذا النوع من الأمراض غير مؤكدة. مثال على ذلك تزايد حالات السرطان التي يُبلغ عنها بعد كوارث المحطات النووية أو الكيميائية.
- متوطن: يشير إلى الوجود المستمر أو الانتشار المعتاد لمرض ما بين سكان إحدى المناطق الجغرافية.
- مفرط التوطن: يشير إلى مرض موجود باستمرار وبمستويات مرتفعة بين مجموعات سكانية محددة أكثر مما يوجد في مجموعات سكانية أخرى فعلى سبيل المثال، فيروس المناعة البشري HIV مفرط التوطن في أجزاء من إفريقيا، حيث يوجد العديد من البالغين المصابين بالمرض، تصل نسبتهم لواحد من بين كل 5 أشخاص بالغين ، ومتوطن في الولايات المتحدة، حيث يوجد مصاب من بين كل 300 فرد تقريباً.
- وباء : يشير المصطلح إلى زيادة مفاجئة في عدد حالات مرض ما أكثر من المتوقع في الطبيعي.
- التفشي : يحمل نفس تعريف الوباء، لكنه عادة ما يستخدم في وصف أحداث في مناطق جغرافية محدودة أكثر.
- الجائحة (وباء عالمي): تشير لوباء ينتشر في العديد من الدول أو القارات ويصيب عادة عدداً كبيراً من الناس[6].
وبالتالي فإن ما يمكن قوله أن الفيروس وحتى يعتبر ذا تأثير فإنه لابد أن يرقى الى درجة اعتباره جائحة وأن يتصف بالصفتين المذكورتين أعلاه والمتمثلين في سرعة انتشار كبيرة و احتواءه لدائرة مجالية متسعة كانتقاله من قارة الى قارة و شموله لعديد من الدول ويضيف الجيو-سياسين تأثيره على الوضع العام بالدولة وذلك باتخاذ اجراءات صارمة قد تصل الى حد اعلان حالة الطوارئ بإغلاق المنافذ الحيوية من حدود جوية وبحرية و برية ضمانا لسيرورة السلامة الصحية باعتبارها إحدى مقومات النظام العام بالدولة.
الفقرة الثانيةّ: الطبيعة القانونية لجائحة فيروس كورونا والأمراض المعتبرة في حكمها
بعد أن تبين لنا من خلال دراسة هذا الفيروس أنه اتخذ صفة جائحة لكونه يتصف بسرعة الانتشار المجالي و الزمني وكذا عجز الطب الى حد الآن في وجود لقاح يقضي عليه أو على الأقل يحصر من حدته، الامر الذي جعل مجموعة من الدول الى اتخاذ تدابير صارمة للحفاظ على النظام العام الصحي داخل البلد.
ومما لا شك فيه أن اتخاذ هذه التدابير من قبيل اغلاق الحدود وتوقيف الحركة مؤقتا له تداعياته على المستوى الاجتماعي و الاقتصادي و النفسي الأمر الذي سيخلق نوعا من الاضطراب لدى الأفراد سيؤدي بهم بعد رفع هذه الازمة الى البحث عن المنافذ القانونية للحفاظ على مراكزهم كما هو الحال بالنسبة للأجير و المقاول و المكري و الناشز التي تنفق على أبنائها … وغيرهم، فأي حماية أقرها القانون لهؤلاء الفئات و غيرهم؟
فالإجابة عن هذا السؤال –الذي سنتركه للمطلب الثاني- تسبقه اشكالية تحديد الطبيعة القانونية لهذا الفيروس و الأمراض المعتبرة في حكمه، فبعدما اثبتنا من خلال ما سبق طبيعة هذا الفيروس وتطوراته حتى أدرج داخل خانة الجوائح لخطورته، فإن السؤال المشروع في هذا الصدد يتمثل في مدى اعتبار جائحة كورونا كوفيد 19 وغيرها من الأمراض التي يمكن أن تتخذ نفس الوصف أي وصف “جائحة”، قوة قاهرة أم ظرف طارئ ؟
فأول ما نستهله بعد طرح هذا السؤال هو تحديد ماهية كل مصطلح لاستجلاء الفرق بينهما، للوصول الى المفهوم الصحيح الذي يصلح للقول بتكييفه مع هذه الجائحة و الأمراض المعتبرة في حكمها.
1-فما هي القوة القاهرة أو الحادث الفجائي و ما شروط قيامها؟
عرف المشرع المغربي القوة القاهرة أو الحادث الفجائي في الفصل 962 من قانون الالتزامات والعقود على أنها ” كل أمر لا يستطيع الانسان ان يتوقعه، كالظواهر الطبيعية الفيضانات والجفاف، والعواصف والحرائق والجراد وغارات العدو وفعل السلطة ، ويكون من شأنه أن يجعل الالتزام مستحيلا.
ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الامر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لذرئه عن نفسه.
وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين“.
ونستشف من خلال قراءتنا لهذا الفصل ان القوة القاهرة هي ذلك الحادث أو الواقعة التي لا يمكن ان يتوقعها الانسان عادة، ويستحيل مقاومتها أو دفعها ولا يكون للمدين يد في تحقيقها علاوة على أن المشرع أعطى أمثلة على القوة القاهرة وجاء بها على سبيل المثال ال الحصر الشيء الذي يدل على أن القوة القاهرة واقعة وليست قانون يمكن اثباتها بجميع وسائل الاثبات.
وحسنا فعل المشرع المغربي حينما عرف القوة القاهرة، ويكون بذلك خالف منهج التقنينات الحديثة المقارنة التي أحجمت عن تعريف القوة القاهرة في ترساناتها القانونية. و يلاحظ أن المشرع الفرنسي من خلال المقتضيات المنظمة لموضوع القوة القاهرة خاصة الفصل 1218 قد تحدث عن القوة القاهرة، إلا أنه لم يحدد مفهومها القانوني بشكل دقيق كما أنه لم يبني شروطها[7].
إلا أنه ورغم أن التشريع المغربي عرف القوة القاهرة في قانون الالتزامات والعقود، الا ان الفقه المغربي لم يذخر جهدا في سبيل وضع تعريف للقوة القاهرة، للاستئناس به في حالة غموض عبارة من عبارات الفصل المعرف للقوة القاهرة، وفي هذا الصدد عرفها الدكتور عبد الحق صافي بأنها واقعة مادية خارجة عن نشاط المدين، وأحد أهم الاسباب القانونية التي تجعله عادة في حل من تنفيذ التزاماته العقدية من غير أن يتحمل أية مسؤولية مدنية[8].
وبخصوص الفقه الفرنسي فقد عرف الفقيه ديفور مانطيل القوة القاهرة بأنها” كل واقعة تنشأ باستقلال عن إرادة المدين، و لا يكون باستطاعة هذا المدين توقعها أو منع حدوثها، و يترتب عليها أن يستحيل عليه مطلقا الوفاء بالتزامه”، و يعرف الفقيه دوموك فكرة القوة القاهرة بالكيفية الآتية “إن فكرة القوة القاهرة، و كما يستفاد من الاجتهاد القضائي الفرنسي، جد بسيطة، فهي تعرف باستحالة التنفيذ الناتجة عن واقعة غير متوقعة الحدوث، لا يساهم فيها خطأ من المدين”[9] .
ونلاحظ أن جميع أراء الفقهاء الفرنسيين في هذا الصدد، كلها تصب في منحى أن القوة القاهرة اذا كانت سببا في حدوث واقعة، فإن المدين يتحلل من التزاماته بقوة القانون، نظرا لحدوث قوة خارجة عن ارادته ولا يد له فيه، وبذلك تنتفي مسؤوليته المدنية، وحتى الجنائية حسب الاحوال.
وانطلاقا من هذه التعريفات نستنتج أنها تقوم على نفس الشروط وهي:
أولا: أن يكون الحادث غير متوقع: يقصد به أن يكون الحادث قادما من خارج دائرة نشاط المتحمل بالمسؤولية وخارج عن دائرة مشروعه، وهذا الشرط نص عليه الفصل السابق الذكر:”… القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع لانسان أن يتوقعه”، والحادث اذا كان غير ممكن التوقع وقت ابرام العقد، يعتبر قوة قاهرة ولو كان بالإمكان توقعه بعد ابرام العقد أو تنفيذه، وبالتالي فان مسؤولية المدين تنتفي في هذا المضمار، وقد صدر حكم في هذا الموضوع عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء جاء فيه :… سوء أحوال الطقس لا يكون في حد ذاته قوة قاهرة أو حادث فجائي، كما لا يكون هيجان البحر بمرفأ آسفي كذلك، مادام ذلك يعد حالة معتادة معلومة من الطرفين”.
ثانيا: شرط عدم الدفع الحادث: تفيد هذه الفكرة معنيين الاول يتمثل في عدم قدرة الشخص على منع نشوء الواقعة المكونة للقوة القاهرة، والثاني يتمثل في عدم تمكنه من التصدي للآثار المرتبة عنها ، وليس من قبيل القوة القاهرة والحادث الفجائي ما يمكن دفعه ولا يعتبر فيه تنفيذ النقل مستحيلا، بل يجب أن يكون الحادث من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا استحالة مطلقة .
وفي هذا الصدد يجب أن يتم تقدير هذا الشرط على ضوء التقدم الذي يشهده اليوم من وقوع حوادث في مجال الطيران، ففي البداية كان من الصعب مطالبة عوامل الطبيعة و كوارثها ، أما الان فقد وصل هذا المجال الى مستوى عال من التقدم التكنولوجي وزودت الطائرة الحديثة الصنع بمعدات متطورة لقياس الضغط الجوي وأجهزة الرادارات التي تفيد في الحصول على معلومات بخصوص التغيرات الجوية وبالتالي أصبح بالإمكان تفادي خطر مفاجأ أثناء التحليق في الوقت المناسب، إلا أن إثبات ذلك في بعض الأحيان يكون عسيرا خاصة عند تهشم الطائرة نهائيا أو يتم فقدانها في أعالي البحار أو كون الخطأ يرجع الى عطب مفاجئ.
ثالثا: انعدام خطأ المدين: انطلاقا من مقتضيات الفقرة الاخيرة من الفصل 962 من قانون الالتزامات والعقود “… وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين”، وكذا مقتضيات الفصل 21 من نفس القانون الذي ينص على أنه ” لا محل للمسؤولية المدنية… عن حادث فجائي أو قوة قاهرة لم يسبقها او يصطحبها فعل يؤاخذ به المدعى عليه”.
وعليه فان الواقعة التي يتسبب في وقوعها المدين بفعله أو بخطئه، لا تكيف بأنها حالة القوة القاهرة تعفيه من المسؤولية المدنية، لان قواعد العدالة تقضي بأن لا حق للشخص في الاستفادة من خطئه.
2-وما هو الظرف الطارئ و ما عناصر تنزيله ؟
لم يعرف المشرع المغربي الظروف الطارئة مما يدعو معه الامر الى البحث في التشريعات الأخرى وبالرجوع الى المشرع الجزائري نجده عرف نظرية الظروف الطارئة من خلال المادة 107 من القانون المدني الجزائري والتي لا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه فحسب بل يتناول أيضا ما هو من مستلزماته وفقا للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام، غير انه إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي، وان لم يصبح مستحيلا صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي تبعا للظروف وبعد مراعاة مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى حد المعقول ويقع باطلا كل اتفاق على خالف ذلك.
أما الفقه القانوني فقد عرف الظرف الطارئ على أنه الظروف التي تجعل تنفيذ الالتزام مرهقا للمدين إرهاقا يهدده بخسارة فادحة مع إمكان التنفيذ رغم الإرهاق على ألا تكون نتيجة الحادث انقضاء الالتزام بل وجوب رده إلى الحد المعقول [10]. كما عرفها البعض على أنها حالة عامة غير مألوفة أو غير طبيعية أو واقعة مادية عامة لم تكن في حسبان المتعاقدين وقت التعاقد ولم يكن في وسعهما ترتيب حدوثها بعد التعاقد و يترتب عليهما أن يكون تنفيذ الالتزام التعاقدي مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة وان لم يصبح مستحيلا[11].
أما عن شروطه فقد اختلف الفقهاء حول حصرها فهناك من قسمها إلى ثالثة شروط وهناك من قسمها إلى أربعة شروط وتعد الشروط التي سنتطرق إليها من أهم الشروط التي اجمع شراح القانون على توافرها وهي :
أولا: أن يكون الظرف الطارئ عاما: ويقصد بعمومية الظرف الطارئ أن لا يكون خاصا بالمدين بل يشمل طائفة من الناس، وعليه فإن الحوادث الطارئة الخاصة بالمدين لا تطبق أحكام النظرية كإفلاسه أو إعساره أو مرضه أو احتراق محصوله أو بضاعته حتى ولو أدت هذه الظروف إلى صعوبة تنفيذه التزامه.[12]
وأن شرط العمومية يتحدد بعدد الأشخاص الذين يتأثرون بهذه الظروف ولا يشترط فيه أن يشمل كل إقليم الدولة أو أفراد الشعب، بل يكفي أن يصيب منطقة معينة بأن يشمل عددا كبيرا من الناس كأهل البلد أو إقليم معين أو طائفة معينة منهم كالمزارعين أو حرفيين.
ثانيا: أن يكون الظرف الطارئ استثنائيا: ويقصد بهذا الشرط أن يكون مما يندر وقوعه أي لا يقع عادة لأنه غير مألوف ولا يتدخل في حدوثه أي من المتعاقدين كالكوارث الطبيعية والحروب والأزمات الاقتصادية.[13]
فمفاد هذا الظرف أن يكون غير متوقع حدوثه بالنسبة للمتعاقدين خاصة المدين أثناء إبرام العقد، كما انه يمكن أن يكون الظرف الاستثنائي من قبل الأعمال القانونية وذلك كصدور قرار إداري مثال أو نص تشريعي يفرض أو يلغي تسعيرة ما كانت قائمة. و هناك بعض الفقهاء من يرى أن شرط الاستثنائية يجب أن يلحق بأثر الظرف الطارئ وليس بالظرف بحد ذاته، بحيث أن هناك ظروف تكون عادية ومألوفة ولكنها ترتب نتائج تؤدي إلى قلب التزامات العقد وتجعل تنفيذ الالتزام مرهقا للمدين، وذلك مثل موجات البرد التي تصيب المحاصيل الزراعية فهي لا تعد من الظروف الاستثنائية ولكنها قد تسبب إضرارا، إذن فالعبرة ليست بالحادث وحده إنما تمتد أيضا إلى الآثار المترتبة عن الحادث[14].
ثالثا: أن يكون الظرف الطارئ فجائي غير متوقع: ومفاد هذا الشرط أن لا يكون في وسع المتعاقد توقع الظرف الطارئ حين إبرام العقد لأنه إذا كان قد توقف هذا الظرف أو كان في وسعه توقعه فليس له الحق في أن يطالب بتطبيق النظرية، غير أن توقع الحادث أو عدم توقعه من الأمور النسبية التي تختلف باختلاف الأشخاص والمهنة والمناطق مما يثير صعوبة في تحديد المعيار الذي يمكن استخدامه في قياس هذا التوقع.
لكن المعيار المتفق عليه فقها هو المعيار الموضوعي ووفقا لهذا المعيار تتحدد درجة التوقع لا بالنظر إلى الظروف الخاصة للمتعاقد وإنما بالنظر إلى الظروف و الأحوال الموضوعية التي أحاطت بالعملية العقدية فلكي تطبق نظرية الظروف الطارئة يجب أن يكون الحادث مما لا يمكن توقعه وقت إبرام العقد.[15]
رابعا: عدم القدرة على دفع الظرف الطارئ: ومفاد هذا الشرط انه ذلك الظرف الذي لم يكن بوسع المدين دفعه أو التقليل من أثاره بحيث إذا وقع الظرف الطارئ لا يستطيع المدين دفعه، فإذا تمكن من دفعه فلا يكون هذا الظرف طارئا ولا تطبق عليه النظرية، ذلك لان المدين في هاته الحالة يكون مقصرا ولا يستطيع أن يحمل دائنه نتائج تقصيره إذ حينما يلجأ المدين لاحتكام نظرية الظروف الطارئة يكون ذلك مؤسسا على انه لا يستطيع توقي أو دفع حدوث الظرف الطارئ أو التقليل من أثاره، لأنه لو كان له ذلك ولم يفعل لوصف مسلكه بسوء النية والذي يفسد كل شيء[16].
ومثال ذلك كأن يتعهد شخص بنقل بضائع كان ينوي نقلها عن طريق البحر وفجأة جاءت عاصفة بحرية مما يستحيل عليه مرور تلك البضاعة، ولكن يستطيع نقلها عبر سكة حديدية أي طريق أخر، فهنا في هاته الحالة الفيضان لا يعتبر ظرفا طارئا أو قوة قاهرة ما دام المدين لم يشترط النقل عن طريق البحر.
خامسا: عدم الإرادية: يتحدد مفهوم عدم الإرادية بمدى مساهمة المدين في إحداث الظرف الطارئ، إذ من المفروض أن لا يصدر في الحادث الطارئ واقعة من احد طرفي العقد بقصد الحصول على تعديل العقد لصالح أي طرف، فيجب أن يكون الحادث خارجا عن إرادة المتعاقدين. فإذا كان لأحد الطرفين السبب في الحادث الطارئ مما أدى إلى الإرهاق عند تنفيذ الالتزام، فان ذلك يترتب عليه تغييرا في العلاقات التي كانت موجودة بين المتعاقدين، وبالتالي لا يجوز له طلب تخفيف ذلك الإرهاق بل عليه تنفيذ الالتزام كاملا وكأن الظرف لم يقع في حقه، إذ أن خطأ المدين لا يمكن أن يكون محال للتمسك مما تخوله له نظرية الظروف الطارئة. وهذا ما أكده الفقه الكلاسيكي، ذلك بأن الظرف الطارئ لا يمكنه أن يكتسب هذه الصفة إلا إذا كان مستقلا عن إرادة المتعاقدين.
وقد تشدد مجلس الدولة الفرنسي في تطبيق هذا الشرط، فهو يرفض التعويض كلما كان الظرف له علاقة بالمتعاقد؛ سواء كان هذا الأخير قد تسبب في إحداث الظرف الطارئ بعمله عن عمد أو إهمال، أو كان المتعاقد قد قصر في بذل الجهود اللازمة لمنع وجبر هذا الظرف، وأما إذا كان الظرف الطارئ خارجا عن إرادة المتعاقدين فان مجلس الدولة اقر التعويض للمتعاقد.[17]
سادسا: الإرهاق: لقد عرف الإرهاق على انه الوصف الذي يلحق بالتزام احد المتعاقدين والذي يجعل تنفيذه التزامه مهددا إياه بخسارة فادحة نتيجة تأثر هذا الالتزام بالظرف طرأ بعد إبرام العقد. والإرهاق يختلف من مدين لآخر وبحسب ظروف كل متعاقد فما يعد مرهقا للمتعاقد قد لا يعد كذلك بالنسبة للمتعاقد الآخر، وما يعد مرهقا في زمن قد لا يعد مرهقا كذلك في زمن أخر، وكل ذلك مرتبط باختلاف التوازن الاقتصادي بين التزامات الطرفين.
وعلى هذا الأساس لا بد من تحديد درجة الحادث لنستطيع التمييز بين ما يعتبر خسارة فادحة وما لا يعتبر كذلك، فإذا كانت هاته الحوادث تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا فلا تطبق نظرية الظروف الطارئة لأننا سنكون أمام قوة قاهرة؛ ذلك لان الحادث الطارئ يكون فيه تنفيذ الالتزام مرهقا، على عكس القوة القاهرة التي يكون فيها تنفيذ الالتزام مستحيلا، إذن يجب أن يؤدي الحادث الطارئ إلى جعل تنفيذ الالتزام مرهقا للمدين وان يهدده بخسارة فادحة[18].
وهكذا وبعد طرح ماهية كل مفهوم و شروطه، فإننا نستخلص أن الفرق بين القوة القاهرة و الظرف الطارئ يتجلى:
من حيث النطاق: فالظرف الطارئ يحب أن يكون عاما يشمل طائفة من الافراد أو مساحة اقليمية واسعة، أما القوة القاهرة فهي يكفي لتحققها أن تكون حادثا فرديا خاص الذي لا يتعدى أثره شخص المدين.
من حيث الأثر: الظرف الطارئ اذا تحقق يجعل تنفيذ الالتزام العقدي مرهقا للمدين لا مستحيلا أما تحقق القوة القاهرة فيعين ان الالتزام العقدي يستحيل تنفيذه استحالة مطلقة.
وفي هذا الصدد نشير الى أنه أثير خلاف بين فقهاء القانون على اعتبار الظروف الطارئة والقوة القاهرة من النظام العام من عدمه، بمعنى أنه لا يجوز لأطراف العلاقة التعاقدية الاتفاق على استبعاد تطبيق نظرية الظروف الطارئة، وهذا ما رجحه وأكده عبد الرزاق السنهوري؛ ذلك أنه لم يعتبر القوة القاهرة من النظام العام وخصها فقط بالظروف الطارئة، ولا يعني كونها من النظام العام أن القضاء ينظرها من تلقاء نفسه؛ بل يمكن إثارة المتضرر لها والتمسك بها أمام المحكمة[19].
من حيث الجزاء: الجزاء في نظرية الظروف الطارئة يتخذ شكل اعادة التوازن الى الالتزامات العقدية من خلال تدخل القاضي لدفع المشقة والإرهاق الذي سيصيب المدين اذا نفذ الالتزام كما هو.
وتنزيلا لكل هذه المعطيات مع ما نحن بصدد مناقشته، فإن الأقرب الى الواقع و المنطق هو اعتبار جائحة فيروس كورونا كوفيد 19 و الأمراض المعتبرة في حكمه من الظروف الطارئة، ذلك أن هذه الجائحة هي ظرف عام لا يتعلق بمدين معين وإنما يتعلق بمجموع المواطنين طبيعيين كانوا معنويين،و معنويينن كما أن هذه الجائحة جاءت بصفة استثنائية؛ بمعنى أنها غير مألوفة رغم حدوث ما يشابهها، لكن طبيعة تكوين الفيروس و سرعة وكيفية انتشاره و عجز الطب على ايجاد دواء له أدى بالدولة الى اعلان حالة الطوارئ.
هذه كلها عوامل جعلت من هذه الجائحة تكتسي طابعا استثنائيا ثم أنها جاءت بصفة مفاجئة و غير متوقعة، فلو علم الاطراف المتعاقدة بحدوثه فلن يبادروا الى ابرام تصرفات قانونية، وحتى وان أبرموا تصرفاتهم فإنهم عاجزون عن دفع هذه الجائحة لتأثيرها القوي على الصحة و خصوصا الجهاز التنفسي، ذلك أن استمرارهم في تنفيذ التزاماتهم قد يخشى هلاك أحدهم لكونه على احتكاك دائم مع الافراد، مما قد يكون أحدهم مصاب دون أن تظهر عليه أعراض الفيروس فيصاب هو الآخر، وبالتالي فإن انتقال العدوى من عدمها ليست بالإرادية، وبالتالي وجب اتخاذ الاحتياطات اللازمة و من بينها اجراء الحجر الصحي، الذي ترتب عنه بالنتيجة توقف تنفيذ الالتزامات التعاقدية لتجعلها مرهقة التنفيذ و ليست مستحيلة، إذ بزوال الفيروس سيستمر تنفيذ الالتزامات من الوقت الذي توقفت فيه.
لكن يثور إشكال بهذا الصدد في قيام السلطات الحكومية بإعلان حالة الطوارئ؛ وذلك باغلاق الشركات والمحلات حفاظا على صحة المواطنين، الأمر الذي يشكل ضررا كبير بالاقتصاد الوطني مما سيجعل كل من يدور في فلكه متضررا هو الآخر ، أليس هذا الاجراء المتخذ من طرف السلطات يدخل ضمن حالة الضرورة ؟
3-فما هي إذن حالة الضرورة و ما هي شروط قيامها؟
إن حالة الضرورة بالنظر اليها في شموليتها و ليس من منطق القانون الزجري أو الإداري، والتي يأخذ بها القانون الأخطاء المدنية الإنجليزي، حيث عرفها الفقه الانجليزي؛ على أنها تلك الحالة التي يضطر فيها الشخص الذي وضع أمام خطرين أنه مجبر بإتيان أحدهما قصد درء الآخر أكثر خطورة فنكون امام استحالة نسبية؛ ففي قضية تتلخص وقائعها في نشوب حريق بأرض الشخص المدعي “أ”، حيث حاول خدم هذا الشخص إطفاء الحريق إلا أنه امتد خارج أرضه، فقام المدعى عليه “ب” بصفته حارسا لطيور رب عمله بإضرام النار في الحدود الفاصلة بين آخر نقطة امتدت اليها النيران وبين أعشاش الطيور التي يقوم بحراستها كإجراء وقائي لمنع امتداد النيران الى تلك الأعشاش، فأقيمت دعوى المسؤولية المدنية على حارس الطيور على أساس التعدي على عقار الغير، إلا أن المحكمة قضت بعدم مسؤوليته لوجود خطر وشيك و محدق ولأن ما قام به الحارس من فعل يدخل ضمن حالة الضرورة في مثل هذه الظروف على الرغم من احراقه لمساحات أخرى من أرض المدعي “أ”[20].
و انطلاقا من التعريف وكذا قضية (كوب ضد شارب سنة 1912)، فإنه و لقيام حالة الضرورة يجب أن تتوفر الشروط التالية[21]:
أولا: وجود خطر جسيم :حيث يشترط لتحقق حالة الضرورة ان يكون صاحب هذه الحالة قد حل به خطر جسيم و بسببه أتى أحد التصرفات لدفع الخطر الأول لخطورته ، و المشرع المغربي لم يعرف الخطر الجسيم و انما ترك ذلك للفقه الذي عرفه على أنه، الخطر الذي من شانه ان يحدث ضررا لا يمكن جبره او لا يجبر إلا بتضحيات كبيرة .
ثانيا: ان يكون الخطر حالا محدقا: يشترط فيھا ايضا ان يكون الخطر المؤدي الى اتيان أحد التصرفات حالا ويعد كذلك، اذا كان الاعتداء المهدد به على شك الوقوع او اذا كان الاعتداء قد بدأ ولكن لم ينتهي بعد، ويعد الخطر غير حال اذا كان الاعتداء المهدد به مستقبلا او اذا كان الاعتداء قد تحقق بالفعل و انتھى، لان في الحالين لا تتحقق حالة الضرورة ، وھكذا يظهر ان صفة الحلول في الخطر ھي العلة التي من اجلھا رفعت المسؤولية، ومعيار تحقق هذه الصفة ھو ان يكون السير العادي للأمور مهددا على نحو اليقين او الاحتمال؛ بان يتحول الوضع الذي يواجهه الشخص الى مساس فعلي بحق له ما لم يأتي فورا، تصرفا من شانه دفع ھذا الخطر.
ثالثا: ان يكون الخطر مھددا للنفس او المال :ان الخطر الحال الجسيم يحقق حالة الضرورة سواء اصاب ھذا الخطر النفس او المال للشخص ذاته او لغيره، وھو بذلك سوى بين الخطر الذي يصيب النفس و الخطر الذي يصيب المال في ھذا المجال؛ و الخطر الذي يصيب (النفس) ھو الخطر الذي يصيب مجموعة الحقوق المتصلة بالنفس كحق الحياة وحق في السلامة الجسدية، أي ان للفظة (النفس) هنا مدلولھا الواسع. اما الخطر الذي يصيب المال فھو الخطر الذي يصيب مطلق المال سواء أكان عقارا او منقولا، و لا يشترط بالخطر المهدد حتى تتحقق حالة الضرورة انما تتحقق ايضا فيما هدد الخطر شخصا اخر في نفسه او ماله .
رابعا: الا يكون لإرادة الشخص دخل في حلول الخطر: حيث لا مجال لان يعفى الشخص من المسؤولية ضغط خطر ما اذا كان ھذا الشخص ھو السبب في نشوء ھذا الخطر ، لان العلة في الانتقاص من حرية الاختيار تفترض ان الشخص قد فوجىء بحلول الخطر.
خامسا: الا يكون في استطاعة الشخص دفع الخطر بطريقة اخرى : ذلك ان العلة في دفع المسؤولية عن ھو عدم استطاعة الشخص دفع الخطر بفعل غيره ، ولذلك التجأ الى تصرف ما مضطرا ، وحالة الاضطرار لا يكون لھا محل اذا كان بالإمكان دفع الخطر بفعل اخر غيره.
سادسا: ان يكون التصرف المتخذ متناسبا مع جسامة الخطر : يراد بالتناسب هنا ھو ان يكون التصرف المتخذ اقل الافعال التي من شأنھا درء الخطر والتي كانت في وسع الشخص من حيث الجسامة وبالتالي فلا مجال للبحث في اشتراط المساواة او التقارب بين جسامة الخطر وجسامة الفعل.
وبتكييف حالة الضرورة مع ما اتخذته السلطات الحكومية بصفة شخص عام بموجب المرسوم والتي أعلنت من خلاله على حالة الطوارئ إنما أرادت من ورائه دفع خطر جسيم حال و مهدد بالنفس، يتمثل في فيروس كورونا كوفيد 19 الذي يصب الجهاز التنفسي و يؤدي الى حدوث وفيات دون معرفة المصابين من عدمهم، وأن انتشار هذا الفيروس لا دخل لأي شخص به، و انما هو ظرف طارئ ألم بالعالم الشيء الذي تعامل معه المغرب بحزم من خلال اتخاذ تدابير جد مشددة تتناسب و الخطر المحدق بمواطنيها، ذلك أن الطريقة المناسبة هي اغلاق المنافذ و تطبيق الحجر الصحي بالمنازل حتى يتم التعرف على الحالات المصابة من عدمها من جهة، و حتى لا يختلط الفرد السليم بالفرد السقيم و ينتقل المرض خصوصا في ظل عدم تواجد أي دواء للحد من انتشاره.
إذن و باستجماع كل المعطيات التي تم سردها سيتضح لنا أننا أمام وضعية فريدة تجمع بين الظرف الطارئ في علاقة المتعاقدين فيما بينهما، و حالة الضرورة في علاقة السلطات العمومية بمواطنيها بما فيهم المتعاقدين. وبالتالي يمكن أن نطلق على هذه الوضعية بحالة الظروف الطارئة الضرورية ، حيث يمكن تعريفها على أنها تلك الحالة الاستثنائية التي تلجأ اليها سلطات الدولة لاتقاء جائحة باعتبارها خطرا جسيما ومألوفا لكنها غير متوقعة، وذلك بإتيان تصرف متناسب و أقل ضرر بالمقارنة مع تلك الجائحة رغم أنه سيرهق تنفيذ المتعاقدين لالتزاماتهما بشكل من الأشكال وبصفة مؤقتة حتى ترفع تلك الجائحة بأمر من السلطة التي أعلنته.
المطلب الثاني: الحلول القانونية لإعادة التوازن العقدي في حالة قيام جائحة كورونا وغيرها من الأمراض المعتبرة في حكمها
بعد أن حددنا الطبيعة القانونية لجائحة كورونا و الأمراض المعتبرة في حكمها و توصلنا إلى أنها ظرف قاهر ، فإننا سنعمل على تقصي موقع الظرف القاهر داخل المنظومة القانونية المغربية، على أن نقدم حلولا لسد الثغرات القانونية حفاظا على حقوق الأفراد و تكريسا لمبدأ الأمن القانوني والقضائي.
الفقرة الأولى: الحلول القانونية المشتركة ودور سلطة المحكمة في إعادة التوازن العقدي
1-وجوب إقرار نظرية الظروف الطارئة في القواعد العامة من خلال ق ل ع
بالرجوع الى التشريع المغربي خصوصا في قانون الالتزامات و العقود باعتباره الشريعة العامة لباقي القوانين، فإننا نستشف أنه لم ينص على هذه الحالة، الامر الذي ترك فراغا تشريعيا، خصوصا و أن الظروف الطارئة أو حالة الظروف الطارئة الضرورية –كما اصطلحنا عليها- هي استثناء من قاعدة القوة الملزمة للعقد المنصوص عليها في المادة 230 من ق ل ع، لذلك وجب تقنينها حتى تسعف المحكمة في تطبيقها احقاقا لمبدأي العدالة و روح الإنصاف [22].
ونظرا لهذا الفراغ فإننا نسترشد في هذا الصدد بالقانون المقارن؛ حيث نجد المشرع المصري قد نص عليها في الفقرة الثانية من المادة 147 من القانون المدني حيث جاء فيها “و مع ذلك اذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن فى الوسع توقعها وترتب على حدوثها ان تنفيذ الالتزام التعاقدي ، وان لم يصبح مستحيلا ، صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة ، جاز للقاضى تبعا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين ان يرد الالتزام المرهق الى الحد المعقول، ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك“.
والمشرع الجزائري الذي نص عليها في الفقرة الثالثة من المادة 107 من القانون المدني حيث جاء فيها ” إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها و ترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي ، و إن لم يصبح مستحيلا ، صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضي تبعا للظروف وبعد مراعاة لمصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول ، و يقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك“.
أما عن المشرع المدني الفرنسي فإنه لم يكن يعرف نظرية الظروف الطارئة حتى صدور مرسوم 10 فبراير 2016 ، كما كان القضاء الفرنسي مناوئا منذ صدور حكم محكمة النقض الشهير في دعوى Craponne de Canal ، فحظر على القاضي أن يتدخل في إعادة التوازن بين طرفي العقد عند حصول ظروف غير متوقعة إذ لا يجوز -إيمانا منه بأن ضمان الأمن العقدي أولى من تحقيق العدالة- للقاضي أن يدخل على العقد شروطا جديدة ويحلها محل الشروط التي سبق أن ارتضاها طرفاه. وفي تطور هام لمسلك محكمة النقض أبدت قدرا من المرونة نحو إعادة النظر في شروط العقد عند تغير الظروف، ففرضت في حكم لها بتاريخ 3 نوفمبر 1992 – وللمرة الأولى – التزاما بإعادة التفاوض بحسن النية في العقود التي يعتريها حالة من عدم التوازن العقدي.
إلا أنه و بصدور مرسوم 10 فبراير 2016 فقد خرج المشرع الفرنسي على الجمود التشريعي إزاء هذه الحالة، فتبنى صراحة فكرة مراجعة شروط العقد وإعادة التفاوض عليها بما يعيد التوازن بين طرفي العقد عند وقوع ظروف غير متوقعة، وفي ذلك نصت المادة 1195 من القانون المدني على أنه: “إذا طرأت ظروف لم تكن متوقعة عند إبرام العقد من شأنها أن تجعل تنفيذ الالتزام مرهقا بدرجة كبيرة للمتعاقد الذي لم يقبل تحمل المخاطر، جاز له أن يطلب من المتعاقد الآخر إعادة التفاوض، على أن يستمر في تنفيذ التزاماته أثناء إعادة التفاوض، وفي حال رفض أو فشل إعادة التفاوض، فإنه يجوز للطرفين الاتفاق على فسخ العقد في الوقت وبالشروط التي يحددانها أو أن يطلبا من القاضي تحديد مصير العقد. فإذا لم يتفق الطرفان خلال مدة معقولة، جاز للقاضي، بناء على طلب أحدهما مراجعة شروط العقد أو إنهاءه في الوقت وبالشروط التي يحددها“.[23]
وتجدر الاشارة الى أن هذا المبدأ يجد أساسه حسب الفقه المعاصر في نظرية الشرط الضمني ببقاء الظروف Stantibus Sic Rebus Clause والتي يمكن تعريفها على أنها: “أمر نفسي يقضي بأن تنفيذ العقد متوقف ببقاء الأمور على ما هي عليه وإلا أعيد النظر في أداءات العقد” ، ومعنى ذلك أن الشرط الضمني عبارة عن تحفظ ذهني يختلج نفسية المتعاقدين، مؤداه أنهما يشترطان لنفسيهما الحق في طلب إعادة النظر في التزامات العقد إذا تغيرت ظروف إبرام العقد عن ظروف تنفيذه بحيث تجعل التزام المدين مرهقا تعدم التوازن الاقتصادي للعقد[24].
ويرى محمد محي الدين إبراهيم سليم أن خطوات الشرط الضمني تبدأ أثناء إبرام العقد، إذ يدور في ذهن المتعاقد أن الظروف ربما قد تتغير عما هي عليه الآن و قد يحمل من أمره مشقة وعسر، إلا أنه يشفق من هذا الاحتمال وكما تصوره ذهنيا يستبعده كذلك، ويظهر إلى جواره شعور مؤداه أن طلب إعادة النظر في أداء العقد في هذه الحالة يصبح أمرا تفرضه العدالة وحسن المعاملة، ويسود نفس الشعور لدى المتعاقد الثاني، وهكذا يتواجد المتعاقدين أمام اتفاق صريح ظاهر في العلن و يتمثل في العقد المبرم بينهما، واتفاق آخر ضمني مضمر في نفسية كل منهما يتعلق بإعادة النظر في أداء العقد إذا حدثت ظروف طارئة[25].
مما تقدم يمكن استخلاص أن الأساس الذي يناسب نظرية الظروف الطارئة هو الشرط الضمني ببقاء الظروف و ذلك يستند إلى الاعتبارات المتمثلة في أن الشرط الضمني ببقاء الظروف عرف منذ القدم مع أمثال الفقيه شيشرون إذ جاء في قوله أنه “عندما يتغير الزمن يتغير الواجب”، وكذلك الفقيه سينيك في قوله “إنني لا أعتبر حانثا لعهدي ولا يمكن لومي على عدم الوفاء به، إلا إذا بقيت الأمور على ما هي عليه وقت التزامي و لم أنفذه، أما ذا طرأ تغير على أمر واحد فإنه يجعلني حرا في أن أناقش عهدي من جديد و هكذا أكون قد تخلصت من كلامي الذي أعطيته، أما غير ذلك، فإنني من الواجب علي أن أبقى كل شيء على حالته التي كان عليها في الوقت الذي تعهدت فيه لكي أستطيع المحافظة على عهدي”.
2-فما هي حدود سلطة المحكمة في إقرار نظرية الظروف الطارئة؟
إن المشرع المصري ترك للقاضي السلطة في تقدير الظرف الطارئ مع تخويله الأحقية في اقرار نظرية الانتقاص او زيادة قدر الالتزام المقابل أو وقف تنفيذ العقد حسب طبيعة الحالة.
أولاً : إنتقاص الالتزام: أي أن القاضي يتدخل في توزيع عبء الظرف الطارئ و ذلك بإيجاد توازن في شروط العقد حتى لا نكون أمام تجاوزات فاحشة نتيجة الظرف الطارئ. و يتدخّل القاضي لتعديل العقد عن طريق الإنقاص سواء تعلق الإنقاص من حيث النوعية أو من حيث الوزن.
فمن حيث الكيف كأن يلتزم شخص بتوريد كميات محددة من سلعة معينة و من صنف متفق عليه، ثم تطرأ حوادث استثنائية تجعل الحصول على هذا الصنف بالذات مرهقا للمدين، سواء بسبب ارتفاع الأسعار، أو لندرة هذه السلع، ففي هذه الحالة تستطيع المحكمة أن ترخص للمدين في أن يفي بنفس الكمية و لكن من صنف أقل جودة.
وأما من حيث الكم كأن يتعهد تاجر بتوريد كميات كبيرة من الشعير لأحد مصانع الدقيق ثم تقل كميات الشعير المتداولة في السوق لحادث طارئ كإغلاق الحدود البحرية لاتقاء تفشي فيروس كورونا الأمر الذي يجعل توريد الكميات المتفق عليها أمرا مرهقا ، فيجوز للمحكمة أن تنقص من كمية الشعير المتفق عليها حتى يرد الالتزام المرهق إلى الحد الذي يستطيع التاجر القيام بتوريده.
و يشمل الإنقاص كذلك قيم الأشياء ، فإذا أدت الظروف الطارئة إلى انخفاض أسعار السلع مما يؤدي إلى إلحاق خسارة فادحة ، و إرهاق في تنفيذ عقود البيع مثلا ، فيجوز للمحكمة في هذه الحالة أن تنقص الثمن المتفق عليه بما يزيل الإرهاق أو يخفف منه بالنسبة للمشتري ،أي أنه إذا كان الالتزام المرهق هو ثمن المبيع جاز للمحكمة انقاصه أو إنقاص فوائده أو اسقاطها أو مد الآجال التي يدفع فيها.
ثانيا : زيادة قدر الالتزام المقابل: إذا أدى الظرف الطارئ إلى ارتفاع فاحش في الأســـعار، يقوم القاضي بزيادة السعر المبين في العقد، حتى يتحمل الطرفان الزيادة غير المألوفة ، و ذلك بزيادة التزامات الدائن ، بهدف الوصول إلى التوازن بين مصلحة الطرفين.
و المحكمة عندما ترفع السعر لا تفرض على الطرف الآخر أن يشتري بالسعر الذي حددته بل يخيره بين الشراء و الفسخ ، فإذا اختار الفسخ كان ذلك أصلح للمدين إذ يتحلل من كل أثر الحادث الطارئ .
ثالثا : وقف تنفيذ العقد: تلجأ المحكمة إلى هذه الحالة إذا تبين لها أن الظرف الطارئ مقدر له الزوال في وقت قصير، و أن اللجوء إلى وسيلة الإنقاص أو الزيادة يؤدّي إلى اختلال في التّوازن الاقتصادي للعقد، و في هذه الحالة تأمر المحكمة بوقف التنفيذ لفترة محددة ، أو غير محددة من الوقت ، حتى يزول الظرف الطارئ .
و مثال ذلك أن يتعهد مقاول بإقامة مبنى، و ترتفع أسعار بعض مواد البناء ارتفاعا فاحشا بسبب حادث طارئ ، لكن هذا الارتفاع يوشك أن يزول لقرب انفتاح باب الاستيراد ، فتوقف المحكمة التزام المقاول بتسليم المبنى في الموعد المتفق عليه حتى يتمكن من القيام بالتزامه دون إرهاق إذا لم يكن في هذا الوقف ضرر جسيم يلحق صاحب المبنى.
و الحكم بوقف التّنفيذ لا يؤثر على مضمون العقد، سواء من النّاحية الموضوعية أو المادية، فتظل الالتزامات فيه طيلة الظرف الطارئ محتفظة بقيمتها و مقاديرها دون أن تتأثر بهذا الوقف المؤقت، أي أن مضمون العقد لا يتأثر بالوقف.
أما المشرع الفرنسي فقد اتبع النهج التالي:
المرحلة الأولي (اتفاقية) – طلب المتعاقد الذي بات تنفيذ التزامه مرهقا له إعادة التفاوض من المتعاقد الآخر: وتتميز هذه المرحلة بأنها اتفاقية و وجوبية، فهي اتفاقية لأن كل ما يتم خلالها يكون بإرادة المتعاقدين معا، فلا يجوز لأي منهما اتخاذ أي إجراء منفردا، كما لا شأن للقضاء بأي اتفاق يتوصل إليه المتعاقدان في هذه المرحلة، وهي كذلك وجوبية إذ يتعين على المتعاقد الذي أصبح تنفيذ التزامه مرهقا بدرجة كبيرة نتيجة تغير ظروف العقد أن يبدأ بها، فلا يجوز لهذا المتعاقد اللجوء إلى القاضي مباشرة أن يطلب من المتعاقد الآخر إعادة التفاوض على العقد. وإذا طلب من أصبح تنفيذ التزامه مرهقا إعادة التفاوض على هذا النحو تعين عليه أن يستمر في تنفيذ التزاماته ، فإذا قبل المتعاقد الآخر إعادة التفاوض، جاز للطرفين الاتفاق على تعديل العقد أو إنهاؤه حيب الفقرة الثانية من المادة 1195
المرحلة الثانية (شبه اتفاقية)–طلب المتعاقدين معا من القاضي التدخل لتحديد مصير العقد حال رفض إعادة التفاوض أو فشله : وتتميز هذه المرحلة بأنها شبه اتفاقية، إذ لا يستطيع القاضي أن يتدخل في علاقة المتعاقدين إلا باتفاقهما على ذلك، فإذا تم هذا الاتفاق، أصبح للقاضي وحده سلطة مراجعة شروط العقد ، ونظرا لسكوت النص عن بيان حدود دور المتعاقدين بعد طلبهما من القاضي تحديد مصير العقد، فإننا نعتقد أنه لا يحول دون انفراد القاضي بتلك السلطة أن يكون المتعاقدان قد وضعا بني يديه بعض المسائل الاتفاقية التي عسى أن يستهدي بها عند تحديد مصير العقد، إذ ليس ثمة قيد على سلطة القاضي في هذا الخصوص، فله أن يأخذ بما اتفق عليه المتعاقدان أو أن يعرض عنه.
المرحلة الثالثة (قضائية)– طلب أحد المتعاقدين من القاضي تحديد مصير العقد حال عدم اتفاق المتعاقدين خلال مدة معقولة على طلب تدخل القاضي: وتتميز هذه المرحلة بأنها قضائية بحتة، حيث يكون للقاضي بناء على طلب أحد المتعاقدين – وفقا لفقرة الثانية من المادة 1195 – تحديد مصير العقد سواء بمراجعة شروطه أو إنهائه في الوقت وبالضوابط التي يحددها. وسلطة القاضي في هذا الشأن جوازية، فله أن يقرر مراجعة شروط العقد، أو على العكس يقرر إنهاءه إذا قدر عدم توافر شروط تطبيق النظرية التي حددتها الفقرة الأولي من المادة 1195 ، على أن النص يثير العديد من التساؤلات بشأن مدى تقيد القاضي بما يطلب منه، فهل يجوز له أن يقضي بإنهاء العقد إذا كان قد طلب منه مراجعة شروطه ؟ وكذلك العكس. وبعبارة أخرى، ما مدى سلطة القاضي عند توافر شروط تطبيق النظرية ؟ فهل يستطيع أن ينهي العقد رغم طلب مراجعة شروطه ؟ أم أنه يتقيد بما يطلب منه ؟
ففي الحالة الأولى تكون سلطته تحكمية، بينما تكون مقيدة في الثانية. وفي جميع الأحوال، أي سواء قرر القاضي مراجعة شروط العقد أو إنهاؤه، فإنه بسلطة تقديرية واسعة في تحديد مصير العقد في الحالتين، إذ هو الذي يحدد وحده الوقت الذي تسري ابتداء منه شروط العقد التي يراها لإعادة التوازن بين المتعاقدين حال ما إذا قرر مراجعة شروط العقد، أو الذي يعد نهاية أمد العقد حال ما إذا قرر إنهاء العقد ويمكن أن تتصور، والحال كذلك، أن يكون لحكم القاضي، أثر رجعي في الحالتين[26].
الفقرة الثانية: الحلول القانونية الخاصة ببعض التصرفات القانونية
1-المعاملات المالية – الكراء نموذجا-
إن الحق في سكن لائق من الحقوق المضمونة دستوريا حسب الفصل 31 منه، إلا أن المواطن ونظرا للظروف الاقتصادية قد لا يتمكن من انشاء منزل في ملكيته، الأمر الذي يضطر معه الى البحث عن كرائه وهو تصرف قانوني خصه المشرع بمقتضيات خاصة .
لكن و بتصفح قانون الكراء من أجل الاستعمال السكني أو المهني لا نجد لمفهوم الظرف طارئ مكان بين دفتيه الأمر الذي يضعنا أما تساؤل يتعلق بالحماية القانونية التي وفرها المشرع للمكتري في حالة عجزه عن أداء السومة الكرائية من جهة و للمكري من جهة ثانية أثناء حدوث ظرف طارئ؟
بالرجوع الى مقتضيات المواد 44 و ما يليها يتضح أن المشرع المغربي خول للمكري في حالة تماطل المكتري عن أداء ما بذمته أن يطالب بإفراغه من المحل المكترى بعد اشعاره ومنحه أجل شهرين من تاريخ التوصل بالإشعار ، فإن اقضت المدة فالمحكمة بالنتيجة تحكم لصالح المكري دون أن تلتفت الى الظروف المحيطة بعدم أداء ما بذمة المكتري، وهنا نرى أن مبادئ العدالة تفتقد لمكانتها خصوصا إذا تبين أن سبب عسر المكتري يرجع الى ظرف طارئ حال دون أداء ما بذمته لفائدة المكري.
لذلك و حماية للمكتري من أي تعسف قد يتعرض له أو استغلال للظرف الطارئ من طرف المكري قصد طرد المكتري خصوصا اذا تعلق الامر بطرد اسرة في ظروف خطيرة -كما هو الحال الآن- فإننا نقترح بتعديل المادة 45 بإضافة عبارة الظروف الطارئة لتصبح العبارة هي “3- التماطل في الأداء ما لم يقترن بظرف طارئ” وكذا المادة 46 بجعل فقرتها الأخيرة “يبتدئ أجل الشهرين ابتداء من تاريخ التوصل بالإشعار ، وفي حالة قيام ظروف طارئة فإن الاجل يتوقف ولا يسري من جديد إلا بعد زوال تلك الظروف” ، وكذا المادة 56 بإضافة عبارة الظروف الطارئة لتصبح العبارة ” عدم أداء الوجيبة الكرائية التي حل أجلها رغم توصله بإنذار الأداء ما لم يتعلق الامر بظروف طارئة “.
أما بالنسبة للمكري فإنني أرى بأن يتم خلق آلية جديدة تتمثل في صندوق التعاون الوطني على غرار صندوق التكافل العائلي حيث يخول هذا الصندوق للمكري الحق في الاستفادة منه إذا اثبت عسر المكتري لظروف طارئة حيث تتم الاستفادة منه حسب مسطرة قضائية و إدارية على أن تتكون عائدات الصندوق من رسوم إضافية يؤديها المكري و المكتري لفائدة الصندوق بصفة مستمرة تحدد طريقة استخلاصها الجهات المعنية، و في حالة توقف أحدهما عن أداء الرسوم، فعلى أحدهما أو كلاهما المبادرة الى التصريح بسبب التوقف كالتصريح بإنهاء العلاقة الكرائية و في حالة عدم التصريح فإن العلاقة تعتبر قائمة و مستمرة و في هذه الحالة للصندوق الاحقية في الرجوع عليهما معا.
في حين أن الحل الثاني هو ابقاء النصوص القانونية على ما هي عليه مع اعتبار المكتري هو الذي سيستفيد من عائدات الصندوق قصد أداء ما بذمته لفائدة المكري بعدما يحصل على أمر قضائي يخول له تلك الاستفادة على أن يتم تحصيل عائدات الصندوق بنفس الطريقة التي بيناها أعلاه.
وهو نفس الموقف الذي نراه بالنسبة لكراء المحلات المخصصة للاستعمال التجاري و الحرفي و الصناعي حفاظا على تواز العلاقات بين المكري و المكتري.
2-المعاملات الأسرية
إن المشرع المغربي من خلال مدونة الأسرة نجده استعمل عبارتين وهما “أسباب قاهرة” أو “ظروف قاهرة أو استثنائية” فهل هاتين العبارتين تفيدان الظروف الطارئة ؟
للإجابة عن هذا التساؤل لابد أولا أن نعرف السبب القاهر أو الظرف القاهر أو الاستثنائي، فبالرجوع الى مدونة الأسرة فإنها لم تعرفه وإنما أقرنته بحالات قانونية كحالة سماع دعوى الزوجية أو حالة المطالبة بالتطليق لعدم الانفاق أو حالة المطالبة بالحضانة أو حالة تقديم الحساب عند انتهاء مهمة الوصي أو المقدم ، إلا أنه بالرجوع الى الفقه نجده عرف مفهوم السبب القاهر أو الظرف القاهر أو الاستثنائي ، بأنه يعني كل عقبة مادية ، شرعية وجدية حالت دون اتيان التصرف القانوني، في حين عرفها البعض الآخر بأنها كل حالة لم تكن متوقعة من المتعاقدين ويستحيل عليهما تفاديها وقت حدوثها[27].
ولعل الموقف الثاني هو الأقرب الى مفهوم السبب القاهر حيث ذهب هذا الرأي الذي يتزعمه أحمد الخمليشي الى أن السبب القاهر هو نفسه القوة القاهرة بعناصرها المعروفة في القانون المدني، إذن فالسبب القاهر أو أو الظرف القاهر أو الاستثنائي لا يفيد الظروف الطارئة وإنما يفيد القوة القاهرة، مما يعني معه القول أن مشرع مدونة الأسرة لم ينص على الظروف الطارئة، .
وأمام هذا الفراغ التشريعي، فإن اقرار الظروف الطارئة في المدونة يطرح في هذا الصدد اشكالا يتعلق بتنازع قانونين، بمعنى آخر هل سنطبق مقتضيات المادة 400 من المدونة أم أننا سنطبق مقتضيات القواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني؟
تبعا للقاعدة الفقهية التي تنص على أن القانون الخاص يرجح عن القانون العام، وقاعدة القانون الجديد يرجح عن القانون القديم، وتبعا لكون ظهير الالتزامات و العقود المغربي لم يتطرق الى الظروف الطارئة، فإن الأولى بالتطبيق هي المادة 400 من المدونة التي تنص على أن كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف.
فبالرجوع الى الفقه السلامي عامة و المذهب المالكي خاصة نرى أنه سبق التشريع الوضعي الى هذه النظرية حيث تعتبر نظرية الظروف الطارئة من صميم الفقه الإسلامي، حيث أطلق عليها فقهاء الحنفية مصطلح “العذر” وفي الفقه الحنبلي و المالكي يطلق أغلبهم عليها ب “الجائحة” أما الشافعية و الفقيه ابن رشد المالكي الأندلسي فيطلق عليها “الطارئ”، وفي جميع الحالات فهي تقوم على أساس الضرورة، والعدل، والإحسان لقوله تعالى(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) سورة البقرة الآية 185 ، وقوله سبحانه (ان الله يأمر بالعدل والإحسان) سورة النحل، الآية 90 .
فانطلاقا من ذلك تنبه فقهاء الشريعة الإسلامية إلى أثر الظروف الاقتصادية، ومجافاة هذا الوضع لقواعد العدالة، وبذلك وضعوا قواعد فقهية متفرعة عن هذه النظرية من قبيل قاعدة “لا ضرر ولا ضرار”، “المشقة تجلب التيسير”، “الضرر يزال”، “الضرورات تبيح المحظورات”، “الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف”، “الضرر الخاص لدفع الضرر العام”، “درء المفاسد أولى من جلب المصالح”، “الضرورات تقدر بمقدارها”، وغيرها من القواعد الكلية التي تجيز تغير العقود وتعديلها، وقد قال في ذلك إدوارد لامبير في المؤتمر الدولي للقانون المقارن الذي انعقد بلاهاي سنة 1932 بأن “نظرية الضرورة في الفقه الإسلامي تعبر بصورة أكيدة ومثالية عن فكرة يوجد أساسها في القانون الدولي العام في نظرية الظروف المتغيرة، وفي القضاء الإداري الفرنسي في نظرية الظروف الطارئة، وفي القضاء الإنجليزي فيما أدخله من المرونة على نظرية استحالة تنفيذ الالتزام تحت ضغط الظروف الاقتصادية التي نشأت بسبب الحرب، وفي القضاء الدستوري الأمريكي في نظرية الحوادث المفاجئة .[28]“
وانطلاقا من هذه الأهمية التي تكتسيها نظرية الظروف الطارئة فإن الفقهاء عرفوها واشترطوا لها شروطا وقرروا لها جزاء كل بحسب نظرته اليها .
ففقهاء الحنفية و الفقيه ابن رشد المالكي عرفا العذر أو الطارئ على أنه العجز عن المضي على موجب العقد، إلا بتحمل ضرر غير مستحق بالعقد، وبمعنى آخر العذر أو الطارئ هو أمر يعجز المتعاقد عن المضي على موجب العقد، ولكنه لا يجعله مستحيلا، وإنما يحمله ضررا زائدا لم يلتزمه بالعقد، فما كانت هذه صفته كان عذرا[29].
وبذلك فإنهم اشترطوا لقيام العذر أو الطارئ أن يكون العقد من عقود المدة التي تنفذ في مدة زمنية وليس فوريا كعقد الإجارة، ثم أن يطرأ بعد العقد وقبل تنفيذه أو أثناءه عذر يعجز أحد المتعاقدين على تنفيذ العقد، وأن يصيب أحد المتعاقدين ضرر من جراء المضي على موجب العقد إذ يجعل تنفيذه مرهقا، وأخيرا أن يكون هذا الضرر غير مستحق بالعقد [30].
أما عن الجزاء الذي رتبوه عند قيام العذر أو الطارئ فهو فسخ العقد، ذلك لأنه لو لزم العقد عند تحقيق العذر، للزم صاحب العذر ضرر لم يلتزمه بالعقد، فكان الفسخ في الحقيقة امتناعا من التزام الضرر، ثم إنكار الفسخ عند تحقق العذر خروج عن العقل و الشرع[31].
أما عن غالبية المالكية و الحنابلة فإنهم عرفوا الجائحة بأنها ما أصاب الثمرة من السماء مثل البرد والقحط والعفن، وأما ما كان من صنع الآدميين فلا يعتبر جائحة، إلا غالبا كالجيش[32].
وبعيدا عن انشطار فقهاء المالكية حول مدى اعتبار الجائحة هي سماوية أم أدمية، إلا أنهم وحدوا نظرتهم في شروط تطبيق أحكامها و حددوها في؛ كون تنفيذ العقد متراخيا، ثم أن تحدث بعد العقد جائحة عامة تصيب المعقود عليه، و أن تكون الجائحة مما لا يمكن أن يتحفظ فيها[33].
وأخيرا فيما يتعلق بالجزاء فإن المالكية و الحنابلة أقروا برد العقد الى الحد المعقول، إما بوقف تنفيذ العقد حتى تزول الجائحة إذا كان وقتيا يقدر له الزوال في وقت قصير أو الزيادة بتحمل البائع مقدار الجائحة من الثمن أو الانقاص في العقد حيث يوضع عن المشتري من الثمن بمقدار ما أصاب ثمار من المشتراة من جائحة بالثلث أو دونه، أما عن الفسخ فله مكانه في عقد الإجارة بالعذر في وقت الأخذ بأسبابه[34].
وتكييفا لما سار عليه الفقه المالكي بالأخذ بنظرية الظروف الطارئة تحت مصطلح الجائحة فإننا ندعو المشرع الى إعادة النظر في بعض المقتضيات القانونية المتعلقة بمدونة الأسرة، و ذلك بالتنصيص الى جانب الاسباب القاهرة أو الظروف القاهرة على الظروف الطارئة أو نظرية الجوائح حسب ما ذهب اليه الفقه المالكي، ونأخذ على سبيل المثال مسألة النفقة لما لها من أهمية اقتصادية في الحياة الأسرية.
ذلك أن المشرع خول للأبناء الحق في النفقة سواء كانت العلاقة الزوجية قائمة أم انحلت بأحد الأسباب المنصوص عليها قانونا، فالحالة الأولى لا تخلق إشكالا طالما أن الأبناء يتواجدون برفقة أبيهم، لكن الحالة الثانية عندما يتم الطلاق أو التطليق و تنحل الرابطة الزوجية حيث أن الأولاد تسند حضانتهم مبدئيا لأمهم وبالتالي فهم يسكنون غالبا منفصلين عن أبيهم وفي هذه الحالة قد يرفض الأب أداء النفقة لسبب من الأسباب مما يجر الأم الى اتباع المساطر القضائية قصد إجباره على أدائها، فإن هو رفض ذلك داخل أجل شهر من آخر شهر توقف فيه عن أدائها فإن المشرع خول للأم أن تسلك مسطرة إهمال الأسرة وهنا يطرح الاشكال خصوصا الى تعارض هذا التوقف مع الظرف الطارئ، فهل يحق للأب أن يتذرع بهذا الظرف للتوقف عن النفقة؟
بالرجوع الى حرفية المادة 202 من المدونة نجدها تنص على أن “كل توقف ممن تجب عليه نفقة الأولاد عن الأداء لمدة أقصاها شهر دون عذر مقبول، تطبق عليه أحكام إهمال الأسرة“، وبالتالي فإن قيام الاب بادعاء واقعة الظروف الطارئة يعتبر عذرا مقبولا -في نظرنا إذا حال الظرف دون عمل الاب ومعه توقف الأجر- لكن تبقى للمحكمة السلطة التقديرية في مدى اعتبار الظرف كذلك باعتباره واقعة مادية، وعليه وفي حالة قبول طلب الاب فإن الأم نيابة عن ابنائها القاصرين لا أحقية لها في المطالبة بالنفقة ولا حتى اللجوء الى مسطرة اهمال الأسرة حتى يزول الظرف الطارئ. إذن فما مصير الحالة المادية للأبناء خصوصا وأن النفقة من النظام العام، حيث أنها لا تتوقف بأي سبب من الاسباب إلا بعد تحقق أحد الشروط المنصوص عليها في المادة 198 من المدونة؟
وإجابة عن هذا التساؤل فقد وضع المشرع آلية يمكن من خلالها للأبناء عن طريق حاضنتهم أن تستفيد منها هي و أبناءها، ويتعلق الأمر بصندوق التكافل العائلي حيث خول لهذه الفئة أن يستفيدوا من المبلغ المخصص لهم إذا أثبتت حاضنتهم عوزها اضافة الى أن السبب يعود الى تأخر تنفيذ المقرر القضائي المحدد للنفقة أو لعسر المحكوم عليه أو غيابه أو عدم العثور عليه، فإن هي أثبتت قيام أحد الأسباب فإنها تستفيد من الصندوق مع تمكينه بالرجوع على الأب بعد زوال السبب.
لكن و من وجهة نظرنا فحبذا لو أضاف المشرع الى الأسباب المذكورة حالة الظروف الطارئة مع استثناءها من إمكانية الرجوع على الأب لكون الأمر لا يرجع اليه، وإنما يرجع الى سبب خارج عن إرادته أما إذا ثبت أن السبب يعود اليه ولو بطريقة غير مباشرة؛ كما هو الحال بالنسبة للأب الذي يرتكب خطأ جسيما بمقر عمله، فيعمل مشغله على طرده فهنا يمكن للأم أن تحصل على وثيقة تثبت طرده من العمل عن طريق مشغله، ففي مثل هذه الحالات فإنه من السهل على للأم الحاضنة إثبات واقعة العسر ، أما السبب المتعلق بعسر المحكوم عليه المنصوص عليه في المادة 2 من القانون المتعلق بصندوق التكافل العائلي فهو من الصعوبة بمكان على الأم إثباته.
أما المثال الثاني ويتعلق بالتطليق لعدم الانفاق حيث ربطه المشرع بالنسبة للحالة الثانية بالظرف القاهر او الاستثنائي وذلك بقوله: ” للزوجة طلب التطليق بسبب إخلال الزوج بالنفقة الحالة الواجبة عليه، وفق الحالات والأحكام الآتية: 1 – …
2 – في حالة ثبوت العجز، تحدد المحكمة حسب الظروف، أجلا للزوج لا يتعدى ثلاثين يوما لينفق خلاله وإلا طلقت عليه، إلا في حالة ظرف قاهر أو استثنائي“
وكما سبقت الإشارة أن الظرف القاهر أو الاستثنائي أراد من وراءه المشرع القوة القاهرة حسب منطوق ظهير الالتزامات و العقود، في حين كان على المشرع أن يضيف الظرف الطارئ، لكون القوة القاهرة يستحيل معها تنفيذ الالتزام من الأصل، أما الظرف الطارئ فالالتزام أصبح مرهقا و يمكن تجاوزه بزوال الظرف ولعل المنطق السليم هو الذي يتماشى مع الفقرة الثانية من المادة 102 السابقة الذكر ، ذلك أن المشرع منح للزوج أجلا لا يتعدى 30 يوما لينفق خلاله بمعنى أن المشرع افترض ملاءة ذمة الزوج وبالتالي فالسبب الذي عاقه على تنفيذ التزامه ربما يعود الى ظرف طارئ وليس لقوة قاهرة.
فلو افترضنا أن الأمر يتعلق بقوة قاهرة فلا معنى للحالة الثانية طالما أن الالتزام مستحيل قيامه من الأصل هذا من جهة ، و من جهة ثانية فإن من خصوصيات الظرف الطارئ خاصية الوقتية بمعنى أن المحكمة و حتى وإن طالبت الزوجة بالتطليق لعدم الانفاق وتبين أن الفترة المطالب بها تدخل ضمن حالة الطوارئ فالمحكمة لها أن تؤجل النظر في القضية الى أن يزول الطارئ، ذلك أن الزوجة لها من المساطر الأخرى للمطالبة بالنفقة حسب ما تم بيانه.
ثم إنه قد يحصل أن يثبت الزوج حالة العجز وبعد فترة يغيب الزوج عن الانظار لسبب يعود الى قوة قاهرة فتصدر المحكمة حكمها بالتطليق دون أن تعلم بذلك وحتى وإن حضر الزوج فإنه يفاجئ بصدور الحكم فلا يبقى له من ذلك أي طريق من طرق الطعن لكون الحكم نهائي في الشق المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية، لذلك كان على المشرع أن يقر بالظروف الطارئة لسهولة اثباتها مع ربط الاجل الممنوح للزوج قصد الانفاق بزوال الظرف الطارئ لكون الأصل هو استمرار العلاقة الزوجية وأن الاستثناء هو انحلال تلك العلاقة، مع الاخذ بعين الاعتبار في تقدير النفقة آثار الظرف على حالته المادية حسب ما ذهب اليه الفقه المالكي.
3-العلاقات ذات الطبيعة الاجتماعية –علاقات الشغل نموذجا-
ﯾﺘﻤﯿﺰ ﺗﻮﻗﻒ ﻋﻘﺪ اﻟﺸﻐﻞ ﺑﺄﻧﮫ ﯾﺴﻤﺢ ﻷﺣﺪ أطﺮاف اﻟﻌﻘﺪ ﺑﺄن ﯾﻮﻗﻒ ﺗﻨﻔﯿﺬ التزاماته اﻟﻌﻘﺪﯾﺔ كلها أو بعضها، وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺎن وﻗﻒ ﻋﻘﺪ اﻟﺸﻐﻞ هو اﻧﻘﻀﺎء ﻣﺆﻗﺖ ﻟﻠﺮاﺑﻄﺔ الشغلية لسبب جدي و معقول، أو ﻗﺪ ﯾﺤﺪث ﺑﺴﺒﺐ ﯾﺮﺟﻊ إﻟﻰ الأجير أو إﻟﻰ المشغل، وﻣﻦ ﺧﻼل هذا اﻟﺘﻌﺮﯾﻒ نستطيع أن نستجلي حالات ﺗﻮﻗﻒ ﻋﻘﺪ اﻟﺸﻐﻞ ﻣﺆﻗﺘﺎ وهي التي وردت ﻓﻲ اﻟﻤﺎدة 32 ﻣﻦ ﻣﺪوﻧﺔ اﻟﺸﻐﻞ، حيث ﯾﻼﺣﻆ أن أغلبها يعود إﻟﻰ اﻷﺟﯿﺮ ، وواﺣﺪ منها ﻓﻘﻂ ﯾﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﻤﺸﻐﻞ ويتعلق الأمر باﻹﻏﻼق اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ ﻟﻠﻤﻘﺎوﻟﺔ ﺑﺼﻔﺔ ﻣﺆﻗﺘﺔ.
وهنا ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﺴﺠﻞ ﻋﻠﻰ أن ﺟﺎﺋﺤﺔ ﻛﻮرﻧﺎ كوفيد 19 و الأمراض الأخرى المعتبرة في حكمها باعتبارها ﺳﺒﺐ ﻟﺘﻮﻗﻒ ﻋﻘﺪ اﻟﺸﻐﻞ، تتميز بكونها ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﺑﯿﻦ اﻻﺟﯿﺮ واﻟﻤﺸﻐﻞ ﻟﻜﻮن اﻟﻮﺑﺎء ﯾﺨﺮج ﻋﻦ إرادة أطراف العلاقة ، ﻓﻘﺪ ﯾﻌﻮد اﻟﺴﺒﺐ ﻟﻸﺟﯿﺮ، عندما يصاب بفيروس ﻛﻮروﻧﺎ الامر الذي يجبره على الدخول في حالة ﺣﺠﺮ ﺻﺤﻲ أو أنه مخافة من انتقال العدوى اليه فإنه يلجأ الى تطبيق حالة الحجر الصحي طواعية حفاظا على سلامته الصحية، ﻛﻤﺎ أنها ﻗﺪ ﺗﻌﻮد ﻟﻠﻤﺸﻐﻞ اﻟﺬي ﯾﺨﺘﺎر ﺑﺸﻜﻞ طﻮﻋﻲ اﻹﻏﻼق اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ ﻟﻠﻤﻘﺎوﻟﺔ أو ﺗﻘﻠﯿﺺ ﻋﺪد اﻻﺟﺮاء أو ﺗﻘﻠﯿﺺ ﻣﺪة اﻟﻌﻤﻞ أو إﻋﻄﺎء إﺟﺎزة، أو ﺟﺮاء اﺳﺘﺠﺎﺑﺘﮫ ﻟﻘﺮار اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﻌﻤﻮﻣﯿﺔ باغلاق اﻟﻤﻘﺎوﻟﺔ.
فبالنسبة للأجير فهو ملزم بأداء اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻦ حسب اﻟﻤﺎدة 6 ﻣﻦ ﻣﺪوﻧﺔ اﻟﺸﻐﻞ، وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ لا ﯾﺠﻮز ﻟﻸﺟﯿﺮ اﻟﺘﺤﻠﻞ ﻣﻦ اﻟﺘﺰاﻣاته إلا إذا ﻛﺎن هناك ظرف طارئ أو ﻗﻮة قاهرة اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮل بينه و بين تنفيذه وهذه الحالة تصدق عندما يصاب الأجير بالفيروس و يخضع للحجر الصحي الإجباري، لكن في حالة قيامه باللجوء الى هذا الإجراء بصفة اختيارية أو رفضه لأداء اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺴﺒﺐ اﻧﺘﺸﺎر الفيروس حفاظا على سلامته الصحية فإن اﻟﻤﺎدة 39 ﻣﻦ ﻣﺪوﻧﺔ اﻟﺸﻐﻞ اعتبرته مرتكبا لخطأ جسيم كونه تغيب عن العمل ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ أرﺑﻌﺔ أﯾﺎم أو ﺛﻤﺎﻧﯿﺔ أﻧﺼﺎف ﯾﻮم ﺧﻼل اﻻﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ شهرا دون مبرر، وﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺤﺮﯾﻚ اﻟﻤﺸﻐﻞ ﻟﻤﺴﻄﺮة اﻟﺨﻄﺄ اﻟﺠﺴﯿﻢ و اﺣﺘﺮاﻣﮫ اﻵﺟﺎل اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﯿﺔ، ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻔﺼﻞ اﻻﺟﯿﺮ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ و يعتبر ذﻟﻚ ﻓﺼﻼ ﻣﺒﺮرا.
وأما بالنسبة للمشغل فمن اﻟﻮاﺟﺒﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ عليه هي ﺗﻮﻓﯿﺮ اﻟﻈﺮوف اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻠﻌﻤﻞ وذلك باﺗﺨﺎذ ﺟﻤﯿﻊ التدابير اللازمة ﻟﺤﻤﺎﯾﺔ سلامة اﻷﺟﺮاء وصحتهم حسب اﻟﻤﺎدة 24 ﻣﻦ ﻣﺪوﻧﺔ اﻟﺸﻐﻞ، لذلك وجب على المشغل ابتداع طرق حديثة للعمل في أريحية كحالة اﻻﺗﻔﺎق ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻦ ﺑﻌﺪ التي تتيحها اﻟﻤﺎدة 8 ﻣﻦ ﻣﺪوﻧﺔ اﻟﺸﻐﻞ شريطة ﺣﺼﻮل اﺗﻔﺎق ﺑﯿﻦ اطﺮاف العلاقة اﻟﺸﻐﻠﯿﺔ ودون اﻟﻤﺴﺎس ﺑﺎﻟﺤﻘﻮق اﻟﻤﻜﺘﺴﺒﺔ، كما يمكن للمشغل اقتراح ﺗﺨﻔﯿﺾ ﻣﺪة اﻟﻌﻤﻞ اﻻﺟﺮاء في حالة الحوادث الطارئة و اﻟﻌﺎﺑﺮة مع الالتزام بمسطرة اشعار مندوب الأجراء، أما إذا تعلق الأمر بأمر من السلطة الحكومية فالمشغل إما أن يتم الاقتراح عليه اﻻﻏﻼق اﻟﺠﺰﺋﻲ مع ﺗﻘﻠﯿﺺ ﻋﺪد اﻷﺟﺮاء اﻻﺟﺮاء إذا كانت المقاولة لها دور حيوي أو اﻻﻏﻼق اﻟﻜﻠﻲ حسب اﻟﻤﺎدة 66 ﻣﻦ ﻣﺪوﻧﺔ اﻟﺸﻐﻞ ﻟﻠﻤﺸﻐﻞ مع احترام المسطرة المقررة قانونا في مدونة الشغل.
ومن هذا المنطلق نستشف أن المشرع المغربي كان واضحا بالنسبة للمشغل لكن بالنسبة للأجير فرغم إقرار تعويض له يتمثل في التعويض عن فقدان الشغل ، فإنه ما زال هناك قصور في حمايته، ذلك أن المشغل قد يستغل توقف الأجير عن العمل خوفا من انتقال العدوى اليه –ربما لحالته الصحية أو النفسية- فيعمل على طرده مما يعتبر طردا صحيحا في نظر القانون لكن منطقيا يعتبر تعسفيا لذلك حان الوقت ليتدخل المشرع وﯾﺼﺎدق على اﺗﻔﺎﻗﯿﺔ ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺪوﻟﯿﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ بالسلامية واﻟﺼﺤﺔ المهنيين وبيئة اﻟﻌﻤﻞ رﻗﻢ 155 اﻟﺘﻲ أﻗﺮت في اﻟﻤﺎدة 13 ﺣﻖ اﻧﺴﺤﺎب الأجير ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻊ عمله إن هو اعتقد ﻟﺴﺒﺐ ﻣﻌﻘﻮل أنه ﯾﺸﻜﻞ تهديدا وشيكا وخطيرا لحياته أو ﺻﺤﺘﮫ .
4-العلاقات ذات الطبيعة الاستهلاكية –عقد القرض نموذجا-
إن المعاملات البنكية تقوم على تقديم خدمات من طرف المؤسسة البنكية لفائدة زبنائها مقابل عمولة عن تلك الخدمات .
فالتصرفات التي يقدم عليها الزبون من فتح حساب أو طلب الاحتفاظ بودائع لا تخلق إشكالا طالما أن البنك يضمن عمولته التي تكون منخفضة الثمن و في بعض الأحيان تؤدي بشكل سنوي .
الإشكال يطرح عندما يقدم البنك لفائدة الزبون قرضا لمدة طويلة الأجل و يحصل أن تقع حالة طارئة بالبلد أجبرته على توقيف أنشطته الى حين زوال ذلك الطارئ، وفي المقابل يترتب عن هذه الوضعية عجز من طرفه على أداء الأقساط المتحصلة في ذمته، فالمؤسسة البنكية و بعدما يتبين أنه توقف عن الأداء تشعره وفي حالة عدم امتثاله يكون الزبون مخلا بالالتزامات التعاقدية الشيء الذي يؤدي بالمؤسسة البنكية الى مباشرة مسطرة الحجز ضمانا للمديونية ، وتعتبر الاجراءات التي تقدم عليها المؤسسات البنكية من أخطر الاجراءات نظرا لسرعة تنفيذها .
وفي هذا الإطار ووعيا منه بخطورة الأمر الذي قد يصل الى حد بيع أصول المقترض من بينها المنزل الذي يسكن فيه الشيء الذي يجعله متشردا هو و أسرته ، عمل المشرع على تقنين هذه الوضعية في ظل قانون حماية المستهلك، حيث خول للمقترض الحق في توقيف أداء الأقساط بعدما يصرح للمؤسسة بتوقفه عن الأداء لأحد الأسباب المذكوره بعده.
فبالرجوع الى المقتضيات القانونية في هذا الصدد نجده حصر الحالات في الفصل عن العمل أو ظهور حالة اجتماعية غير متوقعة فمن غير هذه الحالات هل يمكن للمؤسسة البنكية أن تقيم دعوى ضده قصد المطالبة بأداء ما بذمته دون اللجوء الى إجراء عملية الوساطة؟
المشرع في هذا الصدد منح للمؤسسة البنكية الحرية في تقدير الحالات، – فمن غير الحالتين المذكورتين التي أوجب المشرع فيهما اجراء عملية الوساطة قبل اللجوء الى المحكمة-، فإن المؤسسة لها أن تلجأ الى المحكمة دون أن تجري عملية الوساطة من جهة، و في المقابل منح للمقترض الحق في اللجوء الى المحكمة في إطار الأوامر ملتمسا الحكم لفائدته بمنحه مهلة قضائية ولاسيما في حالة الفصل عن العمل أو حالة اجتماعية غير متوقعة، فإذا أصدر رئيس المحكمة بصفته قاضيا للأوامر أمره بقبول الطلب، فإنه يشير في الأمر على أن المبالغ المستحقة لا تترتب عليها فائدة طيلة مدة المهلة القضائية، كما أن له الحق في أن يحدد في الأمر الصادر عنه كيفيات أداء المبالغ المستحقة عند انتهاء أجل وقف التنفيذ، دون أن تتجاوز الدفعة الأخيرة الأجل الأصلي المقرر لتسديد القرض بأكثر من سنتين، غير أن له أن يؤجل البت في كيفيات التسديد المذكورة إلى حين انتهاء أجل وقف التنفيذ.
إذن ومن خلال استقرائنا للمادتين، نجد المشرع قد حصر الحالات التي يمكن من خلالها للمقترض أن يطالب بتوقيفه أداء الأقساط الى حين زوال السبب في:
- حالة الفصل عن العمل
- ظهور حالة اجتماعية غير متوقعة
إذن فما موقع الظروف الطارئة من هاتين الحالتين؟
بتكييف الظروف الطارئة مع الحالتين السابقتين، فإن ما يمكن الوصول اليه أن وضعية الظروف الطارئة الضرورية أشمل و أعم، حيث أنها تحتوي على مجموعة من الحالات فحالة الفصل عن العمل بسبب تفشي فيروس أو بسبب جائحة تكيف على أنها ظرف طارئ ضروري، وأن ظهور حالة اجتماعية غير متوقعة كأمر السلطة بتطبيق إجراءات الحجر الصحي بسبب جائحة أو تفشي فيروس أو مرض خطير، يكيف على أنه ظرف طارئ ضروري؟ لكن ماذا عن ظهور حالة صحية غير متوقعة، وماذا عن ظهور حالة طبيعية أو سياسية غير متوقعة؟
فالمشرع في هذا الصدد عالج الوقائع المادية و لم يعالج موضوعها فكل هذه الوقائع و الحالات يمكن أن يشمله موضوع واحد، يتمثل في القوة القاهرة و الظروف الطارئة أو الظروف الطارئة الضرورية حتى تضم مجموعة من الحالات، فقعود الشخص عن العمل بسبب مرض السرطان مثلا يعتبر حالة صحية غير متوقعة، و احتجاز سائق شاحنة لدى شركة معينة بسبب الأوضاع السياسية لدولة ما أو بسبب الفيضانات تعتبر حالة سياسية و طبيعية غير متوقعة، فحري بالمشرع أن يعدل هذه المقتضيات حتى تشمل كل الوضعيات تاركا الأمر للسلطة التقديرية للمحكمة.
خاتمة:
- خلاصة
* خلاصة المطلب الأول:
من خلال دراستنا للتكيف القانوني لجائحة كورونا و الأمراض المعتبرة في حكمها نخلص الى أن:
– فيروس كورونا كوفيد 19 ينتمي الى فئة فيروسات كورونا، وأنه له نفس مواصفات فيروس كورونا سارس لكن بعد تحليل جيناته تبين أنه تركيبته معقدة و متطورة عن فيروس كورونا سارس 1 كونه ينتقل عن طرق الرداد الذي يخرج من فم المصاب أو عن طريق اللمس ليدخل الى جسم الانسان عن طريق العين أو الأنف أو الفم، و بعد أن يستقر بالحلق لفترة قد تمتد الى أربعة أيام ينتقل الى الجهاز التنفسي فيصيب شعيراته حتى يصل الأمر بالمصاب الى إحساسه بضيق في التنفس بشكل حاد قد يؤدي الى وفاته.
– فيروس كورونا كوفيد 19 من خصائصه أنه يصعب التعرف على أعراضه، حيث أن الانسان المصاب يمارس حياته اليومية بشكل عادي وخلال مرحلة العدوى قد ينقل الفيروس لأناس آخرين وهذا ما يضفي عليه صفة الانتشار السريع والخفي .
– منظمة الصحة العالمية و بعد انتشار الفيروس بشكل كبير داخل دولة الصين، أعلنت على أنه وباء يمكن حصره، لكن وبعد ظهور حالات خارج هذه الدولة و زحفه نحو دول أخرى ثم الى القارات الأخرى ونظرا لخطورته على الصحة العالمية أعلنت بصفة رسمية على أنه جائحة .
– وبعد بحث عميق و مستفيض حول مفهوم الجائحة حاولنا تكييفها قانونا و تبين لنا أنها تأخذ مواصفات الظرف الطارئ و ليس القوة القاهرة أو الحادث الفجائي، ونظرا لاعتماد آليات صارمة من طرف الدولة وصلت الى حد اغلاق المنافذ الحيوية و كذا الشركات، فإننا وصلنا بالنتيجة الى أننا أمام ظرف طارئ ضروري أو استثنائي؛ حيث دمجنا بين الظرف الطارئ الذي أخذ به التشريع الروماني و معه الفرنسي مؤخرا و كذا المصري، وحالة الضرورة التي أخذ بها التشريع المدني الانجليزي، و أطلقنا عليها تسمية حالة الظروف الطارئة الضرورية.
* خلاصة المطلب الثاني:
– باعتبار قانون الالتزامات و العقود الشريعة العامة لباقي القوانين فإننا تتبعنا فصوله لنصل الى أن المشرع المغربي لم ينص على هذه النظرية، الامر الذي أدى بنا الى البحث في القانون المقارن لنستشف أن القانون المصري و القانون الجزائري اعتماداها، أمام القانون الفرنسي فكان صارما و رافضا لهذه النظرية إلا أنه و في سنة 2016 عدل من قانونه المدني و أضاف هذه النظرية .
– بناء على ما جاء به القانون المقارن حولنا الاجابة عن إشكالية مدى امكانية تدخل سلطة المحكمة في حالة قيام ظروف طارئة أرهقت تنفيذ الالتزام، فقد تبين لنا أن المحكمة لها من السلطة للتدخل لتطبيق مسألة انتقاص العقد أو الزيادة فيه أو فسخه حفاظا على التوازن العقدي و تحقيقا لمبدأ العدل.
– تتبعنا كذلك بعض القوانين المغربية و مدى أخذها بنظرية الظروف الطارئة، ففي بعض القانون المدنية؛ كقانون الكراء لم يلتفت الى هذه النظرية مما ترك فراغا تشريعيا أفرز بالنتيجة حالات يدني لها الجبين في ظل هذه الظروف، أما عن مدونة الأسرة فهي كذلك لم تتعرض لهذه النظرية وإنما تعرضت لنظرية القوة القاهرة، وأمام هذا الفراغ حاولنا الاستناد الى الفقه الاسلامي و خصوصا الفقه المالكي لنجده قد أقر هذه النظرية تحت مسمى الجائحة و الطارئ، فعرضنا مفهومها و شروطها و آثارها. وفيما يتعلق بالخدمات الاستهلاكية، فقد استحسنا نموذج القرض البنكي لكثرة تداوله و خلصنا الى أن قانون حماية المستهلك قد أقر بهذه النظرية لكل بصفة غير مباشرة من خلال وضع الحالات التي يصدق فيها ذلك، الامر الذي آثار اشكالية موقع الحالات الأخرى في حماية الطرف الضعيف. أما عن القوانين الاجتماعية فقد تعرضنا الى علاقات الشغل، حيث خلصنا الى أن المشرع لم ينص هو الآخر على هذه النظرية مما ترك المجال التشريعي فارغا .
- اقتراحات
– الدعوة الى اقرار نظرية الظروف الطارئة في الحالات العادية أي الحالات التي تتعلق بظروف المتعاقدين، في حين اقرار فكرة حالة الظروف الطارئة الضرورية كما اشرنا اليها، إذا تعلق الأمر بقرار السلطة الحكومية بوقف الأنشطة لوجود حالة من حالات الطوارئ إما بسبب وباء أو جائحة حسب التصنيف الذي أقرته المنظمة العالمية للصحة.
– الدعوة الى تعديل ظهير الالتزامات و العقود، بالتنصيص على الظروف الطارئة كما أقرتها القوانين المقارنة، و جعلها استثناء من الفصل 230 مع بيان حدود تدخل سلطة المحكمة في تعديل العقد بما يضمن التوازن العقدي
– الدعوة الى مراجعة القوانين الخاصة خصوصا قانوني الكراء، و كذا مدونة الأسرة و قانون حماية المستهلك
– الدعوة الى المصادقة على اتفاقية العمل الدولية مع ادخال تعديلات على مدونة الشغل، بما يكفل الحماية للأجير باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة.
– الدعوة الى توعية المواطنين بالمبادرة الى الاكتتاب لدى جهات التأمين لضمان السير العادي لحياتهم الاجتماعية و الاقتصادية، في ظل مثل هذه الأزمات، من خلال آلية التأمين على الحياة او التأمين ضد الكوارث الطبيعة.
(*) تم تحكيم هذا المقال العلمي من طرف اللجنة العلمية لمركز مغرب القانون للدراسات و الأبحاث القانونية.
[1] تعريف منشور بموقع منظمة الصحة العالمية التابعة لهيئة للأمم المتحدة :
https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/advice-for-public/q-a-coronaviruses
[2] Perlman، Stanley “Another Decade, Another Coronavirus”. New England Journal of Medicine,24 Janvier 2020
[3] ورقة علمية منشورة على موقعvirological.org بعنوان ” The Proximal Origin of SARS-CoV-2″ قدمها عدد من علماء الأحياء الميكروبية البارزين، ممن قاموا بدراسة التركيبة الجينية لفيروس كورونا المستجد المعروف أيضا باسمي “كوفيد-19″ و”سارس-كوف-2”.
[4] لقد سبق الفقه الاسلامي الى استعمال مصطلح الجائحة إلا أن الفقهاء اختلفوا في تعريفها،فعرفها المالكية على أنها مالا يستطاع دفعـه، ولـو علـم بـه، كسماوي، وجيش قال ابن القاسم هي كل ما أصاب الثمرة من الجراد، و الريح ، و النـار ، و الغرق ، و البرد ، و المطر ، و الطير الغالب ، و الدود ، وعفن الثمرة في الشجرة ، والسموم ، وكذلك الجيش يمر بالنخل فيأخذ ثمرته فذلك جائحة . واختلفوا في السرقة قال ابن القاسم: ولو سرقها سارق كانـت ليس السارق جائحة ، ورجح ابن يونس قول ابن القاسـم ؛ لأنـه فعـل جائحة، وقال ابن نافع مخلوق لا يقدر على دفعه، كالجراد ، وهذا في حال لم يعلـم السـارق أمـا إذا علمـه فيتتبعـه المشتري ، وعليه تكون الجائحة الآفات السماوية ، والجيش ، والسارق. وعرفها الشافعي بقوله : ” والجائحة من المصائب كلها كانت من السماء او من الآدميـين وهي في كل ما اشتري من الثمار، وترك حتى يبلغ أوانه وعرفها ابن حنبل على أنها كل آفة لا صنع للآدميين فيها كالريح ، والبرد ، والجراد ، والعطش.
[5] مقال تحت عنوان: مفهومان مختلفان .. ما الفرق بين الوباء و الجائحة؟ منشور بموقع الجزيرة:
http://mubasher.aljazeera.net/news
[6] مأخوذ من الموقع الاليكتروني:
https://www.verywellhealth.com/difference-between-epidemic-and-pandemic-2615168
[7] ينص الفصل 1218 من القانون المدني الفرنسي على أنه:
“Il y a force majeure en matière contractuelle lorsqu’un événement échappant au contrôle du débiteur, qui ne pouvait être raisonnablement prévu lors de la conclusion du contrat et dont les effets ne peuvent être évités par des mesures appropriées, empêche l’exécution de son obligation par le débiteur.”
[8] عبد الحق صافي، القانون المدني، الجزء الأول: العقد، الكتاب الثاني: آثار العقد، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الاولى 2007، ص 329
[9] محمد الكشبور، نظام التعاقد و نظريتا القوة القاهرة و الظروف الطارئة، دراسة مقارنة من وحي حرب الخليج، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الاولى 1993، ص 30.
[10] مصطفى أحمد الزرقاء، شرح القانون المدني السوري نظرية الالتزام، مطبعة جامعة دمشق، سوريا، الطبعة الثانية، سنة 1960 ،ص 336.
[11] سمير عبد السيد تناغو و محمد حسين منصور، القانون و الالتزام، نظرية القانون، نظرية الحق، نظرية العقد أحكام الالتزام، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، مصر، طبعة 1997 ، ص 156
[12] عبد السالم الترمانيني، نظرية الظرو الطارئة، دراسة تاريخية ومقارنة للنظرية في الشريعة الاسلامية والشرائع الأوروبية وتطبيقات النظرية في تقنينات البلاد العربية، دار الفكر بسوريا، سنة 1971 ، ص 138
[13] محمد السناري، الضوابط القانونية لتطبيق نظرية الظرو الطارئة في مجال العقود، دار النهضة العربية بالقاهرة،طبعة سنة 1998 ، ص 44
[14] سعيد السيد علي، نظرية الظروف الطارئة في العقود الإدارية والشريعة الاسلامية – دراسة مقارنة- ، دار الكتاب الحديث مصر، طبعة 2007 ص 102
[15] خديجة فاضل، تعديل العقد اثناء التنفيذ، رسالة لنيل شهادة ماجستير كلية الحقوق، جامعة الجزائر، سنة 2001-2002، ص 80
[16] محمد محي الدين إبراهيم سليم، نظرية الظروف الطارئة بين القانون المدني والفقه اإلسالمي – دراسة مقارنة- ، دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية، طبعة سنة 2007 ، ص 254.
[17] محمد حسين منصور، النظرية العامة للالتزامات، مصادر الالتزام، دار الجامعة الجديدة مصر، سنة 2002، ص 385
[18] هزرشي عبد الرحمن، اثر العذر والحوائج على الالتزامات العقدية في الفقه الاسلامي مقارنة بنظرية الظروف الطارئة في القانون المدني، ص 67
[19] عبد الرزاق احمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، المجلد الاول، مصادر الالتزام، منشورات حلبي الحقوقية لبنان، طبعة سنة 1998
[20] يونس صلاح الدين علي، الوجيز في شرح قانون الأخطاء المدنية الانجليزي، مطبعة زين الحقوقية و الأدبية بيروت، الطبعة الاولى 2018، ص 877
[21] John Cooke, Law of Torts, Pitman Publishing, 4th edition, 1999 , p 254
[22] للتوسع أكثر حول نظريتا الأصل و الاستثناء أنظر: محمد بلعريبي، الأصل و الاستثناء بين الفقه الاسلامي و القانون الوضعي –دراسة على بعض التطبيقات في المادة المدنية-، رسالتنا لنيل دبلوم الماستر في القانون المدني، جامعة ابن زهر، كلية العلوم القانونية بأكادير، سنة الدراسية 2012-2015.
[23] L’article 1195 de la code civil : « pour onéreuse excessivement exécution’l rend contrat du conclusion peut ci-celle, risque le assumer en’d accepté pas avait’n qui partie une continue Elle. cocontractant son à contrat du renégociation une demander .renégociation la durant obligations ses exécuter à peuvent parties les, renégociation la de échec’d ou refus de cas En conditions aux et date la à, contrat du résolution la de convenir juge au accord commun un’d demander ou, déterminent elles’qu délai un dans accord’d défaut =A. adaptation son à procéder de le réviser, partie une’d demande la à, peut juge le, raisonnable .«fixe il’qu conditions aux et date la à, fin mettre y ou contrat ».
[24] YILDIRIM Gulsen, droit des obligations, Bréal, Paris, 4 ème éd 2010, p 106
[25] محمد محي الدين إبراهيم سليم ، مرجع سابق، ص 120
[26] أشرف جابر، الاصلاح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد: صنيعة قضائية وصياغة تشريعية- لمحات في بعض المستحدثات-، مقال منشور بالموقع الاليكتروني:
https://journal.kilaw.edu.kw
[27] أحمد الخمليشي، من مدونة الاحوال الشخصية الى مدونة الأسرة، الجزء الأول: الزواج، مطبعة المعارف الجديدة بالرباط، طبعة 2012، ص 241
[28] محمد رشيد قباني، نظرية الظروف الطارئة في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، المجمع الفقهي الإسلامي، السنة الأولى، العدد الثاني، 1980، ص85.
[29] محمد رشيد قباني، مرجع سابق، ص 155
[30] محمد رشيد قباني، مرجع سابق، ص 156
[31] محمد رشيد قباني، مرجع سابق، ص 157
[32] محمد رشيد قباني ، مرجع سابق، ص 163
[33] محمد رشيد قباني ، مرجع سابق، ص 165
[34] محمد رشيد قباني ، مرجع سابق، ص 166