مارية جوهري: مستجدات مشروع قانون المالية رقم50.25 للسنة المالية 2026

مارية جوهري: رئيسة المركز المغربي للدراسات والأبحاث المالية والضريبية
يأتي مشروع قانون المالية لسنة 2026 في سياق وطني يشهد السنة الأخيرة من تنفيذ البرنامج الحكومي 2021-2026، تراهن الحكومة فيه على تحقيق توازن صعب جدا بين ضرورة الإصلاح الاقتصادي والجبائي ومتطلبات التنمية المندمجة والعدالة الاجتماعية والمجالية، في ظل توقعات النمو البطيئة والتي تقدر ب %3.2 سنة 2025 و%3.1 سنة 2026، وهو ما يبقي التساؤل عن مدى واقعية و صحة الفرضيات التي وضعتها الحكومة في استعادة النشاط الاقتصادي لديناميته في ظل استمرارية تراجع التجارة العالمية إلى 2,3 % في 2026 و 3,6 % في 2025 مقابل 3,5 % سنة 2024.
على مستوى التوازن المالي
حسب تقرير الدين العمومي المرفق بمشروع قانون المالية 2026، يلاحظ تطور إيجابي في الموارد الميزانية العامة ( دون احتساب حصيلة الاقتراضات)، حيث يبلغ مجموع الموارد العادية للميزانية العامة برسم سنة2026ما قدره 42132503700، مقابل368840710000 درهم لسنة2025، أي بزيادة قدرها14,23%. لكن في المقابل استمرار ارتفاع وتيرة المديونية بشكل عام، حيث بلغ حجم دين الخزينة 1124,2 مليار درهم متم شهر يونيو 2025، مقابل 1081,6 مليار سنة 2024 أي بزيادة قدرها 3.9 % وب %67.7 بالنسبة للناتج الداخلي الخام.
فيما يخص الدين الداخلي، فقد سجل ارتفاعا ملحوظا مقابل السنة الفارطة ب2.1 % أي بأكثر من 50 % من الناتج الإجمالي الداخلي، كما سجل الدين الخارجي هو الأخر ارتفاعا بنسبة 9.6 % في متم شهر يونيو 2025 مقابل 6.4 سنة 2024 ، أي بأكثر من 17 من الناتج الإجمالي الداخلي.
ومن هذه المؤشرات واصلت بنية الميزانية العامة عجزا مستمرا ، حيث بلغت نسبة العجز3.8% سنة 2024 و3.5 %سنة 2025 نسبة للناتج الإجمالي الداخلي، فيما يتوقع أن يخفض هذا العجز إلى 3% في السنوات المقبلة (2026-2027-2028).
على مستوى الاستثمار
خصص مشروع قانون المالية لهذه السنة، غلافا ماليا يناهز 380 مليار درهم، بزيادة 40 مليار درهم مقارنة بالسنة المالية الفارطة، سيوجه لتمويل مشاريع البنيات التحتية الكبرى المرتبطة بتنزيل أوراش مونديال 2030 كتوسيع المطارات، وتعزيز أسطول الطيران الوطني، وتطوير الشبكة السككية والطرق السيارة، وتسريع إنجاز مينائي الناظور غرب المتوسط والداخلة الأطلسي، باعتبارهما من المشاريع المهيكلة لتعزيز مكانة المغرب كمحور اقتصادي وتجاري إقليمي، وأيضا تمويل السياسات القطاعية في مجال الماء والفلاحة والسياحة والطاقات المتجددة، والرياضة التي خصها مشروع قانون المالية بتحفيزات ضريبية مهمة لجذب الاستثمارات المحلية والخارجية في القطاع الرياضي وتحويله إلى رافد اقتصادي مهم يدعم التنمية الاقتصادية.
ولتفعيل التوجيهات الملكية التي نادى بها الملك في خطاب العرش الأخير 2025 وعند افتتاح السنة التشريعية (10 أكتوبر 2025) والتي تقضي باعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية المندمجة، يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية، وكما قال جلالته : إذ لا مكان اليوم ولاغدا لمغرب يسير بسرعتين، عمل مشروع قانون المالية لسنة 2026 على تخصيص حساب مرصد لأمور خصوصية تحت مسمى”صندوق التنمية الترابية المندمجة”، خصص له برنامج أولوي قدر ب 20 مليار درهم لسنة 2026، وذلك لتحمل النفقات المتعلقة بالجيل الجديد من برامج ومشاريع التنمية الترابية المندمجة، مع إيلاء عناية خاصة للمناطق الجبلية والواحات، وتنمية الساحل، وتوسيع نطاق برنامج المناطق القروية الناشئة.
على مستوى التدابير الجبائية
تضمن مشروع قانون المالية لسنة 2026 عدة تدابير جمركية جديدة، همت تخفيضات وزيادات في بعض الرسوم، بهدف تعزيز تنافسية الصناعة الوطنية وحماية المنتوج المحلي.
ومن أبرز هذه التدابير ما يلي:
- رفع نسبة رسم الاستيراد من 10 % إلى 30 % المطبقة على أقمشة الجاكار مع تخصيص المنتج في التعريفة الجمركية، بهدف حماية الإنتاج الوطني لأقمشة الجاكار المصنعة بطريقة إلكترونية من منافسة الواردات؛
- رفع نسبة رسم الاستيراد المطبق على الخلايا الكهروضوئية المجمعة في وحدات والمكونة في ألواح من 2,5 % إلى10 %، بغرض دعم تنافسية الصناعة الوطنية في مجال الألواح الكهروضوئية؛
- رفع نسبة الرسم الجمركي من 2,5 % إلى 17,5 % المطبق على بعض الألياف (monofilaments) في إطار تعزيز حماية سلسلة الإنتاج الوطنية الخاصة بصناعة المكانس والفرش من المنافسة؛
- رفع نسبة الرسم الجمركي المطبق على راتنج البولي كلوريد الفينل résine en PVC)) من 2,5 % إلى 10 %، على إثر الرفع الذي قامت به الولايات المتحدة الأمريكية للرسوم الجمركية على راتنج PVC، خاصة القادمة من الصين، حيث أن غياب حواجز تعريفية كافية قد يعرض الصناعة الوطنية لخطر تحويل الصادرات الموجهة في الأصل إلى السوق الأمريكية نحو السوق المغربية؛
- رفع نسبة الرسم الجمركي المطبق على آلات الغسيل والمجمدات المنزلية من 2,5 % و 10 % إلى نسبة17,5 %، في إطار تعزيز تنافسية الصناعة الوطنية المتخصصة في تصنيع آلات الغسيل والمجمدات المنزلية، ومواجهة المنافسة غير العادلة الناتجة عن المنتجات المستوردة المماثلة.
- تخفيض نسبة رسم الاستيراد من 30 % إلى 17,5 % المطبقة على العلب المصنوعة من الحديد المصبوب المغلقة باللحام أوالكبس)العلب الصفيحية( مع تخصيص المنتج في التعريفة الجمركية، بهدف تقليص تكلفة اقتناء العبوات المستعملة في تصنيع عبوات البخاخات، وتمكين هذا القطاع الصناعي من التطور؛
- تخفيض نسبة رسم الاستيراد من 30 % و 10 % إلى 2,5 % المطبقة على المبيدات القرمزية ومبيدات الديدان الخيطية ومبيدات الحلزونات، من أجل تقليص تكلفة اقتناء هذه المنتجات الضرورية لحماية المزروعات، مما سيساهم في تعزيز تنافسية القطاع الفلاحي؛
- تخفيض نسبة رسم الاستيراد من 30 % إلى 17,5 % المطبقة على المدخلات المستعملة في صناعة آلات الغسيل شبه الأوتوماتيكية، من أجل تمكين الصناعة الوطنية الخاصة بآلات الغسيل شبه الأوتوماتيكية من التطور .
- تخفيض نسبة رسم الاستيراد المطبقة على المقاطع المصنوعة من الألمنيوم التي لا يتجاوزسمكها 1 ملم، ويبلغ وزنها الأقصى 255 غراما للم رالطولي، والمستعملة في صناعة هذه الصناديق، من 30 % إلى 17,5 %، في إطار دعم الصناعة الوطنية لصناديق التهوية؛
- القيام بتعديلات جديدة للفصل 30 من التعريفة الجمركية المتعلق بالمنتجات الصيدلانية، في إطار مواكبة الاستراتيجيات الوطنية في مجال الدواء الرامية الى تشجيع الصناعة الوطنية تيسير حصول المواطنين على هذه المواد؛
- خفض الرسم المفروض على الاخشاب المستوردة من 12 % إلى 6% بالنسبة لخشب الحو ر الخام والألواح الخشبية المجمعة، والتي تستخدم كمواد أولية لتصنيع الألواح الخشبية المخصصة لاستخدامات مختلفة في صناعة الخشب المحلية، وذلك بهدف تحفيز القدرة التنافسية للقطاع الوطني لصناعة الأخشاب وخلق فرص العمل في القطاعات المرتبطة به.
إجراءات ضريبية
لتشجيع الاستثمار في الشركات الرياضية ودعم التحول المؤسسي للأندية، وضع مشروع قانون المالية 2026، مجموعة من التدابير التحفيزية، أبرزها تمديد الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة للشركات الرياضية دون الحق في الخصم، ابتداء من فاتح يناير 2026 إلى دجنبر 2030، والتنصيص على الإعفاء من مجموع الضريبة على الشركات يسري طوال مدة 5 سنوات محاسبية تبتدئ من السنة المحاسبية التي أنجزت خلالها أول عملية بيع خاضعة للضريبة، كما توسع نطاق الإعفاء الضريبي ليشمل زائد القيمة الناتج عن المساهمة بأصول وخصوم جمعية رياضية في شركة رياضية.
وأما عن الضريبة على الدخل، وبهدف دعم أجور مسيري هذه الأندية وتشجيع الاحتراف في القطاع الرياضي، فقد أقر هذا المشروع تطبيق خصم جزافي على الأجورالمدفوعة لمهنيي الرياضة ) 90 % برسم سنة2026 80 % برسم سنة2027 ، %70 برسم سنة 2028 و 60 %برسم سنة 2029.
وفي إطار دعم الموارد المالية لهذه الأندية الرياضية، نص مشروع قانون المالية أيضا على خصم الهبات النقدية أوالعينية الممنوحة لفائدة الشركات الرياضية المؤسسة طبقا لأحكام القانون رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة، وذلك في حدود عشرة في المائة ( 10 %) من الربح الخاضع للضريبة، دون أن يتجاوز مبلغ الخصم 000 000 5درهم.
وفيما يخص ملاءمة النظام الضريبي بالنسبة لواجبات التسجيل، فقد نص المشروع على تطبيق واجب تسجيل بنسبة 0,1 % على الصفقات العمومية، ونص كذلك على ملاءمة وتوضيح النظام الضريبي بالنسبة لواجبات التسجيل على عمليات القرض المنجزة من طرف مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها وكذا الضمانات و افتكاك الرهون المتعلقة بها، عبر تطبيق الواجب الثابت المحددة في 200 درهم. ونص أيضا على مراجعة النظام الضريبي المطبق على الدخول الموزعة من لدن هيئات التوظيف الجماعي للرأسالمال(OPCC) عبر توضيح بأن فرض الضريبة على المساهم أو حامل الأسهم يجب أن يأخذ في الاعتبار الطبيعة الجبائية للعائدات المقبوضة )ربائح، فوائد، زائدالقيمة(.
وأما لإجراءات الرامية تعزيز التماسك الاجتماعي، عمل مشروع قانون المالية 2026 على تمديد تطبيق المساهمة الاجتماعية للتضامن على الأرباح والدخول برسم السنوات 2026 و 2027 و 2028 . وبالنسبة لدعم السكن، تضمن هذا المشروع مستجدات بخصوص آلية إعانة الدولة لدعم اقتناء السكن، حيث يمكن للمالِكين على الشياع الاستفادة من إعانة الدولة لدعم السكن، مع الابقاء على المقتضيات والشروط السابقة المنظمة لهذا الدعم. كما ألزم نص المشروع المستفيدين من إعانات دعم السكن، الراغبين في رفع الرهن قبل انقضاء مدة خمس سنوات ابتداء من تاريخ إبرام عقد البيع النهائي، بإعادة مبلغ الإعانة إلى الدولة”، وهو نفس الالزام يسري على المالكين على الشياع، وتلزم الدولة بإعادة مبلغ الإعانة عند “ثبوت عدم تخصيص السكن المقتنى للسكن الرئيسي خلال المدة ذاتها، أي خمس سنوات”.
دعم القطاعات الاجتماعية ( الصحة والتعليم)
رفع مشروع قانون المالية 2026 ميزانية قطاعي الصحة والتعليم إلى حوالي 140 مليار درهم (15.2 مليار دولار) أي بزيادة 21 مليار درهم فقط (أكثر من ملياري دولار)، مقارنة بموازنة عام 2025. حيث خصص لقطاع الصحة 42,4 مليار درهم أي بزايدة (9,8+ مليار درهم (مقارنة مع5025، ولقطاع التعليم 97,1 مليار درهم هذه السنة بزيادة (11,5+ مليار (درهم مقارنة مع سنة 2025. في المقابل رفع مشروع قانون المالية من الميزانية العسكرية، حيث استأثرت وزارة الدفاع بحصة157.17 مليار درهم من الميزانية العامة، أي ما يمثل زيادة بنسبة 17.77% مقارنة بميزانية سنة 2025 التي بلغت 133.453 مليار درهم (13.5 مليار دولار).
وفي الجانب المتعلق باحداث المناصب المالية بسرم سنة 2026، أحدث المشروع ، 36 ألف و895 منصب مالي جديد، خصص 8000 منصب مالي جديد لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية و5500 لإدارة الدفاع الوطني، فيما حصلت وزارة الداخلية كأكبر قطاع وزاري من حيث التوظيف على 13000 منصب مالي جديد سنة 2026.
