كوثر الرفاعي: صلاحية القاضي المنتدب في تكييف مفهوم التوقف عن الدفع وفق قانون رقم 73.17
كوثر الرفاعي دكتورة في الحقوق إطار بالوكالة القضائية للمملكة
عندما تقرر المحكمة التجارية المختصة فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة، سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب رئيس المقاولة أو لأحد الدائنين أو النيابة العامة، فإنها تعمل بموجب حكمها الصادر بهذا الخصوص على تعيين الأجهزة التي ستقوم تحت إشرافها بتسيير المسطرة(1)، أهمها جهاز قاضي المنتدب الذي يشكل العمود الفقري لها، ولذلك وبما أننا نتحرى عن عملية تكييف التوقف عن الدفع فإننا نتساءل عما إذا كان القانون رقم 73.17 قد خول هذه المهمة أيضا له أم لا؟، إن الإجابة تقتضي منا بداية البحث عن أدواره في مساطر صعوبات المقاولة (المطلب الأول)، ثم بعدها نبين مدى سلطته في تكييف التوقف (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الأدوار العامة للقاضي المنتدب في مساطر صعوبات المقاولة.
لقد عززت مدونة التجارة صلاحيات القاضي المنتدب في مسطرة معالجة صعوبات المقاولة، فإلى جانب الأدوار الكلاسيكية التقليدية (القانونية) التي يضطلع بها في المسطرة، أسندت إليه مهام اقتصادية واجتماعية(2)، ولذلك فقد عرفت صلاحيات القاضي المنتدب في القانون المغربي وفي غيره من القوانين المقارنة توسعا ملحوظا، يندرج في التيار المعاصر في القانون القضائي الخاص الذي يتجه إلى نتيجة دور القاضي الفرد في المرحلة الابتدائية(3)، وهكذا يمكن تصنيف الأدوار العامة للقاضي المنتدب في الدور الإعلامي (أولا)، وفي دوره في كل من مسطرة الإنقاذ ومسطرتي التسوية والتصفية القضائية (ثانيا).
أولا: الدور الإعلامي للقاضي المنتدب.
إن المشرع المغربي وكذا الشأن بالنسبة لنظيره الفرنسي لم يقم بتحديد الطبيعة القانونية لسلطات القاضي المنتدب بصفة عامة(4)، وباعتبار القاضي المنتدب جهازا قضائيا مستقلا عن المحكمة التي أصدرت الحكم القاضي بافتتاح مسطرة المعالجة القضائية، ومكلفا بالسهر على السير السريع للمسطرة وحماية المصالح المتواجدة(5)، فإنه يقوم بدور إعلامي هام يستقيها من جهات تشكل مصدر معلومات له (أ) التي من شأنها أن تساعده في إصدار أوامره (ب).
أـ الأجهزة المكلفة بمنح المعلومات للقاضي المنتدب.
يسهر القاضي المنتدب على تداول المعلومات وتسهيل عملية انتقالها بين كل الأجهزة المشكلة للمسطرة، وبالمقابل يخول له القانون حق الاعلام الشخصي، إما بإخباره تلقائيا من طرف أجهزة المسطرة أو باتخاذه شخصيا المبادرة من أجل الاستعلام عن كل معلومة من أجل اتخاذ القرار أو القرارات المتصلة بصميم مهامه(6)، ولذا تتحدد أهم الأجهزة التي تشكل مصدر معلومات له في النيابة العامة وكتابة الضبط والمدين، ثم الأجراء والسنديك.
ـ الإخبار من طرف النيابة العامة وكتابة الضبط والمدين.
لضمان نظام فعال لأجهزة المسطرة، اعتمد المشرع نظام يسمح بتبادل وتداول المعلومات بين الأجهزة حسب وظيفة كل جهاز، مع إعطائها إمكانية الالتجاء إلى الغير قصد الحصول على كل المعلومات والوثائق التي قد تحتاج إليها لتصحيح مسار المقاولة وانقاذها،
و يتموقع القاضي المنتدب في قلب هذه المنظومة والذي خول له المشرع كافة الصلاحيات التي تمكنه من الاستعلام من الأجهزة التي تعمل بموازاة معه لإنقاذ المقاولة(7)، ولذلك فإن هذا الاستعلام يتم عن طريق النيابة العامة التي تعتبر بمثابة حارسة النظام العام الاقتصادي والاجتماعي وتحاول بجميع المكنات التي منحتها إياها مدونة التجارة الحفاظ عليه(8)، وعلى هذا الأساس تقوم النيابة العامة(9) لدى المحكمة التجارية المفتوحة أمامها إما مسطرة الانقاذ أو مسطرتي التسوية أو التصفية القضائية بإخبار قاضي المنتدب بأن هناك مثلا متابعة زجرية في حق مسيري المقاولة المدينة، وأنها أصدرت في حقهم العقوبات المدنية والزجرية المنصوص عليها في القسم السابع من قانون رقم 73.17، وهذا الأمر يساعد قاضي المنتدب في إصدار إحدى مقرراته عند التحقيق في ديون المقاولة.
كما يتم الإخبار أيضا من طرف كتابة ضبط المحكمة التجارية باعتبارها جهازا إداريا أساسيا داخل التنظيم الهيكلي لهذه المحكمة، إذ أنها مكلفة قانونا بإدارة دعاوى صعوبات المقاولة، والإخبار بها لقاضي المنتدب عند تلقيها مقالات افتتاحية رامية إلى فتح المسطرة، كما يتم إيداع تصريحات استئنافية أمامها، وهو ما يبينه القرار رقم 5177 الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدارالبيضاء بتاريخ 21/10/2015 في الملف رقم 6096/8301/2014 “حيث استأنف … بواسطة دفاعه الأستاذتان… بمقتضى تصريح مودع بكتابة ضبط المحكمة التجارية بالدارالبيضاء بتاريخ 11/12/2014 الأمر الصادر عن القاضي المنتدب للتسوية القضائية للشركة المذكورة بتاريخ 19/06/2014 تحت عدد 1292/2014 …”.
إضافة إلى ذلك، فالمدين أيضا يعد من بين الأجهزة المهمة المكلفة بإخبار قاضي المنتدب بكل المستجدات التي طرأت في المقاولة التي تعترضها صعوبات مالية أو اقتصادية، كما يقوم المدين بتمكين قاضي المنتدب من كل الوثائق والمستندات التي تهم الملف.
ـ الإخبار من طرف الأجراء والسنديك.
بخلاف المشرع الفرنسي الذي اعتبر ممثلي الأجراء مصدر إعلام بالنسبة إلى القاضي المنتدب، فإن المشرع المغربي لم ينص على مثل هذا المقتضى، وتأتي صعوبة الاستعلام من قبل الأجراء إلى غياب أو بالأحرى انعدام الأجهزة التمثيلية لهم داخل المقاولة أو المؤسسة، ذلك أن لجنة المقاولة لم تحدث إلا مع القانون رقم 95/15 بمثابة مدونة التجارة(10).
وعلى الرغم من ذلك، فإنه يتجسد إخبار القاضي المنتدب من طرف الأجراء الذين يشتغلون بالمقاولة التي تعترضها صعوبات في قيامهم مثلا بالتبليغ عن عدم قدرة المقاولة على الإنتاج إما بسبب التعطل الميكانيكي للآلات أو تضخم في الإنتاج أو عدم وجود مواد أولية لإنتاج البضاعة إلى غير ذلك…، ومن تم فما على القاضي المنتدب في هذا الشأن سوى أن يتحقق من ما إذا كانت هاته المعلومات صحيحة أم لا حتى لا تتأثر سمعة المقاولة.
فضلا، على أن السنديك يعد أيضا جهازا مكلفا بإخبار قاضي المنتدب بكل المعلومات الضرورية المتعلقة بإجراءات المسطرة، ولذا فقد ألزمه المشرع باعتباره المحرك الرئيسي لمساطر صعوبات المقاولة من أن يعرض على القاضي المنتدب تقريرا عن الموازنة المالية والاقتصادية والاجتماعية للمقاولة، وأن يتخذ كافة الإجراءات التحفظية لتفادي ضياع أموالها.
كما تتجلى صور إخبار السنديك للقاضي المنتدب في منع أداء أي دين من طرف رئيس المقاولة نشأ قبل فتح المسطرة، وخصوصا خلال فترة الريبة التي تبتدئ من تاريخ التوقف عن الدفع إلى تاريخ صدور حكم فتح المسطرة، على أن تضاف إليها بالنسبة لبعض
العقود مدة سابقة عن الدفع، إذ تعتبر الأعمال والتصرفات التي يجريها رئيس المقاولة داخل أجل الفترة إما باطلة بطلانا وجوبا أو بقوة القانون وإما بطلانا جوازيا(11).
ب ـ أوامر القاضي المنتدب في مساطر صعوبات المقاولة.
إن عملية الاستعلام برمتها التي خولها القانون رقم 73.17 للقاضي المنتدب من طرف الأجهزة المومأ إليها أعلاه، من مراميها هي مساعدته في إجراء تحقيقات على وجود أو عدم وجود ديون على المقاولة المفتوحة ضدها مسطرة الانقاذ أو مسطرة التسوية أو التصفية القضائية، وهذا ما سيسهل على القاضي المنتدب في إصدار أوامره(12) في هذا الشأن، إلا أنه ما يلاحظ أن هاته الأوامر بقيت إلى الآن مثار جدل(13) حول طبيعتها القانونية هل هي ذي طبيعة ولائية أم قضائية؟، مع عرض بعض أوامر قاضي المنتدب لبحث هاته الطبيعة.
ـ تحديد طبيعة أوامر القاضي المنتدب.
إن مؤسسة القاضي المنتدب تشكل جهازا محوريا لا غنى عنه لسير الإجراءات، وأصبحت له سلطات في عدة مواقع من المسطرة على حساب التشكيل الجماعي للمحكمة(14)، بمقتضاها يصدر عدة قرارات تتخذ شكل أوامر وذلك في شأن الطلبات والمنازعات والمطالب الداخلة في اختصاصه، وكذا الشكاوى المقدمة ضد أعمال السنديك، وللإشارة فإن مجال اختصاص القاضي المنتدب شمل نوعين من الأوامر(15): وهذه الأوامر بمقتضى القانون رقم 17.73 نرى بأنها ذو طبيعة مزدوجة المتمثلة في الطبيعة القضائية والطبيعة الولائية.
وإن كان هذا التحديد لم يبيٌن بشكل واضح من طرف مشرعنا، إلا أننا استنتجناه من مقتضيات المادة 672 من م.ت التي تنص على أنه: “يبث القاضي المنتدب بمقتضى أوامر في الطلبات والمنازعات والمطالب الداخلة في اختصاصه لاسيما الطلبات الاستعجالية والوقتية والاجراءات التحفظية المرتبطة بالمسطرة،…باستثناء الأوامر الولائية ومع مراعاة المقتضيات المتعلقة بالطعن ضد المقررات الصادر في إطار تحقيق الديون، تكون أوامر القاضي المنتدب قابلة للطعن بالاستئناف…”، مما يعني أن هذا القاضي يصدر نوعين من الأوامر المومأ إليها.
وتفصيلا لذلك، يمكن القول بأن الأوامر الولائية هي تلك الأوامر التي يصدرها قاضي المنتدب بناء على طلبات بدون وجود منازعة قضائية، كما هو الشأن بالنسبة للترخيص الذي يمنحه القاضي للسنديك، وهو ما جاء في منطوق الأمر رقم 350 الصادر عن القاضي المنتدب بالمحكمة التجارية بالدارالبيضاء بتاريخ 14/04/2016(16) ” نصرح نحن القاضي المنتدب في المسطرة علنيا وابتدائيا وحضوريا بالترخيص للسنديك بتسليم العاملات بواسطة نائبهن قسطا من ديونهن في حدود نسبة 10% من مستحقاتهم المحكوم بها بصفة انتهائية…”، أو كما هو الشأن بالنسبة لإصدار أمر متعلق بتحديد أتعاب السنديك، وهو ما جاء في منطوق الأمر رقم 253 الصادر عن قاضي المنتدب بالمحكمة التجارية بالدارالبيضاء 27/02/2017(17) ” نحدد أتعاب سنديك التسوية القضائية السيد… في مبلغ 150.000.00 درهم عن المدة من سنة 2009 إلى غاية دجنبر 2016، ونأذن له باستخلاصها من حساب التصفية الخاص بالمقاولة…. “.
أما بخصوص الأوامر القضائية التي يصدرها قاضي المنتدب فنرى أنها تتصدر الصدارة بنظيرتها الأوامر الولائية، باعتبارها تصدر من أجل تسوية المنازعات التي تنشأ بين أطراف النزاع، مثل الأوامر الصادرة بعدم قبول الدين، وهو ما يجسده الأمر رقم 168 الصادر عن قاضي المنتدب بالمحكمة التجارية بالدارالبيضاء بتاريخ 09/02/2017(18): ” وحيث إنه من الثابت من وثائق الملف أن المبلغ المصرح به ضمن خصوم التصفية القضائية
معضد بوثائق حاسمة تتمثل في عقد القرض المدلى به والكشوفات الحسابية وعقد الضمان المدلى به مما يتعين معه الحكم بقبوله…”.
ـ بعض تطبيقات الأوامر القضائية والولائية لقاضي المنتدب.
مع توالي التعديلات التشريعية أصبح التعيين الالزامي للقاضي المنتدب أحد الثوابت المستقر عليها في مختلف تجارب قوانين مساطر المعالجة في فرنسا، وفي المغرب اعتمدت المؤسسة لأول مرة بموجب ظهير 12 غشت 1913 المستمد من القانون الفرنسي ل 4 مارس1889، وتكمن أهمية الموضوع في الدور الريادي الذي أصبح يحتله القضاء في مساطر معالجة صعوبات المقاولة، وخصوصا ما يساهم به القاضي المنتدب في تطبيق أحكام المسطرة، معتمدا على المعطيات والوقائع التي تثبت وتؤكد حقيقة الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي للمقاولة المتعثرة(19).
ولذلك، سنعرض بعضا من أوامر قاضي المنتدب سواء كانت ذو طبيعة قضائية أو ذو طبيعة ولائية، وما قصدنا من ذلك إلا لتبيان دور هذا الجهاز القضائي المستقل بمهامه عن اختصاص محكمة الموضوع في إصدار أوامر تروم إلى التنفيذ السريع لإجراءات مسطرة من مساطر صعوبات المقاولة، ومن أهم هاته الأوامر نخص الذكر أمر رقم 45 الصادر عن قاضي المنتدب لدى المحكمة التجارية بالدارالبيضاء بتاريخ 26/12/2016(20) القاضي ب: “نصرح نحن القاضي المنتدب في المسطرة علنيا ابتدائيا وحضوريا: ـ بمعاينة وجود دعوى جارية بخصوص الدين المصرح به من طرف شركة… في مواجهة شركة… بتاريخ 12/04/2016 ـ نأمر كاتب الضبط بإشعار الأطراف بهذا المقرر برسائل مضمونة مع الاشعار بالتوصل.”
وفي أمر آخر رقم 627 صادر عن قاضي المنتدب بالمحكمة التجارية بالدارالبيضاء بتاريخ 23/06/2016(21) والقاضي ب: “حفظ الملف بعد رفع تقرير في الموضوع إلى غرفة المشورة قصد اتخاذ المتعين قانونا “، كما جاء الأمر رقم 495 الصادر عن ذات
القاضي بالمحكمة المذكورة بتاريخ 26/05/2016(22) يقضي بأنه: ” بالمصادقة على مشروع التوزيع المودع بكتابة ضبط هذه المحكمة بتاريخ 10/05/2016 وبالإذن للسنديك السيد…بالقيام بعملية التوزيع “، في حين قضى الأمر رقم 1074(23) الصادر بتاريخ 01/12/2016 ب: ” ـ بيع عقار ومنقولات الشركة الموصوفة بتقرير الخبرة المملوكة للشركة بالمزاد العلني انطلاقا من ثمن افتتاحي قدره 4.250.000.00 درهم ـ تعيين تاريخ البيع يوم 13/01/2017″.
ثانيا: دور القاضي المنتدب في مسطرة الإنقاذ ومسطرتي التسوية والتصفية القضائية.
يعد دور قاضي المنتدب في كل من مسطرة الإنقاذ ومسطرتي التسوية والتصفية القضائية دورا من بين الأدوار العامة التي خولها له أيضا القانون رقم 73.17 القيام بها، لذا يلزم علينا تفصيل أدواره في كل هاته المساطر حتى نبرز هذا الدور، ولهذه الغاية سنبين دوره في كل من مسطرة الإنقاذ والتسوية القضائية(أ)، ثم في مسطرة التصفية القضائية(ب).
أـ دور القاضي المنتدب في مسطرة الإنقاذ ومسطرة التسوية القضائية.
إن تبيان دور قاضي المنتدب في مسطرة الإنقاذ تعد من بين المستجدات القانونية التي جاء بها قانوننا رقم 17.73، ولذلك وجب علينا استظهار هذا الدور، و معه تبيان دوره كذلك في إطار مسطرة التسوية القضائية.
ـ دور القاضي المنتدب في مسطرة الإنقاذ.
حسب المادة 560 من القانون رقم 17ـ73 فإن مسطرة الانقاذ تهدف إلى تحقيق ثلاث غايات وهي: ضمان استمرارية المقاولة ـ الحفاظ على مناصب الشغل بالمقاولة ـ تسديد خصوم المقاولة، فالغاية من إحداث هذه المسطرة تتمثل في تمكين المحكمة من التشخيص المبكر للمقاولات التي تعاني من الصعوبات(24)، ولذا فبرجوعنا إلى القانون المذكور فإننا
نلاحظ أن دور القاضي المنتدب في مسطرة الانقاذ يعد ضئيلا، بالمقارنة مع دوره الكبير في مساطر المعالجة القضائية، إلا أن هذا الأمر لن يمنعنا من التنقيب عن دوره في هاته المسطرة والتي تتجسد أهمها في إشرافه العام على السير السريع لمسطرة الإنقاذ حسب المادة 671 من م.ت.
كما يتمثل دور قاضي المنتدب في مسطرة الإنقاذ في كونه يتفحص تقرير الموازنة المالية والاقتصادية والاجتماعية للمقاولة التي لا توجد في حالة توقف عن الدفع الذي يعده السنديك طبقا لنص المادة 566 من م.ت، واطلاعه على وثائق جرد لأموال المقاولة وللضمانات المثقلة بها حتى يسهل عليه استردادها من قبل الغير طبقا للمادة 567 من م.ت.
وأيضا، يتحدد دوره في وضع غرامة تهديدية للغير الحائز للوثائق والدفاتر المحاسبية المتعلقة بالمقاولة المدينة، والذي قد يمتنع عن وضعها رهن إشارة السنديك قصد دراستها وفقا للمادة 568 من م.ت، كما أن قاضي المنتدب يبث في كل الطلبات ذات الطابع القضائي التي تدخل في اختصاصه، وقد يصدر أوامر ولائية من شأنها أن تنفذ العديد من الإجراءات التي تدخل في إطار مسطرة الإنقاذ وفقا للمادة 672 من م.ت.
ـ دور القاضي المنتدب في مسطرة التسوية القضائية.
إن الغاية من فتح مسطرة التسوية القضائية هي التوصل إلى حصر مخطط لتجاوز الصعوبات التي تمر منها المقاولة(25)، ونظرا لأهمية هذه المرحلة فقد خول المشرع المغربي للقاضي المنتدب مجموعة من الصلاحيات(26) سنكتفي بأهمها في دوره أثناء اعتماد المحكمة لمخطط استمرارية المقاولة أو لمخطط تفويت المقاولة.
إذ فيما يخص مخطط الاستمرارية فهو حلا من حلول مساطر معالجة صعوبات المقاولة(27)، إذ أنه أول ما قد تعنيه الاستمرارية هو إبقاء المقاولة في ملكية صاحبها مع ما يستتبع ذلك من إعادة للتأهيل من أجل التغلب على كافة الصعوبات(28).
وهكذا تتحدد أهم أدوار قاضي المنتدب في إطار هذا المخطط في مراقبته لمدى صحة اقتراحات السنديك بخصوص رأيه في اعتماد المقاولة المدينة لمخطط الاستمرارية حسب تقرير الموازنة الذي يعده(29)، ثم مراقبة تنفيذ المقاولة لالتزاماتها المحددة في مخطط استمراريتها(30).
أما فيما يخص مخطط التفويت الذي يهدف إلى الإبقاء على نشاط المقاولة الذي من شأنه أن يستغل بشكل مستقل، والمحافظة على كل أو بعض مناصب الشغل الخاصة بذلك النشاط وإبراء ذمتها من الخصوم(31)، فيتجسد أهم دور القاضي المنتدب في إطاره في مراقبة عملية تفويت المقاولة إلى الأغيار والتي تخول له أن يطلب شروحات تكميلية بخصوص عرض التفويت(32)، ومن تم يتعين أن يكون العرض متكاملا يراعي في مدى تنفيذه جميع البنود والشروط المضمنة فيه(33).
ب ـ دور القاضي المنتدب في مسطرة التصفية القضائية.
استبدل المشرع التشكيلة القضائية الجماعية وأرجع الاختصاص في قيادة إجراءات التصفية القضائية لقاض فرد يوفر مزايا السرعة والفعالية، وهكذا لم يعد في حقيقة الأمر لمحكمة المسطرة إلا التصريح بفتح مسطرة التصفية القضائية وقفلها، وعهد إلى القاضي المنتدب بمراقبة إجراءات المسطرة واتخاذ القرارات المتصلة بها(34)، ولذلك يمكن تحديد أهم صلاحياته في هذه المسطرة في بيع أصول المقاولة، ثم تصفية خصومها.
ـ دور القاضي المنتدب في بيع أصول المقاولة.
إذا تبين للمحكمة التجارية المفتوحة أمامها مسطرة معالجة الصعوبات أن وضعية المقاولة الخاضعة لهذه المسطرة غير قابلة للإصلاح بالمرة، وأصبحت وضعيتها مختلة بشكل رجعة فيه فإنها تقضي بالتصفية القضائية لهذه المقاولة(35)، ولذلك تروم هذه التصفية إلى إنجاز عمليات جرد أصول المقاولة من وحدات الإنتاج وعقارات ومنقولات وبيعها، واستيفاء ديون المقاولة على الأغيار في تاريخ استحقاقها(36).
وهكذا، يؤدي الحكم القاضي بالتصفية القضائية إلى تخلي المدين بقوة القانون عن تسيير أمواله والتصرف فيها، بما فيها تلك التي امتلكها بأي وجه كان مادامت التصفية القضائية لم تقفل بعد وفقا لنص المادة 651 من م.ت، وطبقا لذلك يتجسد دور قاضي المنتدب في إطار بيع أصول المقاولة أنه يحدد الشروط الأساسية لبيع العقار كأصل من أصول المقاولة، ويحدد شكليات شهره وذلك بعد تلقي ملاحظات المراقبين والاستماع لرئيس المقاولة والسنديك حسب نص المادة 654 من م.ت.
كما يتجلى دور قاضي المنتدب في مسطرة التصفية القضائية أنه يأذن استثناء تحت نفس الشروط بالبيع، إما بمزايدة ودية بالثمن الافتتاحي الذي يحدده وإما بالتراضي وفقا للثمن والشروط التي يحددها، إذا كان من شأن طبيعة محتوى العقارات وموقعها أو العروض المقدمة إتاحة التوصل إلى تفويت ودي بأفضل الشروط، وفي حالة اللجوء إلى مزايدة ودية يمكن القيام بزيادة السدس طبقا لمقتضيات ق.م.م(37)، كما يظهر دور القاضي المنتدب عندما تكون وحدات الإنتاج للمقاولة موضوع تفويت شامل، سواء في جزء منها أو في مجموع الأصول المنقولة أو العقارية، بحيث يقوم بعد سماع رئيس المقاولة والمراقبين وإن اقتضى الحال مالكي المحلات التي تستغل بها وحدة الإنتاج باختيار العرض الذي يبدو له أكثر جدية(38).
ـ دور القاضي المنتدب في تصفية الخصوم.
حسب القرار رقم 16 الصادر عـن محكمة الاستئناف التجارية بفاس بتاريخ 24/04/2013 في الملف رقم 6/2013 فإن وفاء الديون يشكل الهدف الرئيسي للتصفية القضائية، كما يعد أيضا عملية جد صعبة لتناقض قيمة أموال المقاولة في مرحلة التصفية، ونتيجة كذلك للخطر المحدق بالدائنين الذي يمكن أن لا يتوصلوا سوى بنسبة، ونتيجة لحساسية هذه العملية وتنوع طبيعة الديون التي تكون على المقاولة وبالتالي ترقم مراتب الدائنين وتزاحمهم، فإن أمر تصفية هذه الخصوم يتطلب اتباع العديد من الاحتياطات والمساطر الكفيلة بضمان حقوق جميع هؤلاء(39).
ولذلك، يظهر دور قاضي المنتدب في هذا الصدد في قيامه بإصدار أمرا بترتيب الدائنين وتوزيع منتوج التصفية طبقا للنصوص التشريعية الجاري بها العمل(40)، إذ أنه بعد بيع العقارات والحسم نهائيا في ترتيب الدائنين أصحاب الرهون الرسمية والامتيازات، فإن الحاصلين منهم على رتبة مناسبة لا يتقاضون مبلغ ترتيبهم الرهني في التوزيع عن مجمل ديونهم من ثمن العقارات إلا بعد خصم المبالغ التي سبق لهم أن تقاضوها طبقا للمادة 663 من م.ت.
كما يتحدد دوره حسب المادة 667 من م.ت في الاشراف على الإذن بتوزيع مبلغ الأصول بين جميع الدائنين بالمحاصة مع ديونهم المقبولة بعد خصم مصاريف ونفقات التصفية القضائية، والاعانات المقدمة لرئيس المقاولة أو مسيريها أو إلى عائلاتهم….
لذا، نقول إن أهم الأدوار العامة التي خولها المشرع المغربي للقاضي المنتدب سواء تعلق الأمر بدوره الاعلامي في تداول المعلومات ما بين أجهزة المسطرة، أو دوره في مسطرة الانقاذ أو مسطرتي التسوية أو التصفية القضائية، تعبر عن حق عن أهمية هذا الجهاز داخل نظام صعوبات المقاولة، إذ بدونه لا يمكن أن تنجح إجراءات هاته المساطر، ولا يمكن أيضا لمحكمة الموضوع أن تصدر حكمها يقضي باتخاذ الحل المناسب للمقاولة، ونظرا لهاته الأهمية نرى أن قاضي المنتدب يتدخل بشكل ضمني في عملية تكييف التوقف عن الدفع طالما هو مكلف بالمصادقة على تقرير الموازنة للمقاولة وعرضه على المحكمة(41)، وهو ما سنستجليه.
المطلب الثاني: سلطة القاضي المنتدب في تكييف التوقف عن الدفع.
يعتبر موضوع تحديد سلطة قاضي المنتدب في تكييف التوقف عن الدفع إشكالا قانونيا مهما لم تتم معالجته من طرف تشريعنا، وهذا ما جعلنا ننقب عنه من خلال معرفة ما إذا كانت صلاحياته تؤثر في عملية تكييف واقعة التوقف أم لا؟، ولذلك ارتأينا البحث عن بعض الصور التقريبية التي تُبين لنا مساهمة قاضي المنتدب في تحقيق التكييف المطلوب، والتي أشارت إليها المادة 729 من م.ت في قبول الدين أو رفضه (أولا)، وفي وجود دعوى جارية أو أن المنازعة لا تدخل في اختصاصه (ثانيا)، وهو ما سنبينه.
أولا: قبول الدين أو رفضه كصورة لتكييف التوقف عن الدفع.
إن للقاضي المنتدب بعد تلقيه قائمة الديون المعدة من طرف السنديك السلطة المطلقة في تحقيق كل دين مصرح به على حدة، دون أن يكون ملزما بالتقيد باقتراحات السنديك بهذا الشأن ليقرر حسب قناعته وسلطته التقديرية إما قبول الدين (أ) أو رفضه (ب)(42).
أـ قبول الدين عند تكييف التوقف عن الدفع.
عندما يصدر قاضي المنتدب أمرا يقضي بقبول الدين أو الديون المعروضة عليه في نطاق التحقيق فيها، فإنه يثار إشكال قانوني بخصوص نوع هذا الدين عند قبوله هل هو دين خاص، أم دين عمومي؟، ومن هنا يلزم علينا دراسة الخصوصية القانونية لكلا الدينين.
ـ قبول الدين الخاص حسب القانون رقم 73.17.
لقد قام القانون رقم 73.17 بتنظيم الدين الخاص في الباب الحادي عشر منه المعنون ب “تحديد خصوم المقاولة”، إذ بمقتضى المادة 719 منه نستشف أن الدين الخاص هو ذلك الدين المتعلق بدائني المقاولة المدينة سواء كانوا أشخاص طبيعيين أو أشخاص اعتباريين يخضعون للقانون الخاص، ولذلك فهذا النوع من الديون سواء كان دينا عاديا أو ممتازا قد خصه القانون المذكور بمجموعة من الشكليات أهمها التصريح بها أمام السنديك داخل الأجل القانوني، ثم التحقيق فيها من طرف القاضي المنتدب رغم عدم المنازعة فيه.
باستثناء توفر إحدى حالات الاعفاء من التحقيق الواردة في المادة 724 من م.ت، وهو ما جاء في القرار رقم 419 الصادر عن محكمة النقض المغربية بتاريخ 13-04-2005(43) بأنه: ” لكن، حيث إنه فضلا عن أن الطالبة لم يسبق لها أن تمسكت بوجود حالة من حالات التي يتم فيها الاعفاء من تحقيق الديون العادية، بالرغم من كون موضوع الدعوى هو تحقيق دين فإن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه، بعدما اعتبرت أن القاضي المنتدب ملزم بتحقيق الدين رغم عدم المنازعة فيه، ثبت لها عدم توفر إحدى حالات الاعفاء من التحقيق…”.
وهكذا، يتم تبليغ المقررات القضائية بقبول الدين غير المنازع فيه إلى الدائنين برسالة عادية، وعلى ضوئه يحدد المبلغ الذي قبل الدين من أجله وكذا الضمانات التي تقررت بها، ولذا فقبول رئيس المقاولة بالدين المصرح به لدى السنديك لا يُغني عن إصدار أمر من طرف القاضي المنتدب يتعلق بتحقيق الدين خصوصا في حالة منازعة الدائن في اقتراح السنديك(44).
ـ قبول الدين العمومي حسب القانون رقم 97.15.
يعتبر دينا عموميا حسب المادة 2 من القانون رقم 15.97 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية الضرائب المباشرة للدولة والرسوم المماثلة وكذا الضريبة على القيمة المضافة، ولذلك وكقاعدة عامة فإن القاضي المنتدب لا يمكن له أن يقبل الدين العمومي عندما يحقق في ديون المقاولة المدينة التي لم يصدر بشأنها سند تنفيذي يؤكد ذلك، على اعتبار أن المنازعة في هذا النوع من الديون تختص بالنظر فيها المحكمة الإدارية، وهو ما يكرسه القرار عدد 43 الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية بفاس المؤرخ في 03/10/2007 في الملف عدد 19/2007 ص على أن: ” المنازعة في الدين الضريبي أمام القاضي المنتدب، وخلال مرحلة تحقيق الدين تخرج عن اختصاصه على اعتبار أن البت في المنازعات الضريبية من اختصاص القضاء الإداري…”(45)، غير أنه وكاستثناء من القاعدة المذكورة يمكن للقاضي المنتدب قبول الدين العمومي الذي لم يصدر بشأنه سند تنفيذي بصفة احتياطية إلى حين الإدلاء بالسند تطبيقا لنص الفقرة الثانية من المادة 729 من م.ت.
غير أنه وكاستثناء من القاعدة المذكورة يمكن للقاضي المنتدب قبول الدين العمومي الذي لم يصدر بشأنه سند تنفيذي بصفة احتياطية إلى حين الإدلاء بالسند تطبيقا لنص الفقرة الثانية من المادة 729 من م.ت.
ب ـ رفض الدين عند تكييف التوقف عن الدفع.
إن قرار القاضي المنتدب قد يصدر أيضا إما برفض الدين كليا (أ) أو جزئيا (ب) من جراء منازعة من طرف رئيس المقاولة أو السنديك، إلا أنه يبقى ملزما بتعليل سبب الرفض مع احترام مبدأ الوجاهية باستدعاء المقاولة والدائن.
ـ رفض الدين كليا.
إن التصريح بالدين ينبغي أن يقدم داخل الأجل المحدد قانونا، دون تخصيص لهذه الديون التي قد تكون عادية أو لمؤسسات عمومية، فهي لا تعفى من التصريح ولو كانت المستحقات تخص الاقتطاع من أجور العمال حسب القرار عدد 1193(46) الصادر عن محكمة النقض المغربية بتاريخ 27/10/2004 في الملف عدد 1596/03، ومن تم فإن القاضي المنتدب لا يقرر رفض الدين إلا بعد أن يكون التصريح بالدين لم يتم داخل الأجل القانوني طبقا للقرار رقم 521 الصادر عن محكمة النقض المغربية بتاريخ 09/06/11 في الملف التجاري عدد 1758/3/1/10(47)، وهذا يعني أن القاضي المنتدب يصدر قراره بخصوص الديون التي تكون داخلة في نطاق اختصاصه، بناء على اقتراحات السنديك في رفض الدين كليا إذا كان وهميا أو غير ثابتا بمقتضى الوثائق المحاسبية المدلى بها من طرف رئيس المقاولة المدينة.
ـ رفض الدين جزئيا.
يختص القاضي المنتدب للبث في حدود ما ضمن بالتصريح بالدين دون الديون المؤجلة التي لم يقع التصريح بها وفق القرار عدد 329 الصادر عن محكمة النقض المغربية بتاريخ 21/3/2007 في الملف التجاري عدد 821/3/1/2006، ولذلك يكتسي أمر القاضي المنتدب برفض تحقيق جزء من الدين لأنه ناشئ بعد الحكم بفتح المسطرة حجية الشيء المقضي به، إذا لم يقع الطعن فيه بالاستئناف أمام محكمة الأداء.
وهو ما يبينه القرار رقم 136 الصادر عن محكمة النقض المغربية بتاريخ 09/02/2012(48) بالقول: ” إن الأمر الصادر عن القاضي المنتدب بتاريخ 29/06/2006 في ملف تحقيق الديون تحت عدد 21/06 في إطار ملف التسوية القضائية عدد 914/05 قد سبق له أن قضى بقبول دين شركة … في مبلغ … درهم بعدما لاحظ أن الكمبيالات 46 المستحقة عن الفترة المتراوحة ما بين 19/07/2004 وشهر يونيو 2005 بمبلغ … درهم، والتي قبل بها رئيس المقاولة هي الخاضعة لمسطرة تحقيق الدين، وأن تلك المستحقة عن الفترة الممتدة من 7/2006 إلى 5/2007 بمبلغ … درهم غير خاضعة لمسطرة تحقيق الديون لنشوئها بعد فتح مسطرة التسوية القضائية في حق المستأنفة…”.
وهكذا، يُعد إصدار قاضي المنتدب أمره بقبول الدين الخاص أو قبول الدين العمومي أو أمره برفض دين كلي أو جزئي من بين الصور الهامة التي تبين لنا تدخله الغير المباشر في تكييف التوقف عن الدفع، ويتمظهر ذلك عندما يحقق في ديون المقاولة ويتبين له أنها حقيقية أو غير حقيقية، وهذه النتيجة يُطلع بها محكمة الموضوع التي يسهل عليها تكييف التوقف تكييفا صحيحا بناء على الأوامر القضائية لقاضي المنتدب.
ثانيا: وجود دعوى جارية وعدم الاختصاص.
يظهر تدخل قاضي المنتدب أيضا في تكييف التوقف عن الدفع بشكل ضمني عندما تكون هناك دعوى جارية مرفوعة ضد المقاولة المدينة (أ)، وكذا عندما تكون المنازعة لا تدخل ضمن نطاق اختصاصه (ب).
أـ وجود دعوى جارية كصورة لتكييف التوقف عن الدفع.
في حالة صدور أمر من القاضي المنتدب بمعاينة وجود دعوى جارية (أي الدعوى التي تكون قد رفعت على المقاولة المدينة قبل صدور حكم فتح مسطرة المعالجة ضدها واستمرت رائجة لما بعد صدور هذا الحكم)، تتوقف هذه الدعوى(49)، بعد تحقق شروطها(1)، وهو الأمر الذي تبينه الأوامر القضائية الصادرة عن قاضي المنتدب في هذا الشأن؟(2).
1ـ شروط الدعوى الجارية في مساطر صعوبات المقاولة.
بالرجوع إلى القانون رقم 17.73 لا نجدها تحدد لنا بشكل مباشر الشروط القانونية اللازم توفرها في الدعاوى الجارية في إطار مساطر صعوبات المقاولة، ولكننا يمكن استنباط أهم هذه الشروط في المادة 687 من م.ت، والتي تتمثل في ضرورة أن يقوم الدائن المدعي بالتصريح بدينه، وإثبات دينه ثم حصر مبلغها.
ولذلك، فقد قام القضاء التجاري المغربي في أحد قراراته بتبني نفس الشروط الواجب توفرها في الدعوى المذكورة، أهمها القرار رقم 740/2007 الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدارالبيضاء بتاريخ 7/2/2007 في الملف رقم 4274/2006/11 والذي جاء فيه: ” وحيث يشترط لاعتبار الدعوى جارية أن تكون الدعوى ذات الصلة بتحديد الدين المصرح به معروضة بتاريخ فتح مسطرة المعالجة على أنظار القضاء الذي لم يفصل فيها بعد بحكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به…”.
ونفس الاتجاه أقره أيضا القرار رقم 123/1 الصادر عن محكمة النقض المغربية بتاريخ 31/03/2016 في الملف التجاري رقم 683/3/1/2014 والذي اعتبر أنه في حالة وجود دعوى جنحية جارية يبرر أمر القاضي المنتدب بمعاينة دعوى جارية، وبالتالي فإن تقدير القيمة الثبوتية للسندات المثبتة للدين يبقى من صميم اختصاص المحكمة المعروضة عليها الدعوى الجارية…”(50).
2 ـ بعض أوامر القاضي المنتدب الصادرة عن الدعاوى الجارية.
لقد منح القانون رقم 73.17 للقاضي المنتدب الحق في البث في المنازعات التي موضوعها الدعاوى الجارية، وعلى هذا وجب علينا عرض بعض التطبيقات العملية الصادرة بهذا الشأن من أجل تبيان مدى سلطة هذا القاضي الضمنية في تكييف واقعة التوقف عن الدفع عندما تكون هناك دعوى جارية، وهو ما جاء في الأمر رقم 48 الصادر عن القاضي المنتدب لدى المحكمة التجارية بالدارالبيضاء بتاريخ 12/01/2017(51) “وحيث إن القاضي المنتدب يقرر بناء على اقتراح السنديك قبول الدين أو رفضه أو وجود دعوى جارية …، وحيث إنه ما دام لا يوجد أي دليل بالملف يثبت أن السند المعزز للتصريح بالدين قد صار نهائيا، فإنه يتعين التصريح بمعاينة دعوى جارية بخصوص الدين ….”.
وفي نفس الإطار دأب إليه الأمر رقم 06/05 الصادر عن القاضي المنتدب بالمحكمة التجارية بمكناس بتاريخ 2005/05/18 في ملف التسوية القضائية رقم 23/04/6 بأنه: “…وحيث أدلت الدائنة بجلسة 27/04/2005 بمذكرة أكدت من خلالها أن الدين ثابت في حدود مبلغ … درهم بمقتضى الحكم الصادر عن هذه المحكمة بتاريخ 17/02/2005 تحت رقم 137 في الملف رقم 571/03/4 والذي أرفقت مذكرتها بنسخة منه، متراجعة بذلك عن تمسكها بمبلغ … درهم المصرح به، وحيث إنه لا دليل بالملف على استئناف الحكم أعلاه للقول بمعاينة دعوى جارية، مما يتعين معه قبول الدين …”(52).
ب ـ عدم الاختصاص كصورة في تكييف التوقف عن الدفع.
قد يثار أمام القاضي المنتدب الدفع بعدم الاختصاص من قبل أحد أطراف المسطرة أو يثيره هو بنفسه تلقائيا، بمعنى أن تكون المنازعة المعروضة على القاضي المنتدب لا تدخل في اختصاصه وإنما هي من اختصاص محكمة أخرى(53)، ولذلك يتعين علينا البحث عن القواعد العامة المنظمة لهذا الدفع (1)، ثم تحديد بعض حالاته القانونية (2).
1ـ القواعد العامة المنظمة لعدم اختصاص قاضي المنتدب.
لقد نظم القانون رقم 73/17 القواعد العامة المنظمة لعدم اختصاص قاضي المنتدب في إطار مساطر صعوبات المقاولة في المادة 730 والمادة 731 من م.ت، إذ أنه حينما ينظر القاضي المنتدب في الاختصاص أو في دين منازع فيه يتم استدعاء جميع الأطراف المعنية بجميع الوسائل المتاحة قانونا، ومن تم يشعر كاتب الضبط الأطراف بمقررات عدم الاختصاص أو بالمقررات التي تبت في المنازعة في الدين داخل أجل ثمانية أيام بجميع الوسائل المتاحة قانونا (الفقرتين الأولى والثانية من المادة 730 من م.ت).
ومن تم، وحينما يكون الموضوع من اختصاص محكمة أخرى، يؤدي تبليغ المقرر القاضي بعدم الاختصاص الصادر عن القاضي المنتدب إلى سريان أجل مدته شهران يجب خلاله على الدائن أن يرفع الدعوى إلى المحكمة المختصة تحت طائلة السقوط، مالم يتعلق الأمر بدين عمومي فيتعين في هذه الحالة أن ترفع الدعوى من طرف المدين خلال نفس الأجل، وإلا اعتبر متنازلا عن المنازعة في الدين (الفقرة الأخيرة من المادة 731).
ب ـ بعض الحالات القانونية المتعلقة بعدم اختصاص القاضي المنتدب.
من أهم الحالات القانونية المجسدة لعدم اختصاص القاضي المنتدب للبث فيها هي الحالة التي تتعلق بالمنازعة في الديون العمومية، حيث أن القاضي المذكور يكون غير مختصا للتحقيق في هذه الديون، وهو ما يوضحه القرار رقم 124/1 الصادر عن محكمة النقض المغربية بتاريخ 27/02/2014(54) “… ان القاضي المنتدب غير مختص لتحقيق ديون عمومية يرجع نظرها للقضاء الإداري، ولأن القوائم الضريبية تعد سندات تنفيذية لم تنازع فيها المقاولة أمام ذلك القضاء، فإن منازعتها فيها أمام القاضي المنتدب وهو جهة غير مختصة بتحقيقها تبقى بدون أثر…”.
كما تتجلى الحالات القانونية التي يمكن أن يثار فيها عدم الاختصاص في الطعن الذي يقدمه المدين في الدين بالزور، أو بالبطلان لانعدام الأهليـة أو السبـب أو المحـل أو عـدم مشروعيتها، أو بالإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه أو غبن (55).
لكل ما سبق، إن التكييف القضائي لواقعة التوقف عن الدفع في نظام مساطر صعوبات المقاولة، سواء كان مباشرا الذي تقوم به محاكم الموضوع (المحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية)، أو كان غير مباشرا الذي يقوم به قاضي المنتدب، فإنه يعد لبنة أساسية في بناء المعنى المفاهمي لهاته المؤسسة، والذي استقى منه القانون رقم 73.17 التصور العام لكنه التوقف عن الدفع.
الهوامش:
(1)ـ الدكتورة إشراق الادريسي، ” دور القاضي المنتدب في مسطرة معالجة صعوبات المقاولة “، مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية، العدد الثامن، يناير 2015، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع الرباط، الصفحة: 11.
(2)ـ الدكتورة أمينة رضوان، ” حقوق الأجراء في نظام صعوبات المقاولة “، مطبعة الأمنية الرباط، السنة:2017، الصفحة:178، الصفحة: 196 و197.
(3)ـ الدكتور المهدي شبو، ” مؤسسة القاضي المنتدب في مساطر معالجة صعوبات المقاولة / دراسة مقارنة”، سلسلة الدراسات القانونية المعاصرة، الطبعة الأولى 2006، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، الصفحة: 173و174.
(4)ـ الأستاذ أحمد أبو العلاء، ” دور القاضي المنتدب في معالجة صعوبات المقاولة “، مجلة دفاتر قانونية، العدد المزدوج الثاني والثالث 2017، دارالسلام للطباعة والنشر والتوزيع الرباط، الصفحة: 254.
(5)ـ سمير الستاوي، ” دور القاضي المنتدب في مسطرة التسوية القضائية لصعوبات المقاولة”، تحت إشراف الدكتور عبدالله الدرقاوي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص وحدة قانون التجارة والأعمال، جامعة محمد الخامس السويسي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، السنة الجامعية: 2003-2004، الصفحة 73.
(6)ـ دة. أمينة رضوان، “حقوق الأجراء في نظام صعوبات المقاولة…”، م.س، ص: 197.
(7)ـ إبراهيم الصالح، “دراسة لجهاز القاضي المنتدب ودوره في تكريس مبدأ استمرارية المقاولة”، تحت إشراف الدكتور عبدالله أشركي أفقير، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة، السنة الجامعية: 2016-2017، الصفحة: 47
(8)- إبراهيم الصالح، ” دراسة لجهاز القاضي المنتدب…”، م.س، ص: 54.
(9)- لما كان جهاز النيابة العامة يعتبر مؤسسة قضائية خاصة، مكلفة بالدفاع عن الحق العام وممثلة للنظام العام والأمينة على مصالح الأفراد والجماعات، والساهرة على احترام القانون وسيادته، فإن تطور مفهوم النظام العام وتبلوره حتى أضحى يشمل جوانب تهم الحياة الاقتصادية والاجتماعية، حتم ضرورة إيجاد قضاء النيابة العامة حتى بالمحاكم التجارية، هذا بخلاف النظام القضائي الفرنسي الذي انتظر حوالي أربعمائة سنة لإدخال جهاز النيابة العامة أمام المحاكم التجارية، أي منذ إحداث أول محكمة تجارية بشاتلي سنة 1563 إلى حين صدور قانون 10ـ7ـ1970.
ـ الأستاذ محمد عبدالمحسن البقالي الحسني، ” دور النيابة العامة في صعوبات المقاولة “، منشور السيد وزير العدل عدد س 278 بتاريخ 12/11/2008، منشور على الموقع الالكتروني: Adala.justice.gov.ma
(10)ـ دة. أمينة رضوان، “حقوق الأجراء في نظام صعوبات المقاولة…”، م.س، ص: 199.
(11)ـ إبراهيم الصالح، “دراسة لجهاز القاضي المنتدب….”، م.س، ص: 52.
(12)ـ تجدر الاشارة إلى أن القانون رقم 73.17 قام بتنظيم الأوامر الصادرة عن القاضي المنتدب في الكتاب الخامس في المواد من 729 إلى 731 من م.ت.
(13)ـ ويتعلق الأمر بالجدل الفقهي والقضائي، نظرا لوجود فراغ تشريعي في هذا الاطار.
(14)ـ الأستاذ أحمد أبو العلاء، ” دور القاضي المنتدب في معالجة صعوبات المقاولة “، مجلة دفاتر قانونية، العدد المزدوج الثاني والثالث 2017، دارالسلام للطباعة والنشر والتوزيع الرباط، الصفحة: 238.
(15)ـ الدكتورة إشراق الادريسي، ” دور القاضي المنتدب في مسطرة معالجة صعوبات المقاولة “، مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية، العدد الثامن، يناير 2015، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع الرباط، الصفحة: 17.
(16)ـ في الملف رقم 1367/8304/2015.
(17)ـ في الملف رقم 371/8304/2017.
(18)ـ في الملف رقم: 855/8304/2014.
(19)ـ ذ. أحمد أبو العلاء، “دور القاضي المنتدب…”، م.س، ص: 237 و 238.
(20)ـ في الملف عدد: 1164/8304/2016.
(21)ـ في الملف عدد: 428/8304/2016.
(22)ـ في الملف عدد: 462/8304/2016.
(23)ـ صادر عن قاضي المنتدب لدى المحكمة التجارية بالدارالبيضاء في الملف عدد: 564/8304/2016.
(24)ـ الدكتور مصطفى بونجة / الدكتورة نهال اللواح، ” مساطر صعوبات المقاولة وفقا للقانون رقم 73.17 / دراسة عملية وتحليلية للكتاب الخامس من مدونة التجارة في ضوء مستجدات القانون رقم 73ـ17 الصادر بتاريخ 23ـ04ـ2018 “، منشورات المركز المغربي للتحكيم ومنازعات الأعمال، الطبعة الأولى 2018، مطبعة ليتوغراف طنجة، الصفحة: 169 و170.
(25)ـ سمير الستاوي، “دور القاضي المنتدب في مسطرة التسوية القضائية…”، م.س، ص: 73.
(26)ـ أحمد أبوالعلاء، “دور القاضي المنتدب…”، م.س، ص: 258.
(27)ـ محمد دبالي، “مخطط الاستمرارية في معالجة صعوبات المقاولة”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في قانون الأعمال، تحت إشراف الدكتور محمد أخياط، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية بوجدة، السنة الجامعية: 2000 ـ 2001، الصفحة: 10.
(28)ـ محمد دبالي، “مخطط الاستمرارية في معالجة صعوبات المقاولة…”، م.س، ص: 8.
(29)ـ أنظر المادة 595 من م.ت.
(30)ـ أحمد أبو العلاء، ” دور القاضي المنتدب….”، م.س، ص: 268.
(31)ـ أنظر المادة 635 من م.ت.
(32)ـ حسب نص المادة 636 من م.ت.
(33)ـ الدكتور علال فالي، ” التعليق على قانون مساطر صعوبات المقاولة على ضوء 20 سنة من القضاء التجاري 1998ـ2018 “، الطبعة الأولى، السنة: نونبر 2018، مطبعة المعرف الجديدة الرباط، الصفحة: 162.
(34)ـ إبراهيم الصالح، “دراسة لجهاز القاضي المنتدب…”، م.س، ص: 73.
(35)ـ الأستاذ عبد السلام زوير ” الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية وإشكالياته العملية “، طبع ونشر وتوزيع مكتبة دار السلام الرباط، السنة: 2004، الصفحة: 112.
(36)ـ إبراهيم الصالح، ” دراسة لجهاز القاضي المنتدب…”، م.س، ص: 74.
(37)ـ أنظر الفقرة الثالثة والرابعة من المادة 654 من م.ت.
(38)ـ أنظر المادة 655 من م.ت.
(39)ـ قرار غير منشور مأخوذ من مؤلف د. علال فالي، ” التعليق على قانون مساطر صعوبات المقاولة…”، م.س، ص:215.
(40)ـ المادة 668 من م.ت.
(41)ـ وطالما أنه كذلك يصدر أوامر قضائية فهي تكون لها قوة التأثر والتأثير بشكل غير مباشر على تكييف التوقف عن الدفع، لكونه الجهاز الأصيل الذي يحتك بالسير العام لمسطرة الانقاذ أو مسطرتي التسوية أو التصفية القضائية.
(42)ـ دة. إشراق الادريسي، ” دور قاضي المنتدب …”، م.س، ص:20.
(43)ـ في الملف رقم 1500/3/1/02.
(44)ـ د. أحمد أبو العلاء، ” دور القاضي المنتدب….”، م.س، ص: 261.
(45)ـ قرار منشور في مؤلف الدكتور محمد الأزهر، “اختصاص المحاكم”، مطبعة دار القرويين الدارالبيضاء، السنة: 2013، الصفحة: 78.
(46)ـ قرار منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات، عدد: 12، ص: 141 وما يليها، مأخوذ من مؤلف الأستاذ محمد بفقير، “مدونة التجارة والعمل القضائي المغربي”، منشورات دراسات قضائية/ سلسلة القانون والعمل القضائي المغربيين، الطبعة الثانية 2011، الصفحة: 397.
(47)ـ قرار منشور بمجلة القضاء التجاري، عدد 3، ص: 218 وما يليها، مأخوذ من مؤلف محمد بفقير، “مدونة التجارة والعمل القضائي…”، م.س، ص: 399.
(48)ـ في الملف عدد: 872/3/1/2011، مأخوذ من مؤلف الدكتور عمر أزوكار، “قضاء محكمة النقض في مساطر التسوية والتصفية القضائية” منشورات دار القضاء بالمغرب يصدرها مكتبه للمحاماة والاستشارة والتحكيم، ، السنة: 2014، مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء، الصفحة: 239.
(49)ـ الدكتور إبراهيم قادم، ” التصريح بالديون وتحقيقها في إطار مساطر معالجة صعوبات المقاولة “، مجلة القصر، العدد: 20، ماي 2008، مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء، الصفحة: 26.
(50)ـ قرار غير منشور مأخوذ من مؤلف علال فالي، “التعليق على قانون مساطر صعوبات المقاولة…”، م.س، ص: 402.
(51)ـ في الملف رقم 234/8304/2016.
(52)ـ أمر وارد في مؤلف د.علال فالي، ” التعليق على قانون مساطر صعوبات المقاولة…”، م.س، ص: 389.
(53)ـ د. إبراهيم قادم، ” التصريح بالديون وتحقيقها…”، م.س، ص: 26.
(54)ـ في الملف رقم 295/3/1/2013.
(55)ـ د. إبراهيم قادم، ” التصريح بالديون وتحقيقها…”، م.س، ص: 27.