مجلة مغرب القانونفي الواجهةحداش محمد: قضية هتك عرض طفلة تيفلت؛ العقوبة الواجبة التطبيق؟ (وجهة نظر)

حداش محمد: قضية هتك عرض طفلة تيفلت؛ العقوبة الواجبة التطبيق؟ (وجهة نظر)

حداش محمد باحث في القانون

عرفت قضية هتك عرض طفلة تيفلت ردود أفعال جد متباينة من الرأي العام المغربي بسبب العقوبة الصادرة في حق المتهمين والتي لا تتناسب – حسبهم – مع خطورة الجريمة المرتكبة. وهي القضية التي كانت موضوع بحث من طرف المفتشية العامة للشؤون القضائية والتي ترتبت عنها عقوبات تأديبية من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية في حق القضاة الذين أصدروا القرار القضائي.

وقد جاء في منطوق قرار غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 20/03/2023 بإدانة المتهمين من أجل ما نسب إليهم والحكم على المتهمين الأول والثاني بسنتين حبسا نافذا في حدود سنة ونصف (18شهرا) وموقوف التنفيذ في الباقي من أجل التغرير بقاصر وهتك عرضها بالعنف طبقا للفصلين 471 و485 من القانون الجنائي، وعلى المتهم الثالث بسنتين حبسا نافذا من أجل التغرير بقاصر وهتك عرضها بالعنف نتج عنه افتضاض طبقا للفصول 471 و485 و488 من القانون الجنائي.

ونتساءل من خلال هذا المنطوق عن العقوبة الواجبة التطبيق في حالة التصريح بالإدانة من أجل التغرير بقاصر وهتك عرضها بالعنف نتج عنه افتضاض طبقا للفصول 471 و485 و488 من القانون الجنائي؟

يلاحظ أولا من خلال منطوق القرار أن المحكمة ارتأت تمتيع المتهمين الثلاثة بظروف التخفيف طبقا للفصول 55 و146 و147 من القانون الجنائي والمادة 430 من قانون المسطرة الجنائية، بحيث تم خفض العقوبة عن الحد الأدنى المنصوص عليه في فصول المتابعة كما تم جعل جزء من العقوبة المحكوم بها موقوفة التنفيذ في حق المتهمين الأول والثاني. وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن المحكمة ملزمة عند التداول في ظروف التخفيف التأكد من مدى توفر شروط منح ظروف التخفيف من عدمه.

ولابد من الإشارة أنه يجب على المحكمة كلما تعلق الأمر بجريمة هتك عرض قاصر التأكد من تاريخ ازدياد القاصر وتاريخ ارتكاب الأفعال في حقه، بحيث أن القاصر إذا كان عمره يقل عن إثني عشرة (12) سنة، فإن ظرف العنف في هاته الحالة يكون مفترض والمحكمة ليست ملزمة بالبحث عن وجود العنف من عدمه ويبقى الفصل 485 الفقرة الثانية منه هو الواجب التطبيق. أما إذا كان سن الضحية يفوق إثني عشرة (12) سنة، فإن المحكمة ملزمة عن البحث عن وجود ظرف العنف من عدمه، فإذا تبين عدم وجوده، فإنها (أي المحكمة) تقوم بإعادة تكييف الفعل في إطار المادة 432 من قانون المسطرة الجنائية إلى جنحة هتك عرض قاصر بدون عنف طبقا للفصل 484 من القانون الجنائي. وقد جاء في قرار لمحكمة النقض أنه ما دام أن سن الضحية في جريمة هتك العرض، يفوق اثني عشر سنة، فهي قادرة على التمييز والادراك، وعلى المحكمة أن تناقش مدى توافر ظرف العنف من عدمه – نقض وإحالة (قرار محكمة النقض المؤرخ في 15/01/2020 ملف جنائي عدد 18629/6/1/2019).

مقال قد يهمك :   فراجي: كنت أحبذ أن يكون وزير العدل رجلا متمرسا في القانون ممارسا له

وبالتالي، فإن المحكمة ملزمة عند الإدانة من أجل هتك عرض قاصر بالتحقق من سن الضحية والاشارة عند تعليل القرار إلى تاريخ ازديادها وتاريخ ارتكاب الأفعال، وذلك لتمكين محكمة أعلى درجة من بسط رقابتها.  وقد جاء في قرار لمحكمة النقض أن القرار الذي لم يبين في تعليله سن الضحية وتاريخ ارتكاب الجنحة يكون معرضا للنقض (قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 19/03/2004 قرار عدد 463/2004 ملف جنحي عدد 10908/6/1/2008).

كما يجب على النيابة العامة عند تحريك المتابعة أن تشير في ملتمسها للفقرة الثانية من الفصل 485 من القانون الجنائي 485 طالما أن الأمر يتعلق بقاصر يقل سنه عن ثمان عشر (18) سنة، وليس الاكتفاء فقط بذكر الفصل 485 في مجمله، وذلك رفعا لأي لبس يمكن أن تقع فيه المحكمة عند تطبيقها للفصل المذكور.

ومن المهم الإشارة الى أنه قد صدر مؤخرا عن محكمة النقض قرارا تعتبر فيه أن كل ممارسة جنسية على ضحية قاصر تعتبر جريمة هتك عرض قاصر بالعنف بصرف النظر عن سن الضحية (قرار صادر عن محكمة النقض رقم 1485/3 في الملف الجنائي عدد 2023/3/6/1745 الصادر بتاريخ 06 دجنبر 2023).

أما ما يتعلق بالعقوبة الواجبة التطبيق، فسنحاول تفصيلها على الشكل الآتي:

  • بالنسبة للمتهمين الأول والثاني المتابعين من أجل التغرير بقاصر وهتك عرضها بالعنف طبقا للفصلين 471 و485 من القانون الجنائي:

في حالة المتابعة من أجل التغرير بقاصر وهتك عرضها بالعنف طبقا للفصليين 471 و485 الفقرة الثانية منه، فإن العقوبة الأشد المقررة هي السجن من عشر إلى عشرين سنة. فإذا ارتأت المحكمة في إطار سلطتها التقديرية تمتيع المتهمين بظروف التخفيف تطبيقا للفصول 55 و146و 147 من القانون الجنائي والمادة 432 من قانون المسطرة الجنائية، فإن العقوبة الواجب الحكم بها طبقا للفقرة الثالثة من الفصل 147 من القانون الجنائي هي السجن من خمس إلى عشر سنوات أو الحبس من سنتين إلى خمس سنوات.

ومادام أنه يمكن الحكم بعقوبة حبسية من سنيتن إلى خمس، فإن من حق المحكمة طبقا للفصل 55 من القانون الجنائي تشطير العقوبة وجعل جزء منها موقوف التنفيذ مادام أن طبيعة العقوبة حبسية وليست سجنية، ولم يسبق للمتهمين أن حكم عليهما من أجل جناية أو جنحة. وقد جاء في قرار لمحكمة النقض أنه ليس في القانون ما يمنع المحكمة من تشطير العقوبة الحبسية المحكوم بها وجعل جزء منها نافذا (ملف جنائي عدد 27/03 بتاريخ 2003/4/9 قرار عدد 1/800).  وبالتالي فيجوز للمحكمة الحكم بالحد الأدنى للعقوبة المقررة المحدد في سنتين مع جعل جزء منها موقوفة التنفيذ، وتكون بذلك العقوبة الصادرة في حق المتهمين الأول والثاني قد صادفت الصواب ولم تخرق المحكمة القانون.

  • بالنسبة للمتهم الثالث المتابع من أجل التغرير بقاصر وهتك عرضها بالعنف نتج عنه افتضاض طبقا للفصول 471 و485 و488 من القانون الجنائي.
مقال قد يهمك :   استرجاع إمكانية إصدار الشيكات بغرامات مالية مخففة (مرسوم جديد)

في حالة المتابعة من أجل التغرير بقاصر وهتك عرضها بالعنف نتج عنه افتضاض طبقا للفصول 471 و485 و488 من القانون الجنائي، فإن العقوبة الأشد المقررة طبقا للفقرة الثالثة من الفصل 488 هي السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة. وإذا ارتأت المحكمة تمتيع المتهم بظروف التخفيف طبقا للفصول 55 و146 و147 من القانون الجنائي والمادة 432 من قانون المسطرة الجنائية، فإنه تطبيقا للفقرة الثالثة من الفصل 147 من القانون الجنائي المنشورة في الجريدة الرسمية باللغة الفرنسية والتي تم إغفالها في الجريدة الرسمية باللغة العربية، فإن العقوبة الواجبة التطبيق هي السجن من خمس إلى عشرين سنة سجنا نافذا.

ومادام أن طبيعة العقوبة المقررة سجنية وليست حبسية، فإنه لا مجال لتطبيق مقتضيات الفصل 55 من القانون الجنائي، ويمنع على المحكمة تشطير العقوبة وجعل جزء منها موقوف التنفيذ.  وقد جاء في قرار للمجلس الأعلى سابقا – محكمة النقض حاليا – أن الأمر بإيقاف التنفيذ غير جائز في حالة الحكم بعقوبة السجن (قرار بتاريخ 9/11/1967 تحت عدد 83 منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى المادة الجنائية 66-86 ص 441 وما يليها).

وجاء في قرار آخر لمحكمة النقض أنه لما تبين من القرار الابتدائي المؤيد بالقرار المطعون فيه أن غرفة الجنايات قضت على المطلوب في النقض بعقوبة سجنية مدتها عشر سنوات فإن المحكمة حينما عدلته وقررت جعل العقوبة نافذة في حدود سنتين وموقوفة التنفيذ في الباقي مستندة في ذلك على البند الثالث من المادة 430 من قانون المسطرة الجنائية، مع أن العقوبة المحكوم بها هي بطبيعتها كعقوبة جنائية أصلية غير قابلة لإيقاف التنفيذ عملا بمقتضيات الفصل 55 من القانون الجنائي، والذي قصر هذه الإمكانية على العقوبات الحبسية والمالية في غير مواد المخالفات، تكون معه قد أساءت تطبيق الفصل 55 المشار إليه وجاء قرارها ناقص التعليل المنزل منزلة انعدامه ( قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 27/03/2019 ملف عدد 17757/6/4/2018 قرار عدد 570/2019 ).

ويجب التأكيد كذلك أن المحكمة ملزمة بالإشارة الى طبيعة العقوبة عند تطبيق مقتضيات الفقرة الثالثة من الفصل 147 من القانون الجنائي المنشور باللغة الفرنسية في الجريدة الرسمية على اعتبار أنها عقوبة سجنية وليست حبسية لما قد يترتب عن هذا الأمر من آثار قانونية.  وقد جاء في قرار لمحكمة النقض أن منح المحكوم عليه ظروف التخفيف بمقتضى الفصل 147 من القانون الجنائي ينتج عنه تخفيف العقوبة المطبقة، فإذا كانت العقوبة المقررة هي السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة فإن المحكمة تطبق عقوبة سجنية من خمس إلى عشرين سنة. و محكمة القرار وإن حددت العقوبة بعد التخفيف في خمس سنوات الذي يبقى هو الحد الأدنى من حيث مدة العقوبة إلا أنها أخطأت في وصف تلك العقوبة من عقوبة سجنية إلى عقوبة حبسية خلافا لمقتضيات الفصل 147 أعلاه،  وباعتبار ما قد يترتب عن هذا الخرق من اختلاف في الأثار القانونية بحسب ما إذا تعلق الأمر بعقوبة سجنية أو حبسية من قبيل أمد التقادم أو طلب رد الاعتبار، فإن المحكمة عندما قضت على النحو المذكور أعلاه تكون قد خرقت مقتضيات الفصل 147 المذكور وعرضت قرارها للنقض (قرار بتاريخ 24 يونيو 2020 في الملف الجنائي عدد 25742/6/3/2019 تحت 754/3).

وبالتالي، فإن العقوبة الواجبة التطبيق في حق المتهم الثالث عند تمتيعه بظروف التخفيف هي السجن من خمس إلى عشرين سنة دون أن يكون للمحكمة الحق في النزول عن هذا الحد أو تشطير العقوبة أو تغيير من طبيعتها بجعلها حبسية بدل سجنية خلافا لمقتضيات الفصلين 55 و147 من القانون الجنائي، وأن نحو المحكمة خلاف ذلك يجعل قرارها مجانب للصواب.


المراجع:

مقال قد يهمك :   تباين أحكام القضاء المغربي بخصوص العملات المشفرة في ظل غياب إطار قانوني

النصوص القانونية:

  • مجموعة القانون الجنائي المغربي؛
  • قانون المسطرة الجنائية المغربية.

قرارات محكمة النقض:

  • قرار محكمة النقض المؤرخ في 15/01/2020 ملف جنائي عدد 18629/6/1/2019؛
  • قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 19/03/2004 قرار عدد 463/2004 ملف جنحي عدد 10908/6/1/2008؛
  • ملف جنائي عدد 27/03 بتاريخ 2003/4/9 قرار عدد 1/800؛
  • قرار صادر عن محكمة النقض رقم 1485/3 في الملف الجنائي عدد 2023/3/6/1745 الصادر بتاريخ 06 دجنبر 2023؛
  • قرار بتاريخ 9/11/1967 تحت عدد 83 منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى المادة الجنائية 66-86 ص 441 وما يليها؛
  • قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 27/03/2019 ملف عدد 17757/6/4/2018 قرار عدد 570/2019
  • قرار بتاريخ 24 يونيو 2020 في الملف الجنائي عدد 25742/6/3/2019 تحت 754/3.
error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]