قرار حديث: استئنافية وجدة تحسم في التذييل الجزئي للعقود الأجنبية وقواعد الإسناد وتساير محكمة النقض
في عمق القانون/من وجدة
إعداد وتنسيق: إبن مسعود ياسين
أصدرت الغرفة المدنية بمحكمة الاستئناف بوجدة بتاريخ 2023/04/06 اجتهادا قضائيا حديثا تحت رقم 336 في الملف رقم 2023/1201/82 -يتوفر موقع مغرب القانون على نسخة منه- يساير توجه محكمة النقض بخصوص تذييل العقود الأجنبية جزئيا في الحدود التي لا تتعارض مع النظام العام المغربي، إضافة للتنزيل الصحيح لمقتضيات الفصلين 13 و 18 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب.
حيث جاء في تعليل هذا القرار الذي ألغى الحكم الابتدائي الصادر عن المحكمة الابتدائية ببركان 553 في الملف رقم 713-1201-2022 القاضي برفض الطلب ما نصه:
” حيث قضى الحكم المستأنف برفض الطلب الطلب بعلة عدم ثبوت تحقق مقتضيات المادة 277 من مدونة الأسرة.
لكن حيث أن الوصي والموصى له إسبانيان وبالتالي خضوع قواعد الإسناد لقانون أحوالهما الشخصية والبين في ظهير 12 غشت 1913 خضوع الإرث لقانون الدولة التي ينتسب إليها الموروث من حيث تعيين المستحقين وترتيبهم وأنصبتهم والمقدار الجائز خضوعه للوصية كما جاء في عمل محكمة النقض قرار 1352 بتاريخ 29 مارس 2011 الصادر في الملف المدني 4617-1-1-09 الذي أقر نفس القاعدة، عكس ما ذهب إليه الحكم المستأنف من خضوع الوصية لمدونة الأسرة.
وهو المبدأ الذي أقره القرار 386-2 بتاريخ 22-9-15 ملف شرعي 681-2-14 علما أن عمل محكمة النقض أجاز تذييل العقود الأجنبية جزئيا في الحدود التي لا تتعارض مع النظام العام المغربي (قرار 419 ملف 10/574 بتاريخ 29/05/12 المنشور بالمجلة المغربية للدراسات القانونية والقضائية عدد 9 ص 322 وما يليها) لأجله يتعين إلغاء الحكم والاستجابة للطلب جزئيا”.
وحري بالتنويه أن الحكم الملغى للمحكمة الابتدائية ببركان عدد 553 في الملف رقم 713-1201-2022 الذي يتوفر موقع مغرب القانون على نسخة منه كان قد علل رفض الطلب بالآتي:
” وحيث إن الوصية عقد يوجب حقا في ثلث مال عاقده يلزم بموته (الفصل 277 من مدونة الأسرة). وحيث إنه ليس بالملف ما يفيد كون المال الموصى به للجهة المدعية لا يتجاوز الثلث من تركة الموصي، وفي ذلك مخالفة للفصل المشار إليه وبالتالي مخالفة للنظام العام المغربي مما يتعين معه رفض الطلب “.
يشار إلى أن الغرفة المدنية بمحكمة الاستئناف بوجدة قد سايرت توجهات محكمة النقض في هذه النازلة ومنها على سبيل المثال:
- القرار عدد 1352 الصادر بتاريخ 29 مارس 2011 في الملف المدني عدد 4617/1/1/2009، منشور بالمنصة الرقمية لقرارات محكمة النقض.
“ المحافظ على الأملاك العقارية- رفض تقييد إراثة- تطبيق قاعدة لا توارث بين مسلم وغير مسلم- الفصل 332 من مدونة الاسرة.
لما كانت مقتضيات الفصل 18 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالوضعية المدنية للأجانب والفرنسيين المقيمين بالمغرب تنص على أن توارث المنقولات والأصول الموجودة داخل منطقة الحماية الفرنسية بالمغرب تخضع لقانون الدولة التي ينتسب لها الموروث، فإن المحافظ على الأملاك العقارية لما رفض تقييد إراثة الهالكة باعتبارها مغربية مزدادة من مغربيين مسلمين والهالك زوجها فرنسي الجنسية، إعمالا للقانون المغربي الواجب التطبيق يكون قد استند على أنه لا توارث بين مسلم وغير مسلم”. ( رفض الطلب)
كما أنه جاء في قرار آخر صادر عن محكمة النقض ما تقعيده:
- قرار عدد 386/2 مؤرخ في 22/09/2015 ملف شرعي عدد 681/2/1/2014 منشور في أشغال الندوة العلمية الدولية الأولى المنظمة من طرف كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، السويسي، الرباط، يومي 19 و 20 مارس 2018 في موضوع: “ظهير الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب بالمغرب بعد مرور أكثر من 100 سنة على صدوره ص 348.
“ميراث بين أجنبيين من جنسية إسبانية – الرجوع إلى ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بوضعية الأجانب في المغرب- تطبيق مقتضيات قانونهم الشخصي- نعم”.
وقد تبنى هذا الاجتهاد القضائي إمكانية التذييل الجزئي بالصيغة التنفيذية في حالة وجود جوانب من العقد أو الحكم لا تتعارض مع النظام العام المغربي، وهو التوجه الذي تسير فيه محكمة النقض المغربية، إذ جاء في قرارها الصادر بتاريخ 29/05/2012 تحت عدد 419 في الملف عدد 514/10، المنشور بالمجلة المغربية للدراسات القانونية والقضائية عدد 9 ص 322 وما يليها، على أنه:
يجوز تذييل الحكم الأجنبي جـــزئــيا في الحدود التي لا تتعارض مع النظام العام المغربي.
وفي هذا الصدد يرى أحد الباحثين أنه:
” يجوز التذييل الجزئي للحكم الأجنبي استئناسا بموقف المشرع في بعض الاتفاقيات الثنائية التي أجازت ذلك، ومنها اتفاقية التعاون القانوني والقضائي في المواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية بين المملكة المغربية ودولة الكويت المؤرخة في 10 أبريل 2001، في الفقرة الثانية من المادة 36 التي ورد فيها على أنه “يجوز أن يكون الأمر بالتنفيذ جزئيا بحيث ينص على شق أو آخر من الحكم المتمسك به”، وأيضا المادة 33 من الاتفاقية المغربية البحريني، والمادة 34 من الاتفاقية المغربية السورية.
ونظرا لما يحققه هذا التوجه من فوائد عملية بالنسبة للوضعية القانونية للمواطنين المغاربة المقيمين بالخارج، يمكن الأخذ بالتذييل الجزئي متى كان هذا الجزء قابلا للانفصال عن باقي أجزاء الحكم، وهو الحل الذي آثرت بعض التشريعات العربية النص عليه صراحة كالقانون اللبناني إذ جاء في المادة 1018 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني على أنه “للمحكمة أن تمنح الصيغة التنفيذية للحكم بكامله أو لناحية جزئية منه متى كانت هذه الناحية قابلة للانفصال عن النواحي الأخرى، وليس لها أن تدخل عليه أي تعديل من شأنه أن يوسع مداه سواء بالنسبة للموضوع أو بالنسبة للخصوم”.
( عبد العلي حفيظ، دكتور في الحقوق، مستشار بمحكمة النقض، مؤلف: التذييل بالصيغة التنفيذية في الميدان الأسري بين متلازمة الضبط التشريعي والانضباط التطبيقي، ص 83).
وحري بالتنويه في الأخير أن الأحكام الصادرة بخصوص تذييل العقود الواردة على تركة الأجانب بالمغرب كانت تعرف تضاربا بخصوص تطبيق مقتضيات الفصل 18 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب الذي ينص على أنه:
“يخضع توارث المنقولات والأصول الموجودة داخل منطقة الحماية الفرنسية بالمغرب لقانون الدولة التي ينتسب اليها الموروث في ما يعود الى تعيين الورثة والترتيب الذي يرثون بمقتضاه والانصبة العائدة إلى كل واحد منهم والمقادير التي يتعين عليهم إرجاعها إلى التركة والمقدار الذي يجوز للموروث أن يتصرف به على وجه الوصية والمقدار الذي يجب حفظه للورثة.
وتطبق القاعدة نفسها على صحة الوصية الذاتية وآثارها.”.
مما يؤدي إلى تجميد حركية الأملاك العقارية نظرا لكون العقود المبرمة بالخارج أمام الضباط والموظفين العموميين المختصين لا تكون قابلة للتنفيذ بالمغرب إلا بعد إعطائها الصيغة التنفيذية ضمن الشروط المقررة في الفصلين 430 و 431 من قانون المسطرة المدنية. وهو الأمر الذي يدفع الكثير من المختصين للمطالبة بتعديل مقتضيات ظهير الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب بالمغرب بعد مرور أكثر من 100 سنة على صدوره.