فراجي: كنت أحبذ أن يكون وزير العدل رجلا متمرسا في القانون ممارسا له
سليمة فراجي برلمانية سابقة ومحامية
وجهة نظر حول حقيبة العدل
بعيدا عن المزايدات والاصطفاف الى تيار من التيارات ، بعيدا عن الايديولوجيات ، وبكل موضوعية وتجرد ،وبناء على تجارب مهنية وتمثيلية محضة ، كنت أحبذ ان يكون وزير العدل رجلا متمرسا في القانون ممارسا له ، لماذا ؟.
لان مشاريع القوانين التي تعرضها الحكومة امام البرلمان للنقاش خاصة في لجنة العدل والتشريع ما دام وزير العدل هو من سيعرضها ويناقش التعديلات المقدمة من طرف النواب بشأنها ، سيصعب عليه استيعاب الامور القانونية الدقيقة التي يتفنن في استيعاب جزئياتها المتخصصون.
قد يقول قائل ان للوزير بطانة وحاشية وطاقم من الخبراء والمساعدين يحيطون به يمينا وشمالا يجلسون وراءه خلال مناقشات اللجنة ،ويحضرون الأجوبة والردود بحرص كبير ، لكن اذا كان الوزير غير متمكن وليس من صناع القانون والصياغة التشريعية والاجراءات القانونية ولو سطع نجمه في مجالات اخرى ، فان الامور قد تتعثر و تتعقد خصوصا اذا علمنا ان قوانين مهمة لها علاقة وطيدة بانتظارات المجتمع في مجالات حارقة هي في طور المناقشة من اجل المصادقة عليها.
منها مشروع القانون الجنائي بعقوباته البديلة ، وتجريم الاختفاء القسري ، وتجريم تهريب المهاجرين ، والإثراء غير المشروع ، ومستجداته في مجال التجريم والعقاب ، وملاءمة نصوصه مع نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية الذي تعثر خلال الولاية السابقة ، مشروع المسطرة الجنائية وما تنتظره مختلف الشرائح والفئات في زمن كثر فيه اللغط حول الاعتقال الاحتياطي واكتظاظ السجون و اشكالية الهاجس الأمني والهاجس الحقوقي ، قوانين تمت المصادقة عليها من طرف البرلمان بغرفتيه وأرجعتها المحكمة الدستورية لعدم مطابقتها للدستور أهمهما قانون الدفع بعدم دستورية القوانين ، مشروع قانون مهنة المحاماة الذي أضحت مسألة تعديله وتتميمه وتجويده ضرورة ملحة مستعجلة خصوصا امام العدد الهائل من الوافدين على المهنة ،لا يتمكن من استيعاب نقائصه و ثغراته الا المتخصصون الممارسون ومن لهم القدرة على رفع مستوى التشريع سواء بمبادرة البرلمان والحكومة بعيدا عن الزخم التشريعي الذي لا يستجيب للمطالب الشعبية بل يؤدي فقط الى التضخم وانعدام الامن القانوني.
علما ان الخطاب الملكي السامي بتاريخ 11 اكتوبر امام اعضاء مجلسي البرلمان اكد على “جودة القوانين، التي تؤطر تنفيذ المشاريع والقرارات، على أرض الواقع، وجعلها تعكس نبض المجتمع، وتلبي تطلعات وانشغالات المواطنين “ولعل الامر يتعلق برسالة قوية تتجلى في كون التشريع وسن القاعدة القانونية مشروطان بانبثاقهما وتعبيرهما عن نبض المجتمع ومحل تطلعاته وانشغالاته.
وللاشارة فان القانون المتعلق بكراء المحلات السكنية والذي عرضه و ناقشه وزيرالسكنى وسياسة المدينة، و قانون محاربة العنف ضد النساء الذي عرضته وزيرة التضامن والأسرة ، و قانون الصحافة الذي عرضه وزير الاتصال وغيرها من القوانين خلال الولاية التشريعية السابقة ، تبين من خلال المناقشة عدم تمكن الوزراء البعيدين عن المجال القانوني من استيعاب تقنيات القانون وهندسته وإجراءاته.
بل كانوا يندهشون من اثارة النواب لبعض المقتضيات القانونية هم بعيدون كل البعد عنها ،في الوقت الذي كان يتفاعل وزير العدل المحامي مع جميع الجزئيات والتفاصيل القانونية وما قد يحدثه التعديل من مساس بنصوص اخرى او ما قد يطرحه التشريع من صعوبات في مجال التطبيق مع مراعاة بحكم الاطلاع توجهات محكمة النقض التي لها دور مهم احيانا في طرح بعض المقتضيات للتعديل او التتميم ، كلها أمور قد تستعصي على وزراء لهم تكوين او تخصص لا علاقة له بالقانون والقضاء والصياغة التشريعية.
قد لا يتفق البعض مع البعض ، وقد يتصرف طرف ارضاء لطرف ، وقد يستبعد المحامي او رجل القانون لأسباب نجهلها ويعلمها البعض ، وقد تنتصر الأحزاب واحيانا جبر الخواطر او تصفية الحسابات لهذا او ذاك.
لكن لا تتم الصياغة التشريعية السليمة ولا يتمكن وزير العدل من تحضير وتقديم ومناقشة وتجويد والتفاعل وقبول تعديلات النواب البرلمانيين الا اذا كان متمكنا ، متمرسا مطلعا ممارسا ومشتغلا بهذه النصوص مطبقا لها على ارض الواقع لمعرفة نقائصها ومعاناة المحاكم من ثغرات التشريع بشأنها.