مجلة مغرب القانونفي الواجهةفراجي: المادة 9 من مشروع قانون المالية عبث تشريعي

فراجي: المادة 9 من مشروع قانون المالية عبث تشريعي

سليمة فراجي محامية وبرلمانية سابقة

بالرجوع الى المادة التاسعة من مشروع قانون المالية 2020 يتبين انها ستلحق حيفا كبيرا بالدائنين الحائزين على سندات واحكام نهائية ،في الوقت الذي كان يجب فيه ترجمة خطاب صاحب الجلالة وتفعيله على أرض الواقع من طرف المشرع، هذا الخطاب الذي جاء فيه: “من غير المفهوم أن تسلب الإدارة للمواطن حقوقه وهي التي يجب أن تصونها وتدافع عنها”، اذ يعود المشروع مرة أخرى لينسف مقتضى دستوريا ويحيد عن مبدأ المساواة أمام القانون؛ ذلك أنه إذا كانت الإدارة ملزمة بصيانة حقوق المواطن والدفاع عنها، وأنه يجب على السلطات العمومية المساعدة على تنفيذ الأحكام بقوة الفصل 126 من الدستور؛ كما أن الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء تعتبر ملزمة للجميع، سواء تعلق الأمر بالدولة أو بالأشخاص الذاتيين والاعتباريين، ألم يكن من الاجدر بالحكومة الا تأتي بمشروع قانون لانه اثار نقاشا حادا اثناء مناقشته السنة الماضية وأثناء الولاية السابقة ؟.

خصوصا اذا علمنا ان الفقرة الاخيرة من المادة التاسعة تحرم المواطن من أبسط حقوقه، وهي ممارسة مساطر الحجز في حالة رفض الإدارة تنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهتها؟ أليس من الحيف والإجحاف أن تعتدي الإدارة ماديا على أملاك الخواص وتمتنع عن تنفيذ أحكام المحاكم الإدارية القاضية بالتعويض او تعمد الى تنفيذ جزئي حسب الاعتمادات التي قد تمتد لسنوات ويحرم المعتدى على ملكيته من سلوك مساطر التنفيذ، وعلى رأسها الحجز لإجبار الإدارة على التنفيذ؟ ألم يضمن الدستور حق الملكية بمقتضى الفصل 35 “ولا يمكن الحد من نطاقها وبممارساتها إلا بموجب القانون، وهذا القانون يخول للدائن سلوك جميع مساطر التنفيذ.

 
إذا كان نواب الولاية البرلمانية السابقة تمكنوا من عدم تمرير مقتضى يهم المادة الثامنة من القانون المالي، تتعلق بعدم جواز الحجز على أموال الإدارة، فإن المشروع الحالي يعتبر ضربة قاضية وتراجعا مهولا عن مبدأ المساواة أمام القانون.

إذا كانت الأحكام النهائية ملزمة للجميع، بأي حق تعمد الدولة إلى الاعتداء المادي على أراضي الخواص، في خرق سافر للمساطر القانونية، وبعد مواجهتها بأحكام المحاكم الإدارية القاضية بالتعويض عن الضرر اللاحق بالمواطنين تمتنع صراحة عن التنفيذ او تعمد الى الاداء على دفعات قد تمتد لسنوات حسب الاعتمادات ويتم حرمان طالب التنفيذ من سلوك مسطرة الحجز على أموال المعتدي ماديا بموجب نص المادة التاسعة من قانون المالية .

مقال قد يهمك :   دور الكتابة و المحررات الإلكترونية في الإثبات وفق التشريع المغربي

إن التمادي في هذا الخرق سيؤدي الى الدفع لا محالة بعدم دستورية النص طبقا للفص 133 من الدستور. أي منطق يزكي مبدأ غل أيادي القضاء ومنع سلوك مساطر استعمال الحجز على أموال المؤسسات والجماعات الترابية؟ علما أن مؤسسة الوسيط، وأثناء حضور ممثله في الولاية السابقة بلجنة العدل والتشريع، ركزت على ظاهرة امتناع الإدارة العمومية عن تنفيذ أحكام القضاء، هذه الظاهرة التي أصبحت تقض مضاجع طالبي التنفيذ في مواجهة الإدارة.

وإذا كان الفصل الأول من الدستور ينص على فصل السلط واستقلال السلطة القضائية، وكان القضاء رقيبا على أعمال وتصرفات الإدارة فإننا نجرد المقتضى من جدواه إذا سلمنا بعدم تنفيذ الأحكام اذ ما فائدة النطق بالأحكام إذا لم يكن مآلها التنفيذ ؟ما ذنب مسلوب الحق والمعتدي على ملكه ماديا أن يخوض حرب المساطر، ابتداء من تقييد الدعوى، وانتظار سنوات، ليحرم في نهاية المطاف من حقه في سلوك مساطر تمكنه من استيفاء حقه؟. ألم يقل Montaigne في القرن السادس عِشر: “كم مرة ظلمت نفسي ظلما أكيدا فرارا بها من أن تدفعها الأقدار وينزل بها القضاة ظلما أفدح، بعد قرن من الملل والإجراءات السخيفة، والتي هي أعدى لنفسي من الجحيم والنار”.

وفِي نازلتنا لا يمكن أن نتحدث عن ظلم القضاة، بل ظلم المشرع الذي يهدف الى حرمان المتقاضي من حقه في اللجوء إلى الحجز من أجل استيفاء المبالغ المحكوم بها ناهيك عن المساس بضمانات دولة القانون وإفراغ الأحكام القضائية من حجيته.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]