علماء المغرب.. من رابطة العلماء إلى الرابطة المحمدية.
- عبد الرحمان شحشي : أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق – جامعة الحسن الأول بسطات.
لقد كانت رابطة علماء المغرب تعتبر نفسها مستقلة مبدئيا عن إمارة المؤمنين، ولكن واقعيا كانت تشتغل داخل الحقل التقليدي محترمة الثوابت الوطنية تاركة مسافة بينها وبين النظام السياسي القائم.
أما مبدأ استقلاليتها فينص عليه نظامها الأساسي الذي تمت الموافقة عليه في المؤتمر الثالث المنعقد بفاس بتاريخ 31 مارس 1968. وحسب الظهير الشريف رقم 376/58-1-15، فالمادة الأولى من نظامها الأساسي تقضي بأنه:
“تأسست رابطة دينية عامة تثقيفية تهذيبية غير متأثرة بمذهب سياسي ولا خاضعة لهيئة أخرى كيفما كانت، انبثقت من مؤتمر علماء المغرب المنعقد بالرباط بتاريخ 18-19 شتنبر 1960، وقد سمت نفسها “رابطة علماء المغرب” ولها فروع ملحقة بها في باقي جهات المملكة، فهذه الجمعية يجب أن لا تخضع لأية هيئة حكومية أو غيرها، طبقا لظهير الحريات العامة”.
لكن أمام غياب الأعضاء المؤسسين بسبب الوفاة أو المرض، عمل “المخزن” على تدجين هذه الرابطة وجعلها أداة طيعة من أدواته؛ حيث أشار الدكتور محمد الطوزي – (في الملكية والإسلام السياسي في المغرب) – إلى أن أحد مؤسسي الرابطة وهو الأستاذ المرحوم “عبد الله كنون” تكمن قوته “في مقدرته على رعاية نوع من التوتر اللطيف في علاقته مع السلطة عبر طرق مختلفة، غيابات طويلة من دون مبررات، وخلوات تعبدية اختيارية، وللتعبير عن نوع العلاقة التي تربطه بالنظام، يستعمل كنون عبارة “المنزلة بين المنزلتين” وهي عبارة تدل في نظره على الوضع الصعب للعالم الذي يختار التذبذب بين الخضوع والتمرد”.
وبوفاة الأستاذ “عبد الله كنون” والسيد “المكي الناصري” ومرض أمين الرابطة “الحاج محمد بن شقرون”، يقول أحد أعضاء الرابطة السيد “المختار بن إدريس العلمي” عن ظروف الرابطة والأجواء التي عقد فيها المؤتمر الأخير بتاريخ 16 و17 نونبر 1998، إن “رابطة علماء المغرب عرفت إنزالا مثيرا وهجمة شرسة من لدن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فأصبحت بذلك خاضعة لتوجيهها ولتوجهها، ولم تعد جريدة “ميثاق الرباطة” ناطقة باسم العلماء، بل الصحيح أن يقال: إنها الناطق باسم الوزير (وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية سابقا السيد عبد الكبير العلوي المدغري)، ومن أجل حصوله على هذا المكسب بذل جهودا كبيرة وشاقة من أجل إحكام قبضته على الرابطة، فكانت له صراعات وشد وجذب مع أمنائها العامين بدءا من أمينها ومؤسسها المرحوم سيدي “عبد الله كنون”، ومرورا بأمينها المرحوم السيد المكي الناصري، ومع أمينها الحاج أحمد بن شقرون”، وكل ذلك من أجل “تطويع” الرابطة وتدجينها، وجعل مواقفها متماشية والسياسة الدينية للنظام”.
والواقع أن جمعية رابطة علماء المغرب حافظت على نوع من التساكن مع النظام أساسه الالتقاء حول الإسلام السني على المذهب المالكي؛ حيث سيوجه الملك الراحل رسالة إلى المؤتمر السابع لرابطة علماء المغرب المنعقد بفاس بتاريخ 16 مايو 1979 يعبر فيها عن رضاه عن الخط الديني الذي تنهجه الرابطة وعلماؤها قائلا: “جرت العادة أن نتوجه إليكم في كل لقاءات رابطتكم بكلمة نحيي فيها جهودكم.. وإن مما يشغل بالنا وبال كل مسلم غيور على إسلامه حريص على صفاء إيمانه، هو ما بدأ ينتشر في بعض الأوساط من انحراف عن مبادئ الدين الحنيف، ودعوة بعض الأفراد باسم الإسلام إلى مذاهب ومعتقدات ما أنزل الله بها من سلطان، منحرفين بذلك عن الطريق القويم، سائرين بذلك في زمرة أعداء الأمة”.
وبمنطق المخالفة، فإن أمير المؤمنين لا يتوجه بالخطاب وينوه بالمجهودات إلا لمن تجانس معه في الأهداف، واحترم الثوابت الجامعة للأمة. وعليه، فإن “رابطة علماء المغرب” غدت أداة في خدمة السياسة الدينية لأمير المؤمنين.
وهكذا تم تذويب الرابطة وإخراجها في قالب جديد تحت اسم “الرابطة المحمدية للعلماء”؛ وذلك بناء على الظهير الشريف رقم 210. 1. 05 الصادر في 15 من محرم 1427 هجرية الموافق لتاريخ 14 فبراير 2006 بتخويل جمعية رابطة علماء المغرب صفة مؤسسة ذات نفع عام تحت اسم “الرابطة المحمدية للعلماء” (الجريدة الرسمية السنة الخامسة والتسعون – عدد: 5418 / 6 ربيع الآخر 4 مـاي 2006).
وأصبحت الرابطة تخضع بمنطوق نص المادة الثانية لأحكام الظهير الشريف أعلاه. وتنص المادة الثانية على أنه: “تخضع الرابطة المحمدية للعلماء، من حيث مهامها وتكوينها وكيفيات تسييرها، لأحكام ظهيرنا الشريف هذا الذي يعتبر بمثابة نظامها الأساسي”.
أما رابطة علماء المغرب فتم حلها بناء على المادة 28 من الظهير المشار إليه أعلاه التي تنص على أن “تحل الرابطة المحمدية للعلماء محل رابطة علماء المغرب في حقوقها والتزاماتها الناتجة عن أنشطتها، وتنتقل محفوظات وأموال هذه الأخيرة إلى الرابطة المحمدية للعلماء”.
والمقال لا يتسع لقراءة في الظهير-النظام الأساسي، لكن نشير في عجالة إلى ضرورة تحيينه حتى يتكيف مع دستور 2011، ولاسيما الفقرة الثالثة قبل الفصل الأول التي تقضي: “وبناء على الدستور، ولاسيما الفصل 19 منه، أصدرنا أمرنا الشريف بما يلي…”.
وكما هو معلوم، فإن الهندسة الدستورية الجديدة في ظل دستور 2011 قسمت الفصل 19 إلى فصلين:
الفصل 41: الملك أمير المؤمنين…
والفصل 42: الملك رئيس الدولة…
وعليه، نقترح على المعنيين بالأمر المبادرة إلى تعديل الفقرة الثالثة لما قبل الفصل الأول من الظهير المؤسس للرابطة المحمدية للعلماء لتصبح كالتالي:
“وبناء على الدستور، ولاسيما الفصل 41 منه، أصدرنا أمرنا الشريف بما يلي…”.
ناهيك عن مجموعة من الأخطاء المطبعية، وهي فقط في النسخة التي حملتها من موقع الرابطة المحمدية للعلماء، وعددها 44، بالمقارنة مع النسخة الأصلية المنشورة بموقع الأمانة العامة للحكومة المغربية التي كانت خالية من الأخطاء اللهم الإشارة إلى الفصل 19 من دستور 1996 الذي وجب تغييره بالفصل 41 من الدستور الحالي.