علاقة حقوق الانسان بالبيئة: حق الصحة أنموذجاً
مصطفى عبدي، دكتور في القانون العام، باحث في القانون الإداري والعلوم الإدارية
تقديم:
خلق موضوع التغيرات المناخية التي يشهدها العالم إشكالاً حقيقياً وتحدياً عويصاً لدول الحكومات والمنظمات الدولية، وعلى هذا أساس عمدت الحكومات والمنظمات إلى إيلاء الاهتمام بالبعد البيئي وتنامي الوعي بضرورة الحفاظ عليها نظراً للأخطار التي تشكلها التغيرات المناخية على صحة الإنسان باعتبارها حقاً أساسياً للإنسان.
وضمن هذا التوجه، شهد العالم محطات دولية كان أولها مؤتمر استكهولم سنة 1972 الذي شكلت مخرجاته الإرهاصات الأولى لبداية ظهور الجيل الثالث من الحقوق التي تضم: الحق في بيئة صحية؛ والحق في الاستدامة؛ والموارد الطبيعية باعتبارها حقوقاً إنسانية كسائر الحقوق الأساسية الأخرى المدرجة في الجيلين الأول والثاني للحقوق.
ومن أهم ما يمكن أن يبرر إدراج الحق في بيئة صحية، هو أنه بالرغم من اختلاف شعوب العالم في ثقافاتهم ومعتقداتهم وانتماءاتهم الفكرية والإيديولوجية، واختلاف جغرافية بلدانهم ومواطن عيشهم، فإنهم يشتركون في الأضرار والمخاطر التي أضحت تتهدد البيئة وتلوث الهواء والماء جراء الأنشطة الاقتصادية المتزايدة والمتسارعة. وفي ظل هذا الوضعية التي آلت إليها البيئة، تولدت قناعة راسخة لدى حكومات العالم بضرورة الإسراع بالتعاون للحد من الضرر المتزايد على البيئة كونها مشتركة بين شعوب الأرض من خلال عقد مؤتمرات حول الأرض كان أخرها قمة باريس حول الأرض، وذلك من أجل الاتفاق حول الإجراءات والسبل الكفيلة للحد من تلوث الماء والهواء لارتباطهما بصحة وسلامة الإنسان خلال الوقت الحاضر، ولضمان صحة وحياة الأجيال اللاحقة.
ونظراً لخطورة الوضع البيئي على حق الإنسان في الصحية، فإن الحق في “الصحة الجيدة والرفاه” شكل الهدف الثالث ضمن الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة، وهذا مؤشر على أن الصحة تأتي في أولويات الحكومات والمنظمات الدولية. وعليه، نتساءل عن موقع حق الإنسان في بيئة صحية في منظومة حقوق الإنسان الدولية ومدى تظافر الجهود في أجرأة مخرجات الإعلانات والاتفاقيات الدولية والإقليمية للحد من الأخطار التي تشكلها التغيرات المناخية على صحة الإنسان وحياته؟
أولاً: حق الإنسان في العيش ببيئة صحية في المواثيق والإعلانات الدولية
تعرف منظمة الصحة العالمية “الصحة” في دستورها على أنها “حالة من اكتمال السلامة بدنيـاً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرد انعدام المرض أو العجز“، وأقرت في الوثيقة نفسها أن التمتع بأعلى مستويات الصحة هو حق من الحقوق الإنسانية، ويجب على الحكومات اتخاذ كافة التدابير لضمان حق شعوبها في الصحة لما لذلك من انعكاس إيجابي على السلم والأمن الذي لن يتأتى إلا بالتعاون وتوحيد الجهود بين الأفراد والدول[1]. ونشير هنا إلى أن حق الصحة باعتباره أحد الحقوق الإنسانية الأساسية، لا يرتبط فقط بتوفير التجهيزات الطبية والأدوية الضرورية لمعالجة الأمراض والعلل القائمة، وإنما يمتد ليشمل كل التدابير والإجراءات التي ترمي إلى حماية البيئة من التلوث والأضرار الناجمة عن أنشطة الإنسان الاقتصادية.
أ- حق الإنسان في التمتع بيئة سليمة في المواثيق الدولية
الملاحظ أنه خلال القرن التاسع عشر انتشر الوعي بضرورة الحفاظ على البيئة لارتباطها بحياة الإنسان واستمرارية ووجوده، فعمدت دول العالم إلى التكتل من أجل إيجاد حلول تضمن وتكرس حق الإنسان في العيش في بيئة تحافظ على صحته وصحة الأجيال اللاحقة حيث ترجمت هذه الجهود على مستوى مجموعة من الإعلانات والصكوك الدولية لحقوق الإنسان التي نصت على حق الإنسان في العيش في بيئة سليمة، فكان في مستهلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أكد في المادة 25 على أن: “لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة له ولأسرته، ويشمل المـأكل والملـبس والمسـكن والـرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية”، وضمن المنح نفسه نصت (المادة 12الفقرة 2 ب) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أنه يتعين على الدول الأطراف في العهد المذكور العمل على اتخاذ كافة التدابير التي تضمن للإنسان التمتع بالحق في الصحة ومن بينها “تحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية“، وقد اعتبرت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيةفي التعليقات التي اعتمدتها أن صياغة (المادة 12الفقرة 2 ب) تشمل جملة أمور منها“ضرورة كفالة إمدادات كافية من مياه الشرب المأمونة والإصحاح الأساسي؛ ووقاية السكان والحد من تعرضهم للمواد الضارة، مثل الأشعة والمواد الكيميائية الضارة أو غير ذلك من الظروف البيئية المؤذية التي تؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على صحة الإنسان“[2]. لكن هذه النصوص لما تأت بإقرار صريح وواضح على حق الإنسان في العيش ببيئة صحية لأن هذه المواثيق جاء التأكيد عليها في إطار الجيل الثاني من الحقوق، في حين أن الحق في بيئة صحية جاء سياق الجيل الثالث من الحقوق الذي بدأت إرهاصاته الأولى تظهر في خضم انتشار الأمراض الناتجة عن الانبعاثات الغازية للأنشطة الاقتصادية للإنسان التي تفاقمت إلى درجة أنها أصبحت تنتهك حق الإنسان في الصحة.
وفي ظل المحاولات لوضع أسس دولية تهم الحفاظ على حق الإنسان في العيش ببيئة صحية، تم عقد مؤتمر استكهولم سنة 1972الذي تمخض عنه إعلان يربط بين حقوق الإنسان والبيئة، فأكد في أول مبادئه على أن: “للإنسان حق أساسي في الحرية والمساواة وظروف الحياة اللائقة في بيئة تسمح خصائصها بحياة تتسم بالكرامة والسلامة“[3]، كما شكل هذا المؤتمر المعني بالبيئة البشرية نقطة انطلاق للمناقشات النظرية حول علاقة حقوق الإنسان بالبيئة حيث تأسست هذه العلاقة على اعتبار أن تلوث الهواء والماء والأرض يمكنها التأثير على التمتع بحقوق الإنسان الأخرى كالحق في الصحة وحق الحياة[4]. وبعد إعلان استكهولم الذي أسس لبداية الجيل الثالث من الحقوق، بدأ اهتمام الدول يتوجه نحو دسترة حق الإنسان في سلامة البيئة لارتباطه الوطيد بحق الإنسان في الصحة، فكانت البرتغال أول دولة تعتمد في دستورها سنة 1976 الحق في “التمتع ببيئة بشرية صحية ومتوازنة إيكولوجياً”، ليتم بعدها اعتراف أكثر من 90 دولة تباعاً بحقوق مشابهة في دساتيرها[5].
بعد ذلك، أكدت اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون سنة 1985في ديباجتها على أن الدول الأطراف تتخذ التدابير المناسبة لحماية الصحة البشرية والبيئة من اﻷثار الضارة الناجمة عن أنشطة اﻹنسان التي يحتمل أن تحدث تعديلاً في طبقة اﻷوزون، ثم تضمن تقرير اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية الذي جاء بمفهوم التنمية المستدامة في أول مبادئه أن: “لجميع البشر الحق في الأساس في العيش في بيئة ملائمة لصحتهم ورفاههم”[6].
وبعد عشرين من إعلان استكهولم، جاء إعلان ريو دي جانيرو سنة 1992ليؤكد أن البشر هم ركيزة التنمية المستدامة، وأن من حقهم الحياة في بيئة صحية ومنتجة في وئام مع الطبيعة، وبالتالي لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة إلا بالقضاء على الأمراض الموهنة المنتشرة بكثرة من خلال التصدي ﻷسباب الاعتلال بتقليل ومعالجة الأخطار الصحية البيئية[7].
بناء عليه، يتأكد أن حقوق الإنسان تشكل كل متكامل لا يمكن التمييز بينها أو إيلاء الأهمية لحق دون آخر، وهو الشيء الذي كرسه المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان المنعقد في فيينا سنة 1993 عندما أكد أن: “جميع حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة ومترابطةومتشابكة، … من واجب الدول، بصرف النظر عن نظمها السياسية والاقتصادية والثقافية، تعزيز وحماية جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية“، وأكد أيضاً أن الحق في التنمية يجب أن يمارس بطريقة منصفة ومستدامة، وأن إلقاء النفايات السامة يشكل خطراً كبيراً على حق الإنسان في الحياة[8]، الذي يرتبط ضمنياً وعملياً باعتباره “الحق الأعلى” الذي تتأسس عليه باقي حقوق الإنسان بالحق في الغذاء والصحة والسكن التي يجب اتخاذ التدابير اللازمة التي تضمن إعمالها[9].
ب-حق الإنسان في التمتع بيئة سليمة في المواثيق الإقليمية
بعد الفترة التي أعقبت مؤتمر استكهولم، عمدت المواثيق الإقليمية على اعتماد حق الإنسان في بيئة سليمة ومن بينها:
- على المستوى الإفريقي: نص الميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب في مادته 24 على أن: “لكل الشعوب الحق في بيئة مرضية وشاملة وملائمة لتنميتها“، ونشير إلى أن هذا الميثاق اعتمد من قبل مجلس الرؤساء الافارقة خلال دورته العادية بتاريخ يونيو 1981 بنيروبي، ولم يدخل حيز التنفيذ إلا في 21 أكتوبر سنة 1986 ووصل عدد الأطراف فيه إلى 35 دولة إلى حدود سنة 2002[10]؛
- على المستوى الأمريكي: نصت الفقرة الأولى من المادة 11 من البروتوكول الإضافي للاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيةبروتوكول “سان سلفادور” الذي دخل حيز التنفيذ سنة 1999على أن: “لكل شخص الحق في العيش في بيئة صحية والحصول على الخدمات العامة الأساسية“؛
- على المستوى العربي: نص الميثاق العربي لحقوق الإنسان المعتمد سنة 2004 في المادة 38 منه على أن: “لكل شخص الحق في مستوى معيشي كاف له ولأسرته يوفر الرفاه والعيش الكريم من غذاء وكساء ومسكن وخدمات، وله الحق في بيئة سليمة“؛
- على المستوى الأسيوي: جاء في إعلان حقوق الإنسان المعتمد من طرف أمم جنوب شرق أسيا (ASEAN) سنة 2012 أن: “الحق في بيئة آمنة ونظيفة ومستدامة“؛
- على المستوى الأوربي: الميثاق الأوربي لحقوق الإنسان لا ينص صراحة على الحق في بيئة سليمة، لكن نصت الاتفاقية الخاصة بالنفاذ إلى المعلومـات ومـشاركة الجمهور في صنع القرار والوصول إلى العدالة في مجال البيئة في مادتها الأولى إلى من “حق كل شخص ممـن ينتمـون إلىالأجيال الحاضرة والقادمة العيش في بيئة تكفل تمتعه بالصحة والعافية“[11]. وفي منحى ضمان حق الإنسان في بيئة سليمة وتكريسه/ أكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان على ترابط العلاقة بين الحق في بيئة صحية وبين حق الحياة عندما اعتبرت أن الحق في العيش ببيئة صحية شرط مسبق وأساسي لاحترام الحياة الأسرية للإنسان[12]، واعتبرت أن الترخيص للوحدات الصناعية القريبة من التجمعات السكنية والتي تسبب تلوثاً جراء أنشطتها تشكل تعدياً على حياة الإنسان وحرمة سكناه[13].
من خلال استعراض بنود المواثيق الإقليمية التي تضمن حق الأنسان في العيش ببيئة سليمة، لاحظنا أنها تؤكد على ضرورة التعاون في مجال حماية البيئة من أجل أن ينعم الإنسان بصحة جيدة في بيئة سليمة، وهذا يؤكد أن هناك مسؤولية تقع على الدولة في توفير بيئة سليمة تسمح للإنسان بالتمتع بصحة جيدة خالية من الأمراض والأوبئة التي تتسبب فيها الغازات الدفيئة الناجمة عن أنشطة الاقتصاد البني، وهذه المسؤولية لا تقف على الوقت الحاضر وحده، بل تسري لتمتد إلى بيئة الأجيال اللاحقة التي لا يجب مصادرة حقهم بالحياة في بيئة نظيفة وصحية خدمة للإنسانية ولتحقيق أبعاد وأهداف التنمية المستدامة، كما أن هذه المسؤولية لا ترتبط فقط بحق الإنسان في الصحة، بل تتعداه إلى باقي الحقوق الإنسانية الأخرى على أساس أن تلثي الحقوق الدستورية مرتبطة بالحق في الصحة[14].
ثانياً: تأثير التلوث البيئي على حق الإنسان في الصحة
بفعل التغيرات المناخية التي يشهدها العالم في الوقت الحاضر ظهرت مجموعة من الأمراض الناتجة عن انبعاثات الغازات الدفيئة التي أضحت تؤثر على صحة الإنسان وبالتالي على حياته وحقه في الوجود. ومن المتوقع أن تفضي التغيرات المناخية إلى التأثير على الحالة الصحية للملايين من الناس، إذ ستؤدي على سبيل المثال إلى الزيادة في سوء التغذية؛ وارتفاع عدد الوفيات، وتفشي الأمراض والإصابات بسبب قساوة أحوال الطقس، وتفاقم أمراض الإسهال والقلب والجهاز التنفسي بفعل زيادة ارتفاع تركيزات الأوزون على مستوى الأرض في المناطق الحضرية ذات الصلة بتغير المناخ، إضافة إلى تغير التوزيع المكاني لبعض الأمراض المعدية خصوصاً في البلدان النامية[15].
أ-تلوث الهواء
بما أن الإنسان عندما يكون في حالة السكون يتنفس حوالي 22.000 مرة، ويستهلك نحو 15.000 لتر من الهواء في اليوم، أي ما يعادل 16 كيلوغرام من الهواء، فإن هذه الكمية قابلة للزيادة في حالة الحركة عند ممارسة أنشطة العمل أو ممارسة تمارين رياضية، فهذا القدر من الهواء الذي يحتاجه الإنسان من الهواء يفوق بكثير كمية احتياجاته من الغذاء والماء كل يوم[16]. إذن من هنا تتضح أهمية الهواء في حياة الإنسان اليومية، وهو ما يستدعي أن يكون الهواء الذي يستنشقه الإنسان نظيف حتى يتسنى له العيش في بيئة صحية وسليمة من العلل. لكن الواقع يعكس وضعية أخرى إذ نجد أن قطاع انتاج الكهرباء فقط مسؤول عن نسبة 40 % من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون[17]. وحسب التحليل المنهجي لدراسة عبء الأرض سنة 2010 الصادر عن منظمة الصحة العالمية سنة 2013، أتضح أن ستة ملايين إنسان يلقون حتفهم بسبب تلوث الهواء الناتج عن حرق الوقود الأحفوري في الأماكن المغلقة والهواء الطلق، وهو عدد وفيات يفوق تلك التي سببها مرضي الإيدز والملاريا مجتمعين[18].
وقد أدت الأثار الصحية الناتج عن الانبعاثات الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري إلى قلق متزايد خصوصاً في الدول التي تعرف تدهوراً في تلوث الهواء، وانتشاراً كبيراً لأمراض الجهاز التنفسي بفعل اقتصادها المتسارع النمو، وهذا بدوره دفع إلى تكبد مواطني الاتحاد الأوربي ما يصل إلى 42,8 مليار يورو سنوياً كتكاليف صحية ناجمة عن انبعاثات محطات الطاقة العاملة بالفحم حسبما أكده اتحاد البيئة والصحة الأوربي[19]. إن هذه الأرقام تفيد أن الأنشطة الاقتصادية للإنسان هي السبب الرئيس والمباشر في تدهور صحة الإنسان بمعدل أضرار يفوق ما تسفر عنه الأمراض والأوبئة الخطيرة، وهذا الأمر يفضي لا محال إلى انتهاك حقي الإنسان في الصحة والحياة.
ب-تلوث المياه
يؤدي استعمال المياه في الصناعة إلى تلويثها بنفايات عضوية ومواد كيميائية سامة، ومعادن مثل الرصاص والزئبق والنحاس، وبعد أن تصبح مياه عادمة يتم طرحها مباشرة في الوسط البيئي فتؤدي إلى: التلوث الكيميائي؛ التلوث الحراري، التلوث النووي؛ التلوث الميكانيكي، كما ينجم عن استخدامها تلوث آخر في المجال الفلاحي بفعل استعمال المبيدات والأسمدة الكيميائية بحيث تكمن خطورة هذه المواد في ذوبانها السهل في الماء فتنقل عبر مياه السيلان إلى الأنهار، المحيطات، والجوفية[20].
في ظل هذه الوضعية وبالرغم من أن معظم دول العالم أقرت بأن الماء حق من حقوق الإنسان، لكنها لم تتفق على كيفية ممارسة هذا الحق خصوصاً وأن إدارة المياه تطرح مشاكل عابرة للحدود كنقل المواد الخطيرة والسامة التي تلوث الماء والهواء[21]، وبسبب استعمال المياه الملوثة وحدها يعاني 2,3 مليار إنسان تقريباً من الأمراض التي تؤدي وفاة خمسة ملايين إنسان سنوياً، ويمثل الأطفال الفئة الأكثر تضرراً من تلوث المياه إذ تسببت في إصابتهم بالإسهال سنة 2001 فقضت على 1,3 مليون طفل من أصل ملوني إنسان[22]، وبالتالي يشكل هذا النوع من التلوث انتهاكً لحق الإنسان في الصحة ويحرمهم من العيش الكريم في بيئية سليمة[23].
ومن المتوقع أن يتعرض بحلول عام 2020 ما بين 75 و250 مليون شخص في إفريقيا لزيادة الإجهاد المائي بسبب تغير المناخ، كما يتوقع أيضاً أن تنخفض محاصيل الزراعة البعلية بنسبة تصل إلى 50٪ ما سيفضي إلى تضرر الإنتاج الزراعي بشكل كبير بما في ذلك الحصول على الغذاء، وهذا من شأنه أن يؤثر سلباً على الأمن الغذائي، وتفاقم سوء التغذية في العديد من البلدان الأفريقية[24].
ج-أضرار الصرف الصحي
يطرح مشكل الصرف الصحي الذي تتمحور مشكلته الجوهرية في مخلفات الإفراز البشري، وحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة فإن غرام واحد من الغائط يمكن أن يحتوي على 10.000.000 فيروس؛ 10.000.000 بكتيريا؛ 1.000 من أكياس الطفيليات؛ 100 بيضة للطفيليات، كما أشار التقرير إلي أن عدد المحرومين من إمكانيات مناسبة للصرف الصحي وصل إلى 2.6 مليون إنسان، أو ما يقارب نصف البشر، وبهذا يخلق الصرف الصحي ضرراً واسع النطاق بصحة الإنسان وبقاء الأطفال، فهو سبب في الإصابة بالديدان التي تؤثر خصوصاً على صحة الأطفال وتحول دون استيعابهم للتغذية، وتحد من تطور نمائهم المعرفي، كما يفضي غياب مرافق الصرف الصحي، أو ردأة تدبيرها إلى الإصابة بالإسهال الذي يعد سبباً رئيساً لوفاة الأطفال دون سن الخامسة بحيث يضعفهم ويجعلهم عرضة للعدوى بأمراض الجهاز التنفسي تحديداً[25].
وحتى يتسنى الحد من معضلة تلوث المياه والبحار والتقليل من الأثار الصحية الضارة يستوجب الأمر تظافر جهود على المستوى الإقليمي بتبني استراتيجيات ورؤى مشتركة بين الدول[26]، وإنشاء الحكومات لمحطات إعادة استخدام المياه العادمة، والاستفادة منها في المجال الفلاحي.
خاتمة
بناء على ما أوردناه أنفاً، نقترح بعض الحلول والإجراءات التي من شأنها التقليل من الأخطار والأضرار البيئية العابرة للحدود التي تفاقم من حدة الأضرار البيئية وتؤدي بالتالي إلى تهديد صحة الإنسان وسلامة بيئته:
- أجرأة وتفعيل مخرجات ما تم الإجماع حوله في الاتفاقيات والإعلانات الدولية، وألا يتم الاقتصار على إقرار الإطار القانوني والمؤسساتي فقط من قبل الحكومات والمنظمات الدولية المهتمة بقضايا حقوق الإنسان والبيئة؛
- تبني استراتيجيات واضحة المعالم من قبل الدول الأطراف في الاتفاقيات الدولية البيئية في مجال تدبير الموارد المائية والحفاظ على نظافتها من خلال تفادي استخدام المواد التي تفرز سموماً في مجال الأنشطة الصناعية والفلاحية؛
- متابعة تطورات الوضع البيئي للقطاعات الاقتصادية التي تتسبب في إطلاق نسبة مبالغ فيها من الغازات الدفيئة في الهواء، وتفرز كمية كبيرة من المياه الملوثة بالمخلفات الصناعية السامة التي تشكل خاطراً على حياة الإنسان؛
- إيلاه مزيد من الاهتمام بشعوب الدول النامية التي تعاني من غياب مجاري الصرف الصحي، وبالفئات الاجتماعية الفقيرة التي تقطن بالقرب من مصبات المجاري ومطارح النفايات لخطورتها على صحة الإنسان وحياته؛
- تفادي تفريغ مياه الصرف الصحي الناتجة عن المخلفات البشرية والصناعية في الأنهار والمحيطات لخطورتها على التنوع البيولوجي، وللحد من انتشار الأمراض والأوبئة التي تنقلها المياه العادمة عبر مياه الأنهار والبحار إلى أماكن أخرى بعيدة؛
- إقرار قوانين داخلية من قبل الحكومات لحماية السواحل والأنهار والمستوطنات البشرية الهشة والفقيرة في البلدان النامية خصوصاً، وذلك باعتماد مبدأ “الملوث يدفع” بغية تكريس المبدأ الإنساني والدستوري الذي يقر حق الإنسان في “العيش في بيئة سليمة” وضمان حقه في التمتع بصحة جيدة وحياة كريمة له.
لائحة المراجع:
كتب
- سانتوساأحمدماس، الحق في بيئة صحية، الوحدة 15، نسخة إلكترونية على موقع مكتبة حقوق الإنسان، جامعة مينيسوتا.
- تون ريديجيلد، النظام الأوروبي لحماية حقوق الإنسان والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الوحدة رقم 29، نسخة إلكترونية على موقع مكتبة حقوق الإنسان، جامعة مينيسوتا.
- المحافظة على الموارد المائية من التلوث، منظمتي الإيسيسكو واليونسكو، نسخة إلكترونية على موقع برنامج دعم التدبير المندمج للموارد المائية.
مقالات
- العلاقة بين الحق في الحياة والحق في البيئة، مقال منشور على موقع جريدة الغد الأردني بتاريخ السبت 12 فبراير 2005. 03:00 صباحاً.
- أحمد مدحت إسلام، التلوث مشكلة العصر، مجلة عالم المعرف، العدد 152، غشت 1990.
تقارير ودراسات
- دراسة تحليلية بشأن العلاقة بين حقوق الإنسان والبيئة، تقرير مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
- تقرير الخبير المستقل المعني بمسألة التزامات حقوق الإنسان المتعلقة بالتمتع ببيئة آمنة ونظيفة وصحية ومستدامة،السيد جونه. نوكس، مجلس حقوق الإنسان، الدورة الثانية والعشرون.
- تقرير مؤتمر القمة العالية للتنمية المستدامة، جوهانسبورغ، جنوب إفريقيا من 26 غشت إلى 4 شتنبر 2012.
- تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بشأن العلاقة بين تغير المناخ وحقوق الإنسان، الدورة العاشرة لمجلس حقوق الإنسان بتاريخ 15 يناير 2009.
- حقوق الإنسان في مجال إقامة العدل: دليل بشأن حقوق الإنسان خاص بالقضاة والمدعين العامين والمحامين، المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالتعاون مع رابطة المحامين الدولية، الأمم المتحدة، نيويورك وجنيڤ، 2003.
- الملخص التنفيذي لوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) حول إعادة النظر في الطاقة.
- الدليل الإرشادي للبرلمانيين من أجل الطاقة المتجددة، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)سنة 2013.
- صكوك الدولية لحقوق الإنسان، المجلد الأول، تجميع للتعليقات العامة والتوصيات العامة التي اعتمدتها هيئات معاهدات حقوق الإنسان.
- المحافظة على الموارد المائية من التلوث، منظمتي الإيسيسكو واليونسكو.
- تقريرمؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة، جوهانسبرغ،جنوب أفريقيا، ما بين26 غشت و4 شتنبر 2002.
- تقرير بعنوان السنة الدولية للصرف الصحي 2008، منظمة الأمم المتحدة للطفولة (Unicef).
المواثيق الدولية والإقليمية
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
- اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون لسنة 1985.
- الميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
- الميثاق العربي لحقوق الإنسان.
- الميثاق الأوربي لحقوق الإنسان إعلان حقوق الإنسان المعتمد من طرف أمم جنوب شرق أسيا (ASEAN).
- البروتوكول الإضافي للاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيةبروتوكول “سان سلفادور”.
مواقع رسمية
- موقع منظمة الصحة العالمية
- موقع المفوضية السامية لحقوق الإنسان
http://www.ohchr.org
- موقع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)
- موقع منظمة الأمم المتحدة للطفولة
http://www.unicef.org
- موقع برنامج دعم التدبير المندمج للموارد المائية
مراجع باللغة الإنجليزية
Reports
- Climate Change 2007, Synthesis Report, adopted at IPCC Plenary XXIII, Valencia, Spain, 12-17 November 2007, P, 50.
الهوامش :
[1]-دستور منظمة الصحة العالمية، موقع منظمة الصحة العالمية، تاريخ إجراء الزيارة 10/09/2016 على الساعة 12:23 على الرابط التالي : http://who.int/about/mission/ar/
[2]-الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، المجلد الأول، تجميع للتعليقات العامة والتوصيات العامة التياعتمدتها هيئات معاهدات حقوق الإنسان، ص، 86.
[3]-سانتوساأحمدماس، الحق في بيئة صحية، الوحدة 15، نسخة إلكترونية على موقع مكتبة حقوق الإنسان، جامعة مينيسوتا، ص، 297، تاريخ إجراء الزيارة10/09/2016 على الساعة 13:02 على الرابط التالي:
http://hrlibrary.umn.edu/arab/M15.pdf
[4]– دراسة تحليلية بشأن العلاقة بين حقوق الإنسان والبيئة، تقرير مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ص، 5.
[5]– تقرير الخبير المستقل المعني بمسألة التزامات حقوق الإنسان المتعلقة بالتمتع ببيئة آمنة ونظيفة وصحية ومستدامة،السيد جونه. نوكس، مجلس حقوق الإنسان، الدورة الثانية والعشرون، ص، 6.
[6]– تقرير الخبير المستقل المعني بمسألة التزامات حقوق الإنسان المتعلقة بالتمتع ببيئة آمنة ونظيفة وصحية ومستدامة، مرجع سابق، ص، 7.
[7]-تقرير مؤتمر القمة العالية للتنمية المستدامة، جوهانسبورغ، جنوب إفريقيا من 26 غشت إلى 4 شتنبر 2012،ص، 51.
[8]– موقع مكتبة حقوق الإنسان، جامعة منيسوتا، تاريخ إجراء الزيارة13/09/2016 على الساعة 17:02 على الرابط التالي:
http://hrlibrary.umn.edu/arab/b100.html
[9]– تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بشأن العلاقة بين تغير المناخ وحقوق الإنسان، الدورة العاشرة لمجلس حقوق الإنسان بتاريخ 15 يناير 2009، ص، ص، 7، 8.
[10]– حقوق الإنسان في مجال إقامة العدل: دليل بشأن حقوق الإنسان خاص بالقضاة والمدعين العامين والمحامين، المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالتعاون مع رابطة المحامين الدولية، الأمم المتحدة، نيويورك وجنيڤ، 2003، ص، 66. الدليل متوفر على الرابط التالي: الرابط
[11]-تقرير الخبير المستقل المعني بمسألة التزامات حقوق الإنسان المتعلقة بالتمتع ببيئة آمنة ونظيفة وصحية ومستدامة ، مرجع سابق، ص، 6.
[12]– تون ريديجيلد، النظام الأوروبي لحماية حقوق الإنسان والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الوحدة رقم 29، ص، 552، نسخة إلكترونية على موقع مكتبة حقوق الإنسان، جامعة مينيسوتا، تاريخ إجراء الزيارة13/09/2016 على الساعة 17:35 على الرابط التالي: الرابط
[13]-العلاقة بين الحق في الحياة والحق في البيئة، مقال منشور على موقع جريدة الغد الأردني بتاريخ السبت 12 فبراير 2005. 03:00 صباحاً، تاريخ إجراء الزيارة 13/09/2016 على الساعة 17:59 على الرابط التالي: الرابط
[14]،تقرير الخبير المستقل المعني بمسألة التزامات حقوق الإنسان المتعلقة بالتمتع ببيئة آمنة ونظيفة وصحية ومستدامةمرجع سابق، ص، 6.
[15]– Climate Change 2007, Synthesis Report, adopted at IPCC Plenary XXIII, Valencia, Spain, 12-17 November 2007, P, 50.
[16]– أحمد مدحت إسلام، التلوث مشكلة العصر، مجلة عالم المعرف، العدد 152، غشت 1990، ص، ص، 19، 20.
[17]– الملخص التنفيذي لوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) حول إعادة النظر في الطاقة، ص، 6. الملخص متاح على الرابط التالي: الرابط
[18]– الدليل الإرشادي للبرلمانيين من أجل الطاقة المتجددة، برنامج الأمم المتحدة الإنمائيUNDPسنة 2013، ص، 19. الدليل متاح على الرابط التالي: الرابط
[19]– الملخص التنفيذي لوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) حول إعادة النظر في الطاقة، مرجع سابق، ص، 2.
[20]– المحافظة على الموارد المائية من التلوث، منظمتي الإيسيسكو واليونسكو، ص، 12 وما بعدها. الكتاب متاح على الرابط التالي: الرابط
[21]– تقرير مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة، جوهانسبرغ،جنوب أفريقيا، ما بين26 غشت و4شتنبر 2002، ص، ص، 132، 212.
[22]– المحافظة على الموارد المائية من التلوث، مرجع سابق، ص، 21.
[23]– تقريرمؤتمرالقمةالعالميللتنميةالمستدامة، جوهانسبرغ، مرجع سابق، ص، ص، 132، 212.
[24]– Climate Change 2007, Synthesis Report, adopted at IPCC Plenary XXIII, Valencia, Spain, 12-17 November 2007, P, 48.
[25]– تقرير السنة الدولية للصرف الصحي 2008، منظمة الأمم المتحدة للطفولة (Unicef). التقرير متاح على الرابط التالي: الرابط
[26]– تقرير مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة، مرجع سابق، ص، 144.