مجلة مغرب القانونالقانون العامعبد الكريم بالهدى: مظاهر التبعية في الوظيفة العمومية

عبد الكريم بالهدى: مظاهر التبعية في الوظيفة العمومية

  عبد الكريم بالهدى باحث في سلك الدكتوراه مختبر العقار والتعمير والحكامة الترابية       

تقديم :

إن الدولة باعتبارها شخصا معنويا عاما لا تستطيع أن تؤدي دورها إلا عن طريق شخص طبيعي يقوم بالتعبير عن إرادتها،وهو الذي يضطلع بدور هام باعتباره منفذ تدخل الدولة المسؤول عن تحقيق أهدافها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، هذا الشخص يتمثل في الموظف العمومي الذي يطرح إشكالية تتمثل في وضع مقاربة تعريفية له؛

والمغرب لم يكن يتوفر قبل الحماية الفرنسية المفروضة عليه سنة: 1912 على أية إدارة متطورة وحديثة بمفهومها الغربي ولا على أي نظام أساسي خاص بالوظيفة العمومية، وبالتالي كانت جل المفاهيم المعاصرة في المجالين السياسي والإداري غائبة ولا تحظى بالاهتمام المطلوب، من بين هذه المفاهيم نجد مفهوم الموظف العمومي الذي كان موجودا بالفعل خلال تلك المرحلة لكن في إطار تقليدي غير مقنن وفقا لما تضمنته التشريعات الحديثة، حيث كان النظام المخزني في المغرب يتوفر على طاقم إداري تقليدي متكون من العمال والباشوات والقياد والشيوخ والمقدمين وجباة الضرائب والمحتسبين، يقومون بالمحافظة على الأمن وبتدبير الشؤون المخزنية المختلفة، فكان المخزني كمفهوم تقليدي لفكرة الموظف العمومي([1])؛

وفي فترة الحماية شهد المغرب إصلاحات قانونية إدارية عميقة على جميع المستويات، حيث جاء ظهير الالتزامات والعقود في 12 غشت 1913 لينص لأول مرة في المغرب على مفهوم الموظف وذلك عند تأسيسه لأحكام مسؤوليات الدولة والبلديات عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير مختلف إداراتها وعن الأخطاء المصلحية لأحد موظفيها أو مستخدميها، إذا كان هذا الخطأ غير مطبوع بالطابع الشخصي للموظف ( ف 79 من ق.ل.ع(
لكن هذا التوظيف لمفهوم الموظف العمومي كان كإشارة بسيطة لم ترقى إلى مستوى تعريف هذا المفهوم؛

وبعد الاستقلال شهد المغرب حركة تشريعية أخرى واسعة كان من بينها الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر بتاريخ 24 فبراير 1958 بمثابة نظام أساسي عام للوظيفة العمومية الذي حدد مفهوم الموظف في الفصل الثاني منه.
وعلى اعتبار أن هذا الفصل نص فقط على الموظفين المرتبين بأسلاك الإدارة التابعة للدولة، صدر مرسوم شتنبر 1977 المتعلق بالنظام الأساسي الخاص بموظفي الجماعات ليؤكد على نفس التعريف بالنسبة لهؤلاء الموظفين الجماعيين.
وإذا كان عامة الناس لا يميزون بين الموظف وغيره من أصناف عمال الإدارة ويضعونهم في وضع واحد فإن الفقه والقضاء والقانون ميز بين الموظف والأعوان والمتمرنين والمتعاقدين([2] )؛

والموظف يوجد في مركز تنظيمي وقرارات تعيينه لا تنشئ له مركزا ذاتيا خاصا،فهذا المركز موجود بموجب قوانين ومراسيم سابقة على قرارات التعيين،لذلك فان الوظيفة لم تنشا للموظف بل على العكس وجد الموظف للوظيفة نفسها،فهو ملزم بما يطلبه هذا المركز الوظيفي،وأي تصرف منه يتنافى مع مصلحة هذا المرفق العمومي يعرضه للجزاء التأديبي؛

ولقد نص المشرع المغربي في الفصل الثاني من قانون الوظيفة العمومية لسنة 1958 على انه:يعد موظفا عموميا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة؛

كما نص أيضا في الفصل الثالث من القانون المذكور على أن: الموظف يوجد في حالة قانونية ونظامية ازاء الادارة،

وفي رأينا، فالموظف العمومي هو ذلك الشخص الذي يساهم في خدمة الدولة بجل مؤسساتها كيفما كان نوعها بغض النظر عما إذا كانت المهمة مؤقتة أو رسمية،طالما أن الالتحاق بالوظيفة يتم بقرار تصدره الإدارة بإرادتها المنفردة ويترتب عنه تبعية الموظف العمومي للنظام القانوني الساري بدء من مسطرة اختيار الموظفين وطريقة تعيينهم وختما بطريقة إنهاء الخدمة؛

ويترتب على الاعتراف بالموظف بالمركز التنظيمي ضرورة تقيده لقواعد عامة معدة سابقا،ليس له أي دخل في وضعها أو تحديد محتوياتها،وهي تسري على كافة الموظفين بدون استثناء،كما يظل للسلطة العامة حق تعديل قواعد الوظيفة العمومية بإرادتها المنفردة؛

وعلى الرغم من أن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية يرجع من حيث تاريخ إصداره إلى سنة 1958 ( قبل صدور أول دستور ) فإنه تضمن مجموعة من المبادئ الأساسية لتأسيس وظيفة عمومية نظامية وضبط الحقوق والواجبات المرتبطة بصفة موظف والقواعد المنظمة لمساره المهني([3] ) ؛

و لعل ما يهمنا كباحثين في موضوع مظاهر التبعية في قانون الوظيفة العمومية،هو أين تتجلى التبعية في هذا القانون،ذلك أن المشرع لم يعرف التبعية جملة وتفصيلا في النظام المذكور([4])،وإنما استقيناه من كتابات فقهية غزيرة انصبت على قانون الشغل والعلاقات الفردية والجماعية فيه،ومن خلال علاقة التابع بالمتبوع بخصوصه بموجب القواعد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود المغربي ([5]

وتقوم علاقة التبعية حسب ما استقر عليه القضاء،على توفر الولاية في الرقابة والتوجيه بأن يكون للمتبوع سلطة فعلية طالت مدتها أو قصرت في إصدار الأوامر إلى التابع في طريقة أداء عمل معين يقوم به التابع لحساب المتبوع ، وفي الرقابة عليه في تنفيذ هذه الأوامر ومحاسبته على الخروج عليها ، حتى ولم يكن المتبوع حرا في اختيار التابع؛
وقد قيل بحق أن العبرة بأن يكون المتبوع قادراً على ممارسة سلطته في التوجيه والرقابة بنفسه أو بواسطة من يمثله سواء استعمل تلك السلطة أم لم يستعملها مادام يملك حق الرقابة وإصدار الأوامر؛

وحسب بعض الفقه فالتبعية بمعنى خضوع العامل أثناء أو بمناسبة أدائه لعمله للإدارة وإشراف أو سلطة من يمارس العمل لحسابه([6]) ؛

وفي تعريف لأستاذنا الكشبور: فان مصطلح التبعية هو حالة قانونية تنتج عن عقد العمل،وتجعل العامل خاضعا لإدارة وإشراف من ينفذ العمل لحسابه أو لمن خول له هذا الأخير تلك السلطة ([7]) ؛

ولعل كلمة التبعية ترجع في أصلها إلى اللغة الألمانية القديمة follower،وتعني ساعد،أعان،أغاث،أو سهر على رعاية،ففي المعنى الأصلي نجد الأتباع هم الذين يساعدون في العناية بالقادة،حيث كانت العلاقة بين القائد والأتباع علاقة تعايش بين متكافئين،ومع مرور الزمن أصبحت كلمة تابع كما أن الأشخاص الذين يكون في حاشية القائد ملكا،يسمى أتباعا وهذا لا يدل على أي مقام دوني بقدر ما يتخذ كل من مصطلح قائد ومصطلح تابع ما هو شرف،فموقع التابع يجعل صاحبه يكسب الهيبة ولا يضيعها فقط،ويروي كيلي أن أسطورة التبعية السلبية ترجع في أصلها إلى معناهما الضمني المتداول،وفي المقال الذي كتبه كيلي عن الأتباع سنة 1988 تحت عنوان – في مدح الأتباع نجده يوضح أن التبعية ليست شخصا بل أنها دور،وان ما يميز الأتباع عن القادة ليس هو الذكاء او الصفاء بل هو الدور الذي يلعبونه ([8]) ؛

وتجب الإشارة أن على الموظف العام أن يخضع لمبادئ الوظيفة العمومية وقواعدها،وان كل إخلال بهذه الأخيرة من شانه يعرضه للتأديب تبعا للمساطر المتبعة في هذا الإطار([9]

ولعل الدوافع الأساسية لاختيارنا لهذا الموضوع تتلخص في :

  • دوافع ذاتیة وهذا للإطلاع أكثر على مثل هذه المواضیع الإداریة؛
  • قلة الدراسات المعالجة لهذا الموضوع حیث انه من خلال المطالعة على المراجع فإنه تبین أنه لا توجد مراجع كافیة متخصصة تخصصا مباشرا في هذا الموضوع؛
  • إثراء المكتبة ببحث جدید یكون في متناول باحثین آخرین في المستقبل لإنجاز دراسات أخرى مكملة،ویمكن الإضافة على ما تم التوصل إلیه؛

أما الدوافع الموضوعیة لهذا الموضوع فتتلخص في :

  • أهمیة و جدیة الموضوع من الناحیة العملیة،الواقعیة،و كذا القانونیة،كما تتجلى أهمیة البحث في كونه یعالج موضوعا هاما لم یتناول بهذه الطریقة من قبل،لذلك نظرا لما یتمتع به موضوع التبعية من ممیزات و التي تتمثل في طابعه العملي و الملموس الذي یخضع له الموظف العمومي خلال مساره المهني؛
  • كون هذا الموضوع یبین حقوق و واجبات الموظف العمومي،- الرغبة في التعرف على الأحكام الخاصة بالنقل والتأديب والإعفاء إلى غير ذلك من المقتضيات،الرغبة في التعرف على مختلف الإجراءات القانونیة و التنظیمیة التي تحكم عملیة النقل بالوظیفة العمومیة بالمغرب،معرفة العلاقة التي تربط الموظف برئيسه بموجب قرار تعيينه في الوظيفة العمومية،ومدى قانونية واجب الطاعة في حالة القيام بعمل مخالف للقانون استنادا إلى مبدأ التبعية بمفهومه الواسع،و كذا عدم التغيب عن العمل مع مراعاة مبدأ الشرعية- أي التغيب إما بناء على طلب أو دون الحصول على إذن أو إشعار الإدارة بالبيان إذا كان الأمر يتعلق بالإضراب بناء على قرار إحدى النقابات الأكثر تمثيلية للموظفين،بالإضافة إلى الأجر وباقي التعويضات التي يتقاضاها الموظف،وما إذا كانت الإدارة على خطا في اتخاذ قرار من قرارات التأديب ومدى رقابة القضاء الإداري بخصوصه ([10]) ؛
  • ومن خلال الإطار القانوني للمفاهيم الأساسية بخصوص موضوع البحث والسياق التاريخي الذي وضع فيه،نطرح الإشكالية المحورية التالية : إلى أي حد وفق القانون الإداري في تنظيميه لعلاقة التبعية بين الموظف العمومي والإدارة**

وتتفرع عن هذه الإشكالية الأسئلة التالية:

  • ما هي إذن علاقة الموظف العمومي بالإدارة ؟ هل هي علاقة تنظيمية تبعية بمفهوميه الايجابي والسلبي،وهل يمثل الدولة في قراراتها،وهل الدولة لها دور كبير في حماية الموظف من التهجم؟

وأين تتجلى مظاهر التبعية في قانون الوظيفة العمومية هل من خلال واجب الطاعة العمياء تبعا لمنطق الولاءات ويعمل على تقييم الموظف من خلال سلطته التقديرية؟ كما أن الأجر الذي يتقاضاه الموظف هل يخضع لمسطرة تنقيط يراعى فيها مبدأ طاعة المرؤوس لرئيسه وفقا لمبدأ الشرعية أم لمنطق الزبونية والمحسوبية خارج مبدأ المساواة ؟ وهل القيام بالعمل بصفة شخصية يتطلب تسخير الموظف للقيام بعمل خارج إطار القانون ؟

وما المقصود بالتنقيل والإعفاء،والمخالفات التأديبية في قانون الوظيفة العمومية هل هذه المخالفات تخضع لمبدأ الشرعية أو للسلطة التقديرية للإدارة؟

ومتى يكون الموظف مرتكبا لمخالفة تأديبية تستوجب توقيع عقوبة تأديبية؟ وهل منح المشرع للإدارة سلطة تقديرية بخصوص المسؤولية التأديبية أم يستند في ذلك إلى مبد الشرعية ؟ وهنا تطرح إمكانية إساءة استعمال هذه السلطة؛

هذا وقد اعتمدنا في هذا العرض على المنهج الوصفي والتحليلي،عبر  خطة تفكيك العنوان وإعادة تركيبه من جديد؛

ومن خلال استعراضنا لتعريف الوظيفة العمومية بسياقها التاريخي والزمني،ومن خلال تعريف التبعية فقها وقضاء،ومن خلال مجموعة العناصر المشار إليها أعلاه،فان خطة البحث ستكون على الشكل التالي،إذ سنتفرغ في المبحث الأول لاستعراض ايجابيات تبعية الموظف العمومي،على أن نعرج في المبحث الثاني لدراسة سلبيات التبعية في الوظيفة العمومية:

المبحث الأول: ايجابيات تبعية الموظف العمومي بين التشريع المغربي والقانون المقارن:

بمجرد التحاق الموظف بالوظيفة العمومية ونشوء العلاقة التنظيمية بينه وبين الإدارة التي ينتمي إليها،بموجب قرار التعيين في احد المناصب التي عين فيها أو لاجتيازه مباراة التوظيف في احد أسلاك أو مناصب الإدارة باستحقاق،فانه لا محالة سيكون خاضعا لمجموعة من القواعد القانونية تبين حقوقه بشكل يجعله على علاقة تبعية بالمفهوم الايجابي،ومن حقهم المطالبة بحمايتهم من الاعتداءات والتهجمات التي قد يتعرضون لها عند ممارستهم لمهامهم،وهو ما سيكون موضوع دراستنا من خلال هذا المبحث في مطلبين،حيث سنتعرض في المطلب الأول لايجابيات تبعية الموظف في القانون المغربي،على أن نتطرق في المطلب الثاني لمفهوم الموظف في القانون المقارن؛

المطلب الأول: الموظف  العمومي في القانون الإداري يمثل الدولة:

تعتبر الوظيفة العمومية خدمة عامة يؤديها موظف عام للأفراد أو للدولة أو أحد فروعها أو مصالحها العامة في نطاق قانوني معين يحدد علاقته بمن يؤدي لهم هذه الخدمة وعلاقتهم بهم منظما لحقوقه وواجباته،وهناك من يقول بأن الوظيفة العمومية هي مجموع الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الذين تتألف منهم إدارة الدولة المسيرة للمرافق العامة؛

ويخضع هؤلاء الأشخاص للقانون الإداري ولعلاقة نظامية،وبهذه الصفة يتمتعون بنظام قانوني خاص يختلف عن قانون الشغل المطبق على العمال وبامتيازات وضمانات مهمة نظرا لكونهم يعملون لخدمة المرافق العمومية والصالح العام ومن هذا المنطلق فالموظفون يعملون في خدمة الدولة وهم رهن إشارتها،فهي التي تعينهم وتدفع لهم أجورهم من أجل تسيير وظيفة للإدارة وإحسان أدائها؛

وباعتبار الدولة شخصا معنويا عاما لا تستطيع أن تقوم برسالتها ولا تؤدي دورها لا عن طريق شخص طبيعي يقوم بالتعبير عن إرادتها،هذا الشخص يتمثل في الشخص الذي يجب أن يكون محل ثقة المتعاملين معه وللوصول إلى هذه الغاية وتحقيق نتائج مرضية يجب على الدولة أن تهتم بفعالية الاختيار لتطبيق قاعدة الرجل المناسب في المكان المناسب؛

وفي رأينا المتواضع فالموظف العمومي يمثل الدولة بجل مرافقها ومؤسساتها العامة،رغم انه يخضع لعلاقة تنظيمية،وهو بهذا التمثيل تحميه الدولة من كل ما من شانه المساس بكيانه الشخصي،سواء من حيث تعرضه للتهجمات أو الاعتداءات أو غير ذلك،إذن فماذا يقصد بالموظف العمومي في القانون الإداري كفقرة أولى،وما هو دور الدولة في حالة تعرض موظفيها للاعتداءات والتهجمات،كفقرة ثانية،هذا ما سنتطرق إليه أثناء دراستنا للموضوع بشكل مفصل؛

الفقرة الأولى:الموظف العمومي يمثل الدولة عبر تمكينه بمجموعة من الحقوق:

يترتب على التحاق الموظف العام بوظيفته بدء نشوء علاقة تنظيمية بينه وبين الإدارة،فيؤدي ذلك إلى خضوع الموظف لمجموعة من القواعد القانونية تبين حقوقه بالأساس،باعتباره ممثلا للدولة وقائما على تحقيق المصلحة العامة ومسؤولا عن حسن سير مرافقها العمومية،وسنتعرض فيما يلي لأهم الحقوق من الإطار القانوني المنصوص عليه في الظهير لمنظم لقانون الوظيفة العمومية،وذلك على الشكل التالي:

– حق الحصول على أجر :مما لا شك فيه أن حقوق الموظفين تنحصر بصفة عامة في المزايا التالية التي يحصل عليها من الدولة تبعا لأداء واجبه ويتعلق الأمر بالمرتب والتعويضات العامة والخاصة،والترقيات،والمعاش أو التقاعد،وفي الحصول على إجازات مختلفة،تطبيقا للقوانين التنظيمية والمراسيم التطبيقية لها؛

إن الموظف العمومي يتمتع بحقوق مادية يتسلمها مقابل العمل الذي يؤده لفائدة الإدارة ولا ينحصر ذلك على المدة التي يزاول فيها خدمته بل تتعدى إلى ما بعد ذلك أي فترة إحالته على المعاش فالدولة هنا تبقى مدينة له بان تسدد له راتبا شهريا يكفل له العيش الكريم؛

يخدم الموظف الإدارة لأجل الحصول على مزايا مادية تكفل له سد حاجياته المعيشية،غير انه وفي كثير من المرات فان الموظف قد يتعرض إلى حيف الإدارة والذي ينتج عنه إقصاء من الاستفادة فيكون أمامه اللجوء للقضاء والذي يعد الأداة الموجهة لسلوك الإدارة المنحرف،وهكذا سنعالج الفقرة في حق الحصول على اجر وفي حق للترقية؛

ولعل الأجر هو ذلك المقابل المادي المباشر للواجبات التي يخضع لها الموظف العمومي اتجاه الإدارة التي تشغله،فهو ذو أهمية كبيرة لدى جل الموظفين باعتباره أساس العيش الكريم لهم،وهي الوسيلة الوحيدة لسد متطلبات الحياة اليومية لهم أمام حرمانهم منه تنتشر الأفعال المشينة بالأخلاق المهنية كالمحسوبية والزبونية والرشوة،لذلك فالراتب يمكن تقسيمه إداريا إلى صنفين الأول متمثل في المرتب الأساسي،والثاني في التعويضات([11])؛

– المرتب : هو ذلك المبلغ المالي الذي يتقاضاه الموظف العام من الدولة شهريا وبصفة منتظمة منذ بدء التحاقه بخدماتها وحتى انتهاء علاقته بها،في مقابل تفرغه للعمل لديها طوال تلك الفترة،وينبغي أن تتوفر للموظف مزايا مادية وأدبية تتناسب مع المركز الاجتماعي اللائق بالوظيفة؛

وأمام هاته المكانة التي يتبوؤها المرتب في حياة الموظف عملت المحاكم الإدارية منذ إنشائها على ضمانه وحمايته مخافة الحرمان أو الاقتطاع منه من طرف الإدارة،ففرضت رقابة صارمة لأجل ذلك،إذ حاول القاضي الإداري حماية الراتب ومنح إمكانية المطالبة بالتعويض للموظف في حالة عدم تأديته لمهامه وكان ذلك جراء خطا الإدارة وهذا ما قررته المحكمة الإدارية بالرباط -….بان طلب المدعي المذكور لا يرتكز على أساس سليم ما دام الراتب لا يستحق إلا مقابل العمل الفعلي…ومن جهة أخرى فان المدعي لا يكون محقا سوى في طلب التعويض عن المدة التي تم إيقافه فيها إن كان هذا التوقيف يرجع إلى خطا الإدارة([12])  ؛

وفي رأينا تبقى الأجرة هي العمود الفقري بالنسبة للموظف العمومي و قطب الرحى الذي من اجله يعمل،لذلك فان هذا الأخير يسعى جاهدا من اجل الحفاظ على المكسب عبر خدمة الإدارة والمرفق العمومي الذي ينتمي إليه خدمة للصالح العام أولا وبغية العيش الكريم ثانيا،وهذا ما يطلق عليه بالتبعية الاقتصادية بمفهومها الدقيق؛

التعويضات: يتمتع الموظف العمومي بالإضافة إلى مرتبه الأساسي بالحق في التعويضات والمنح المحدثة بمقتضى النصوص التشريعية والتنظيمية تبعا لمقتضيات الفصل:26 من الظهير الشريف رقم:58.008 وهذه التعويضات والمنح قد تكون عامة تطبق على جميع الموظفين العموميين وقد تكون خاصة بفئة معينة منهم؛

وتستند التعويضات العامة في تقريرها إلى النص التشريعي لا إلى القرار الإداري،فهي بذلك لا تخضع لقيد المدة المقررة قانونا في القرارات الإدارية أو لسحبها أو إلغائها،ومن ثمة يكون للموظف العمومي حق الطعن في التعويضات او المطالبة بها في أي وقت.

أما التعويضات الخاصة بفئة معينة من الموظفين العموميين ،كمثال عن ذلك القضاة ورجال السلطة والموظفين الدبلوماسيين والقنصليين العاملين بالخارج ورجال التعليم الباحثين بالتعليم العالي وبمؤسسات تكوين الإطارات العليا ورجال التعليم والموظفين الإداريين الجارية عليهم الأنظمة الأساسية الخاصة بوزارة التربية الوطنية،وتقرر هذه التعويضات تبعا لطبيعة العمل الذي يمارسونه سواء أكانت تلك الطبيعة العملية ترجع إلى طبيعة الأماكن التي يعملون بها او ما تتطلبه أهمية وخطورة ما يشغلونه من مناصب…،,وقد تمت إعادة النظر في هذه التعويضات بالنظر إلى ارتفاع الأسعار في إطار التقلبات الاقتصادية فصدرت اثر ذلك عدة مراسيم*تهم عدة قطاعات متعددة ومختلفة ([13]) ؛

  • الترقيات: ويقصد بها أن يشغل الموظف العمومي وظيفة درجتها أعلى من درجة الوظيفة التي كان يشغلها قبل الترقية بحسب مفهوم الفصول من:28 إلى 36 من قانون الوظيفة العمومية([14]) ؛

وتتخذ الترقية بصفة عامة صورتين يتعلق الأمر إما بالترقية بطريق الأقدمية أو بطريقة الاختيار،إلا أن الطريقة المثلى في ذلك هي الجمع بين الطريقتين،طبقا لمقتضيات الفصل:30 من قانون الوظيفة العمومية الذي نص على انه لا يقع الترقي إلى رتبة والى درجة إلا بطريق الاختيار،ويكون الترقي إلى الطبقة ناتجا في آن واحد عن أقدمية الموظف وعن النقط المحصل عليها تبعا للجدول المعد لها الغرض([15]) ؛

وفي رأينا،انه يتعين على الرؤساء تقييم الموظفين تبعا لكفاءتهم المهنية والقيام بالمهام على أحسن وجه بنكران الذات وخدمة الوطن تطبيقا لمبدأ المساواة بين الجميع،بغية الرفع من مردودية الإدارة وتطبيقا لمبدأ الحكامة الجيدة،وليس على أساس منطق الو لاءات ولو خارج إطار القانون ([16]) ؛

الرخص الإدارية :تمنح للموظف الرخص السنوية للموظف تطبيقا لفكرة الراحة السنوية،بحيث يتقرر له كوسيلة للراحة عن عناء سنة كاملة من العمل المتواصل،وتجديدا لنشاطه وحيويته تمهيدا لبدئ مجهود سنة جديدة في خدمة الإدارة؛

ولقد حدد المشرع مدتها بشهر واحد عن كل سنة زوال أثناءها الموظف مهامه؛

وتجدر الإشارة أن الدولة مكنت الموظف برخص أخرى ويتعلق الأمر بالرخص الاستثنائية،ورخص التغيب([17] ) ؛

التقاعد:بانقطاع صلة الموظف بالإدارة لسبب من الأسباب القانونية يصبح له الحق في الحصول على راتب معاش اذا استوفى شروطه،وهذا المعاش عبارة عن مبلغ يصرف للموظف أو المستخدم عند انتهاء خدمته بصورة نظامية أو إصابته بعجز يؤول إلى المستحقين له والى أبويه بعد وفاته،وذلك مقابل المبالغ التي تقتطع من أجرته ومساهمات الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العامة التابع لها؛

وعموما فإن للوظيفة العمومية مفهومان هما: المفهوم الشخصي والمفهوم الموضوعي؛

المفهوم الشخصي:يعتبر الوظيفة العمومية مهنة يتفرغ لها الموظف ويكرس لها حياته،ويتمتع بمزايا وحقوق وضمانات تختلف عما هو مقرر للوظائف الخاصة؛

المفهوم الموضوعي : لا تعتبر الوظيفة العمومية مهنة،إنما تعتبر عملا تخصصيا له خصائص محددة يحتاج في ممارسته إلى شخص فني متخصص له خبرة ودراية بالعمل الذي سيتولى أعباءه ويمارس مسؤولياته؛

مقال قد يهمك :   ذ.محمد أهتوت : شكلية الإثبات في العقود الالكترونية

وبهذا المعنى فإن الوظيفة العمومية أداة أساسية في يد الدولة لدعم التنمية وإشباع حاجيات المواطنين،وانطلاقا من هذا التعريف المركب يمكن استنتاج مدلولين اثنين للوظيفة العمومية:

الأول : على المستوى المضمون والمتعلق بالنشاط الإداري أو الخدمات الإدارية والموظفين الذين يقومون بهذا النشاط ويقدمون هذه الخدمات.

 الثاني : على مستوى الشكل ويخص مجموعة القوانين المتحكمة في المسار الوظيفي للموظف وطريقة تسيير الإدارة .

الفقرة الثانية:حماية الدولة لموظفيها من الاعتداءات والتهجمات والعمل على تكوينهم:

أ- أول ما يسترعي الانتباه في هذا المجال هو الفصل 19 من ق وع والذي ينص على ما يلي : “يتعين على الإدارة أن تحمي الموظفين من التهديدات والتهجمات والإهانات والتشنيع والسباب الذي قد يستهدفهم أثناء القيام بمهامهم وتعوض إذا اقتضى الحال وطبقا للنظام الجاري به العمل الضرر الناتج عن ذلك في كل الأحوال التي لا تضبطها التشريعات الخاصة برواتب التقاعد وبضمانة الوفاة حيث أن الدولة هي التي تقوم مقام المصاب في الحقوق والدعاوى ضد المتسبب في الضرر.

بالإضافة إلى ذلك فإن المشرع الجنائي في الفصول من: 263 إلى 267 عاقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنتين من ارتكب عنفا أو إيذاء ضد أحد رجال القضاء أو الموظفين العموميين الخ … وإذا ترتب عن العنف إراقة الدم أو جرح أو مرضا وإذا ارتكب مع سبق الإصرار أو الترصد أو ارتكب ضد أحد رجال القضاء أو الأعضاء المحلفين أثناء الجلسة فإن الحبس يكون من سنتين إلى خمس سنوات فإذا ترتب عن العنف قلع أو بتر أو حرمان من استعمال عضو أو عمى أو عور أي عاهة مستديمة فإن العقوبة تكون من 10 إلى 20 سنة … الخ وإذا ترتب عنه موت دون نية الإحداث فإن العقوبة تكون من 20 إلى 30 سنة. وبإيجاز فإن المشرع جرم كل فعل أدى إلى إهانة موظف عمومي أو الاعتداء عليه أثناء مزاولته لعمله؛

ب-التكوين المستمر: إن تكوين الأطر المغربية كان هو السبيل لإنقاذ الوظيفة العمومية من الخصاص في الكفاءات،وهذا التوجه لم يكن اختيارا انفرد به المغرب،فالستينات قد واكبت مرحلة انعتاق العديد من الدول من رزح الاستعمار وانشغالها ببناء البلد على أسس علمية،ولذا لجأت هذه الدول لتقنية التكوين من اجل إعداد هياكلها البشرية،التي ستضطلع بتدبير الشأن العام وتحقيق تنمية مندمجة لبلدانها([18] )؛

وثمة عدة نصوص قانونية وتنظيمية تشير من قريب أو بعيد للتكوين المستمر – التدريب واستكمال الخبرة-ويتعلق الأمر بالنظام الأساسي للوظيفة العمومية والمرسوم المتعلق بتحديد أجور الموظفين الذين يتبعون دروسا لاستكمال الخبرة،وأخيرا المرسوم المتعلق بالتكوين المستمر لفائدة موظفي وأعوان الدولة من خلال ثلاث محطات الأولى بدأت بتاريخ:24-02-1958 مرورا بموسوم 16 دجنبر 1957 وانتهاء بالمرسوم الجديد المتعلق بالتكوين المستمر لفائدة موظفي وأعوان الدولة وكذلك القرار التطبيقي بتحديد إستراتيجية التكوين المستمر بتاريخ:07-07-2009؛

وفي رأينا ينبغي أن يكون التكوين المستمر مسايرا للتغيرات والتطورات العالمية وليس الوطنية فحسب ، حتى يرقى الموظف العمومي للمستوى الذي ينشده المواطن .

المطلب الثاني: الوظيفة العمومية في التشريع المقارن:

لاستيعاب مفهوم الوظيفة العمومية في بلد ما يجب أن نقر أن سمات و خصائص الوظيفة العمومية تختلف تبعا لاختلاف العوامل المؤثرة فيها من تاريخية واقتصادية وسياسية وثقافية؛

إلا أن هناك تيارين تتمحور حولهما مختلف أشكال الوظيفة العمومية :

  • النظام الأمريكي : الذي يعتبر الوظيفة العمومية كنظام للتشغيل و كعلاقة تعاقدية وهو ما يصطلح عليه بالنظام المفتوح؛
  • النظام الفرنسي : حيث الوظيفة العمومية مهنة دائمة تتميز بالدوام و الثبات و الاستقرار وهي بالتالي علاقة تنظيمية تعاقدية ، وهو ما يطلق عليه بالنظام المغلق؛

الفقرة الأولى : المميزات الأساسية للوظيفة العمومية في النظام المفتوح (الولايات المتحدة الأمريكية نموذجا ).

يطلق على الوظيفة العمومية في الولايات المتحدة الأمريكية الخدمة المدنية حيث تتميز بعدم الاستقرار والدوام وهو ما يطلق عليه بمبدأ تأقيت الوظيفة العمومية الذي أطلقه الرئيس الأمريكي جيفرسون وذلك لفتح الفرصة المتكافئة أمام جميع المواطنين لشغل الوظائف العمومية ، وتم إقرار هذا المبدأ من طرف البرلمان الأمريكي سنة 1920 وبالتالي حددت شغل المناصب في إدارة الدولة بأربع سنوات. كما توسع هذا المبدأ على يد الرئيس جاكسون وأصبح مبدأ عاما يقضي باعتبار الوظائف العمومية غنيمة للحزب المنتصر في الانتخابات؛

كما أن الأخذ بفكرة تأقيت الوظيفة مرده إلى أن دائمية الوظيفة تجعل الموظف ينظر إليها كنوع من الملكية الخاصة يستغلها لصالحه على حساب الصالح العام،والتي يمكن أن تشكل اعتداء خطيرا على الحرية الفردية،بالإضافة إلى أن المناداة بهذا المبدأ فرضتها فكرة المساواة التي يعيشها الأمريكيون؛

وينتج عن مبدأ تأقيت الوظيفة العمومية أن الموظف خلال شغله لهذا المنصب لا يتمتع خلالها بأي امتيازات تضمن له حق البقاء في الوظيفة،إذ بإمكان الإدارة إنهاء خدمته متى شاءت ولأي سبب،وبالمقابل فإن للموظف حق الاستغناء عن وظيفته في أي وقت بمجرد إشعاره للإدارة بفترة زمنية مناسبة،وهكذا فإن الوظيفة في النظام الأمريكي ليست حقا من حقوق الأفراد وإنما تعد تكليفا لخدمة المجموع؛

الفقرة الثانية : المميزات الأساسية للوظيفة العمومية في النظام المغلق ( فرنسا نموذجا):

لم تعطي التشريعات الفرنسية تعريفا محددا للموظف العام،إنما اكتفت بتحديد الأشخاص الذين تسرى عليهم أحكام تلك التشريعات ، فقد نصت الفقرة الأولى من قانون التوظيف الفرنسي رقم 2294 الصادر في 19 اكتوبر1946 ” يسرى على الأشخاص الذين يعينون في وظيفة دائمة ويشغلون درجة من دراجات الكادر في إحدى الإدارات المركزية للدولة أو في إحدى الإدارات الخارجية التابعة لها أو في المؤسسات القومية”. وقد نص نظام الموظفين الصادر بالامر59_224 في 04 فبراير1959 الذي حل محل قانون 19 أكتوبر1946 والقانون الخاص بحقوق و التزامات الموظفين رقم 634 الصادر في 13 يوليو 1983 على نفس المفهوم . ويتبين من ذلك أن المشرع الفرنسي يطبق أحكامه على من تتوافر فيهم الشروط الآتية : 1-الوظيفة الدائمة . 2-الخدمة في مرفق إداري عام ([19]) ؛

 أما على صعيد الفقه والقضاء فقد عرف الأستاذ ” هوريو” Hauriou الموظفين العامين: ” كل الذين يعينون من قبل السلطة العامة تحت إ سم موظفين أو مستخدمين أو عاملين أو مساعدي عاملين يشغلون وظيفة في الكوادر الدائمة لمرفق عام تديره الدولة أو الإدارات العامة الأخرى “،وعرفه دويز Duez، وديبير Debeyre بأنه ” كل شخص يساهم في إدارة مرفق عام يدار بالاستغلال المباشر من قبل الدولة ويوضع بصورة دائمة في وظيفة داخله في نطاق كادر إداري منظم ” . وقضى مجلس الدولة الفرنسي بأن الموظف هو ” كل شخص يعهد إ ليه بوظيفة دائمة في الملاك وتكون في خدمة مرفق عام”، و اشترط أن يكون المرفق العام إداريا،أما المرافق الصناعية والتجارية فقد فرق فيها بين شاغلي الوظائف الإدارية والوظائف الأقل أهمية Subalterne ،واعتبر العاملين في النوع الأول من الوظائف موظفين عامين أما الوظائف الأخرى فأخضعها للقانون الخاص وعزى هذه التفرقة إلى أن شاغلي وظائف المحاسبة والإدارة أكثر ارتباطاً بالمرفق العام؛([20])

وتقوم الوظيفة العمومية في فرنسا عموما على مبدأ دائمية الوظيفة،بمعنى أن يتفرغ لها الموظف مدى حياته الإدارية تحقيقا للمصلحة العامة ، ويربط مستقبل حياته بمستقبل الوظيفة ذاتها وبما هو مقرر لها من ضمانات تكفل له الحصول على مزايا تزداد كلما تقدمت به السن في الوظيفة ولا يكون له حق مطالبة الدولة بحقوق ومطالب مهنية ويخضع للسلطة الرئاسية خضوعا تاما تكاد تختفي شخصيته وراء شخصية الرئيس الذي يسأل عنه سياسيا ، وينفرد بضمانات خاصة وتفرض عليه التزامات خاصة يتحملها وحده دون الأفراد العاديين؛

وقد استمدت الوظيفة العمومية معناها ومفهومها من طبيعة وصيغة التطور السياسي الذي عرفته فرنسا بعد ثورة 1789 التي أحدثت تغييرا جذريا في الفكر الاجتماعي والسياسي وأقرت مبادئ متعلقة بالحرية والديمقراطية والمساواة انعكست بشكل إيجابي على الوظيفة العمومية؛

إن أهم ما يميز هذا النظام هو اتسامه بالدائمية والاستمرارية وهو ما يعبر عنه بنظام السلك الذي يعتمد على دائمية الوظيفة التي من خلالها يحس الموظف بنوع من الاطمئنان على تأمين مستقبله ومستقبل أسرته؛

إن الفرق الأساسي بين المفهومين الأمريكي والفرنسي للوظيفة العمومية هو أن الاتجاه الأمريكي يجعل منها نظاما للتشغيل لا يختلف في مجراه عن النظام المطبق على العاملين في القطاع الخاص ، أما النظام الفرنسي فإنه يجعل منها نظاما لمهنة دائمة ، وهذان المفهومان تأثرا بمفهوم الدولة في كلا النظامين؛

فإذا كان النظام الأمريكي لا ينظر إلى الدولة نظرة الإجلال والتعظيم ، فإن النظام الفرنسي على العكس من ذلك يميل إلى تعظيم دور الدولة وإمدادها من الوسائل ما يمكنها من تحقيق المصلحة العامة ، مما دعا إلى تمتيع الإدارة بامتيازات هامة وخضوعها لقانون يغاير القانون الخاص وهو القانون الإداري وهو نفس الاتجاه الذي تبناه المشرع المغربي؛

المبحث الثاني:سلبيات التبعية في الوظيفة العمومية بين التشريع المغربي والقانون المقارن:

مما لاشك فيه أن القانون الإداري ولئن مكن الموظف بمجموعة من الحقوق الايجابية باعتباره ممثلا للدولة من خلال قانون الوظيفة العمومية،فانه وعلى العكس من ذلك،قد يتعرض لأساليب من شانه المساس بوضعيته الإدارية،أو قد يخضع لمسطرة تأديبية أو لتنقيل أو إعفاء،لا يليق بمكانته وتبعا لمبدأ المساواة بين جميع الموظفين،فما هي إذن هذه السلبيات،تلكم إذن هي التفاصيل التي سنتعرض لها من خلال تحليلنا لها في هذا المبحث؛

المطلب الأول: مبدأ طاعة الموظف العمومي لرئيسه بين مبدأ الشرعية والسلطة التقديرية:

تنطوي الالتزامات على واجبات ينبغي على الموظف العمومي القيام بها وعلى أعمال يحظر عليه تأديتها ([21]

وفي هذا الإطار فان الموظف ملزم بطاعة رؤسائه والتقيد بتعليماتهم وفق ما يملونه من توجيهات يرون على أنها تخدم سير الإدارة،لكن الإشكال يطرح عندما يجد المرؤوس انه أمام مجموعة من الأوامر من مصادر مختلفة غير منسقة فيما بينها أو في حالة تنافي أوامر الرئيس مع النصوص القانونية المنظمة لقانون الوظيفة العمومية؛

فالمرؤوس هنا أمام إكراهات متعددة قد تؤثر على علاقته برئيسه وكنتيجة مباشرة لذلك قد يتعرض لحيف فيما يخص بعض حقوقه التي يوعد حق الاستفادة منها لتقييم الرئيس وفي حالة اللجوء إلى القضاء يصعب إثبات النية الانتقامية للرئيس واستهدافه للمرؤوس؛

ويقوم تنظيم الوظيفة العمومية على الرابطة الرئاسية التي تجعل من الطاعة الرئاسية إحدى أهم الالتزامات التي تقع على عاتق الموظف،بحيث يلتزم الموظف العمومي بضرورة الامتثال للأوامر الصادرة إليه عن رؤسائه في نطاق عمله وهذا ما يطلق عليه بالتبعية بمفهومها الواسع؛

ونحن نرى أن الرئيس يجب أن تتوفر فيه من الكفاءة لتحمل المسؤولية في تقييم مرؤوسيه،استنادا إلى مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة،واستنادا على معيار الكفاءة في خدمة المرفق العمومي،وليس على أساس منطق الو لاءات خارج إطار القانون،وعلى الإدارة أن تتحمل مسؤوليتها في اختيار من يمثلها على أحسن وجه خدمة للوطن والمواطنين استنادا إلى مبدأ الإدارة في خدمة الموطن بكل نزاهة وشفافية؛

ولئن كان واجب الطاعة من الالتزامات الأساسية للموظف واحد من الموضوعات ذات الأهمية الكبرى في عمل الإدارة عامة وفي مجال القانون الإداري خاصة فإننا نرى ضرورة تناوله من حيث مقوماته الأساسية،وصور الامتثال الرئاسية إلى جانب التبعية المرفقية؛

الفقرة الأولى : المقومات الأساسية لواجب الطاعة:

يجدر بنا بداية التساؤل عن لمقصود بالرئيس قبل الحديث عن صور الامتثال للأوامر الرئاسية؛

أ-المقصود بالرئيس:

إن تحديد من هو الرئيس قد يبدو للوهلة الأولى أمرا يسيرا،لكن الواقع أن هذا التحديد تكتنفه مجموعة من الصعوبات،فغالبا ما يكون هناك رؤساء عديدون لذات المرؤوسين علاوة على أجهزة رقابية خارجية،ناهيك عن الاختصاصات وتداخلها فيما بين الأجهزة الإدارية؛

وإذا كان التشريع المغربي كغيره من التشريعات المقارنة قد امتنع عن إعطاء تعريف للرئيس فقد ذهب بعض الفقه إلى تعريفه اعتمادا على كيفية انجاز الرئيس للعمل،فعرفه بأنه كل شخص يشرف إداريا على مجموعة معينة من الأفراد في مجال الوظيفة العامة لتحقيق هدف معين ويستخدم الأسلوب الإنساني أو السلطة الرسمية عند الاقتضاء أو الضرورة في الحدود؛ في الهامش:طارق حسن الزيات ص:249 و مايليها؛

كما عرفه البعض الآخر بأنه يعد رئيسا كل موظف يجوز له إصدار أوامر وتعليمات ملزمة لمن هو دونه من الموظفين([22]) .

بيد انه إذا كان الرئيس هو الذي يملك سلطة إصدار أوامر ملزمة لمرؤوسيه،فانه في ظل تشعب السلطات وتوزيعها بين أكثر من رئيس داخل المصلحة الواحدة وفي ظل تعدد التخصصات الوظيفية فان الأمر الذي يثور هنا يتعلق بمن هو الرئيس الذي يجب طاعته؛

بخصوص هذا الإشكال،فإذا تعلق الأمر بقوانين ولوائح تسند لعدة رؤساء سلطة إصدار هذه التعليمات إلى موظف واحد أو عدة موظفين،فالأمر لا يكون محل شك في ضرورة طاعتهم جميعا،لكن ماذا عن الرؤساء الذين هم في درجات الموظف المرؤوس،وفي حالة ما إذا كانوا يعملون في اختصاص آخر خلاف هذا الرئيس هل يجب على الموظف طاعته مثلا:رئيس جماعة ورئيس قسم الموارد البشرية من داخل نفس الجماعة،ورئيس مصلحة متفرعة عن هذا الأخير أعطوا تعليمات تختلف في مضمونها وشكلها للموظف من اجل القيام بمهمة من داخل نفس الجماعة،فمن هو الأجدر بالطاعة في هذه الحالة ([23])

في هذا الصدد،نعتقد أن المرؤوس لا يلتزم بالطاعة إلا اتجاه رئيس الجماعة ليس الا،أما سوى هؤلاء من الرؤساء فهو يلتزم اتجاههم فقط بواجب الاحترام والتقدير؛

وعموما يمكن القول أن الطاعة الرئاسية هي الواجب الذي يقع على عاتق المرؤوس ويفرض عليه الامتثال والخضوع لتعليمات وأوامر رؤسائه وفق المقتضيات القانونية الجاري بها العمل؛

ب-  صور الامتثال للأوامر الرئاسية:

الصورة الايجابية  للامتثال تتضمن الالتزام بتنفيذ عمل معين ذي طبيعة إدارية كان يقوم الموظف بالنيابة عن الإدارة بإجراء صفقة ما أو بتحرير عقد أو بنقل مستندات بين فروع الإدارة،أما الصورة السلبية فتتضمن الامتناع عن القيام بعمل معين كالالتزام بعدم التدخين في أماكن معينة من العمل،كما يعد من الصور السلبية الالتزام بالكف عن إقامة عراقيل التي تشل فعالية أوامر رؤسائه وتحبط من مجهوداتهم التي بذلت في إعدادها أو أن يتخذ موقفا معارضا لها صراحة أو ضمنا يكون هدفه عرقلة التنفيذ ([24])  .

وتتنوع الأوامر الرئاسية إلى التعليمات والمنشورات ومذكرات الخدمة والأعمال ذات النماذج([25] )  ؛

ويشترط في هذه الأوامر الوضوح أي أن يتخذ الرئيس عند اصداره للأوامر والتعليمات أسلوبا معبرا وبسيطا،حتى تأتي صياغتها على درجة من الوضوح لتجنب التأويل وتحقيق الهدف المرجو منه،ويعتبر من قبيل الوضوح على سبيل المثال ولا الحصر-:إعطاء أمر من طرف الرئيس لمرؤوسيه من اجل القيام بمهمة مسك السجلات المتعلقة بالحالة المدنية وتضمين جميع الرسوم فيه مع ضرورة المراجعة هذا الأمر فيه نوع من الوضوح،وعلى خلاف ما إذا تلقى الموظف أمرا بضرورة الإخبار عن الموظفين فهذا الأمر ليست بمهمة قانونية ولم يؤطرها القانون جملة وتفصيلا،والأدهى من ذلك انه إذا كان ذات المسؤول يؤسس تقييمه للموظفين على أساس المذكور ؛

وعليه حتى لا تسقط الجهة المصدرة للأوامر في هذا الإشكال وجب خضوع طاعة الرؤساء إلى مجموعة من الضوابط القانونية ، فما هي إذن ؟

لكي يكون الرئيس مختصا بإصدار الأوامر ينبغي أن يكون قد عهد إليه بهذه السلطة من الجهة المختصة على نحو سليم،وذلك عن طريق القوانين أو اللوائح،وهذا الاختصاص قد يتحدد بنطاق مكان معين،لا يمكن له أن يتجاوزها وهذه الأوامر لا تكون ملزمة إلا من تاريخ تولي الرئيس لعمله بصفة قانونية؛

الفقرة الثانية : التبعية المرفقية:

تعني التبعية المرفقية أن الأوامر والتعليمات التي يصدرها الرئيس ينبغي أن تخص نشاط المرفق بطريق مباشر أو غير مباشر،اذ يجوز للرئيس مهما سمت مكانته أن يكلف أحدا من مرؤوسيه مهما دنا شانه بالدعاية له مثلا في الانتخابات،إلا أن هذه التصرفات تتنافى مع نشاطات المرفق العام ([26]

مما سبق يمكن القول بان الموظف العمومي مطالب بطاعة الأوامر الرئاسية باعتبارها الشكل التي يعبر فيها الرئيس عن رغباته وإدارته بالعمل متى صدرت وفق ضوابط قانونية سابقة،هذا بطبيعة الحال إذا تعلق الأمر بأوامر شرعية،أما إذا تعلق الأمر بخلاف ذلك فان التساؤل لا يثور حول مدى التزام المرؤوس بتنفيذ هذه الأخيرة أو بعبارة أخرى هل يلتزم الموظف بواجب الطاعة بشكل مطلق ولو تعلق بأمر غير مشروع أم انه يحق له الامتناع عن تنفيذها لمخالفتها للمشروعية أم يلتزم بتنفيذها بعد تنبيه الرئيس لعدم مشروعيتها حتى تنتفي مسؤوليته عما يترتب عنها ([27]

بخصوص هذا الإشكال،ذهب بعض الفقه إلى القول بان الموظف يلتزم بتنفيذ الأوامر الصادرة إليه من رئيسه ولو كانت غير مشروعة،طالما أنها لم تصل إلى حد ارتكاب الجريمة،لأنه ليس من اختصاص الموظف المرؤوس رقابة مشروعية الأوامر الصادرة إليه من رئيسه وحتى لا يثور جدل بين الرئيس والمرؤوس حول شرعية الأمر الصادر إليه مما يعرقل سير العمل وارتكابه في المرفق العام([28]) ؛

وهذا الرأي يعطي الأولوية لمبدأ الطاعة مغلبا إياه على مبدأ الشرعية بيد أن الرأي الأخير وان كان يذهب إلى ذلك عملا على مصلحة سير العمل بالمرافق العامة إلا انه يجعل المرؤوس مجرد آلة تنفيذ أوامر الرؤساء ويقضي على حريته في إبداء الرأي في مناقشة رؤسائه،ويقتل فيه ملكة البحث عن الصواب، بالإضافة إلى إصداره لمبدأ المشروعية باعتباره الطابع المميز للدولة الحديثة وعلى هذا الأساس ذهب رأي آخر إلى إعطاء الأولوية لهذا المبدأ الأخير،حيث أن الموظف يكون في حل من تنفيذ الأمر الصادر إليه إذا كان هذا الأخير غير مشروع لمخالفته القانون([29]

بيد أن هذا الرأي وبالرغم من وجاهة الحجج التي قدمها،فانه يترتب على الأخذ به ارتباك العمل في المرافق العامة نتيجة للتضارب بين الرئيس والمرؤوس للخلاف على مشروعية الأوامر من عدمها كما أن ذلك قد يكون ذريعة  للتطاول على الرؤساء والتمرد على أوامرهم،وهذا ما جعل الاتجاه الغالب يأخذ بحل وسط في هذا الإطار مؤداه انه كقاعدة عامة يلزم المرؤوس بتنفيذ أوامر الرئيس أيا كانت بشرط تنبيه الرئيس بعدم مشروعيتها وعدم قانونيتها وفي حالة التنفيذ يكون الرئيس هو الوحيد المسؤول عن تنفيذ الأوامر ولذلك يوفق هذا الرأي بين مبدأ حسن سير المرافق العامة وتحديد مسوؤلية تنفيذ هذه الأوامر؛

وفي هذا الصدد نعتقد أن هذا الرأي الأخير حري بالتأييد إذ يترتب على الأخذ به بلا شك ضمان حسن سير العمل بالمرفق العام،إذ يجنب التضارب بين الرئيس والمرؤوس،فهو يلزم هذا الأخير بطاعة أوامر رئيسه في جميع الحالات مع منح المرؤوس حق لفت نظر رئيسه إلى عدم مشروعية الأمر الصادر عنه،وإذا أصر على تنفيذه فانه يتحمل مسؤولية هذا التنفيذ وبالتالي تنتفي المسؤولية عن المرؤوس هذا بالنسبة لموقف الفقه فماذا عن التشريعات المقارنة([30]

كانت المادة 13 من قانون الموظفين الفرنسي الصادر في 14-12-1948 تلزم الموظفين بطاعة الرؤساء طاعة عامة،إلا انه إذا تبين للمرؤوس أن الأمر الرئاسي الذي صدر إليه مشوبا بعدم المشروعية ا وان تنفيذه قد يؤدي إلى إحداث أضرار جسيمة،فانه في مثل هذه الحالة ينبه الرؤساء إلى ذلك،فإذا أصر الرؤساء على تنفيذ الأوامر وجب على المرؤوس تنفيذها مع مسؤولية الرئيس عن هذا التنفيذ([31]

مقال قد يهمك :   سلمى مبتكر: العقوبات البديلة في جرائم الاستهلاك

غير أن القوانين اللاحقة على هذا التشريع التزمت الصمت اتجاه هذه المسالة إلى أن صدر قانون 13-07-1983 الذي نص في المادة 28 منه على أن كل موظف أي كانت درجته في السلم الإداري هو مسؤول عن تنفيذ المهام الموكولة إليه ويجب أن يخضع لتعليمات رؤسائه إلا في حالة كون الأوامر والمعطبات ظاهرة غير مشروعة ومن طبيعتها أن تضر بخطورة إحدى المصالح العامة؛

فقد قضى مجلس الدولة بأنه إذا كان الأمر مشوبا بعدم مشروعية صارخة وكان من شان تنفيذه أن يهدد بشكل خطير المصلحة العامة،فان طاعة الأمر في هذه الحالة يكون خطا تأديبيا يستوجب العقاب؛ في الهامش:علي عبد الفتاح محمد خليل،م س ص :357؛

وبخصوص موقف المشرع المصري،فقد جاء في المادة:78 من القانون رقم:47 لسنة 1978 ما يلي: لا يعفى العامل من الجزاء استنادا إلى أمر صادر إليه إلا إذا اثبت أن ارتكاب المخالفة كان تنفيذا لأمر مكتوب بذلك وصادر من هذا الرئيس بالرغم من تنبيهه كتابة إلى المخالفة،وفي هذه الحالة تكون المسؤولية على من اصدر الأمر وحده([32]) ؛

من خلال نص هذه المادة يتضح أن الوضع في القانون المصري يختلف عن نظيره الفرنسي الذي يعطي الأولوية لمبدأ الطاعة إلا إذا كانت عدم المشروعية ظاهرة وواضحة يترتب عليها ضرر  خطير بالمصالح العامة،في حين يعطي المشرع المصري الأولوية لمبدأ المشروعية حيث انه قد أعفى الموظف من واجب الطاعة الرئاسية إذا كان الأمر غير مشروع بطبيعته،ولم يتضمن القانون المصري الإشارة إلى كون هذا الأمر يعرض المصالح العامة للخطر مكتفيا بان عدم المشروعية بحد ذاته يجعل المرؤوس يتحلل من المسؤولية،فطبقا لنص المادة يعفى المرؤوس من تنفيذ الأمر الغير مشروع إذا توفر شرطان؛

  • تنبيه المرؤوس إلى رئيس كتابة على أن الأمر مخالف للقانون؛
  • أن يكون الأمر صادر من الرئيس إلى المرؤوس مكتوبا؛

وإذا كان هذا موقف بعض التشريعات المقارنة فماذا عن موقف المشرع المغربي من إشكالية التوفيق بين واجب الطاعة واحترام مبدأ المشروعية([33]) ؛

إن أول ملاحظة يمكن تسجيلها في هذا الصدد هو سكوت النظام الأساسي للوظيفة العمومية عن هذه المسالة،بيد انه بالرجوع للفصل 60 من ظهير 14 شتنبر 1979 الذي ينص على أن تبرا ساحة مرتكبي المخالفات المشار إليها في الفصل 56 بتقديم أمر كتابي صادر عن رئيسهم الإداري أو عن أي شخص مؤهل لإصدار هذا الأمر وفي هذه الحالة تحل مسؤولية الشخص الصادر عنه الأمر محل مسؤولية الذي قام بتنفيذه([34])  ؛

من خلال مقتضيات هذا الفصل يتضح أن المشرع المغربي يعفي الموظف من مسؤولية تنفيذ أمر رئاسي الغير مشروع متى صدر له هذا الأمر بالصيغة الكتابية دون أن يلزمه واجب تنبيه الرئيس بعدم مشروعية الأمر الصادر عن هذا الأخير،غير أن هذا النص يتعلق بحالات محددة حصرا الأمر الذي يقودنا إلى التساؤل حول ما إذا كان الموظف ملزما بتنفيذ الأمر الصادر عن رئيسه إذا كان يتسم بعدم المشروعية،مادام انه يتقاضى أجرا مقابل تنفيذ الأوامر؛

المطلب الثاني: التأديب والتنقيل والإعفاء  ([35]) :

يعد موضوع التأديب من المواضيع الأساسية التي حظيت باهتمام الباحثين،باعتباره من المؤثرات الأساسية،الأمر الذي جعل الاهتمام بدراسته تفرضه الرغبة في عدم إخلال الموظفين بواجباتهم والخروج عن مقتضياتها،قصد رفع كفاءتهم ومردوديتهم،بما يكفل تحقيق الانضباط والفعالية داخل المؤسسة أو الجماعة التي ينتمون إليها،وعلى هذا الأساس،فان النظام التأديبي يشكل مجموعة من القواعد القانونية التي تهدف إلى تحقيق توازن عملي بين متطلبات الصالح العام،المتمثلة في حرص الإدارة على تنظيم المرافق العمومية،وبين حق الموظف في توفير الضمانات والإجراءات التي تؤكد له الاستقرار وتدفعه الى التفاني في العمل بكل عدل وإخلاص([36]) ؛

لذلك فان الموظف الذي يخل بواجباته المهنية يتعرض للعقوبة التأديبية،فهذه الأخيرة توقع من طرف السلطة التي لها حق التأديب،إذ تلتزم باختيار العقوبة الموجودة ضمن اللائحة التي وضعها المشرع وحددها في مجموعة من الجزاءات المترتبة ترتيبا تصاعديا،لكن قبل ذلك لا بد من التطرق إلى تحديد الخطأ المهني أو التأديبي وكذا تعريف العقوبة التأديبية؛

تجدر الإشارة أن التأديب أو السلطة التأديبية دور أساسي،إذ يعتبر لبحق سلاح فعال في يد الإدارة،تسخره لتحقيق اعتبارات المصلحة العامة ويتأتى ذلك عبر وظيفته المتمثلة في فرض الانضباط الذي يحافظ على تماسك مجتمع الوظيفة العمومية،وبانتفاء ذلك تعم الفوضى والتسيب بشكل يتعذر معه الحديث عن أي عمل إداري،وتكتسي هذه الأهمية دلالات عميقة،خاصة بعد صدور تقرير البنك الدولي عن الإدارة المغربية،وهي أمراض لم تكن طائفة منها لو كان التأديب يؤدي دوره في ضبط التصرفات والسلوكات داخل الإدارة ([37]

وبخصوص النقل،فبموجب القانون رقم 50.05 الصادر بتاريخ 19 ماي 2011،والمعدل للفصل:38 المكرر من الظهير الشريف رقم:008-58-1 الصادر بتاريخ:24-02-1958 ينص على أنه :” يوجد الموظفون المنتمون للهيئات والأطر المشتركة بين الإدارات في وضعية عادية للقيام بالوظيفة في إدارات الدولة وفي الجماعات المحلية المعينين بها. ويمكن نقلهم من إدارة عمومية إلى أخرى أو من جماعة محلية إلى أخرى أومن إدارة عمومية إلى جماعة محلية أو من جماعة محلية إلى إدارة عمومية.

يتم نقل الموظفين وفق الشروط التالية:

– بناء على طلبهم؛

– تلقائيا بمبادرة من الإدارة العمومية أو الجماعة المحلية عندما تقتضي حاجيات المصلحة ذلك، وفي هذه الحالة تتم استشارة اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء المختصة، وإذا كان هذا النقل سيؤدي إلى تغيير محل إقامة الموظف، يمكن تخويله تعويضا خاصا؛

تحدد كيفيات تطبيق أحكام هذا الفصل بموجب مرسوم”؛

وهكذا، ففي رأينا أن القانون المشار إليه أعلاه لتنزيل هذه المقتضيات القانونية،إلا أنه زاغ في جل أحكامه عن الضمانات الأساسية التي يتعين أن يتمتع بها الموظف في مواجهة أي تجاوز محتمل في استعمال السلطة من قبل الإدارة،حيث تميز هذا المرسوم بالعمومية المفرطة التي تتيح للمسؤول الإداري هامشا واسعا في تقدير نقل الموظفين الموضوعين رهن إشارة الإدارة،وبالتالي خلق أسلوب جديد في إخضاع فئة الهيئات المشتركة بين الإدارات لمزايدات غير محسوبة،وهي التي تشكل ثقلا كبيرا داخل الإدارات العمومية والجماعات الترابية، لا يستقيم التعامل معها كأملاك منقولة لفائدة الإدارة يمكن نقلها من مكان لآخر في أي وقت وحين تحت ذريعة “ضرورات المصلحة”؛

أما الإعفاء فيقصد منه استغناء الإدارة عن الموظف العمومي بصفة نهائية،وإجمالا فإنه يمكن إعفاء الموظفين من وظائفهم في الحالات التالية:

  • بسبب تخفيض المناصب المالية بموجب ظهائر خاصة تنص على تخفيض من عدد موظفي الإدارات العمومية، وللإشارة فهذه الحالة لم تتحقق لحد الآن؛
  • بالإضافة إلى ذلك فإنه لا يمكن تسريح موظفين إلا بعد إعلامهم مسبقا بذلك ومنحهم تعويضات عن هذا الإعفاء؛
  • يمكن إصدار قرار الإعفاء في حق الموظفين الموجودين في وضعية الاستيداع الذين لم يطالبوا بإعادة إدماجهم بأسلاك إدارتهم في الأجل القانوني المحدد لهم، أو عند رفضهم المنصب المسند إليهم بعد إعادة إدماجهم، وذلك بعد استشارة اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء المختصة؛
  • في حالة ثبوت فقدان الكفاءة المهنية لموظف وتعذر إدراجه في أسلاك الإدارة أخرى، فإما بعض من مهامه إذا لم يكن الحق في التقاعد أو يتم إحالته على التقاعد إذا كان يتوفر على الشروط النظامية؛
  • إذا ثبت عدم توفر الكفاءة المهنية لموظف متمرن عند نهاية السنة الثانية من التمرين، فإنه يتم إعفاؤه من وظيفته بصفة تلقائية؛
  • في حالة ترك الوظيفة بدون عذر مقبول أو إذن مسبق، يوجه رئيس الإدارة إنذار إلى الموظف المتغيب قصد استئناف عمله يحيطه فيه بالإجراءات التي يمكن أن يتعرض لها في حالة رفضه التحاقه بعمله؛

وعليه،فإننا سنقتصر في تحليلينا في هذا المطلب على معنى التأديب والنقل بين القانون المغربي والتشريع المقارن، لأهميتها من الناحية العملية في الوظيفة العمومية؛

الفقرة الأولى: الإطار المفاهيمي للعقوبة التأديبية والتنقيل وأنواع العقوبات التأديبية في القانون المغربي:

أ- يقصد بالعقوبة التأديبية مخالفة الموظف للواجبات التي تنص عليها القوانين والقواعد التنظيمية العامة التي تحكم نشاطه،فكل موظف أخل بواجب من واجباته التي تدخل في أعمال وظيفته أو يظهر بمظهر من شانه أن يخل بكرامة الوظيفة يسال تأديبيا ويتخذ في حقه قرار إداري يعرف بقرار العقوبة،ومن المعلوم أن المسؤولية التأديبية تتصف بعدة مميزات كان تقرر هذه المسؤولية من طرف السلطة الرئاسية للموظفين،ذلك أن المسؤول عن تبعات انجاز المهام المنوطة بمرؤوسيه ومراقبتها لضبط الأخطاء التي يرتكبونها خلال مزاولة نشاطهم*** الفصلين 65 و 73 من قانون الوظيفة العمومية- ثم ترمي هذه المسؤولية إلى جزاء المخالفات المرتكبة في حق الواجبات المهنية بحيث يمكن أن تؤدي به إلى حرمانه من بعض الفرص في مساره الإداري كترقيته بالاختيار أو شغله لمنصب رئاسي؛

هذا ولا يمكن أن تترتب المسؤولية التأديبية إلا بارتكاب خطا له طابع إداري لأن أي خطا تأديبي يسال عنه الموظف في نطاق مسطرة تأديبية مخالفة في مضمونها عن المسطرة الجنائية تؤدي إلى إقرار عقوبة إدارية لها طابع مهني([38]) ؛

لذلك فالتأديب هو الضمانة الأساسية لاحترام الموظف العمومي لواجبات وظيفته، فإذا  كان الأصل هو مكافأة الموظف المجد بالترقية وغيرها،فانه وعلى العكس من ذلك فالموظف المهمل ينبغي ان يعاقب على تقصيره وعدم مبالاته تبعا لما جاء به القانون في هذا الصدد؛([39]) ؛

ومما تجدر الإشارة إليه،أن المشرع المغربي لم يقنن المخالفات التأديبية وإنما جعل فكرة المخالفة التأديبية غامضة،لذلك فانه من العدالة السرعة في تحديدها بنصوص واضحة،وذلك لكي يعرف الموظف ما هو مباح عمله فيمارسه دون خشية، وما هو محضور عليه،فيجنبه عن وعي وإدراك ([40])؛

أما نقل الموظفين فيعد من المواضيع الأكثر إثارة للجدل لكون الموظف يتأثر تأثيرا بالغا بقرار الإدارة،ففي قضية رشيد خير،فبعدما قضى المجلس الأعلى سابقا- محكمة النقض حاليا – برفض طعن المذكور يمنته،بعلة أن الانتقال المطعون فيه تم في ظروف استثنائية ناتجة عن إحداث نيابات جديدة للوزارة بعد أن كانت مجتمعة في نيابة واحدة فكان من حق الإدارة أن تعيد توزيع أطرها لسد الفراغ الناشئ عن التقسيم الجديد سيما انه بنفس المنطقة،أما مبدأ اعتبار الموظف الذي لم يلتحق إلا مؤخرا بمؤسسة تعليمية هو الأولى بالنقل لسد الفراغ فيمكن التمسك به فيما يخص مهام التدريس وليس في مهام التفتيش التي تعتبر متوقفة على كفاءة خاصة وان عدم نقل أستاذ لا يتوفر على صفة مفتش ولم يلتحق إلا مؤخرا بالإقليم كما يتمسك به المدعي المستأنف عليه لا يكفي لاستخلاص ان هناك أية رغبة في تفضيل أي مفتش على آخر باعتبار الظروف المحيطة والنازلة …ولا وجود لأي شطط في استعمال السلطة([41]) ؛

ثم إن اعتماد معيار آخر الذي مفاده انه من التحق لتوزيع الأساتذة الفائضين عن الحاجة بمؤسساتهم،بصرف النظر عن كونهم يتوفرون على جدول كامل أو ناقص،وذلك عن طريق تكليفهم بمهمة التدريس بمؤسسات أخرى تحقيقا لمبدأ المساواة بين المدرسين،وحفاظا على الصالح العام،وليس في ذلك أي تعارض مع مقتضيات الفصل:64 من قانون الوظيفة العمومية الذي أورد أحكاما عامة في حل المشاكل المطروحة في نقل الموظفين([42]) ؛

ورغم أن الإدارة تضع بعض القواعد والضوابط التي يجب الاسترشاد بها في نقل الموظفين كاعتماد مبدأ آخر تبعا لسلطتها،فان ذلك لا يحول دون رفع الطعون إلى القضاء الإداري من اجل وضع حد للجدل القائم بين الموظفين من جهة،وبين الإدارة من جهة أخرى،ويجد القاضي الإداري في مبدأ المساواة حلا عادلا ومنصفا لكل الأطراف:-…والحال أن قرار النقل المحتج به من طرف الطاعنة لا يتضمن ذلك وان هذه الأخيرة تنفي تقديمها لأي طلب الشيء الذي يستوجب إعمال وثيقة النقل الرسمية المذكورة وترتيب النتائج عليها ([43])

بالإضافة إلى سلبيات أخرى تتعلق بتباين الرواتب في الوظيفة العمومية،والإعفاءات التي تعد مقصلة الموظف،والزبونية في التقييم،وتغليب عنصر الثقة على الكفاءة([44] )؛

ب–  أنواع العقوبة التأديبية :

 تعتبر العقوبة التأديبية من الوسائل الإدارية الرادعة،تطبقها الجهة المختصة بناء على نص خاص بهدف المحافظة على النظام العام،وتختلف العقوبات باختلاف الأنظمة الأساسية الخاصة بكل إدارة على حدة إما عن لائحة العقوبات في التشريع المغربي طبقا للفصل:66 من ظهير قانون الوظيفة العمومية، فهي تشمل:

  • الإنذار؛
  • التوبيخ؛
  • الحذف من لائحة الترقي؛
  • الانحدار من الطبقة؛
  • القهقرى من الرتبة؛
  • العزل من غير توقيف حق التقاعد؛
  • العزل المصحوب بتوقيف حق التقاعد([45]) ؛

بالإضافة إلى عقوبة الحرمان المؤقت من كل أجرة باستثناء التعويضات العائلية لمدة لا تتجاوز ستة أشهر؛

  • السلطة المختصة بالتأديب:لقد أوكل المشرع المغربي بموجب قانون الوظيفة العمومية مهمة تطبيق العقوبات التأديبية إلى جهة خصها المشرع بذلك ولا يجوز لها التفويض في التأديب تطبيقا لمبدأ الشرعية؛
  • ضمانات التأديب ([46] ) :

 تتمثل ضمانات التأديب التي كفلها المشرع المغربي فيما يلي:

  • ضرورة اتخاذ إجراءات معينة تجاه الموظف المتهم،كتمكينه من الاطلاع على ملفه الشخصي وعلى جميع الوثائق الملفاة بالملف؛
  • يجب على السلطة التأديبية أن تأخذ بعين الاعتبار تصريحات الموظف المنسوب إليه المخالفة التأديبية؛
  • ضرورة استشارة السلطة التأديبية للمجلس التأديبي في تطبيق العقوبات؛
  • عدم تطبيق السلطة التأديبية لعقوبة اشد من العقوبة المقترحة من المجلس التأديبي؛
  • عدم معاقبة الموظف عن الفعل الواحد مرتين؛
  • ضرورة إثبات ما تدعيه الإدارة في مواجهة الموظف المخطئ؛
  • محو الجزاءات الجنائية:

لقد نص المشرع في قانون الوظيفة العمومية على حق الموظف في محو العقوبة التأديبية بعد انقضاء مدة معينة من توقيعها،وذلك تشجيعا له على عدم تكرار الوقوع في الخطأ؛

الفقرة الثانية : التأديب والتنقيل في القانون المقارن:

أ- التأديـــــــــب:

عمدت بعض التشريعات المقارنة إلى تقنين المخالفات التأديبية دون ربطها بالجزاءات المناسبة كالولايات المتحدة الأمريكية التي اصدر رئيس لجنة الخدمة المدنية بولاية نيويورك سنة:1952 قائمة بالمخالفات التأديبية التي يسال عنها الموظف تاديبيا،فيما ذهبت بعض التجارب الأخرى إلى تطبيق مبدأ الشرعية كاملا،والتنصيص على مبدأ لا مخالفة تأديبية إلا بنص،كالتشريع الايطالي،الذي يعتبر نموذجا لتحديد المخالفات التأديبية بصورة واضحة،وبما أن المشرع الأردني جاء بتجربة جديرة بالدراسة،أطلق عليها مدونة السلوك الوظيفي،وجب الوقوف عند هذه التجربة،واخذ منها ما يلاءم الوضع بالمغرب،لتطوير الترسانة القانونية المنظمة للوظيفة العمومية،وتجاوز السائد المتمثل في تتبع التشريع الفرنسي؛

المقصود بالمخالفات التأديبية في التشريعات الأمريكية والايطالية والأردنية :

**في التجربة الأمريكية: اصدر رئيس لجنة الخدمة المدنية  بولاية نيويورك سنة:1952 قائمة بالمخالفات التأديبية التي يتابع عنها الموظف تأديبيا منها:- تزوير المستندات،السكر أثناء الخدمة،مخالفة أوامر السلطة الرئاسية،محاولة إضعاف السلطة الرئاسية،إتيان سلوك غير لائق مع الجمهور،عدم احترام قواعد ونظم العمل([47])

 ويلاحظ إذن أن بعض المخالفات الواردة في اللائحة جاءت محددة ودقيقة الوصف،ما لا يترك مجالا واسعا لتقدير السلطة التأديبية،إلا انه ما يعاب عليها أنها لم تربط الفعل بالعقوبة المناسبة والمستحقة؛

**في التجربة الايطالية: تعتبر التجربة الايطالية في تقنين المخالفات التأديبية من بين التجارب الرائدة على مستوى ربط المخالفة بالعقوبة المناسبة لها،حيث قيد المشرع الايطالي السلطة التأديبية بنصوص محددة تصف المخالفات التأديبية وأركانها،وتقسم المخالفات التأديبية في نظام الوظيفة العمومية الايطالي إلى أربع مجموعات،ويخصص لكل مجموعة منها طائفة من العقوبات،ويمكن تبيان بعضها على الشكل التالي:

1- التوبيخ؛

2- تخفيض المرتب الشهري…،توقع هذه العقوبة على المخالفات التالية:

– الإهمال الخطير في الخدمة،السلوك المعيب اتجاه الرؤساء أو الزملاء،السلوك الذي لا يتفق مع كرامة الوظيفة…

3- الوقف عن العمل دون مرتب مع الاحتفاظ بالتعويضات العائلية لمدة تتراوح بين شهر وستة أشهر،وتوقع على المخالفات:استغلال الوظيفة لمصالح خاصة،اهانة أو تحقير الإدارة أو الرؤساء،إتيان سلوك يؤدي إلى اضطراب العمل أو عدم انتظامه،ترك العمل إراديا في غير الحالات المنصوص عليها في القانون…4- العزل بالطريق التأديبي في حالة:الأعمال التي تتنافى والشرف،الأفعال التي تمثل مخالفة خطيرة لواجب الأمانة([48])

**في التجربة الأردنية: أقدم المشرع الأردني على تجربة فريدة من نوعها،حيث اصدر مجلس الوزراء قرار رقم:3413 بتاريخ:02-03-2014 المتضمن الموافقة على مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة،حيث يجب على كل موظف ولج الوظيفة العمومية أن يوقع إقرارا  يعترف من خلاله بأنه اطلع على أحكام المدونة كاملة ويلتزم بتطبيقها بشكل كامل،ويتابع الموظف تأديبيا إذا خالف أحكام المدونة،وتتضمن الأخيرة ما يجب على الموظف الالتزام به وما يجب الامتناع عنه،بشكل دقيق يوضح حدود سلوكيات الموظف داخل وخارج الإدارة ومعاملاته اتجاه الرؤساء والمرتفقين،منها على سبيل المثال:المادة:5 واجبات الموظف ومسؤولياته العامة،المادة 6 التعامل مع الآخرين،المادة:7 الحفاظ على السرية واليات الإفصاح عن المعلومات[49]؛…

 ليس من الغريب أن تتعسف الإدارة في استعمال سلطتها التأديبية وتتخطى المشروعية إلى اتخاذ قرارات العقوبات ضد موظفيها،لذا فان الرقابة على إجرائها أصبحت اليوم تشكل وسيلة لحماية أعوان الدولة كيفما كانت وضعيتهم الإدارية،وقد حدد المشرع المغربي ثلاثة أنواع من الرقابة تتخذ الأولى طبيعة إدارية والثانية متمثلة في رقابة المجلس الأعلى للوظيفة العمومية – الفقرة الأولى -،أما النوع الثاني من الرقابة فقد اتخذ صبغة قضائية –الفقرة الثانية-؛

ب-التنقــــــــــــــيل:

**في التشريع الجزائري: يقصد بالنقل في القانون الجزائري أن تستبدل بالوظيفة المسندة إلى وظيفة خالية من نفس النوع والدرجة إلى إدارة أخرى،ويهدف النقل في الغالب إلى تحقيق مصلحة العمل بحسن توزيع الموظفين على الإدارات المختلفة وهو ما قضت به المادة:156 من الأمر:06-03 المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية:…تكون حركات نقل الموظفين ..في حدود ضرورة المصلحة،وتضيف المادة:157 من نفس الأمر:يمكن نقل الموظف…مع مراعاة ضرورة المصلحة وقد يهدف النقل أحيانا إلى تلبية الموظف نفسه،إذا لم يكن في النقل إضرار لصالح العمل،وعليه يفترض في الإدارة العامة أن تمارس صلاحية نقل الموظفين لتحقيق مصلحة العمل أو الصالح العام،فإذا ثبت أن قرار النقل الذي اتخذته الإدارة استهدف غاية أخرى بعيدة عن المصلحة العامة كالانتقام أو التنكيل بالموظف فان القرار يكون معيبا جديرا بالإلغاء ([50]) ؛

** في التشريع المصري: فان نقل الموظفين من الجهات الإدارية المختلفة حسب اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية الجديد لسنة: 2015 يتم تبعا لقرار من السلطة المختصة،بحيث يسمح بنقل الموظف من وظيفة إلى أخرى بذات الوحدة أو خارجها ، ويستثنى من أحكام الفقرة الأولى، نقل شاغلي وظائف الإدارة العليا من وحدة إلى أخرى بقرار من رئيس مجلس الوزراء.

أما عن شروط نقل الموظف من جهة إدارية إلي أخري حسب قانون الخدمة المدنية فهي كالتالي :-

  • أن يكون الوظيفة المنقول إليها الموظف شاغرة وممولة في موازنة الوحدة.
  • أو أن يُنقل الموظف بالمستوى الوظيفي.
  • أو يُنقل على أحد الوظائف التي يوفرها الجهاز بالتنسيق مع وزارة المالية وأن يستوفى الموظف اشتراطات شغل الوظيفة المنقول إليها وأن يكون النقل بناءً على طلب الموظف.
  • أو بناءً على طلب الوحدة المنقول منها أو الوحدة المنقول إليها، تحقيقًا لمصلحة العمل أو المصلحة العامة أو لحسن الاستفادة من خدمات المواطنين وأن تسمح حاجة العمل بالوحدة المطلوب النقل منها، بالنقل؛

خاتمـــــة:

إن الموظف العمومي هو ذلك الشخص الذي تربطه علاقة نظامية بالإدارة ويعمل تحت إمرتها بالتبعية القانونية والاقتصادية بأبهى صورها،لذلك ينبغي أن تكون هذه التبعية طبقا لروح القانون وليس على أساس الطاعة العمياء الخارجة عنه،إذ أن أي سلوك مخل بالقواعد القانونية من شانه أن يمس بالإدارة وبالمرفق العام ككل،لذا يتعين على المتبوع أن يكون أهلا وذو دراية بفنون التدبير والتسيير تبعا للقانون ولمبدأ الشرعية،حتى تستطيع الإدارة القيام بمهامها على أحسن وجه،وان كل ما من شانه المساس بالموظف التابع خارج إطار القانون سيكون له اثر على المواطن إلا أم اقل الإدارة بشكل عام،خصوصا ما يسمى بمسطرة التأديب عندما تكون غير مؤسسة قانونا ولم تلتزم بمبدأ الشرعية الإدارية؛

مقال قد يهمك :   مداخلات مهمة في ندوة مركز إدريس الفاخوري حول أراضي الجموع ومستجداتها التشريعية(البرنامج)

لذلك آن الأوان لكي يتدخل المشرع من اجل تقنين المخالفات التأديبية عبر إدراج مبدأ المشروعية فيها لاستكمال النضوج في القانون التأديبي دعما لحركية الإصلاح الإداري،ويمكن أن يكون لدى الموظف دليل العمل في شكل كتيب لضم كافة الترتيبات،وإجراء العمل وقوائم الواجبات والمسؤوليات،وإعادة النظر في ما يسمى بالتنقيل والإعفاء والتكوين المستمر تبعا للتطور الذي تعرفه المنظومة؛

أما على الصعيد النفسي للموظف،فالتقنين يحقق استقرار للموظفين،حيث يعرف الموظف ما هو مباح له وما هو مؤثم،لا أن يلتزم بنص غامض مفاده الامتناع عن الاختلال بأعباء الوظيفة أو بكرامتها،أو نص المشرع،كل هفوة أو هفوة خطيرة،حيث سيجعل هذا السياق الموظف فريسة القلق،لأنه يجهل ما هو مباح وما هو غير  ذلك[51]؛

ومن رأينا،انه آن الأوان لإعادة النظر في طريقة تقييم التابعين –الموظفين- من طرف المتبوع،استنادا إلى معيار الكفاءة والإبداع في المردودية،وبذل المجهودات من اجل الرقي بالإدارة و السير قدما من اجل تطوير أساليبها بالمفهوم الحديث عبر نكران الذات خدمة للوطن والمواطن معا،وليس على أساس منطق الو لاءات ولو على حساب باقي المرؤوسين بغية تصفية حسابات شخصية أو سياسوية ولو خارج القانون؛


لائحة المراجع:

النصوص القانونية:

  • الدستور:
  • الدستور المغربي لسنة:2011 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم:91-11-1 في 27 شعبان 1432 الموافق ل 29 يوليوز 2011 الصادر بالجريدة الرسمية عدد:5964 مكرر الصادر في:28 شعبان 1432 الموافق ل 30 يوليوز؛
  • الظهائر:
  • ظهير شريف رقم:008-58-1 الخاص بالنظام الأساسي للوظيفة العمومية الصادر بتاريخ:04 شعبان 1377 – 24-02-1958 –جريدة عدد:2372 بتاريخ:21 رمضان 1377 -11-04-1958؛
  • ظهير شريف رقم:008-58-1 بتاريخ:4 شعبان 1377 – 24-02-1958 يحتوي على القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية،جريدة رسمية عدد:2372 بتاريخ:21 رمضان 1377،11 ابريل 1958

الكـــــــتب

  • عبد القادر باينة،الموظفون العموميون في المغرب ، دار توبقال للنشر ، طبعة 2002
  • محمد الكشبور،عناصر عقد الشغل في التشريع الاجتماعي المغربي،مطبعة النجاح الجديدة،الدار البيضاء طبعة:1998؛
  • مليكة الصروخ،القانون الإداري،دراسة مقارنة،مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء طبعة:2010؛
  • جميلة عباوي،المسؤولية التأديبية للموظف،مجلة المنبر القانوني،العدد:9 اكتوبر 2015؛
  • عبد الوهاب رافع:نزاعات الوضعية الفردية للموظفين والعاملين بالإدارة العمومية من خلال العمل القضائي،الطبعة الأولى المطبعة الوراقة الوطنية،مراكش،السنة 2006؛
  • موقع وزارة الوظيفة العمومية،الإصلاح الإداري،النصوص المتعلقة بالمجلس الإداري للوظيفة العمومية الطبعة الثانية أكتوبر 2002؛
  • طارق حسنين الزيات،حرية الرأي لدى الموظف العام دراسة مقارنة مصر،فرنسا،الطبعة الثانية السنة 1998 ؛ د مليكة الصروخ،النظام القانوني للموظف العمومي المغربي،الطبعة الاولى،مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء سنة 1984؛
  • عبد الفتاح حسن:التأديب في الوظيفة العامة،مطبعة القاهرة 2000 ؛
  • علي عبد الفتاح محمد خليل،الموظف العام وممارسة الحرية السياسية،الطبعة الاولى،دار النهضة العربية القاهرة 2002؛
  • رضوان بوجمعة،الوظيفة العمومية ، النظام التأديبي للموظفين وموقف المجلس الأعلى – منشور بالمجلة المغربية للقانون واقتصاد التنمية ، الدار البيضاء ، العدد : 17 ، السنة 1988 ؛
  • محمد سليمان الطماوي ، مبادئ القانون الإداري المصري والمقارن ، دار الفكر العربي،الطبعة الثانية،1999؛

الأطاريـــح والرسائل:

الأطاريح:

  • محمد بن التهامي،الوظيفة العمومية المغربية بين وحدة الدور والهدف وتعدد الأنظمة،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام،جامعة محمد الخامس اكدال الرباط،السنة الجامعية 2000 ؛
  • محمد جودت الملط،المسؤولية التأديبية للموظف العام،رسالة لنيل الدكتوراه،جامعة القاهرة:1967؛
  • عتيق الزيادي ، المسؤولية الشخصية للموظف العمومي ، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ، كلية الحقوق بالدار البيضاء ، طبعة 200، ص 25 .

الرسائل:

  • علي غرداك،حقوق وواجبات الموظف العمومي في ضوء الاجتهاد القضائي،رسالة لنيل شهادة الماستر،جامعة محمد الاول وجدة،السنة الجامعية:2009-2010؛
  • عبد الرحمان المكادمي،حرية الرأي لدى الموظف العمومي بالمغرب،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة،جامعة محمد الخامس السويسي،السنة الجامعية:2008-2009؛
  • سليمان محمد إبراهيم أبو حسان،الموظف العمومي وتأديبه في القانون المغربي،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام،كلية الحقوق اكدال الرباط،السنة الجامعية:1985؛

المقـــــــالات:

  • جميلة عباوي،المسؤولية التأديبية للموظف،المنبر القانوني سنة:2015؛
  • خالد الزهراوي،المخالفات التأديبية وسؤال الشرعية،منشورات مجلة العلوم القانونية،مطبعة الأمنية الرباط،2016؛
  • محمد بوكطيب،المبادئ العامة للقانون على ضوء الاجتهاد القضائي الإداري المغربي،الوظيفة العمومية نموذجا،مطبعة الأمنية الرباط:2016؛
  • عبد الحكيم الحسناوي،التكوين المستمر بالوظيفة العمومية من التنصيص القانوني الى رهان المقترب التدبيري،مطبعة الأمنية الرباط:2016؛
  • محمد الأعرج،القانون الإداري المغربي،المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد:94 مطبعة:2015؛

الهوامش:

([1])    عبد القادر باينة، الموظفون العموميون في المغرب، دار توبقال للنشر، طبعة 2002.ص:100

[2]) ) محمد سليمان الطماوي، مبادئ القانون الإداري المصري والمقارن، دار الفكر العربي، الطبعة الثالثة 1999.

[4] )) ما عدا الفقرة الثانية من الفصل 14 من قانون الوظيفة العمومية التي نصت على أنه …” ولا ينتج عن الانتماء أو عدم الانتماء إلى نقابة ما أية تبعية فيما يرجع لتوظيف المستخدمين الخاضعين لهذا النظام الأساسي العام وترقيتهم وتبعيتهم ، أو فيما يخص وضعيتهم الإدارية بصفة عامة .

 ([5])تنص المادة:21 من مدونة الشغل على انه يمتثل الأجير لأوامر المشغل في نطاق المقتضيات القانونية أو التنظيمية،أو عقد الشغل أو اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي

يمتثل الأجير أيضا للنصوص المنظمة لأخلاقيات المهنة؛

([6])  الكشبور،عناصر عقد الشغل في التشريع الاجتماعي المغربي،مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء،طبعة،1995،صر114؛

([7])  في الهامش،محمد الكشبور المرجع السابق،صفحة:114 اذ عرفها:أنها حالة قانونية تنتج عن عقد العمل،وتجعل العامل خاضعا لإدارة وإشراف من ينفذ العمل لحسابه،أو لمن خول له هذا الأخير تلك السلطة؛

([8])  يراجع في ذلك معجم القاموس القانوني لمؤلفيه:إبراهيم نجارو احمد زكي بدوي ويوسف شلالا،والذي عرف كلمة تابع Dependance أي تبعية الشخص لآخر من الناحية القانونية أو الاقتصادية كاعتماد الطفل على والديه واعتماد الزوجة على زوجها لإعالتها،أما التبعية الاقتصادية فيقصد منها حالة العامل الذي يحصل أو لا يحصل على اجر قبل الشخص الذي يستخدمه عندما يحصل من العمل الذي يقوم به لهذا الشخص على المواد الضرورية لمعيشته انظر الصفحة:97 منه ؛

  يراجع في ذلك أيضا المعاجم التاريخية،وخاصة لسان العرب لابن منظور

([9])  انظر قرار محكمة النقض عدد:2229 صادر بتاريخ:22-11-2012 في الملف الاجتماعي عدد:1338/5/1/2011 طريقة تنفيذ عقد الشغل وطبيعة أداء الأجير مقابل ذلك…لا تجردان عقد الشغل مما يتميز به من تبعية قانونية؛ – انظر قرار محكمة النقض عدد:1617 صادر بتاريخ:23-08-2012 في الملف الاجتماعي عدد:582/5/1/2011 جاء فيه:علاقة التبعية بمفهومها القانوني من إشراف وتوجيه ورقابة…

 ([10]) انظر حقوق الموظف في قانون الوظيفة العمومية،كما يراجع في ذلك ميثاق حسن سلوك الموظف العمومي؛

([11])   تنص الفقرة الثانية من الفصل 26 المكرر ( 5 مثلث ) على أنه : يقصد بالوظيفة ، لتطبيق أحكام هذا الفصل : كل عمل يقوم به الموظف خلال أوقات العمل الإدارية علاوة على وظيفته النظامية بصفة دائمة أو عرضية مقابل أجرة كيفما كانت طبيعتها أو نوعها .

([12]) انظر قرار المحكمة الإدارية بالرباط،حكم عدد:313 بتاريخ:20-03-2000،ملف رقم:411/98غ،حكم غير منشور؛

([13])  انظر الأنظمة الأساسية الخاصة في موقع الأمانة العامة للحكومة لكل فئة على حدة؛

([14]) انظر قرار المحكمة الإدارية بوجدة،قسم القضاء الشامل،ملف الوضعية الفردية للموظفين،ملف رقم:83-7105-2016،حكم عدد:180 بتاريخ:15-03-2017 غير منشور،جاء فيه:-وحيث انه بالرجوع الى المادة:3 من المرسوم رقم:403-04-2 المشار اليها نجدها تنص على انه يتم الترقي عن طريق امتحان الكفاءة المهنية في حدود 11 في المائة سنويا من عدد الموظفين المتوفرين على اقدمية 6 سنوات في الدرجة،حكم غير منشور؛

[15]) )-للزيادة في التوضيح فقد اصدر الوزير المكلف بتحديث القطاعات العامة قرار رقم:06.1725 الصادر بتاريخ:02 رجب 1427-28-07-2006-متضمنا نموذجا لبطاقة التنقيط وتقرير تقييم موظفي الإدارات العمومية،منشور بالجريدة الرسمية عدد:5379 بتاريخ:17 ذو القعدة 1426 -19 ديسمبر 2005- ص3528 ؛

([16])  مليكة الصروخ،القانون الإداري،دراسة مقارنة،مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء،طبعة:2010 ص:382؛

[17]) ) يراجع في ذلك الفصول:41  و 75 مكرر و 45 مكرر من الظهير الشريف رقم:1.58.008 بتاريخ:24 فبراير 1958،كما يراجع منشور السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية رق/12 وع الصادر  في:14/05/1979،الجزء الثاني من مجموعة – النصوص الإدارية،ص:221؛في الهامش؛

([18])  في الهامش محمد بن التهامي،الوظيفة العمومية المغربية بين وحدة الدور والهدف وتعدد الأنظمة،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام،جامعة محمد الخامس اكدال،الرباط،السنة الجامعية،2000 ص:87؛

([19])   محمد جودت الملط – المسؤولية التأديبية للموظف العام – رسالة دكتوراه – جامعة القاهرة – 1967 – ص 7  .

([20])  عتيق الزيادي ، المسؤولية الشخصية للموظف العمومي ، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ، كلية الحقوق بالدار البيضاء ، طبعة 200، ص 25 .

([21]) علي الغرداك ، رسالة لنيل الماستر في التدبير الاستراتيجي للموارد البشرية في الإدارة والمقاولات،حقوق وواجبات الموظف العمومي على ضوء الاجتهاد القضائي،الموسم الجامعي:2009/2010،ص:59؛

  • يتعين على الموظف أيضا احترام واجب الدستور والتقيد بالقانون- انظر ميثاق حسن سلوك الموظف العمومي في الملحق-
  • كما يلتزم المرؤوس بضرورة الاحتفاظ بإسرار الإدارة داخلها واجب كتمان السر المهني يعد من الضروريات الأساسية التي يقوم عليها،فهو بحكم وضعه الوظيفي يطلع على الكثير من الأسرار التي تخص المرفق والتي قد يؤدي الإفصاح عنها إلى اضطرابات في السير العادي لهاته المرافق؛ و إن كان الأمر لم يعد كذلك مع دستور 2011 الذي نص على الحق في الحصول على المعلومة ؛
  • للمزيد راجع مشروع قانون رقم 13-31 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات كما وافق عليه مجلس المستشارين بتاريخ : 09/01/2018 مع مراعاة الاستثناءات الواردة في مقتضيات المادة 2 منه (المشمولة بطابع السرية ) ؛

([22])فالموظف لايتصرف لحسابه الخاص وانما لحساب الادارة،وهنا تطرح مسالة الخطا الشخصي ام الخطا المرفقي،وماينبغي الاشارة اليه اساسا فالقاضي على سبيل المثال،فهو وان خوله المشرع سلطة تقديرية في بعض المواد القانونية،الا انه ملزم بتطبيق القانون والا احيل على المجلس في حالة ارتكابه لاخطاء جسيمة تبعا لمقتضيات المادة:97 من القانون الاساسي للقضاة؛

طارق حسين الزيات،حرية الرأي لدى الموظف العام- دراسة مقارنة مصر-فرنسا،الطبعة الثانية السنة 1998،ص:249 وما يليها؛

([23])  علي غرداك،المرجع السابق ص:63؛

في هذا الصدد نعتقد ان المرؤوس لا يلتزم بالطاعة الا اتجاه رؤسائه في ذات المصلحة او الفرع الذين يملكون سلطة أوامر ملزمة له لا لغيره،أما سوى هؤلاء من الرؤساء فهو يلتزم اتجاهم فقط بواجب الاحترام والتقدير؛

([24])   انظر قانون رقم:06-54 المتعلق بإحداث التصريح الإجباري لبعض منتخبي المجالس المحلية والغرف المهنية وبعض فئات الموظفين أو الأعوان العموميين بممتلكاتهم الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم:202-07-1 بتاريخ:20 شوال 1429 الموافق ل 20 أكتوبر 2008؛

 ([25]) مليكة  الصروخ ،النظام القانوني للموظف العمومي المغربي،ص 263 وما يليها؛

([26])  عاصم احمد عجيلة:طاعة الرؤساء وحدودها في الوظيفة العامة،عالم الكتاب الطبعة الرابعة:1992 ص،52 الطبعة الأولى مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء،سنة 1984 ص:263 وما يليها؛

([27])  علي الغرداك،المرجع السابق ص:64؛

([28])  عبد الفتاح حسن،التأديب في الوظيفة العامة،مطبعة القاهرة:2000 ص:391 منه؛

 ([29])  علي عبد الفتاح محمد خليل،الموظف العام وممارسة الحرية السياسية،الطبعة الأولى،دار النهضة العربية،القاهرة 2002 ص:185؛

([30])  علي الغرداك،المرجع السابق ص 67؛

([31])  علي الغرداك،المرجع السابق ص 67؛

([32])  علي الغرداك،المرجع السابق،ص:68؛

 ([33]) علي الغرداك،المرجع السابق،ص:68؛

([34])  علي الغرداك،المرجع السابق،ص:69؛

([35])   ينص الفصل 80 من قانون الوظيفة العمومية على انه:لا يعفى الموظفون نتيجة عن حذف مناصب قارة يشغلونها إلا بمقتضى ظهائر شريفة خاصة بالتخفيض من عد موظفي الأسلاك وناصة على الشروط المتعلقة بالإعلام السابق ومنح التعويضات؛

-تنص مقتضيات الفقرة 2 من الفصل:81 من القانون أعلاه على انه:يمكن للموظف المعفى لعدم كفاءته المهنية أن يمنح تعويضا طبق شروط يحددها مرسوم؛

([36])  مجلة المنبر القانوني،جميلة عباوي،المسؤولية التاديبية للموظف،ص 167 وما يليها؛

([37])  جميلة  عباوي،المرجع السابق،ص:168؛

وقد اكتفى المشرع المغربي بوصف المخالفة التاديبية بمصطلح –هفوة- للتعبير عن الخطأ وأكد هذا المصطلح في الفصل:73 من قانون الوظيفة العمومية،حيث نص على انه:اذا ارتكب احد الموظفين هفوة خطيرة سواء كان الامر يتعلق باخلال في التزاماته المهنية ام بجنحة…فانه يوقف حالا من طرف السلطة التي لها حق التأديب- وقد استعمل المشرع المصري في هذا الصدد مصطلح الذنب الإداري،اما القضاء المغربي،فقد استعمل مجموعة من المصطلحات لتعريف الخطا الذي يحدد المسؤولية الإدارية للموظف منها:وحيث انه من الثابت….بناء على اقترافها عدد من المخالفات للضوابط المهنية-..وحيث يستنتج مما ذكر…بانها مخالفات مهنية- ومنها ايضا :..ان المخالفة التأديبية..

([38])  علي غرداك ، المرجع السابق،ص:87 و 88 منه؛

انظر قرار الغرفة الإدارية عدد:126 الصادر بتاريخ:13-04-1961،ملف عدد:2807،جاء فيه:السلطات الإدارية لها الحق بان تعاقب تأديبيا الموظفين العامين الذين تكون سيرتهم مخالفة،سواء داخل الوظيفة او خارجها؛

وبهذا قيل بان الأفعال المكونة للمخالفة التأديبية حصرت تحت هذا الوصف الذي يشمل جميع الأفعال التي تمس بواجبات الوظيفة العمومية ومقتضياتها،وللتوسع أكثر انظر:ممدوح طنطاوي الجرائم التأديبية،الولاية والاختصاص،مرجع سابق،صفحة:332؛

[39]) ) انظر الباب الخامس من قانون الوظيفة العمومية للتوسع أكثر؛

 ([40]) عبد القادر الشيخلي،الساسة السليمة في تأديب العاملين بالدولة،ص24؛

انظر:محمد مختار عثمان،الجريمة التأديبية بين قانون الإدارة وعلم الإدارة،الطبعة الأولى 1973 دار الفكر العربي،ص231،230؛

يقصد بالمخالفات التأديبية في التشريعين الأمريكي والايطالي على سبيل المثال: تزوير المستندات،السكر أثناء الخدمة،عدم أداء العمل بالعناية المطلوبة،مخالفة اوامر السلطة الرئاسية…رفض إعادة التدريب…الخ؛

يقصد بالمخالفة التأديبية في نظر كل من الفقيه البصري واحمد بلحاج وميشال روسي بان المخالفة التأديبية تشكل كل خرق أو خروج عن التزامات الموظفين؛

([41]) المجلس الأعلى،الغرفة الإدارية،قرار عدد:863،الصادر بتاريخ:08/07/1999،الوكيل القضائي للمملكة ضد رشيد خير،الاجتهادات القضائية في مجال التربية والتكوين،ص:331؛

[42]) ) المحكمة الإدارية بمراكش،حكم عدد:67،الصادر بتاريخ:30-05-2001،منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية،عدد:42 ص 175،أورده البوعيسي الحسن كرونولجيا الاجتهاد القضائي في المادة الإدارية،ص:312؛

[43]) ) م،اد،مراكش،حكم عدد:56 بتاريخ:09-05-2001،نادية البوزيدي ضد وزير التربية الوطنية،مجلة المحامي،عدد:40،يناير 2002،ص:175؛

([44])ففي ظل ظهير:1958: حصلت عدة تجاوزات حيث سلبت حقوق بعض المرشحين وأهديت لمرشحين آخرين لاعتبارات خاصة،ذلك كله بسبب حرية الاختيار المطلقة المعترف بها لرجل الإدارة والتي كانت تمتع سوى من تجد فيهم الطاعة والولاء ومن يحققون أغراضها الذاتية، أي تغليب عنصر الثقة على الكفاءة. وفي نطاق الترقيات، على الرغم من وجود نصوص قانونية مقيدة ومعايير تقضي بمساواة الموظفين دون تفريق أو تمييز، إلا أن الوضع يختلف في الإدارة التقليدية الذي يقوم على العلاقات الشخصية دون الوظيفة والسلطة التقديرية وجانب المصاهرة و الوساطة؛
من جهة أخرى نجد مشكل تباين الرواتب في الوظيفة العمومية، سواء على مستوى الأطر الإدارية الصغرى أو العليا. كما أن هذه الرواتب لا تساير حاليا الحياة المعيشية التي أصبحت تعرف تصاعدا مستمرا، بالإضافة إلى نظام التعويضات المختلفة تتميز بعدم انسجامها حيث يصعب تحقيق وحدتها خصوصا وأنها تستند في استحقاقها على معايير معقدة لا تؤدي إلى الإنصاف بين شرائح الموظفين. الشيء الذي لا يساهم في دعم فكرة الاستقرار في الإدارة العمومية ويشجع على اللجوء إلى قطاعات أخرى خاصة القطاع الخاص،أو اللجوء إلى وسائل دعم غير مادية غير مشروعة كالرشوة والتزوير.
نضيف أيضا وجود بعض النصوص والتي تشكل خطرا وسلاحا في وجه الموظفين مثل الفصل 80 من قانون الوظيفة العمومية الذي يعترف للإدارة بالحق في إعفاء موظفيها وذلك من أجل التخفيف من عددهم، فهذا القرار يعد من القرارات الخطيرة وذلك لما له من تأثيرات سلبية على الحياة الإدارية للموظف؛

([45])  محمد حسنين،نظام التقاعد على موظفي الدولة واعوان الجماعات المحلية،مطابع الهلال العربية،الطبعة الأولى،1992 ص:149؛

  ( [46]) للتوسع أكثر يراجع في ذلك :

الرقابة الإدارية في قانون الوظيفة العمومية:

تقوم الرقابة الإدارية على نوعين من الرقابة الأولى داخلية هي التي تقوم بها الإدارة والثانية خارجية يقوم بها المجلس الأعلى للوظيفة العمومية؛

  • الرقابة الداخلية:

هي وسيلة ذاتية بحيث تقوم بها الإدارة بنفسها لمراجعة أعمال اللاشرعية وذلك قبل أن تتدخل العدالة في شؤونها،وفي هذا السياق يقوم الموظف بطعن إداري سواء أمام موقع قرار العقوبة ويسمى تظلما استعطافيا أو أمام السلطة الرئاسية التي لها الصلاحية في مراقبة أعمال المرؤوس ويسمى تظلما رئاسيا

  • رقابة المجلس الأعلى للوظيفة العمومية:

تتخذ رقابة المجلس الأعلى للوظيفة العمومية شكل طعن يقدم لهذا المجلس،وبعد هذا الطعن أمام هذه الهيئة وسيلة إدارية أخرى رهن إشارة الموظف مكنه منها المشرع للدفاع عن حقوقه([46]) ؛

ويرفع هذا الطعن داخل اجل ثلاثين يوما ينطلق احتسابها ابتداء من يوم تبليغ قرار العقوبة للموظف المعني بالأمر من طرف الإدارة؛

وعلى المجلس أن يقوم ببحث في النزاع ليحدد رأيه الاستشاري فيما إذا كانت العقوبة غير مناسبة يجب تعديلها أو إلغاؤها بحيث انه مطالب بإرسال تقرير إلى الوزير المعني بالموظف الذي له القول في ذلك؛

الرقابة القضائية في مجال التأديب:

يحتل الطعن القضائي في مجال التأديب مكانة مهمة في المنازعات الإدارية بحيث يأخذ حصة الأسد في مجموع الأحكام التي تصدر عن المحاكم الإدارية،وذلك لما له من ضمانة وحماية حقوق الموظفين،فالقضاء المغربي شانه شان القضاء الفرنسي يبيح للموظف المعاقب تأديبيا أن يلجا إليه لمحو العقوبة والحصول على التعويضات المترتبة عن الأضرار التي لحقته من جراء تعسف الإدارة؛

وقد نظم المشرع المغربي الرقابة القضائية في صورتين:

*دعوى الإلغاء: تتسم دعوى الإلغاء بأنها دعوى القانون العام تهدف إلى إبطال القرارات الإدارية ومنها قرارات التأديب إذا كانت عديمة الشرعية بحيث يمكن القول أن القضاء الإداري المغربي أصبحت بابه مفتوحة في وجه أي قرار إداري صادر عن سلطة إدارية دونما حاجة إلى نص صريح منها على بسيل المثال:-….وحيث انه كان بإمكان الإدارة ان تستغني عن الطاعن في أي وقت بدافع المصلحة طبقا للنظام الذي تخضع له كما تدعي،فانها عندما تنسب إليه مخالفات تأديبية أصبحت مقيدة بضوابط مسطرة التأديب .

لكن حيث ثبت للمحكمة من خلال الوثائق المدلى بها اان الطاعن قد عمد الى التغيب عن العمل بصورة غير مبررة وقام بمغادرة التراب الوطني لمرافقة زوجته الى الديار المقدسة،رغم منحه رخصة بذلك من طرف الإدارة وهي الأفعال التي تشكل مخالفات تأديبية تبرر مؤاخذة الطاعن بالعقوبة المتخذة .

 *دعوى التعويض: أو دعوى المسؤولية:تروم هذه الدعوى إلى الحصول على التعويضات اللازمة من طرف الموظف الذي له أضرار نتيجة العقوبة التأديبية غير شرعية ألغاها القضاء وخاصة العقوبة الجسيمة كالطرد،فمن العدل والإنصاف أن يعوض الموظف على الأفعال الضارة الناجمة على قرار العقوبة الملغى تعويضا ماديا ومعنويا؛

([47])  في الهامش يراجع في ذلك مجلة العلوم القانونية،المنازعات الإدارية على ضوء أهم الاجتهادات القضائية،المخالفات التأديبية وسؤال الشرعية،خالد الزهري،ص:156؛

[48]) ) يراجع في ذلك مجلة العلوم القانونية،المنازعات الإدارية على ضوء أهم الاجتهادات القضائية،المرجع السابق،خالد الزهري،ص:159؛

([49])   يراجع في ذلك مجلة العلوم القانونية،المنازعات الإدارية على ضوء أهم الاجتهادات القضائية،المرجع السابق،خالد الزهري،ص:162 وما يليها؛

([50] ) انظر صديقي نبيلة،نقل الموظف بين العقوبة التأديبية والإجراء التنظيمي عبر موقع غوغل؛تاريخ الولوج إلى الموقع:26-01-2018 على الساعة:10:25 دقيقة؛

([51])  مجلة سلسلة فقه القضاء الإداري،خالد الزاهري،المخالفات التأديبية وسؤال الشرعية،مطبعة الأمنية،طبعة 2016،عدد مزدوج3/4 الجزء الثاني،صفحة:169؛

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]