طارق بوكليط: مسطرة بيع المنقول المحجوز بالمزاد العلني في التشريع المغربي

طارق بوكليط باحث في سلك الدكتوراة بكلية الحقوق بوجدة
مقدمة
يمثل بيع المنقولات المحجوزة بالمزاد العلني الغاية التي يرمي إليها الدائن الحاجز من سلوك مسطرة الحجز التنفيذي، إذ تمكنه عملية البيع من اقتضاء مبلغ الدين من ناتج عملية البيع، ومن أجل ضمان بيع المنقولات بأكبر ثمن ممكن، فقد نظم المشرع إجراءات المزايدة وشكلياتها، كما نص في حالات وظروف معينة على إعادتها من جديد.
وتعتبر هذه المسطرة تجسيدا عمليا لمبدأ قوة الشيء المقضي به ولأثر الأحكام التنفيذية، إذ تسمح بتحويل المنقولات المحجوزة إلى مبالغ مالية تخصص لأداء دين ثابت في ذمة المدين.
وتكتسي هذه المسطرة أهمية مزدوجة: فهي من جهة تحقّق مصلحة الدائن في استرجاع حقوقه، ومن جهة أخرى تضمن للمدين حمايات قانونية تحول دون تعسف التنفيذ أو المساس غير المشروع بممتلكاته.
وسنعمل من خلال هذه الدراسة على إبراز الإطار القانوني المنظم لهذه المسطرة، مع التطرق لأهم مراحلها وإجراءاتها، وكذا الإشكالات العملية التي قد تثار أثناء تطبيقها في مطلب معنون ب مسطرة بيع المنقول بالمزاد العلني مقسم إلى فقرتين تقارب الأولى مرحلة إعداد المنقول المحجوز للبيع، على ان نتطرق في الفقرة الثانية لإرساء المزاد وتحرير محضر البيع.
المطلب الأول: مسطرة بيع المنقول بالمزاد العلني
تتجلى خصوصية البيع بالمزاد العلني في عدم إمكانية إجرائه إلا بعد استيفاء مجموعة من الإجراءات المسطرية التي تهدف بصفة أساسية إلى وضع الإطار القانوني والواقعي الذي سوف تجري فيه عملية البيع.
وبعد ذلك تتم عملية السمسرة ليرسوا المزاد على من قدم أعلى عرض، وبعد ذلك يحرر عون التنفيذ محضر البيع الذي يعتبر سندا رسميا لتملك المنقولات المباعة في المزاد.
وهذا سنتناوله في هذا المطلب، المقسم إلى فقرتين:
- الفقرة الأولى: إعداد المنقول المحجوز للبيع
- الفقرة الثانية: إرساء المزاد وتحرير محضر البيع
الفقرة الأولى: إعداد المنقول المحجوز للبيع
بعد تحديد يوم البيع وساعته والمكان الذي يجري فيه البيع، ويراعى في ذلك أجل ثمانية أيام من يوم الحجز حسب مقتضيات الفصل 462 من ق.م.م، تبدأ مسطرة بيع الأموال المنقولة التي نظمها المشرع وفق قواعد توفق بين مصلحة الدائن في الحصول على حقه من غير تعسف، وبين مصلحة المدين في عدم بيعه لماله بثمن زهيد يضر به[1].
والبيع بالمزاد العلني فيه فوائد كثيرة لما يحققه من إنصاف للدائن والمدين معا، وللوصول إلى أعلى معدل لثمن المبيع وبتوافد الراغبين في الشراء وما يحدثونه من تنافس في المزايدة لتحقيق الغاية المرجوة من هذه المسطرة، بعد القيام بالإشهار بواسطة إعلان في المكان الذي سيجري فيه البيع وتعليقه على المحل، أو بواسطة إعلانه في الصحف المخصصة لنشر الإعلانات القضائية، لإحاطة الراغبين في المزايدة عموما لحضور عملية البيع بعد تحديد الثمن الافتتاحي للمبيع بواسطة خبير محلف لدى المحاكم، عندما يقتضي الأمر ذلك.
وعند حلول اليوم المحدد للبيع، فإن عون التنفيذ يتوجه إلى مكان تواجد المحجوزات، ويتوالى جردها في محضر خاص[2]، وذلك بمطابقة المنقولات الموجودة مع المنقولات الموضوعة بمحضر الحجز، للتأكد مما إذا كان قد نقص أو استبدل أو تلف شيء منها، ولا يعطي عون التنفيذ لأحد من ذوي الشأن صورة من هذا المحضر[3].
وهذا المحضر هو الذي يخلى مسؤولية الحارس، إذا وجدت الأشياء المحجوزة في يوم البيع كما كانت يوم الحجز، أما إذا تبين أن هناك خطأ ما أو اختلاسا للمال المحجوز أو نقصا فيه، فإن الحارس القضائي يصبح تحت المساءلة القضائية ويقدم للعدالة حسب حالة الإخلال المرتكبة طبقا لمقتضيات الفصل 524 من القانون الجنائي المغربي.
وهذا ما أكدته محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) في قرار[4] لها بما يلي: “إذا تم تعيين شخص حارسا قضائيا على منقولات بوشرت مسطرة الحجر بشأنها فإنه يمنع عليه قانونا استعمالها واستغلالها لمصلحته الشخصية وإلا تعرض للمساءلة القضائية، مع إمكانية مطالبته بالتعويض من طرف من بوشر الحجز في مواجهته، تعويضا يوازي الضرر اللاحق به”.
كذلك لا يترتب البطلان على عدم تحرير محضر الجرد، فآثار البطلان سيتحملها المشترون رغم أنهم لم يتسببوا فيه، وفي هذا الصدد نجد أن المشرع المغربي لم ينص في قانون المسطرة المدنية على ضرورة جرد المنقولات قبل البيع، عكس ما نص عليه المشرع المصري في المادة 374 من قانون المرافعات.[5] لذلك كان على المشرع المغربي تبني نفس الموقف الذي تبناه المشرع المصري بهذا الخصوص.
وبعد ذلك، ينطلق البيع بالمزاد العلني بمناداة عون التنفيذ على مفردات الأشياء المحجوزة دون ثمن محدد، وإنما يترك ذلك للمتزايدين قصد التنافس للوصول إلى أكبر ثمن ممكن، مع إمكانية تحديد ثمن أولي لبعض المنقولات يبتدئ منها المزاد.
إلا أنه إذا كان الأصل غالبا هو عدم تحديد ثمن أخير للمنقولات المراد بيعها، فهناك بعض الاستثناءات التي يجب فيها تحديد الثمن والتي تتجلى في الحالات التالية:
– إذا تعلق الأمر بمصوغات أو حلي من الذهب أو الفضة، فإنه لا يجوز أن تباع بأقل من قيمتها حسب تقدير الخبير، فإذا لم يتقدم إليها أي مشتري، فإن البيع يؤجل، ويعاد النشر والإعلان من جديد، وتباع لمن يرسو عليه المزاد.[6]
– إذا تعلق الأمر بالسفن، والطائرات، والأصول التجارية، فإجراءات بيعها خاصة تختلف عن البيع العادي.
– هناك منقولات لا يمكن بيعها إلا بتحديد قيمتها من طرف خبير مختص، مثل المحاصيل الزراعية، وبعض الآلات الإلكترونية…إلخ.
كما يمكن لعون التنفيذ الاتفاق مع الطرفين بإيقاف البيع، إذا كانت المبالغ المحصل عليها تساوي مبلغ الدين مع مصاريف المزاد، ويجب الإشارة في المحضر إلى إيقاف البيع والساعة التي تم فيها، رغم أن الفصل 459 من ق.م.م[7]، لم يشر إلى ذلك صراحة ولكن ينتج عن تأويل مقتضياته[8].
إن عملية البيع بالمزاد العلني يمكن إيقافها في حالة عدم الحصول على المبلغ الذي تستحقه المحجوزات ضمانا لمصلحة المدين والدائن على حد سواء، أما إذا حدث أو صادف أن عملية البيع قد مكنت الطرفين من سعر يفوق قيمة المحجوزات فإننا نــرى أن العملية لا يجب أن يوقفها أي طرف مراعاة لمصلحة الأطراف المستفيدة وتحقيق الغاية المتمثلة في الحصول على أعلى ثمن ممكن.
وفي بيع المنقولات، لا يجوز لعون التنفيذ أن يتدخل في التعرف على هوية المتزايدين قبل اقتحام المزايدة، وإنما يجوز له أن يطلب من كل من قدم عرضا أن يدلي له بالبطاقة الوطنية[9].
إن عملية البيع تستوجب وجود مشترين محتملين بناء على نوع المادة المعروضة للبيع في المزاد العلني وتلبية لنداء الإشهار أو الإعلان الذي تم قبل الشروع في عملية البيع حسب الآجل القانوني المنظم لذلك، وإذا كان الإعلان أو الإشهار موجه للعموم فمن البديهي أن يحضر أي شخص يرغب في اقتناء تلك المنقولات المحجوزة المعروضة للبيع.
إلا أننا نـرى ضرورة منع مجموعة من الأشخاص من القيام بعملية الشراء خلال المزاد العلني، ضمانا لعدم وجود أي استغلال أو انفراد بالشراء بثمن بخس أو القيام بأي مماطلة قد تعيق السير العادي والنزيه لعملية البيع، فإنه يمكن أن نسير على ما سار عليه المشرع المصري في إطار المادة 311 من قانون المرافعات المصري، حيث استثنى مجموعة من الأشخاص من المشاركة في المزايدة، وكذلك الفصل 481 من قانون الالتزامات والعقود المغربي هو الآخر استثنى مجموعة من الأشخاص من المشاركة[10]، وهم:
المدين: لا يجوز للمدين سواء كان مالكا للمال المنقول المنفذ عليه أم غير مالك أن يشتري المال بالمزاد العلني، وعلة هذا المنع أن المدين مسؤول شخصيا عن الدين، فإن اشترى المال بثمن لا يكفي لسداد كل الديون فإنه سيتم الحجز على المال مرة أخرى، ومن ثم لا مصلحة له في المزايدة على المال.[11]
القضاة: يمنع القضاة الذين يباشرون أي إجراء من إجراءات التنفيذ منعا مطلقا المشاركة في المزاد، وعلة هذا المنع هو المحافظة على سمعة القضاء والابتعاد عن مكامن الشبهات.
المحامون، وأعوان التنفيذ والمفوضون القضائيون: ويمنع المحامون وأعوان التنفيذ والمفوضون القضائيون من المزايدة على المنقولات المعروضة للبيع، وذلك حتى لا يكون هناك تحايل على القانون كأن يتم الشراء بغيرهم لفائدتهم أو لفائدة المنفذ ضده، وذلك درءا للشبهات والحفاظ على سمعة الجهاز القضائي.
ونرى أن الواقع العملي يثبت العكس، حيث أنه يمكن لهؤلاء الممنوعين من الشراء في المزايدة، الاتفاق مع الغير على أن يتقدم للمزايدة على المنقول المعروض بالمزاد حتى وإن سار عليه المزاد قام هذا الشخص الممنوع من الشراء بشرائه من الراسي عليه المزاد، وهذا الاتفاق يعتبر صحيحا، ولا يؤدي إلى بطلان إجراءات المزايدة أو البيع.
وكذلك نـرى أن البيع بالمزاد العلني للمنقولات يجب أن يتم داخل قاعة البيوعات لمحكمة مكان التنفيذ لأنه سوف يحقق نتائج جيدة، ويمكن أن نستنتج ذلك من الفصل 463 من ق.م.م، الذي ينص على أنه: “يقع المزاد في أقرب سوق عمومي، أو في أي مكان آخر يتوقع الحصول فيه على أحسن نتيجة…” وفي هذا الإطار يمكن اعتبار قاعة البيوعات للمحكمة من الأماكن التي يتوقع الحصول فيها على أحسن نتيجة، نظرا لعزوف المواطنين عن شراء هذه المنقولات في المكان الذي حجزت فيه.[12]
وبعد كل ما سبق ذكره فإن المزاد يرسو على من تقدم بأعلى ثمن أثناء المزايدة، وذلك بعد العرض الأخير، ودون تقديم أي عرض آخر، وتذكير المتزايدين برسو المزاد وإشعار المشتري بالثمن الذي رسا عليه المزاد، مضافا إليه قيمة 10% لفائدة الخزينة العامة.[13]
وهذا ما سوف نتناوله بالتفصيل في الفقرة التالية.
الفقرة الثانية: إرساء المزاد وتحرير محضر البيع
ينص الفصل 462 من ق.م.م على أنه: ” تباع الأمتعة المحجوزة بعد حصرها ووصفها بالمزاد العلني حسب مصلحة المدين”.
والحكمة من إجراء البيع بالمزاد العلني، أنه يتيح الفرصة لكل راغب في الشراء التقدم للمزاد، فيكفل زيادة عدد المتقدمين للشراء والمنافسة بينهم مما يؤدي إلى رفع الثمن إلى أقصى حد ممكن، ويدرأ استغلال المشتري فرصة بيع المال جبرا عن صاحبه فيعرض ثمنا بخسا وفضلا عن ذلك فإن إجراء البيع علنا يتيح لذوي الشأن مراقبة صحة إجراءات البيع للوقوف على مدى مراعاة عون التنفيذ لأحكام القانون، وهذا كله في صالح الدائنين الحاجزين والمدينين على حد سواء[14].
ولكي يحقق المزاد العلني الغرض منه، يجب الإعلان عن البيع إعلانا كافيا، وترك فترة من الوقت بين تمام إجراءات الإعلان وبين يوم البيع.
وينص الفصل 464 من ق.م.م على أنه: “يرسو الشيء المباع على من قدم أعلى عرض، ولا يسلم له إلا بعد تأديته لثمنه حالا.
وإذا لم يؤد المشتري الثمن أعيد بيع الأشياء المحجوزة فورا على نفقته وتحت مسؤوليته ويتحمل المشتري المتخلف الفرق بين الثمن الذي رسا به المزاد عليه والثمن الذي وقفت به المزايدة الجديدة إذا كان أقل من الأول دون أن يكون له حق الاستفادة من الزيادة إن كانت…”.
فالمزايدة تبدأ بمكان البيع، بمناداة عون التنفيذ على بيع المنقولات المحجوزة دون إلزامه أن يحدد ثمنا أساسيا يجري به البيع إذ لا يوجد نص قانوني يفرض ذلك، كما هو الشأن بالنسبة (للعقارات)، ولا عبرة بالثمن الذي قدره عون التنفيذ للمحجوزات بمحضر الحجز عند توقيع الحجز.
ويبدأ أي شخص من المزايدين بأي ثمن، ثم يليه المتزايدون، ويستطيع كل واحد منهم المزايدة على هذا السعر دون أية قيود على حريتهم في هذا الشأن، وبعد كل عطاء ملزما لصاحبه له الفترة الكافية لتقديم عطاء آخر يزيد عليه ولو كان باطلا.[15]
وعلة ذلك أنه ليس من العدالة إبقاء المتزايد السابق ملتزما بعطائه حتى يتحقق عون التنفيذ من بطلان أو صحة العطاء الجديد، غير أن القانون لم يحدد الفترة التي يبقى فيها العطاء لكي يقرر عون التنفيذ رسوه، وإنما ترك ذلك إلى تقدير عون التنفيذ، فالعون هو الذي يهيمن على المزايدة حتى يتم البيع بأعلى سعر يراه مناسبا.[16]
غير أنه يرد على سلطة عون التنفيذ التقديرية في إجراء البيع وتحديد ثمن بعض المنقولات الثمينة منها، مجموعة من القيود التي أوردها المشرع المصري بالتفصيل في المادة 386 من قانون المرافعات، عكس المشرع المغربي الذي لم ينص على هذه التفاصيل الدقيقة في بيع المنقولات الثمينة بالمزاد، وهي:[17]
المنقولات المسعرة جبريا: إذا كانت المنقولات المحجوزة من المنقولات المسعرة جبريا أو من المحدد لها نسبة من الأرباح، فإنه يجب على عون التنفيذ إرساء المزاد بمجرد تقديم عطاء بالسعر الجبري، وإلا ترتب على ذلك مخالفته لحكم التسعير الجبري، هو أمر مخالف للقانون ويعاقب عليه جنائيا ولا يجوز للدولة أن تشارك فيه.
المصوغات والسبائك الذهبية أو الفضية: إذا كانت المحجوزات من المصوغات أو السبائك الذهبية أو الفضية، ولم يتقدم أحد لشرائها بثمن يساوي قيمتها المقدرة بمعرفة أهل الخبرة على الأقل، فإنه لا يتم بيعها بل تحفظ في خزانة المحكمة كما تحفظ النقود ليستوفى منها عينا دين الحاجز وديون غيره من الدائنين.
وإذا كانت المحجوزات من الحلي والمجوهرات والأحجار الكريمة والأشياء المقومة، ولم يتقدم أحد لشرائها امتد أجل بيعها إلى اليوم التالي إذا لم يكن يوم عطلة فإذا لم يتقدم مشتري بالقيمة المقدرة أجل البيع إلى يوم آخر وأعيد النشر واللصق طبقا للقانون وعندئذ تباع لمن يرسو عليه المزاد ولو بثمن أقل مما قومت به.
فلقد رأينا في الفصل 464 من ق.م.م، على أن الشيء المباع لا يسلم لمن رسا عليه المزاد إلا بعد تأديته لثمنه حالا، ومعنى ذلك أنه يجب على الراسي عليه المزاد أن يدفع الثمن الذي رسا به المزاد فورا، مع أدائه لـ 10% لفائدة الخزينة حسب ما هو منصوص عليه في المادة 58 من قانون المصاريف القضائية.
فالبيع إذا لا يتم ولا ينتج آثاره في نقل ملكية المال المبيع إلا بعد أن يكون التزام المشتري بالمزاد بدفع الثمن قد انقضى بالوفاء.
وفي قرار لمحكمة النقض[18] قضت “أنه لم يحدد الفصل 464 ق.م.م أجلا معنيا للوفاء بثمن البيع بالمزاد العلني من طرف الراسي عليه المزاد، فأداء هذا الأخير ثمن المنقولات المحجوزة المفوتة له، ولو بعد زمن، يبرئ ذمته، ويعتبر البيع صحيحا وناجزا”.
وفي رأيـي الشخصي أعتقد أن الفصل 464 من ق.م.م حدد آجالا معين للوفاء بثمن البيع بالمزاد العلني من طرف الراسي عليه المزاد، بحيث وردت في الفصل 464 في فقرته الأولى أن الثمن يؤدى “حالا” بعد رسو المزاد، وهذا يعني أنه لا تنتقل ملكية المبيع إلى الراسي عليه المزاد إلا بعد تأديته ثمن المبيع مباشرة بعد رسو المزاد عليه.
وعلى المشتري أن يدفع الثمن حالا فإذا تخلف عن ذلك وجب على عون التنفيذ أن يعيد البيع فورا على نفقة المشتري وتحت مسؤوليته ويكون ملزما بالفرق بين الثمن الذي رسا عليه المزاد والثمن الذي أوقفت به المزايدة الجديدة[19]، إذا كان اقل من الأول دون أن يكون له حق الاستفادة من الزيادة إن كانت بل يستحقها المحجوز عليه حسب الفصل 464 من ق.م.م.
وإذا لم يتسلم المشتري الذي دفع الثمن الشيء المباع داخل الأجل المحدد طبقا لشروط البيع فإن عملية البيع تعاد من جديد، غير أن ثمن المزايدة الجديدة يوضع بكتابة الضبط لصالح المشتري الأول.
وإذا اقتصر التنفيذ في أخذ الثمن من المشتري فورا ولم يبادر بإعادة البيع فما العمل؟ مادام أنه ليس هناك نص قانوني نص على ذلك ولم يحصل في العمل، فإن عون التنفيذ يتحمل المسؤولية بتهاونه وتقصيره.
ولقد أجاب أحد الفقهاء على هذا السؤال،[20] بأن عون التنفيذ هو من يتحمل المسؤولية على تهاونه وبعده الدولة، طبقا لمبدأ المسؤولية وعلى عون التنفيذ أن يحرر محضرا بالبيع ويذكر فيه الإجراءات التي اتخذها لإجراءاته والعقبات التي اعترضه وما اتخذه بشأنها والثمن الذي رسا المزاد عليه واسم الراسي عليه المزاد وتوقيعه.
وفي هذا الصدد، أعدت وزارة العدل نموذج لمحضر البيع رقم 600012، حددت فيه البيانات الواجب تضمينها في محضر إرساء المزاد، فالمحضر المتضمن لهذه البيانات هو محضر مستجمع لكافة شروط صحته[21]، وتبعا لذلك يصلح لاعتباره سندا للمطالبة بالثمن لصالح الراسي عليه المزاد وذوي حقوقه من جهة، وسندا للملكية للراسي عليه المزاد من جهة ثانية، ومن هذا المنطلق فقد منع المشرع على عون التنفيذ أن يسلمه للراسي عليه المزاد ما لم يثبت أنه نفذ شروط المزايدة.[22]
وقد أفرز تحديد طبيعة محضر المزايدة مجموعة من الآراء المتباينة، في شأن اعتباره حكما بالبيع أم عقدا للبيع[23]، بحيث اعتبره “الأستاذ عبد العزيز التوفيق” بمثابة عقد بيع تنتقل بمجرد تسليمه للراسي عليه المزاد بعد أدائه الثمن جميع حقوق المشتري في البيع الرضائي، ويعتبر خلفا خاصا للمحجوز عليه.[24]
وفي نفس الاتجاه اعتبر “الأستاذ أدولف ريلوط أن محضر إرساء المزاد يعتبر سند ملكية بالنسبة للشخص الذي رسا عليه المزاد وإبراء لذمة المحجوز عليه وذوي حقوقه.[25]
في حين ذهب أحد الباحثين إلى اعتبار أن محضر إرساء المزاد بمثابة بيع قضائي، فجلسة المزايدة هي مجلس لعقد بيع، ويكون فيه عون التنفيذ هو البائع بالرغم من أنه ليس مالكا للعقار أو المنقول، ولكنه يحل محل مالكه جبرا عنه، وبموجب القانون المنظم لإجراءات التنفيذ، والتي تؤدي إلى بيع منقول أو عقار المدين جبرا، نظرا لثبوت مديونيته للغير.[26]
في حين اعتبر “الأستاذ محمد خيري” أن محضر المزايدة لا يعد حكما بكل معاني الكلمة، وإنما هو قرار يصدر من طرف القاضي بما له من سلطة ولائية، فهو لا يفصل في هذه الحالة في خصومة معينة، وإنما يتولى إيقاع البيع وفقا لإجراءات محددة وتنفيذا لحكم صادر في الموضوع، ورغم ذلك، فإن له طبيعة الأحكام من ناحية حجية كاملة في مواجهة جميع أطراف الحجز.[27]
أما بخصوص موقف القضاء، فقد اعتبره المجلس الأعلى في أحد قراراته أنه سند ملكية لفائدة المشتري، ينقل إليه جميع حقوق البائع على العقار أو المنقول، وهو عقد كتابي ثابت التاريخ.[28] في حين اعتبرته محكمة الاستئناف بالرباط بمثابة سند رسمي.[29]
ونحن نرى أن محضر البيع لا يعتبر عقدا رسميا أو عقدا ثابت التاريخ ولا حكما قضائيا، بل هو بمثابة وثيقة رسمية صادرة عن جهة التنفيذ تحت إشراف رئيس المحكمة بصفته قاضي للمستعجلات وليس أمر ولائي صادر عنه، حيث بالرجوع إلى المحضر السابق الإشارة إليه لا يحمل طابع وإمضاء رئيس المحكمة، بل طابع قسم التنفيذ بالمحكمة وتوقيع عون التنفيذ، والجهة الراسي لفائدتها المزاد العلني، رتب عليه المشرع الآثار الناتجة عن العقد.
خاتمة
ختاما، يظهر جليا أن مسطرة بيع المنقول المحجوز بالمزاد العلني تشكل أداة فعالة في منظومة التنفيذ الجبري، إذ تمكن الدائن من الوصول إلى حقوقه وفق مسار قانوني منظم، يوازن بين مصلحة الدائن وحقوق المدين. فرغم الطابع الإجرائي لهذه المسطرة، إلا أنها تتقاطع مع مبادئ العدالة والشفافية، من خلال ما تتيحه من ضمانات قانونية كالإشهار، والحضور الإجباري لمأمور التنفيذ، وإمكانية الاعتراض والطعن.
ومع ذلك، فإن الممارسة العملية تكشف عن مجموعة من الإكراهات المرتبطة بالبطء في الإجراءات، أو ضعف الإقبال على المزادات، أو صعوبة تصريف بعض المنقولات، مما يستدعي تدخل المشرع لإعادة النظر في بعض جوانب هذه المسطرة، تعزيزا لنجاعتها وضمانا لحسن سير العدالة التنفيذية.
[1] – إن مسطرة الحجز التنفيذي على المنقول غالبا لا تصل إلى مرحلة بيع المنقول، بحيث يتم رفع الحجز من طرف ذوي الصفة بالقيام بذلك، ويتم رفع الحجز إما بشكل اتفاقي متى تنازل الدائن عن الحجز، وإما من خلال دعوى ترفع أمام المحكمة المختصة. وسبب ذلك أن المديونية في مسطرة الحجز التنفيذي على المنقول تكون منخفضة ويمكن أدائها دون اللجوء إلى بيع المنقول، وهذا ما يتضح من خلال الأحكام والأوامر القضائية التالية:
– أمر رئيس المحكمة الابتدائية بالحسيمة رقم 25 عدد 328/1101/15 بتاريخ 20/01/2016 غير منشور. برفع الحجز عن السيارة الخفيفة من نوع بيجو 205 المحجوزة، بعد أن أدى المدعي ما بذمته في مكتب المفوض القضائي الذي باشر إجراءات الحجز التنفيذي على السيارة.
– حكم المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء رقم 213 ملف عدد 670/2016 بتاريخ 17/03/2016 غير منشور. برفع الحجز الواقع لدى مصلحة تسجيل السيارات على شاحنته، استنادا الى شهادة رفع اليد التي تثبت تسديد الدين بعد إقراره بصحتها من طرف المدعي عليه.
– حكم المحكمة الابتدائية بوجدة رقم 88 ملف عدد 197/2016 بتاريخ 14/03/2016 غير منشور. برفع الحجز الواقع على رؤوس القطيع المبينة في محضر الحجز التنفيذي، بعد أن ادى المدعي ما بذمته في مكتب المفوض القضائي الذي باشر إجراءات الحجز على رؤوس القطيع.
– حكم المحكمة التجارية بوجدة رقم 516/2014/8201 ملف عدد 496/2014 بتاريخ 01/07/2014 غير منشور. برفع الحجز عن المنقولات المثبة بمحضر الحجز، حيث التمس الطالب تسجيل تنازله عن الحجز لوقوع الصلح بين الطرفين.
– المحكمة الابتدائية بالحسيمة – أمر رقم 211 – ملف رقم 178-16 – بتاريخ 2016.06.22 غير منشور. “أمر استعجالي برفع الحجز على الأصل التجاري، اعتبارا لكون العارض توصل إلى صلح حسب الثابت من التنازل المرفق بالملف”.
[2]– نموذج لمحضر الجرد في الملف التنفيذي 99/749، قام بحجز تنفيذي على 180 من منشفات وبعد الجرد وجد أن 40 منشفة أصبحت لا تعمل. وبهذا يجب إعادة النظر في الملف.
[3]– محمد عزمي البكري، الحجز القضائي على المنقول في ضوء الفقه والقضاء – دون ذكر المطبعة – الطبعة 1- 1995، ص237-238.
[4]– القرار عدد 536، في الملف التجاري عدد 1745-3-2-2010، الصادر بتاريخ 4 أبريل 2011 (غير منشور).
[5]– تنص المادة 374 من قانون المرافعات المصري على أنه:” يجب أن لا يبدأ المحضر في البيع إلا بعد أن يجرد الأشياء المحجوزة ويحرر محضرا بذلك يبين فيه ما يكون قد نقص منها”.
[6] – تنص المادة 465-2 من مشروع ق.م.م، على أنه “إذا شمل الحجز حلي أو مجوهرات أو أشياء ثمينة وجب أن يتضمن المحضر وصفها ووزنها بدقة مع تقدير قيمتها بواسطة خــبير عدا إذا قرر قاَضي التنفيذ خلاف ذلك، وأن توضع في حرز مختوم”.
[7]– ينص الفصل 459 من ق.م.م على أنه: “لا يمكن تمديد الحجز التنفيذي إلى أكثر مما هو لازم لأداء ما وجب للدائن وتغطيته مصاريف التنفيذ الجبري…”.
[8]– أدلوف رييولط، قانون المسطرة المدنية في شروح، منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية، نشر دار المعرفة، المعهد الوطني للدراسات القضائية، طبعة 1996، ص380-381.
[9]– مصطفى مفتاح، النظام القانوني للحجز التنفيذي على المنقول في القانون المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص وحدة القانون المدني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء، جامعة الحسن الثاني، سنة 2000.، ص 104.
[10]– ينص الفصل 481 قانون الالتزامات والعقود على أنه: “لا يسوغ للسماسرة ولا للخبراء أن يشتروا بأنفسهم ولا بوسطاء عنهم الأموال المنقولة أو العقارية التي يناط بهم بيعها أو تقويمها مخالفة هذا الفصل الحكم بالبطلان والتعويضات…”.
للمزيد من الاطلاع، راجع مأمون الكزبري، النظرية العامة للالتزام، في ضوء ق.ل.ع، المغربي الجزء الثاني، 1970، ص206-207.
[11]– محمد عزمي البكري، مرجع سابق، ص 245.
[12] – من خلال البحث الذي قمت به في هذا الموضوع وجدت أن بعض المحاكم المغربية تخصص قاعة البيوعات بالمحكمة لبيع المنقولات المحجوزة في المزاد العلني “المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء نموذجا”.
[13]– ينص الفصل 58 من قانون المصاريف القضائية الصادرة بموجبه الظهير الشريف رقم 54-84 -1 بتاريخ 27-4-1984 بمثابة قانون المالية لسنة 1984، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3730.
– ينص على ما يلي: “يدفع الراسي عليهم المزاد زيادة على ثمن نسبة 10% من هذا الثمن في البيوع العامة للمنقولات غير البيوع الإدارية المنصوص عليها في الجزء الثالث من الظهير الشريف الصادر في 25 رجب 1337 (26 أبريل 1919)، ويدفع المبلغ الآنف الذكر بكامله إلى الخزينة ويقوم مقام الرسوم التسجيل والتمبر والرسوم القضائية أو رسوم التوثيق المفروضة على المحضر”.
[14]– أحمد مليجي، الموسوعة الشاملة في التنفيذ، الجزء الأول، الطبعة الثالثة 2002، ص 713.
[15]– محمد عزمي البكري، الحجز القضائي على المنقول، مرجع سابق، ص239.
[16]– محمد عزمي البكري: نفس المرجع، ص 240.
[17]– أحمد أبو الوفاء: إجراءات التنفيذ في المواد المدنية والتجارية، دار الكتاب الحديث، منشأة المعارف الإسكندرية، 2000، ص 273.
[18]– قرار محكمة النقض 403، في الملف المدني عدد 2490/1/3/2013 – الصادر 31 يناير 2011- غيــر منشور
[19] – من الناحية العملية فإن الأداء يكون نقدا، أو بشيك مضمون من طرف المؤسسة البنكية.
[20]– الطيب برادة، التنفيذ الجبري في التشريع المغربي، شركة بابل للطباعة والنشر، الرباط، 1988، ص309.
[21]– جاء في قرار المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا): “… إن القرار المطعون فيه لم يرد على ما أثاره الطاعن بشأن الفصل 480 من ق م.م بالتعليل المنتقد فحسب وإنها أيضا بأن المحضر المطعون فيه تضمن البيانات المنصوص عليها في الفصل 480 من ق.م.م، فهو ذكر أسباب الحجز والإجراءات المتبعة وإرساء المزايدة التي تمت وأن إجراءات السمسرة والبيع تمت وفق المقتضيات القانونية والمحضر المطعون فيه تضمن ما هو منصوص عليه قانونا فلم يخرق قرارها أي مقتضى وجاء معللا بما فيه الكافية ومبينا على أساس قانوني والفروع من الوسيلة على غير أساس”.
– قرار المجلس الأعلى (محكمة النقض) عدد 1021 صادر بتاريخ 22-09-2004 في الملف عدد 883-3-2-2003 منشور مجلة القضاء والقانون – عدد 152- ص 141.
[22]– نموذج لمحضر البيع بالمزاد العلني:
بمقتضي الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف بالحسيمة- الغرفة المدنية في ملف 764 بتاريخ 1999.12.28 وبناء على محضر حجز المنقولات بتاريخ 2000.04.10، وبعد امتناع مدير الشركة عن الأداء.
وبعد أن حدد الخبير الثمن الافتتاحي للمنقولات المحجوزة، تم تحديد تاريخ إجراء المزاد بالمستودع البلدي بتارجيست، وحضره مجموعة من المتزايدين حوالي عشرة متزايدين.
وتم افتتاح المزايدة إلى أن رست على متزايد واحد قدم أعلى عرض في جميع تلك المنقولات.= – (التراكس) الجرفة 104 000DH- ناقلتين بـ DH(44000 و36000)، ما مجموعه 184000DH. وأصل الدين هو 155. 906DH.
وبعد خصم الرسوم القضائية ورسوم الخبرة وأجرة صوائر، والإشهار والمستودع البلدي وصائر الخزينة التي تعتبر ديون ممتازة، تم إيداع الباقي في صندوق المحكمة وهو 176010.
[23]– لقد حسم المشرع المصري طبيعة البيع الجبري فاعتبره حكما، فقد نص في المادة 446 من قانون المرافعات على أنه: “يصدر حكم إيقاع البيع بديباجة الأحكام ويشتمل على صورة من قائمة شروط البيع وبيان الإجراءات التي اتبعت في تحديد يوم البيع والإعلان عنه وصورة من محضر الجلسة ويشتمل منطوقه على أمر المدين أو الكفيل العيني بتسليم العقار لمن حكم بإيقاع البيع عليه.
ويجب إيداع الحكم الأصلية ملف التنفيذ في اليوم التالي لصدوره”.
[24]– عبد العزيز التوفيق، آجال الاجراءات في التشريع المغربي ، الدار البيضاء : مطبعة النجاح الجديدة .1997. ص 339.
[25]– أدولف ريلوط، قانون المسطرة المدنية في شروح، دار النشر المعارف. 1996. ص332.
[26]– محمد سلام، مسطرة تحقيق الرهن الرسمي في القانون المغربي، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، ط1- 2002، ص 98.
[27]– محمد خيري، حماية الملكية العقارية ونظام التحفيظ العقاري بالمغرب، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2002، ص 385.
[28]– قرار المجلس الأعلى عدد 2709 بتاريخ 27-12-1990 في الملف المدني عدد 1678-81 منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى، أورده يونس الزهري الحجز التنفيذي على العقار في القانون المغربي- المطبعة والوراقة الوطنية- الجزء الثاني- مراكش 2007، ، ص 231.
= [29]- جاء في قرار محكمة الاستئناف بالرباط ما يلي: “أن عون التنفيذ في المغرب عندما يحرر محضر المزايدة، يتصرف بنوع من الإنابة الصادرة من المحاكم أو بمثابة موظف عمومي ويحرر بالتالي سندا رسميا، وأن هذا المحضر في كلا الاحتمالين يشكل سندا يجوز تذييله بالصيغة التنفيذية”.
– قرار عدد 4281 بتاريخ 2 يناير 1951 قرارات محكمة الاستئناف بالرباط أورده يونس الزهري، مرجع سابق، الجزء الثاني، ص 231.