الحسن أولياس: سمات الطعن بالاستئناف في منازعات التحفيظ العقاري
- الأستاذ: الحسن أولياس
باحث في الشؤون القانونية والإدارية - عنوان المقال : سمات الطعن بالاستئناف في منازعات التحفيظ العقاري (العقار في طور التحفيظ) ما بين خصوصيات النصوص المؤطرة للموضوع،ورصد لبعض الاشكالات المطروحة.
توطئة:
يعرف الطعن بالاستئناف بكونه أحد طرق الطعن العادية، يستهدف من ورائه ذو المصلحة الى رفع القضية امام محكمة الدرجة الثانية، من اجل تعديل الحكم فيما قضى به ضده او الغاءه بالمرة، وذلك عن طريق طرح النزاع على محكمة اعلى درجة من تلك المصدرة للحكم.
والمقصود من هذا الطعن، ان محكمة الاستئناف يكون لها اختصاص إعادة الفصل في النزاع من جديد، في حدود ما أثره الطاعن من وسائل، بطريقة مفادها ان جميع السلطات التي يتوفر عليها قاضي الدرجة الأولى او قاضي المحكمة الابتدائية،تنتقل لقاضي الاستئناف بشكل يمكنه من فحص النزاع مرة أخرى، ومناقشته من حيث الواقع والقانون، وهذا ما يعبر عنه بالأثر الناشر للدعوى.
والطعن بالاستئناف هو من اهم ضمانات القضاء، اعتبارا لكونه يؤدي الى تدارك خلل واخطاء قضاة محاكم الدرجة الأولى، كما يتيح للأطراف استدراك ما فاتهم خلال المرحلة الابتدائية من دفوعات ومناقشات،والادلاء بوثائق حاسمة تعذر عليهم الادلاء بها ابتدائيا، والكل مشروط بعدم تغيير طبيعة الدعوى او التمسك بمطالب جديدة، اعتبارا لمبدأ ان القاضي لا يمكنه الحكم بأكثر مما طلب منه.
غير ان عرض الملف على انظار محكمة الدرجة الثانية، يستوجب الإحاطة بكل المقتضيات الشكلية والموضوعية للطعن عن طريق الاستئناف، تحت طائلة عدم القبول شكلا قبل الخوض أساسا في الموضوع، ومن ذلكم: ضرورة احترام الشكليات المتعلقة بأطراف الدعوى من ذكر أسمائهم العائلية والشخصية وعناوينهم، وذكر موجز الوقائع وأسباب الاستئناف، وأداء الرسم القضائي المتطلب وضرورة التقيد بالأجل المحدد للطعن في حال تبليغ الحكم للطرف المتضرر…. الخ، زد على ذلك التطرق لموضوع النزاع وإبراز أسباب الاستئناف بكل ما يقتضيه الامر من دقة وموضوعية سواء تعلقت بخرق الحكم المطعون فيه لمقتضيات قانونية صريحة، او اتسامه بانعدام التعليل او خرق حقوق الدفاع وغير ذلك من الأسباب والموجبات الأخرى المؤطرة قانونا.
وقد تعرض المشرع لأحكام الطعن بالاستئناف في المواد من 134 الى غاية 146 من قانون المسطرة المدنية، وبالنسبة لمنازعات التحفيظ العقاري (العقار في طور التحفيظ)، تطرق المشرع لتنظيم هذا النوع من الطعون بموجب القانون 07/14 المغير والمتمم لظهير 12 غشت1913 وبالضبط في الفصول من 40 الى 46 من القانون المذكور.
غير أن ثمة تساؤل قد يتبادر إلى الذهن، يرتبط بمناط هذه الازدواجية في تنظيم احكام الاستئناف تارة في ظهير المسطرة المدنية، وتارة أخرى بمقتضى نصوص أتى المشرع بصياغتها بموجب ظهير التحفيظ العقاري.
مهما يكن من أمر، فان هذه الازدواجية يفرضها قانون التحفيظ العقاري نفسه باعتباره نصا خاصا ، فظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري كما تم تعديله وتتميمه بالقانون07/14، نظم كافة الإجراءات التي تتخذها محكمة التحفيظ خلال عرض النزاع عليها بدءا من طريقة عرض الدعوى على المحكمة مرورا باستدعاء الأطراف واجراء وسائل التحقيق اللازمة، انتهاء بكيفية اصدار الاحكام وطرق الطعن فيها….ومع وجود هذه القواعد الخاصة لا يمكن الرجوع الى قواعد المسطرة المدنية ما لم تكن هناك إحالة صريحة من قانون التحفيظ العقاري او سكوت هذا القانون بالمرة عن تأطير وتنظيم حالة معينة.
وباعتبار الطعن بالاستئناف يتميز بخصوصيات واضحة أتى بها مشرع القانون 07/14، فقد ارتأينا دراسة هذا الموضوع من زاويتين أساسيتين: الأولى سيتم التطرق فيها الى خصوصيات الطعن بالاستئناف في نزاعات التحفيظ العقاري ومدى إمكانية تطبيق نصوص قانون المسطرة المدنية على هذا الطعن في حالات معينة، اما الزاوية الثانية فتتعلق برصد بعض الإشكالات او ان صح التعبير بعض الملاحظات التي تثيرها بعض نصوص ظهير التحفيظ العقاري المنظمة للطعن بالاستئناف والتي تتعارض وغاية المشرع الرئيسية من سن هذا القانون ، هذا وسيتم اغناء الموضوع عموما باجتهادات قضائية حتى تتضح معالم البحث ومحاولة فهم الجانب النظري الصرف منه بطريقة انجع .
المحور الأول: مميزات وخصوصيات الطعن بالاستئناف في منازعات التحفيظ العقاري ما بين النص الخاص (ظهير التحفيظ ) والنص العام (قانون المسطرة المدنية).
كما سلف الذكر، فان ظهير التحفيظ العقاري هو قانون موضوع وقانون شكل نظم كافة الإجراءات التي تتخذها وتسير على نهجها محكمة التحفيظ منذ إحالة ملف النزاع عليها من طرف المحافظة على الأملاك العقارية المعنية إلى غاية صدور الحكم وتبليغه للأطراف واستنفاد طرق الطعن المخولة قانونا ضده، مرورا بعد ذلك إلى مرحلة تطبيقه من لدن المحافظ على الأملاك العقارية والرهون.
و لا بأس من التذكير في هذا الصدد، وقبل المرور للحديث عن سمات الطعن بالاستئناف ضد الاحكام الصادرة في منازعات التحفيظ، ان اطراف الدعوى في هذا النزاع يتم تحديد مراكزهم القانونية خلال المرحلة الإدارية للتحفيظ وامام المحافظة العقارية التي يوجد بدائرة نفوذها العقار موضوع النزاع، حيث يتضح المدعي ( المتعرض) من المدعى عليه (طالب التحفيظ)، وبعد إحالة الملف على المحكمة تقوم هذه الأخيرة باستدعاء الأطراف ، ويتوجب على المتعرض ان يدلي بمذكرة بيان موجبات تعرضه قبل مستنتجات طالب التحفيظ، وبعد تبادل المذكرات والردود يمكن للمحكمة الابتدائية ان تامر بإجراء معاينة على العقار لتطبيق رسوم الأطراف والتأكد من حجيتها والبحث في واقعة الحيازة والاستماع للشهود…الخ، كما يمكنها ان تجري بحثا بمكتب القاضي المقرر وان تتخذ كافة الإجراءات الأخرى اللازمة ، للوصول في النهاية الى تكوين قناعتها بإصدار حكم اما بصحة او عدم صحة التعرض، وهذا الحكم الأخير يكون موضوعا للاستئناف من قبل الطرف المتضرر طالبا للتحفيظ كان ام متعرضا.
فما هي سمات هذا الطعن اذن؟؟ ، للجواب عن ذلك لا بد من التطرق لمجموعة من النقط، وفق الفقرات التالية:
الفقرة الأولى: تبليغ الحكم الصادر في نزاع التحفيظ من اجل ممارسة الاستئناف
خلافا للقواعد المقررة بشأن تبليغ الاحكام في قانون المسطرة المدنية، نجد ان المشرع في إطار القانون 07/14 جاء بخصوصية متميزة على مستوى كيفية تبليغ الاحكام الصادرة في نزاعات التحفيظ العقاري، فقد ورد بالمادة 40 من ظهير التحفيظ ما يلي:
” بمجرد صدور الحكم وقبل انصرام ثمانية أيام، يبلغ ملخصه إلى طالب التحفيظ و إلى جميع المتعرضين وفق الشكل المقرر في قانون المسطرة المدنية. يمكن استئناف هذا الحكم داخل الأجل المحدد في نفس القانون”.
وبالرجوع الى قرارات محكمة النقض، الصادرة في شأن تطبيق هذه المادة، نجد انها تأخذ بحرفية الفصل المذكور، ومن تلكم القرارات، ما يلي:
- القرار عدد 630 الصادر في الملف عدد 4668/84 الذي نص على ما يلي : “حقا لقد تبين صحة ما نعته الوسيلة على القرار ذلك أن الحكم صدر في مادة التحفيظ العقاري التي ينظمها ظهير 12/08/1913 وهو قانون خاص ومن المعلوم أن القانون الخاص يقدم على القانون العام، فبما أن الفصل 40 قد نص على كيفية تبليغ الأحكام الابتدائية وأجال استئنافها فانه لم يبق معه أي مجال لتطبيق القانون العام على ما نظمه القانون الخاص الذي لا زال العمل جاريا به لحد الآن مما يكون معه القرار خارقا لمقتضيات الفصل 40 من نفس الظهير ومستوجبا للنقض”.
- القرار عدد 2137 الصادر بتاريخ 13/07/2005 في الملف عدد 1712/1/1/2004 والذي ورد فيه: “…حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار ذلك أنه ليس به ما يفيد تنبيهه على أنه في الإمكان طلب الاستئناف داخل الآجال المقررة في الفصل 134 المذكور طبقا لما قضى به الفصل 40 من ظهير 12/08/1913 بشأن التحفيظ العقاري، الأمر الذي كان معه القرار خارقا لمقتضيات هذا الفصل مما عرضه للنقض والإحالة.”
كما ورد بقرار اخر ما يلي:
” على فرض وقوع التبليغ صحيحا وفقا لمقتضيات الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية، فانه ينبغي لزاما ان يخضع لمقتضيات الفصل 40 من ظهير12 غشت 1913، المنظم لمسطرة التحفيظ الذي نص على قاعدة خاصة لتبليغ الاحكام الصادرة في مادة التحفيظ، وهي التنصيص في التبليغ على إمكانية استئناف تلك الاحكام داخل الاجل القانوني. عدم ورود التبليغ وفقا للفصل 40، يمكن معه التمسك ببطلانه”.
وحسب الاجتهادات القضائية الصادرة عن محكمة النقض، بشأن الجزاء المترتب عنه بطلان إجراءات التبليغ ان لم تتم وفق الشكل المحدد قانونا، نجد:
- قرار محكمة النقض عدد 4181 بتاريخ 25/06/1996، في الملف 2184/95، الذي جاء فيه:” …محكمة الاستئناف التي اعتمدت في بداية اجل الاستئناف تبليغا لم يصحب بملخص الحكم ولم يشر فيه الى اجل الاستئناف، قد خرقت الفصل 40، وعرضت قرارها للنقض«(منشور بكتاب قضاء المجلس الأعلى في التحفيظ خلال أربعين سنة، لعبد العزيز توفيق، ص341 وما يليها).
- قرار نفس المحكمة 5400 بتاريخ 15/09/1998، في الملف عدد 617/94، الذي ورد فيه ما يلي:”…تكون المحكمة قد خرقت الفصل 40 المستدل به لما قضت بعدم قبول الاستئناف دون ان تتأكد من توفر شهادة التبليغ على المقتضيات المنصوص عليها في الفصل 40 المذكور.”(منشور بكتاب قضاء المجلس الأعلى في التحفيظ العقاري 1991/2002، عبد العزيز توفيق، ص24 وما يليها)
وعلى صعيد احكام محاكم الموضوع:
- قرار محكمة الاستئناف بالناظور بتاريخ07/10/2003، في الملف عدد 30/99، جاء فيه:” -على فرض وقوع التبليغ صحيحا وفقا لمقتضيات الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية، فانه ينبغي لزاما ان يخضع لمقتضيات الفصل 40 من ظهير12/08/1913، الذي نص على قاعدة خاصة لتبليغ الاحكام الصادرة في مادة التحفيظ العقاري، وهي التنصيص في التبليغ على إمكانية استئناف تلك الاحكام داخل الاجل القانوني..عدم ورود التبليغ وفقا للفصل 40، يمكن معه التمسك ببطلانه”(مشاراليه بكتاب ظهير التحفيظ العقاري والعمل القضائي المغربي، ذ/ محمد بفقير، الطبعة الأولى، 2011، ص77).
الفقرة الثانية: آجال الطعن بالاستئناف
بخصوص الآجال الذي يتعين فيه تقديم الاستئناف ضد الحكم الابتدائي الصادر في نزاع للتحفيظ، يمكن استنتاج بانه لا يتميز بقواعد خاصة، مادام الفصل 40 المتحدث عنه أعلاه، يحيل الى القواعد العامة في هذا الباب أي الى الفصل 134 من قانون المسطرة المدنية، وبعبارة اصح فان اجل الطعن هو ثلاثون يوما من تاريخ التبليغ.
وهكذا ورد في الفصل 134 من قانون المسطرة المدنية، ما يلي:
” استعمال الطعن بالاستئناف حق في جميع الأحوال، عدا إذا قرر القانون خلاف ذلك
يجب ان يقدم استئناف احكام المحاكم الابتدائية خلال ثلاثين يوما…”.
وعموما فانه بخصوص آجال الاستئناف، فان تلكم الآجال لا تطرح إشكاليات مادام انه بوقوع التبليغ صحيحا وفق ما يوجبه الفصل 40 المذكور أعلاه، يسري الأجل ابتداء من تاريخ التبليغ، وإن كانت طريقة تقديم عريضة الاستئناف هي التي تستدعي بعض الملاحظات كما سيتم التطرق لذلك لاحقا ضمن فقرات هذا الموضوع (إشكالية الفصل 42 من ظهير التحفيظ العقاري).
الفقرة الثالثة: موضوع الاستئناف وطريقة تقديمه وشكلياته
بالرجوع الى المادة 41 من القانون 07/14، نجد انها تنص على ما يلي:
” يقبل دائما الاستئناف في موضوع التحفيظ، مهما كانت قيمة العقار المطلوب تحفيظه.
ويمكن طلب رفع الاستئناف على الكيفية المذكورة في الفصل 141 من ظهير المسطرة المدنية، ويوجه الملف بدون مصاريف مع نسخة الحكم المطعون فيه الى كتابة الضبط بمحكمة الاستئناف “.
وهكذا وخلافا للقواعد العامة، فمهما كانت قيمة العقار أو الحق العيني موضوع النزاع، فإن الحكم الصادر بشأن صحة او عدم صحة تعرضه يكون قابلا للاستئناف ممن يعنيه الامر.
كما ان المقال الاستئنافي يجب ان يقدم وفق الشكليات التي حددها الفصل 141 من قانون المسطرة المدنية، بأن يوضع وفق الشروط القانونية أمام المحكمة المصدرة للحكم المطعون فيه، وتؤدى عنه الرسوم القضائية، ويثبت وضعه بسجل خاص معد لذلك، ويسلم كاتب الضبط وصلا للأطراف الذين يطلبونه، وتعد النسخة الحاملة لطابع كتابة الضبط بمثابة وصل.
وفي هذا المعنى ورد في قرار لمحكمة النقض ما يلي:
” …. إذا كانت مقتضيات الفصل 41 من ظهير التحفيظ العقاري تنص على أن الاستئناف يقبل دائما في موضوع التحفيظ، مهما كانت قيمة العقار المطلوب تحفيظه، فان ذلك لا يفيد ان المستأنف معفى من أداء الوجيبة القضائية عن طلبه، بل يتوجب عليه القيام بهذا الاجراء تحت طائلة عدم قبول طعنه”.(قرار عدد3525 بتاريخ07/10/2009، في الملف عدد 481/08، قضاء المجلس الأعلى، العدد72، ص60 وما يليها).
وبالرجوع الى الفصل 142 من قانون المسطرة المدنية، نجد أن المقال الاستئنافي ينبغي أن يتضمن الأسماء العائلية والشخصية للأطراف وصفة ومهنة ومحل إقامة كل من المستأنف والمستأنف عليه… وان يتضمن موجزا للوقائع وأسباب الاستئناف وترفق به أيضا نسخة من الحكم المطعون فيه…الخ.
وإذا كان ظهير التحفيظ العقاري، قد أحال بصريح النص على المادة 141 من قانون المسطرة المدنية، فيما يتعلق بكيفية تقديم الاستئناف، فانه مع ذلك سكت عن الإحالة للفصل 142 من نفس القانون فيما يتعلق بشكليات المقال الاستئنافي والتي يترتب عن عدم احترامها عدم قبول الطعن شكلا.
و أمام هذا الفراغ، لا بد من استعراض موقف الاجتهاد القضائي من الامر، وبيان ذلك وفق تنصيصات قرارات محكمة النقض الاتي بيان قواعدها القانونية:
1. قرار محكمة النقض عدد 827 بتاريخ 3/4/1985، في الملف عدد98745 الذي جاء فيه:” لما كان النزاع يتعلق بالتعرض على مطلب للتحفيظ فانه لا مجال للتقيد بالبيانات المتعلقة بالتعريف بأطراف النزاع التي يوجب الفصل 142 من ق. م. م توفرها في مقال الاستئناف”. (قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى العدد39، ص68 وما يليها).
2. قرار محكمة النقض عدد 882 بتاريخ01/03/2000، في الملف عدد 1781/98، الذي ورد فيه:” المحكمة عندما عللت بعدم قبول الاستئناف لمخالفته لمقتضيات الفصل 142 من قانون المسطرة المدنية رغم ان القضية تتعلق بمسطرة تحفيظ التي تطبق فيها احكام الفصل 41 من ظهير التحفيظ تكون قد جردت قرارها من الأساس القانوني. (قرار منشور بالتقرير السنوي للمجلس الأعلى لسنة2000ص90).
لكن هل البيانات المتعلقة بأطراف النزاع، يقصد منها كذلك حالة وفاة أحد أطراف الدعوى في نزاع للتحفيظ، وتقديم الطعن ضده رغم وفاته بمعنى هل تؤثر وفاة أحد أطراف الدعوى في نزاع للتحفيظ على سير المسطرة القضائية؟؟.
إذا سايرنا روح وعدالة القانون 07/14، فان تصحيح الحالة الناشئة عن واقعة أحد أطراف الدعوى هو من اختصاص المحافظ على الأملاك العقارية والرهون، بعد رجوع الملف إليه من طرف قضاء التحفيظ، زيادة على ان محكمة التحفيظ مختصة في البت في صحة التعرض من عدم ذلك اما البيانات المرتبطة بأطراف النزاع لايوجد ما يوجب التقيد بها كما أكد على ذلك قرار محكمة النقض عدد 882 المشار اليه أعلاه.
لكن في اتجاه حديث لمحكمة النقض، ذهبت هذه الأخيرة الى التصريح بعدم قبول طعن مقدم ضد ميت، متراجعة بذلك عن موقفها الأول، حيث ورد في قرار لها ما يلي:
” وحيث إن الثابت من مستندات الملف، خصوصا مذكرة جواب المدلى بها من ورثة المطلوب في النقض…بواسطة نائبهم…والمرفقة بعقد الاراثة المضمن بصحيفة150 عدد….كناش التركات….أن المطلوب في النقض توفي بتاريخ 30/012/2010، أي قبل تقديم طلب النقص أعلاه بتاريخ 11/11/2011، الامر الذي يبقى معه الطعن بالنقض ضد من ثبتت وفاته غير مقبول” ( قرار عدد69/1 بتاريخ 05/02/2013، ملف عدد 720/1/1/2012، غير منشور).
الفقرة الرابعة: تقديم الاستئناف وفق مقتضيات الفصل 42 من ظهير التحفيظ العقاري
بالرجوع الى المادة 42 من ظهير التحفيظ، نجد انها أطرت كيفية تقديم عريضة استئناف حكم صادر في نزاع للتحفيظ، اذ نصت تلكم المادة على ما يلي:
«بمجرد توصل كتابة الضبط لدى محكمة الاستئناف بالملف، يعين الرئيس الأول مستشارا مقررا وينذر هذا الأخير المستأنف بالإدلاء بأسباب استئنافه ووسائل دفاعه خلال أجل لا يتعدى خمسة عشر يوما، ثم يستدعي الأطراف المعنية بالأمر للاطلاع على ما أدلى به المستأنف ولإبداء منازعاتهم ووسائل دفاعهم في أجل آخر مماثل.”
وهكذا إذا قدم الاستئناف وفق الشكل المنصوص عليه في قانون المسطرة المدنية، متضمنا كافة البيانات الواجبة ومن ضمنها وقائع النزاع وأسباب وموجبات الاستئناف…الخ، يتم تحضير القضية ويبلغ الاستئناف للمستأنف او المستأنف عليهم للجواب، ويتخذ القاضي بعد ذلك مختلف إجراءات التحقيق في سبيل استصدار قرار في النازلة، غير أنه إذا لم يتم الإدلاء بأسباب الاستئناف وحسب الفصل المذكور ينذر المقرر المستأنف للإدلاء بها داخل الأجل المحدد، على أن يتولى بعد ذلك متابعة القضية.
غير ان هذا الفصل يثير العديد من الملاحظات، وباقي بعض الفصول الأخرى المنظمة للطعن بالاستئناف في قضايا التحفيظ وهو موضوع المحور الثاني من هذا العرض.
المحور الثاني: رصد الإشكالات والملاحظات المثارة من خلال التطبيق السليم لبعض الفصول الواردة بالقانون 07/14، بشأن استئناف الاحكام الصادرة في منازعات التحفيظ العقاري
تثير بعض الفصول المنظمة لاستئناف الاحكام الصادرة في نزاعات التحفيظ العقاري من وجهة نظرنا ، بعض الإشكالات والملاحظات التي نورد أهمها من خلال اشكاليتين مرتبطتين بالمادتين40 و42 من ظهير التحفيظ العقاري، وفق ما توجزه الفقرتان التاليتان:
الفقرة الأولى: إشكالية الفصل 40 من ظهير التحفيظ العقاري.
إذا كان الهدف من تقنين المادة 40 المذكورة أعلاه، هو التعجيل بتبليغ الاحكام في أفق استئنافها من قبل من يعنيه الامر، الا ان الواقع العملي والممارسة القضائية افرزت خلاف الغاية المتوخاة، اذ ان هناك جملة من الاحكام التي تصدر في هذا النوع من المنازعات ولا يتم تبليغها الا بعد فوات أشهر او سنوات عن تاريخ الصدور، مما يشكل مخالفة لروح المادة المذكورة، الامر الذي يترتب عنه الاخلال بمبدأ التعجيل والسرعة التي تفرضها عموما سير مسطرة التحفيظ العقاري، خاصة وان المشرع نفسه لم يفرد أي جزاء مترتب على الاخلال بمقتضيات الفصل المذكور.
الفقرة الثانية: إشكالية الفصل 42 من ظهير التحفيظ العقاري.
يطرح الفصل 42 إشكالية في الصياغة حينما تحدثت على أنه بمجرد توصل كتابة الضبط لدى محكمة الاستئناف بالملف، يعين الرئيس الأول مستشارا مقررا وينذر هذا الأخير المستأنف بالإدلاء بأسباب استئنافه ووسائل دفاعه خلال أجل لا يتعدى خمسة عشر يوما.
فاذا سايرنا الفصل المذكور من ناحية المنطق القانوني، فيجب ان لا نتحدث عن الاستئناف بالمفهوم القانوني الصحيح لهذا المصطلح، على اعتبار ان الطعن بالاستئناف هو تقديم عريضة مستوفية لكافة شكلياتها المتطلبة قانونا ومن ذلكم بيان موجز الوقائع والأسباب الصحيحة التي بني عليها الطعن من خرق للقانون، او انعدام للتعليل، او عدم ارتكاز الحكم على أساس… وتوضيح هذه الأسباب بكيفية دقيقة، اما والحالة التي ينذر فيها المقرر المستأنف بالإدلاء ببيان أوجه استئنافه فهذه الحالة تنطبق على الطعن في حالة كونه تصريحا بالاستئناف فقط وليس طعنا بالاستئناف بالمفهوم القانوني.
ولعل الاجتهاد القضائي، فطن لهذا الامر في عدة مناسبات صدرت فيها احكام قضائية عن محكمة النقض، ومن ذلك على سبيل المثال فقط:
القرار عدد 1059 بتاريخ 26/04/1989، في الملف عدد 132، الذي جاء فيه: “بالنسبة للأحكام التي تصدر في إطار مسطرة التحفيظ يكفي ان يقدم التصريح بالاستئناف داخل الاجل. أما أسباب الاستئناف فان الاجل يظل مفتوحا لتقديمها…ما لم يوجه الى المستأنف اشعار بذلك ظل دون جدوى” (قرار منشور بمجلة القضاء والقانون، العدد142، ص61 وما يليها).
وعليه، فإن صياغة الفصل 42 المذكورة أعلاه، يجب ان تفرق ما بين مصطلحي ” الاستئناف” و ” التصريح بالاستئناف”، فهذا الأخير يمكن ان يدلي في اطاره المستأنف بعد ايداعه بموجبات وأسباب استئنافه، بينما “الاستئناف” فمعناه ان الطعن مستوف لكافة موجباته الشكلية والموضوعية ولا يحتاج الى انذار.
الاشكال الاخر الذي يطرحه نفس الفصل، هو الآجال الممنوحة للمصرح بالاستئناف لتقديم أوجه استئنافه، وكيفية تبليغه الإنذار بذلك ، ففي حالة تبليغ الحكم الابتدائي دائما، و طالما المصرح باستئناف هذا الحكم لم يبلغ باي انذار من قبل القاضي المقرر ، يبقى اجل التصريح بأسباب الاستئناف بالنسبة إليه مفتوحا، وهذا معناه من جانب أخر انه يمكن ان يدلي بتلكم الأسباب خارج الاجل القانوني للطعن أصلا، ونصبح امام تصريح بالاستئناف مقدم داخل الاجل القانوني للطعن بالاستئناف وبموجبات للاستئناف مقدمة في أي وقت وخارج الاجل، مما يفقد صبغة النظام العام التي تتمتع بها اجال الطعون نوعا من المصداقية .
هذا ومن الاجتهادات الصادرة عن محكمة النقض في هذا الإطار، ما يلي:
- القرار عدد1384 بتاريخ 14/09/1983 في الملف المدني عدد 95317، الذي ورد فيه: “فيما يتعلق بأسباب استئناف الحكم الصادر عن دعوى التعرض على التحفيظ، فان المستأنف لا يكون ملزما بإيداع أوجه استئنافه الا إذا وجه اليه اشعار بذلك من طرف المقرر، طبقا للفصل 42 من ظهير مسطرة التحفيظ.وان محكمة الاستئناف التي اعتبرت تاريخ تبليغ الحكم لبيان أسباب الاستئناف دون ان تبحث فيما إذا كان المقرر قد وجه الى المستأنف إنذارا بذلك، تكون قد اساءت تطبيق القانون.” (قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى ال عدد33و34 ص33 وما يليها).
هذه اذن بعض من الإشكالات التي تطرحها نصوص الاستئناف الواردة بالقانون 07/14 بشأن نزاعات التحفيظ العقاري، ويبقى المجال مفتوحا لإثارة ملاحظات او إشكالات أخرى ربما قد تم اغفالها في عرضنا هذا، او من الممكن ان تظهرمع الزمن بمناسبة ما ستسفره الممارسة القضائية في الموضوع بشان هذا النوع من النزاعات.
خاتمة:
مهما يكن من أمر، فان ظهير التحفيظ العقاري هو في نهاية المطاف قانون موضوع وقانون شكل، وما دام الامر كذلك وتطبيقا لمبدأ او قاعدة ” النص الخاص يقدم على النص العام”، فإن الرجوع إلى قانون المسطرة المدنية يستوجب إحالة صريحة من ذلكم الظهير على القواعد العامة أو سكوته عن قاعدة قانونية معينة، والمشرع المغربي اثناء سنه لنصوص ظهير التحفيظ العقاري على العموم سواء المنظمة للمرحلة الإدارية للتحفيظ او المرحلة القضائية، كان الغرض هو التسريع بوتيرة التحفيظ من جهة وحفظ حقوق الأطراف من جهة ثانية فأحيط الظهير المذكور بمجموعة من القواعد الاشهارية في مرحلته القضائية كما اتسم بتنظيم لإجراءات سير الدعوى وآجالها وطرق الطعن فيها خلال مرحلته القضائية توخيا في استقرار المعاملات وتحقيق الامن العقاري غير أنه مع ذلك، فتقنين الظهير المذكور لم يكن خاليا من إشكالات تطرحها الفصول المتحدث عنها أعلاه والتي حاولنا قدر المستطاع ابراز وتلخيص بعض من معالمها كما تم سياقه من خلال هذا البحث.
المراجع المعتمدة:
- الوجيز في القانون القضائي الخاص، للأستاذ الطيب الفصايلي، الجزء الثاني، الطبعة الثانية، 1993.
- الطعن بالاستئناف وإجراءاته في المواد المدنية والتجارية، للدكتور نبيل إسماعيل عمر، منشأة المعارف بالإسكندرية، طبعة1980.
- قانون المسطرة المدنية والعمل القضائي، للأستاذ محمد بفقير، الجزء الأول، الطبعة الرابعة،2014.
- ظهير التحفيظ العقاري والعمل القضائي، للأستاذ محمد بفقير، الطبعة الأولى، 2011.
- القانون العقاري الجديد، وفق القوانين الصادرة في إطار مخطط اصلاح الترسانة التشريعية المتعلقة بالعقار في المغرب، اعداد وتقديم، الأستاذ محمد لفروجي، الطبعة الأولى، سنة2012.
- مقال تحت عنوان مميزات الآجال في ظهير التحفيظ العقاري، للباحث عبد الحليم عد، باحث في قانون العقود والعقار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة.
- القانون07/14 المتعلق بالتحفيظ العقاري.
- قانون المسطرة المدنية المغربي
- اجتهادات قضائية غير منشورة.