سليمة فراجي : الانتقائية في تحريك المتابعات كانت حاضرة قبل استقلال النيابة العامة
سليمة فراجي : محامية و برلمانية سابقة
أحيانا يكون المنتخبون ضحايا الانتقائية
لا احد يجادل في الدور المتعاظم للمجلس الأعلى للحسابات ، بالاضافة الى دوره كهيئة عليا لمراقبة المالية العمومية بالمملكة مضمونة الاستقلالية بمقتضى الدستور ، فان دوره المتجسد في البحث الاستشرافي ودق نواقيس الخطر جعله ينتقل من حماية المال العام الى حماية الصالح العام ،بالاضافة الى التوجه الجديد للمجلس الذي ينحو الى إعداد تقارير موضوعاتية تهدف الى تقييم السياسات العمومية ، وتفعيل آلية استرجاع الأموال موضوع الخسارة المالية التي تكبدها المرفق العمومي.
لكن لا بد ان نسجلأ ان الانتقائية في تحريك الملفات والمتابعات لم تكن مستبعدة إبان سلطة الجهاز التنفيذي على قضاة النيابة العامة
إذ كان يعمد وزير العدل في السابق الى تكوين لجنة أسندت لها دراسة التقارير وإحالة الملفات على النيابة العامة ، انطلاقا من دراسته الانفرادية لتقرير المجلس والتي قد تخضع للانتقاء بحكم الانتماء الحزبي ، ذلك انه كان في السابق لوزير العدل قبعتان ، قبعة قضائية بصفته رئيسا للنيابة العامة وقبعة سياسية بصفته عضوا نافذا في حزب يقود الحكومة وله أجندته وقناعاته وهاجس تموقع حزبه وبرنامجه وأولوياته وتحدياته ورهاناته الانتخابية.
الشيء الذي جعل جماعات تعرف اختلالات جسيمة ولم يتم تحريك المتابعات في مواجهة المسؤولين عن الخروقات ، وجماعات لحق بمسؤوليها ضرر فادح وتشويه للسمعة قصد ضرب المستقبل السياسي للعضو موضوع المتابعة وضحية الانتقائية التي كانت شائعة وتحمل ترهيبا وتخويفا لكل من ينوي الترشح للانتخابات ، وادى ثمنها منتخبون احيانا لم تتم التفرقة بصدد مساءلتهم بين الخطأ بدون سوء نية ان وجد والفعل الجرمي موضوع العقوبات الزجرية.
لكن انتقال السلطة على قضاة النيابة العامة من الجهاز التنفيذي الى احد اعضاء المجلس الاعلى للسلطة القضائية الذي هو الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة ليعد حدثا محوريا في ترسيخ بناء استقلال هذه السلطة ، من شأنه الانتصار للموضوعية والتجرد ، قصد إشاعة العدل والإنصاف دون شبهة او واقع التمييز او المحاباة او الاعتبارات السياسية او الحزبية او الايديولوجية كما كان في السابق ، لان النيابة العامة باعتبارها جزءا من السلطة القضائية ، هي مستقلة فعلا عن السلطتين التشريعية والتنفيذية طبقا لما يقتضيه الفصل 107 من الدستور ٫ والفصل 110 الذي اسند لرئاسة النيابة العامة سلطة تسيير قضاة النيابة العامة والإشراف على عملهم ، والمادة 43 من القانون التنظيمي 13-106 المتعلق بالنظام الاساسي للقضاة ، ومن ثم تكون الموضوعية مفترضة والأجندة السياسية مستبعدة وذلك ما توخاه دستور 2011 لأول مرة في تاريخ المملكة لما احدث سلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التقليديتين في الدولة .