سابقة: إدارية وجدة تقضي بتعويض ضد رئيس جماعة الناظور بسبب قتل الكلاب الضالة (الحكم القضائي كاملا)
المحكمة الإدارية بوجدة
قسم القضاء الشامل
الموضوع: المسؤولية الادارية
ملف رقم:36/7112/2022
حكم عدد: 1400
صدر بتاريـخ: 8/11/2022
القاعدة:
حيث إنه ولئن كان من واجب الجماعة المدعى عليها محاربة ظاهرة انتشار الكلاب الضالة التي تؤثر على السكينة العامة و تهدد صحة و سلامة المواطنين وأمن المجتمع ،فان لجوئها الى قتل الكلاب الضالة بوسيلة الذخيرة الحية، مشروط بأن يكون القتل هو الوسيلة الوحيدة لكفِّ أذاها وضررها، مع مراعاة الإحسان في قتلها ، ومادام ان مقتضيات المادة 100 من القانون التنظيمي رقم114.13 المتعلق بالجماعات ،والاتفاقية المؤرخة في : 28/2/2019 بين وزارة الداخلية – المديرية العامة للجماعات المحلية والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية ،ينص على وسيلة جمع الكلاب، ولم يثبت من خلال وثائق الملف ان القتل هو الوسيلة الوحيدة للقضاء عليها ،فيكون بذلك فعل الجماعة بانتهاج وسيلة قتل الكلاب بالرصاص الحي مخالفا لمقتضيات للمادة المذكورة مما يشكل معه هذا الفعل أداء خدمة سيئة من طرف المرفق، يترتب عنه قيام مسؤولية الجماعة طبقا للفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود. ـ إن مبدأ التناسب في المادة الادارية يستوجب بأن يكون تدخل الإدارة مشروعا ومناسبا وضروريا ، معقولا يستهدف تحقيق غاية عامة ومشروعة، مما يقتضي ان تكون الوسائل التي تلجأ اليها الجماعة لمحاربة الظاهرة الكلاب الضالة ، مناسبة وضرورية وتتسم بالعقلانية، وبالتالي فان الجماعة المدعى عليها كان عليها أن تختار الوسيلة الأكثر ملائمة وعقلانية من بين البدائل المتاح لها والممكنة ،ومن بين هذه الوسائل لاحتواء الظاهرة في إطار حضاري يلائم مقتضيات العصر اللجوء الى عمليات التعقيم للحد منها والتخفيض منها تدريجيا ، وليس اللجوء مباشرة الى وسيلة القتل بالرصاص باعتبارها طريقة غير حضارية. |
بتاريخ: 8/11/2022 أصدرت المحكمة الإدارية بوجدة بجلستها العلنية وهي متركبة من السادة:
- الأستاذ: مراد ناصري………………….رئيسا
- الأستاذ: محمد فـلـيـل…………………..عضوا ومقررا
- الأستاذ: محمد امساهلي………………..عضوا
- وبحضور الاستاذ عمرو الصادق…………..مفوضا ملكيا
- وبمساعدة السيدة: خديجة مهلة …………………كاتبة الضبط
الحكم الآتي نصه:
بــين : جمعية أمم للرفق بالحيوان وحماية البيئة في شخص رئيسها نفيسة شملال ،الكائنة بشارع المسيرة رقم344 الناظور نائبها (..)
وبـين :
1) الجماعة الترابية بالناظور في شخص رئيسها الكائن مقره بالناظور ينوب عنها (…)
2 )عامل إقليم الناظور بوصفه رئيسا للجنة الإقليمية لمحاربة داء السعار.
3) الوكيل القضائي للجماعات ترابية الكائن بمقره وزارة الداخلية بالرباط.
4) وزارة الداخلية في شخص الوزيرالداخلية بالقطاع الكائن بمكاتبه بالرباط.
5) الدولة المغربية في شخص السيد رئيس الحكومة الكائن بمكاتبه بالرباط.
6) الوكيل القضائي للمملكة الكائن مقره وزارة المالية بالرباط.
الوقائـع
بناء على المقال المسجل بكتابة ضبط هذه المحكمة بتاريخ 24/2/2022 من طرف المدعية بواسطة نائبها والمؤدى عنه الرسوم القضائية تعرض خلاله أنه بتاريخ 30-09- 2021 قامت مصالح الشرطة الإدارية التابعة لجماعة الناظور بتنسيق مع السلطات المحلية بعملية إبادة و تقتيل الكلاب الضالة في مجموعة من أحياء مدينة الناظور، ومن بينها حي المطار الذي تقطن به ، و ما تخللها من مشاهد مروعة و أصوات اطلاق الرصاص الحي في وقت مبكر من كل يوم ، ومناظر لجثث كلاب مقتولة و أخرى مجروحة و دماء مرسومة على الأرصفة و الطرقات ، وأن هذه العمليات المذكورة تمت خارج الضوابط القانونية و خارج الاتفاقية المؤرخة في : 28/2/2019 بين وزارة الداخلية – المديرية العامة للجماعات المحلية والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية ،ووزارة الصحة والهيئة الوطنية للأطباء البياطرة ، المرتكزة على التوجيهات الملكية السامية الرامية إلى النهوض القطاع الوقائي والصحي لضمان السلامة الصحية للمواطنين و أنسنة التعامل مع الكلاب والقطط الضالة ،بمقتضاها تم اعتماد مقاربة جديدة ترتكز على ضوابط علمية أبانت عن فعاليتها في بعض الدول مع احترام معايير الرفق بالحيوان المعمول بها في هذا المجال .
وعليه فان عمليات التأبيد المذكور للكلاب يعتبر خطأ ينسب إلى الإدارة ذاتها، ولو قام به موظفوها، فالمرفق هو الذي تسبب في الضرر اللاحق بها بسبب أنشطة أعمال مادية تتمثل في استعمال الرصاص الحي المثير لأزيز قوي و مفاجئ في وقت مبكر من الصباح يغط فيه الناس في النوم عادة ،دون سابق اعلام ، و ترك الدماء بالأرصفة دون محو آثارها في منظر مقزز تأباه النفوس، ضدا على الاتفاقية المذكورة، وضدا على دورية وزير الداخلية رقم 12059 المؤرخة في 28/6/2019 الموجهة الى السادة الولاة و العمال بالمملكة التي تحثهم على التقيد بالاتفاقية أعلاه، والتي سارت على هديه أغلب الجماعات والسلطات المحلية بالمغرب ،وبما ان العلاقة السببية قائمة بين الضرر اللاحق بها وانشطة الجماعة الترابية المذكورة ،حيث اضطرت الجمعية بإمكانياتها المتواضعة الى معالجة بعض الكلاب المجروحة ومحو آثار الدماء بالارصفة والطرقات ،مما تبقى معه محقة في التعويض المادي والمعنوي الثابت بمقتضى فواتير مسلمة من عيادات الطب البيطري، ملتمسة الزام المدعى عليهم بأدئهم لفائدتها تعويضا عن الضرر قدره 10000 درهم ،مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل وتحميل المدعى عليهم الصائر .وأرفقت المقال ،كتاب موجه الى العامل ،نسخة من اتفاقية، محضر معاينة ،النظام الأساسي للجمعية، وصل نهائي .
وبناء على المذكرة الجوابية المدلى بها من قبل الوكيل القضائي للمملكة بصفته نائبا عن الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة وعن وزير الداخلية وعامل إقليم الناظور بجلسة 29/3/2022،التي التمس فيها أساسا الحكم بعدم قبول الطلب لكون الطلب الحالي لا يرتكز على أساس قانوني، لأن الجهة المدعية قامت بتوجيه الدعوى ضد عدد من الأشخاص المعنوية العامة لا توجد بينهما أية رابطة قانونية لاختلاف طبيعتها القانونية ، وفق ما استقر عليه الاجتهاد القضائي ، وفي الموضوع الحكم برفض الطلب لكون النزاع يهم الجماعة الترابية للناظور لأنها المختصة في إبادة الكلاب وفق الاتفاقية المبرمة بهذا الخصوص، كما أن الجماعة تتوفر على استقلال مالي ومعنوي .
وبناء على المذكرة الجوابية المدلى بها من قبل نائب الجماعة المدعى عليها بجلسة 16/5/2022 والتي التمس فيها أساسا الحكم بعدم القبول، لكون الجهة المدعية خرقت مقتضيات المادة 265 من القانون التنظيمي 113.14 بحيث ان الجماعة لم تتوصل بأي اخبار يفيد رفع الدعوى ضدها لتجاوز السلطة ، وبصفة احتياطيا الحكم برفض الطلب ،على اعتبار ان الجماعة عندما تتخذ التدابير اللازمة للحفاظ على الصحة العامة ، فان تدخلها يتم وفق ما اوجبه المشرع والقانون والدوريات المنظمة لهذا الشأن، وفي احترام تام لمشاعر المواطنين، غير انه يلاحظ ان بعض التدخلات الميدانية تكون من قبل بعض المواطنين بصفة شخصية وانفرادية تؤدي الى قتل الكلاب أو تسميمهم ، مما يجعل مسألة الاثبات في هذه الحالة امر صعبا ، سيما اذا تعلق الامر بحالة الخطر المحدق ، وان الجهة المدعية قامت بنفسها بتقديم مجموعة من الشكايات لدى الجهات المختصة ضد اشخاص قامو بقتل وتسميم الكلاب الضالة، وأرفق المذكرة بصورة من مرسوم ،وصورة من شكاية ،وصورة من شهادة طبية.
وبناء على الحكم التمهيدي عدد 164 بتاريخ 21/6/2022 ، القاضي باجراء بحث بين الأطراف .
وبناء على جلسة البحث المنعقدة بتاريخ 27/9/2022 التي حضرها الطرفين ونائبيهما.
وبناء على مستنتجات بعد البحث المدلى بها من طرف نائب الجهة المدعية بجلسة 18/10/2022 ،الرامية الى تأكيد طلباتها والحكم وفق مستنتجاتها السابقة مع ملاحظة ان الجماعة المدعى عليها أقرت بكونها تنهج اسلوب قتل الكلاب الضالة بالرصاص الحي، وتنصلها من اتفاقية الشراكة مع وزارة الداخلية لأجل تلقيح الكلاب ،وبالتالي استنكافها عن تنفيذ الاتفاقية .
وبناء على اداج الملف بآخر جلسة بتاريخ 1/11 / 2022 تخلف عنها نائبا الطرفين، ،واحيلت الكلمة الى السيد المفوض الملكي ، الذي أكد سابق مستنتجاته، فاعتبرت المحكمة القضية جاهزة وتم حجز الملف للمداولة لجلسة 8/11/2022، وأدلي خلالها بمستنتجات بعد البحث من طرف نائب الجماعة المدعى عليها والرامية الى تأكيد مذكرته الجوابية السابقة ،مضيفا ان ادعاءات الجهة المدعية لا أساس لها، وتهدف من ورائها الحصول على التعويض فقط ، كما ان الاتفاقية الشراكة تبقى غيرملزمة للجماعة مادام ان سلطات الوصاية لم تصادق عليها ، واخير فان ما أقدمت عليه الجماعة يدخل في اطار ما يخوله لها القانون خاصة المرسوم رقم 157.78.2الصادر بتاريخ 26/5/1980. المتعلق بتحديد الشروط التي تنفذ بها تلقائيا التدابير الرامية الى استباب الأمن الصحي وضمان سلامة المرور والصحة والمحافظة على الصحة العامة ، مما يخول اختصاصات لاتخاذ التدابير التي تراها ملائمة لمحاربة ظاهرة الكلاب الضالة، سيما أمام تزايد شكايات المواطنين ، وذلك في اطار لجنة محلية تحت اشراف السلطات المحلية.
وبعد المداولة طبقا للقانون
التعليل
في الشكل: حيث التمس نائب الجماعة المدعى عليها الحكم بعدم القبول، لكون الجهة المدعية خرقت مقتضيات المادة 265 من القانون التنظيمي 113.14 بحيث ان الجماعة لم تتوصل بأي اخبار يفيد رفع الدعوى ضدها لتجاوز السلطة.
لكن حيث إن المحكمة وبعد اطلاعها على أوراق الملف تبين لها أن الجهة المدعية قد تقدمت بشكاية بأسباب الدعوى لدى عامل إقليم الناظور طبقا لما تنص عليه المادة 267 من القانون التنظيمي للجماعات الترابية ،وهي المادة التي تنطبق على ملف النازلة ، لكون الامر يتعلق بمطالبة مالية ضد الجماعة وليس بإلغاء قرار اداري ،وأن المادة 267 المذكور تشترط فقط إحالة الشكاية على عامل الإقليم، دون أي اجراء اخر مما يجعل الدفع المثار غير جدير بالاعتبار و يتعين رده ليبقى الطلب تبعا لذلك مستوفيا للشروط المتطلبة قانونا لقبوله.
في الموضوع: حيث يهدف طلب الجهة المدعية إلى الزام المدعى عليهم بادئهم لفائدتها تعويضا عن الضرر قدره 10000 درهم ،مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل وتحميل المدعى عليهم الصائر.
حيث التمست الجهة المدعى عليها الحكم برفض الطلب، على اعتبار ان الجماعة عندما تتخذ التدابير اللازمة للحفاظ على الصحة العامة ، فان تدخلها يتم وفق ما أوجبه المشرع والقانون والدوريات المنظمة لهذا الشأن، وفي احترام تام لمشاعر المواطنين، كما ان العديد من التدخلات الميدانية تكون من قبل بعض المواطنين بصفة شخصية وانفرادية تؤدي إلى قتل الكلاب أو تسميمهم ،مما يصعب معه القول بالمسؤولية المباشرة للجماعة عن محاربة الكلاب الضالة نظرا لتداخل مجموعة من الأشخاص ، سيما اذا تعلق الامر بحالة الخطر المحدق .
وحيث انه وبالاطلاع على وثائق الملف وعناصر المنازعة، تبين للمحكمة أن مؤدى الطلب هو تحميل الجهة المدعى عليها المسؤولية الإدارية عن الأضرار اللاحقة بها ،وذلك بسبب ان الوسيلة التي نهجتها الجماعة في محاربة الكلاب الضالة والمتمثلة في القتل بواسطة الرصاص الحي جاءت خارج الضوابط القانونية وخارج اطار اتفاقية المؤرخة في 28/2/2019،مما يشكل معه خطأ مرفقيا طبقا للفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود.
وحيث ان مسؤولية الدولة حسب الفصل 79 من قانون الالتزمات والعقود تقوم في حالتين ،الأولى حصول الضرر مباشرة من تسيير إدارتها أي المسؤولية بدون خطأ ،والحالة الثانية هي المسؤولية الناتجة عن خطأ مصلحي.
وحيث ان المسؤولية الناتجة عن خطأ مصلحي كما هو متعارف عليه فقها وقضاء،هو الخطأ الذي ينسب الى المرفق ،ويقوم الخطأ المرفقي على أساس المرفق ذاته هو الذي تسبب في الضرر ،لأنه لم يؤدي الخدمة وفق القواعد التي يسير عليها ، سواء كانت هذه القواعد خارجية ،أي وضعها المشرع ليلتزم بها المرفق، أو داخلية ،أي سنها المرفق لنفسه، أو يقتضيها السير العادي للأمور ، وتتمثل الأفعال التي تكون الخطأ المرفقي في ثلاثة صور، الصورة الأولى ان المرفق أدى الخدمة على وجه سئ، الصورة الثانية ان المرفق لم يؤد الخدمة ،الصورة الثالثة ان المرفق تأخر في أداء الخدمة أكثر من اللازم.
وحيث ان مناط الخلاف وجوهر النزاع في ملف النازلة ، والذي يستوجب مناقشته من قبل المحكمة للقول بمسؤولية الجهة المدعى عليها من عدمها ، هو هل عملية قتل الكلاب الضالة سيما بالرصاص ، وذلك بهدف تطويق ظاهرة انتشار الكلاب الضالة يندرج ضمن أحدى الصور الورادة أعلاه ، ويكون بذلك خطأ مرفقيا أم لا؟
حيث انه ومن جهة ، فان وطبقا للمادة 100 من القانون التنظيمي رقم114.13 المتعلق بالجماعات والتي تنص على ما يلي :” مع مراعاة أحكام المادة 110 أدناه يمارس رئيس مجلس الجماعة في ميادين الوقاية الصحية والنظافة والسكينة العمومية وسلامة المرور ،وذلك عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية بواسطة تدابير شرطة فردية تتمثل في الإذن أو الأمر أو المنع، ويضطلع على الخصوص بالصلاحيات التالية:….
ـ اتخاذ التدابير الضرورية لتفادي شرود البهائم المؤذية والضارة .والقيام بمراقبة الحيوانات الأليفة، وجمع الكلاب الضالة ومكافحة داء السعار، وكل مرض آخر يهدد الحيوانات الأليفة بها العمل؛طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل؛”
وحيث يتبين من مضمون هذه المادة ان محاربة الكلاب الضالة وتخليص الساكنة منها يعتبر من المسؤوليات والاختصاصات الملقاة على عاتق الجماعة الترابية بواسطة رئيسها، باعتباره المكلف بمجال الضبط الإداري والساهر على توفير السكينة العامة وكذا الوقاية الصحية من خلال محاربة كافة الظواهر السلبية لتي لها مساس بالبيئة الصحية للمواطن.
وحيث انه ومادام ان الجماعة المدعى عليها هي المسؤولة عن محاربة ظاهرة الكلاب الضالة بالحواضر والقرى، لما تشكله إزعاجا للسكان بما تحدثه من ضوضاء ناتج عن النباح ليلا والاقتتال ، فان المشرع وفقا للمادة المذكورة قد أبرز وسيلة محاربة هذه الظاهرة من خلال استعمال مصطلح جمع الكلاب ، وليس القضاء عليها أو قتلها ، وفي هذا السياق فان الاتفاقية المؤرخة في : 28/2/2019 بين وزارة الداخلية – المديرية العامة للجماعات المحلية والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية ووزارة الصحة والهيئة الوطنية للأطباء البياطرة ، ترتكزعلى أنسنة التعامل مع الكلاب والقطط الضالة، و تذهب الى اعتماد مقاربة ترتكز على ضوابط علمية أبانت عن فعاليتها في بعض الدول مع احترام معايير الرفق بالحيوان المعمول بها في هذا الشأن، من خلال اللجوء الى عمليات التعقيم الجراحية لمنع تكاثرها وتناسلها ،وكذا تلقيحها ضد الامراض التي قد تصيبها، وجمعها في أماكن خاصة بها.
وحيث إنه ولئن كان من واجب الجماعة المدعى عليها محاربة هذه الظاهرة السلبية والتي تؤثر على السكينة العامة و تهدد سلامة المواطنين وأمن المجتمع ،فان لجوئها الى قتل الكلاب الضالة بوسيلة الذخيرة الحية، وذلك بإقرار منها بجلسة البحث المؤرخة في 27/9/2022 ، مشروط بان يكون القتل هو الوسيلة الوحيدة لكفِّ أذاها وضررها، مع مراعاة الإحسان في قتلها ، ومادام ان مقتضيات المادة 100 من القانون التنظيمي رقم114.13 المتعلق بالجماعات ينص على وسيلة جمع الكلاب في أماكن خاصة بها ،ولم يثبت من خلال وثائق الملف ان القتل كانت هي الوسيلة الوحيدة للقضاء عليها ،فيكون بذلك فعل الجماعة بانتهاج وسيلة قتل الكلاب بالرصاص الحي مخالفا لمقتضيات للمادة المذكورة.
وحيث انه و فضلا عن ذلك، فان القتل يعتبر وسيلة غير حضارية، لكون هذه الطريقة العتيقة الممتدة منذ الأزمنة الغابرة لم تبق مقبولة وأصبحت متجاوزة وتتم بطرق وحشية كاطلاق الرصاص والتسميم، بحيث أصبحت تثير انتقادات مجموعة من المنظمات الوطنية والدولية المهتمة بحماية الحيوانات؛ كما أن المجتمع المتطور لا يقاس بتعامله مع البشر فقط، إنما بتعامله أيضا مع الحيوانات؛ الأمر الذي يفرض اللجوء الى بدائل لاحتواء الظاهرة في إطار حضاري يلائم مقتضيات العصر، بالإضافة الى أن كون وسيلة القتل تتنافى مع أداب الدين الإسلامي الحنيف، حيث إن الإسلام لا يبيح قتل حيوان أو طائر لغير فائدة ضرورية ،كما انه يحث على معاملة الحيوان بالشفقة والعطف وليس الاستهان أو التعدي عليه وقتله .
وحيث انه ومن جهة ثانية، فان مبدأ التناسب الذي يقتضي بأن يكون تدخل الإدارة مشروعا ومناسبا وضروريا ، معقولا يستهدف تحقيق غاية عامة ومشروعة، و يمكن تصوير محتوى و هدف إعمال مبدأ التناسب بهذه اللوحة: “لا يُطلق النار على العصافير باستعمال المدافع”، مما يقتضي ان تكون الوسائل التي تلجأ اليها الجماعة لمحاربة الظاهرة الكلاب الضالة ، مناسبة وضرورية وتتسم بالعقلانية، بمعنى ان الجماعة المدعى عليها كان عليها تختار الوسيلة الأكثر ملائمة وعقلانية من بين البدائل المتاح لها والممكنة ،ومن بين هذه الوسائل اللجوء الى التعقيم للحد من تكاثرها. وليس اللجوء مباشرة الى القتل ، هذا فضلا على أن الجماعة المدعى عليها ساهمت في انتشار هذه الظاهرة من خلال تقاعسها عن أداء مهامها بصفة آنية وفورية ، الأمر الذي ترتب عنه تزايد أعداد هذه الكلاب ،والحال انه كان يتعين عليها استشراف هذه الظاهرة واتخاذ التدابير الكفيلة للحد منها قبل استفحالها في إطار دورها الوقائي.
وحيث انه واستناد الى العلل أعلاه ، يكون ركن الخطأ ثابت في حق الجماعة المدعى عليها، للجوئها الى وسيلة القتل بواسطة الرصاص، عن طريق اشخاص (قناصة) حسب ما أورده ممثل الجماعة خلال جلسة البحث، ودون مراعاة ظروف الزمان والمكان ،باعتبار أن الحملات التي قامت بها كانت داخل المجال العمراني للجماعة الذي يمتاز بكثافة سكانية، وما يترتب عن ذلك من ترويع للمواطنين جراء أصوات الرصاص وآثار الدماء المتناثرة جراء هذا القتل دون مراعاة لمشاعرهم واحاسيسهم ، هذا فضلا عما قد يشكله هذا الفعل من إثارة للمسؤولية الجنائية للقناص، اذا ما أصاب أحد الاغيار، بالإضافة الى قيام المسؤولية في مواجهة رئيس الجماعة عن الحوادث التي قد يتسبب فيه اطلاق الرصاص من طرف القناصة المعتمدين من طرف الجماعة والذين يتصرفون لفائدتها دون سند قانوني يخولهم ذلك، الأمر الذي يشكل معه هذا الفعل إحدى صور الخطأ المتمثلة في أداء الخدمة بشكل سئ، ترتب عنه ضرر معنوي، أصاب أعضاء الجمعية من خلال ما تنهجه الجماعة من تقتيل للكلاب الضالة بالرصاص، وما ينجم عن ذلك من ترويع، فضلا عن ما يشكله ذلك من مساس بالأهداف المشروعة للجمعية التي تدافع عنها والتي تهدف الى حماية الحيوان.
وحيث انه وبثبوت العلاقة السببية بين خطأ الإدارة وأداء للخدمة بشكل سئ ، والضرر المعنوي الحاصل للجهة المدعية ،مما تكون معه مسؤولية الجماعة قائمة في نازلة الملف.
وحيث ان التعويض عن الضرر المعنوي يكون جزافيا ولا يخضع لمعايير محددة ، الامر الذي يبقى معه متروك للسلطة التقديرية للمحكمة لتقدره على ضوء العناصر المتوافر لديها من خلال وثائق الملف و ظروف وملابسات الحادث، مما إرتأت معه المحكمة تقديره في المبلغ الذي سيرد في منطوق الحكم,
وحيث يتعين تحميل خاسر الدعوى الصائر بحسب النسبة .
وحيث ان باقي الطلبات غير مؤسسة قانونا مما يتعن رفضها .
فلهذه الأسبـــاب
وتطبيقا لمقتضيات قانون المسطرة المدنية والمادة 7 من القانون رقم 90/41، المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية.
حكمت المحكمة علنيا، ابتدائيا وحضوريا:
- في الشكل :بقبول الطلب
- في الموضوع : بأداء الجماعة الترابية بالناظور في شخص رئيسها لفائدة الجهة المدعية تعويضا قدره6000 درهم ،مع تحميلها الصائر حسب النسبة المحكوم بها ورفض الطلب فيما عدا ذلك.
وبهذا صدر الحكم في اليوم والشهر والسنة أعلاه.
الرئيس
القاضي المقرر
كاتبة الضبط