زكرياء كرنو: توثيق التصرفات العقارية من خلال قانون 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية
زكرياء كرنو دكتور في الحقوق إطار بنكي سابق مستشار خبير قضائي
مقدمة:
يعد علم التوثيق من اجل العلوم قدرا واعظمها خطرا، إذ به تستخرج حقوق الناس، وبه يستبصر القضاء و الحكام، وتسكن النفوس إلى الثقة و الائتمان، و يسود المعاملات الأمن والاطمئنان، وقد حصر المشرع الجهات المؤهلة لتحرير وتوثيق التصرفات الواردة على العقار، إذ ينبغي أن ترد هذه الأخيرة في محررات رسمية يتولى تحريرها الموثقون والعدول، أو في محررات ثابتة التاريخ يتولى تحريرها المحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض، فقد قصد من وراء كل ذلك حماية المتعاملين في الميدان العقاري بجعلهم يقدمون على إبرام تصرفاتهم وتوثيقها بطريقة آمنة، تهدف إلى استقرار معاملاتهم وتعزز اطمئنانهم وثقتهم في النصوص القانونية المؤطرة لهذه المعاملات رغبة في تشجيع و خلق جو ملائم للاستثمار.
ومن هنا سنعتمد على التقسيم التالي، نخصص (الفقرة الأولى) لتوثيق المعاملات العقارية في المحررات الرسمية، و(الفقرة الثانية) لتوثيق التصرفات العقارية في المحررات العرفية.
الفقرة الأولى: التوثيق من خلال المحررات الرسمية
يعتبر قانون مدونة الحقوق العينية ثمرة مجهود تشريعي امتد عقودا من الزمن الى ان خرج للوجود سنة 2011. وقد اشتمل هذا القانون على 334 مادة موزعة على كتابين وفصل تمهيدي؛ بحيث تناول المشرع في الكتاب الأول الحقوق العينية العقارية الأصلية والتبعية والحجوزات والبيوع الجبرية التي تقع عليها، في ما خصص الكتاب الثاني لبيان أسباب كسب الملكية العقارية وأحكام القسمة المنصبة على العقارات.
وقد حددت الفقرة الاولى من المادة الاولى من هذا القانون نطاق تطبيقه، بحيث نصت على ان مقتضيات هذا القانون تسري على الملكية العقارية والحقوق العينية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار. فيما خصص المشرع الفقرة الثانية من نفس المادة اعلاه لبيان المصادر التشريعية التي يمكن الرجوع اليها في كل ما لم يرد به نص في هذا القانون.
وبدخول هذا القانون حيز التطبيق يكون المشرع قد وحّد، نوعا ما، النص التشريعي المطبق على العقارات المحفظة وغير المحفظة ولو نسبيا، وبالتالي لم يعد هناك مجال لبقاء ظهير 2 يونيو 1915 الذي كان يطبق على العقارات المحفظة وهو الأمر الذي تبناه المشرع في المادة 333 من م ح ع.
و تجدر الإشارة ، إلى أن المادة 4 من المدونة المتممة بقانون 69.16 [1]، أحد أهم المستجدات التشريعية التي وردت بها، وهو تعديل تشريعي غاية في الأهمية نظرا للنزاعات الكثيرة التي كانت تَرُوج أمام المحاكم والتي كان أحد أهم أسبابها المحررات العرفية[2]. حيث نصت على التالي : ” يجب ان تحرر ـ تحت طائلة البطلان ـ جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها وكذا الوكالات الخاصة بها بموجب محرر رسمي، أو بمحرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض ما لم ينص قانون خاص على خلاف ذلك.
يجب أن يتم توقيع العقد المحرر من طرف المحامي والتأشير على جميع صفحاته من الاطراف ومن الجهة التي حررت. تصحح إمضاءات من لدن السلطات المحلية المختصة ويتم التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد من لدن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي يمارس بدائرتها”.
اذن يلاحظ على ان المشرع اضاف الوكالات الخاصة بالتصرفات العقارية الى حكم المادة الرابعة، وبالتالي أصبح معه وجوب تحرير عقد الوكالة المتعلق بتصرف عقاري اما لدى الموثقين او العدول بمحرر رسمي او لدى محامي مقبول للترافع امام محكمة النقض بمحرر عرفي.
ويتبين من خلال استقراء مقتضيات الفصل 418 من ق.ل.ع على أن للمحرر الرسمي[3] ثلاثة شروط لا بد من توفرها حتى يكون صالحا للإثبات به، ومن تلك الشروط أن يقوم المحرر بتحرير الورقة الرسمية في حدود سلطته التي يحددها له قانون مهنته، وأن يتم تحريرها في إطار اختصاصه، ومن تم يتولى كتابة المحررات الرسمية الموثقون والعدول.
أ-توثيق المعاملات العقارية من طرف الموثق
تخضع مهنة التوثيق لأحكام القانون رقم [4]32.09، وهي مهنة حرة تمارس وفق الشروط وحسب الاختصاصات المقررة في هذا القانون وفي النصوص الخاصة [5]، وقد وفر هذا القانون إلى حد كبير حماية قانونية للمهنة، متى احترم الموثق الممارس الأخلاقيات التي تفرضها عليه مهنته [6]، كما وفر حماية للمتعاملين أيضا، وهو ما يبرر نية المشرع في تحقيق نوع من التوازن التعاقدي الذي فرضه التطور والتغير الذي عرفه المجتمع[7].
فالموثق ملزم حسب المادة 3 من القانون رقم 32.09 بالتحقق تحت مسؤوليته من هوية الأطراف الحاضرين لديه، وصفتهم وأهليتهم للتصرف، ومدى مطابقة الوثائق المدلى بها للقانون، كما أنه ملزم بالتأكد من الوضعية القانونية والمادية للعقار موضوع التعاقد [8] وطبيعته هل هو عقار محفظ؟ أو في طور التحفيظ؟ أم غير محفظ؟.
فإذا كان العقار محفظا أو في طور التحفيظ، يتعين على الموثق أن يتأكد من مدى مطابقة الوثائق المدلى بها من طرف المفوت، وكذا مطابقة هويته مع ما هو مضمن في الرسم العقاري أو مطلب التحفيظ، وفي ذلك حماية لأصحاب الحقوق الأصليين وقطع الطريق أمام العابثين والمتلاعبين، فضلا عن ذلك واستنادا إلى نفس المادة يلتزم الموثق بإسداء النصح للأطراف، ويوضح لهم الأبعاد والآثار التي قد تترتب عن العقود التي يتلقاها [9]، كما يجب على الموثق طبقا لمقتضيات المادة 40 من القانون المنظم لمهنة التوثيق أن يشير في العقد الذي حرره إلى قراءة الأطراف له أو إلى أنه اطلعوا على مضامينه من طرفه، ومتى كان أحد أطراف العقد يجهل اللغة التي حرر بها العقد يشهد عليه الموثق بذلك، مع ضرورة تطبيق أحكام المادة 38 من القانون رقم 32.09 التي توجب على الموثق الاستعانة بترجمان مقبول لدى المحاكم عند وجود صعوبة في التلقي، وفي حالة تعذر وجود ترجمان يمكنه الاستعانة بكل شخص يراه أهلا للقيام بهذه المهمة، شريطة قبوله من طرف المعني بالترجمة، ويشترط في الترجمان أو الشخص المستعان به ألا يكون شاهدا أو له مصلحة في العقد.
فحسب المادة 42 من القانون المنظم لمهنة التوثيق يكون المشرع قد جعل من تحرير العقد باللغة العربية قاعدة ومبدأ أساسيا[10]، غير أنه ترك الخيار للأطراف أن يعتمدوا أي لغة أخرى في التحرير وبإرادتهم المنفردة، إذ ليس للموثق الحق في أن يلزمهم بلغة معينة لإثبات التزاماتهم، وتماشيا مع ما هو جاري به العمل فإنه عادة ما نجد الموثق يحرص على أن يضمن بالمحررات التوثيقية، بندا يشار فيه إلى أن الأطراف يتفقون على تحرير اتفاقاتهم باللغة التي كتب بها العقد، أي باللغة الفرنسية أو غيرها من اللغات وبهذا يكون البند ملزما للأطراف ولغيرهم[11]، كما أن الموثق يكون خاضعا لرقابة من حيث المحررات والوثائق التي يتولى تحريرها وعند إدراجه لهذا البند يكون قد تبنى إرادة الأطراف في اختيار لغة تحرير العقد [12].
فضلا عن ذلك يجب أن تتضمن العقود التي يتلقاها الموثق الأسماء الكاملة للأطراف- بما فيها اسم الأب والأم- وباقي الموقعين على العقد، ولا يسمح باختصارها إلا إذا سبق في العقد ما يوضحها مرة واحدة على الأقل[13]، وبيان موطنهم وتاريخ مكان ولادتهم وجنسيتهم ومهنتهم ونوع الوثيقة الرسمية المعتمدة في إثبات هويتهم ومراجعها وحالتهم العائلية والنظام المالي للزواج بالنسبة للأطراف عند الاقتضاء.
كما يجب أن يحرر العقد تحت مسؤولية الموثق دون انقطاع أو بتر أو إصلاح في صلبه أو إقحام أو كتابة بين السطور أو إلحاق أو تشطيب أو ترك بياض باستثناء ما يفصل بين الفقرات والبنود، وفي هذه الحالة يوضع خطا على البياض، فضلا عن ذلك ترقم الصفحات ويشار إلى عددها في آخر العقد، هذا ويجب أن تصحح الأخطاء والإغفالات بواسطة إحالات تدون إما في الهامش أو في أسفل الصفحة[14].
وعلاوة على ذلك يجب أن تذيل هذه التصحيحات بتوقيع الموثق والأطراف بعد اطلاعهم على مضمون التصحيح، فهذا الأخير يكون باتفاق الأطراف عليه، وبتوقيعاته جميعا يصبح التصحيح والاستدراك جزء من العقد له حجيته شأنه ِشأن باقي البنود الأخرى، ويجب أيضا أن تذيل أصول العقود تحت طائلة البطلان بأسماء وتوقيعات الأطراف والترجمان والشهود إن وجدوا، إذ يوقع الأطراف على كل صفحة من صفحات العقد ويكتب تاريخ توقيع كل طرف، كما يؤشر الموثق على كل صفحة ويكتب تاريخ وساعة توقيع الأطراف والموثق بالأرقام والحروف، وإذا كان أحد الأطراف لا يحسن التوقيع فإنه يضع بصمته على العقد ويشهد عليه الموثق بذلك، أما إذا تعذر عليه التوقيع والإبصام فإن الموثق يشهد عليه بذلك بمحضر شاهدين.
وتكون التوقيعات بخط اليد وبمداد غير قابل للمحو [15]، ويوقع الموثق العقد فورا آخر توقيع للأطراف ويكتسب بذلك العقد الصيغة الرسمية ، ويجب أن تلحق بها كل الوثائق التي استند عليها الموثق لإبرامه [16]، فبهذه المقتضيات يكون المشرع قد حاول أن يعطي من جهة للمحرر جمالية خاصة به من حيث الشكل تميزه عن العقود الأخرى خاصة العرفية، ومن جهة أخرى العمل على الحد من أي تزوير أو تحريف لمضمون العقد أو المحرر [17].
ومن كل ما سبق يمكن القول أن المشرع قد عمل على توحيد شكل إبرام العقود في مجال التوثيق، فالموثق يحظى بدور مهم في تثبيت المعاملات العقارية نظرا لكونه يخضع لقانون يجعل من الوثيقة المحررة فعلا تستحق الرسمية والحجية القطعية التي تعطيها القوة الثبوتية والتي لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور ، كما أنه يصعب تزويرها لأن لها أصلا يحتفظ به الموثق في سجل خاص يؤشر على كل صفحاته رئيس المحكمة الابتدائية الواقع بدائرتها مقر عمله، ويضمن الموثق في السجل المذكور كل البيانات الموجزة للعقود التي يتلقاها.
بقي أن نشير إلى إجراء هام يتولى الموثق القيام به، ويتمثل في كونه يقدم نسخا من المحررات ولعقود بعد الإشهاد بمطابقتها للأصل من طرفه لمكتب التسجيل المختص قصد استيفاء واجبات التسجيل، كما يتولى القيام بالإجراءات الضرورية للتقييد في السجلات العقارية وغيرها لضمان فعاليتها، وهذا ما يبرز دوره في تحفيظ الأمن العقاري والتوثيقي للراغبين في توثيق تصرفاتهم العقارية.
ب-توثيق العدول للمعاملات العقارية
بالرجوع إلى بعض مقتضيات القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة[18]، نجده ينص في المادة الأولى على أن التوثيق العدلي مهنة حرة، يمارس حسب الاختصاصات والشروط المقررة في القانون، ويعتبر تلقي الشهادة كمرحلة أولى لإنشاء الوثيقة العدلية أحد أهم المهام المسندة للعدول، بحيث يجب أن يتم التلقي من طرف عدليين وأن يكون ثنائيا ما عدا في حالة تعذر ذلك، فإنه يجوز التلقي الفردي شريطة الحصول على إذن من القاضي المكلف بالتوثيق[19]، ويسوغ تلقي الإشهاد مباشرة من العاجز عن الكلام أو السمع بالكتابة وإلا فبالإشارة المفهمة مع التنصيص على ذلك في العقد [20]، ويمكن للعدل طبقا للمادة 30 من القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة أن يستعين بترجمان مقبول لدى المحاكم عند وجود صعوبة في التلقي مباشرة من المشهود عليهم، وفي حالة عدم وجود ترجمان يستعين العدل بكل شخص يراه أهل للقيام بهذه المهمة بعد قبول المشهود عليه له، هذا يشترط في الترجمان أو الشخص المستعان به أن لا تكون له مصلحة في الشهادة [21].
والوثيقة العدلية يجب أن تحرر باللغة العربية و ينص فيها على اللغة الأجنبية أو اللهجة التي تم بها التلقي إذا تعلق الأمر بغير لغة الكتابة [22]، فضلا عن ذلك يتعين أن تشتمل الوثيقة العدلية على الهوية الكاملة للمشهود عليه، ومدى أهليته وأحقيته في التصرف في المشهود فيه، كما يتعين أن تشتمل الوثيقة العدلية أيضا على تعيين المشهود تعيينا كافيا [23]، والمراد بالمشهود فيه في موضوعنا هذا هو العقار، إذ يعتبر التأكد من وضعية العقار سواء كان محفظا أم غير محفظ أو في طور التحفيظ من صميم الالتزامات الملقاة على عاتق العدل، إذ يتوجب عليه قبل تلقي الإشهاد تحديد وضعية العقار القانونية والمادية بالرجوع إلى مدرجات الرسم العقاري في حال كون العقار محفظا أو إلى بيانات مطلب التحفيظ في حال كونه في طور التحفيظ أو الإدلاء إليه بمختلف الوثائق والعقود والرسوم المثبتة لأصل الملك إذا كان العقار غير محفظ [24].
كما يتعين على العدل الالتزام بإسداء النصح للأطراف المتعاقدين، بعد التأكد والتحري عن الوضعية القانونية للعقار والتيقن من أنه غير مثقل بأي تقييد لحق عيني أو تحمل عقاري أو حجز تحفظي أو تنفيذي أو إنذار عقاري بمثابة حجز، فمتى اتضح له بعد الرجوع إلى بيانات الرسم العقاري أو مطلب التحفيظ أن وضعية العقار غير سليمة كأن يكون مثقلا برهن رسمي وجب عليه أن يطلع الأطراف على ذلك، خصوصا الطرف المفوت له، كما يتعين عليه أن يذكر الأطراف باسم العقار موضوع التعاقد، وبيان مرجعه العقاري، وتعيين وصف مشتملاته، وذكر مساحته وموقعه وحدوده عند الاقتضاء… إلخ. بالإضافة إلى التحقق من أصل التملك أي سند ملكية الطرف المفوت، وهذا الإجراء فيه حماية وضمان حقوق المفوت له، ويعكس أمنا عقاريا واستقرارا للمعاملات التي ارتضى الأفراد إفراغها في قالب الوثيقة العدلية، لأن من شأن هذا الإجراء الأخير معرفة المالك الحقيقي من المالك الظاهر، فالعدل ملزم قبل تلقي الشهادة بتفويت عقار في مرحلة أولى وتحرير العقد ومخاطبة قاضي التوثيق عليه في مرحلة ثانية التأكد من رسم ملكية المالك والشروط المطلوبة فيها من وضع اليد، والتصرف والنسبة وعدم وجود المنازع، وطول مدة الحيازة، وعدم العلم بالتفويت في حالة وفاة الحائز.
ولابد من التذكير بالإجراء الذي تضمنته المادة 35 من القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة، إذ يتضح من هذه المادة أن الرسوم العدلية لا تتمتع بحجتها الإثباتية بمجرد تلقي الشهادة من قبل العدلين كما الشأن بالنسبة للموثقين، بل لابد من الخطاب عليها قبل قاضي التوثيق لتكتسي الصيغة الرسمية، بيد أن الوثيقة العدلية لا تذيل بخطاب قاضي التوثيق إلا بعد مراقبته أياها وتأكده من مرورها بجميع مراحل تكوينها والتي من بينها تسجيل الرسوم العدلية بمصلحة التسجيل والتنبر.
ومن هنا يظهر أن العدول ملزمون بمجرد تلقي إشهاد خاضع إجباريا لأداء واجبات التسجيل بإبلاغ الأطراف المتعاقدة بإجباريته، مع حثهم على أداء الرسوم المستحقة داخل الأجل القانوني بمكتب التسجيل، كما يمكنهم أن يقوموا بهذا الإجراء بالنيابة عن الأطراف إذا ما كلفوهم بذلك، وعليهم أن يودعوا العقود والمستحقات المتعلقة بها لدى مفتش مكتب التسجيل والتنبر تحت تبعة تعرضهم للمساءلة التأديبية [25].
وعكس ما عليه الأمر بالنسبة للموثق بخصوص التزامه بتقييد وإيداع العقود المحررة من طرفه بمصلحة المحافظة على الأملاك العقارية متى كان العقار موضوع التعاقد محفظا أو في طور التحفيظ، يلاحظ على مستوى القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة تشير إلى إلزام العدل بالقيام بهذا الإجراء[26].
وفي ختام الحديث عن دور العدول في توثيق التصرفات العقارية، نستنتج ان الوثيقة العدلية لكي تحقق الغاية المنشودة يجب أن تتوفر على الضوابط اللازمة، كما يجب أن تحرر وفق المنهجية المتعارف عليها فقها وقانونا في مجالها وبضوابطها التي يستند إليها العدول، والتي ينبغي الالتزام بها في تحرير الوثائق العدلية، خاصة تلك المرتبطة بالعقار، باعتباره المحور والأساس الذي تدور حوله وتنشأ على أساسه كل المشاريع الاقتصادية والاجتماعية.
ومن بين المعاملات التي أوجب المشرع تحريرها في محرر رسمي نذكر عقد العمرى الذي يعرف بكونه: “حق عيني قوامه تمليك منفعة عقار بغير عوض يقرر طول حياة المعطى له أو المعطي أو لمدة معلومة [27]، فعقد العمرى من العقود التي أوجب المشرع لانعقادها صدور الإيجاب من المعطي والقبول من المعطى له [28] وتطابقهما، كما اشترط المشرع لتمام انعقاد هذا التصرف شكلية الكتابة كركن، بحيث رتب على تخلفها جزاء البطلان [29]، هذا الأخير كما هو معلوم يترتب في حالة تخلف الركن.
والكتابة المشترطة في عقد العمرى يجب أن ترد في محرر رسمي دون غيره، بمعنى أن عقد العمرى لا يمكن أن يرى في محرر ثابت التاريخ، وهو ما يؤكد أهمية هذا التصرف القانوني ورغبة المشرع في صون الحقوق والأموال من الضياع، ويجعل من عقد العمرى مؤسسة قادرة حقا على تحقيق التوازن بين المتعاقدين المعطي والمعطى له، وكذا تحقيق الاستقرار العقاري في معاملة لا تقل أهمية عن باقي المعاملات العقارية.
وما قيل عن عقد العمرى يقال عن عقد الهبة [30] والصدقة [31]، اللذان يجب أن أبرما تحت طائلة البطلان في محرر رسمي [32]، وهما بذلك يتأطران ضمن العقود الشكلية التي لابد فيها من الكتابة حتى يتم انعقادها، فهذه الكتابة يجب أن ترد في حرر يتم تحريره من الموثقين أو العدول، فالإشهاد على الهبة أو الصدقة يدخل في اختصاص عدلين منتصبين للإشهاد في مكان تحرير العقد، يتوليان تلقي اتفاقات الأطراف وتحريرها وفقا للمقتضيات القانونية المنظمة لمهنتهم، واحترام قواعد وأحكام التوثيق[33]، مع الإشارة بأن الموثق بدوره يمكنه تحرير وتوثيق هذين العقدين لعدم وجود نص قانون في القانون رقم 32.09 المنظم لمهنة التوثيق يمنعه من ذلك، وتماشيا مع مقتضيات المادة 274 من مدونة الحقوق العينية التي فرضت ضرورة إبرام عقد الهبة في محرر رسمي، وأن تقييده بالسجلات العقارية يغني عن الحيازة الفعلية للملك الموهوب وعن إخلاله من طرف الواهب إذا كان العقار محفظا أو في طور التحفيظ [34]، وهذا معناه أن الموثق على خلاف العدول الذين يشهدون أنهم انتقلوا مع الأطراف إلى العقار موضوع الهبة وأن الموهوب له حاز العقار ووضع يده عليه فارغا من شواغل الواهب وأمتعته، فالموثقون معفيون من ذلك كله، وما عليهم سوى تقييد عقد الهبة بالرسم العقاري بعد تمام تحريره وتسجيله.
وعلى غرار العقود المذكورة فالمشرع أدخل عقدي الرهن الحيازي[35] والمغارسة[36]، من خلال المادتين 147[37] و268[38] من مدونة الحقوق العينية، لأهميتهما في زمرة العقود التي يجب أن تبرم في محرر رسمي تحت طائلة البطلان، ولعل الغاية من ذلك تتمثل في ضبط العقدين ضبطا يراعي الأحكام والشروط التي يقررها القانون من جهة، وتحقيق التوازن بين طرفي العلاقة التعاقدية بتأكيد الحقوق والالتزامات المتبادلة بينهما، لتصبح هذه العقود في آخر المطاف دعامة قوية قادرة على الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية إلى الأمام من جهة ثانية، خصوصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن أغلب العقارات التي ترد عليها هذه الحقوق والتصرفات تكون غير محفظة، لذا نرى أن المشرع قد أحسن صنعا بتنظيمه هذه الحقوق من حيث تكوينها وطرق انتقالها، حتى يستعيد بذلك العقار غير المحفظ دوره الريادي في تحقيق التنمية المنشودة.
بيد أنه وإن كان المشرع توفق إلى حد ما بإقراره الرسمية في التصرفات العقارية، فإن هذه الرسمي خلفت أثرا سلبيا تمثل أساسا في آثار ذات أبعاد اجتماعية تمس فئات عريضة من صغار الفلاحين والصناع التقليديين الذين يقترضون من مؤسسات الائتمان مبالغ هزيلة فتفرض عليهم أداء واجبات الخدمة التحريرية بشكل يمس الجزء غير اليسير من مبلغ القرض وهو أمر غير معقول [39]، ذلك أن تطبيق مقتضيات المادة 4 من م. ح.غ على أرض الواقع أبان تعقيدات كبيرة في المساطر خصوصا فيما يتعلق بالرهون الرسمية المنصبة على الأراضي الفلاحية التي كان يكتفي فيها سابقا بموافقة المؤسسة الائتمانية المقرضة بإبرام عقود عرفية، وهو ما ييسر مأمورية حصول الفلاحين على قروض صغيرة جدا لا تتعدى 50.000 درهم، ومن أجل حصول الفلاحين وغيرهم على السلفات بهذه القيمة فإنهم ملزمون بالاستعانة بموثق أو عدل أو محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض لتحرير عقود مضمونة برهون رسمية، وهو ما يؤثر من جهة على تعثر المعاملات، ويؤدي من جهة ثانية إلى اللجوء لأشكال تعاقدية كثيرا ما تضر بمصالحهم على مستوى مصاريف التنقل وأتعاب المحامين والموثقين والعدول. وعلى هذا الأساس فقد تدخل المشرع بتتميم المادة 174 من م.ح.ع بمقتضى القانون رقم 22.13 [40] التي أضافت فقرة ثانية إلى هذه المادة كما يلي: “لا تسري أحكام المادة 4 أعلاه على إنشاء أو نقل أو تعديل أو إسقاط الرهن الاتفاقي المقرر لضمان أداء دين لا تتجاوز قيمته المبلغ المحدد بنص تنظيمي”.
وتطبيقا للمادة 174 المذكورة صدر المرسوم رقم 2.14.881 [41] والذي جاء فيه أن تحديد المبلغ المالي للدين موضوع الرهن الاتفاقي الذي لا ينبغي تجاوزه حتى لا تسري عليه أحكام المادة 4 المذكورة يكون بقرار مشترك للوزير المكلف بالفلاحة والوزير المكلف بالعدل والوزير المكلف بالمالية، وتبعا لذلك صدر القرار المشترك رقم 4517.14 تم بموجبه تحديد المبلغ المالي المعني 250.000 درهم، وبناء عليه فإن إنشاء الرهن الرسمي الاتفاقي أو نقله أو تعديله أو إسقاطه متى تعلق بضمان أداء دين لا يتجاوز مبلغ المالي 250.000 درهم لا تسري عليه أحكام المادة 4 من م.ح.ع بل للأطراف كامل الحرية والاختيار في توثيقه إما في محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ .
لكن قد يثار إشكال حول مدى تطبيق مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 174 من م.ح.ع على إنشاء رهن رسمي اتفاقي أو نقله أو تعديله أو إسقاطه حينما يرتبط بعقار خاضع لنظام الملكية المشتركة وفقا للقانون رقم 18.00، وهنا تجب الإشارة إلى أن مقتضيات م.ح.ع بما فيها المادة 174 تعد مقتضيات عامة لا ينبغي الرجوع إليها إلى عند عدم وجود نص قانوني خاص يفيد غير ذلك، وهذا ما أكدته المادة 4 نفسها حينما أثارت في آخر الفقرة الأولى منها أن أحكامها تطبق ما لم ينص قانون خاص على خلاف ذلك، وحيث إن المادة 12 من القانون رقم 18.00 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية والمرسوم رقم 2.03.852 المؤرخ في 7 يونيو 2004 التطبيقي لها، تنص على مقتضيات خاصة بتحرير التصرفات العقارية المتعلقة بالملكية المشتركة تقتضي ضرورة تحريرها وفق محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ صادر عن محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض أو محرر ثابت التاريخ صادر عن مهني ينتمي إلى مهنة قانونية منظمة يخولها قانونها تحرير العقود، شريطة صدور قرار وزاري مشترك يحدد لائحة المهن القانونية المنظمة القبولة لتحرير العقود، وكذا شروط تقييد أعضائها في لائحة إسمية تصدر سنويا عن السيد وزير العدل والحريات.
الفقرة الثانية: توثيق المعاملات العقارية من خلال المحررات العرفية
حصرت المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية إمكانية تحرير العقود العرفية (الثابتة التاريخ[42]) في فئة المحامين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض وحدهم، حيث اشترطت هذه المادة أن يكون المحامي مقبولا للترافع لدى محكمة النقض (أولا)، وأن يتم التعريف بإمضائه لدى رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي يمارس بنفوذها (ثانيا).
أولا- شرط أن يكون المحامي مقبولا للترافع أمام محكمة النقض
لقد حددت المادة 33 من القانون رقم 28.08[43] المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة[44]، المحامون الذين يكتسبون صفة المحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض في:
- المحامون المسجلون بجدول الهيئة منذ خمس عشرة سنة كاملة على الأقل.
- المحامون الذين تم قبول تسجيلهم في الجدول بعد تقاعدهم أو انتقالهم وكانوا مستشارين أو محامين عاميين بصفة نظامية لدى محكمة النقض، قبل أن يكتسبوا صفة المحامون لمدة ثماني سنوات على الأقل أو قضاة الدرجة الثانية او درجت تفوقها.
- المحامون الذين سبق وأن مارسوا مهمة القضاء أو أساتذة التعليم العالي المعفون من شهادة الأهلية، ومن التمرين، بعد خمس سنوات من تاريخ تسجيلهم بالجدول.
ويثار التساؤل هنا حول حدود الاختصاص المكاني للمحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض؟ إذ كما هو المعلوم المحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض يمارس مهامه طبقا للمادة 30 من القانون المنظم لمهنة بمجموع التراب الوطني للمملكة [45]، في إطار هيئة محدثة كل محكمة استئناف ينتسب إليها ويرتبط بها عضويا[46]، غير أن مدونة الحقوق العينية في مادتها الرابعة ربطت التعريف بإمضاء المحامي بالمحكمة الابتدائية التي يزاول بدائرتها، مما يطرح علامة استفهام حول أحقية المحامي في تحرير عقد يتعلق بعقار خارج دائرة نفوذ المحكمة الابتدائية؟ إذن كانت هذه واحدة من بعض الإشكالات التي لازالت تطفو على سطح المعاملات العقارية وتؤثر سلبا على تحقيق الأمن القانوني والقضائي المنشود، وكذا بعث الاستقرار في المعاملات العقارية.
و نعتقد أن اقتصار صياغة العقد في محرر ثابت التاريخ على السادة المحامين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض دون غيرهم من المحامين فيه إجحاف وتكريس التفرقة غير المبررة في المهنة الواحدة، فالمحامي المقبول لدى محكمة النقض لا يتميز عن الآخر إلا بالسبق في المدة التي قضاها في ممارسة المهنة، فهو لم يتلق تكوينا خاصا بالتوثيق ولا هو عارف عن وعي لبنية الصياغة العقدية، وما يعرف عن هذه الصياغة إنما هو من خلال قراءته لكتابة مقاله حول النزاع المثار في شأنها، وكذا للانطلاق منها لتقديم الأدلة المناصرة لما يطلبه من القاضي، وهذا هو نفس الأمر الذي يقوم به أي محام، ثم إنهم في الغالب يقفون عند حد نسخ النماذج المتداولة بالعربية أو تعربيها من الفرنسية[47].
فالمطلوب في المحرر الثابت التاريخ الذي يحرره المحامي أن يراعي الشروط والضوابط والأحكام القانونية التي من شأنها أن تنتج محررا سليما على مستوى الشكل والمضمون، فالمجال العقاري يتطلب نوعا من الحذر والإتقان لتجنب المنازعات التي تنتج عنها لا محال ضياع الحقوق وعدم استقرار المعاملات، إذن فبرأينا التدخل التشريعي لازم ومفروض والتكوين المستمر للمحامين في مادة التوثيق والمجال العقاري مطلوب حتى تكون للعقود المبرمة من طرفهم مكانتها وأهميتها اللائقة بها.
ثانيا-شرط التعريف بإمضاء المحامي
ألزم المشرع المحامي المؤهل لتحرير التصرفات العقارية تصحيح إمضائه والتعريف لدى رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي يمارس بها عمله، وذلك بمقتضى القوانين المنظمة للملكية المشتركة للعقارات المبنية [48]، وبيع العقار في طور الإنجاز[49]، والإيجار المفضي إلى تملك العقار [50]. أما المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية فقد استعملت مصطلح “التعريف” بنصها على أنه:”…تصحح إمضاءات الأطراف من لدن السلطات المحلية المختصة ويتم التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد من لدن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي يمارس بدائرتها”.
وبذلك يلزم المحامي بعد تحرير العقد وتوقيعه والتأشير على جميع صفحاته بمعية الأطراف[51]، وبعد توفر شروطه الموضوعية والشكلية تقديم هذا العقد إلى رئيس مصلحة كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي يمارس بها عمله للإشهاد على صحة إمضائه، وعليه فالإمضاء أو التوقيع يعتبر من العناصر الجوهرية في المحرر العرفي وهو دليل على نسبة الكتابة أو مضمونها إلى موقعها ولو لم تكن مكتوبة بخط يده [52].
ويكون التوقيع عادة بالإمضاء في أسفل المحرر[53]، ويشترط أن يكون بخط الملتزم نفسه أو من ينوب عنه بوكالة صحيحة ولا يقوم الطابع أو الختم مقامه طبقا لمقتضيات الفصل 426 من ق.ل.ع[54] كما أن البصمة لا تعتبر إمضاء ولا تلتزم صاحبها طالما المشرع لم ينص عليها.
أما المقتضيات التي جاء بها قانون رقم 32.09 المنظم لمهنة التوثيق والتي تجيز حسب الفقرة الرابعة من المادة 43 للأطراف الذين لا يحسنون التوقيع أن يضعوا بصمتهم على العقد أمام الموثق الذي يشهد على ذلك، فإنها لا تنطبق على المحررات الصادرة من المحامين.
وبعد توقيع العقد تصحح إمضاءات الأطراف من لدن السلطات المحلية المختصة، التي تشهد على صحة التوقيع أو أن الإمضاء صدر بالفعل من المعني بالأمر في وثيقة او ورقة معينة أمام أنظارها بدليل أنه يوقع كذلك في سجل خاص بشهادتها كقاعدة عامة بعد التأكد من هويته [55].
وكما ذكرنا سابقا فقد أثارت المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية عدة إشكالات منها مسألة الاختصاص المكاني للمحامي، بحيث هل يعتبر تحرير العقود من طرفه محصورا فقط في تلقيه للعقود؟ خصوصا وأنه يقيد بجدول الهيئة الخاضعة لنفوذ دائرة محكمة الابتدائية التي يباشر مهامه بها؟ بمعنى هل هذا التخصيص يعني تحديد ترابي لدائرة تلقيه للعقود؟ خصوصا وأنه يقيد بجدول الهيئة الخاضعة لنفوذ دائرة محكمة الاستئناف وليس لنفوذ دائرة المحكمة الابتدائية.
ونعتقد أن التخصيص يرتبط بالتعريف بإمضاء المحامي ليس وإلا ولا علاقة له بموقع العقار موضوع التعاقد، الذي يمكن أن يتواجد خارج دائرة نفوذ المحكمة الابتدائية أو الاستئنافية التي ينضوي تحت لوائها عضويا.
وفي نفس السياق يطفو على السطح إشكال حول مدى صحة عقد محرر من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض تم التعريف بإمضائه لدى كتابة ضبط المحكمة الابتدائية التي يمارس بدائرتها، في حين تم تصحيح إمضاءات الأطراف لدى سفارة أو قنصلية مغربية بالخارج، وفي هذا الصدد نشير صراحة إلى المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية التي نصت على أن إمضاءات الأطراف في العقد المحرر من طرف المحامي يجب أن تصحح لدى السلطات الموجودة داخل التراب الوطني التي لا تدخل في إطارها السفارات والقنصليات المغربية بالخارج، وهذا بخلاف الفصل 73 من الظهير المتعلق بالتحفيظ العقاري الذي ينص على أن:”… وتعتبر هويته محققة إذا كانت التوقيعات الموضوعة بالطلب والعقود المدلى بها المصادقة عليها من طرق السلطات المختصة”، بمعنى كافة السلطات التي أوكل لها المشرع صلاحية المصادقة على صحة التوقيع بما فيها السفارات والقنصليات المغربية، وكما هو معلوم فإن المادة الرابعة المذكورة تنص على مقتضيات خاصة هي الأولى بالتطبيق.
خاتمة:
ومما لاشك فيه أن الإجراءات السالف ذكرها تعتبر جوهرية، إذ بدونها يكون العقد باطلا لا يعتد بها من الناحية القانونية، فالمشرع يؤكد على شكلية العقود المتعلقة بالمعاملات العقارية، وأن تخلف هذه الشكلية يترتب عنها البطلان كجزاء يلحق العقد، لدرجة أنه في بعض التصرفات القانونية، تجاوز الاختيار الممنوح للمتعاقدين بمقتضى المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية، إذ استوجب ضرورة توثيق بعض المعاملات والتصرفات العقارية في محرر رسمي فقط، دون المحرر الثابت التاريخ، نظرا لأهميته وخصوصيته ولما في ذلك من حماية للمتعامين به، وضمان تنفيذ ما تم التعبير عنه بإرادتهم الحرة تحقيقا لمبدأ الأمن التعاقدي.
الهوامش:
(=) تم تحكيم هذا المقال من طرف اللجنة العلمية لمركز مغرب القانون للدراسات والأبحاث القانونية.
[1] – تم تتميم الفقرة الأولى من المادة 4 أعلاه بمقتضى المادة الفريدة من القانون رقم 69.16 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.17.50 بتاريخ 8 ذي الحجة 1438 (30 أغسطس 2017)؛ الجريدة الرسمية عدد 6604 بتاريخ 23 ذو الحجة 1438 (14 سبتمبر 2017)، ص 5068.
[2]– شكلت الوكالات العرفية نقطة سوداء داخل نظامنا العقاري، حيث يكفي المزور أو المترامي على ملك غيره أن ينشئ وكالة عرفية باسم المالك الحقيقي ويصحح إمضائها أمام السلطة المحلية (كإجراء روتيني) فيعمل على إبرام عقد تفويت لفائدته أو لفائدة المتواطئ معه ثم يقيده بالرسم العقاري فيضيع بذلك حق المالك الأصلي.
إن هذا الوضع المقلق يرجع أصله للأحكام القانونية غير الصارمة المنظمة لعقد الوكالة بقانوننا المدني، فهي وكما جاء بالفصل 879 من قانون الإلتزامات والعقود – عقد يكلف بمقتضاه شخص شخصا آخر بإجراء عمل مشروع لحسابه … – وتكون إما عامة (تمنح للوكيل اليد المطلقة للتصرف في المصالح المالية لموكله) أو خاصة (تمنحه صلاحيات يحددها عقد الوكالة نفسه وتُفسر تفسيرا ضيقا وكل تجاوز لها لا يلزم الموكل إلا إذا أقره أو استفاد منه أو كان التجاوز يسيرا أو بشروط أفضل) والخطير في هذا التنظيم هو ما جاء به الفصل 887 ق.ل.ع الذي يسمح بأن تعطى الوكالة في شكل يخالف الشكل المتطلب لإجراء التصرف الذي يكون محلا لها، بمعنى أنه حتى في الحالة التي يعمد فيها نص خاص إلا اشتراط شكلية صارمة لإجراء تصرف معين (كالكتابة الرسمية) فإن الوكالة العرفية تكون كافية لتوكيل الغير لإجراء هذا التصرف، وقد حصل هذا الوضع تحديدا وقت دخول مقتضيات المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية حيز التنفيذ، والتي بالرغم من اشتراطها للكتابة الرسمية أو الثابتة التاريخ لإجراء أي تصرف يرمي إلى نقل حق الملكية أو إنشاء حق عيني آخر أو نقله أو تعديله أو إسقاطه، فإن أحكام الفصل 887 ق.ل.ع ظلت نافذة وظلت معها الوكالات العرفية كافية ومنتجة ولو كان محلها تصرفا من التصرفات المذكورة بالمادة الرابعة.
لقد أثير هذا الموضوع من طرف اللجنة المختلطة المحدثة بموجب الرسالة الملكية الصادرة في 30 دجنبر 2016 في شأن التصدي الفوري والحازم لأفعال الاستيلاء على عقارات الغير ومواجهتها بخطة حازمة ومتكاملة، واقتُرح لذلك تعديل المادة 4 من مدونة الحقوق العينية بإدراج الوكالات ضمن التصرفات التي تشترط فيها الكتابة الرسمية أو ثابتة التاريخ، وقامت الحكومة بإعداد مشروع قانون سُجل بمكتب مجلس النواب بتاريخ 6 أكتوبر 2016 واقتُرح أثناء مناقشته إضافة فقرة يحدث بموجبها – سجل وطني لعقود التوكيل – إلا أنه سحب فيما بعد لعدم جدواه، وقد وقع التصويت على المشروع في جلسة عامة بتاريخ 1 غشت 2017 ونشر بالجريدة الرسمية عدد 6604 الصادرة بتاريخ 14 شتنبر 2017.
[3] – بالرجوع إلى مقتضيات الفصل418 من قانون الالتزامات والعقود نجد المشرع المغربي قد عرف المقصود بالمحرر الرسمي، حيث نص صراحة بان” الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد وذلك في الشكل الذي يقتضيه القانون.و يكون رسميا ايضا؛
– الأوراق المخاطب عليها من القضاء في محاكمهم،
– الأحكام الصادرة من المحاكم المغربية و الأجنبية بمعنى ان هذه الأحكام يمكنهاحتى قبل صيرويتها واجبة التنفيذ ان تكون حجة على الوقائع التي تثبتها ،”
[4] – الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم1.11.179، بتاريخ 25 ذو الحجة1432ه/22 نونبر2011م، منشور بالجريدة الرسمية تحت عدد:5998 الصادرة بتاريخ 27 ذي الحجة 1432 ه/ 24 نونبر2011.
[5] -المادة 1 من قانون رقم 32.09 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق.
[6] – عبد الله درميش، أخلاقيات مهنة التوثيق وسلطة التنظيم،مقال يشكل مساهم في ندوة إصلاح مهنة التوثيق في ظل تحديات العولمة، والمنظمة بالمعهد العالي للقضاء يوم 3 نونبر 2009 بالرباط، منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية،العدد 69، سنة 2010، ص:23.
[7] -لمياء الفركاتي، توثيق التصرفات العقارية في المحررات الرسمية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، شعبة القانون الخاص ، وحدة التكوين و البحث في قانون العقود و العقار، السنة الجامعية2006-2007: ص1 .
[8] – أنيس القضاوي، الوثيقة العصرية ودورها في استقرار المعاملاات العقارية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون عقود وعقار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول بوجدة، السنة الجامعية 2007-2008، ص:5.
[9] – كريم أيت عيسى، واجب الموثق بإسداء النصح، مقال منشور بالمجلة المغربية في الفقه والقضاء، العدد الرابع، مطبعة الأمنية الرباط، بدون سنة الطبع، ص:86.
[10] – وهنا لا بد من الإشارة إلى انه نصت المادة 42 من القانون رقم 32.09 على أنه:”تحرر العقود والمحررات باللغة العربية وجوبا، إلا إذا اختار الأطراف تحريرها بلغة أخرى. تحرر أصول العقود والنسخ بكيفية مقروءة وغير قابلة للمحو على ورق يتميز بخاصية الضمان الكامل للحفظ”.
فالمشرع المغربي بموجب من الفقرة الأولى من المادة المذكورة أقر بوجود اعتماد اللغة العربية في تحرير العقود والمحررات التوثيقية، غير أنه لم يأخذ بهذه القاعدة بصفة مطلقة وإنما أورد عليها استثناء، بحيث احترم الإرادة التعاقدية للأطراف إذا ما اتفق على تحرير تعهداتهم واتفاقاتهم بلغة أخرى غير اللغة العربية، وسيرا على ما يعرفه الواقع العملي في مجال المحررات التوثيقية يكون المشرع قد أبقى على إمكانية تحرير العقد باللغة الفرنسية، وهذه الأخيرة تعد هي الغالبة لدى الموثقين، وذلك راجع إلى التكوين الذي يتلقونه والذي عادة ما يكون منحصرا في اللغة الفرنسية ، فضلا أن أغلب نماذج العقود الموجودة بحوزتهم محررة باللغة الفرنسية، وهي النماذج التي أبدع في تشكيلها وصياغتها الموثقون الفرنسيون.
[11] – المادة 36 من القانون رقم 32.09 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق.
[12] – عبد القادر بوحامد، تعريب العقود الوثيقية وشكليتها على ضوء مقتضيات رقم 32.09، مقال منشور بمجلة المنبر القانوني العدد 4، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، أبريل 2013، ص:43.
[13] – نجيم أهتوت، توثيق التصرفات العقارية ودرها في تحقيق الأمن العقاري، مقال منشور بمجلة المنبر القانوني، العدد 7-8 أبريل 2015، ص:29.
[14] – المادة 41 من نفس القانون.
[15] – المادة 43 من القانون رقم 32.09 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق.
[16] – المادة 46 من نفس القانون.
[17] – هشام الدرقاوي، دعوى تزوير الفرعية المدنية بين التشريع والتطبيق، رسالة لنيل دبلوم الماستر الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث في قانون العقود والعقار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول بوجدة، السنة الجامعية 2003-2004، ص:18.
[18] – ونظرا لأهمية خطة العدالة، فقد حظيت بعناية كبيرة ومكانة رفيعة في الفقه الإسلامي، وأولا الفقهاء والعلماء اهتماما كبيرا خاصة فقهاء المغرب والأندلس، حيث جعلوها مهنة شريفة وارتقوا بها إلى مصاف المهن المنظمة التي تخضع في مزاولتها لمراقبة القضاء وتحت إشرافه، كما امتهنها كثير من أكابر العلماء والفقهاء والقضاة والمفتين وغيرهم، وأولها ملوك الأمة وأمراؤها اهتماما خاصا واعتبارا متميزا ولا سيما ملوك الدولة العلوية الشريفة الذين ما فتئوا يصدرون ظهائر شريفة ومراسيم جليلة لتنظيمها، راسمين لها قواعد شرعية وضوابط كرعية مستوحاة من نصوص الشريعة وروحها، وواضعين لها مسطرة خاصة سواء من حيث الانخراط فيها أو من حيث ممارستها وكيفية تطبيقها، ومن الظهائر التي اهتمت بتنظيم خطة العدالة مجد الظهير الشريف الصادر في 7 يوليوز 1914 والظهير الشريف الصادر في 23 يونيو 1938 والظهير الشريف الصادر في 7 فبراير 1944.
أما القانون رقم 11.81 القاضي بتنظيم خطة العدالة وتلقي الشهادة وتحريرها، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.81.332 بتاريخ 6 ماي 1982 والمرسوم التنظيمي له، فرغم الإيجابيات العديدة التي تضمناها والتعديلات المدخلة عليهما، فقد تبين أخيرا أنهما تكتنفهما بضع الثغرات، ولم يعودا كافيين لمعالجة جميع المشاكل التوثيقية المطروحة، وسدا لهذه الثغرات ومن أجل دمج خطة العدالة في المحيط الاقتصادي والاجتماعي والرقي بها إلى مصاف المهن المتطورة بجعلها مهنة العصر تتماشى مع التطورات والتغييرات التي يعرفها الوقت الراهن في شتى المجالات، خاصة مجال العقار والتوثيق.
واستجابة للبرنامج الإصلاحي الذي تنهجه الدول المغربية في شتى القطاعات، من أجل تخليق الحياة العامة وتحديث الأساليب والمناهج المتبعة في التسيير الإداري والمهني وعصرنة المهن الحرة لمواكبة التنمية، تم وضع القانون رقم 16.03 الذي حافظ بشكل إجمالي على أصالة خطة العدالة ومكتسباتها ورسخ عدة اجتهادات في مجال التوثيق واستجاب في نفس الوقت لانتظارات الفاعلين في القطاع على جميع المستويات.
[19] – المادة 27 من القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة.
[20] – المادة 29 من القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة.
[21] – أمل ملاحي وأسماء كجي، حماية حق الملكية في التشريع المغربي، التدابير الشكلية والآفاق المستقبلية، مقال منشور بمجلة الأطلس للدراسات الفقهية والقانونية والقضائية، ملف خاص، ظاهر الإستيلاء على عقارات الغير العدد 1، 2018، ص: 89 إلى 94.،
[22] – المادة 30 من القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة.
[23] – المادة 31 من القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة.
[24] – أحمد أبو العلاء، دور الوثيقة العدلية في تعزيز الأمن العقاري، مقال منشور بالمجلة المغربية في الفقه والقضاء، العدد الرابع 2017، مطبعة الأمنية الرباط، ص:37.
[25] – عبد اللطيف الكلعي، دور الوثيقة العدلية في حماية الملكية العقارية، مقال منشور بمجلة الأطلس للدراسات الفقهية والقانونية والاقتصادية والقضائية، ملف خاص، ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير، العدد 1، 2018، ص:198.
[26] – سليمان أدخول، التوثيق العدلي وأثره على حق الملكية العقارية من خلال رسم إثبات الملكية، دراسة على ضوء التوثيق العدلي ومدونة الحقوق العينية والعمل القضائي، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع بالرباط، الطبعة الأولى 2017، ص:278. انظر أيضا:
– زكرياء العماري، قانون التوثيق العدلي والعصري، مع مختلف النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بتحديد التزامات واختصاصات العدول والموثقين، منشورات مجلة القضاء المدني، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الطبعة الثانية 2014، ص:12,
[27]– المادة 105 من مدونة الحقوق العينية.
[28]-المادة 106 من مدونة الحقوق العينية.
[29]– المادة 106 من مدونة الحقوق العينية.
[30]– تنص المادة 273 من قانون 39.08 على:
“- الهبة، تمليك عقار أو حق عيني عقاري لوجه الموهوب له في حياة الواهب بدون عوض.”
[31]– عرفت المادة 290 من مدونة الحقوق العينية الصدقة بما يلي:
“- الصدقة تمليك بغير عوض لملك، ويقصد بها وجه الله تعالى.”
[32]– تنص المادة 274 من مدونة الحقوق العينية على:
“- تنعقد الهبة بالإيجاب والقبول.
يجب تحت طائلة البطلان أن يبرم عقد الهبة في محرر رسمي.
يغني التقييد بالسجلات العقارية عن الحيازة الفعلية للملك الموهوب وعن إخلائه من طرف الواهب إذا كان محفظا أو في طور التحفيظ.
فإذا كان غير محفظ فإن إدراج مطلب لتحفيظه يغني عن حيازته الفعلية وعن إخلائه.”
[33] – عبد الواحد بن مسعود، الهبة والصدقة في مدونة الحقوق العينية، قراءة أولية، مقال منشور بمجلة الأملاك العدد المزدوج 11 و12، السنة 2012-2013، ص:13 وما بعدها.
[34] – ما يسري على الهبة من أحكام يسري على الصدقة وهو ما تم تأكيده من خلال المادة 291 من مدونة الحقوق العينية التي تنص على ما يلي:
“- تسري على الصدقة أحكام الهبة مع مراعاة ما يلي:
لا يجوز الاعتصار في الصدقة مطلقا؛
لا يجوز ارتجاع الملك المتصدق به إلا بالإرث.”
[35] – عرفت المادة 145 من مدونة الحقوق العينية الرهن الحيازي ب:
“- الرهن الحيازي حق عيني يتقرر على ملك يعطيه المدين أو كفيله العيني إلى الدائن المرتهن لضمان الوفاء بدين ويخول الدائن المرتهن حق حيازة المرهون وحق حبسه إلى أن يستوفي دينه.
تسري على الرهن الحيازي أحكام الرهن الرسمي إذا تعلق بملك محفظ.”
[36] – عرفت المادة 265 من قانون 39.08 عقد المغارسة ب :
“- المغارسة عقد يعطي بموجبه مالك أرضه لآخر ليغرس فيها على نفقته شجرا مقابل حصة معلومة من الأرض والشجر يستحقها الغارس عند بلوغ الشجر حد الإطعام.
لا يمكن أن يكون محل عقد المغارسة حقوقا مشاعة.”
[37] – تنص المادة 147 من مدونة الحقوق العينية على:
“- يشترط لصحة الرهن الحيازي أن يبرم في محرر رسمي وأن يكون لمدة معينة.
يجب أن يتضمن العقد معاينة حوز الملكالمرهون إذا كان غير محفظوذلك تحت طائلة البطلان.”
[38] – تنص 268 من مدونة الحقوق العينية على :
“- يجب أن يبرم عقد المغارسة في محرر رسمي، ويشترط لصحته أن يعين نوع الشجر المراد غرسه ويبين حصة الغارس في الأرض وفي الشجر.”
[39] -التقرير السنوي لمحكمة لسنة 2013، مطبعة المعارف الجديدة، ط 2014، ص:175.
[40] – القانون رقم 22.13 القاضي بتميم المادة 174 من القانون رقم 38.09 المتعلق بمدونة الحقوق العينية.
[41] – المرسوم رقم 2.14.881.
[42] – فيما يخص طبيعة المحرر الثابت التاريخ فهي محل اختلاف فقهي، فالأستاذ محمد شيلح يرى ان التكييف الملائم للمحرر الثابت التاريخ يمكن ان يتم بالاستناد إلى مرجعة المنطق القانوني او إلى مرجعية المصلحة. فإذا تم الاستناد إلى مرجعية المنطق القانوني الهادفة إلى ترسيخ ما هو من المبادئ العامة يقتضي ان يكون المحرر الثابت التاريخ محررا عرفيا بمفهوم قانون اللتزامات والعقود، اما بالاستناد إلى مرجعية المصلحة المقررة المعتبرة من الميتودلوجية ايضا إلى جانب المنطق القانوني، و هي عامة لأنها تحقق غايات طالب المحرر و كاتبه و الدولة، فيستوجب وصف المحرر ثابت التاريخ بالمحرر الرسمي.
اما الأستاذ محمد بونبات، فيرى ان المحرر الثابت التاريخ محرر عرفي قابل للمنازعة مثله مثل باقي العقود العرفية، بينما ذهب الأستاذعبد الكريم الطالب إلى اعتبار المحرر الثابت التاريخ محرر عرفي من نوع خاص.
لمزيد من التفصيل راجع:
– محمد شيلح، ” قراءة في ميتودلوحية لصيغة الكراء المفضي إلى تملك الربع المبني لغرض السكنى في ضوء القانون رقم
51.00المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار”، ندوة توثيق التصرفات العقارية ، كلية الحقوق مراكش ، يومي11و12
فبراير2005، المطبعة الوراقة الوطنية، مراكش، طبعة2005:، ص ،139.
– محمد بن احمد بونبات، ” بيع العقار بين حرية اختيار المحرر إلى تقييد هذا الاختيار”، اشغال الندوة توثيق التصرفات
العقارية المنظمة بكلية الحقوق مراكش يومي11و12 فبراير2005، المطبعة و الوراقة الوطنية، مراكش، طبعة 2005،
ص:115.
– عبد الكريم الطالب، توثيق الإيجار المفضي إلى تملك العقار ” ، اشغال ندوة توثيق التصرفات العقارية المنظمة بكلية
الحقوق مراكش يومي11 و12 فبراير، المطبعة و الوراقة الوطنية ، مراكش ، طبعة2005: ص151.
[43] – ظهير شريف رقم 1.08.101 صادر في 20 من شوال 1429 (20 أكتوبر 2008) بتنفيذ القانون رقم28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة.الجريدة الرسمية رقم 5680 الصادرة في 6 نوفمبر 2008.
[44] – حسب المادة الاولى من قانون 28.08 فالمحاماة مهنة حرة، مستقلة، تساعد القضاء، وتساهم في تحقيق العدالة، والمحامون بهذا الاعتبار جزء من أسرة القضاء.
[45] – مع الأخذ بعين الاعتبار الاستثناء المنصوص عليه في المادة 23 من القانون رقم 28.08 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة.حيث جاء فيها ما يلي:
“- لا يجوز لقدماء القضاة، والموظفين ورجال السلطة، أو الذين مارسوا مهامها، أن يقيدوا في لوائح التمرين، أو يسجلوا في جدول الهيئة المحدثة لدى آخر محكمة الاستئناف، التي زاولوا مهامهم في دائرتها، قبل مضي ثلاث سنوات من تاريخ انقطاعهم عن العمل بها. يحظر عليهم، بعد تسجيلهم في أي هيئة أخرى، أن يمارسوا خلال نفس الفترة أي شكل من أشكال النشاط بتلك الدائرة. لا يفرض أي قيد بالنسبة لقدماء قضاة المجلس الأعلى، وقدماء الموظفين ورجال السلطة الذين كانت مهامهم تشمل جميع أنحاء المملكة.:
[46]– تنص المادة 4 من القانون 28.08 المنظم لمهنة المحاماة على ما يلي:
“- يمارس المحامون مهنتهم في إطار هيئة المحامين المحدثة لدى كل محكمة استئناف. تتمتع كل هيئة بالشخصية المدنية والاستقلال المالي.”
[47]– فلا مبرر لإقصاء غير المبرر لباقي المحامين من اختصاص تحرير عقود يكون موضوعها عقارا أو حقوقا عقارية، ذلك أن المطلوب هو التنظيم التشريعي لكيفية تحرير العقود من طرف المحامي على مستوى الشكل والمضمون إسوة بالقانون المنظم لخطة العدالة وقانون التوثيق، وكذلك شكل السجلات التي يتعين على المحامي مسكها والتي تتضمن خلاصة ما يتلقاه من اتفاقات وعقود نظرا لما للسجلات من أهمية كبير كوسيلة إثبات لدى القضاء أو لإعادة نسخ واستخراج بعض العقود التي قد تضيع أو تتلف بعامل الزمن.
[48] -المادة 12 من القانون رقم 18.00.
[49] -المادة 3-618 من القانون رقم 44.00.
[50] -المادة 4 من القانون رقم 51.00 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار.
[51] – حليمة المغاري، إشكالية تحرير المحامي للعقود في التصرفات العقارية، قراءة على ضوءالمادة الرابعة من مدونة
الحقوق العينية، ندوة المعاملات العقارية و إشكاليات توثيقها في ضوء المستجدات القانونية الجديدة، المنظمة بكلية ايت
ملول يومي 18و19 ابريل 2013.
[52] – محمد بودلاحة، حجية المحررات الصادرة عن المحامي في التشريع المغربي، مجلة القبس المغربية عدد 5، سنة 2013، ص:57.
[53] – عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الخامس، المجلد الثاني، الطبعة الثالثة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت لبنان 1998، ص:176.
[54] – ينص الفصل 426 من ق.ل.ع على:
“- الورقة العرفية المعترف بها ممن يقع التمسك بها ضده أو المعتبرة قانونا في حكم المعترف بها منه، يكون لها نفس قوة الدليل التي للورقة الرسمية في مواجهة كافة الأشخاص على التعهدات والبيانات التي تتضمنها وذلك في الحدود المقررة في الفصلين 419 و420 عدا ما يتعلق بالتاريخ كما سيذكر فيما بعد.”
[55] – محمد بوجيدة، الإشهاد على صحة إمضاء ومطابقة النسخ لأصلها، دار النشر المغربية الرباط، طبعة 1996، ص:13.