زكرياء كارنو: ظاهرة الاستيلاء على أمـــلاك الــغير
زكرياء كارنو دكتور في الحقوق إطار بنكي سابق مستشار خبير قضائي
تحتل الملكية العقارية مكانة متميزة على رأس الأنظمة القانونية الأكثر تطورا بمختلف تيارات التقدم، و تشكل القوانين الوسيلة الكفيلة لحماية وتقوية مناعتها، ولكن في كثير من الحالات قد يحدث ما يجعل الترسانة القانونية غير قادرة على توفير الحماية الكافية للعقار بفعل بعض الممارسات غير المشروعة التي تستغل ضعف وهشاشته بض النصوص القانونية وكذا بعض الثغرات القانونية، من ذلك الاستيلاء الذي يشكل أهم صور الترامي والتعدي على الملكية العقارية، فمن ضمن الأسباب التي تساهم في انتشار ظاهرة الاستيلاء على املاك الغير نجد نوع ملكية العقار بالمغرب بين العقار غير محفظ وعقار محفظ ، فالأول تحكمه مقتضيات القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية وقانون الالتزامات والعقود فيما لم يرد به نص وإلا يلجأ الى الراجح والمشهور وما جرى به العمل من الفقه المالكي (المادة 1 من مدونة الحقوق العينية)،بينما الثاني العقار المحفظ تحكمه مقتضيات ظهير غشت 1913 كما وقع تغييره وتتميه بالقانون 14.07، مما أفرزت هذه الأنظمة القانونية المؤطرة للعقار ثغرات قانونية (فقرة ثانية) يستعملها ذوي النيات السيئة للسطو على عقارات الغير، بالإضافة لأسباب اقتصادية و اجتماعية(فقرة أولى).
الفقرة الاولى : الاسباب الاقتصادية و الاجتماعية
سنتطرق بداية لتعريف الاستيلاء على املاك الغير ثم بعد ذلك نتحدث عن الأسباب الاقتصادية و الاجتماعية لهذه الظاهرة.
أولا: تعريف الاستيلاء على عقارات الغير
قبل التطرق لتعريف الاستيلاء على املاك الغير لابد من الاشارة بداية لتعريف العقار.
أ-تعريف العقار:
يطلق فقهاء المالكية على العقار تسمية “الأصل وتجمع على أصول”[1]، ويشمل الأرض والبناء والغرس، وكل ما وضع في الأرض على سبيل الاستقرار، بمعنى آخر أنه كل ما لا يمكن نقله من مكان إلى آخر كالأراضي والدور.
يعد مفهوم العقار عند المالكية أوسع وأشمل من مفهوم المذاهب الحنفية والشافعية والحنابلة[2] والعقار ينقسم إلى قسمين:
- عقار بطبيعته: عرف المشرع المغربي العقارات بالطبيعة في المادة السادسة من مدونة الحقوق العينية بأنه: ” كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه، لا يمكن نقله من دون تلف أو تغيير في هيئته”، وهو نفس التعريف الذي اعتمده فقهاء الشريعة الإسلامية، كون أن العقار بالطبيعة هو الذي “لا يمكن نقله من مكان إلى آخر كالدور، والأراضي”.
وعرفه الفقيه مأمون الكزبري أنه: “الشيء المعد في الأصل لأن يبقى مستقرا في حيزه ثابتا فيه، لا ينقل منه إلا استثناء، ويتطلب نقله في أغلب الأحيان استعمال وسائل تقنية خاصة لا تتوفر عادة إلا لدى الأخصائيين”.[3] والعقار بطبيعته على ثلاثة أنواع الأرض، والأبنية، والنباتات.
- الأرض: وهي العقارات الأساسية التي تقوم في باطنها أو على سطحها بقية العقارات[4] وهي من العقارات بالنظر في ذاتها أيا كان محل وجودها، وأيا كانت جهة استعمالها سواء كانت في المدن أو خارجها، وسواء كانت معدة للبناء أو الصناعة أو للزراعة فهي عقار بطبيعته في كل حال، فقد جاء لفظ الأرض عاما ليشمل الأرض الصخرية، والأرض الفلاحية.
- الأبنية: ما دامت الأبنية مرتبطة بالأرض فإنها تعتبر عقارا بطبيعته، ولا يشترط أن يكون هذا الارتباط بنية الدوام[5]، والبناية سواء كانت بالإسمنت أو بالحجر تعتبر عقارات بطبيعتها، ولا يؤثر كونها بنيت من طرف المالك أو غيره.
- النباتات: يضم لفظ النباتات جميع الأعشاب، والشجيرات، والأشجار أيا كانت قيمتها وأهميتها، ويدخل في مفهوم النباتات ثمار الأشجار العالقة على الأغصان، لأن وصف الأرض امتد إليها مادامت متصلة بها.[6]
واتصال النباتات بجدورها في الأرض شرط ضروري وأساسي لاكتساب الصفة العقارية[7] ولا يعتد بتوقيت النباتات شأنها شأن الأبنية مادامت متصلة بالأرض، فهي عقارات بالطبيعة ولو أنها معدة لأن تنقل، ولا عبرة أيضا لغارسها إن كان مالكها، أو مستأجرها، أو غارسها، فالعبرة مرتبطة بثباتها في الأرض[8].
- عقار بالتخصيص: عرف المشرع المغربي العقار بالتخصيص على أنه: ” المنقول الذي يضعه مالكه في عقار يملكه رصدا لخدمة هذا العقار واستغلاله أو يلحقه به بصفة دائمة”[9]، إذ يعتبر العقار بالتخصيص خروجا عن قاعدة الثبات والاستقرار.
وقد جاء المشرع المغربي بهذا النوع من العقارات لتقوية الرابطة، بين العقارات والمنقولات المتحدة بها[10]، مثلا: إذا خصص صاحب أرض زراعية مواشي وآلات لحرث وزراعة هذه الأرض، أو إذا وضع صاحب فندق الأثاث اللازم لتهيئة هذا الفندق للاستغلال، في هذه الأحوال يأتي صاحب الأرض الزراعية وصاحب الفندق بمنقولات ترتبط بهذه العقارات ارتباطا لا انفكاك منه، ليصبح العقار والمنقولات وحدة اقتصادية لا تتجزأ، ليضفي العقار الأصل على المنقولات صفة العقار بالتخصيص عن طريق الافتراض القانوني.
ويشترط لاعتبار المنقول عقارا بالتخصيص حسب المادة 7 من قانون39.08 توفره على شرطين أساسيين: أن يكون المنقول والعقار لمالك واحد، وأن يخصص المنقول لمنفعة العقار.
ب-تعريف الاستيلاء على املاك الغير
لم يضع المشرع المغربي أي تعريف للأفعال الاستيلاء على عقارات الغير ، لكن انطلاقا من الندوات العلمية واللقاءات التي تناولت هذا الموضوع بالدراسة والتحليل، وانطلاقا من الرسالة الموجهة إلى وزير العدل والحريات ، يمكن تعريف الاستيلاء على عقارات الغير بأنه:
تلك العملية التي يقوم فيها المستولي بإعداد وثائق تفيد التملك سواء كانت هذه الوثائق مزورة أو تم تأسيسها مستغلا في ذلك ثغرات تشريعية بهدف تملك عقار مملوك للغير والإثراء على حسابه بدون وجه حق.
الأمر الذي اتضح معه آن الاستيلاء على عقارات الغير لم يأخذ الصورة النمطية التي تعتمد على القوة أو العنف بل هذه الواقعة استفحلت ليصبح هذا النشاط الإجرامي الذي يستهدف الملكية العقارية بوسائل في التزوير ووكالات بأسماء المالكين الحقيقيين وأحيانا بطائق هوياتهم ، تزوير رسوم الاراثة أو عقود الوصايا بالمغرب، أو الخارج واستغلال مسألة التذييل بالصيغة التنفيذية ، بل وحتى الالتفاف على بعض النصوص القانونية الأمر الذي وجب معه ايجاد تدابير قضائية زجرية تنظيمية وتشريعية آنية ومستعجلة للحد من الظاهرة[11].
فجرائم الاستيلاء يرتكبها أشخاص محترفون في رصد الثغرات القانونية والتجاوزات الإدارية واستغلال ضعاف النفوس من موظفين ومهنيين وقانونين وممارسين في مجال العقار من أجل مساعدتهم في أفعال الاستيلاء إما عن طريق التزوير أو التدليس.
حيث يقوم هؤلاء الأشخاص بترصد عقارات تعود ملكيتها للأجانب أو المغاربة المقيمين بالخارج، خاصة تلك التي تكون شاغرة أو مهملة والسطو عليها باستعمال وسائل غير شرعية، وأمام الواقع المؤلم الذي تعيشه العقارات ببلادنا في ظل تفشي مثل هذه الممارسات أصبح لزاما على جميع المهتمين والمتدخلين في المجال العقاري الانكباب الفوري قصد التصدي لها.
ثانيا: الأسباب الاقتصادية لظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير
لا يخفى على أحد ما بات يلعبه العقار اليوم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، باعتباره المنطلق الأساسي لقيام المشاريع والاستثمارات وتحقيق التنمية المستدامة في شتى تجلياتها، باعتباره الأرضية الأساسية التي تبنى عليها السياسات العمومية للدولة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وذلك من خلال تعبئة الوعاء العقاري اللازم لإنجاز كل الأوراش والبنية التحتية إضافة إلى دعم الاستثمار المنتج في مختلف المجالات. وفي ظل التحولات والرغبة في الاغتناء السريع برزت ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير التي أصبحت تهدد الأمن العقاري، وضربا صارخا لحق الملكية حيث يقف وراء هذه الظاهرة بالدرجة الأولى الجانب الاقتصادي والمتمثل في الرغبة في الاغتناء السريع.
فالعقارات التي تكون موضوعا للاستيلاء غالبا ما تكون ذات قيمة مالية مهمة، فالعصابات الإجرامية أو ما يطلق عليه مافيا العقار غالبا ما تلجأ في تنفيذ مخططاتها قصد السطو على عقارات الغير إلى ترصد مناطق متعددة في أغلب المدن منها الدار البيضاء، طنجة، مراكش، بني ملال، أسفي و القنيطرة. فالعائد المالي المحصل من هذه العملية هو في أغلب الأحوال الدافع الرئيسي والمباشر للإقدام على الاستيلاء على عقارات الغير بدون موجب قانوني[12].
وعليه فوجود عقارات شاغرة أو تعود ملكيتها للأجانب والمغاربة المقيمين خارج الوطن ذات قيمة مالية مهمة هو ما يغري المستولون للحصول عليها بكل الوسائل الممكنة، وتبقى قيمة العقار هي الهاجس وراء السطو والاستيلاء فلا يمكن تصور وجود عقارات شاغرة وذات قيمة مالية مهمة دون الاستغلال، وما يدل على ذلك هو الإحصائيات التي أوردها وزير العدل والحريات بخصوص قضايا الاستيلاء على عقارات الغير والمعروضة على محاكم المملكة [13] والتي تبلغ سبعة وثلاثون قضية من بينها خمسة وعشرون قضية لا تزال رائجة أمام القضاء بالدوائر القضائية لمحاكم الاستئناف بكل من طنجة والدار البيضاء والقنيطرة وبني ملال وأسفي، وأربع ملفات أمام قضاء التحقيق وست ملفات أمام الغرفة الجنائية والابتدائية وعشر ملفات أمام الغرفة الجنائية، بالإضافة إلى خمس ملفات أحيلت على محكمة النقض.
وفي اعتقادنا أن هذه الإحصائيات التي أوردها وزير العدل والحريات لا تعكس الحجم الحقيقي لهذه الظاهرة، وهو الأمر الذي يتضح جليا من الرسالة الملكية السامية، فصرامتها توحي بأن الأمر يتجاوز ذلك بكثير، ولا يمكن لسبعة وثلاثون قضية أن تكون سببا للرسالة الملكية بالشكل وبالصيغة التي وردت بها وهنا لابد من الإشارة إلى نقطة مهمة وهي الفراغ القانوني الذي يعاني منه اليوم المجال العقاري، فلابد من التأكيد أن الرسالة الملكية التي تهم محاربة الاستيلاء على عقارات الغير هي عنوان لفشل المنظومة العقارية، لأن هناك إقرار بوجود خلل قانوني وخلل في مجال التعاملات وأخلاقيات التعامل بالعقار أدى إلى واقع يفيد ضرب الأمن القانوني العقاري للمملكة.
ثالثا: الأسباب الاجتماعية لظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير
تعتبر الأسباب الاجتماعية من العوامل المباشرة في تفشي ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير، فإذا سلمنا بأن الجهل بالأمور القانونية ذات الارتباط بالملكية العقارية هو ما تستغله مافيا العقار التي تنشط في هذا المجال، حيث لا نستغرب من وجود فئات متعلمة وأطر عالية في عدة قطاعات كانوا ضحايا وإن كانت الفئة غير المتعلمة عرضة للاستيلاء[14]. وكمثال على ذلك أن يقوم شخص بتحرير محرر عرفي يتعلق بعقار ذو قيمة مالية مهمة، دون سلوك الرسمية التي توفر له حماية أكثر، وهذه أمية عقارية تكرس ظاهرة الاستيلاء.
كذلك من بين العوامل الاجتماعية للظاهرة نجد عدم تتبع المالكين لوضعية عقاراتهم المحفظة أو التي في طور التحفيظ، فكثير من الناس لا يطلعون على وضعية عقاراتهم مما يزيد من خطورة واحتمال فقدان ممتلكاتهم، حيت ينص الفصل 27 من المرسوم 14يوليوز 2014 في شأن إجراءات التحفيظ العقاري على أنه ” يمكن لكل شخص، بعد التعريف بهويته، أن يحصل بناء على طلب المعلومات المضمنة بالسجلات العقارية أو الواردة في تصاميم العقارات المحفظة أو في طور التحفيظ أو المودعة بملفات الرسوم العقارية ومطالب التحفيظ، شريطة الإدلاء برقم مطلب التحفيظ أو الرسم العقاري المعني. وفي حالة عدم الإدلاء بالمرجع العقاري فإنه يمكن تسليم المعلومات المذكورة بناء على طلب مشفوع بأمر قضائي.
و يمكن للإدارات العمومية والسلطات القضائية الحصول على المعلومات المضمنة بقاعدة المعطيات العقارية المعلوماتية بناء على طلب يقدم إلى مصالح الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية.” بالإضافة إلى عدم تحيين الرسوم العقارية فمن خلال الممارسة اليومية بالمحافظة العقارية يتضح أن أغلب الملاك لا يقومون بتقييد حقوقهم العقارية المنتقلة إليهم عن طريق البيع أو القسمة أو الإرث أو غيرها من التصرفات الناقلة للملكية مما يجعل حقوقهم عرضة للضياع بسبب تقاعسهم عن تقييد حقوقهم، وهذه العوامل تساهم في بروز ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير.
فإذا كان المشرع المغربي بمقتضى ظهير التحفيظ العقاري قد وضع قاعدة مفادها أن الحقوق العينية و التكاليف العقارية لا تنشأ ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول إلا بتقييدها بالسجل العقاري، وذلك حتى تنطبق صورة هذا السجل مع الحقيقة الفعلية للعقار، غير أنه إذا كان المشرع قد أقر مبدأ التحيين حتى تظل الرسوم العقارية وسيلة موثوق بها لتقديم المعلومات الصحيحة حول المالك الحقيقي، أو ما يعرف بمصداقية الرسوم العقارية[15]، إلا أن الواقع أبان عن وجود عدد هائل من الرسوم العقارية الجامدة، والتي أضحت تثير أكثر من إشكالية أمام التنمية نظرا للصعوبات التي تطرحها والتي تؤثر بلا شك على استقطاب الاستثمارات وتحقيق الأمن العقاري.
الفقرة الثانية: الأسباب القانونية و القضائية
أولا: الاسباب القانونية
إن أهم المبادئ المكونة للأمن القانوني في المجال العقاري هو وضوح القاعدة القانونية و فهمها و استيعابها بسهولة، وذلك لكي تتحقق الغاية من وضعها، خصوصا في هذا المجال الحساس و المهم الذي لا ينبغي أن تشوب القواعد القانونية المنظمة له أي غموض أو لبس[16] و هذا من الجانب النظري .أما من جانب الواقع فهناك شيء آخر أن هناك من القواعد القانونية التي لم يحسن المشرع صياغتها مما نتج عنه سوء في الفهم وضياع في الحقوق، بغض النظر عن الأشخاص الذين يتقنون رصد مثل هذه القواعد الغامضة و يتفننون في جعلها ثغرة قانونية تلبي رغباتهم عبر تيسير الطريق للاعتداء أو الاستحواذ على ملك الغير وهذا ما نشهده بكثرة في المجال العقاري.
وكل هذه الآثار الناتجة عن غموض القاعدة و عدم استيعابها ترجع إلى الإفراط في التقنين و تعقده و عدم انسجام بعض مقتضياته، وهذا غالبا ما يكون بسبب التداخل إلى حد التعارض بين النصوص القانونية و هنا نعطي مثالا بالمادة الثانية من مدونة الحقوق العينية التي تتداخل مع مجموعة من المقتضيات القانونية الوطنية والاتفاقيات الدولية المصادق عليها. لعل أهم ما يؤثر على مبدأ الأمن القانوني و الثقة المشروعة سلبا هو التضخم التشريعي، مما لا يستقيم معه الحال لضمان جودة القاعدة القانونية، وقد عبر عن التضخم مجلس الدولة الفرنسي بالقانون الثرثار، [17]فما يميز الترسانة القانونية المنظمة للعقار بالمغرب هو تنوعها تعقدها و كإفراز طبيعي لتعقد وتعدد البنية العقارية، وقد حاول المشرع المغربي أكثر من مرة إيجاد حلول لهذا القطاع من أجل ملاءمة النصوص القديمة مع الواقع العقاري عبر تحيينها أو نسخها، لكن هذا زاد من تعقيد الترسانة القانونية المنظمة للعقار، خاصة أن هذه التعديلات إما ترتبط بمسايرة الاجتهادات القضائية أو بتنظيم حالات معينة مطروحة عمليا على القضاء وفق مقاربة منفردة تتعلق بكل قطاع على حدة. وباعتبار أن المواكبة التشريعية المستمرة تعد أمرا مهما، إلا أن كثرة النصوص القانونية و تشتيتها وصياغتها بشكل مطول له نتائج عكسية خصوصا في مجال مهم مثل المجال العقاري ، وهذا هو التوجه الذي سار عليه التشريع المغربي نظرا لتعدد الأنظمة العقارية، وفي هذا ضرب لأهم ركيزة يقف عليها الاستثمار واستقرار المعاملات ، وزيادة على ذلك فإن التضخم يمس بمبدأ المساواة أمام القانون ويرجع السبب في ذلك لعدم إمكانية استيعاب ومواكبة التطورات الواقعية والقانونية وقد أشار إلى ذلك بعض الفقه الفرنسي بقوانين عشرون ساعة ، زيادة على ذلك صعوبة الولوج إلى القاعدة القانونية فضلا عن تداخلها في كثير من الأحيان مما يوقع بنا في دوامة النص الواجب التطبيق خشية المساس بحقوق الأفراد و مراكزهم القانونية[18].
من هنا فالقانون أحيانا يساعد على السطو والاستيلاء على عقارات الغير، وذلك من خلال النصوص القانونية المتفرقة المرتبطة أساسا بتعدد الأنظمة العقارية[19] والتوثيقية ، سواء تلك المنصوص عليها في مدونة الحقوق العينية ، أو المتعلقة بتوثيق التصرفات العقارية. وكذا الدعاوى التي يكون موضوعها ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير آو تشطيب، دون إغفال ما يتعلق بالزجر والعقاب للفئات المهنية وحق الاطلاع على المعلومات أو المصادقة من قبل القنصليات[20]. ولعل هذا هو السبب الذي أكدت عليه الرسالة الملكية السامية حينما دعت إلى ضرورة ابتكار إجراءات ” تتضمن معالجة أي قصور قانوني أو مسطري من شأنه أن يشكل ثغرات تساعد على استمرارها. وعليه فان القانون نفسه يحمل في طياته ثغرات تساهم بشكل أو بأخر في استفحال هذه الظاهرة خاصة على مستوى:
1– الحماية المطلقة للغير حسن النية
مما لا شك فيه أنه من بين الأسباب المباشرة للاستيلاء على عقارات الغير، ما تضمنته المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية فبعد ما نصت في فقرتها الأولى على أن الرسوم العقارية وما تتضمنه من تقييدات تابعة لإنشائها تحفظ الحق الذي تنص عليه وتكون حجة في مواجهة الغير على أن الشخص المعين بها هو فعلا صاحب الحقوق المبينة عليه. جاء في الفقرة الثانية ونص على “إن ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن نية، كما لا يمكن أن يلحق به أي ضرر، إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه.
فمن خلال استقرائنا لمقتضيات هذه المادة نجد أن المشرع المغربي خول للمقيد بالسجلات العقارية عن حسن النية حماية في مواجهة المالك الحقيقي، وذلك من خلال حمايته من كل إجراء من شأنه أن يؤثر على مركزه القانوني، وهو نفس المقتضى الذي نص عليه ظهير التحفيظ العقاري[21] والذي جاء فيه “كل حق عيني متعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إلا بتقييده.
وابتداء من يوم التقييد في الرسم العقاري من طرف المحافظ على الأملاك العقارية. لا يمكنه في أي حال التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة”.
إن المشرع بهذا المقتضى حاول التوفيق بين حمايته الغير حسن النية والمالك الحقيقي وذلك بهدف حماية المصلحة العامة في مقابل مصلحة المالك الحقيقي، وهو ما ساهم في الاستيلاء على عقارات الغير، خاصة المغاربة المقيمين بالخارج أو الأجانب المالكين لعقاراتهم بالمغرب من جهة، ومن جهة أخرى فهذه المادة تلقي العبء على المالكين المقيدين بضرورة الاطلاع على وضعية عقاراتهم على الأقل مرة كل أربع سنوات، وهو الأمر الذي يصير عسيرا لبعض أفراد الجالية المغربية المقيمين بالخارج الذين لا يحلون بأرض الوطن بصفة منتظمة، وحدث العكس فإن فترة تواجدهم على أرض الوطن في أغلب الحالات تكون مدة قصيرة، وقد تحول دون تمكنهم من اطلاعهم على ممتلكاتهم العقارية.
فإذا قام الشخص بتزوير عقد البيع على حساب المالك الحقيقي للعقار، وقام بتفويت الحق إلى مشتري أول وثاني إلى أن استقر إلى مشتري حسن النية، ومرت الأربع سنوات دون المطالبة بالحق من طرف المالك الحقيقي، فإنه يكتسب العقار بمعنى حق المالك في المطالبة ببطلان ذلك العقد والتشطيب عليه من الرسم العقاري يسقط، وبالتالي يضيع العقار من المالك الشرعي بذريعة أن المشتري حسب المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية حسن النية. هذا و رغم ثبوت التدليس والتزوير[22] فإنه يجب على صاحب الحق أن يمارس دعواه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد وليس من تاريخ العلم، وهو ما يعتبر حيف في حق المالك الحقيقي، وبمرور هذا الأجل سيحصن بكل تأكيد العقد الذي طاله التدليس أو الزور، ولا يمكن بأي حال إبطال العقد، خلافا للقاعدة القائلة بأن ما بني على باطل فهو باطل، لذلك فإن هذه المادة تشكل إحدى الثغرات التشريعية التي تمكن بعض الأشخاص من الاستيلاء على عقارات الغير بدون موجب قانوني.
2 –إشكالية الشهادة بالملك في إطار التحفيظ الجماعي للأملاك القروية
راهن المغرب منذ الاستقلال على القطاع الفلاحي واعتبره العنصر الأساسي في الاقتصاد الوطني، واتخذه خيار ا استراتيجيا لقيادة قاطرة التنمية، فكان لا بد من تهيئ المجال العقاري للاستثمار الفلاحي عبر تحديد الأملاك وتحفيظها، فأصدر مجموعة من القوانين من ذلك الظهير المتعلق بالتحفيظ الجماعي للأملاك القروي. وقد ساهم التحفيظ الجماعي منذ أن بدأ العمل به في الرفع من وتيرة التحفيظ، خاصة بعد أن تبنت الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية منذ سنة 2008 استراتيجية تجلت في العمل بالتغطية الشاملة، وأصبحت برمجة عملية التحفيظ تشمل الجماعة القروية بكاملها بدلا مما كان يعمل به في السابق حيث كانت عملية التحفيظ الجماعي تهم جزء من الجماعة فقط.
و لكن عند بداية أشغال التحفيظ الجماعي في عين المكان تبدأ بعض الإشكالات في الظهور، ويتم التعرف على طلاب التحفيظ والملاكين والمتعرضين والعقارات محل النزاع، ويسلم لكل فئة بيان خاص من طرف ممثلي الشركة المكلفة بالمشروع، حيث يسلم إلى طلاب التحفيظ بطائق ذات لون أخضر تضمن فيها هوية طالب التحفيظ وكذا علامات القطعة ورقمها الترتيبي باللائحة التجزيئية، في حين يسلم للمتعرضين بطائق ذات لون أحمر تتضمن نفس المعلومات ويكتب عليها صفة متعرض[23].
فكما نعلم جميعا أنه تعين على كل شخص يدعي ملكية عقار أو حق عيني عليه أن يدلي بسند ملكيته أو ما يطلق عليه أصل التملك محرر وفق الشكلية المنصوص عليها في المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية، وفي حالة عدم توفره على هذا السند وكان حائزا للعقار حيازة مستوفية للشروط القانونية، وأراد تقديم مطلب التحفيظ وجب عليه تأسيس رسم الملكية ينجزه العدول أو ما يسمى برسم الاستمرار، وذلك بعد إدلاء المعني بشهادة إدارية صادرة عن السلطة المحلية تفيد أن العقار ليس ملكا جماعيا أو حبسيا وليس من أملاك الدولة وغيرها.
وبالرجوع إلى القواعد العامة المعمول بها في إطار ظهير التحفيظ العقاري نجد أن طالب التحفيظ ملزم ببيان سبب التملك، إذ يجب عليه إرفاق طلبه بجميع رسوم التملك والعقود التي من شأنها أن تعرف بحق الملكية وبالحقوق العينية المترتبة على الملك.
لقد توخى المشرع من إلزامه طالب التحفيظ الإدلاء بسند التملك حماية الملكية العقارية من جميع ضروب السطو والاستيلاء ، وزرع الثقة في مؤسسة التحفيظ العقاري، وهو الأمر الذي لا نجده في إطار مقتضيات ظهير التحفيظ الجماعي للأملاك حيث يتم إنجاز شهادة إدارية للملكية أو ما يسمى بالشهادة بالملك بعين المكان لطلاب التحفيظ الذين لا يتوفرون على سندات تثبت ملكيتهم للعقار موضوع مطلب التحفيظ، ودون اتباع الإجراءات الإدارية المعمول بها للحصول على مثل هذه الشهادات، إذ لا يتم إلزام المستفيدين من المسطرة بالإدلاء بعقود التملك الأصلية، والاكتفاء بشهادات مهيأة في عين المكان بحضور12 شاهدا يشهدون بتصرف طالب التحفيظ في الملك موضوع مطلب التحفيظ. فبالرغم من أن هذه الشهادة الخاصة للملك تساهم بشكل كبير في تسوية النزاعات و إنجاح مشروع التحفيظ الجماعي إلا أنه يعاب عليها:
– عدم استفادة المتعرضين من هذه الشهادة واقتصارها على طلاب التحفيظ فقط، خاصة إذا كان المتعرض صاحب الحق وتم الاستيلاء على عقاره بالغصب حيث سيكون مضطرا للبحث عن وثائق لتدعيم تعرضه باعتباره ملزم بالإثبات لصفته كمدعي.
عدم إمكانية تعديل هذه الشهادة بإضافة مالكين آخرين تم إغفالهم، بحيث في هذه الحالة يقوم طالب التحفيظ بإنجاز عقد ناقل للحظوظ المشاعة، إذا اغفل أحد الورثة مثلا، وهذا بدوره مظهر من مظاهر الاستيلاء على عقارات الغير خاصة المقيمين بالخارج والذين غالبا لا يكونون على دراية بسريان هذه المسطرة.
– بعض الشواهد تحمل توقيعات بالبصمة وليس بخط اليد فهل يتم مراقبة تذييل القائد للشهادة بالتوقيع وغض النظر عن شكل الشهود؟ والأخطر من ذلك أن هو وجود بعض مظاهر الخلل في هذه الشهادة من ذلك أن البعض منها تكون غير موقعة من طرف القائد، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن القيمة القانونية لتلك الشهادة في ظل غياب توقيع القائد؟ زيادة على أن لهذه الشهادة بالملك نفس القوة الثبوتية التي تكون لرسم الملكية المستوفي الشروط.
إن الشهادة بالملك في إطار التحفيظ الجماعي تساهم في عمليات السطو والاستيلاء على عقارات الغير، وستساعد مافيا العقار في تنفيذ مخططاتها الإجرامية من خلال التواطؤ بين طالب التحفيظ والشهود في ظل غياب مؤسسة تتأكد من مدى توفر شروط الحيازة للاعتداد بالتملك.
ثانيا: الأسباب القضائية
تعد السلطة القضائية هي تلك السلطة المختصة بتفسير القانون وتطبيقه على المنازعات التي تعرض عليها، ومن هنا تستمد وظيفتها التي تكمن في العملية القضائية التي تقتضي الاستقلالية والحياد. ويمكن مقاربة هذه السلطة بصورة عامة انطلاقا من مجموع القرارات والأحكام المتخذة تنفيذا للنصوص القانونية ووفق إجراءات مسطرية معلومة. ومع أن الاختصاص المرجعي للسلطة القضائية هو السهر على احترام وتنفيذ القانون. فان المهام الموكولة إليها خاصة في ظل الأنظمة الديمقراطية تترجم أساسا في ضمان حقوق الأفراد والجماعات وصيانة الحريات العامة والخاصة ، والسهر على تقيد الجميع بمبادئ سيادة القانون وخضوع الكل لأحكامه في إطار دولة الحق والقانون .
وكل ذلك لتوفير الأمن القضائي ينبغي تأهيل مهني كما جاء في خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش والذي جاء فيه : “يتعين على الجميع التجند لتحقيق إصلاح شمولي للقضاء لتعزيز الاستقلالية الذي نحن له ضامنون .هدفنا ترسيخ الثقة في العدالة ،وضمان الأمن القضائي ،الذي يمر عبر الأهلية المهنية والنزاهة والاستقامة وسيلتنا صيانة حرمة القضاء وأخلاقياته ومواصلة تحديثه وتأهيله .”
فما يمكن ملاحظته حول تعامل القضاء في القضايا العقارية هو طول إجراءاتها وصعوبة الحسم فيها، وللوقوف حول تعامله لابد من إثارة بعض مواقف القضاء، وعليه فقد جاء في قرار لمحكمة النقض عن الغرفتين: “حيث صح ما عابه الطاعن على القرار ذلك أنه علل قضاءه بأن العقد الذي باع بموجبه المستأنف عليه العقار موضوع النزاع هو عقد ثبتت زوريته بحكم جنحي حائزه لقوة الشيء المقضي به حسب الثابت من أوراق الملف، وبالتالي فهو عقد باطل بالتبعية، وكذا الشأن بعد شراء المستأنف وذلك عملا بقاعدة ما بني على باطل فهو باطل، ولا مجال و الحالة هاته إلى الاستدلال بحسن النية في حين يستوجب الفصل 22 ظ.ت.ح والمادة الثانية من م.ح.ع، فإنه لا يمكن التمسك بإبطال التسجيل في مواجهة الغير المسجل حسن النية وأن ما يقع من إبطال لا يمكن أن يواجه به ولا يمكن أن يلحق به أي ضرر، وهذه المقتضيات القانونية تؤسس لمبدأ القوة الثبوتية للتقييدات ونصت بدون أي تحفظ كيفما كان نوعه على أن التقييدات في الرسوم العقارية قرينة لفائدة الغير حسن النية على صحتها، وبالتالي فليس هناك ما يستثني حالة البطلان بسبب التزوير في عقد وقع تقييده ويبقى للغير حسن النية حق التمسك بهذه المقتضيات ولذلك فإن القرار المطعون فيه علل قضاءه على النحو المذكور أعلاه ودون أن يبحث في حسن وسوء نية الطاعن باعتباره غير بالنسبة للعقد الذي ثبت زوريته بحكم جنحي نهائي يكون خارق للفصل 22 و الفصل 6 من م.ح.ع.”
من خلال هذا القرار يتضح أن محكمة النقض تعتبر أن مسألة حسن النية هي مسألة جوهرية في تعليل محاكم الموضوع دون الحاجة إلى النظر في مدى زورية الوثائق التي بني عليها تقييد حسن النية.
خاتمة:
و من خلال ما سبق واعتبارا لمكانة العقار في تحقيق التنمية المستدامة وتنفيذا للتوجهات الملكية السامية بخصوص مكافحة ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير والمغاربة المقيمين بالخارج والأجانب بما يضمن حماية الملكية العقارية وتقويتها، فإن الدولة المغربية سعت جاهدة لتعزيز المكتسبات الدستورية والتشريعية والتنظيمية للحد من هذه الظاهرة.
الهوامش:
(=) تم تحكيم هذا المقال من طرف اللجنة العلمية لمركز مغرب القانون للدراسات والأبحاث القانونية.
[1] – حسن فتوخ ” الأنظمة القانونية المطبقة على العقار”، مقال 14 أغسطس 2018، منشور بالموقع الالكتروني www.bibliotdroit.com، تم الاطلاع عليه بتاريخ 18/05/2021 على الساعة 14:00.
[2] – ير ى كل من الحنفية والشافعية والحنابلة، أن العقار هو كل شيء لا يمكن نقله إلا بتغيير هيأته، وهذا يعني أن كلمة عقار لا تنطبق إلا على الأرض أما الشجر والبناء فلا تسمى عقارات لأنه لا يمكن نقلها.
[3] – مأمون الكزبري “التحفيظ العقاري والحقوق العينية والتبعية في ضوء التشريع المغربي”، الجزء الثاني، الهلال العربية للطباعة والنشر-الرباط، الطبعة الثانية 1987، ص9.
[4] – – عبد الكريم شهبون ” الشافي في شرح مدونة الحقوق العينية الجديدة وفق قانون 39.08″، مكتبة الرشاد للتوزيع والنشر، الطبعة الثالثة 2018، ص: 24.
[5] – نفس المرجع، ص: 68.
[6] – محمد نعناني ” إرشاد الساري إلى أصول التحفيظ العقاري”، الطبعة الأولى 2017، دون ذكر المطبعة، ص: 8.
[7] – بحيث يقترن لفظ عقار بطبيعته بالمحصولات الفلاحية إذا كانت “ثابتة بجدورها”، وبثمار الأشجار “ما لم تجنى”، وأشجار الغابات إذا كانت “لم تقطع”.
[8] – إلى جانب الأرض، والأبنية، والنباتات، تعتبر المقالع والمناجم، هي الأخرى من العقارات بالطبيعة.
[9]– المادة 7 من مدونة الحقوق العينية.
[10] – جاء المشرع المغربي في المادة السابعة من مدونة الحقوق العينية، على أنه المنقول الذي يضعه مالكه …رصدا لخدمة هذا العقار واستغلاله أو يلحقه به بصفة دائمة، أي أن هذا المنقول يخصص لخدمة ومنفعة العقار، وورد في المادة 84 من القانون المدني السوري على أنه: ” المنقول الذي يضعه صاحبه في عقار يملكه رصدا لخدمة هذا العقار واستغلاله”.
– فيما يتعلق بالأشياء الموضوعة لخدمة صاحب العقار، كسيارته على سبيل المثال، فإنها لا تعتبر عقارا بالتخصيص، ولو أنه ينتقل بها لخدمة العقار.
[11] – ادريس الفاخوري، مداخلة تحت عنوان “دور التوثيق في حماية المتغيب على ضوء أفعال الاستيلاء على عقارات الغير” ندوة وطنية حول الأمن التعاقدي بين تعداد أنظمة التوثيق وتحديات التنمية، من تنظيم مختبر الأسرة والتوثيق ومركز الدراسات والأبحاث في قضايا الهجرة والتوثيق يومي 5و 6 ماي 2017 بكلية الحقوق وجدة.
[12] – إدريس الفاخوري: “ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير:الأسباب وسبل التصدي”، مقال منشور ضمن سلسة المعارف القانونية والقضائية، مؤلف جماعي بعنوان “الاستيلاء على عقارات الغير والاسترجاع” منشورات مجلة الحقوق، الإصدار62-2018 دار النشر والمعرفة، مطبعة المعارف الجديدة الرباط طبعة 2018،ص18.
[13] – تقرير وزارة العدل والحريات منشور على الموقع الالكتروني https://elaph.com
[14] – يقول الأستاذ إدريس الفاخوري “أن من بين أسباب تفشي ظاهرة الاستيلاء الأمية ،والأمية المقصود بها هنا ليس الجهل بالقراءة والكتابة، بل أمية أوسع من ذلك، وهي الجهل بالأمور القانونية، حيث أن الأمية العقارية هنا ترتبط بجهل الجوانب القانونية ذات الارتباط بالملكية العقارية”. إدريس الفاخوري، “ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير: الأسباب وسبل التصدي” مرجع سابق، ص18
[15] – طارق الدخيسي، تحيين الرسوم العقارية وأثره على التنمية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ، جامعة محمد الأول وجدة، السنة الجامعية 2007-2008ص ،25.
[16] -عبد المجيد غميجة .مبدأ الامن القانوني وضرورة الامن القضائي .مجلة الحقوق المغربية .دار الآفاق المغربية الدار البيضاء .2009العدد السابع .ص .45
[17] -محمد الراقي .مقال منشور بالمؤلف الجماعي .الاستيلاء على عقارات الأجانب والغير بالمغرب . والاسترجاع .مطبعة المعارف الجديدة .2018ص .70
[18] -ادريس الفاخوري .مقال منشور بالمؤلف الجماعي ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير الأسباب وسبل التصدي. .مطبعة المعارف الجديدة .2018ص . 17
[19] -راجع ما سبق تفصيله في المبحث الاول من الفصل الثاني من هذا الباب.
[20] – انظر:
-عمر ازوكار، مداخلة بعنوان “حسن النية في التقييدات العقارية”، أشغال يوم دراسي نظمه ماستر الدراسات العقارية بكلية الحقوق بطنجة تحت عنوان “التصدي لظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير على ضوء الرسالة الملكية الموجهة الى وزير العدل والحريات يوم22 يوليوز 2017.
-جمال النعيمي، مداخلة بعنوان “الاستيلاء على عقارات الغير بدون وجه حق”، ندوة وطنية نظمتها ودادية موظفي قطاع العدل بشراكة مع الودادية الحسنية للقضاء بمحكمة النقض والمرصد الدولي للأبحاث الجنائية والحكامة الأمنية حول موضوع ” تدبير مخاطر الاعتداء على الملكية العقارية في ضوء الرسالة الملكية السامية تحث شعار “لنتحد جميعا ضد مافيا العقار يوم 20 ماي 2017 بالمركب الاجتماعي لوزارة العدل مراكش.
[21] – الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري
[22] – فالمقصود بالتزوير هو تغيير الحقيقة الذي يقوم به المزور إذ أن هذا التغيير لا يعني أن تكون كل البيانات كاذبة بل انه إذا كان في المحرر بيان واحد مخالف للحقيقة كان كافيا لقيام التزوير .كما عرف القانون الجنائي التزوير في المحررات من خلال المادة 351 والتي نصت على أن ” تزوير الأوراق هو تغيير الحقيقة فيها بسوء النية ، تغييرا من شانه أن يسبب ضررا متى وقع في محرر بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون “.
وعليه فان التزوير في المحررات يقوم على عناصر أساسية أولها تغيير الحقيقة بإحدى الطرق المرسومة قانونا في محرر او توافر القصد الجنائي لدى الفاعل واحتمال حدوث الضرر للغير .وقد حدد القانون أنواع المحررات التي يرد عليها فعل التزوير مقسما إياها إلى محررات رسمية وأخرى عرفية .
-التزوير في المحررات الرسمية .
أن الورقة الرسمية حسب مقتضيات الفصل 418 من قانون الالتزامات والعقود هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد ،وذلك في الشكل الذي يحدده القانون كما يدخل ضمن الورقة الرسمية الأوراق المخاطب عليها من القضاة محاكمهم والأحكام الصادرة عم المحاكم المغربية والأجنبية .
أوكل كل من القانونين 32.09 المتعلق بالثوتيق العصري و القانون 16.03 المتعلق بالخطة العدالة مهمة التحرير العقود والمشرع أضفى بحكم القانون على أعمالهم الصفة الرسمية ،إلا أنها يمكن أن تكون محلا للتزوير ،وبالتالي استعمالها كوسيلة للاستيلاء على عقارات الغير ،خاصة وان جريمة التزوير لا يمكن أن تطال محررا دون الأخر .كما لايشترط في جريمة التزوير محرر رسمي ان تكون العبارة المضافة موقعا عليها ممن قصد نسبتها إليه ،بل يكفي أن تكون موهمة بذلك .
نظرا للخطورة التي قد تترتب عن تزوير المحرر الرسمي ،وتأثير ذلك على المصلحة العامة ،وفقدان الثقة الأفراد في هذا المحرر ،إذا لم تكن هناك حماية قانونية تضرب بقوة على الأيادي التي تعبث به وتستعمله لزعزعة استقرار المعاملات العقارية بين الأفراد ،الأمر الذي الذي ألزم على مشروع قانون التحفيظ العقاري أن يحيل بمقتضى هذا الأخير على القانون الجنائي ،بخصوص جرائم النزوير والتحريف وباقي الجرائم ،وذلك من خلال الفصل 107 من ظ.ت.ع كما عدل وتمم بالقانون 14.07 الذي جاء في مقتضياته ما يلي ،تطبق أحكام القانون الجنائي على من :
1- يقوم عن علم وبقصد جلب ربح غير مشروع آخر ،بتزوير آو تزييف آو تحريف الرسوم العقارية …،أو يستعمل مستندات مزورة أو مزيفة أو محرفة على كيفية المذكورة.
2- يقترف زورا في المحررات المقدمة بقصد التقييد أو التشطيب ،أما بتزييف كتابات او توقيعات ،واما بخلق أشخاص وهميين أو بصطناع اتفاقات أو تصرفات آو ابراءات ،أو ادرج ذلك في تلك السندات بعد تحريرها بإضافة أو تزييف شروط او تصريحات أو وقائع كان غرض تلك المحررات تثبتها.
فالمشرع المغربي تدخل من الناحية الجنائية لحماية المتعاقدين من التزوير في المحررات ،بوضعه عقوبات قاسية تطبق في حق مرتكب هذا الفعل سواء كان شخصا عاديا أو موثقا أو عدلا ،وهذا ما أكده القضاء في عدة أحكام حيث جاء حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالرباط ما يلي :”ارتكاب الضنين لجنح التزوير في شهادة والتوصل بغير حق إلى تسلمها واستعمالها ومنح شهادة تتضمن وقائع غر صحيحة واستعمالها عن علم ،الأفعال المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصلين 360 و361 من القانون الجنائي ….” .إلى جانب التزوير الصادر عن الأشخاص العاديين ، هناك التزوير المرتكب من طرف العدول والموثقون الناتج عن غياب الضمير المهني والطمع المادي ،حيت جاء في قرار اخر صادر عن محكمة الاستئناف بفاس ما يلي :”بمؤاخذة العدل لمخالفات عدم التحلي بالأمانة والوقار والحفاظ على شرف المهنة وعدم التحلي بالمروءة وحسن السلوك أثناء مزاولته مهام خطة العدالة ،وارتكابه أفعال جنائية مخلة بالواجبات المفروضة على العدل أثتاء مزاولته لعمله حكم بسببها بحكم جنائي نهائي ، كما توبع بجناية التزوير في محرر رسمي واستعماله ،والمشاركة في تزوير وثائق إدارية واستعمالها والتحريض على الدعارة والسكر العلني ،حيت أدين من اجل التزوير في محرر رسمي بعشر سنوات سجنا نافذا ،كما تم عزله من مهام خطة العدالة لارتكابه خطا مهنيا خطيرا ومخالفة توثيقية جسيمة…”.
-التزوير في المحررات العرفية
تعد كل ورقة عرفية التي يقوم بتحريرها من لهم مصلحة فيها بغير تذخل موظف عمومي ،بمعنى أن المحرر العرفي هو كل محرر غير رسمي لم يتذخل في تحريره موظف ما بحكم وظيفته (إذ لا مانع من أن يحرره موظف بصفته الشخصية كأي شخص يطلب إليه تحرير محرر ).أو بعبارة أخرى هو كل محرر لا يعود الاختصاص في تحريره الى طوائف الأشخاص المذكورين في الفصلين 252و353 من قانون الجنائي المغربي .
ويمكن أن تكون هي الأخرى محلا للتزوير ،سواء بالطرق المادية أو المعنوية الأمر الذي فرض على المشرع ان يضع نصوص تجريمية وعقابية في القانون الجنائي للحد من هذه الجرائم حيث نص الفصل 358 من ق.ح على انه “من ارتكب بإحدى الوسائل المشار إليها في الفصل 354 تزويرا في محرر عرفي ،أو حاول ذلك يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى ألفي درهم .
وعموما فانه يلاحظ أن عقوبة تزوير محرر رسمي اشد من تلك المتعلقة بالمحرر العرفي ،لذلك فالمشرع المغربي يجب أن يفرد نصوص خاصة توحد عقوبة تزوير المحررات العقارية ،نظرا للأهمية الكبرى التي يحظى بها العقار من جهة ،وأهمية التصرفات التي تثبتها من جهة أخرى حفاظا على استقرار المعاملات وتحقيق الأمن العقاري .
[23] – أحمد الشحيتي، “التحفيظ العقاري بين إكراهات التعميم وازدواجية النظام العقاري”، مقال منشور ضمن أشغال الندوة الوطنية المنظمة يومي 25-26 نونبر 2016 ،مرجع سابق، ص85.