رهانات الاصلاح الجبائي بالمغرب
فـؤاد أشـن باحث في القانون العام
تلعب الضريبة أدوارا متعددة، فبالإضافة إلى أنها تشكل مصدرا مهما لتمويل تدخلات الدولة في مختلف المجالات، فهي أيضا آلية للتدخل في توجيه الحياة الاقتصادية والاجتماعية، لذلك تولي الدول أهمية كبيرة لترسيخ نظام جبائي متوازن، يتلاءم مع أهدافها وإمكاناتها الاقتصادية والاجتماعية، ويواكب المستجدات التي تعرفها مختلف المجالات ذات الصلة بالسياسة الجبائية للدولة.
لذلك، أصبح تأهيل الأنظمة الجبائية يحظى بأهمية كبيرة في مختلف دول العالم، وتأخذ هذه الأهمية طابعا حيويا في الدول التي لا تتوفر على موارد أخرى غير الموارد الجبائية، حيث أن الاعتماد بالأساس على الموارد الضريبية لتمويل الحاجيات العامة يقتضي تمنيع النظام الجبائي أمام كافة الأخطار، والسهر بشكل مستمر على سد الفجوات التي من شأنها تقويض الأسس التي يقوم عليها هذا النظام الجبائي.
ويعتبر المغرب من الدول التي تعتمد بشكل أساسي على الموارد الضريبية لتمويل خزينة الدولة، فحسب قانون المالية لسنة 2021 فإن تقديرات المداخيل المتأتية من الضرائب غير المباشرة والضرائب المباشرة والرسوم المماثلة ورسوم التسجيل والتمبر والرسوم الجمركية تشكل ما نسبته 88.37% من مجموع موارد الميزانية العامة لسنة 2021، في حين يقدر مشروع قانون المالية 76.21 لسنة 2022 الموارد الضريبية للميزانية العامة بأزيد من 259 مليار درهم، أي ما يفوق 90% من مجموع موارد الميزانية العامة، في حين لا تشكل باقي أصناف الموارد الأخرى كالهبات والوصايا وعائدات أملاك الدولة نسبة كبيرة في الحجم الاجمالي لموارد الميزانية العامة، حيث لا تتجاوز نسبة 10%.
تعطينا النسب أعلاه الدور الذي تلعبه الضريبة في تمويل مختلف السياسات العمومية التي تسهر الدولة على تنزيلها، وهو ما يفسر أيضا الأهمية التي أصبح يحظى بها النظام الجبائي المغربي من قبل الفاعلين الرسمين بغية إصلاحه وجعله في مستوى الرهانات المرفوعة.
وكان النظام الجبائي المغربي قد عرف إصلاحات عميقة خلال ثمانينات القرن الماضي تمثلت في إصدار القانون الاطار 3.83 المتعلق بالإصلاح الجبائي، وشكل ذلك أساسا لإصدار الضرائب الثلاث المعروفة وهي الضريبة على القيمة المضافة (1985)، والضريبة على الدخل (1986)، والضريبة على الشركات (1990)، وأتى قانون مالية سنة 2004 لينص على إصلاحات متعلقة بواجبات التسجيل، ثم في سنة 2007 تم إصدار المدونة العامة للضرائب.
غير أنه اضحى من اللازم في الوقت الراهن القيام بإصلاح جبائي جديد، يهدف إلى ملاءمة العديد من القواعد مع المستجدات والأهداف التي تطمح الدولة إلى تنزيلها، وهو ما تم التأكيد عليه في المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات المنعقدة بالصخيرات يومي الثالث والرابع من ماي 2019، حيث دعت هذه المناظرة في التوصيات المنبثقة عنها إلى إصلاح النظام الجبائي بما يمكن من التوفيق بين احترام حقوق الملزمين والحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية، واقترحت القيام بالإجراءات التي تمكن من توسيع الوعاء وإعادة توزيع عائداته، وإرساء نظام ضريبي يهدف لتعزيز تنافسية المقاولات، وترشيد التحفيزات الجبائية، ومراجعة أسعار الضريبة على القيمة المضافة، إضافة مراجعة شاملة للجبايات المحلية وغيرها من التوصيات.
عقب ذلك، صدر بالجريدة الرسمية عدد 7007 الصادرة بتاريخ 26 يوليوز 2021 القانون الاطار رقم 69.19 المتعلق بالإصلاح الجبائي، طبقا للفصل 71 من دستور 2011 الذي ينص على صلاحيات البرلمان في التصويت على قوانين تضع إطارا للأهداف الأساسية لنشاط الدولة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية.
ويهدف هذا القانون الاطار، كما تمت الاشارة إلى ذلك في ديباجته، إلى تحديد الأهداف الأساسية لإصلاح جبائي مندمج وكذا آليات تنزيل هذا الاصلاح، ومعالجة الاختلالات التي يعاني منها النظام الجبائي وملاءمته مع التطورات التي عرفها المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي والتكنولوجي، وكذا تكريس قواعد الحكامة في النظام الجبائي، وفي العموم يمكن تحديد أربعة دوافع أساسية للقيام بهذا الاصلاح الجبائي:
- الدافع الأول: يتمثل في الأهمية التي تشكلها الموارد الجبائية بالنسبة لميزانية الدولة، وهو ما يستدعي القيام بالإجراءات الضرورية لتحصين هذا المصدر الحيوي واستثمار كافة الإمكانيات التي يتيحها للرفع من مردوديته.
- الدافع الثاني: يتمثل في الحاجة إلى الرفع من الموارد الضريبية واستقرارها، حتى يتم تمويل السياسات والبرامج العمومية بشكل عادي، خاصة في ظرفية تعرف تقلبات عديدة يصعب التحكم فيها، كالأزمات المالية والاقتصادية، وكذا الأزمات الصحية كما هو الشأن بالنسبة لأزمة كوفيد 19.
- الدافع الثالث: يتمثل في تعزيز المبادئ الفضلى في النظام الجبائي، كتعزيز مبادئ الحكامة والشفافية، والرفع من الخدمات التي تقدمها الادارة الضريبية، وتحسين وسائل الرقابة وتكريس الثقافة الضريبية لدى الملزمين وغيرها من المبادئ والقيم.
- الدافع الرابع: ينبع من ضرورة مواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية بشكل دوري، فالنظام الجبائي وتقنياته لا يمكن ان تبقى متخلفة عما تعرفه الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية من تحولات، بالإضافة إلى ضرورة استغلال ما تتيحه التكنولوجيا من وسائل لاستغلالها في تنزيل سياسة الدولة في المجال الجبائي.
وأصبح من اللازم التسريع بتنزيل هذه الاصلاحات لحلحلة العديد من الاشكالات التي ظلت عالقة لسنوات، والتي كان يتم التعامل معها من خلال بعض الحلول الترقيعية التي يتم تضمينها في القوانين المالية السنوية، فالرفع من أسعار الضريبة لم يعد مدخلا فعالا للرفع من حصيلة الموارد الضريبية، خاصة وأن اللجوء إلى هذا الحل من شأنه أن يرتب نتائج عكسية تتمثل بالأساس في ارتفاع الضغط الجبائي إلى مستويات كبيرة، وهو ما يجعل من التركيز على توسيع الوعاء الضريبي مدخلا مهما لتأهيل الموارد الجبائية. كما أضحى من اللازم خلق الآليات الكفيلة بمراقبة وضبط كل أشكال التملص من أداء الضريبة كالتهرب والغش الضريبيين تفعيلا لمبدأ المساواة، والعمل على خلق الظروف الملائمة لإدماج الاقتصاد غير المهيكل في النسيج الاقتصادي المنظم.
بالإضافة إلى ما سبق، أصبح من اللازم إعادة النظر في كلفة النفقات الجبائية والتي تعتبر من الاشكالات المهمة التي يجب أن ينكب على معالجها الاصلاح الجبائي، خاصة وأن هذه النفقات بلغت مستويات كبيرة في السنوات الأخيرة تجاوزت 30 مليار درهم سنويا، أي ما يفوق 15% من الموارد الضريبية، وهو ما يفوت على ميزانية الدولة موارد مهمة وذلك في غياب أي تقييم حقيقي للعائد الاقتصادي والاجتماعي للإعفاءات والتخفيضات الجبائية التي تمنحها الدولة.
كما تشكل الثقافة الضريبية عاملا مهما لتنزيل السياسة الضريبية للدولة بشكل ناجح، باعتبارها المدخل الأساسي لضمان الاستقرار في الوفاء بأداء الملزمين لواجباتهم الضريبية داخل الآجال القانونية، ولا يمكن أن تسود هذه الثقافة لدى الملزم إلا من خلال توفر عدة شروط، كإحساس الملزم بمآل الضريبة وتوفر شرط العدالة الضريبية، وتجويد أنماط تعامل الادارة مع الملزم وغيرها من العوامل، خاصة وأن التقارير الرسمية بنفسها تزكي الخلل الحاصل بخصوص الوفاء بأداء الضريبة أثناء الاطلاع على بعض الاحصائيات التي تفيد أن عددا كبيرا من الشركات والمقاولات الخاصة لا تفي بالتزاماتها الضريبية كما ينبغي، مما يعزز فكرة أن الضريبة تؤديها فقط الطبقات الهشة في المجتمع، كالأجراء والموظفين.