رقمنة مساطر اجراءات التعمير و التجزئات العقارية

أيوب القسيلي خريج ماستر المعاملات العقارية، باحث بسلك الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة سيدي محمد بن عبد الله – فاس، الكلية متعددة التخصصات – تازة.
The Legal Framework for the Digitalization of Urban Planning Procedures and Real Estate Subdivision Processes
تلخيص:
تشكل رقمنة مساطر التعمير والتجزئات العقارية أحد أبرز رهانات تحديث الإدارة المغربية في ضوء دستور 2011 والقانون 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر. وقد ساهمت المنصة الرقمية Rokhas.ma في تقليص آجال معالجة الملفات، تعزيز الشفافية ومحاربة الرشوة، وتيسير الولوج إلى الرخص بما يعزز جاذبية الاستثمار. غير أن هذه الدينامية تواجه إكراهات عملية وقانونية، أبرزها: ضعف البنية التحتية الرقمية بعدد من الجماعات، محدودية تكوين الموارد البشرية، مقاومة بعض الفاعلين للإصلاح، والمخاطر المرتبطة بحماية المعطيات الشخصية في ظل القانون 09.08.
ويظهر من خلال العمل القضائي أن الرقمنة أصبحت حقاً مكتسباً يندرج ضمن مبادئ الشفافية والحق في المعلومة، مما يفرض على الدولة تعميم بنيتها الرقمية، تأهيل مواردها البشرية، وتطوير الإطار القانوني نحو إدماج الرقمنة في سياسة حضرية ذكية قوامها الحكامة الجيدة والتنمية المستدامة.
The digitization of urban planning and land subdivision procedures constitutes a cornerstone of administrative modernization in Morocco, particularly under the 2011 Constitution and Law No. 55.19 on the simplification of administrative procedures. The Rokhas.ma platform has contributed to reducing processing times, enhancing transparency and combating corruption, while facilitating access to permits and strengthening investment attractiveness. Nevertheless, this reform faces several legal and practical challenges, including weak digital infrastructure in some municipalities, limited staff training, resistance to digital reforms, and risks related to personal data protection under Law No. 09.08.
Judicial practice has confirmed that digitization is now a vested right, falling within the principles of transparency and the constitutional right to access information. Accordingly, Morocco must generalize digital infrastructure, strengthen human resources capacities, and update its legal framework to fully integrate digitization within a smart urban policy based on good governance and sustainable development.
مقدمة:
شهد قطاع التعمير والتجزئات العقارية تحولات عميقة خلال العقود الأخيرة، باعتباره رافعة أساسية للتنمية الحضرية والاقتصادية. غير أن تعدد المتدخلين، وتعقد المساطر، وكثرة الوثائق المطلوبة، غالباً ما كانت تشكل عائقاً أمام نجاعة التدبير العمراني وجودة الخدمات المقدمة للمرتفقين[1]. في هذا السياق، برز خيار الرقمنة كآلية استراتيجية لتبسيط المساطر، وتكريس الشفافية، وتقليص الآجال، وتحقيق الحكامة الجيدة في تدبير المجال العمراني
إذا كان السكن من الحقوق المعترف بها على المستوى الدولي لممارسة حق المواطنة، غير أنه بالنظر الى العجز الملحوظ في الحصول على السكن فإنه في بعض الأحيان يستحيل أن يتمتع به الجميع لا سيما عند يتعذر الحصول على العديد من الاجراءات القانونية التي ينظمها قانوني التعمير والتجزئات العقارية [2]
غير أنه من مع ظهور التطور التكنولوجي في العالم تحولا جذريا يحتم على دول الانخراط في صلب هذا التقدم الكبير، فالعالم أصبح قرية صغير في ظل هذا التطور التكنولوجي الهائل وهو ما يعرف الان بعصر العولمة ، الأمر الذي ينبغي على جميع الدول العالم السير على نهج تبني سياسة استراتيجية تعتمد على طابع تفعيل الرقمنة لتيسير شؤونها على جميع مستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
فقد استطاعت تكنولوجيات المعلوميات الانتشار والتغلغل بعمق داخل مناحي الدولة بمفهومها الجديد ، مما أدى الى الرفع من فعالية المرفق العام، وبالتالي تحقيق النفع العام من خلال تبسيط اليات العمل المؤسساتي وتسهيل عملية النجاح المعاملات بشتى أنواعها سواء كانت مدنية أو تجارية أو عقارية[3]
و كما لا يخفى عن أحد أن المغرب كباقي دول العالم أصبح مجبرا على توظيف الأمثل لهذه الوسائل التكنولوجية الحديثة قصد مواكبات المتغيرات الناتجة عن العولمة وجل مظاهر الانفتاح التكنولوجي في العالم، ولكون الرقمنة أصبحت اليوم موضوع الساعة، فقد لفتت اهتمام اعلى مؤسسة دستورية في البلاد و ذلك عبر مجموعة من الخطابات التي دعت الى العمل على تحديث المنظومة الادارية وتبسيط المساطر عبر اعتماد الوسائل التكنولوجية داخل المؤسسات والأجهزة الادراية، وأذكر ما جاء ضمن الرسالة الملكية السامية الموجهة الى المشاركين في المناظرة المنظمة من لدن كتابة الدولة المكلفة بالبريد وتقنيات الاتصال تحت عنوان” الاستراتيجية الوطنية بإدماج المغرب في مجتمع الاعلام والمعرفة”
وجاء في هذه الرسالة” …. وسيظل اصلاح الادارة العمومية وعصرنتها من بين الرهانات الرئيسية التي يطرحها تقدم بلادنا إذ يتعين أن نوفر لأجهزتنا الإدارية ما يلزم من أدوات تكنولوجية عصرية بما فيها الأنترنيت لتمكينها من الإنخراط في الشبكة والولوج المشترك للمعلومات من طرف مختلف القطاعات…”[4]
ومما لا غبار فيه أن تنزيل أوراش المشاريع الهادفة الى رقمنة الادارات العمومية، سيشكل احدى الركائز التي تحسن العلاقة بين الادارة والمرتفقين، و اعادة الثقة بينهما على اعتبارهما من ضمن الأولويات التي يحدده القانون.
في هذا السياق، جاء خيار الرقمنة كأداة استراتيجية لتجاوز أعطاب التدبير التقليدي، حيث أصبح ينظر إليها باعتبارها مدخلاً لتبسيط الإجراءات، وضمان الشفافية، وتسريع وثيرة معالجة الطلبات، فضلاً عن تقليص الكلفة الزمنية والمالية المرتبطة بالولوج إلى الخدمات. وقد تجسد هذا التوجه في إصدار القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية[5]الذي ألزم الإدارات برقمنة خدماتها واعتماد منصات رقمية لتدبير التراخيص، وفي مقدمتها منصة Rokhas.ma التي اعتُبرت إحدى اللبنات الأساسية في مشروع الإدارة الرقمية.
وباعتبار العقار هو المحرك الأساسي م للتنمية الاقتصادية وكذا من أجل اطلاق المخططات والمشاريع الاستراتيجية الكبرى الجانب عمل على رقمنة مساطر اجراءات التعمير و التجزئات العقارية لتيسير على المواطن اقتناء بعض الرخص دون الشقاء للولوج الى الادارة[6]، كما تسهل على المرتفقين انجاز مشاريعهم الاستثمارية والعقارية والحصول على رخصهم بطريقة الكترونية عن طريق المواقع التي تطلقها الادارة المختصة في تسليمها، وعليه يمكن تعريف الرقمنة بأنها مجموع من الوسائل الذكية التي تشتغل بواسطة الانترنيت من اجل تلبية حاجيات الافراد عن طريق التعاقد.
وأما المفهوم الأخر الذي يتعلق بالرخص التي تعتبر عبارة عن قرارات يتضمن رقم و تاريخ الرخص مرفق بالتصميم المرخص الغير القابل للتعديل[7]، بحيث أنه يمكن القول أن رخص البناء هي خاضعة لمقتضيات الترخيص الاداري والحصول على هذه الرخصة لا يعني الحق في إنشاء الانسان ما شاء بل عليه التقيد بالضوابط المسطرية المنظمة لها [8]
وقد نظم قانون التعمير بقانون 12.90[9]، و قانون 90,25[10]، المتعلق بالتجزئات العقارية الذي يحدد كيفية الحصول على الرخص المتعلقة بتشييد البناء و قطع التجزئات بالطريق الطريقة المباشرة التي يريد صاحب الطلب الحصول عليها من طرف الجهة المختصة.
وعلى اثر ما تقدمنا به تكمن أهمية موضوع رقمنة مساطر إجراءات التعمير والتجزئات العقارية من كونه يتقاطع مع عدة مستويات استراتيجية:
على المستوى القانوني والإداري
يندرج الموضوع ضمن الورش الكبير المتعلق بإصلاح الإدارة العمومية، والذي تم تكريسه من خلال القانون 55.19 بشأن تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية فالرقمنة في هذا السياق ليست مجرد تحديث تقني، بل هي تحول مؤسساتي يروم إعادة بناء علاقة الإدارة بالمرتفق على أساس الشفافية، السرعة، والمساواة في الولوج إلى الخدمات.
على المستوى الاقتصادي
يعتبر قطاع العقار والتعمير رافعة أساسية لجذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية. وكل تأخر أو تعقيد في الحصول على الرخص يؤدي إلى تعطيل المشاريع الاستثمارية، وبالتالي عرقلة خلق فرص الشغل والدورة الاقتصادية. ومن ثم، فإن رقمنة المساطر تمثل شرطاً لتعزيز جاذبية مناخ الأعمال وتنافسية الاقتصاد الوطني
على المستوى الاجتماعي والمجالي
تحسين ولوج المواطنين إلى خدمات التعمير والتجزئات بشكل شفاف وسريع يسهم في تقليص مظاهر الزبونية والمحسوبية، ويعزز ثقة المواطن في الإدارة. كما أن تعميم الرقمنة على الجماعات الترابية من شأنه أن يقلص الفجوة بين المدن الكبرى والمجالات القروية، ويساهم في تحقيق عدالة مجالية أكثر توازناً
على المستوى التكنولوجي والحكامة
إدماج التكنولوجيات الحديثة في التدبير العمراني يفتح المجال أمام ما يسمى بـ”الحكامة الذكية” (Smart Governance)، حيث يتم الاعتماد على نظم المعلومات الجغرافية والذكاء الاصطناعي لتوقع التوسع الحضري وضبط استعمالات الأراضي، وهو ما ينسجم مع توجهات المغرب نحو التحول الرقمي الشامل.
وهذا لا يمكن فهمه إلا بالتصدي للمجهودات المبذولة في مجال تحديث ورقمنة الإدارة الترابية، خاصة مع اعتماد القانون 55.19 بشأن تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية
ومع مواصلة و إطلاق منصات رقمية مثل Rokhas.ma، فإن تدبير مساطر التعمير والتجزئات العقارية لا يزال يطرح تحديات بنيوية. فمن جهة، مكنت الرقمنة من تسريع بعض الإجراءات وتقليص هامش المحسوبية والرشوة، لكنها من جهة أخرى كشفت عن هشاشة البنية التحتية المعلوماتية ببعض الجماعات، وضعف تكوين الموارد البشرية، وغياب التكامل بين الرقمنة والتخطيط العمراني الاستراتيجي.
وعليه، تبرز الإشكالية الدقيقة للموضوع على النحو التالي: إلى أي حد استطاعت رقمنة مساطر التعمير والتجزئات العقارية أن تحقق فعلياً أهداف الشفافية، تبسيط المساطر، وجذب الاستثمار، وما هي الحدود المؤسساتية والقانونية والتقنية التي تحول دون بلوغ هذه الرقمنة مستوى حكامة عمرانية ذكية ومنصفة؟
أولا: الإطار النظري والمؤسساتي لرقمنة مساطر التعمير والتجزئات العقارية
أ -المقومات التشريعية للرقمنة في ميدان التعمير
قد شكل القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية نقطة البداية في إرساء الاعتراف القانوني بالوثيقة الرقمية والتوقيع الإلكتروني، مما أضفى حجية قانونية على المعاملات الرقمية، بما في ذلك الوثائق العمرانية والعقارية،هذا المقتضى كان أساسياً لاعتماد التصاميم المعمارية والمذكرات التقنية الخاصة بالتجزئات في شكل رقمي، مع تمتعها بنفس الحجية القانونية كالورقية.
سمح القانون باعتماد التوقيع الإلكتروني في العقود والقرارات الإدارية، وهو ما انعكس على توقيع رخص البناء والتجزئة ورخص السكن، وكذا على التوقيع الرقمي للمهندسين المعماريين والطبوغرافيين[11]، تعدد المتدخلين (الجماعة، الوكالة الحضرية، الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية…) جعل القانون 53.05 أداة قانونية لتأمين تبادل المراسلات والوثائق بشكل إلكتروني، ما ساهم في تقليص آجال دراسة الملفات عبر منصة Rokhas.ma
كما جاء القانون [12]55.19 بشأن تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية ليؤسس لإلزامية اعتماد الرقمنة في تدبير الطلبات، ويجعل سكوت الإدارة في بعض الحالات بمثابة موافقة ضمنية، وهو ما شكل نقلة نوعية في مساطر التعمير
وفي هذا النطاق المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية محطة مفصلية في مسار إصلاح الإدارة المغربية، حيث انعكس بشكل مباشر على مساطر التعمير والتجزئات العقارية، عبر تكريس مبادئ الشفافية والسرعة والرقمنة. فقد ألزم الإدارات بنشر لوائح القرارات الإدارية والوثائق المطلوبة بشكل صريح، مما حدّ من الممارسات التعسفية المتمثلة في مطالبة المرتفقين بوثائق غير مؤسسة قانونياً[13] كما رسخ مبدأ “سكوت الإدارة بمثابة موافقة” بعد انصرام الأجل القانوني، وهو ما يشكل ضمانة للمرتفقين ضد بطء المساطر، لكنه في المقابل يثير إشكالاً عملياً يتعلق باحتمال الترخيص ضمنياً بمشاريع مخالفة لتصاميم التهيئة أو معايير السلامة العمرانية، مما يضعف الأمن المجالي
ومنه لاحظ أن القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية ركّز على الشق الشكلي والإثباتي، من خلال إقرار الحجية القانونية للمحررات والتوقيعات الإلكترونية، مما أتاح إمكانية إيداع التصاميم الهندسية والوثائق العمرانية عبر المنصات الرقمية، مع ضمان مساواتها بالوثائق الورقية أمام الإدارة والقضاء
. في المقابل، جاء القانون 55.19 ليعالج الشق الإجرائي والتنظيمي، حيث ألزم الإدارات بنشر لائحة القرارات والوثائق المطلوبة بشكل واضح، وحصرها فيما هو منصوص عليه قانوناً، مع تقنين آجال البت في الملفات وإقرار مبدأ سكوت الإدارة كقبول ضمني[14]
. وإذا كان القانون 53.05 قد وفر الأرضية القانونية للانتقال نحو الرقمنة، فإن القانون 55.19 وفّر آليات عملية لتبسيط المساطر وتوحيدها غير أن التحدي الأساسي يتمثل في غياب الملاءمة التشريعية بين هذه القوانين والقوانين الخاصة بالتعمير والتجزئات (12.90 و25.90)، مما يخلق حالة ازدواجية بين الوثيقة الرقمية والمسطرة الورقية، وبين تبسيط المساطر وضمان احترام الضوابط العمرانية. وعليه، فإن التكامل بين القانونين يظل ضرورياً: فالقانون 53.05 يضمن الشرعية الرقمية، والقانون 55.19 يرسخ الشفافية والتبسيط، لكن التنزيل الفعلي يتطلب تعديلات تشريعية صريحة تُدمج مقتضياتهما في منظومة التعمير لضمان حكامة عمرانية فعالة وعادلة مجالية.
أما القانون 09.08[15] فقد وفر الإطار الحمائي لمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، خاصة وأن ملفات التعمير والتجزئات تتضمن بيانات حساسة مرتبطة بالملكية العقارية والمعطيات الهندسية.
وإن كان هذا الخير كونه مكسباً استراتيجياً لتسريع الخدمات وتحقيق الشفافية، يكشف عن هشاشة واضحة في مجال حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، اعتبر أن بيانات الملاك والهوية والخرائط العقارية يتم تجميعها ومعالجتها دون رقابة فعلية، وهو ما يُضعف من الضمانات التي جاء بهاإلى أن منصات مثل Rokhas.ma غالباً ما تُعالج كمّاً هائلاً من البيانات دون احترام مقتضيات التصريح المسبق لدى اللجنة الوطنية (CNDP)، مما يخلق فجوة بين النص القانوني والتطبيق العملي. أما الدراسات الدولية، مثل «Digital Transformation in Morocco»، فقد نبهت إلى أن التعمير والتجزئات من أكثر المجالات حساسية في التحول الرقمي، لارتباطها المباشر بحقوق الملكية العقارية، وبالتالي فهي تتطلب أماناً معلوماتياً صارماً وتطابقاً مع المقتضيات القانونية الوطنية، هذا الواقع يثير تساؤلات عميقة، كيف يمكن ضمان حماية المعطيات الشخصية في مساطر التعمير دون المساس بالحق في المعلومة الذي يكفله القانون 55.19؟ هل يكفي الإطار التشريعي الحالي (القانون 09.08) لتأمين المعطيات العقارية الرقمية، أم أننا في حاجة إلى تعديل خاص يراعي خصوصية المعطيات العقارية؟ ما مدى قدرة اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات الشخصية على مواكبة الرقمنة السريعة في قطاع حيوي مثل التعمير؟، وأخيراً، كيف يمكن خلق توازن بين التبسيط والشفافية من جهة، والأمن الرقمي وحماية الخصوصية من جهة أخرى؟
تضح من خلال تحليل الإشكالات المرتبطة برقمنة مساطر التعمير والتجزئات العقارية على ضوء قانون 09.08 أن المشرع المغربي خطا خطوة هامة نحو تكريس الأمن القانوني الرقمي، لكنه ما زال يواجه تحديات مؤسساتية وتشريعية وتقنية.
أولاً، إن مسألة التوفيق بين الحق في المعلومة وحماية المعطيات الشخصية تقتضي وضع خط فاصل بين المعطيات ذات الطابع العام الواجب نشرها لتعزيز الشفافية (مثل اللوائح التنظيمية، القرارات الإدارية، المساطر والآجال)، والمعطيات ذات الطابع الشخصي أو العقاري (مثل الرسوم العقارية والبيانات التقنية والهويات)[16]، والتي يجب أن تبقى محمية وفق معايير دقيقة. بذلك يمكن تحقيق الانسجام بين مقتضيات القانون 55.19 (التبسيط والشفافية) والقانون 09.08 (الحماية).
ثانيا: ورغم أن القانون 09.08 وفّر إطاراً عاماً لحماية المعطيات، إلا أنه لم يراعِ خصوصية المعطيات العقارية التي تتسم بحساسية مضاعفة لارتباطها بحقوق الملكية العقارية، والاستثمار العقاري، والتوازن المجالي. وهذا ما يستدعي تعديلاً تشريعياً أو نصوصاً تنظيمية خاصة تدمج هذه المعطيات في إطار قانوني يحميها بصرامة، ويمنع أي استغلال أو تسريب غير مشروع لها[17]
ثالثاً، يظل دور اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات الشخصية (CNDP) أساسياً في ضمان الرقابة على مساطر التصريح المسبق بالمعالجة والترخيص بها. غير أن محدودية مواردها البشرية والتقنية يشكل عائقاً أمام مواكبة الرقمنة الواسعة، خصوصاً في قطاع التعمير الذي يشمل آلاف الملفات على مستوى الجماعات الترابية. وعليه[18]، فإن تعزيز صلاحيات اللجنة، وتوفير الوسائل المالية والبشرية اللازمة، وتوسيع نطاق تدخلها في قطاع التعمير والتجزئات، أصبح مطلباً ملحاً لضمان فعالية الحماية.
ب -رقمنة مساطر التعمير في ضوء قوانين التعمير
إن رقمنة مساطر التعمير تُعد نقلة نوعية في تدبير المجال العمراني، حيث مكنت من الانتقال من منطق الإجراءات الورقية المعقدة إلى منطق المعالجة الإلكترونية عبر منصات رقمية مثل Rokhas.ma. غير أن قراءة هذه الرقمنة في ضوء قانوني التعمير 12.90 و25.90 تكشف عن مفارقة واضحة: فهذه النصوص، التي تعود إلى بداية تسعينيات القرن الماضي، بُنيت على فرضية المساطر التقليدية الورقية (الإيداع المادي للملفات، تداول الوثائق بين المصالح، توقيع المحاضر بخط اليد)، ولم تواكب بشكل صريح التحولات الرقمية اللاحقة.
فالقانون 12.90 المتعلق بالتعمير يركز على مساطر إعداد تصاميم التهيئة والتنطيق والتصاميم التفصيلية، حيث ألزم بإجراءات شكلية مثل عرض التصاميم للعموم وإبداء الملاحظات كتابة[19]. لكن الرقمنة طرحت إشكالاً: هل يكفي نشر هذه الوثائق على منصات إلكترونية ليُعتبر النشر قانونياً، أم أن الطابع الورقي لا يزال ملزماً؟ وهو ما يبرز غياب نصوص تفسيرية تؤكد الحجية القانونية للنشر الرقمي في مساطر التعمير.
أما القانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، فقد ركز على المسطرة التراخيصية، بإلزام المنعشين العقاريين بالحصول على رخصة مسبقة من السلطة المحلية بعد استشارة الوكالة الحضرية والمصالح التقنية المختصة[20]. هنا أيضاً، فإن الرقمنة أفرزت واقعاً جديداً: فالإيداع يتم اليوم عبر المنصة الرقمية، وتبادل الرأي بين المصالح يجري إلكترونياً، والمرتفق يتابع ملفه عن بعد. لكن في غياب نص تشريعي يقر صراحة بمشروعية هذا الإجراء الرقمي، تبقى إمكانية الطعن قائمة، خاصة إذا استند أحد الأطراف إلى نصوص القوانين القديمة التي تشترط الوثائق الورقية،
أما في مصرشهدت مصر خلال السنوات الأخيرة دينامية قوية في مجال رقمنة مساطر التعمير والبناء، تماشياً مع برنامج التحول الرقمي 2030، حيث تم اعتماد منظومة التراخيص الرقمية للبناء ابتداءً من سنة 2021 في عدد من المحافظات كتجربة أولية قبل تعميمها[21]هذه المنظومة مكنت المواطنين والمستثمرين من إيداع طلبات رخص البناء إلكترونياً عبر المراكز التكنولوجية بالمدن والأحياء، حيث يتم تحويل الملفات إلى الجامعات المصرية لمراجعتها فنياً وهندسياً، قبل أن تعاد إلى الجهات الإدارية المختصة لاتخاذ القرار.
أما في التشريعات الغربية وخاصة فرنسا منذ مطلع الألفية الثالثة ثورة تشريعية وتنظيمية في مجال رقمنة مساطر التعمير، خاصة مع تعديل قانون التعمير الفرنسي (Code de l’urbanisme)، الذي فرض إلزامية إدماج الأدوات الرقمية في المساطر المتعلقة برخص البناءرخص التجزئة، والتصاميم العمرانية[22]
بالتالي، يمكن القول إن التجربة الفرنسية تُبرز أن نجاح رقمنة مساطر التعمير لا يتوقف فقط على اعتماد منصات رقمية أو إصدار قوانين حديثة، بل يتطلب أيضاً تحديث البنية التحتية المحلية، تعزيز تكوين الموظفين، وضمان التوازن بين الشفافية وحماية المعطيات. وهي عناصر يمكن للمغرب أن يستفيد منها لتجاوز حالة الازدواجية بين النصوص القديمة (12.90 و25.90) ومتطلبات التحول الرقمي الجديد.
ت – المكتسبات و الآليات المؤسساتية والتقنية للرقمنة في قطاع التعمير
إن اعتماد المغرب على منصة Rokhas.ma، منذ سنة 2018، جاء في إطار تنزيل مقتضيات القانون 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، الذي ألزم الإدارات بتمكين المرتفقين من إيداع وتتبع طلباتهم بطرق رقمية، مع منح الوثيقة الإلكترونية نفس حجية الوثيقة الورقية متى كانت موقعة بتوقيع إلكتروني مؤمَّن
وبهذا المعنى، فإن المنصة تُشكل أداة قانونية ومؤسساتية لرقمنة مساطر التعمير (رخص البناء، التجزئات، الإصلاح… إلخ). غير أن الإشكال يكمن في أن القوانين المؤطرة للتعمير، وخاصة القانون 12.90 المتعلق بالتعمير والقانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية، لم يتم تعديلها لمواكبة الرقمنة، إذ لا تزال تنص على الإيداع الورقي والنشر المادي، مما يخلق ازدواجية بين النصوص والواقع العملي.
أما على مستوى المؤسسات، فإن الوكالات الحضرية بموجب المادة 3 من القانون 12.90تضطلع بدور الفحص والمراقبة وإبداء الرأي المطابق في الملفات، وهو ما تتم ممارسته حالياً عبر المنصات الرقمية. في المقابل، تظل الجماعات الترابية صاحبة الاختصاص في منح الرخص، استناداً إلى مقتضيات القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات[23] غير أن تعدد المتدخلين يؤدي أحياناً إلى تأخر في مسار الرقمنة بسبب ضعف التنسيق الرقمي وتفاوت القدرات التقنية بين الوكالات والجماعات.
أما من الناحية التقنية، فإن إدماج نظم المعلومات الجغرافية (SIG) [24]في عمل الوكالات الحضرية يعد من أهم مستجدات الرقمنة، حيث يوفر قاعدة معطيات دقيقة للتخطيط الحضري، ويسهل اتخاذ القرار المبني على المعطيات المكانية. لكن الإشكال يتمثل في غياب إطار قانوني يُلزم جميع الجماعات والفاعلين باعتماد هذه النظم بشكل موحد، مما يؤدي إلى تشتت قواعد البيانات وصعوبة تحقيق انسجام ترابي شامل على خلاف فرنسا، واجهت التجربة الفرنسية تفاوتاً ترابياً واضحاً، إذ أن الجماعات الصغيرة لم تستطع مواكبة الرقمنة بنفس الكفاءة التي أظهرتها المدن الكبرى. إضافة إلى ذلك، شكلت حماية المعطيات الشخصية تحدياً كبيراً، حيث فرضت اللائحة الأوروبية العامة لحماية المعطيات (RGPD) قيوداً صارمة على معالجة ونشر البيانات العمرانية والعقارية[25]وبالتالي، فإن الرقمنة في فرنسا، رغم تطورها، ما زالت تتأثر بالفوارق المجالية وتحديات الخصوصية الرقمية، مما يطرح سؤالاً حول قدرة الرقمنة على تحقيق عدالة عمرانية شاملة.
ثانيا: الممارسة العملية لرقمنة المساطر وإكراهاتها
لقد أبانت التجربة المغربية في رقمنة مساطر التعمير والتجزئات العقارية، من خلال منصة Rokhas.ma وتبني مقتضيات القانون 55.19 بشأن تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية[، عن نتائج إيجابية ملموسة، لكنها في المقابل اصطدمت بجملة من التحديات والإكراهات العملية والمؤسساتية.
1- المكتسبات المحققة
أول ما يُسجَّل هو تقليص آجال معالجة الملفات، إذ أصبح المرتفق قادراً على إيداع وتتبع طلباته رقمياً دون الحاجة إلى التنقل أو الاحتكاك المباشر مع الإدارة، وهو ما ساهم في الرفع من النجاعة والسرعة، كما ساهمت الرقمنة في تعزيز الشفافية ومحاربة الرشوة، عبر تقليص هامش التدخلات الشخصية والقرارات غير المعللة، انسجاماً مع مبادئ الحكامة الجيدة المنصوص عليها في دستور [26]2011، هذا التحول قلّص بشكل ملحوظ من آجال البت في الملفات، وأدى إلى تقليص فرص التدخل البشري غير المشروع
كما يعد القطاع الرقمي منجهة النصوص الخاصة في مجال التعمير والتجزئات العقارية مدخلاً محورياً لتعزيز الشفافية ومحاربة الرشوة، إذ إنها تُمكّن من تتبع الملفات إلكترونياً وتوثيق القرارات بشكل رقمي، بما يقلّص من هامش التلاعب ويحد من الاحتكاك المباشر بين المرتفق والموظف الذي غالباً ما كان مجالاً لطلب الامتيازات غير المشروعة. وقد ساهم اعتماد منصة Rokhas.ma،
و ذلك استناداً إلى مقتضيات القانون 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر، في تقليص آجال معالجة الملفات وربط المسؤولية بالمحاسبة وفقاً لمقتضيات الفصول 27 و154 من دستور 2011، التي تكرس الحق في المعلومة والحكامة الجيدة. غير أن هذه الدينامية لا تخلو من إشكالات عملية، أبرزها محدودية تعميم الرقمنة على جميع الجماعات الترابية، وضعف تكوين الموارد البشرية، فضلاً عن التحدي المزدوج المتمثل في التوفيق بين مطلب الشفافية وحماية المعطيات الشخصية كما يقرها الفصل 24 من الدستور والقانون 09.08. وبذلك يتبين أن الرقمنة تُعتبر خطوة دستورية وتشريعية في اتجاه مكافحة الفساد الإداري، لكنها تحتاج إلى إصلاحات موازية لضمان العدالة المجالية وتأمين استدامة النزاهة في التدبير العمراني.
أما في فرنسا، فقد تم اعتماد منصة PLAT’AU Plateforme des autorisations d’urbanisme بموجب مرسوم 2015-1783 الذي ألزم الجماعات بإيداع ومعالجة رخص التعمير بشكل رقمي[27]لا أن التنفيذ ما يزال في طور التجريب والتدرج، مع تحديات تتعلق بمقاومة الفاعلين المحليين للتغيير، وضعف الموارد التقنية والمالية، ما يجعل التجربة أقل نضجاً مقارنة بنموذج فرنسا وأقرب من المغرب في بداياته.
و في هذا المجال يتطلب إرادة سياسية وتشريعية قوية، وبنية تحتية متطورة، وتكامل بين الرقمنة والتخطيط العمراني الذكي، حتى تتحول من مجرد أداة إدارية إلى رافعة استراتيجية لتحقيق التنمية الحضرية المستدامة.
أما فيما يتعلق بمسألة لتبسيط مساطر الحصول على الرخص العمرانية، حيث أتاحت منصات رقمية مثل Rokhas.ma بالمغرب، وPLAT’AU بفرنسا، إيداع وتتبع الملفات إلكترونياً دون الحاجة إلى تنقلات متكررة أو احتكاك مباشر بالإدارة. هذا التحول أدى إلى تقليص الآجال الإدارية،[28] وهو ما تنص عليه المادة 4 من القانون 55.19 التي ألزمت الإدارات باحترام آجال محددة تحت طائلة اعتبار سكوتها موافقة ضمنية.
والنتيجة المباشرة لذلك هي تعزيز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، وتقوية جاذبية الاستثمار عبر إزالة العراقيل البيروقراطية، وربط التدبير العمراني بمبادئ الشفافية والمساواة كما نص عليها دستور 2011 في فصليه 27 و154[. غير أن هذا المسار يظل رهيناً بمدى تعميم الرقمنة على الصعيد الوطني، وتجاوز الفجوة الرقمية بين الجماعات الترابية الكبرى والصغرى.
2- التحديات والإكراهات
أ- ضعف البنية التحتية الرقمية ببعض الجماعات
تُعدّ الفجوة الرقمية بين الجماعات الترابية من أبرز العراقيل أمام تعميم الرقمنة في التعمير. فبينما تتوفر كبريات المدن على تجهيزات رقمية متطورة، تعاني الجماعات الصغرى والقروية من نقص حاد في الحواسيب، الشبكات، والولوج إلى الأنترنيت. هذا الخلل يمسّ بمبدأ العدالة المجالية الذي نص عليه الفصل 31 من الدستور، ويؤثر على التطبيق الفعلي لمقتضيات القانون 55.19 الذي يهدف إلى ضمان المساواة في تبسيط المساطر لجميع المرتفقين، . وعملياً، يؤدي ذلك إلى استمرار الازدواجية بين الورقي والرقمي، وإضعاف جاذبية الاستثمار في المناطق الأقل تجهيزا وذلك عبر:
الاتجاه الأول متفائل: يرى أن هذه الإشكالية تقنية محضة، يمكن تجاوزها عبر سياسات استثمارية موجهة، وأنها لا تمس جوهر الرقمنة كخيار استراتيجي
أما الاتجاه الثاني نقدي[29] يعتبر أن ضعف البنية التحتية يعكس تمييزاً مجالياً قد يفرغ الحق في الولوج المتكافئ إلى الخدمات من محتواه، ويشكل إخلالاً بمبدأ المساواة أمام المرفق العام كما أقره الدستور و قضائيا كذلك حكمت المحكمة الإدارية بالرباط[30] بتاريخ 15/06/2021 بأن حرمان المرتفق من الولوج للمنصة الرقمية يشكل خرقاً للحق الدستوري في المعلومة الفصل 27.
ب- محدودية التكوين لدى الموارد البشرية
يشكل العامل البشري حلقة أساسية في إنجاح الرقمنة، غير أن عدداً من الموظفين في الجماعات والوكالات الحضرية يفتقرون للتكوين التقني والقانوني اللازم للتعامل مع المنصات الرقمية. هذا الضعف ينعكس في بطء معالجة الملفات وارتكاب أخطاء تقنية، مما يفرغ الرقمنة من مضمونها. كما يتعارض مع مقتضيات الفصل 154 من الدستور الذي يربط المرافق العمومية بمبادئ الحكامة والشفافية، ومع الغاية من القانون 55.19 الذي يفرض آجالا مضبوطة لمعالجة الطلبات، قد ظهررأيين:
فالشق الأول يرى[31] أن الرقمنة يجب أن تُسبق ببرامج تكوين معمقة للموظفين، وإلا فإنها ستبقى حبراً على ورق أو مجرد واجهة تقنية لا تترجم إلى فعالية.
أما الاتجاه الثاني[32] يرى أن الرقمنة قادرة في حد ذاتها على فرض تكوين ذاتي تدريجي، إذ إن المنصات الرقمية تُرغم الموظف على التكيف مع آلياتها بمرور الوقت.
وعلى مستوى الممارسة القضائية [33]اعتبرت المحكمة الإدارية بمراكش (12/10/2020) أن الأخطاء التقنية الصادرة عن الموظفين لا تعفي الإدارة من احترام آجال القانون.
ت- مقاومة بعض الفاعلين للإصلاح الرقمي
تجد الرقمنة أحيانا مقاومة ضمنية من بعض الموظفين أو المستفيدين من الوضع التقليدي، بحكم ما تتيحه البيروقراطية من فرص للرشوة أو التحكم في الملفات. هذه المقاومة تُترجم بتباطؤ في استعمال المنصات أو بالاستمرار في طلب وثائق ورقية خارج الإطار القانوني. ويطرح ذلك إشكالية تتعلق بمدى إلزامية الرقمنة وغياب آليات زجرية ضد من يعرقل تطبيقها، على خلاف النموذج الفرنسي الذي ألزم جميع البلديات منذ 2022 بالمعالجة الرقمية لرخص التعمير بموجب المرسوم 2015-1783، اتجاه الأولسوسيولوجي-قانوني[34]الذي يربط المقاومة بمصالح راسخة داخل الإدارة تستفيد من الغموض والبطء، وبالتالي فإن فرض الرقمنة يحتاج إلى إلزام قانوني وزجر إداري وعلى هذا برز الاتجاه الثاني [35] يفسر المقاومة بغياب التحسيس والمصاحبة المؤسساتية، ويرى أن إشراك الموظفين في تصميم وتفعيل الرقمنة يخفف من هذه المقاومة قضائيا حيث [36]ألزم مجلس الدولة الفرنسي (قرار 2020) البلديات باستقبال ومعالجة الرخص رقمياً، معتبراً الإصرار على الورقي خرقاً للقانون.
ث- مخاطر مرتبطة بحماية المعطيات وأمنها
تتضمن ملفات التعمير والتجزئات العقارية معطيات شخصية وعقارية حساسة، مما يجعلها عرضة لمخاطر الاختراق أو الاستغلال غير المشروع. ورغم صدور القانون 09.08 بشأن حماية المعطيات الشخصية، فإن التطبيق يظل ضعيفا على مستوى الجماعات الترابية لغياب الخبرة التقنية والبروتوكولات الأمنية الملائمة. هذا الوضع قد يمسّ بحق الأفراد في صون حياتهم الخاصة كما أقره الفصل 24 من الدستور.
وتبرز الحاجة إلى تعزيز الأمن السيبراني والتنسيق مع اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية (CNDP) لتفادي ثغرات قانونية وتقنية وذلكعبر التكييف الفقهي فالرأي الأول[37] يعتبر أن القوانين القائمة (مثل القانون 09.08) كافية، لكن العائق يكمن في ضعف التطبيق والرقابة.أما اتجاه الثاني يرى أن تطور الرقمنة يفرض إعادة النظر في الإطار القانوني لحماية المعطيات، وإدماج مقتضيات متقدمة حول الأمن السيبراني والتبادل البيني للمعطيات[38]
وعلى هذا كيفت محكمة النقض المغربية[39] قرار 542/2021 أيدت قرار لجنة حماية المعطيات (CNDP) بوقف منصة جماعية لغياب ضمانات أمنية¹⁶.
كما قضت ايضا المحكمة الإدارية العليا المصرية (12/06/2022)[40]ألزمت وزارة التنمية المحلية باعتماد بروتوكولات أمنية رقمية وفق قانون حماية البيانات
ج- غياب التكامل بين الرقمنة والتخطيط العمراني الذكي.
ان التجربة المغربية حالياً على رقمنة الإجراءات الإدارية (إيداع وتتبع الرخص) دون دمجها في منظومة شاملة للتخطيط العمراني الذكي تعتمد على نظم المعلومات الجغرافية (SIG) والذكاء الاصطناعي. هذا الغياب يحول دون استغلال الرقمنة كأداة استراتيجية لاتخاذ قرارات استباقية في مواجهة الضغط العمراني أو المخاطر البيئية. بينما أظهرت تجارب مقارنة (كفرنسا والإمارات) أن ربط الرقمنة بالتخطيط الذكي يسمح بتطوير مدن مستدامة، وتحقيق تنسيق أكبر بين المتدخلين في السياسات الحضرية
الاتجاه الأول تقني يعتبر أن الرقمنة الحالية مرحلة انتقالية، وستؤدي تدريجياً إلى تكامل مع أدوات التخطيط العمراني الذكي (SIG، الذكاء الاصطناعي
الاتجاه الثاني نقدي:[41] يرى أن الاكتفاء برقمنة الإجراءات الإدارية دون تصور استراتيجي يرسخ اختزال الرقمنة في الجانب البيروقراطي، ما قد يعيق فرص التنمية المستدامة
أما على المستوى القضائي[42] فقد أكد المجلس الدستوري الفرنسي قرار 2018-765 QPC على ضرورة دمج الرقمنة في سياسات حضرية تراعي الحق في الحياة الخاصة.
وعليه بمكن القول من وجهتنا الذاتية أن الرقمنة في مجال التعمير والتجزئات العقارية، وإن كانت قد منحت المرتفق إحساساً أولياً بالشفافية وسهلت عليه الولوج إلى المعلومة والخدمات، فإنها في بعدها الشخصي تطرح تساؤلات عميقة حول العدالة المجالية والقدرة على التكيف مع التحولات الرقمية؛ فالمواطن البسيط في الجماعات القروية أو في الأحياء الهامشية لا يستفيد من نفس مستوى النفاذ الرقمي الذي يحظى به المستثمر أو المهني في المدن الكبرى، وهو ما يخلق نوعاً جديداً من “الفوارق الإدارية الرقمية”. كما أن الموظف العمومي، الذي يفترض فيه أن يكون صلة وصل محايدة وفعالة، يجد نفسه في مواجهة ضغط الآجال وتحديات تقنية قد لا يملك التكوين الكافي لتجاوزها، مما يولد توتراً نفسياً ومقاومة ضمنية للرقمنة. لذلك، فالجانب الشخصي هنا ليس مجرد انعكاس فردي للرقمنة، بل هو معيار أساسي لمدى نجاح الدولة في جعل الرقمنة أداة للإنصاف والاندماج، لا مصدراً جديداً للإقصاء والتمييز، وهو ما يستدعي مقاربة شمولية تدمج التكوين، الدعم النفسي، والتحسيس إلى جانب التقنين القانوني الصارم.
خاتمة:
يتبين من خلال تحليل ورش رقمنة مساطر التعمير والتجزئات العقارية أن المغرب حقق مكتسبات هامة تمثلت في تقليص آجال معالجة الملفات، تبسيط المساطر، تعزيز الشفافية، وتقوية جاذبية الاستثمار العقاري. غير أن هذه المكتسبات ما تزال محدودة بسبب إكراهات عملية ترتبط أساساً بـ: ضعف البنية التحتية الرقمية بعدد من الجماعات الترابية، محدودية تكوين الموارد البشرية، مقاومة بعض الفاعلين للإصلاح الرقمي، مخاطر حماية المعطيات الشخصية، وغياب التكامل بين الرقمنة والتخطيط الحضري الذكي. كما أن البعد الشخصي للرقمنة أبرز أن المرتفق، الموظف والمهني يتأثرون بشكل مباشر بهذه التحولات، سواء إيجابياً عبر تحسين جودة الخدمة، أو سلباً عبر ضغوط جديدة وأشكال خفية من التمييز الرقمي.
إضافة إلى ذلك، كشف العمل القضائي عن دور محوري في تكريس الحقوق الدستورية المتعلقة بالشفافية، الولوج إلى المعلومة، وضمان المرفق العمومي، مما أعطى للرقمنة قوة إلزامية وحدّ من أي محاولة لتعطيلها أو الالتفاف عليها و على هذا يمكن تزكية الموضوع المتواضع بمقترحات وتوصيات الاتية:
- تخصيص استثمارات موجهة لتطوير الشبكات المعلوماتية في الجماعات القروية والهامشية.
- إرساء مبدأ العدالة المجالية الرقمية كأحد ركائز التنمية الترابية.
- اعتماد برامج تكوين مستمر في مجال الرقمنة للموظفين العموميين.
- إدراج وحدات التكوين الرقمي ضمن مسارات تكوين المهندسين والمعماريين والمهنيين المرتبطين بالتعمير.
- تحديث القانون 09.08 بما يواكب التطورات التكنولوجية ومعايير الأمن السيبراني.
- تمكين اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات (CNDP) من صلاحيات أوسع وآليات مراقبة فعلية.
- وضع مكاتب للمساعدة الرقمية داخل الجماعات لفائدة المواطنين غير المتمكنين من التكنولوجيا.
- تنظيم حملات تحسيسية للتعريف بكيفية استعمال المنصات الرقمية.
- ربط الرقمنة بمشاريع المدن الذكية والمستدامة، بدل الاقتصار على تبسيط المساطر.
- اعتماد نظم المعلومات الجغرافية (SIG) كأداة أساسية لتقاطع المعطيات الترابية.
- تشجيع نشر الأحكام القضائية المرتبطة بالرقمنة لتعزيز الأمن القانوني.
- تفعيل آليات الطعن السريع ضد القرارات الإدارية المتصلة بالمنصات الرقمية.
[1] – المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تقرير حول الحكامة الترابية والتعمير، الرباط، 2019
[2] – عادل المعروفي، دور التحزئات العقارية في ضبط المجال العمراني وتوفير السكن الاجتماعي بين النص القانوني واكراهات الواقع، مقال منشور في مجلة المتوسط للدراسات القانونية والقضائية، العدد 4، السنة 2017، ص: 187 ( بتصرف)
[3] – رشيد غيوت، دور المحافظة العقارية الرقمية في تحقيق الأمن العقاري، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية متعددة التخصصات تازة جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس، السنة الجامعية 2023/2024، ص:12
[4] – الرسالة الملكية السامية بتاريخ 23 ابريل 2001 الموجهة الى المشاركين في مناظرة الاستراتيجية الوطنية لإدماج المغرب في مجتمع الاعلام والمعرفة، مجلة انبعاثات امة، الجزء السادس والأربعون، القسم الأول 2001، ص: 331-336
[5] – ظهير شريف رقم 1.20.06 صادر في 24 من جمادى الأولى 1441 (19 يناير 2020) بتنفيذ القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، الجريدة الرسمية عدد 6855 بتاريخ 23 يناير 2020.
[6] -مراد علوي، رقمنة الادارة القضائية بالمغرب- واقع وافاق- مقال منشور على موقعHTTPS://m.marocdroit.com ، تاريخ الاطلاع 03/01/202025، الساعة14:03 مساءا.
[7] – الدليل العملي للمساطروالاجراءات القانونية في ميدان البناء والتعمير، الوكالة الحضرية مكناس، طبعة يوليوز لسنة 2021، ص: 8
[8] – وديع العدوني، المسؤولية الجنائية في جرائم التعمير على ضوء مستجدات قانون 66-12، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة عبد المالك السعدي طنجة، السنة الجامعية 2017-2018، ص: 11
[9] -ظهير شريف رقم 1,92.31، صادر في 15 من ذي الحجة1412 ( 17 يونيو 1992)، بتنفيذ القانون 12.90 المتعلق بالتعمير
[10] – ظهير شريف رقم رقم1.92.7، صادر في 15 من ذي الحجة 1412ه (17 يونيو 1992)، بتنفيذ القانون 25.90، المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4159، بتريخ 14 محرم 1413 ه( 15 يوليوز 1992)، ص: 880-887.
[11] – المواد 6 – 9 من القانون 53.05 بشأن التوقيع الإلكتروني.
[12]– ظهير شريف رقم 1.20.06 صادر في 24 من جمادى الأولى 1441 (19 يناير 2020) بتنفيذ القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، الجريدة الرسمية عدد 6855 بتاريخ 23 يناير 2020
[13] – وزارة الداخلية، تقرير حول تعميم منصة Rokhas.ma، الرباط، 2021.
[14] – المواد 4 و20 من القانون 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية
[15] – القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.09.15 بتاريخ 18 فبراير 2009، الجريدة الرسمية عدد 5711 بتاريخ 5 مارس 2009
[16] – المادة 4 من القانون 55.19
[17] – المادة 1 من القانون 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي
[18] – تقرير اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات الشخصية لسنة 2022، ص. 15-18
[19] – المواد 19 إلى 25 من القانون 12.90 المتعلق بالتعمير
[20] -المواد 1 إلى 6 من القانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات
[21] – وزارة التنمية المحلية المصرية، البيان حول بدء تطبيق منظومة التراخيص الجديدة للبناء، أبريل 2021.
– القانون رقم 119 لسنة 2008 بشأن إصدار قانون البناء الموحد، الجريدة الرسمية المصرية، العدد 19 مكرر (أ)، 11 مايو 2008.
–
[22] – فالقانون رقم 2016-925 الصادر بتاريخ 7 يوليوز 2016 ألزم الجماعات المحلية بتمكين المرتفقين من إيداع طلبات الرخص العمرانية عبر منصات إلكترونية، وهو ما تُرجم بإحداث البوابة الوطنية «PLAT’AU» الخاصة بتدبير ملفات التعمير، والتي تم تعميم استعمالها ابتداءً من فاتح يناير 2022
وقد مكّنت هذه الرقمنة من تجاوز إشكالات المساطر الورقية التقليدية، إذ أصبح بالإمكان إيداع الطلبات، تتبعها، والتواصل بين مختلف المصالح التقنية والإدارية بشكل فوري، مع ضمان الحجية القانونية للوثيقة الرقمية وفق مقتضيات القانون رقم 2000-230 المتعلق بالتوقيع الإلكتروني والمعطيات الرقمية
إضافة إلى ذلك، اعتمدت فرنسا ما يسمى بالتعمير التشاركي الرقمي (Urbanisme participatif numérique)، حيث يتم نشر مشاريع التصاميم (PLU – Plans Locaux d’Urbanisme) على المنصات الرقمية لإبداء ملاحظات العموم إلكترونياً، وهو ما يعزز مبدأ الشفافية والمشاركة المواطنة.
غير أن هذه الرقمنة لم تخلُ من إشكالات، أبرزها التفاوت بين الجماعات المحلية من حيث الموارد التقنية والبشرية، حيث تواجه الجماعات الصغيرة صعوبات في تجهيز بنياتها الرقمية مقارنة بالمدن الكبرى. كما أن حماية المعطيات الشخصية المرتبطة بالملفات العقارية تثير نقاشاً حاداً في ظل تطبيق اللائحة الأوروبية العامة لحماية المعطيات (RGPD) منذ 2018، التي تفرض التزامات مشددة على الإدارات الفرنسية في ما يتعلق بجمع، تخزين، واستعمال المعطيات العقارية والشخصي.
اشار اليه:
- المادة423-3 من Code de l’urbanisme بعد تعديل قانون رقم 2016-925، الجريدة الرسمية للجمهورية الفرنسية، 8 يوليوز 2016.
Loi n°2000-230 du 13 mars 2000, relative à la signature électronique, Journal officiel de la République française.
Règlement (UE) 2016/679 du Parlement européen et du Conseil du 27 avril 2016 relatif à la protection des personnes physiques à l’égard du traitement des données à caractère personnel (RGPD)
[23] – المادة 94 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات، الجريدة الرسمية عدد 6380 بتاريخ 18 شتنبر 2015
[24] – في مصر، شرعت الحكومة منذ 2021 في تطبيق منظومة رقمية لتراخيص البناء في إطار قانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008
– هذه الخطوة هدفت إلى القضاء على العشوائيات وتبسيط الإجراءات، لكنها اصطدمت بعدة صعوبات عملية. أولها ضعف البنية التحتية الرقمية، خاصة في المحافظات البعيدة، مما جعل المنظومة غير متكافئة من حيث التطبيق. ثانيها ضعف التأهيل البشري، حيث لم يتلق الموظفون المحليون التكوين اللازم للتعامل مع المنصات، الأمر الذي دفع المواطنين إلى الاستعانة بمكاتب وساطة تقنية، وهو ما يُضعف فلسفة التبسيط. ورغم أن القانون 18 لسنة 2020 منح حجية أوسع للتوقيع الإلكتروني، إلا أن الثقة الكاملة في الوثيقة الرقمية لم تترسخ بعد أمام القضاء
[25]– Règlement (UE) 2016/679 du Parlement européen et du Conseil du 27 avril 2016 (RGPD).
[26] – يؤكد أحكام الدستور على حق المواطن في الحصول على المعلومة كركيزة للحكامة والإشراف على الإدارة. فتفعيل المنصات الرقمية لتتبع ملفات الرخص يترجم هذا الحق عملياً ويعزز المساءلة والشفافية. ومع ذلك، يجب أن توفَّر ضمانات تبقي نشر المعلومات مقوَّماً دستورياً (أي نشرٌ قانونيٌّ محدّدٌ ومؤمَّن) لا نشرًا عشوائياً قد يمسّ خصوصيات الأشخاص.
– دستور المملكة المغربية لسنة 2011.
[27] – مع تعميم إلزامي منذ فاتح يناير 2022 على جميع البلديات، وذلك استناداً إلى التوجه العام للقانون الفرنسي حول تبسيط العلاقات بين الإدارة والمواطن (2018) وإلى مبادئ دستور 1958 التي تكرس المساواة وحق الولوج إلى المعلومات. هذا الإطار جعل من الرقمنة التزاماً وطنياً شاملاً، وهو ما أدى إلى تقليص آجال دراسة الملفات، وتسهيل الرقابة اللاحقة من طرف القضاء الإداري وهيئات التفتيش، مع الحد من الرشوة المرتبطة بتعطيل المساطر أو التلاعب فيها
[28] – القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية
[29] – أحمد بوز، المرفق العام بين الحق الدستوري والفوارق المجالية، المجلة المغربية للقانون العام، عدد 12، 2020. ص. 77.
[30] – حكم المحكمة الإدارية بالرباط، عدد 345/2021، بتاريخ 15 يونيو 2021 (غير منشور، أوردته تقارير المركز المغربي للدراسات القانونية)
[31] – محمد أقديم، الموارد البشرية ورهان التحول الرقمي في الجماعات الترابية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 165، 2022. ص:112
[32]- Pascal Mbongo, La dématérialisation et l’autoformation des agents publics, Revue française d’administration publique, 2019.p: 89
[33] – حكم المحكمة الإدارية بمراكش، عدد 212/2020، بتاريخ 12 أكتوبر 2020، (أوردته مجلة القضاء الإداري، ع. 11، 2021، ص. 211).
[34] – عبد الحق دهبي، الإدارة المغربية ورهانات محاربة الفساد عبر الرقمنة، سلسلة دفاتر القانون العام، 2020.ص: 56
Dominique Lorrain, La résistance au changement dans les services publics, Presses de Sciences Po, 2018.p :- [35] 113
[36]- Conseil d’État français, décision n° 428318 du 17 juin 2020
[37] – فاطمة الزهراء لخليفي، حماية المعطيات الشخصية والرقمنة في المغرب، المجلة المغربية للقانون، 2021، ص. 203.
Fatima Zahra Lakhlifi, La protection des données personnelles et la digitalisation au Maroc, Revue Marocai- [38] n de Droit, 2021p:210
[39] – قرار محكمة النقض المغربية، عدد 542/2021، بتاريخ 22 أبريل 2021، ملف إداري عدد 1021/4/1/2020 (منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، ع. 82، 2022، ص. 88
[40] – حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية، طعن رقم 35645 لسنة 68 قضائية عليا، جلسة 12 يونيو 2022
Jean-Baptiste Marie, Ville intelligente et planification urbaine: enjeux et limites, Revue Urbanisme, 2020. P:- [41] 75
Conseil Constitutionnel, décision n° 2018-765 QPC du 12 avril 2018.- [42]