القانون 19.12 بين جدلية الحق في حرمة المنزل وحماية حقوق العاملات و العمال المنزليين
- من إعداد : حميدة بنعلال طالبة بماستر القانون المدني و الأعمال- بطنجة-.
تكتسي العلاقات الشغلية أهمية بالغة إن على المستوى الدولي أو الوطني، بالنظر لما تقوم به هذه الشريحة من دور طلائعي داخل المجتمع ،الأمر الذي يجعلها تحظى باهتمام مختلف التشريعات سواء منها الدولية أو الوطنية.
بدءا من “منظمة العمل الدولية” التي استهلت نشاطها في عام 1919م و كرست جهودها للدفع قدما بقضايا العدالة الاجتماعية للنساء و الرجال من خلال العمل اللائق و المنتج في ظروف تسودها الحرية و العدل و الأمن و الكرامة الإنسانية ، كما أن هذه الأخيرة مسؤولة عن معايير العمل الدولية والحفاظ على حقوق العمال.[1]
وذلك انطلاقا من العديد من الاتفاقيات التي عملت على إبرامها في هذا المجال ، و تبنتها معظم الدول منها المغرب من خلال إصداره لمدونة الشغل التي استثنت من مقتضياتها فئة خاصة وهي فئة “خدم البيوت” ، إذ جاء في الفقرة الأولى من المادة 4 انه سيحدث قانون خاص بشروط التشغيل والشغل المتعلقة بخدم البيوت الذين تربطهم علاقة شغل بصاحب البيت. [2]
وقد أوفى المشرع بالوعد الذي قطعه على نفسه في المادة 4 من مدونة الشغل[3] ، حيث صدر القانون رقم 19.12 المتعلق بتحديد شروط الشغل و التشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين بالجريدة الرسمية عدد 6493 يوم 22 غشت 2016 ، حيث عمل هذا القانون على تغيير مصطلح “خدم البيوت” الذي جاءت به المادة 4 من مدونة الشغل بمصطلح العاملات و العمال المنزليين وهو ما يتماشى والتسمية التي وضعتها منظمة العمل الدولية. [4]كما تم تغيير مصطلح “صاحب البيت” حيث وظف المشرع محله مصطلح “المشغل”[5]
و يتكون هذا القانون من 27 مادة موزعة على خمسة أبواب، لكن بالعودة إلى المادة الأخيرة منه نجدها تنص على مايلي “تدخل أحكام هذا القانون حيز التنفيذ بعد انصرام اجل سنة ابتداءا من التاريخ الذي تنشر بالجريدة الرسمية النصوص اللازمة لتطبيقه”
انطلاقا من هذه المادة نجد أن تطبيق مقتضيات هذا القانون رهين بمرور سنة على نشر نصوصه التنظيمية بالجريدة الرسمية ، وهذا ما تم بالفعل حيث صدرت المراسيم التالية:
- مرسوم رقم 2.17.355 صادر 9 ذي الحجة 1438 _31 أغسطس 2017 بتحديد نموذج عقد العمل الخاص بالعاملة أو العامل المنزلي.
- مرسوم رقم 2.17.356 صادر في6 محرم 1439 _27 سبتمبر 2017 بتتميم لائحة الأشغال التي يمنع فيها تشغيل العاملات والعمال المنزليين المتراوحة أعمارهم بين 16 و18 سنة.
وقد صادف 2 أكتوبر 2018 يوم دخول هذا القانون حيز التنفيذ فهو إذن يوم انتصار لفئة العاملات و العمال المنزليين.
لكن هذا القانون بقدر ما له من ايجابيات ، فانه سيطرح مجموعة من الإشكاليات شانه في ذلك شان كل القوانين في شتى المجالات لا يمكن أن يخلو من نواقص، ومن الأمور التي برزت خاصة من لدن المنظمات الحقوقية منذ صدور هذا القانون في الجريدة الرسمية إشكالية “حرمة المنزل و حماية حقوق العاملات و العمال المنزليين”، والذي يرجع بالأساس لخصوصية المجتمع المغربي و تقاليده ، ومن هذا المنطلق يمكن طرح الإشكالية التالية:
إلى أي حد استطاع المشرع المغربي التوفيق بين الحق في حرمة المنزل وحماية حقوق العاملات و العمال المنزليين ضمن قانون 19.12 ؟
هذه الإشكالية تتفرع عنها سؤالين فرعيين ::
- كيف تعامل المشرع مع إشكالية الحق في حرمة المنزل وحماية حقوق العاملات و العمال المنزليين؟
- ما هي ابرز الاقتراحات التي جاءت بها منظمة العمل الدولية فيما يخص تفتيش المنازل ؟
المحور الأول : إشكالية الحق في حرمة المنزل وحماية حقوق العاملات والعمال المنزليين ضمن قانون 19.12.
شكل قانون 19.12 طفرة لا مثيل لها في العلاقة الشغلية كما جاء على لسان وزير التشغيل و الشؤون الاجتماعية “عبد السلام الصديقي” هذا النص يشكل طفرة نوعية في مجال تعزيز الحقوق الأساسية لهذه الفئة الهشة من مجتمعنا وذلك عبر وضع إطار ملائم يوفر لهم حماية قانونية ظلت غائبة لعدة عقود .
الأمر الذي انعكس سلبا على وضعيتهم، وأدى إلى ترسيخ ممارسات عملية يندى لها الجبين وكذا انتشار ظواهر سلبية نجم عنها تشغيل الطفلات القاصرات واستغلالهن في أشغال شاقة تحد من نموهن العقلي و الجسدي، كما ساهمت في انتشار الأمهات العازبات واستفحال ظاهرة أطفال الشوارع..” [6]
فبالرجوع إلى مقتضيات هذا القانون نجده قد حقق مكاسب قانونية تحسب له لفئة العاملات و العمال المنزليين تمثلت بالأساس فيما يلي:
- ضرورة تشغيل العاملة أو العامل المنزلي بمقتضى عقد عمل محدد المدة أو غير محدد المدة يعده المشغل وفق نموذج يحدد بنص تنظيمي. [7]
- تحديد الحد الأدنى لسن تشغيل الأشخاص بصفتهم عاملات لو عمال منزليين في 18 سنة، مع وجود فترة انتقالية منها خمس سنوات تبتدئ من تاريخ 2 أكتوبر تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ تشغيل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و 18 سنة بصفتهم عاملات و عمال منزليين[8]
- تحديد مدة العمل، الراحة الأسبوعية، العطلة السنوية وأيام العطل ضمن الباب الثالث منه.
وقد انيطت بالأعوان المكلفون بالشغل تطبيق مقتضيات هذا القانون وذلك بالنظر للأدوار المخولة لهم، و المثمتلة بالأساس في تلقي الشكايات التي يتقدم بها كل من العاملة أو العامل المنزلي ضد المشغل أو المشغل ضد عاملته أو عامله المنزلي في كل ما يخص تنفيذ عقد العمل المبرم بينهما. [9]
ومن منطلق المكان الذي تزاول فيه هذه الفئة عملها –المنزل-، وكذا الأدوار المخولة للأعوان المكلفين بتفتيش الشغل، عارض الحقوقيون و بشدة تدخلهم و اعتبروا ذلك مس بالحق في حرمة المنزل باعتبار هذا الحق مكفول دستوريا بمقتضى الفصل 24 من دستور2011 “لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة لا تنتهك حرمة المنزل ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط و الإجراءات التي ينص عليها القانون”
كما أن الشريعة الإسلامية بدورها منحت للإنسان الحق في حرمة مسكنه لقوله تعالى “يا أيها الذين امنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها” [10]
بالعودة إلى القانون 19.12 وخاصة المادة 3 منه نجدها قد ذكرت الأدوار التي سيقوم هذه الأعوان المكلفون بالشغل وبينت الكيفية التي تتم بها حيث أكدت على ما يلي :
– إجبارية إيداع نظير لدى مفتش الشغل بمعنى” كل أسرة عليها أن تقوم بعقد و تحرره في ثلاثة نظائر، مفتش الشغل إذا تبين له أن العقد يتضمن مقتضيات مخالفة لأحكام هذا القانون فانه يثير انتباه الطرفين إلى وجود هذه المقتضيات المخالفة قصد مراجعة العقد و تعديله”.
– تلقي الشكايات التي يتقدم بها كل من العاملة أو العامل المنزلي ضد المشغل أو المشغل ضد عامته أو عامله المنزلي في كل ما يخص تنفيذ عقد العمل المبرم بينهما.
يقوم مفتش الشغل بإجراء محاولات الصلح بين الطرفين يتم تضمينها محضر يوقعه الطرفان، وعند تعذر الصلح يتم تحرير محضرا في الموضوع يسلم إلى العاملة أو العامل المنزلي، ليدلي به إذا قرر اللجوء إلى المحكمة المختصة قصد البث في النزاع.
كما يمكن لمفتش الشغل في حالة معاينة مخالفة أحكام هذا القانون تحرير محضر في الموضوع يحيله للنيابة العامة.
فانطلاقا من مقتضيات هذا القانون يتبين أن هناك نوع من الاحترام للحق في حرمة المنزل لكون أن العاملات أو العمال المنزليين، وكذا المشغل سيباشران الإجراءات التي سبق الحديث عنها لدى مكتب مفتش الشغل،ما عدا تحرير المحضر الذي سيحيله للنيابة العامة في حالة مخالفة مقتضيات هذا القانون.
المحور الثاني : اقتراحات منظمة العمل الدولية فيما يخص تفتيش المنازل.
تعد منظمة العمل الدولية من أهم المنظمات التي اهتمت بحماية حقوق العاملات و العمال المنزليين، وذلك عن طريق إصدار مجموعة من الاتفاقيات، من بينها اتفاقية العمال المنزليين رقم 189 لعام 2011، و دخلت هذه الأخيرة حيز التنفيذ 5 شتنبر 2013 مانحة حقوقا للعمال المنزليين في جميع أنحاء العالم.
وحتى سنة 2013 يوجد قرابة 53 مليون عامل منزلي في العام ويزداد هذا الرقم الذي يشكل النساء 83 في المائة منه باطراد في جميع الدول المتقدمة و النامية.
ومنذ اعتماد هذه الاتفاقية اقر العديد من الدول لوائح أو قوانين جديدة تحسن القوانين الاجتماعية والعمالية للعمال المنزليين، ومن هذه الدول فنزويلا، البحرين ،الفلبين ،تايلاند، اسبانيا و سنغافورة كما بادرت كل من فلندا، تشيلي، الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى منها المغرب إلى إجراء إصلاحات تشريعية[11]
لكن، تنزيل قانون العمال المنزليين في كل هذه الدول تكتنفه مجموعة من الصعوبات من بينها “تفتيش العمل”، فبالرغم من أنه أمر أساسي لضمان تنفيذ قوانين العمل إلا أن مسالة السماح لمفتشي العمل بولوج المنازل يطرح مشاكل بسبب التعارض الذي ينشا عنها مع الحق في الخصوصية و حرمة المنزل، وفي هذا الصدد نصت المادة 17 من الاتفاقية رقم 189 على ما يلي :
” 1- تضع كل دولة عضو آليات ووسائل فعالة ويسهل الوصول إليها لتقديم الشكاوى، بهدف ضمان الامتثال للقوانين و اللوائح الوطنية لحماية العمال المنزليين.
2- تضع كل دولة عضو وتنفذ تدابير لتفتيش العمل و الإنفاذ والعقوبات، مع ايلاء الاعتبار الواجب للسمات الخاصة بالعمل المنزلي وفقا للقوانين و اللوائح الوطنية.
3- تحدد هذه التدابير، بقدر ما يكون ذلك متماشيا مع القوانين و اللوائح الوطنية،الظروف التي يجوز بموجبها السماح بالدخول إلى منزل الأسرة،مع ايلاء الاحترام الواجب للحياة الخاصة.”
كما قام خبراء منظمة العمل الدولية بدراسة سنة 2006 وانتهوا في هذه الدراسة بحلول يمكن عن طريقها تجنب سوء هذا التعارض منها:
– الحصول على إذن من صاحب العمل
– إذن مسبق من سلطة قضائية.
كذلك يمكن للمفتشين نشر معلومات من خلال وسائل الإعلام من الدخول إلى أماكن العمل، ويمكن تشجيع وسائل أخرى للوصول إلى العمال المنزليين من قبيل: نقابات العمال والمنظمات غير الحكومية التي تتوفر لديها خطوط للطوارئ لفائدة العمال المنزليين ومكاتب المساعدة، وكذلك توفير آليات فعالة لتقديم الشكاوى وفرض عقوبات مناسبة تعد أمور ضرورية كذلك.[12]
يتضح من خلال ما تقدم أن القانون رقم 19.12 بتحديد شروط الشغل و التشغيل المتعلقة بالعاملات و العمال المنزليين الذي دخل حيز التنفيذ يوم 2 أكتوبر2018، شكل طفرة نوعية لهذه الفئة من المجتمع وأخرجها من القطاع الغير مهيكل إلى القطاع المهيكل، لكن تطبيقه السليم عامة وإقامة التوازن ما بين مصلحتين –حق المشغل في حرمة منزله و حماية حقوق العاملات و العمال المنزليين خاصة رهين بالعديد من الأمور منها مايلي :
- القيام بحملات تحسيسية تبين على الخصوص التزامات و حقوق كل من المشغل و العاملات و العمال المنزليين،وكذا الدور الذي أنيط بمفتش الشغل في هذا الصدد.
- أن يلعب الإعلام دوره في التحسيس بوجود هذا القانون وبمقتضياته.
- وضع آليات لتنزيل هذا القانون على ارض الواقع( كالرفع من عدد الأعوان المكلفين بتفتيش الشغل، وجود مساعدات اجتماعيات تساعد مفتشي الشغل على القيام بمهامه…)
- توعية الأسر بمقتضيات هذا القانون باعتبارها الفئة المستهدفة فيه.
لائحة المراجع :
- ندوة حول موضوع”الحكامة القضائية على ضوء المستجدات التشريعية” يوم 25 ماي 2016 ببيت الصحافة بطنجة ، مداخلة ذ.رشيدة احفوض “قراءة في مشروع قانون العاملات العمال المنزليين رقم 19.12
- مقال ذ.نور الدين حمضي “القانون 19.12 أية حماية للعمال المنزليين؟ ” منشور بمجلة القانونية.
- الاتفاقية رقم 189 المتعلقة بالعمل اللائق للعمال المنزليين
- كلمة السيد عبد السلام الصد يقي وزير التشغيل و الشؤون الاجتماعية بمناسبة دراسة مشروع القانون رقم 19.12 بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات و العمال المنزليين.
- المادة 3 من القانون 19.12 بتحديد شروط الشغل و التشغيل المتعلقة بالعاملات و العمال المنزليين
- المادة 6 من القانون 19.12 بتحديد شروط الشغل و التشغيل المتعلقة بالعاملات و العمال المنزليين
- المادة 22 من القانون 19.12 بتحديد شروط الشغل و التشغيل المتعلقة بالعاملات و العمال المنزليين
- علي صالح رشيد الوهيبي” الحماية الجنائية للحياة الخاصة للإنسان في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية”رسالة لنيل دبلوم الماجستير الرياض
- مقال بعنوان”العمال المنزلين استراتيجيات للتغلب على سوء التنظيم-الصعوبات التي يطرحها تفتيش العمل-منشور بموقع منظمة العمل الدولية جنيف.
- محمد القاسمي”قراءة في مضامين القانون المتعلق بالعمال المنزليين رقم 19.12″مقال منشور بمجلة القانون و الأعمال 24 شتتنبر 2018.
- (1) محمد الظرافي حول “منظمة العمل الدولية” منشور على الموقع الالكتروني التالي WWW.ye.one.un.org
- ندوة حول موضوع”الحكامة القضائية على ضوء المستجدات التشريعية” يوم 25 ماي 2016 ببيت الصحافة بطنجة ، مداخلة ذ.رشيدة احفوض “قراءة في مشروع قانون العاملات العمال المنزليين رقم .19.12[2]
- ذ.نور الدين حمضي “القانون 19.12 اية حماية للعمال المنزليين “منشور بمجلة القانونية[3]
- الاتفاقية رقم 189 المتعلقة بالعمل اللائق للعمال المنزليين [4]
- محمد ألقاسمي”قراءة في مضامين القانون المتعلق بالعمال المنزليين رقم 19.12″مقال منشور بمجلة القانون و الأعمال 24 شتتنبر 2018 [5]
- كلمة السيد عبد السلام الصد يقي وزير التشغيل و الشؤون الاجتماعية بمناسبة دراسة مشروع القانون رقم 19.12 بتحديد شروط الشغل و التشغيل المتعلقة بالعاملات و العمال المنزليين.[6]
- المادة 3 من القانون 19.12 بتحديد شروط الشغل و التشغيل المتعلقة بالعاملات و العمال المنزليين[7]
- المادة 6 من القانون 19.12 بتحديد شروط الشغل و التشغيل المتعلقة بالعاملات و العمال المنزليين[8]
- المادة 22 من القانون 19.12 بتحديد شروط الشغل و التشغيل المتعلقة بالعاملات و العمال المنزليين[9]
- علي صالح رشيد الوهيبي” الحماية الجنائية للحياة الخاصة للإنسان في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية”رسالة لنيل دبلوم الماجستير أكاديمية نليف العربية للعلوم الأمنية الرياض ص 40. [10]
- www.ilo.org موقع منظمة العمل الدولية [11]
- مقال بعنوان”العمال المنزلين استراتيجيات للتغلب على سوء التنظيم-الصعوبات التي يطرحها تفتيش العمل-منشور بموقع منظمة العمل الدولية جنيف.[12]