حفيظ ديدون: معضلة التحولات الديمقراطية في ظل الأزمات الاقتصادية: تونس نموذجا.
حفيظ ديدون كلية العلوم القانونية والاقتصادية المحمدية- جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، المغرب.
The Delimma of Democratic Transitions in light of Economic Crises: The Tunisia Model.
الملخص التنفيذي:
تناقش هذه الورقة أحد التحديات المرتبطة بالتحول الديمقراطي، والمتمثلة في الأزمة الاقتصادية التي تعرفها اقتصادات دول التحول خلال هذه المرحلة الموسومة بعدم اليقين المؤسسي، وذلك لاستكشاف مدى مساهمة تلك الأزمات والتدابير المتخذة لمواجهتها في فرص نجاح التحول أو فشله، انطلاقا من سياق تعامل الحكومات المنتخبة مع الازمة. ومن خلال النموذج التونسي الذي بنيت عليه آمال وأحلام شعوب كثيرة في العالم العربي، ستختبر تأثير الأزمة الاقتصادية وارتدداتها الاجتماعية والسياسية في سياق المعالجة الحكومية لهذه الازمة، على التحول الديمقراطي في تونس، انطلاقا من المسار الجديد الذي اتخذه الرئيس المنتخب، و تأثير ذلك المسار على التجربة الديمقراطية الفتية.
كلمات مفتاحية: التحولات الديمقراطية- الأزمة الاقتصادية- التحول الديمقراطي في تونس- الازمة الاقتصادية التونسية.
This paper discuses one of the challenges associated with the democratic transition, whish is represented in the economic crisis that transition countries are experiencing during this phase marked by institutional uncertainty, this is to explore the extent to whish these crises and the mesures taken to confront them contribute to the chances of success or failure of the transition, based on the context of the elected governments’ dealings with the crisis. Through the Tunisian model on whish the hopes and dreams of many peoples in the Arab world were built; we will test the impact of the economic crisis and political repercussions in the context of the government’s handling of this crisis on the democratic transition in Tunisia, based on the new path taken by the young president, and the impact of that path on the young democratic experience.
Keywords ; Democratic Transitions – Economoic crisis- Democratic Transition in Tunisia- Tunisian Economic Crisis.
مقدمة:
تشير تجارب التحولات الديمقراطية التي جرت وتجري في بلدان عديدة، إلى عدم يقينية المرحلة الانتقالية ومآلاتها؛ ففي حين استطاعت نماذج عديدة تكريس وترسيخ النظام الديمقراطي بعد مرحلة التحول، انتكست تجارب أخرى وعادة إلى الحكم الاستبدادي والسلطوي، وفشلت بذلك المرحلة الانتقالية بما تحمله من آمال الحرية والعيش الكريم؛ فتحولت هذه المرحلة بطموحاتها وآمالها إلى مرحلة من الاضطراب السياسي وغياب الاستقرار، وتعدد الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.
ساهم الفشل الديمقراطي في عدة تجارب ببلدان العالم النامي إلى تحول الاهتمام الأكاديمي لعلم التحول من البحث حول الشروط المسبقة للديمقراطية،[1] إلى البحث في محددات استدامة الديمقراطية بعد قيامها،[2] وهذا التحول في الاهتمام الأكاديمي نابع من انهيار بعد الديمقراطيات ونكوصها مرة أخرى إلى الحكم الاستبدادي، ومن ضحالة وعقم بعض النماذج الديمقراطية التي تم تبنيها بعد الموجة الثالثة للتحول؛[3] خاصة في ما يتعلق في مواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لمواطنيها.
يرتبط غالبا نجاح أو فشل مرحلة التحول الديمقراطي بمحددات عديدة، وتقدم لنا أدبيات علم التحول « transitologie » إرثا غنيا في هذا المجال، حيث تختلف وتتنوع محددات وجود الديمقراطية واستدامتها كما أشارت إليها أديبات كثيرة؛ من الثقافة المدنية، وهو إرث غني بالدراسات الأكاديمية منذ توكفيل[4] مرورا بسيديني فيربا وكابرييل ألموند،[5] إلى المحددات المرتبطة بالطبقات الاجتماعية،[6] والمحددات الاقتصادية والاجتماعية والإرث الديمقراطي، والمجتمع التعددي والتركيبة السكانية، وحجم الدولة، ووجود الأزمات الاجتماعية والاقتصادية…الخ، ولا يسعنا المقام هنا للوقوف على كل هاته المحددات والشروط المصاحبة للديمقراطية والتي تعمل على ترسيخ الديمقراطية واستدامتها أو تعمل في سقوطها وانهيارها، لذلك سنفحص في هذه المقالة محدد دال تم الاستشهاد به كثيرا في تفسير انهيار الأنظمة الديمقراطية وحتى الأنظمة الاستبدادية على حد السواء، ويتعلق الأمر هنا، بالأزمات الاقتصادية التي تعصف بالكثير من اقتصادات البلدان في طور التحول الديمقراطي، أو تلك التي تعرف اضطرابات سياسية وعدم استقرار سياسي.
تثير العلاقة بين الازمة الاقتصادية والانهيار الديمقراطي الكثير من النقاش العلمي، وفيما كانت تطرح في السابق كأحد الدوافع والأسباب لانهيار الأنظمة الاستبدادية، باتت حاليا تقدم كأحد الأسباب في تغيير النظام في الاتجاه المعاكس؛ أي من الديمقراطية إلى الاستبداد. تكرس الاستدلال بهذا المحدد بعدما عرفت دول عديدة جربت الديمقراطية حديثا انهيارا لتجاربها الديمقراطية في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تعاني منها، كفنزويلا، وروسيا، والبيرو وتايلاند ومجموعة من الدول الإفريقية… وقد تمت هذه الانهيارات للعملية الديمقراطية بواسطة قادة منتخبين، ساعدتهم ظروف الأزمة الاقتصادية من اعتلاء السلطة، ومكنتهم سلطاتهم التي حازوا عليها بواسطة الإرادة الشعبية من اتخاذ قرارات سياسية لتقييد المنافسة والتعددية، أدت في النهاية إلى تدنيس المؤسسات الديمقراطية الفتية في هذه الدول والعودة مرة أخرى إلى الحكم الاستبدادي، القائم على حكم الفرد شبه المطلق، وتقييدا كبيرا للحريات المدنية والسياسية.
تقدم لنا تونس نموذجا مثاليا للتحولات الديمقراطية التي تمت في ظل أوضاع اقتصادية غير مواتية؛ حيث بالرغم من أن الانتقال إلى النظام الديمقراطي الذي تم بعد الثورة قد أرسى دعائم الحريات السياسية والمدنية من خلال الدستور والمؤسسات الديمقراطية، إلا أن ظروف المرحلة وتجاذباتها وغياب الاستقرار السياسي، بالإضافة إلى الظروف الإقليمية الصعبة، أثرت على الاقتصاد التونسي وعمقت الأزمة الاقتصادية، وذلك في ظل غياب أي استراتيجية حكومية واضحة للخروج منها، فكان تأثير هذه الأزمة واضحا على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمواطن التونسي، مما زاد من خنق الشعب التونسي تجاه الأحزاب والطبقة السياسية؛ فكان رد الفعل الشعبي هو دعم أفراد للوصول إلى السلطة من خارج الطبقة السياسية التقليدية التي ظهرت بعد الثورة، باعتباها بديلا غير مجرب. لقد كان انتخاب الرئيس قيس سعيد مرحلة تحول جديدة في تونس، مستفيدا بذلك من سؤم الشعب التونسي من الطبقة السياسية التي قادت المرحلة الانتقالية نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية المتردية، ومن ظروف السياق الاقليمي المعاكس لأي تغيير ديمقراطي في المنطقة، فاتخذ بذلك قرارات سياسية والتي تم أغلبها في غياب أي سند دستوري، تبدو أنها تسير بالنظام السياسي ناحية الاستبداد مرة أخرى، ومن هنا تنبع أهمية هذا البحث في كونه يعالج معضلة التحول الديمقراطي الذي تم في تجارب عدة، وذلك بالبحث في ظروف هيكلية مححدة؛ خاصة في نموذج عربي، دائما ما تطرح فيه “الاستثنائية العربية”[7] كمسلمة مسبقة لتفسير غياب الديمقراطية وفشلها، ومن ثم فإن هذه الدراسة تقوم على إشكالية التحول الديمقراطي في ظل ظروف الأزمة الاقتصادية، وانعكاس مسار هذه الأزمة على التحول إلى الديمقراطية. سنقوم بالاجابة على هذه الاشكالية من خلال الاعتماد على المنهج التحليلي الاستنباطي القائم على أسلوب دراسة الحالة، والمنهج المقارن، وذلك انطلاقا من فرضيتين اثنتين:
- تساهم الأزمة الاقتصادية في الانهيار الديمقراطي، وتونس لم تكن استثناءا من ذلك.
- الاجراءات المتخذة لمواجهة الأزمة الاقتصادية من قبل الحكومات المنتخبة هي المحدد لانهيار الديمقراطية أو بقاءها.
تفرض عليها الاجابة على الاشكالية وفحص الفرضيات معالجة الموضوع في مبحثين، سنخصص للأول الانهيارات الديمقراطية التي تمت في ظل ظروف الأزمة الاقتصادية من خلال الوقوف على حجم الانهيارات الديمقراطية، والدراسات التي قاربت الموضوع، فيما سنخصص للثاني البحث في النموذج التونسي، وإيضاح حجم الأزمة الاقتصادية وتأثير ذلك على التحول الديمقراطي في هذا البلد.
المبحث الأول: الانهيار الديمقراطي وأسبابه.
تعددت تجارب الدول التي عرفت انهيارا للعملية الديقراطية بعد فترة من قيامها بالتحول الديمقراطي وقد تمت هذه الانهيارات في ظل تراجع الديمقراطية عالميا، وتطرح عدة أسباب ومحددات لهذا الفشل؛ وهي عديدة ومتنوعة، لذلك سنختبر المحدد المرتبط بالأزمات الاقتصادية وتأثيره على بقاء الديمقراطية أو انهيارها في فترة ما بعد التحول الديمقراطي.
أولا: الانهيارات الديمقراطية خلال الموجة الثالثة.
تزامنت التحولات الديمقراطية التي جرت أثناء الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي، مع التحولات الهيكلية التي عرفتها اقتصادات كثير من دول العالم النامي في الثماينينات،[8] نتيجة ارتفاع المديونية وحديتها. أدى هذا التزامن إلى بروز تحديات كبيرة للسطات الانتقالية أثر على استقرارها السياسي[9]؛ حيث كثيرا ما كان الحزب الذي أدار المرحلة الانتقالية يفشل في النجاح بالانتخابات التالية، هذا إن لم يختفي عمليا، وقد حصل ذلك في اسبانيا والبرتغال واليونان والارجنتين وبوليفيا والبرازيل والإكوادور والبيرو والاوروغواي وكوريا والفيلبين[10] وتونس. أدى غياب الاستقرار السياسي للحكومات المنتخبة في كثير من دول التحول الديمقراطي، إلى عدم متابعة الحكومات المنتخبة للسياسات الاقتصادية الهادفة إلى مواجهة الأزمة الاقتصادية، ساهم هذا الفشل الحكومي والحزبي في نماذج عديدة إلى ارتدادت سياسية انعكست سلبا على نموذج التحول الديمقراطي وأعاقته، نتيجة استمرار سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، لكن في نماذج أخرى أدرات الحكومات الانتقالية المرحلة بكفاءة.
في تفسيره لإتجاهات الاصلاح الاقتصادي في أمريكا اللاتينية، وجد غييرمو أودونيل، أن الدول التي لم تتبع سياسات اقتصادية متطرفة (الاورغواي والشيلي)، كانت في حالة استعادة الديمقراطية، بعد فترة من الحكم العسكري، حيث بمجرد استعادة الديمقراطية شرع الكونغرس في الأوروغواي مثلا، بالعمل بفاعلية، ولم يكن في وسع أي رئيس أوروغوياني إقرار سياسة اقتصادية متطرفة… لذلك يتضح الفرق بين امتلاك أو عدم امتلاك شبكة من القوى المؤسسية الفاعلة التي تؤمن قاعدة لعملية صنع السياسة[11]؛ فالخبرة السياسية[12] للعمل الديمقراطي ساعدت هذه البلدان في توطيد سريع نسبيا للمؤسسات الديمقراطية. لذلك كانت هذه الحالات هي أكثر النماذج نجاحا في سياستها الاقتصادية، حيث تابعت الحكومات السياسة الاقتصادية تدريجيا، وتمت مناقشة معظمها في البرلمان مع مختلف الجماعات؛ فلم تكن لها تبعات اجتماعية كبيرة على باقي أفراد الشعب. يقدم “روبرت كوفمان” و”ألفريد استيبان” حجة أخرى لتفسير خيارات السياسات الاقتصادية للحكومات المنتخبة؛ حيث تكون خيارات السياسات الاقتصادية مريحة لتك التي ورثت أوضاع اقتصادية جيدة عن أسلافها التسلطيين، كحالات التحول الديمقراطي في كوريا وتايوان، في حين تكون خيارات السياسات الاقتصادية صعبة ومحدودة في التحولات الناتجة عن أزمة النظام الاستبدادي كالتحول الذي وقع في الفليبين والأوروغواي…[13]
غير أن هذا المحدد الدال لانهيار الديمقراطية في بلدان العالم النامي لا يخفي مححدات أخرى لترسيخ النظام الديمقراطي ومنع الارتداد مرة أخرى إلى الحكم السلطوي، فقد تكون نماذج التحولات الديمقراطية في حاجة إلى الثقافة السياسية المدنية[14] والتوافق السياسي وتعزيز المؤسساتية[15]، ومزيدا من توسيع المشاركة، كما قد تكون في حاجة إلى مزيد من النمو وتراكم الدخل القومي وزيادة الدخل الفردي، وتجاوز الأزمات الاقتصادية[16]، والاجتماعية التي ورثتها الديمقراطية الجديدة عن أسلافها الاستبداديين، ومحاربة الفساد والفقر وكبح التفاوت الاجتماعي، أو تعزيز دور مؤسسات الرقابة والمحاسبة، أو ربما في السيطرة المدنية على الجيش والقوات المسلحة، أو في مزيد من تعزيز حكم القانون و الشفافية.
على أي حال، تشير تقارير منظمة بيت الحرية إلى أن العالم منذ سنة 2006 دخل في حالات ركود ديمقراطي طويل، كانت هناك عدة أسباب لهذا الركود، أشار لاري دايموند إلى أربع أسباب تتمثل في تزايد معدل الانهيارات الديمقراطية، ثانيا؛ تدهور جودة واستقرار الديمقراطية في العالم، خاصة في دول الأسواق الناشئة ( كالهند، وجنوب إفريقيا وتركيا…) أو كما يسميها لاري دايموند “الدول المتأرجحة”، ثالثا؛ تعمق الاستبداد بما في ذلك الدول المهمة والقوية من الناحية الاستراتيجية (كالصين وروسيا، والسعودية وإيران…)، رابعا؛ يبدوا أن الديمقراطيات الراسخة، بدءا من الولايات المتحدة الأمريكية تعمل بشكل سيء وتفتقر إلى الإرادة والثقة بالنفس لتعزيز الديمقراطية بشكل فعال في الخارج[17].
من جهة أخرى، زادت الانهيارات الديمقراطية التي تتم من طرف قادت منتخبين أسعفهم مركزهم السياسي لاتخاذ قرارات، أعادت النظام الديمقراطي إلى الاستبداد مرة أخرى، مقابل تراجع الأشكال التقليدية القائمة على الانقلابات العسكرية. إذ يمكن أن تقع الانهيارات الديمقراطية نتيجة الانقلابات الذاتية التي يقوم بها الرؤساءّ؛ كالانقلاب الذاتي للرئيس فيجموري في البيرو، أو بالإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد، بحل البرلمان والحكومة واستئثاره بالقرار السياسي في البلاد، حيث يتم استخدام السلطة لتدنيس المؤسسات والممارسات الديمقراطية من قبل قادة منتخبين ديمقراطيا، وقد اتخذ ذلك أشكال متعددة كتزوير الانتخابات وتغيير في قواعدها، أو الخنق التدريجي للديمقراطية والتضييق على الحريات وسيادة القانون.[18]
في دراسة حديثة قدمت باربرا غيدس وأخرون،[19] مسحا شاملا لصعود الأنظمة الديكتاتورية الحديثة؛ فوجدت أن التحولات نحو الحكم الديكتاتوري كانت تتم غالبا عبر الانقلابات العسكرية، غير أن التحول نحو الديكتاتورية كان أيضا يتم عبر حزب فاز بانتخابات حرة ونزيهة، “قبل أن يستخدم سلطاته لتمرير تشريعات وقوانين لتحجيم المعارضة، ومن ثم يقود حكومته نحو الديكتاتورية”[20]، حيث تقوم حكومة منتخبة ديمقراطيا بتحويل نفسها ناحية الاستبداد، عادة من خلال منع المعارضة، واعتقال قادتها، أو إغلاق الهيئة التشريعية وخرق حقوق المعارضة وتزوير الانتخابات[21]، كما حدث في روسيا سنة 2000، وغينيا بيساو سنة 2002 وفنزويلا سنة 2004، و في أوكرانيا سنة 2012 وكينيا سنة 2007… وعلى العكس الانقلابات العسكرية التي تقوم على تهديدات ذات مصداقية باستخدام العنف المسلح، فإن المجموعات المنتخبة تستخدم استراتيجية وجودها في السلطة وتحكمها في أنظمة التشريع والقضاء؛ فتقوم عبر إجراءات قانونية أو تشريعية بحظر المعارضة[22] والتضييق على المنافسة، و خنق الحريات المدنية والسياسية لتضمن سيطرتها على الانتخابات.
إذن، ما الذي يدفع بعض الحكومات المنتخبة ديمقراطيا لكي تنحو نحو الحكم الاستبدادي؟.
في مثل هذه الحالات غالبا ما تكون المؤسسات الديمقراطية مثل الأحزاب السياسية والبرلمانات ضعيفة التطور، وتفتقر البيروقراطية إلى الخبرة السياسية، والأكثر من ذلك، الاستقلالية والسلطة لإدارة الاقتصاد بشكل فعال. يؤدي ضعف الأداء الاقتصادي وتزايد عدم المساواة في تفاقم مشاكل إساءة استخدام السلطة وتزوير الانتخابات وانتهاك قواعد اللعبة الديمقراطية[23]؛ ففي روسيا تقلصت مساحة المعارضة تدريجيا، ونشاط المجتمع المدني الخارج عن سيطرة السلطات الحاكمة نتيجة استفحال الأزمة الاقتصادية[24]، كما اتخذت السلطات الحاكمة في فنزويلا نفس النهج في التضييق على المعارضة وحجب وسائل الإعلام المعارضة، والتضييق على المنافسة في الانتخابات، فكان الانحدار الديمقراطي يتم تدريجيا في هذين الدولتين إلى أن تحولتا نحو الاستبداد مرة أخرى، ويبدو أن تونس تسير نحو ذلك الطريق في تقييد الديمقراطية من خلال الاجراءات التي اتخذها الرئيس المنتخب، بحل البرلمان والحكومة واستئثاره بجميع السلطات، نتيجة لاستفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، ويكمن العامل الواحد بين هذه النماذج هو عدم قدرة الحكومات الديمقراطية المنتخبة في مواجهة الأزمة الاقتصادية ومعالجتها، الشيء الذي سمح بصعود زعماء سياسيين ساهموا في تقويض أسس المنافسة والتعددية في بلدانهم.
في أحيان أخرى تكون مشكلات الترسيخ والتوطيد أكثر استعصاء؛ سارت التحولات الديمقراطية في أغلبها إلى كسب رهان التوافق بين النخب والجماعات لتحقيق الاستقرار السياسي للنظام الجديد، وقد كان نجاح الانتقال في بعض الأحيان يتضمن “القبول بمجوعة من الاتفاقيات والمواثيق السياسية التي تحدد المجالات الحيوية التي تهم النخب”[25].
تمثل التحولات الديمقراطية في أمريكا اللاتينية أكثر حالات التحول الديمقراطي التي أدارتها النخب العسكرية والاقتصادية، ففي البرازيل مثلا؛ نسق الجيش، بالتحالف مع نخب أخرى عودة النظام المدني، ورتب الرجوع إلى الحكم المدني بمجموعة من المواثيق والبنود الدستورية التي حافظت على مصالح الجيش[26]، وقد حدث الأمر ذاته في الشيلي عندما أدار الجيش والنخب المحافظة عملية التحول الديمقراطي، فحافظوا بذلك على بعض الامتيازات، مثل هذه الحالات تجعل الديمقراطيات مقيدة من جوانب كثيرة، لذلك فإن الإشكالات المهمة هنا تكمن في عملية الترسيخ الديمقراطي.
أشارت تيري لين كارل من خلال دراستها للتحولات في أمريكا اللاتينية والوسطى، أن هذه المرحلة تتطلب مهارات والتزامات من الجهات الفاعلة الرئيسية التي تختلف نوعيا عن تلك التي تظهر أثناء الانتقال. في هذه المرحلة الأخيرة من التوطيد، يجب على الجهات الفاعلة السياسية إثبات القدرة على التمييز بين القوى السياسية بدلا من جذبها جميعا إلى تحالف كبير، والقدرة على تحديد المشاريع السياسية المتنافسة وتوجيهها، بدلا من السعي لإبقاء الاصلاحات التي تحدث توترا وانقساما بعيدة عن جدول الأعمال، والاستعداد لمواجهة الاصلاحات التدريجية، لا سيما في مجالات الاقتصاد والعلاقات المدنية العسكرية، بدلا من تأجيلها إلى وقت لاحق،[27] وهو ما تم بالفعل في تجارب عديدة بدول في أمريكا اللاتينية. لكن عندما لا يقوم الفاعلون السياسيون بدوهم لتعزيز الديمقراطية وترسيخها، فإن خطر الشعبوية يلقي بضلاله؛ ففي البيرو، قدم الرئيس فيجيموري على انقلاب ذاتي سنة 1992 وحصن سلطاته من خلال تعطيل عمل البرلمان، وقد تم ذلك في إطار دعم شعبي كبير، نتيجة سئم الشعب من النخب السياسية وفسادها وفشلها في معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، كما كان تأثير عودة البيرونية في الأرجنتين واضحا، وقد عكس صعود هذا التيار الشعبي مشكلات الترسيخ الديمقراطي، وحدية المشكلات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وكان صعود هوغو تشافيز في فنزويلا لنفس الأسباب، التي أدت إلى صعود الخطاب الشعبوي في هذه البلدان.
ينم وصول هؤلاء الزعماء إلى السلطة في بلدانهم عن الفشل في إدراة التحول الديمقراطي[28]؛ حيث لا تعمل السلطات الانتقالية بجهد واسع لمواجهة الأزمات الاقتصادية وحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وتخفيض حدة اللامساواة في الدخل، الشيء الذي يؤدي إلى تراجع الدعم الشعبي لها، فيبرز بذلك الخطاب الشعبوي ويقدم حلولا سطحية لأزمات مستعصية، فيستهوي هذا الخطاب فئات كبيرة من السكان، وعندما يتيقن المنتخبون الجدد من الدعم الشعبي الكبير الممنوح لهم، فإنهم يعملون على توسيع سلطاتهم التنفيذية و تهميش باقي السلطات الأخرى،[29] ويسعون إلى السيطرة على وسائل الإعلام، ويحصنون سلطاتهم بتشريعات وقرارت، ويضيقون على الحريات،[30] ويحدون من المنافسة مستقبلا. وهنا تكمن معضلة التحول الديمقراطي في ظل هذه الظروف، حيث هناك دائما خطرا يتهدد هذه المرحلة يكمن في تحول الاهتمام الشعبي نحو بدائل غير ديمقراطية واستبدادية، ويمثل خطر الشعبوية أكبر تهديد في هذا السياق.
ثانيا: تأثير الأزمات الاقتصادية على الديمقراطيات الجديدة.
اعتمدت الكثير من الديكتاتوريات خلال القرن العشرين على شرعية الأداء، وخاصة منه الاقتصادي المرتبط بالنمو وزيادة الدخل القومي و الفردي، وحين افتقدت هذه النظم إلى شرعية الأداء انهار معظمها تحت وقع الأزمة الاقتصادية. وهذه الحقيقة تنطبق جزءيا على الأنظمة الديمقراطية، فهي تعتمد كثيرا على شرعيتها الشعبية، لكن هذه الشرعية مرتبطة بأداءها وفعاليتها؛ خاصة وأن طموحات الأفراد والجماعات تزداد مع التحول إلى النظام الديمقراطي.
أكد هذه الحجة “روبرت كوفمان” و”ستيفان هكارد” في دراسة لهما، بالقول: “إن الأنظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية معرضة لعدم الاستقرار في حالة الأزمات الاقتصادية على حد السواء”.[31] أوضحت نماذج كثيرة خيبة أمل من النظام الديمقراطي، خاصة أمام تحدي الأزمات الاقتصادية، فدب الشك لدى فئات اجتماعية كبيرة في قدرة الديمقراطيات الجديدة في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وأعيد الجدل في كثير من الحالات حول صلاحية الديمقراطية في تطبيق نماذج إصلاح اقتصادي مؤلمة ومتطرفة لإعادة التوازن إلى الاقتصاد وتحقيق الاستقرار الاقتصادي،[32] خاصة وأن الأنظمة الديمقراطية تكون تحت ضغط التأثير الشعبي على عملها، وتساهم المجموعات الإجتماعية المختلفة في تبني مصالحها الخاصة وتفرضها في أغلب الأحيان على الحكومات المنتخبة، في حين تكون الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للدولة في تدهور مستمر.
جادل خوان لينز مبكرا بأن الديمقراطية تنهار لأنها “تفقد الشرعية”، لكن أرجع فقدان الشرعية في الأنظمة الديمقراطية لفشل السياسيين الديمقراطيين في حل المشاكل السياسية.[33] لقد كان عمل لينز مقدمة لمجموعة من الأدبيات الأكاديمية التي تركز ليس فقد على كيفية نشوء الديمقراطية وقيامها لكن في أسباب انهيارها. وبدءا من العمل الرائد الذي قام به غييرمو أودونيل،[34] طور العديد من الباحثين نماذج نظرية معقدة تركز على دور الأزمات الاقتصادية في انهيار الديمقراطيات الجديدة،[35] فيما حاجج أخرون بأن الأزمات الاقتصادية يمكن أن تؤدي أيضا إلى تغيير النظام في الاتجاه المعاكس ودفعه نحو تبني النظام الديمقراطي.[36]
تقدم لنا الأدبيات المختصة نتائج متضاربة فيما يخص تأثير الأزمات الاقتصادية في تفسير تغيير النظم السياسية، وقد انساق أغلبها في اتجاه تغيير النظام من الديكتاتورية والاستبداد نحو الديمقراطية؛ فيما أكد عدد منهم، أن الأزمات الإقتصادية لم يكن لها تأثير دال في تغيير النظام، سواء إلى الحكم الديمقراطي أو الاستبدادي، فيما توصلت دراسات أخرى إلى أن الأزمات التضخمية التي أعاقت التحول الديمقراطي في الخمسينيات والستينيات، يبدو أنها سهلت التحول الديمقراطي في أواخر الثمانينات،[37] لكن أزمات الركود لم يكن لها تأثيرات بمرور الوقت من هذا القبيل. هذه الفرضية تعاكس كليا استنتاجات جون تيوريل الذي وجد أن الأزمات الانكماشية لا التضخمية هي التي وحدها تعمل كمحدد دال على التحول الديمقراطي،[38] والحجج المتعلقة بالتضخم تدعم بوضوح حجج هنتنغتون[39] وريمر[40] القائلة بأن العمليات التي تؤثر على التحول الديمقراطي في موجة، تختلف جدا عن التي قبلها.
على العموم، كرست الأدبيات الكلاسيكية، خلال النصف الثاني من القرن العشرين العلاقة القوية بين الأداء الاقتصادي وبقاء الأنظمة، وخاصة الديمقراطيات.[41] وهذا ما توصل إليه بروزوفسكي وزملاؤه حول تأثير النمو الاقتصادي والدخل، على بقاء الديمقراطيات الجديدة والهشة؛ حيث عندما تواجه الديمقراطيات انخفاضا في الدخل يكون احتمال اختفاءها أكثر بثلاث مرات مما كانت عليه عندما تشهد نموا اقتصاديا.[42] وأكدت أدبيات كثيرة هذه الحجة، وأضافت إليها أخرى الإرث الديمقراطي الطويل كمحفز للحفاظ على الديمقراطية أثناء الأزمات،[43] ويعكس ذلك أن الديمقراطيات الضعيفة والهشة هي المعرضة أكثر من غيرها للإنهيار في مثل هذه الظروف، خصوصا عندما تتراكم الأزمة وتستمر على مدى سنوات.[44]
أعادت الأزمة الاقتصادية لسنة 2008 النقاش العلمي المنصب حول تأثير الأزمات الاقتصادية على الديمقراطية في الأدبيات الحديثة، حيث تسببت هذه الأزمة في أسوأ تراجع اقتصادي منذ أزمة الكساد العظيم، و شملت ارتداداتها وتأثيرها جميع دول العالم، وإن اختلفت حدة الأزمة من دولة إلى أخرى تبعا لارتباطها الاقتصادي في النظام المالي والاقتصادي الدولي، لكن يبدو أنه على الرغم من تبعاتها الاقتصادية فإن تأثيرها على الديمقراطيات بقي محدودا.[45]
يفسر لاري دايموند ضعف تأثير الأزمة الاقتصادية لسنة 2008 على الديمقراطيات، بثلاث أسباب، واحدة يرجع تفسيرها لاستنتاجات دراسة بروزرسكي وزملاؤه، والأخرتين إلى ظروف التغيير الذي طرأ على الديمقراطيات منذ بداية الألفية؛ فالسبب الأول، يرجع إلى أن عمق الأزمة الاقتصادية الشديدة ضرب الاقتصاديات الغنية وذات الدخل المرتفع، وهذه الدول لها أنظمة ديمقراطية مرسخة مؤسساتيا، مما يؤكد حجة بروزرسكي بأن الديمقراطية لن تنهار أبدا في بلد غني. أما الثاني؛ فقد لاحظ لاري دايموند أن حتى الديمقراطيات الأحدث والأضعف من الناحية الاقتصادية طورت أشكال مؤسساتية سمحت للشعب بمعاقبة المسؤولين في الانتخابات وهزيمتهم، وبالتالي تم المحافظة على النظام الديمقراطي. يشير السبب الثالث، إلى أن الانهيارات الديمقراطية التي حدثت في بعض نماذج التحولات الديمقراطية، تسبق بكثير الركود العالمي، ويرجعها إلى سوء الإدراة الداخلية،[46] وهو ما يفسر في أن الكثير من الحالات التي وقعت فيها الانهيارت الديمقراطية كانت المعدلات الاجمالية للنمو الاقتصادي جيدة إلى حد ما.[47] وبالرغم من أن لاري دايموند لا ينكر تأثير الأزمات الاقتصادية على الانهيار الديمقراطي ولا يستبعده،[48] إلا أن ما لاحظه من تجارب الانهيارات الديمقراطية منذ 1999 هو أنها جميعها تشترك في ميزة أساسية وهي ضعف الحوكمة وغياب الجانب الليبرالي فيها؛ حيث ينتشر سوء الادارة وانتشار الفساد وتجاوزات السلطات التنفيذية، وضعف سيادة القانون، واستمرار العنف وغياب فعالية الحكومة… وهو ما يمكن ملاحظته في نماذج كفنزويلا وجورجيا وروسيا ونيجيريا وهندوراس وكينيا وباكستان…[49].
وبشكل عام، تشير الأدبيات الكلاسيكية إلى العلاقة القوية بين الأزمات الاقتصادية ومعضلة التحول إلى النظام الديمقراطي،[50] غير أن جهود أبحاث حديثة تشكك في تلك العلاقة وتطرحها للمزيد من البحث والتمحيص كما رأينا في دراسة لاري دايموند، وهنا يمكننا أن نتسائل هل الأزمات الاقتصادية هي التي تحفز الانهيار الديمقراطي وتفشل تجارب التحول الديمقراطي، أم الحلول المقترحة لمواجهة هذه الأزمة ؟. والسؤال هنا نابع من ملاحظة أن بعض الديمقراطيات تنجو من الضغوط المرتبطة بالأزمات الاقتصادية، بينما تنهار ديمقراطيات أخرى في ظل ظروف مماثلة أو حتى أقل شدة.[51]
افترض مثلا ديفيد أندرسون وأخرون (في دراسة موسعة شملت الفترة مابين 1903 و 2010 )، أن ذلك راجع إلى جودة البيروقراطية؛[52] فكلما حازت الدول على بيروقراطية مدربة وفعالة كانت استجابة السلطات السياسية أسرع، وإدارتها للأزمة أكثر نجاجا، لأن البيروقراطية كما قام أودونيل هي أحد مفاتيح إدراة الأزمة،[53] حيث تؤمن هذه الأخيرة سياسات أكثر حكمة وتنفيذا وأكثر انضباطا وسرعة وحيادية، وتحمي بعض المصاعب الناتجة عن الأزمات، لاسيما الفقر وتزايد عدم المساواة، وبالتالي تقليل الحوافز الجماهيرية للتعبئة ضد النظام.[54]
يعكس هذا الافتراض، رفض التأثير المستقل للازمة الاقتصادية على فشل التحول الديمقراطي، لأن العلاقة تناسب فقط بعض الحالات وليس كل الحالات، كما أشارت أدبيات كثيرة، مما يعكس حقيقة أن الأزمات الاقتصادية مجرد محركات للتغيير وليس آلية حاسمة في نهاية المطاف لتغيير النظام،حيث يرجع ذلك إلى تعامل القادة الديمقراطيين مع عدم الرضا من الجماهير بسبب الفقر واللامساواة نتيجة حدية الأزمة الاقتصادية،الشيء الذي يزيد من عدم الثقة وانخفاض الايمان بالديمقراطية، مما يؤدي إلى حشد الحركات المناهضة لديمقراطية للقيام بتهديد جدي للنظام.[55] ذلك ما تكشف عنه حالات التحول الديمقراطي؛ إذ تم في حالات عديدة أن استجابة الحكومات المنتخبة للأوضاع الاقتصادية وأدارت الأزمة الاقتصادية بكفاءة، فيما كان القصور يعتري حالات أخرى مما كرس الأزمة الاقتصادية وزاد من أثارها السياسية على الديمقراطية.
المبحث الثاني: تأثيرالأزمة الاقتصادية على التحول الديمقراطي في تونس.
ساهمت الوضعية السياسية غير المستقرة للمرحلة الانتقالية في تونس لغياب اليقين حول مسار المرحلة ومآلها، وقد زاد من تعميق الأزمة الاقتصادية غياب أي استراتيجية حكومية واضحة لمواجهتها، مما ساهم في تعقيد الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس، وأدى ذلك إلى السؤم والسخط من الوضع المتردي، وهو ما دفع غالبية المواطنين إلى تبني خيارات أخرى بعيدا عن النخب السياسية التي أدارت المرحلة الانتقالية، فكان انتخاب الرئيس الجديد تغييرا في قواعد اللعبة السياسية التي بدأت منذ 2011.
أولا: الأزمة الاقتصادية التونسية في فترة التحول الديمقراطي.
عرفت تونس احتجاجات بداية من 17 ديسمبر 2010، انتهت بسقوط النظام في 27 فبراير 2011، معلنة بذلك نجاح الثورة وتنصيب حكومة جديدة انتقالية، بعد القيام بالثورة انتقلت تونس إلى مرحلة بناء وإعداد مؤسسات دستورية تلبي تطلعات وطموحات الثورة التونسية، ثورة الحرية والكرامة[56]، بانتخاب الهيئة التأسيسية، ثم ثانيا من خلال إعداد الدستور الجديد، في ذروة طموح الشعب التونسي نحو الحرية[57]. إلا أن بناء المؤسسات الديمقراطية في تونس لم يكن دائما سلسا، حيث عرف فترات من المواجهة والصراع بين مختلف الفاعلين السياسيين خلال المرحلة الانتقالية، وكان من الممكن أن يعصف هذا الصراع بالتوازن الهش خلال هذه المرحلة خصوصا مع أحداث اغتيال محمد البراهمي في 25 يوليو 2013 وشكري بلعيد، والتي أدت الى استقالة الحكومة ونهاية فترة الترويكا ، وفي 21 ديسمبر 2014 انتخب الباجي قايد السبسي رئيسا لتونس، و تم تشكيل حكومة جديدة، فدخلت تونس مرحلة جديدة تتسم نسبيا بالاستقرار السياسي، بعد استكمال بناء المؤسسات الدستورية،لكن في ظل وضع اقتصادي غير مستقر وهش.
تبين لنا الدرسات الاقتصادية على أن الدول التي تمر بمرحلة تحول ديمقراطي تواجه في أغلبها تراجعا في نمو ناتجها الاجمالي لغياب الاستقرار السياسي خلال هذه المرحلة،[58] غير أن النمو يتحسن بعد بضع سنوات من التحول، بفعل آليات التحفيز الاقتصادي التي اتخذتها الحكومات المنتخبة، وكذا من خلال تثبيت الاستقرار السياسي، وعلى غرار باقي البلدان التي عرفت تحولات ديمقراطية، شهدت تونس مرحلة من عدم الاستقرار السياسي، أثر بشكل كبير على وضعية الاقتصاد التونسي.
لكن من خلال دراسة تطور مؤشرات الاقتصاد التونسي خلال السنوات العشر الاولى من المرحلة الانتقالية، أظهرت التحليلات التي أجريت أن تونس تعاني من انخفاض حاد في نموها الاقتصادي، سواء من حيث نسبة تراجع النمو أو من حيث مدة التراجع، وليس هناك أي توقعات لا من قبل السلطات الوطنية أو المؤسسات الدولية، للرجوع إلى المعدل المسجل سابقا قبل التحول، حيث سجلت تونس معدل نمو متوسط قدره 1.7 في المائة (شملت هذه الفترة المرحلة من القيام بالثورة سنة 2010 الى سنة 2018) مما جعلها تحتل المرتبة 31 من مجموع 41 دولة عرفت انتقالا ديمقراطيا، كما خسرت 2.9 نقطة من متوسط نموها السابق[59]، فأصبح الاقتصاد يعاني من الركود بعدما كان يحقق نسبة نمو 4,4 في المئة أثناء العشرية 2001 – 2010[60].
زاد الوضع تأزما مع السياسات الاقتصادية الكلية المعتمدة منذ 2011، التي لم تكن لها معالم واضحة؛ إذ كانت قائمة على سياسات وبرامج اجتماعية لم يكن لها تأثيرات إيجابية على النمو الاقتصادي بقدر ما مثلت عبئا إضافيا على ميزانية الدولة[61]، في مقابل ذلك فإن مجموع مكونات التموين العمومي تواجه تحدي الدين العام بشكل لا يمكن تحمله (ميزانية الدولة، المؤسسات العمومية، وصناديق الضمان الإجتماعي)، حيث أضحت السياسات العامة بعد الثورة آلية لاحتواء المطالب الاجتماعية، من خلال تقديم الوظائف لعشرات الألاف من العاطلين، وبالتالي زيادة عدد الموظفين في القطاع العام بشكل غير مسبوق، في نفس الوقت لم تعرف موارد الدولة زيادة كبيرة؛ فخلال سبع سنوات من قيام الثورة، زادت فاتورة أجور الموظفين بنسبة أكثر من الضعف حيث انتقلت من 6785 مليون دينار تونسي إلى 14644 سنة 2017، وهذا راجع إلى نسبة التوظيف غير المسبوقة في القطاع العام. كما أصبحت 73 في المائة من عائدات الضرائب توزع كمرتبات للوظائف في مقابل 53 في المائة سنة 2010[62]، وترجع هذه النسب المرتفعة في المقام الأول إلى زيادة الدعم المعمم وارتفاع فاتورة القطاع العام منذ 2011 ، والتي كان الهدف منها التخفيف من حدة التوترات السياسية والاجتماعية[63]، مما شكل ضغطا كبيرا على ميزانية الدولة، وبالتالي فقد سقطت تونس في إشكالية التوفيق بين الأداء الاقتصادي البحث والبعد الاجتماعي[64].
إن تعامل الحكومات التونسية مع الأزمة الاقتصادية الحالية الناتجة عن غياب الاستقار السياسي لم يكن ناجعا، حيث زادت السياسات المتبعة الضغط على الموازنة العامة للدولة بسبب تدهور النشاط الاقتصادي[65]، فمنذ سنة 2010 كانت السياسة الاقتصادية أحادية الجانب، في اتجاه الطلب فقط، فكانت الزيادة غير المسبوقة في الانفاق العام وتشجيع الاستهلاك على حساب الاسثمار، ونتيجة لذلك بلغ العجز العام (الذي يشمل ميزانية الدولة والسلطات المحلية والمؤسسات المملوكة للدولة، وصناديق الضمان الاجتماعي) مستوى كبيرا، كما بلغ عجز الحساب الجاري 9 في المائة في المتوسط منذ عام 2012، وبالتالي أصبحت المديونية عند مستويات غير مسبوقة[66]. ولم يتأتى ذلك العجز من تراجع الاستثمار والعوائد فحسب، بل أتى أيضا من القرارات السياسية المتسرعة في شأن سياسات التوظيف الاجتماعي من أجل التخفيف من حدة التوترات الاجتماعية[67]. ومن ثم، فقد سقطت تونس فعلا فيما حذر منه كثير من الباحثيين[68]، من أن النظام الديمقراطي غير قادر على اتباع سياسة كبح الاستهلاك، نتيجة رضوخ القادة الديمقراطيين إلى إملاءات الناخبين بدعم الكثير من الرفاه[69]، على حساب الإدخار والاستثمار، في حين عارض المواطنون والنقابات في تونس بشدة إمكانية تنفيذ ميزانية تقشفية، والتي تهدف في جانب منها إلى زيادة الرسوم والضرائب غير المباشرة، وإثقال كاهل المواطن العادي بأعبائهاّ، ورفع أسعار السلع والمواد الغذائية المدعومة[70].
على أي حال، لم تكن تونس استثناءا من نماذج التحولات الديمقراطية التي جرت في بلدان عديدة، والتي عرفت معظمها تراجعا في نموها الاقتصادي ،[71] لكن ما يلاحظ في النموذج التونسي، بعد أكثر من عقد من القيام بالتحول الديمقراطي، أنها اسمترت في خسارة معدل النمو، والتوقعات الحكومية ومن المؤسسات المالية الدولية لا توحي بتعافي الاقتصاد من أزمته، وأن تونس يمكن أن تدخل مرحلة الركود الاقتصادي الطويل، خصوصا في ظل الصراعات السياسية بين النخب، وغياب الاستقرار السياسي.
فهل يرجع ذلك إلى السياسات الاقتصادية للحكومات الانتقالية بعد الثورة، أم إلى الظرفية السياسية المتسمة بغياب الاستقرار السياسي، وانعدام اليقين بشأن مخرجات هذه المرحلة، الأمر الذي يحد من الاستثمار؟، أم أن تونس دخلت مرحلة التحول الديمقراطي الطويل الذي لا يأتي بأي نمو على الإطلاق؟. أم هناك عوامل جارجية أثرت في مسار تعافي الاقتصاد التونسي؟.
لاشك أن الأحداث التي تلت الثورة التونسية، أثرت على الاستقرار السياسي، فالصراعات السياسية بعد الثورة، واستكمال بناء المؤسسات الديمقراطية، بالإضافة إلى عدم استقرار الحكومات ( تم تشكيل العديد من الحكومات خلال هذه المرحلة)، وغياب التجانس بينها، ثم الأحداث الارهابية التي عرفتها تونس، كلها أثرت على الاستقرار السياسي وكان لها بالغ الأثر على التراجع في النمو والتنمية الاقتصادية. كما أن طبيعة التحول في تونس (التحول من خلال ثورة شعبية، أو التحول بالضغط الشعبي)[72]، أو الاحلال حسب إنتنغتون[73] ،التي لعبت فيها المظاهرات المكثفة والاحتجاجات والاضرابات دورا محوريا في سقوط النظام، ساهم في زيادة الازمة الاقتصادية نتيجة صراع النخب وخوفها على مصالحها الاقتصادية، وبالتالي عدم انخراطها بدافع التهميش في إدارة المرحلة الانتقالية[74] أو حتى قيامها بأعمال تخريبية لإفشال الانتقال كالقيام بتهريب رؤوس الأموال نحو الخارج كما تم مع عائلة الرئيس السابق زين العابدين بن علي، ورفضها كل مبادرة لفتح ملفات الفساد المالي والاداري وكل مشروع إصلاحي يهدف إلى إعادة توزيع الثروة[75]، وذلك لغياب ترتيبات بين النخب والمعارضة (خاصة منها النخب الاقتصادية) حول كيفية إدارة المرحلة الانتقالية كما وقع في كثير من التحولات الديمقراطية خلال الفترة الانتقالية (البرازيل، الشيلي، جنوب إفريقيا، اسبانيا…).
من جهة أخرى لم تكن الأوضاع الاقليمية والدولية مساعدة على التحول الديمقراطي، فعلى المستوى الاقليمي لم تكن القوى الاقليمية تنظر بعين الرضا إلى التغيير الديمقراطي في تونس، وخصوصا في منطقة الخليج والدول المجاورة (السعودية، الإمارات، مصر…)[76]، هذه المخاوف مستمدة من التأثيرات المحتملة لموجات الثورات العربية على هذه الدول التي كانت مستقر ة إلى حد ما؛ فنظرية “كرات الثلج” أو “العدوى” أو “ظاهرة الدومينو”، حيث أن التحول الناجح في دولة يشجع على التحول الديمقراطي في دولة أخرى، وذلك لمواجهتها مشكلات مماثلة، أو أن النموذج يعد مثلا يحتدى[77]، يدفع الدول الأخرى إلى القيام بالتحول الديمقراطي، كان مطروحا بشدة لدى الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، لذلك ركز العديد من بلدان الاستبدادية في المنطقة كل اهتمامها على النموذج التونسي؛ ففشل انتقالها الديمقراطي سيكون انتصارا لجميع الديكتاتوريات في المنطقة وهزيمة قاسية للديمقراطية[78]. وبعد نجاح الانقلاب العسكري في مصر ونكوصها مرة أخرى إلى الحكم العسكري، بالإضافة إلى الحرب الأهلية الليبية، توسعت رقعة الضغط الخارجي الاقليمي على النموذج التونسي باعتباره نموذج يهدد الدول الاقليمية وقابل للتصدير إليها، فعملت بعض القوى الإقليمية إلى محاولة إفشال التجربة وإجهاضها من خلال إثارة الأزمات الاقتصادية، أو الاحجام عن الاستثمار في الاقتصاد التونسي أو سحب رؤوس الأموال منها.
أما على المستوى الدولي؛ فإن للربيع العربي أثار وخيمة على الاستقرار الاقليمي والدولي، خصوصا مع تحول الثورات العربية في كل من سوريا، اليمن، وليبيا إلى حروب أهلية استغلتها الجماعات الارهابية لتثبيت وجودها في هذه البلدان، فتحول الاهتمام الدولي من دعم الديمقراطية إلى أولوية محاربة العنف والارهاب. من جهة أخرى، فإن تعامل الحكومات التونسية مع الأزمة الاقتصادية لم يكن ناجعا، فبالإضافة إلى ميل الحكومات التونسية المتعاقبة بعد الثورة نحو الاستهلاك على حساب الاستثمار نتيجة الضغوط الاجتماعية، فإن منوال التنمية الحالي يحرص بالأساس على تحقيق أعلى نسب نمو على حساب الاهتمام بالعمل على تحقيق التنمية الشاملة المتكاملة[79].
وبالتالي فإن تظافر هذه العوامل مجتمعة، زيادة على غياب الاستقرار السياسي خلال هذه المرحلة من التحول الديمقراطي في تونس، ساهمت في الأزمة الاقتصادية الحالية و تطورها، والتي انعكست سلبا في المؤشرات الاجتماعية وفرص تعزيز التنمية بعد الثورة، ومن ثم فإن هذه التحديات أعاقة الترسيخ الديمقراطي ونوعية الديمقراطية في تونس، ودفعت بالمواطن التونسي إلى دعم مرشح في الانتخابات الأخيرة من خارج الدائرة السياسية التقليدية.
ثانيا : النكوص الديمقراطي في تونس.
اتخذ الرئيس التونسي ، منذ 25 يوليو 2021، مجموعة من الاجراءات التي يهدف من وراءها حسب ما تم الإعلان عليه: ” الحفاظ على مؤسسات الدولة من الانهيار، ومحاربة المفسدين”. بدأت هذه القرارات بإقالة رئيس الحكومة، وتجميد أعمال البرلمان، ورفع الحصانة البرلمانية عن أعضائه وتعطيل صلاحياته التشريعية، فاستأثر الرئيس بعد ذلك بكل الصلاحيات التنفيذية والتشريعية، إضافة إلى منصب النيابة العامة، ليتم بعد ذلك تشكيل حكومة جديدة دون الموافقة البرلمانية، واستمرت الاجراءات المتخذة إلى أن تم الإعلان عن مشروع الدستور الجديد الذي وسع من صلاحيات السلطة التنفيذية في منحى يصبو نحو تعزيز النظام الرئاسي بسلطات مطلقة.
كانت هذه الاجراءات تمثل ذورة أزمة التحول الديمقراطي التونسي؛ فالمتتبع لمسار الانتقال الديمقراطي في تونس يستشف بأن هناك أزمات عديدة متراكمة، وصلت بالنموذج إلى الباب المسدود. كان الاستقطاب السياسي أبرز تجليات الأزمة التونسية التي تظهر على سطح واجهة الأحداث، لكن في الحقيقة شكل عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التحدي الأبرز الذي واجه الديمقراطية التونسية.
لقد عبر الشعب التونسي عن ذلك في في استطلاعات الرأي المجراة، حيث اعتبر أكثر من 30 % من المتسطلعة أرائهم سنة 2020، أن سوء الأوضاع الاقتصادية هي أكبر مشكلة تواجهها تونس، تليها البطالة بنسبة 19.7%، وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة بنسبة 15.8%، فيما عبر 2.8% فقط من أن عدم الاستقرار السياسي هي أكبر مشكلة تواجه تونس، و 2.4% اعتبر أن الحكم وسياساته هي المشكلة الأكبر.[80] وقد ترسخ انطباع لدى غالبية التونسيين بأن الحكومات المتعاقبة بعد الثورة غير جادة في إيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد، إذ 59% من التونسيين المستطلعة أرائهم في استطلاع 2007/2018 عبروا عن أن الحكومة غير جادة في حل أكبر المشكلات الاقتصادية، فيما يسود اعتقاد واسع بين التونسيين بفساد الطبقة السياسية، واستشراء الفساد المالي والإداري، حيث يعتقد أكثر من 90% من التونسيين أن الفساد منتشر جدا أو إلى حد ما، فيما عبر أكثر من 83% أن الفساد مستفحل جدا في استطلاعات 2019/2020،[81] وجاءت الطبقة السياسية في المرتبة الاولى التي اعتقد التونسيين أنها الفئات الأكثر مساهمة بالفساد بنسبة 43%، ورجال الاعمال والاقتصاديين في المرتبة الثانية بنسبة 34%.[82]
وكمحصلة لذلك، يمكن القول بأن الأزمات الاقتصادبة والاجتماعية كانت التحدي الأبرز الذي واجهه الحكومات التونسية ما بعد الثورة حسب الشعب التونسي، غير أن حكومات ما بعد الثورة لم تستطع التغلب على هذه المشكلات، ومواجهة حدية الأزمة الاقتصادية المتصاعدة؛ فنسب النمو في الناتج المحلي كانت أقل خلال السنوات العشر بعد الثورة، مما سجلته في السنوات العشر قبلها، وتراجعت الاستثمارت الأجنبية المباشرة بشكل كبير خلال هذه المدة. أدى كل ذلك إلى مشكل عدم الثقة في المؤسسات الدستورية التي تشكلت في فترة الانتقال الديمقراطي بتونس، إذ تكشف نتائج استطلاع الرأي إلى تراجع ثقة المواطنين بالبرلمان والأحزاب والنخب السياسية التونسية؛ فهناك فجوة راسخة بين المواطن والبرلمان بحسب استطلاعات الرأي منذ 2011 ، حيث 60% من التونسيين عبروا عن عدم ثقتهم في البرلمان، وقد انتقل عدم الثقة في هذه المؤسسة من 55% في استطلاع 2012/2013 إلى 64 % في استطلاع سنة 2019/2020، وتراجعت نسبة الثقة من 39% إلى 25% خلال نفس السنوات، لذلك فإن فجوة الثقة بالبرلمان التونسي تكاد تتعدى الثقة المبنية على تقييم الأداء وباتت أقرب إلى نطاق التساؤل حول شرعية إحدى أهم سلطات النظام السياسي التونسي، الذي تأسس بحسب دستور البلاد بعد الثورة.[83] وما يؤكد هذه النتائج في استطلاعات الرأي هو حصيلة النتائج الاقتصادية والاجتماعية المحققة خلال مرحلة النظام الديمقراطي، فالنمو الاقتصادي لا يتعدى % 2 خلال العشر سنوات الماضية، وفي بعض الأحيان يسجل نتائج سلبية للنمو، وتراجعت قدرة الاقتصاد التونسي في مواجهة المطالبة الاجتماعية المتزايدة، وزاد الضغط على ميزانية الدولة، فيما ارتفعت المديونية بشكل كبير.
تعطينا هذه النتائج تفسيرا أكبر للدعم الشعبي للإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي، حيث بالرغم من أن غالبية الشعب التونسي تعتبر أن النظام الديمقراطي هو النظام السياسي الأفضل، إلا أن انسداد الأفق السياسي وفشل الأحزاب السياسية والاتجاهات السياسية في معالجة الاشكالات الاقتصادية والاجتماعية بعد الثورة، دفعها إلى تبني البديل، لكن يبدوا هذا الدعم لم يكن شيكا على بياض؛ فالاستفتاء الشعبي الذي قاطعه الغالبية العظمى من الشعب التونسي على الدستورالجديد، والذي خول سلطات واسعة للسلطة التنفيذية التي يمثلها الرئيس، يؤكد أن الشعب التونسي لا زال يتشبت بالنظام الديمقراطي كنظام صالح للحكم، وتحول بذلك الاستفتاء على الدستور إلى استفتاء على شعبية الرئيس ومشروعيته.
ومن ثم، فإن الفجوة التي أحدثتها تجربة الحكومات ما بعد الفترة الانتقالية في تونس، ما بين طموحات الشعب التونسي في تحقيق الكرامة، وهو المطلب الأساسي للثوار إلى جانب الحرية (ثورة الحرية والكرامة)، والتوزيع العادل للثروات وتحسين ظروف معيشتهم والتغلب على الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وحلها، وما بين فشل الحكومات المنتخبة في إدراة المرحلة ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والاستقطاب السياسي بين النخب والأحزاب، كان دافعا قويا ومحركا للتغيير بعيدا عن الطبقة السياسية التقليدية التي ظهرت بعد الثورة، غير أن هذا التحول أدخل تونس في دوامة من عدم اليقين حول مستقبل النظام الديمقراطي بفعل الاجراءات التي اتخذها الرئيس المنتخب.
كمحصلة لذلك، يمكن القول أن الازمات الاقتصادية كانت متلازمة التحول الديمقراطي خلال الموجة الثالثة كما توضحها الأدبيات البحثية الحديثة، لارتباط التحول بمرحلة من عدم اليقين السياسي والمؤسسي، ومن طبيعة الحال فإن هذا الوضع غير المستقر يؤثر لا محالة على الوضع الاقتصادي. وقد اختلف تعامل الحكومات المنتخبة في نماذج التحول الديمقراطي مع الأزمة، ويمكن أن يكون ذلك راجع إلى ظروف هيكلية ومؤسسية مستمدة من طبيعة النظام الاستبدادي السابق، غير أن دور الفاعلين السياسيين خلال هذه المرحلة تكون حاسمة لمعالجة الأزمة الاقتصادية وتدبير مرحلة التحول سياسيا واقتصاديا. لذلك فقد استطاعت نماذج عديدة مواجهة تحدي الأزمة الاقتصادية، فيما شاب القصور أخرى وهو ما ساهم في ارتدادات سياسية ساهمت فيها سوء الأوضاع الاقتصادية ومظالم الأفراد وسؤمهم من النخب الجديدة، الشيء الذي يدفعهم إلى تبني خيارات أخرى قد تكون شعبوية أو استبدادية.
خاتمة:
سارت التحولات الديمقراطية أثناء الموجة الثالثة إلى المرور بالأزمة الاقتصادية وتراجع النمو، وذلك لارتباط هذه مرحلة بعدم يقين وغياب الاستقرار السياسي، وضبابية حول نتائج المرحلة ومآلاتها. وقد اختلف تعامل الحكومات الانتقالية مع الأزمة الاقتصادية من دولة إلى أخرى؛ ففيما نجحت دول عديدة في إدارة المرحلة الانتقالية سياسيا واقتصاديا، اعترى القصور والفشل نماذج أخرى. كان النجاح أو القصور في بعض الأحيان مرتبط بظروف خارجية؛ ففي حين ساعدت ظروف التحول في جنوب أروبا وشرقها وجود منطقة جذب اقتصادي تتمثل في السوق الأوروبية المشتركة، كانت ظروف التحول في نماذج أخرى مضادة، كالسياق الاقليمي الذي جرى فيه التحول الديمقراطي التونسي.
أدت النماذج التي عرفت سياق ظروف الأزمة الاقتصادية الممتدة وغياب أي أفق لحلها أو معالجتها، إلى أزمة لنموذج التحول الديمقراطي نفسه، حيث ساهم ذلك في غياب الثقة لدى الأفراد والمواطنين من النظام السياسي والمؤسسات الديمقراطية الفتية ومن نظام الأحزاب السياسية ومن النخب السياسية، نتيجة لغياب أي تحسن في شروط حيواتهم الاقتصادية والاجتماعية التي عقدوا عليها آمال كبيرة أثناء هذه المرحلة، وحين غابت هذه التحسينات نتيجة استفحال الأزمة الاقتصادية، دفع المواطنين نحو تنبي بدائل شعبوية وغير ديمقراطية.
في نماذج كهذه، غالبا ما يظهر زعيم سياسي يقدم خطابا سياسيا مغايرا ومتميزا عن الطبقة السياسية السائدة، يحاول بذلك تجاوز نظام الأحزاب السياسية، ويستفيذ من الدعم الشعبي المتزايد لخطابه، يقدم نفسه على أنه المنقد للوضع السياسي والاقتصادي المتردي، وحين يتقن من الدعم الشعبي الكبير له يقدم على قرارات سياسية تحد من المنافسة والتعددية ويقيد عمل المؤسسات الديمقراطية المستقلة كالبرلمان والسلطة القضائية.
في دراسة الحالة لديننا مثلت تجربة التحول الديمقراطي التونسي الفتية مجالا لاختبار فرضيات البحث والتحقق منها، مع الأخذ بعين الاعتبار محددات أخرى مرتبطة بشروط مسبقة كالسياق الاقليمي التي جرى فيه التحول الديمقراطي التونسي، والظروف الاقتصادية والاجتماعية المصاحبة لعملية التحول. وكشأن جميع التحولات الديمقراطية دخل الاقتصاد التونسي في أزمة منذ بداية الحراك، نتيجة غياب الاستقرار السياسي خلال هذه المرحلة، غير أن دوامة الازمة الاقتصادية استمرت وزادت تداعياتها بعد ذلك، ويرجع بذلك جزء كبير منها إلى غياب الإرادة السياسية والاستراتيجيات الحكومية لمواجهتها. فاستفحال الازمة الاقتصادية واستمرارها وغياب أي أفق لحلها أو مواجهتها نتيجة غياب الارادة السياسية، شكل أزمة نموذج التحول الديمقراطي التونسي، وكما تظهر بيانات استطلاعات الرأي تبوأت المطالب الاجتماعية والاقتصادية للشعب التونسي صدراة اهتماماته واعتب رأن الأزمة الاقتصادية والفساد أكبر تهديد للديمقراطية، غير أن تعامل الحكومات ما بعد التحول لم يكن ناجعا وموفقا، وهو ما حفز قطاعات كبيرة من االمواطنبن للتعبير عن سخطها وتوجسها من المؤسسات والعملية الديمقراطية برمتها، مما جعلها تتساهل مع بدائل أخرى لعلها تمثل مخرجا للأزمة. وعليه فإن الأزمات الاقتصادية لا تعتبر وحدها محفزات لتغيير النظام ناحية الاستبداد، بل الإجراءات المتخذة لمواجهة الأزمة، ومدى نجاح الحكومات أو فشلها في معالجة هذه الأخيرة. وفي تونس يبدو أن الفشل في معالجة الأزمة الاقتصادية حفزت مظالم المواطنين نحو انتخاب رئيس من خارج دائرة النخبة السياسية المنتمية للأحزاب التونسية باعتباره بديلا لها، غير أن ضمانات هذا التحول بانتخاب زعيم شعبوي، لم تكن نتائجها لصالح الديمقراطية وترسيخها في تونس كما تظهره الاجراءات الاستثنائية والغير الدستورية التي اتخذها.
المراجع:
العربية.
بارينغتون، مور، الأصول الاجتماعية للديكتاورية والديمقراطية، ترجة أحمد محمود (لبنان: المنظمة العربية للترجمة الطبعة الاولى 2008).
باربرا غيدس وأخرون، كيف تعمل الديكتاتوريات؟، السلطة وترسيخها وانهيارها، ترجمة عبدالرحمن عياش، (الدوحة: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى 2021).
لاري، دايموند، روح الديمقراطية، ترجمة عبد النور الخراقي، (الدوحة: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الاولى 2014).
توكفيل، الديمقراطية في أمريكا، ترجمة أمين مرسي قنديل (القاهرة: عالم الكتاب 2017).
صمويل، هنتنغتون، النظام السياسي في مجتمعات متغيرة، ترجمة حسام نايل ، (بيروت: دار التنوير للطباعة والنشر، الطبعة الاولى 2017).
صمويل، هنتنغتون، الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي، ترجمة عبدالوهاب علوب (الكويت: دار سعاد الصباح الطبعة الأولى 1993)،
غيورغ سورنسن، الدميقراطية والتحول الديمقراطي:السيرورات والمأمول في عالم متغير؛(الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى 2015).
بشارة، عزمي، في المسألة العربية: مقدمة لبيان ديمقراطي عربي، (لبنان : مركز دراسة الوحدة العربية، الطبعة الثانية 2010).
بشارة، عزمي، الشعبوية والازمة الدائمة للديمقراطية، سياسات عربية، المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، العدد 40، شتنبر 2019.
مداني، ليلى، تراجع جودة الديمقراطية في العالم ومخاطر صعود الشعبوية، مجلة دراسات وأبحاث، المجلد 13ـ عدد 4، يوليوز، 2021.
مارك ف. بلانتر ولاري دايموند وغييرمو أودونيل وأدم بروزرسكي وأخرون، الديمقراطية: أبحاث مختارة ( بيروت: شركة الكبوعات للنشر والتوزيع، طبعة 2016)
جون، تيوريل، محددات التحول الديمقراطي: تفسير تغير أنظمة الحكم في العالم (1972-2006)، ترجمة خليل الحاج صالح، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)، الطبعة الأولى 2019.
عبد الجليل بدوي وأخرون؛ تونس الانتقال الديمقراطي العسير، الاشكالات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية خلال مرحلة التحول الديمقراطي،(القاهرة: مركز الاهرام لدراسات حقوق الانسان؛ 2017)
علي، الشابي؛ تحديات الاقتصاد التونسي في ظل المرحلة الانتقالية (2011-2017)، (الدوحة:مركز الجزيرة للدراسات؛ 15 ماي 2017)،
أحمد، الكواز، وأخرون، السياسات التنموية وتحديات الثورة في الاقطار العربية، (الدوحة:المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الاولى )2017.
دارم، البصار، وأخرون، السياسات التنموية وتحديات الثورة في الاقطار العربية، (الدوحة: المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، الطبعة الاولى.2017).
مهدي مبروك، أيمن بوغانمي، حافظ عبد الرحيم وأخرون، النخب والانتقال الديمقراطي: التشكل والمهمات والأدوار، الطبعة الأولى(الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى، 2019).
اتجاهات الرأي العام التونسي نحو التجربة الديمقراطية، سياسات عربية، العدد 52، المجل 9، سبتمبر 2021،
تقرير صندوق النقد الدولي، منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان، نونبر2013.
الأجنبية:
Ades A. and H.chua, the neighbor’s curse: regional Instability and economic growth, journal of economic growth,n. 2 , (1997).
Anderson, David D.E. and Suthan Krisharajan, Economic crisis, Bereaucratic Quality and Democraty Breakdown, Government position, vol.54, no.4, 2019.
Ben doudou makrem et Rahali faycel , Démocratie, Stabilité Politique et croissance économic: Estimation a partir d’une modèle panel dynamic, L’actualité économic , vol.94 ,n.1, mars 2018.
ben romdhane, Mahmoud,Tunisie: La démocratue en quéte d’Etat(Tunisie : sud edition Avril 2018).
Brunk, Gregory and Gregory Caldera and Michels Lewis-Beck, Capitalism, Socialism, And Democracy: In imperical Inquiry, European Journal of Political Research, vol.15(1987).
Burkhart, Ross, Economic Freedom and Democracy: Post-Cold War Tests, European Journal of political Research, vol.37(2000).
Caroline, Freud and Melise jaud, regime change :democracy and crowth , peterson institus for international Economics (IIT), april, 2014.
Daymond, Larry and Juan J.Linz, Introduction : Politics, Democracy, and Society in Latin American, In Larry Daymond and Juan J.Linz, and Seymour Martin Lipest, Democracy and Developing countries: Latin American (Boulder, Colo: Lynne Reinner, 1989).
Daymond, Larry, Facing up to The Democratic Recession, journal of Democracy,Vol.26, n.1, January 2015.
Diamond, Larrry, The impact of the Economic Crisis : Why Democracy survive, Journal of Democracy, vol.22, no.1, Junuary 2011.
Gasiorowski, Mark J., Economic Crisis and Political Regime Change: An Event Historyb Analysis, American political science, vol.89, no.4 (december 1995).
Karl, Terry Lynn, Dilemmas of Democratization in L atin American, Comparative Politics, vol.23, no.1 (octo. 1990).
Kile, Jordan and Limor Gultchin, and Authers, Populistin Power Around the World, 7th November 2018, Global challenges, https://institute.global/policy/populistts-world*appendix:-methodology.
Kaufamne, Robert and stephan Haggaard, Political Economy of Transition democraty, (United Kingdom: Princeton University Press 1995).
Kaufman, Robert, Transition to stable Authoritarian-corporate Regimes ; The Chilean Case, Beverly Hills: Sage 1979.
Lipset, Seymour martin , Some social requisites of democracy “economic Development and political legitimacy”, the American science review ,vol. 53 No.1 (March.1959).
Linz, Juan, Crisis, Breakdown and Re-equilibration, Baltimore : Johns Hopkins University Press, 1978.
Moller at.all, Economic Crisis and Democratic Breakdown in the Interwar Years: A Rassessment, Historical Social Resherch, vol.40, no.2, 2015.
Moller.J.Schmotz .A. Skaaring S.E. Economic Crisis and Democratic Breakdow in the interwar years: A reassessment, Historical Social Research, vol.2, no.40, 2015.
O’Donnell; Guillemo, Modernisation and Bureaucratic Authoritarianism :Studies in South American Politics, Berkley : Institute of International Studies, University of California.1970.
O’Donnell, Guillemo, Modernisation and Bureaucratic Authoritarianism :Studies in South American Politics.
Papaionnou; Elias and Gregorios siourounis, Democrati and growth, the Economic journal, volume .118, n°532, 2008;
Pereira, Luiz carlos bresser, Jose maria marvall, Adam prezowski, Economic reforms in new democracies :A social democratic Approche, (Cambridge university press, 1993).
Prezovski at all., Democracy well-being 1950-1990, (cambredge: Cambredg university press.1990).
PrzewoskI.A. Democracy and Market (New york: Cambridge university press),1991.
Remmer, Karen L., Debt or Democracy : The Political Impact of the Debt Crisis in Latin American. In Debt and Transsfiguration, Prospect for Latin America’s Economic Revival, ed. David Felix. Armonk, NY: Sharp. 1990.
Schmotz, Moller.J. .A. Skaaring S.E. Economic Crisis and Democratic Breakdow in the interwar years: A reassessment, Historical Social Research, vol.2, no.40.
Svolik M. Whish Democracies Will Last ? Coups, Incumbent Takeovers, and the Dynamic of Democratic Consolidation, British Journal of Political Science, vol.45, no.4. 2015.
Verba,Sydney and Gabriel Almend, Civil culture in Five Nation,London :SAGE Publication
Regional Economic Outlook :Middle East and Centrale Asia ,Internationale Monetary Fund (IMF)(November 2012).
Wade, Robert, « Governing The market, Economic Theory and the role of government in west Asian Industiarialisation ». Princeton University Press.1990.
https://www.lemaonde.fr/idees:article/2011/05/17/un-plan-economic-pour-soutnir-la-transition démocratique-en-tunisie.
الهوامش:
(=) تم تحكيم هذا المقال من طرف اللجنة العلمية لمركز مغرب القانون للدراسات والأبحاث القانونية.
[1] تعتبر دراسة سيمون مارتن ليبست من أولى الأبحاث الأكاديمية التي بحثت في الشروط المسبقة والمواتية لقيام النظام الديمقراطي، ينظر:
Seymour martin lipset , Some social requisites of democracy “economic Development and political legitimacy”, the American science review ,vol. 53 No.1 (March.1959).
[2] ينظر في هذا الخصوص مثلا لدراسة بروزرسكي وزملاؤه، حول الظروف المساعدة على استدامة الديمقراطية واستمراريتها:
Prezovski at all., Democracy well-being 1950-1990, (cambredge: Cambredg university press.1990).
[3] استعمل أول مرة مصطلح الموجة الثالثلة في كتاب: صمويل هنتنغتون، الموجة الثاللة: التحول الديمقراطي الديمقراطي في أواخر القرن العشرين، ترجمة عبدالوهاب علوب (الكويت: دار سعاد الصباح، الطبعة الأولى 1993)
[4] توكفيل، الديمقراطية في أمريكا، ترجمة أمين مرسي قنديل (القاهرة: عالم الكتاب 2017).
Sydney Verba and Gabriel Almend, Civil culture in Five Nation,London :SAGE Publication 1989. [5]
[6] ينظر في هذا الخصوص إلى العمل الفذ لبارينغتون مور، الأصول الاجتماعية للديكتاورية والديمقراطية، ترجة أحمد محمود (لبنان: المنظمة العربية للترجمة الطبعة الأولى 2008).
[7] أنظر مثلا في هذا الخصوص، عزمي بشارة، في المسألة العربية: مقدمة لبيان ديمقراطي عربي، (لبنان : مركز دراسة الوحدة العربية، الطبعة الثانية 2010).
[8] للمزيد حول الأزمات الاقتصادية خلال الفترة الانتقالية ينظر:
Elias Papaionnou and Gregorios siourounis, Democrati and growth, the Economic journal, volume .118, n°532, 2008; Freud carolne and Melise jaud, regime change :democracy and crowth, peterson institus for international Economics (IIT), april, 2014 ; Ades A. and H.chua, the neighbor’s curse: regional Instability and economic growth, journal of economic growth,n. 2 , (1997), Ben doudou makrem et Rahali faycel, Démocratie, Stabilité Politique et croissance économic: Estimation a partir d’une modèle panel dynamic, L’actualité économic , vol.94 ,n.1, mars 2018; Luiz carlos bresser pereira, Jose maria marvall, Adam prezowski, Economic reforms in new democracies :A social democratic Approche, (Cambridge university press, 1993)
[9] خلال الفترة الممتدة ما بين 1985 و 2004، انتهت الفترة الرئاسية لاثني عشر رئيسا عقب مظاهرات شعبية أو ضغط شعبي أرغمهم على تقديم استقالتهم، فقد أرغم الرؤساء إلى ترك مناصبهم في بوليفيا تحت الضغط الشعبي للمرة الثالثة خلال عشرين عاما، وفي الاكوادور للمرة الثالثة خالل عقد. وعندما تولى ” نيستور كيرسنر ” الرئاسة في ماي 2003 كان سادس رئيس ارجنتيني خلال ثمانية عشر شهرا، أنظر: لاري دايموند، روح الديمقراطية، ترجمة عبد النور الخراقي، (الدوحة: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الاولى 2014)،ص.292.
[10] مارك ف. بلانتر ولاري دايموند غييرمو أودونيل وأدم بروزرسكي وأخرون، الديمقراطية: أبحاث مختارة ( بيروت: شركة الكبوعات للنشر والتوزيع، طبعة 2016)،ص.97-98.
[11] أنظر المرجع نفسه، ص.ص.98-99.
[12]للمزيد حول الخبرة السياسية وتأثير المؤسسات في حالة استعادة الديمقراطية على فرص استدامتها أنظر مثلا، مارك ف. بلانتر ولاري دايموند وأدم بريجوفسكي وأخرون، مرجع سابق، ص.ص.171-172.
[13] Robert kaufamne and stephan Haggaard, Political Economy of Transition democraty, (United Kingdom: Princeton University Press 1995).
[14] للمزيد حول دور الثقافة المدنية في وجود الديمقراطية وترسيخها، أنظر العمل المؤسس لتوكفيل حول ما لاحظه في دراسته لامريكا: توكفيل، مرجع سابق، أنظر أيضا عمل سيدني فيربا وغابرييل ألموند، لدور الثقافة المدنية في نشوء الديمقرا طية :
Sydney Verba and Gabriel Almand ,op.cit
[15] صمويل هنتنغتون، النظام السياسي في مجتمعات متغيرة، ترجمة حسام نايل، (بيروت: دار التنوير للطباعة والنشر، الطبعة الاولى 2017).
[16] يعتبر مثلا خوان لينز ولاري دايموند بأن الأزمات الاقتصادية تمثل أحد أبرز التهديدات للإستقرار الديمقراطي، انظر:
Larry Daymond and Juan J.Linz, Introduction : Politics, Democracy, and Society in Latin American, In Larry Daymond and Juan J.Linz, and Seymour Martin Lipest, Democracy and Developing countries: Latin American (Boulder, Colo: Lynne Reinner, 1989).
[17] Larry Daymond, Facing up to The Democratic Recession, journal of Democracy,Vol.26, n.1, January 2015.
[18]Larry Daymond, Facing up to The Democratic Recession,op.cit.p.147.
[19] باربرا غيدس وأخرون، كيف تعمل الديكتاتوريات؟، السلطة وترسيخها وانهيارها، ترجمة عبدالرحمن عياش، (الدوحة: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى 2021).
[20] المرجع نفسه، ص.19.
[21] المرجع نفسه،ص.53.
[22] المرجع نفسه، ص.55.
[23] Larry Daymond, Facing up to The Democratic Recession,op.cit, p.150.
[24] Op.cit, p.151.
[25] غيورغ سورنسن، الدميقراطية والتحول الديمقراطي:السيرورات والمأمول في عالم متغير؛(الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى 2015).ص.109.
[26] المرجع نفسه، ص.ص.109-110.
[27] Terry Lynn Karl, Dilemmas of Democratization in L atin American, Comparative Politics, vol.23, no.1 (octo. 1990),p.17.
[28] للمزيد حول أزمة الديمقراطية وصعود الشعبوية أنظر مثلا، عزمي بشارة، الشعبوية والازمة الدائمة للديمقراطية، سياسات عربية، المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، العدد 40، شتنبر 2019،ص.ص.7-34. و مداني ليلى، تراجع جودة الديمقراطية في العالم ومخاطر صعود الشعبوية، مجلة دراسات وأبحاث، المجلد 13ـ عدد 4، يوليوز، 2021..ص.ص. 228-240.
[29] تحدد قاعدة البيانات العالمية التي تحمل عنوان ” الشعبوية في السلطة 1990-2018″ فصلا بين حدود تأثير الشعبوية في الديمقراطيات الليبرالية الراسخة، وتأثيرها على الديمقراطية الناشئة من خلال ثلاث جوانب من المؤسسات الديمقراطية، وهي: جودة الديمقراطية على نطاق واسع، والضوابط والتوازنات على السلطة التنفيذية، والمشاركة السياسية. ووجدت الدراسة أن الحكم الشعبوي سواء من اليمين أو اليسار له تأثير سلبي على الأنظمة السياسية ويؤدي إلى خطر كبير على تآكل الديمقراطية، وأن هذا التآكل يمكن احتواءه من طرف الديمقراطيات الراسخة في حين قد تصل حدود تأثير الشعبوية إلى تهديد بقاء الديمقراطيات الوليدة، خاصة تلك التي تحولت من نظام سلطوي لا يزال في التطور تدريجيا باتجاه الديمقراطية. للمزيد أنظر:
Jordan Kile and Limor Gultchin, and Authers, Populistin Power Around the World, 7th November 2018, Global challenges, https://institute.global/policy/populistts-world*appendix:-methodology.
[30] يهاجم الشعبويين الحقوق الفردية فأثناء فترة تواجدهم في السلطة انخفضت حرية الصحافة بنحو 7 في بالمئة والحريات المدنية بنسبة 8 بالمئة والحقوق السياسية بنسبة 13 بالمئة. Jordan Kile and Limor Gultchin, and Authers, op.cit.
[31] Robert kaufamne and stephan Haggaard, Political Economy of Transition democraty, (United Kingdom: Princeton University Press 1995) p.102.
[32] أنظر مثلا في هذا الخصوص لاستنتاجات دراسة روبرت وايد حول التأثير السلبي للتعددية والمنافسة في الدول النامية على النمو:
Robert wade « Governing The market, Economic Theory and the role of government in west Asian Industiarialisation ». Princeton University Press.1990.
[33] Juan Linz, Crisis, Breakdown and Re-equilibration, Baltimore : Johns Hopkins University Press, 1978.p.50
[34] Guillemo O’Donnell, Modernisation and Bureaucratic Authoritarianism :Studies in South American Politics, Berkley : Institute of International Studies, University of California.1970
[35] Mark J.Gasiorowski, Economic Crisis and Political Regime Change: An Event Historyb Analysis, American political science, vol.89, no.4 (december 1995).
[36] Robert Kaufman, Transition to stable Authoritarian-corporate Regimes ; The Chilean Case, Beverly Hills: Sage 1979.
[37] Mark J.Gasiorowski, Op.cit, p.892.
[38] للمزيد أنظر، جون تيوريل، محددات التحول الديمقراطي: تفسير تغير أنظمة الحكم في العالم (1972-2006)، ترجمة خليل الحاج صالح، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)، الطبعة الأولى 2019.
.[39] صمويل هنتنغتون، الموجة الثالثة، مرجع سابق،ص.130
[40] Karen L. Remmer, Debt or Democracy : The Political Impact of the Debt Crisis in Latin American. In Debt and Transsfiguration, Prospect for Latin America’s Economic Revival, ed. David Felix. Armonk, NY: Sharp. 1990.
[41] Larrry Diamond, The impact of the Economic Crisis : Why Democracy survive, Journal of Democracy, vol.22, no.1, Junuary 2011,p.17.
[42] بوزووسكي وأخرون، مرجع سابق.
[43] Moller.J.Schmotz .A. Skaaring S.E, Economic Crisis and Democratic Breakdow in the interwar years: A reassessment, Historical Social Research, vol.2, no.40, 2015, pp.313-314.
[44] Op.cit,p.314.
[45] نحن لا ننكر هنا آثار الازمة الاقتصادية في تحفيز حركات راديكالية مناهضة للديمقراطية، وأحزاب قومية متطرفة، مع صعود تأثير الخطاب الشعبوي في كثير من البلدان، وقد اتخذ هذا الأمر في الدول الأوروبية صراعا هوياتيا وقوميا موجه ضد المهاجرين والأقليات، وهو ما يعسكه زيادة تمثيل الأحزاب المتطرفة في المجالس التشريعية لكثير من البلدان الأوروبية (كالنمسا والمانيا وفرنسا…)، لكن ذلك لم يؤدي إلى تهديد جدي للنظام الديمقراطي، أو تهديد للقيم اللليبرالية داخل هذه الدول.
[46] Larrry Diamond, The impact of the Economic Crisis : Why Democracy survive, op.cit, p.18
[47] من جميع الحالات التي لاحظها لاري دايموند والتي وقعت فيها انهيارات ديمقراطية منذ 1999، وجد أن إثنى عشرة حالة كانت تعرف معدلات نمو إجمالية جيدة إلى حد ما، وباستثناء حالات قليلة عرفت تدهورا في نموها الاتصادي أثناء وقوع الانهيار الديمقراطي، وشملت جمهورية فيجي سنة 2000 ونيبال سنة 2002 وهندوراس سنة 2009 ومدغشقر سنة 2009 والنيجر سنة 2009، أنظر:
Larrry Diamond, The impact of the Economic Crisis : Why Democracy survive,op.cit.p.20.
[48] Op.cit p.18
[49] Op.cit pp.20-21-22.
[50] Svolik M. Whish Democracies Will Last ? Coups, Incumbent Takeovers, and the Dynamic of Democratic Consolidation, British Journal of Political Science, vol.45, no.4. 2015, pp.715-738; and Moller at.all, Economic Crisis and Democratic Breakdown in the Interwar Years: A Rassessment, Historical Social Resherch, vol.40, no.2, 2015,PP.301-31; and PrzewoskI.A. Democracy and Market (New york: Cambridge university press),1991.
[51]Moller.J.Schmotz .A. Skaaring S.E. Economic Crisis and Democratic Breakdow in the interwar years: A reassessment, Historical Social Research, vol.2, no.40, 2015, pp.303-304.
[52] David D.E. Anderson and Suthan Krisharajan, Economic crisis, Bereaucratic Quality and Democraty Breakdown, Government position, vol.54, no.4, 2019,pp.715-744.
[53] Guillemo O’Donnell, Modernisation and Bureaucratic Authoritarianism :Studies in South American Politics,p.1-30 and 70.
[54] David D.E. Anderson and Suthan Krisharajan, op.cit, p.717.
[55] Op.cit.719.
[57] Mahmoud ben romdhane,Tunisie: La démocratue en quéte d’Etat(Tunisie : sud edition Avril 2018)p.185
[58] ينظر مثلا، بخصوص ذلك:
Elias Papaionnou and Gregorios siourounis,op.cit.; Freud carolne and Melise jaud, op.cit.
[59] Mahmoud ben romdhan, op. cit p. 48-49 للمزيد حول هذه الدراسة أنظر :
[60]عبد الجليل بدوي وأخرون؛ تونس الانتقال الديمقراطي العسير، الاشكالات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية خلال مرحلة التحول الديمقراطي،(القاهرة: مركز الاهرام لدراسات حقوق الانسان؛ 2017)، ص.65.
[61]علي الشابي؛ تحديات الاقتصاد التونسي في ظل المرحلة الانتقالية(2011-2017)، (الدوحة:مركز الجزيرة للدراسات؛ 15 ماي 2017)، ص.5
[62] Mahmoud ben romdhan,Op. cit, P.28.
[63] تقرير صندوق النقد الدولي، منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان، نونبر2013.
[64] علي الشابي،مرجع سابق، ص.3 .
[65] أحمد الكواز وأخرون، السياسات التنموية وتحديات الثورة في الاقطار العربية، (الدوحة:المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الاولى )2017،ص.239.
[66] Mahmoud ben ramdhan, Op.cit. ,p.52.
[67] دارم البصار وأخرون، السياسات التنموية وتحديات الثورة في الاقطار العربية، (الدوحة: المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، الطبعة الاولى.2017)،ص.182 .
[68]للمزيد حول هذه الدراسات ينظر: Gregory Brunk, Gregory Caldera and Michels Lewis-Beck, Capitalism, Socialism, And Democracy: In imperical Inquiry, European Journal of Political Research, vol.15(1987); and Ross Burkhart, Economic Freedom and Democracy: Post-Cold War Tests, European Journal of political Research, vol.37(2000).
[69] غيورغ سورسن، حرجع سابق، ض.151.
[70] دارم البصار، مرجع سابق، ص.184
[71] Regional Economic Outlook :Middle East and Centrale Asia ,Internationale Monetary Fund (IMF)(November 2012).
[72] رغم أن المظاهرات والاحتجاجات المكثفة كانت سببا مباشرا لسقوط النظام الاستبدادي في تونس سنة 2011، إلا أن دور النخب وادوارها الطلائعية لا يمكن تجاوزه أو إنكاره في تمكين المسار الديمقراطي خلال المرحلة الانتقالية في تونس، ينظر مثلا: مهدي مبروك وأحمد بوغانمي وحافظ عبدالرحيم وأخرون، النخب والانتقال الديمقراطي: التشكل والمهمات والأدوار (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الاولى2019).
للمزيد انظر؛ صمويل هنتنغتون؛ الموجة الثالثة، مرجع سابق .ص.117-124 [73]
علي الشابي؛ مرجع سابق؛ ص..16[74]
أنور الجمعاوي، مرجع سابق.ص.498[75]
[76] وجه الرئيس التونسي السابق محمد المنصف المرزوقي في كثير من لقاءاته الاعلامية اتهامات إلى الامارات، بأنها تعمل على محاولة إفشال الثورة التونسية، ومحاولة استنساخ النموذج المصري في تونس.
[77] للمزيد حول تأثيرات التحولات الديمقراطية على الدول الاخرى أنظر: صمويل هنتنغتون؛ الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي مرجع سابق؛ ص.169
[78]https://www.lemaonde.fr/idees:article/2011/05/17/un-plan-economic-pour-soutnir-la-transition démocratique-en-tunisie.
عبد الجليل بدوي؛ مرجع سابق؛ ص.68. [79]
[80] أنظر، اتجاهات الرأي العام التونسي نحو التجربة الديمقراطية، سياسات عربية، العدد 52، المجل 9، سبتمبر 2021، ص.115.
[81] المرجع نفسه، 115
[82] المرجع نفسه، ص.116.
[83] المرجع نفسه، ص.110.