مجلة مغرب القانونالقانون الخاصحسن فتوخ : موقف المحافظ العقاري من تصرفات المحكوم عليه بعقوبة الحجر القانوني

حسن فتوخ : موقف المحافظ العقاري من تصرفات المحكوم عليه بعقوبة الحجر القانوني

  • من إعداد : الدكتور حسن فتوخ قاض بمحكمة النقض و أستاذ بالمعهد العالي للقضاء.

جاء في الباب الثاني من القانون الجنائي أن الحجر القانوني يندرج ضمن العقوبات الإضافية بمقتضى التعداد الوارد في الفصل 36 من نفس القانون مع فارق بسيط أن المشرع اعتبر المصادرة كعقوبة إضافية في هذا الفصل، وكتدبير وقائي في الفصل 89 من نفس القانون.

وأن الحجر القانوني والتجريد من الحقوق الوطنية، كعقوبتين تبعيتين، ينتجان عن العقوبات الجنائية وحدها. ويتعين تطبيقهما بحكم القانون دون حاجة إلى النطق بهما في الحكم. إضافة إلى أن هذا النوع من العقوبات يحرم المحكوم عليه من مباشرة حقوقه المالية طوال مدة تنفيذ العقوبة الأصلية. وله في جميع الأحوال أن يختار وكيلا ينوب عنه في مباشرة تلك الحقوق تحت إشراف الوصي القضائي المعين في أحكام الفصل 39 الذي يجري سياقه على ما يلي :

” يعين وفق الإجراءات المقررة في شأن المحجورين القضائيين، وصي للإشراف على إدارة أموال المحكوم عليه أثناء وجوده في حالة الحجر القانوني. فإذا كان المحكوم عليه قد اختار وكيلا لمباشرة تلك الإدارة، فإنه يكون تحت إشراف الوصي ومسؤولا أمامه. وفي غير هذه الحالة يتولى الوصي بنفسه مباشرة تلك الإدارة.
ولا يجوز طوال مدة العقوبة أن يسلم للمحجور القانوني أي مبلغ من مدخولاته ما خلا المقادير الخاصة بالمعيشة في حدود ما تسمح به إدارة السجون.
وعند انتهاء العقوبة، تعاد إلى المحجور أمواله، ويقدم له الوصي الحساب عما قام به مدة إدارته “.

ويستفاد من هذا المقتضى التشريعي أن الأشخاص المحكوم عليهم من بالحجر القانوني كعقوبة جنائية تبعية يفقدون الأهلية لمباشرة الحقوق والتحمل بالالتزامات، وذلك ابتداء من تاريخ صيرورة العقوبة الأصلية قطعية وحائزة لقوة الشيء المقضي به، انسجاما مع مقتضيات المادة 618 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على ما يلي :

” لا يعتبر مدانا إلا الشخص الذي صدر في حقه مقرر قضائي اكتسب قوة الشيء المقضي به. يعتبر معتقلا احتياطيا، كل شخص تمت متابعته جنائيا ولم يصدر بعد في حقه حكم اكتسب قوة الشيء المقضي به… “. 

فما هي المواقف الفقهية والقضائية حول التطبيق العملي لآثار هذه العقوبة على الأهلية في مباشرة التصرفات القانونية ؟

المحور الأول : المواقف الفقهية بشأن أهلية المحكوم عليه جنائيا

هناك جدل فقهي حول علاقة الحجر القانوني بالأهلية، نعرض له كما يلي :

الاتجاه الأول من الفقه اعتبر أن :

” الحجر القانوني يفقد المحكوم عليه أهليته المدنية فلا يجوز له إجراء التصرفات القانونية على أمواله بالبيع أو الشراء أو غيرها من التصرفات “.

الاتجاه الثاني من الفقه: عرف الحجر القانوني بأنه حرمان المحكوم عليه ( في جناية ) من مباشرة حقوقه المالية طوال فترة تنفيذه للعقوبة الجنائية الأصلية. وأضاف بأن الحجر القانوني يؤدي إلى الانتقاص من أهلية المحكوم عليه بعقوبة جنائية أصلية، لأنه يصبح بعد الحكم عليه فاقدا لأهلية الأداء بحيث لا يمكنه أن يتصرف في أمواله أو إدارتها شخصيا أو أن يقاضي عنها كمدع أمام القضاء، ولا أن يجيب على مطالبة قضائية تتناول التزاما عليه أو حقا له. كما استطرد نفس الاتجاه قائلا أن المحكوم عليه بالحجر القانوني يحق له ممارسة كافة حقوقه غير المالية اللصيقة بشخصه كالزواج والطلاق الإقرار بالبنوة وتزويج من هم تحت ولايته.

الاتجاه الثالث من الفقه يقول بأن: ” الحجر على المحكوم عليه لا يرجع لنقص أهليته فهو كامل الأهلية لأنه كامل التمييز وإنما وقع الحجر عليه لاستكمال العقوبة من جهة وللضرورة من جهة أخرى “.

مقال قد يهمك :   الفقيه أحمد شكري السباعي : دراسة تقييمية لقانون الالتزامات و العقود المغربي

وقد استند هذا الاتجاه في تبنيه لهذا الرأي على مقتضيات 109 من القانون المدني المصري التي تنص على أن: ” كل شخص أهل للتعاقد ما لم تسلب أهليته أو يحد منها بحكم القانون “.

ونؤيد ما ذهب إليه الاتجاه الأول أعلاه من كون الحجر القانوني يؤثر سلبا على أهلية المحكوم عليه في مباشرة حقوقه المالية خلال مدة تنفيذ العقوبة الأصلية، لأنه يتعذر عليه من الناحية الواقعية إدارة أمواله وتسييرها نتيجة سلب حريته وقضاءه لعقوبة جنائية بمقتضى قرار جنائي بدليل أنه يعين له تلقائيا وصيا طبقا للفصل 39 من القانون الجنائي أعلاه وفق الإجراءات المقررة في شأن المحجورين القضائيين المنصوص عليها في مدونة الأسرة. أو بعبارة أخرى فإن هذا النوع من الحجر الذي يصيب أهلية السجين يختلف عن أسباب الحجر القضائي التي تنقص الأهلية أو تعدمها حسب المادة 212 من مدونة الأسرة. إذ إن الحجر القانوني كعقوبة إضافية يقع بقوة القانون كلما تعلق الأمر بعقوبات جنائية، ويمنع السجين شخصيا من إبرام التصرفات القانونية، وينتهي فور انتهاء مدة العقوبة المحكوم بها دون حاجة إلى استصدار حكم برفعه.

ونعتقد من خلال ما تم عرضه أعلاه، أنه يترتب عن الحكم بالحجر القانوني حرمان المحكوم عليه من مباشرة حقوقه المالية طوال مدة تنفيذ العقوبة الأصلية بصفة شخصية، وإنما عن طريق وكيل ينوب عنه باختياره تحت إشراف الوصي القضائي المعين، مع العلم أن النائب الشرعي الذي يتم تعيينه من طرف المحكمة للنيابة عن شؤون المحكوم عليه يصطلح عليه بالمقدم وليس بالوصي تطبيقا لمقتضيات المادة 231 من مدونة الأسرة.

وجدير أن وزارة العدل سبق لها أن اعتبرت بمناسبة إصدارها لمنشور حول تنفيذ الأحكام الزجرية أن :

” لكل معتقل الحق في التصرف في أمواله المودعة بالسجن – مع مراعاة الضوابط الخاصة لتسيير هذه الأموال داخل السجون – وكذلك في أمواله الغير المودعة كيفما كان نوعها، مالم يصدر في حقه حكم بعقوبة جنائية اكتسبت قوة الشيء المقضي به أو أمر بقضائي بحجزها.

ففي حالة الحكم بعقوبة جنائية اكتسبت قوة الشيء المقضي به يعين له القاضي المكلف بشؤون المحاجير وصيا يدير أمواله وللمعتقل في هذه الحالة الحق في اختيار وكيل له لإدارة أمواله تحت إشراف الوصي.

إن التصرف في أموال المعتقل ما دام احتياطيا يتوقف على استشارة النيابة العامة استنادا للفصل العاشر من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 11 جمادى الثانية 1333 موافق 26 أبريل 1915 الخاص بتنظيم السجون.

ويدخل في صنف المعتقلين الاحتياطيين المعتقل بمقتضى إلقاء القبض صادر عن دولة أجنبية والموجود في السجن في انتظار تسليمه “.

المحور الثاني : موقف العمل القضائي بشأن أهلية المحكوم عليه

نشير في البداية إلى أن المحكوم عليه بعقوبة الحجر القانوني يفقد أهلية التصرف في إبرام التصرفات القانونية سواء تعلق الأمر بالإلزام أو الالتزام، ويجب خضوعها بالتالي لإذن ورقابة قاضي شؤون القاصرين تحت طائلة المطالبة بإبطالها حسب ما أكدته محكمة الاستئناف بسطات في أحد قراراتها مؤكدة ما يلي :

” المحكوم عليه بعقوبة جنائية يحرم من مباشرة حقوقه المالية طوال مدة تنفيذ العقوبة الأصلية وأن له أن يختار وكيلا عنه لمباشرة أعماله، إلا أن جميع تصرفات هذا الوكيل في نطاق وكالته هذه تكون خاضعة لقاضي القاصرين. وأن مخالفة هذا الأخير تؤدي حتما إلى إبطال هذه التصرفات “.

مقال قد يهمك :   موقف القضاء الإداري المغربي من عدم استعمال العربية كلغة رسمية للدولة في تصرفات الإدارة

كما أكدت محكمة الاستئناف ببني ملال نفس الاتجاه معتبرة ما يلي :
البيع الصادر من الزوجة نيابة عن زوجها أثناء فترة تنفيذ الزوج العقوبة الجنائية الأصلية المحكوم بها عليه، باطل بطلانا مطلقا لعدم إذن قاضي القاصرين في البيع وعدم مراعاة المسطرة الخاصة ببيع عقارات القاصرين “.

و يلاحظ من خلال حيثيات القرارين أعلاه، أن الأول قد اعتبر أن التصرفات المذكورة قابلة للإبطال، في حين اعتبر الثاني أنها باطلة، دون أن يقيما معا أي تمييز بين ما إذا كان الحكم القاضي بالعقوبة حائزا لقوة الشيء المقضي به أم لا، وهو ما تأتى للمحافظ العام أن يجيب عنه من خلال مقتضيات الفصلين 37 و39 المشار إليهما أعلاه، معتبرا في أحد دورياته التي أصدرها في هذا الصدد ما يلي :

” إن المحجور عليه لا يفقد الأهلية قبل صيرورة الحكم حائزا لقوة الشيء المقضي به، وبالتالي فتصرفاته خلال هذه الفترة صحيحة ويجب تقييدها بالرسوم العقارية، أما بعد ذلك فإن المحكوم عليه يقع تحت الحجر القانوني، وتخضع بالتالي تصرفاته لرقابة شؤون المحاجير تحت طائلة البطلان “.

غير أن الإشكال الذي يطرح من الناحية العملية يتعلق بمدى صحة إجراءات الحجز العقاري الجارية على أموال المدين المعتقل الخاضع للحجر القانوني؟

نعتقد أن الحجر القانوني يمنع فقط المحكوم عليه من إدارة وتسيير أمواله بنفسه، وله ذلك بواسطة وكيله، أو الوصي القضائي المعين، أما فيما يتعلق بالأموال المحجوزة تنفيذيا التي تجري بشأنها إجراءات بيعها من طرف الدائنين بالمزاد العلني، فإن العون المكلف بالتنفيذ ملزم بالاحتفاظ بالمبلغ المتبقي من منتوج البيع لفائدة المدين المحكوم عليه. بل ويمكن تسليمه إلى وكيل هذا الأخير، أو إلى الوصي القضائي بإذن من قاضي شؤون المحاجير.

وقد أثير هذا النقاش أمام المحكمة الابتدائية بمراكش بشأن طلب إبطال إجراءات الحجز العقاري والإعلان عن البيع بالمزاد العلني، فقضت برفضه بعلة أن مقتضيات الفصلين 38 و39 من القانون الجنائي لا تنطبق على النازلة، لأن الأمر يتعلق بأموال محجوزة حجزا تنفيذيا ومعروضة للبيع عن طريق القضاء، وأن المدعي (المحكوم عليه) لا يحق له أصلا التصرف في العقار المحجوز لا عن طريق البيع ولا الرهن ولا الكراء.

وفي سياق آخر، طرحت للنقاش مسألة الاعتراف بالدين الذي يصدر عن المحكوم عليه بعقوبة جنائية، فأجابت محكمة النقض في أحد قراراتها بما يلي :

” حيث يعيب الطاعن على المحكمة في وسيلته الوحيدة خرق مقتضيات الفصل 37 و 38 من القانون الجنائي وخرق حق الدفاع : من حيث أنه أثار في المرحلة الاستئنافية أن المطلوب في النقض معتقل بالسجن المدني ( …. ) لتورطه في جناية ، وأنه لا يمكنه مباشرة حقوقه بنفسه حسب مقتضيات الفصل 37 ق ج وأن الفصل 38 من نفس القانون ينص على أن الحجر القانوني يحرم المحكوم عليه من مباشرة حقوقه المالية طوال مدة تنفيذ العقوبة الأصلية وأن المطلوب في النقض لم يعين وكيلا عنه في مباشرة حقوقه والمحكمة لم تجب على هذا الدفع مما يعرض القرار للنقض .
لكن حيث نص الفصل 37 من القانون الجنائي أن الحجر القانوني والتجريد من الحقوق الوطنية كعقوبة تبعية ينتجان عنه العقوبات الجنائية وحدها . ولم يدل الطاعن بما يفيد أن المطلوب في النقض وقت تقديمه لمقال الادعاء كان يقضي عقوبة جنائية والمحكمة غير ملزمة بالرد إلا على الدفوع المدعمة والتي لها تأثير على وجه الحكم فكان ما بالوسيلة غير جدير بالاعتبار”.

مقال قد يهمك :   تقاليد و أعراف مهنة المحاماة في زمن الإنترنيت

وغني عن البيان، فإنه يجوز استثناء للسجين المحجور عليه أن يتصرف مباشرة في أمواله المودعة بحسابه الاسمي ضمن الحدود المسموح بها من طرف إدارة السجون، ويسلم له رصيده المتبقي مباشرة فور الإفراج عنه، الشيء الذي يجعلنا نتساءل عن أثر الإفراج الشرطي على الحجر القانوني ومدى أحقية المحكوم عليه في استعادة أهليته لمباشرة حقوقه ؟

نعتقد أن مقتضيات المادة 629 من قانون المسطرة الجنائية المغربي لا تسعف في استعادة المحجور عليه لأهليته، لأن الإفراج الشرطي في حد ذاته مجرد إجراء وقتي يتم اتخاذه بناء على المعايير المنصوص عليها قانونا، بدليل أنه لا يصبح نهائيا إلا بعد انتهاء مدة العقوبة. أما قبل ذلك فيمكن العدول عنه إذا ثبت سوء سلوك المتمتع به أو عدم احترامه للشروط المحددة في قرار الإفراج أعلاه. هذا مع العلم أن وزارة العدل سبق لها أن أكدت صراحة موقفها في هذا الصدد، والرامي إلى كون “الإفراج المقيد الذي ليس إلا طريقة خاصة من طرق تنفيذ العقوبة لا يؤدي إلا انقضاء الحجر القانوني”.

وتجدر الإشارة إلى أن الحجر القانوني كعقوبة جنائية تبعية يدور وجودا وعدما مع العقوبة الأصلية، كما يمكن أن ينقضي الحجر القانوني باستفادة المحكوم عليه من عفو خاص عن العقوبة الأصلية أو استبدالها بعقوبة جنحية أو بإبطال الحكم الجنائي القاضي بعقوبة جنائية من طرف محكمة النقض عن طريق المراجعة.

كما يطرح السؤال أيضا حول ما إذا كان المحكوم عليه غيابيا بعقوبة جنائية في حالة حجر قانوني أم لا؟
يجيبنا بعض الفقه بالنفي لسببين، أولهما أن الحكم الجنائي الصادر غيابيا في جناية لا يكون نهائيا ويسقط كما هو معلوم بحضور المحكوم عليه أو إلقاء القبض عليه طبقا لمقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 453 من ق م ج . وثانيهما أن الحكم الغيابي لا يفضي عمليا إلى تطبيق عقوبة الحجر القانوني ما دام لا يمكن تنفيذه. وأضاف نفس الفقه بأن تصرفات المحكوم عليه غيابيا من أجل جناية تكون باطلة استنادا إلى مقتضيات قانون المسطرة الجنائية التي تجرده من جميع الحقوق القانونية ابتداء من استيفاء إجراءات الشهر للحكم الغيابي في الجريدة الرسمية.

و نعتقد أن هذه الآثار القانونية كان معمولا بها في إطار قانون المسطرة الجنائية الملغى، أما مقتضيات قانون المسطرة الجنائية الجديد فقد تضمنت الإشارة صراحة إلى أن المتهم يوقف عن مزاولة حقوقه المدنية وتعقل أملاكه خلال مدة التحقيق الغيابي ويمنع من رفع أية دعوى قضائية طيلة نفس المدة. وبعد نشر الحكم الغيابي بالجريدة الرسمية يصبح التجريد من الحقوق التي ينص عليها القانون سارياً على المحكوم عليه.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]